بداية الوصول

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي

بداية الوصول

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي


المحقق: محمّد عبدالحكيم الموسوي البكّاء
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار الهدى
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٢
ISBN: 964-497-064-0
ISBN الدورة:
964-497-056-X

الصفحات: ٤٢١

.................................................................................................

______________________________________________________

وتوضيحه : ان كون الاثر مرتبا بنحو مفاد كان الناقصة انما يجري استصحاب عدمه حيث يكون لنا يقين بتحقق هذا الوجود المتصف بالتقدّم ، ثم يحصل اليقين بعدمه ، والمفروض في المقام انه لا يقين لنا كذلك وانما لنا يقين بعدم الوجود.

لا يقال : انه اذا كان لنا يقين بعدم الوجود فلنا يقين ايضا بعدم اتصافه ، لوضوح انه حيث لا وجود لا اتصاف ايضا.

فانه يقال : ان اليقين بعدم الاتصاف انما هو من باب السالبة بانتفاء الموضوع ، لانه حيث لا وجود لا اتصاف ، واليقين النافع هو اليقين بعدم الوجود المتصف بنحو السالبة بانتفاء المحمول ، والمفروض انه لا يقين لنا كذلك حيث لم يكن هذا الوجود المتصف بالتقدّم متحققا ثم عدم ، حتى يكون عدمه المتيقن بنحو السالبة بانتفاء المحمول.

فاتضح : انه اذا كان الاثر مرتبا بنحو مفاد كان الناقصة لا يجري الاستصحاب لعدم اليقين السابق ، وانه لا فرق بين مجهول التاريخ منهما ومعلومه ، لفرض عدم اليقين السابق بنحو السالبة بانتفاء المحمول ، لا في المجهول ولا في المعلوم.

وقد اشار الى ما ذكرنا بقوله : ((واما يكون)) الاثر ((مترتبا على ما اذا كان متصفا بكذا)) وبهذا اشار الى كون المفاد مفاد كان الناقصة ، واشار الى عدم جريان الاستصحاب لا في المجهول ولا في المعلوم بقوله : ((فلا مورد للاستصحاب اصلا)) أي انه لا يجري استصحاب العدم في كل منهما ((لا في مجهول التاريخ ولا في معلومه كما لا يخفى)) ، واشار الى الوجه في عدم خفاء ذلك بقوله : ((لعدم اليقين بالاتصاف به سابقا منهما)) أي ان الاثر اذا كان بنحو مفاد كان الناقصة فالعدم النافع استصحابه هو العدم الذي سبقه تحقق الوجود الذي له الاتصاف ، لانه حينئذ يكون السلب بانتفاء المحمول ، والمفروض انه لا يقين لنا بالعدم على هذا النحو ، وانما لنا يقين بالعدم من باب السالبة بانتفاء الموضوع ، وهو لا ينفع استصحابه الّا بناء على حجيّة الأصل المثبت.

٢٦١

وإما يكون مترتبا على عدمه الذي هو مفاد ليس التامة في زمان الآخر ، فاستصحاب العدم في مجهول التاريخ منهما كان جاريا ، لاتصال زمان شكه بزمان يقينه ، دون معلومه لانتفاء الشك فيه في زمان ، وإنما الشك فيه بإضافة زمانه إلى الآخر (١) ، وقد عرفت جريانه فيهما تارة

______________________________________________________

(١) لا يخفى انه اشار الى ما كان الاثر مرتبا على العدم بنحو مفاد ليس التامة ، ولم يشر الى ما كان مرتبا على العدم بنحو مفاد ليس الناقصة ، لوضوح الوجه في عدم جريانه وهو عدم اليقين السابق بالعدم المتصف ، كما مرّ بيانه في ما كان الاثر مرتبا على الوجود بنحو مفاد كان الناقصة ، ولذلك خصّ الكلام بما كان الاثر مرتبا على العدم بنحو مفاد ليس التامة ، وانه يجري استصحاب العدم في خصوص مجهول التاريخ منهما دون معلوم التاريخ.

وتوضيحه : ان ما مرّ من المانع عن جريان الاستصحاب في العدم بنحو مفاد ليس التامة في مجهولي التاريخ وهو عدم اتصال اليقين بالشك غير جار هنا بالنسبة الى مجهول التاريخ منهما ، لاتصال زمان الشك فيه باليقين ، لان المفروض في المقام هو كون الاثر مرتبا على عدم احد الحادثين بملاحظة الحادث الآخر ، ولما كان زمان الحادث الآخر معلوما كان استصحاب العدم في مجهول التاريخ الى زمان حدوث الحادث المعلوم متصلا بزمان اليقين ، فانا لو فرضنا ـ مثلا ـ ان موت المورث كان معلوما وهو يوم الجمعة مثلا ، فيكون يوم الاربعاء زمان اليقين بعدم الاسلام ، ويوم الخميس هو زمان الشك في حدوث الاسلام ، لانه يحتمل كون يوم الخميس زمان حدوث الاسلام ، ويحتمل كون الاسلام حادثا بعد حدوث الموت المعلوم حدوثه يوم الجمعة ، فاستصحاب عدم الاسلام مما بعد يوم الاربعاء الى يوم الجمعة وهو زمان العلم بحدوث الموت يكون متصلا باليقين بعدم الاسلام يوم الاربعاء.

والحاصل : ان يوم الاربعاء زمان العلم بعدم الاسلام ، ويوم الخميس زمان الشك في حدوث الاسلام ، فيستصحب عدم الاسلام في يوم الخميس الى يوم الجمعة

٢٦٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وهو زمان العلم بموت المورث ويترتب عليه الاثر وهو عدم التوريث ، بخلافه في مجهولي التاريخ المتعاقبين فان استصحاب عدم الاسلام الى زمان الموت لا يكون متصلا ، لان الموت اذا كان يوم الخميس كان استصحاب عدم الاسلام متصلا ، واذا كان الموت يوم الجمعة فلازمه كون الاسلام في يوم الخميس ويكون حينئذ منفصلا ، فالاتصال يكون مشكوكا ، واما في المقام فلان فرض العلم بالموت يوم الجمعة لا يلزمه حدوث الاسلام يوم الخميس ، بل المفروض في المقام هو كون الاسلام مشكوكا حدوثه في يوم الخميس ، لاحتمال وقوعه فيه ووقوعه بعد حدوث الموت في يوم الجمعة ، فيكون زمان الشك فيه متصلا بزمان اليقين ، ولذا قال : ((فاستصحاب العدم في مجهول التاريخ منهما)) بالخصوص دون معلوم التاريخ ((كان جاريا لاتصال زمان شكه بزمان يقينه دون معلومه)) فانه لا اتصال فيه كما سيأتي بيانه.

واما في معلوم التاريخ فاستصحاب العدم بالنسبة الى نفس وجوده لا مجرى له لعدم الشك ، لفرض كون عدمه قبل زمان العلم بحدوثه معلوما لا مشكوكا ، وبعد العلم بحدوثه فوجوده معلوم ، فلا شك في نفس عدمه في حال من الاحوال لا قبل العلم بحدوثه للعلم بالعدم ، ولا بعد العلم بحدوثه للعلم بالوجود ، فالعدم على أي حال لا شك فيه حتى يستصحب.

واما استصحاب عدمه بالنسبة الى زمان الحادث الآخر ، فهو مشكوك في حال العلم بالعدم وفي حال العلم بالوجود ، فان الموت ـ مثلا ـ وان كان معلوم الحدوث يوم الجمعة ، وعدم الموت معلوم يوم الخميس ومعلوم العدم في يوم الجمعة وما بعده ، الّا ان عدم الموت في زمان الاسلام مشكوك في يوم الخميس ، لاحتمال تأخر الاسلام عن يوم الجمعة ، واحتمال تقدّم الاسلام على يوم الجمعة ، ومثله الحال في عدم الموت بالنسبة الى زمان الاسلام يوم الجمعة ، فان الموت وان كان معلوم الحدوث يوم الجمعة ، الّا ان عدمه في زمان الاسلام مشكوك ايضا ، لاحتمال تقدّم الاسلام على يوم الجمعة واحتمال تأخره عنها ، لعدم منافاة العلم بزمان الحدوث

٢٦٣

.................................................................................................

______________________________________________________

للجهل بكون حدوثه متقدّما او متأخرا او مقارنا بالنسبة الى الحادث الآخر ، الّا انه لا يجري استصحاب عدمه بهذا اللحاظ لعدم اتصال زمان يقينه بالشك فيه ، لان الحادث الآخر ان كان زمان حدوثه متقدما على زمان حدوث هذا الحادث المعلوم الحدوث ، كان استصحاب عدم تقدّم هذا الحادث المعلوم متصلا ، وان كان زمان حدوث الحادث الآخر متأخرا عن زمان الحادث المعلوم الحدوث ، كان استصحاب عدم تقدّم الحادث المعلوم الحدوث الى زمان الحادث الآخر منفصلا بزمان العلم بحدوث الحادث المعلوم زمان حدوثه ، فلا يكون استصحاب عدم تقدم الحادث المعلوم محرز الاتصال.

وقد اشار الى عدم جريان الاستصحاب في معلوم التاريخ في عدمه بالنسبة الى وجوده ـ لانه قبل زمان الحدوث المعلوم العدم معلوم لا مشكوك ، وبعد زمان الحدوث المعلوم الوجود معلوم ، فعلى أي حال لا شك في عدمه بالنسبة الى وجوده ـ بقوله : ((لانتفاء الشك فيه في زمان)) لا في زمان قبل العلم بالحدوث ولا في زمان بعد العلم بالحدوث ، واشار الى عدم جريانه في المعلوم بملاحظة زمان الآخر : أي ان استصحاب عدم الحادث المعلوم بالنسبة الى زمان الآخر وان كان مشكوكا لكنه لا يجري لعدم احراز الاتصال بقوله : ((وانما الشك فيه باضافة زمانه الى)) زمان ((الآخر)) بضمّ قوله دون معلومه ، فان المتحصّل من مجموع عبارته : ان الاثر اذا كان مترتبا على العدم بنحو مفاد ليس التامة ، فيما كان احد الحادثين معلوم التاريخ والثاني مجهول التاريخ ، هو جريان استصحاب العدم في خصوص مجهول التاريخ لاحراز اتصال زمان شكه بزمان يقينه ، دون معلوم التاريخ لعدم احراز اتصال زمان الشك فيه بزمان اليقين ، لان المفروض كون الاثر مرتبا على العدم بملاحظة زمان الآخر ، لا على العدم بملاحظة وجوده فانه لا شك فيه في زمان ، بخلاف الاثر المرتب على العدم بملاحظة زمان الآخر فان الحادث المعلوم وان عدمه مشكوك بهذه الملاحظة ، الّا انه حيث لا احراز للاتصال فلا يجري الاستصحاب فيه.

٢٦٤

وعدم جريانه كذلك أخرى (١).

فانقدح أنه لا فرق بينهما ، كان الحادثان مجهولي التاريخ أو كانا مختلفين ، ولا بين مجهوله ومعلومه في المختلفين ، فيما اعتبر في الموضوع

______________________________________________________

(١) هذا معطوف على الفرق بين الحادثين المعلوم تاريخ احدهما في صحة استصحاب العدم فيما كان الاثر مرتبا على العدم بنحو مفاد ليس التامة في خصوص مجهول التاريخ منهما ، دون معلوم التاريخ منهما ، فبعد ان ذكر الفرق بينهما في هذا الفرض عطف عدم الفرق بين الحادثين المعلوم تاريخ احدهما في غير هذا الفرض من الفرضين المتقدمين وهما : فرض كون الاثر مرتبا على الوجود بنحو كان التامة ، فان استصحاب العدم يجري في مجهول التاريخ ومعلومه كما مرّ بيانه ، وفرض كون الاثر مرتبا على الوجود بنحو مفاد كان الناقصة ، فان استصحاب العدم لا يجري لا في مجهول التاريخ ولا في معلومه ، ولذا قال عاطفا لعدم الفرق بينهما على الفرق بينهما ((وقد عرفت جريانه)) أي قد عرفت جريان استصحاب العدم ((فيهما)) أي في الحادثين المعلوم تاريخ احدهما ((تارة)) وذلك فيما كان الاثر مترتبا على الوجود بنحو مفاد كان التامة ، فان استصحاب العدم يجري في كلّ من الحادثين من دون فرق بين مجهول التاريخ منهما ومعلومه ((وعدم جريانه)) أي وقد عرفت عدم جريان استصحاب العدم ((كذلك)) أي لا في مجهول التاريخ ولا في معلومه ((اخرى)) وذلك فيما كان الاثر مرتبا على الوجود بنحو مفاد كان الناقصة ، فانه لا يجري الاستصحاب لا في مجهول التاريخ منهما ولا في معلومه كما مرّ بيانه ايضا.

٢٦٥

خصوصية ناشئة من إضافة أحدهما إلى الآخر بحسب الزمان من التقدم ، أو أحد ضدّيه وشك فيها ، كما لا يخفى (١).

______________________________________________________

(١) ظاهر هذا الانقداح انه لازم ما مرّ بيانه ، وهو اشارة ايضا الى التعريض بالشيخ الاعظم في رسائله ، حيث انه في المختلفين : أي ما اذا كان احدهما معلوم التاريخ والثاني مجهول التاريخ قال بجريان استصحاب العدم في مجهول التاريخ دون معلومه ، سواء كان الاثر مرتبا على الوجود التامّي أو العدم التامّي.

وتوضيح الحال : انه قد مرّ انه فيما كان الاثر مرتبا على الوجود التامّي يجري استصحاب العدم في مجهولي التاريخ وفي المختلفين ، من دون فرق بين مجهول التاريخ منهما ومعلوم التاريخ ، وفيما كان الاثر مرتبا على الوجود الناقصي لا يجري الاستصحاب لا في مجهولي التاريخ ولا في المختلفين ، من دون فرق بين مجهول التاريخ منهما ومعلومه.

وفيما اذا كان الاثر مرتبا على العدم الناقصي لا يجري الاستصحاب ايضا سواء في مجهولي التاريخ أو في المختلفين ، من دون فرق ايضا بين مجهول التاريخ ومعلوم التاريخ.

نعم فيما اذا كان الاثر مرتبا على العدم التامّي فانه لا يجري الاستصحاب في مجهولي التاريخ لعدم احراز الاتصال ، وفي المختلفين يجري الاستصحاب في مجهول التاريخ منهما لاحراز الاتصال ، وفي معلوم التاريخ لا يجري لعدم احراز الاتصال.

ومما ذكرنا ظهر نتيجة ما مرّ من الكلام ، وظهر ايضا التعرّض للشيخ لاختياره عدم جريان الاستصحاب في معلوم التاريخ مطلقا ، وقد عرفت جريان الاستصحاب فيه فيما اذا كان الاثر مرتبا على الوجود التامّي ، ولا يجري الاستصحاب لا في المجهول منهما ولا في معلومه فيما اذا كان الاثر مرتبا على الوجود الناقصي ، ولا يجري الاستصحاب فيهما ـ أيضا ـ فيما اذا كان الاثر مرتبا على العدم الناقصي. ولا فرق بين مجهول التاريخ ومعلومه الّا فيما اذا كان الاثر مرتبا على العدم التامّي ،

٢٦٦

كما انقدح أنه لا مورد للاستصحاب أيضا فيما تعاقب حالتان متضادتان كالطهارة والنجاسة ، وشك في ثبوتهما وانتفائهما ، للشك في المقدّم والمؤخّر منهما ، وذلك لعدم إحراز الحالة السابقة المتيقنة المتصلة بزمان الشك في ثبوتهما ، وترددها بين الحالتين ، وأنه ليس من تعارض الاستصحابين ، فافهم وتأمل في المقام فإنه دقيق (١).

______________________________________________________

فانه يجري الاستصحاب في خصوص مجهول التاريخ دون معلومه ، لاحراز الاتصال في الاول دون الثاني. والى ما ذكرنا اشار بقوله : ((فانقدح انه لا فرق بينهما)) أي قد ظهر مما مرّ عدم الفرق بين الحادثين اللذين علم عدم تحققهما في زمان ثم علم بتحققهما في زمانين سواء ((كان الحادثان مجهولي التاريخ او كانا مختلفين)) فكونهما مختلفين في كون احدهما مجهولا والآخر معلوم التاريخ لا يوجب فرقا بينهما مطلقا كما عرفت ، ثم اشار الى جريان الاستصحاب في المجهول والمعلوم بقوله : ((ولا بين مجهوله ومعلومه في المختلفين)) في كون احدهما مجهول التاريخ والآخر معلوم التاريخ ، فانه يجري الاستصحاب في عدم كلّ منهما فيما كان الاثر مرتبا على الوجود التامّي ، وهذا هو مراده من قوله : ((فيما اعتبر في الموضوع)) أي في الوجود ((خصوصيّة ناشئة من)) ملاحظة ((اضافة احدهما الى الآخر بحسب الزمان من التقدم)) في الوجود بحسب الزمان على وجود الآخر ((او احد ضدّيه)) أي احد ضدّي التقدم من التأخر والتقارن ((وشك فيها)) أي وشك في تحقق تلك الخصوصية الماخوذة بنحو مفاد كان التامة في التقدم او التأخر او التقارن ، فقد عرفت جريان الاستصحاب في عدم كل من مجهول التاريخ ومعلومه.

(١) توضيحه : انه فيما تعاقب حالتان متضادتان ، بان نعلم بتعاقب موجودين كان لازم وجود كل واحد منهما ارتفاع الآخر ، كالطهارة ـ بمعنى النظافة ـ والنجاسة ، او كالطهارة ـ بمعنى النور الحاصل من الوضوء أو الغسل ـ والحدث الاصغر مثلا الموجب لارتفاع اثر الوضوء والغسل فيما شرط باحدهما كالصلاة.

٢٦٧

.................................................................................................

______________________________________________________

ولا يخفى ان مورد الاستصحاب في المقام هو استصحاب الوجود في كلّ منهما ، لا استصحاب العدم في كل منهما لانا نفرض ان هناك ساعة اولى وفيها لا يعقل فرض اليقين بعدمهما معا ، الّا اذا قلنا بامكان ان يكون هناك شيء لا طاهر ولا نجس ، وامكان ان يكون شخص لا متطهر ولا محدث ، وعليه فلا بد في هذه الساعة الاولى اما من اليقين باحدهما او عدم اليقين بهما ، لامكان ان يجهل الحالة بالنسبة الى الشيء فلا يكون هناك يقين لا بطهارته ولا بنجاسته ، وان يجهل الشخص حالة نفسه فلا يكون له يقين لا بكونه متطهرا ولا بكونه محدثا ، وفي فرض عدم اليقين بهما لا مجال لتوهّم الاستصحاب لعدم اليقين ، وفي فرض اليقين بعدم احدهما لازمه فرض اليقين بوجود الآخر ، فلا يكون في الساعة الاولى فرض اليقين بعدمهما معا ، وعلى فرض امكان ان يكون هناك شيء لا طاهر ولا نجس ، وامكان ان يكون شخص لا متطهر ولا محدث ، فائضا لا يجري استصحاب العدم في كل منهما ، لان المفروض ان الكلام في الحادثين المتعاقبين ، ولازم هذا الفرض انه لنا ساعة ثانية : هي زمان العلم بحدوث احدهما اجمالا بلا تعيين ، وساعة ثالثة : هي زمان حدوث الثاني منهما اجمالا من غير تعيين ايضا ، وساعة رابعة : هي زمان الشك في بقاء كلّ منهما ، لانه ان كان الحادث في الساعة الثانية هي الطهارة فلازمه كون الحادث في الساعة الثالثة هي النجاسة ، وان كان الحادث في الساعة الثانية هي النجاسة فلازمه كون الحادث في الثالثة هي الطهارة ، وحيث لا علم لنا تفصيلا بالحادث في الساعة الثانية فلازم ذلك الشك في بقاء كلّ منهما في الساعة الرابعة ، لانه اذا كان الحادث في الساعة الثانية هي الطهارة فيكون الباقي في الساعة الرابعة هي النجاسة ، وان كان الحادث في الساعة الثانية هي النجاسة فيكون الباقي في الساعة الرابعة هي الطهارة ، وحيث لا علم لنا تفصيلا بما هو الحادث فلازمه الشك في بقاء كلّ منهما في الساعة الرابعة.

٢٦٨

.................................................................................................

______________________________________________________

فاذا عرفت هذا ... تعرف انه لا مجال لاستصحاب العدم في كلّ منهما وجرّه الى الساعة الرابعة ، لوضوح العلم بالانتقاض لفرض تحقق كل منهما ... ولا مجال ايضا لاستصحاب العدم بالنسبة الى كلّ منهما في غير الساعة الاولى ، لعدم العلم بالعدم بالنسبة الى كلّ من الحادثين بعد فرض العلم الاجمالي بتعاقبهما ، فان المعدوم هو الموجود اولا في الساعة الثانية ، والباقي هو الموجود في الساعة الثالثة.

فاتضح مما ذكرنا : انه لا مجال لاستصحاب العدم في الحادثين المتضادين اللازم ارتفاع احدهما عند وجود الآخر.

والكلام انما هو في استصحاب الوجود بالنسبة الى كل واحد من الحادثين ، لانه بعد ان علم اجمالا بوجودهما متعاقبين فقد علم بوجود احدهما في ساعة متقدمة ، وعلم بوجود الثاني في الساعة التي تلي هذه الساعة المتقدمة ، وفي الساعة المتأخرة عن هاتين الساعتين يشك في كل منهما لعدم العلم التفصيلي بما هو المتقدم منهما والمتأخر ، فلذا كان كل واحد منهما يحتمل ان يكون هو الموجود في الساعة المتأخرة ، ويحتمل ان يكون الموجود طرفه وهو الحادث الآخر ، لانه اذا كانت الطهارة هي المتقدمة في الوجود كان الموجود في الساعة التالية هي النجاسة ، وهي تكون الموجودة فعلا في الساعة المتأخرة عن الساعتين ، وان كانت النجاسة هي المتقدمة في الوجود كان الموجود في الساعة التالية هي الطهارة ، وهي تكون الموجودة في الساعة المتأخرة عن الساعتين ، وحيث لا يعلم بما هو المتقدم منهما والمتأخرة كان كل من الطهارة والنجاسة مشكوكا في الساعة المتأخرة عن الساعتين.

ومختار المصنف عدم جريان الاستصحاب فيهما ، لا انه يجري ويتساقط بالمعارضة ، لان وجود كل منهما وان كان متيقنا ومشكوكا ، إلّا انه لم يحرز هنا اتصال زمان المتيقن بزمان المشكوك ، كما انه في المسألة السابقة وهي استصحاب العدم التامي فيما كان موضوع الاثر هو العدم لم يحرز اتصال زمان المشكوك بالمتيقن ، لوضوح ان زمان المشكوك هنا معلوم وهو الساعة المتأخرة الواقعة بعد

٢٦٩

.................................................................................................

______________________________________________________

الساعتين ، لانا نفرض في المقام ان لنا ثلاث ساعات : الساعة الاولى وهي زمان حدوث الحادث الاول من هذين الحادثين ، والساعة الثانية وهي زمان حدوث الحادث الثاني منهما ، والساعة الثالثة وهي زمان الشك في بقاء كل واحد من الحادثين ، فانه في هذه الساعة الثالثة يكون كل من الحادثين المتعاقبين مشكوكا ، ولكن المتيقن المستصحب ان كان هو الحادث ثانيا في الساعة الثانية التي هي قبل هذه الساعة الثالثة المتأخرة كان متصلا بزمان المشكوك ، وان كان المتيقن المستصحب هو الحادث اولا في الساعة الاولى ، وعليه فلا بد وان يكون الحادث بعده هو ضده الذي لازمه ارتفاع الحادث الاول عند حدوث هذا الضد ، فلا يكون المتيقن المستصحب متصلا بالمشكوك لارتفاعه بحدوث ضده ، فلا يكون الاستصحاب جاريا لعدم احراز اتصال المتيقن بالمشكوك ، فلا استصحاب الطهارة المتيقنة اجمالا جار ، ولا استصحاب النجاسة المتيقنة اجمالا جار ، لاحتمال كون كل منهما هو الحادث اولا فلا يكون زمان المتيقن في كل منهما محرز الاتصال بالمشكوك ، لاحتمال انفصال زمان المتيقن في كل منهما عن الزمان الاخير الذي هو زمان المشكوك.

ومما ذكرنا يظهر : ان غير المحرز الاتصال في المقام هو المتيقن ، لان زمان المشكوك هنا معلوم وهو بقاء وجود الحادث في الساعة الثالثة ، ولكن زمان المتيقن وهو وجود الحادث في احد الساعتين المتقدمتين محتمل اتصاله به ومحتمل انفصاله عنه ، بخلافه في المسألة المتقدمة وهو استصحاب العدم التامي فان زمان المتيقن هناك معلوم وهو الزمان الاول قبل العلم بحدوث الحادثين المتعاقبين ، فانه في هذا الزمان العدم بكل من الحادثين معلوم وهو المتيقن ، وزمان العدم المشكوك فيه غير محرز الاتصال ، لاحتمال فصل وجود الحادث بين زمان هذا العدم المعلوم وبين زمان المشكوك كما تقدم بيانه.

وعلى كل فقد اتضح ان استصحاب الوجود المعلوم اجمالا لا يجري لعدم احراز اتصال زمان هذا المتيقن الوجود اجمالا غير المعلوم زمانه بزمان الوجود المشكوك

٢٧٠

الثاني عشر : إنه قد عرفت أن مورد الاستصحاب لا بد أن يكون حكما شرعيا أو موضوعا لحكم كذلك ، فلا إشكال فيما كان المستصحب من الاحكام الفرعية ، أو الموضوعات الصرفة الخارجية (١) ، أو اللغوية إذا كانت ذات احكام شرعية (٢).

______________________________________________________

المعلوم زمانه. وقد اشار الى هذا بقوله : ((كما انقدح)) مما مرّ بيانه في عدم جريان الاستصحاب في العدم التامّي لعدم احراز الاتصال اللازم احرازه في جريان الاستصحاب ، فمن هذا الشرط انقدح ((انه لا مورد للاستصحاب)) لان الاتصال غير محرز ((ايضا فيما تعاقب حالتان متضادتان)) يلازم وجود كل منهما ارتفاع الآخر ((كالطهارة والنجاسة)) والطهارة والحدث ((و)) ذلك فيما اذا ((شك في ثبوتهما وانتفائهما)) في الساعة الثالثة ((للشك في)) ما هو ((المقدّم)) منهما ((والمؤخر منهما وذلك لعدم احراز)) الشرط لجريان الاستصحاب في ((الحالة السابقة المتيقنة)) وهو كون تلك الحالة السابقة المتيقنة اجمالا هي ((المتصلة بزمان الشك في ثبوتهما و)) ذلك لوضوح ((تردّدها بين الحالتين)) كما مرّ بيانه ((و)) قد ظهر ((انه ليس)) المقام ((من تعارض الاستصحابين)).

(١) هذا التنبيه لبيان ان الاستصحاب يجري في الامور الاعتقادية كما يجري في غيرها ، ولذا اشار اولا الى جريانه في غير الامور الاعتقادية حيث يكون المستصحب مما يرتبط بالشارع ، سواء كان بنفسه مجعولا واثرا شرعيا كالحكم كنفس الوجوب او الحرمة ، او كان موضوعا له اثر مجعول شرعي كالماء والخمر ، لما عرفت من ان ما لا يرتبط بالشارع لا يجري فيه الاستصحاب ، ولذا قال (قدس‌سره) : ((انه قد عرفت ان مورد الاستصحاب ... الى آخر الجملة)).

(٢) يحتمل ان يكون مراده من الموضوع اللغوي في قبال الموضوعات الصرفة الخارجية ، هو مثل الصعيد في ان المراد منه يتوقف على مراجعة اللغة في انه هل هو

٢٧١

وأما الامور الاعتقادية التي كان المهم فيها شرعا (١) هو الانقياد والتسليم والاعتقاد بمعنى عقد القلب عليها من الاعمال القلبية الاختيارية (٢) ، فكذا لا إشكال في الاستصحاب

______________________________________________________

مطلق وجه الارض او خصوص التراب منه ، بخلاف مثل الماء فانه لا يحتاج فهم المراد منه الى اللغة.

ويحتمل ان يكون المراد من الموضوع اللغوي هو كون المستصحب نفس الظهور اللغوي ، وذلك فيما كان للفظ ظهور في معنى ثم شك في الظهور لاحتمال النقل ، فانه لا مانع من استصحاب نفس ذلك الظهور لانه موضوع لحكم شرعي وهو حجية الظهور ، بخلاف الموضوعات الصرفة الخارجية فان الشك فيها من ناحية وجودها لا من جهة ظهورها.

(١) الامور الاعتقادية هي الامور التي تكون من عمل الجوانح ، في قبال غيرها من الامور التي تكون من عمل الجوارح ، مثل الصلاة والشرب فان الصلاة والشرب من اعمال الجوارح ، لان الصلاة ـ مثلا ـ التي هي عبارة عن القراءة والركوع والسجود وبقية اجزائها مما تقوم بها جوارح المكلف ، وكذلك الشرب فانه مما تقوم به جوارح المكلف ، بخلاف مثل الامامة والنبوة وتفاصيل الحشر يوم القيامة فان المهمّ فيها مما تقوم به جوانح المكلف ، لان المهمّ فيها هو وجوب معرفتها وعقد القلب عليها وهما من عمل الجوانح دون الجوارح.

(٢) لا يخفى ان ما ذكره من التسليم والانقياد والاعتقاد انما هو لبيان ما يمتاز به العلم الجانحي عن العمل الجارحي ، وان المهمّ في الامور الاعتقادية هو غير المهمّ في غيرها من الامور التي تقوم بها جوارح المكلف.

وتوضيحه : ان التسليم والانقياد ان كان هو التسليم والانقياد لمن ايقن بامامته او نبوته فهما من لوازم المعرفة ، وان كان هو التسليم والانقياد لمن عقد قلبه على امامته او نبوته فهما من لوازم عقد القلب ، فاتضح ان الاثر المهمّ في الامور الاعتقادية

٢٧٢

.................................................................................................

______________________________________________________

امران : وجوب المعرفة ، ووجوب عقد القلب ، وقد عرفت في دليل الانسداد ان عقد القلب عمل من اعمال القلب الاختيارية بذاته ، فان اليقين وان كان اختياريا لكنه ليس بذاته بل بمقدماته ، أي من ليس له يقين يمكن ان يبحث فيحصل له اليقين من مقدمات تستلزم اليقين ، وبعد تمامية مقدمات اليقين فاليقين لا يكون اختياريا ، بخلاف عقد القلب فانه بذاته اختياري لانه مع فرض تأتّيه من غير المتيقن كالظان والشاك فاختياريته واضحة ، ومع فرض ملازمته لليقين فهو أيضا اختياري ، لامكان ان يحصل اليقين للشخص ولا يعقد قلبه على ما يتيقن به ، كما هو فعل الكفار المستيقنين بنبوة النبي الجاحدين لها.

فظهر مما ذكرنا : ان عقد القلب هو غير اليقين وهو مقابل للجحود كما تشير اليه الآية الكريمة وهي قوله تعالى : (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ)(١) فان الآية قد دلّت على ان الكفار قد ايقنوا ولكنهم جحدوا ، والجحود هو اظهار الانكار وعدم اليقين وهو لازم عدم عقد القلب ، لوضوح ان من عقد قلبه على إمامة الامام ونبوة النبي لا يكون مظهرا لانكار امامته او نبوته.

بقي شيء وهو ان عقد القلب وان كان غير اليقين ، ولكنه هل يلازم اليقين بحيث لا يتأتى عقد القلب من الظان والشاك ، او انه لا يلازم اليقين ويتأتى من الظان والشاك؟

ويظهر من المصنف انه لا يلازم اليقين لما ذهب اليه من جريان الاستصحاب فيما كان المهم هو عقد القلب وعدم جريانه فيما كان المهم هو المعرفة ، فانه لو كان عقد القلب مما يلازم اليقين لكان مما لا يتأتى من الظان والشاك ، وعليه فلا يمكن ان يكون موردا للتعبّد الاستصحابي لان الاستصحاب تعبّد للشاك ، فاذا كان عقد القلب لا يتأتى من الشاك فلا يعقل ان يكون موردا لوجوب التعبد به في حال الشك.

__________________

(١) النمل : الآية ١٤.

٢٧٣

فيها حكما وكذا موضوعا (١) ، فيما كان هناك يقين سابق وشك

______________________________________________________

وقد ظهر مما ذكرنا : ان الاثر المهم في الاعتقاديات امران : هما عقد القلب ، والمعرفة ، والتسليم والانقياد فهما : اما من لوازم عقد القلب كما هو ظاهر المتن لذكره لهما في مورد ما كان المهم عقد القلب في قبال ما كان الاثر المهم فيه هو المعرفة ، او من لوازم المعرفة كما هو رأي من يرى ان عقد القلب وان كان امرا اختياريا غير المعرفة إلّا انه ملازم لليقين ، فانه على هذا تكون هذه الامور من التسليم والانقياد من لوازم عقد القلب الملازم للمعرفة التي لا مجال لها الا لمن له يقين. وقد اشار الى كون عقد القلب في قبال المعرفة بقوله : ((والاعتقاد بمعنى عقد القلب عليها وهو من الاعمال القلبية الاختيارية)) بذاته لا كاليقين فانه اختياري بمقدماته لا بذاته كما مر بيانه.

(١) الكلام في مقامين : المقام الاول : في شمول دليل الاستصحاب للامور الاعتقادية ، ولا ريب في وجود المقتضي وعدم المانع ، اما وجود المقتضي فهو شمول دليل الاستصحاب لما يرتبط بالشارع ، وبعد ان كانت تلك الامور موضوعا للحكم الشرعي فيجري الاستصحاب فيها موضوعا وحكما ، فيما اذا تحقق فيهما اليقين السابق والشك اللاحق ، واما عدم المانع فلان ما يتوهم كونه مانعا ليس هو إلّا كونها من اصول الدين بحسب الاصطلاح ، والاستصحاب اصل عملي يختص بالعمل في الفروع ، وظاهر العمل هو العمل بالجوارح دون العمل الجانحي ، وهو توهم فاسد ، فان جعلها بحسب الاصطلاح من اصول الدين لا يمنع بعد شمول دليل الاستصحاب لكل ما يرتبط بالشارع وكانت هذه الامور الاعتقادية مما يرتبط بالشارع ، لانه لها احكام شرعية كوجوب تحصيل العلم بها ووجوب عقد القلب عليها ، والمراد من كون الاستصحاب اصلا عمليا هو كونه مرجعا للشاك في قبال الامارة التي لسانها ان مؤداها هو الواقع ، فلا مانع من شمول دليل الاستصحاب لها ، كما ان المقتضي لشموله لها موجود كما عرفت من اطلاق دلالته لكل ما يرتبط بالشارع.

٢٧٤

لاحق (١) ، لصحة التنزيل وعموم الدليل ، وكونه أصلا عمليا إنما هو بمعنى أنه وظيفة الشاك تعبدا ، قبالا للامارات الحاكية عن الواقعيات ،

______________________________________________________

فاتضح : ان كونها بحسب الاصطلاح من اصول الدين لا يمنع عن جريان الاستصحاب فيها ، بعد ان كان المستفاد من دليل الاستصحاب شموله لما يرتبط بالشارع سواء كان بنفسه مجعولا شرعيا كحكم هذه الامور الاعتقادية ، او كان موضوعا للحكم الشرعي كالموضوع في هذه الامور الاعتقادية ، ولذا قال (قدس‌سره) : ((فكذا لا اشكال في الاستصحاب فيها)) أي لا اشكال في جريان الاستصحاب في الامور الاعتقادية ((حكما وكذا موضوعا فيما)) اذا تحققت اركان الاستصحاب من اليقين السابق والشك اللاحق.

(١) توضيحه : ان الامور الاعتقادية التي يشير اليها في العبارة ثلاثة : الامامة والنبوة وتفاصيل الحشر ، والمراد بالحشر ما بعد الموت من عالم البرزخ وعالم المعاد يوم جمع الخلائق كلهم للحساب ، وهذه الثلاثة هي الموضوع للحكم الشرعي الذي قد عرفت انه امران وجوب عقد القلب ، ووجوب تحصيل المعرفة واليقين.

ولا يخفى ان هذا هو المقام الثاني للكلام ، وهو ما يجري فيه الاستصحاب في الامور الاعتقادية من حكمها وموضوعها ، وحيث عرفت ان لها حكمين وجوب عقد القلب ووجوب المعرفة ، لذلك تكلم المصنف في جريان الاستصحاب في ثلاثة مواضع :

الاول : في استصحاب الحكم في وجوب عقد القلب.

والثاني : في جريانه في استصحاب الحكم بالنسبة الى وجوب المعرفة.

والثالث : في استصحاب الموضوع.

اما كلام المصنف في الموضع الاول وهو استصحاب وجوب عقد القلب ، فانه بعد ان فسر الاعتقاد بمعنى عقد القلب قال : فكذا لا اشكال في الاستصحاب فيها حكما ، ثم تكلم في الموضع الثاني في قوله : واما التي كان المهم فيها شرعا وعقلا هو

٢٧٥

.................................................................................................

______________________________________________________

القطع ، وتكلم في الموضع الثالث وهو استصحاب الموضوع في قوله : واما لو شك في حياة امام زمانه.

ولمزيد التوضيح نقول : انه قد استشكل في جريان الاستصحاب في الحكم بالنسبة الى هذه الثلاثة ، لان الحكم فيها هو وجوب المعرفة ووجوب عقد القلب ، ولا اشكال في وجوب معرفة النبي والامام ووجوب عقد القلب عليهما ، ولا يشك في وجوب معرفتهما ولا في وجوب عقد القلب عليهما في زمان من الازمنة اللاحقة حتى يكون موردا لجريان الاستصحاب الحكمي بالنسبة الى النبوة والامامة. واما بالنسبة الى تفاصيل الحشر فلا اشكال في عدم جريان الاستصحاب في وجوب المعرفة وعقد القلب عليها ان قام الدليل على وجوب المعرفة في تفاصيل الحشر ، لوضوح انه بعد قيام الدليل الشرعي على وجوب معرفة تفاصيل الحشر وعقد القلب عليها لا يشك في هذا الوجوب في زمان لاحق حتى يستصحب ، ولكنه يمكن جريان الاستصحاب في عدم وجوب المعرفة ووجوب عقد القلب بالنسبة الى بعض تفاصيل الحشر ، لانه قبل قيام الشريعة وفي اول قيامها كان هناك يقين بعدم وجوب معرفة هذه التفاصيل الراجعة الى الحشر وبعدم وجوب عقد القلب عليها ، وبعد قيام الشريعة يشك في بقاء عدم هذا الوجوب فيستصحب.

ولا يخفى انه يظهر من المصنف جريان الاستصحاب في وجوب المعرفة بالنسبة الى تفاصيل الحشر ، لانه قال في عبارته الآتية ((ويجري حكما فلو كان متيقنا بوجوب تحصيل القطع بشيء كتفاصيل القيامة في زمان وشك في بقاء وجوبه يستصحب)) لكنه مجرد فرض ، لوضوح ان وجوب معرفة تفاصيل الحشر سواء كان عقليا او شرعيا لا مجال للشك في هذا الوجوب الا لاجل خلل في الدليل القائم عليه ، ومع الشك في الدليل القائم عليه يكون الشك اللاحق من الشك الساري ، وهو مورد قاعدة اليقين دون الاستصحاب ، وحيث لا دليل على حجية قاعدة اليقين فلا مجال للتعبد بالشك في الوجوب فيها ، ففرض جريان الاستصحاب في وجوب المعرفة

٢٧٦

فيعم العمل بالجوانح كالجوارح (١) ، وأما التي كان المهم فيها شرعا وعقلا هو القطع بها ومعرفتها ، فلا مجال له موضوعا ويجري حكما ، فلو كان

______________________________________________________

بالنسبة الى تفاصيل الحشر بفرض الشك اللاحق غير الساري يستلزم قيام الدليل على وجوب المعرفة في زمان خاص ، وبعد انقضائه يشك في بقاء الوجوب في الزمان الذي يليه وحينئذ يجري الاستصحاب ، ولكن هذا مجرد فرض.

واما الاستصحاب الموضوعي فله مجال بالنسبة الى الامامة والنبوة ، وذلك فيما اذا شك في حياة الامام أو النبي ، لانه لا اشكال في وجوب معرفة الامام والنبي في حال حياتهما ، فاذا شك في حياتهما يشك في بقاء وجوب المعرفة ووجوب عقد القلب بالنسبة اليهما في بقاء الموضوع. وسيأتي الكلام في ذلك مفصلا.

ومما ذكرنا يظهر : انه لا مجال للشك الموضوعي بالنسبة الى تفاصيل الحشر ، لان الشك الموضوعي منشؤه الشك في الحياة والموت ، ولا مجال للحياة والموت بالنسبة الى تفاصيل الحشر ، وهو واضح.

(١) يشير بهذه العبارة الى وجود المقتضي وعدم المانع ، اما الى وجود المقتضي فبقوله : ((لصحة التنزيل وعموم الدليل)) فان المقتضي لشمول دليل الاستصحاب هو كون المستصحب مما يصح تنزيله ـ وذلك بان يكون اما حكما شرعيا او موضوعا لحكم شرعي ، والامور الاعتقادية موضوعات لاحكام شرعية ـ ووجود اطلاق في دليل الاستصحاب بحيث يكون شاملا لمورد الاستصحاب ، ومن الواضح وجود الاطلاق في دليل الاستصحاب الشامل للامور الاعتقادية ، فان قوله لا تنقض اليقين بالشك يدل باطلاقه على عدم جواز نقض اليقين بالشك ، سواء متعلق اليقين والشك هو العمل بالجوارح او العمل بالجوانح. وقد اشار الى كون المستصحب في الامور الاعتقادية مما يصح تنزيله بقوله : ((لصحة التنزيل)) واشار الى وجود الاطلاق في دليل الاستصحاب بقوله : ((وعموم الدليل)). وقد اشار الى المانع المتوهم بقوله : ((وكونه اصلا عمليا)) بتوهم ان الاستصحاب من الاصول العملية ، والمراد من

٢٧٧

متيقنا بوجوب تحصيل القطع بشيء ـ كتفاصيل القيامة ـ في زمان وشك في بقاء وجوبه ، يستصحب (١).

______________________________________________________

العمل المنسوب اليه الاصول هو العمل الجارحي لا العمل الجانحي ، واشار الى دفعه في ان المراد من كونه اصلا عمليا ليس لبيان كونه بإزاء العمل الجانحي ، بل المراد منه كونه في قبال الامارة التي كان لسانها لسان المؤدى فيها هو الواقع ، بخلاف الاستصحاب وساير الاصول فانها مرجع للشاك وجعل الوظيفة للمكلف في مقام الشك ، لا ان مؤدى الاصول هو الواقع بقوله : ((انما هو بمعنى انه)) اصل عملي يكون مؤداها ((وظيفة الشاك تعبدا)) في مقام الشك ، لا لان مؤداها هو الواقع ((قبالا للامارات الحاكية عن الواقعيات)) التي لازم ذلك كون مؤداها هو الواقع ((ف)) حينئذ بعد وجود المقتضي وعدم المانع لا بد ان ((يعم)) دليل الاستصحاب ((العمل بالجوانح)) وهو مورد الامور الاعتقادية ((كالجوارح)) الذي هو مورد الامور غير الاعتقادية.

(١) هذا هو الكلام في الموضع الثاني وهو جريان الاستصحاب في الحكم بالنسبة الى وجوب المعرفة ، وقد عرفت انه لا مجال له في النبوة والامامة ، لانه بعد حصول القطع بهما ومعرفتهما يقينا لا يشك في ذلك في زمان لاحق حتى يتأتى جريان الاستصحاب ، واما الشك في وجوب المعرفة للشك في الموضوع من جهة الشك في حياة النبي والامام فسيأتي الكلام فيه.

فاتضح : ان جريان الاستصحاب في نفس وجوب المعرفة مع العلم ببقاء الموضوع وهو حياة النبي والامام لا مجال له لعدم الشك في ذلك.

واما الشك في وجوب المعرفة بالنسبة الى تفاصيل الحشر فقد عرفت ـ ايضا ـ انه لا مجال للاستصحاب أيضا في نفس وجوب المعرفة ، لعدم الشك ـ ايضا ـ بنحو الشك اللاحق ، لانه بعد قيام الدليل على وجوب المعرفة وتحصيل القطع والمعرفة بها

٢٧٨

وأما لو شك في حياة إمام زمان مثلا فلا يستصحب ، لاجل ترتيب لزوم معرفة إمام زمانه ، بل يجب تحصيل اليقين بموته أو حياته مع امكانه ، ولا يكاد يجدي في مثل وجوب المعرفة عقلا أو شرعا (١) ، إلا إذا

______________________________________________________

لا يشك في ذلك في زمان لاحق حتى يستصحب ويجري الاستصحاب في عدم وجوب المعرفة بالنسبة الى تفاصيل الحشر.

نعم يمكن فرض الشك بنحو الشك الساري وهو غير الاستصحاب كما عرفت ، ولكنه يظهر من المصنف جريان الاستصحاب في وجوب المعرفة بالنسبة الى تفاصيل الحشر ، ولذا قال (قدس‌سره) : ((واما التي كان المهم فيها شرعا وعقلا هو القطع بها ومعرفتها فلا مجال له موضوعا)) بالنسبة الى تفاصيل الحشر ، لان الشك في الموضوع انما هو من اجل الشك في حياة الموضوع ، فلذلك كان لا مجال له بالنسبة الى تفاصيل الحشر لانه ليس لها حياة ولا موت ((و)) لكنه ((يجري)) الاستصحاب بالنسبة الى تفاصيل الحشر ((حكما فلو كان متيقنا)) بالبناء للفاعل ((بوجوب تحصيل القطع بشيء كتفاصيل القيامة في زمان و)) في زمان لاحق ((شك في بقاء وجوبه يستصحب)) ولكن قد عرفت ان الجاري فيها استصحاب عدم الوجوب لا استصحاب الوجوب.

(١) هذا هو الموضع الثالث وهو جريان الاستصحاب في الموضوع لاجل ترتب الحكم ، فانه اذا شك في حياة الامام عليه‌السلام فلازمه الشك في وجوب عقد القلب والشك في وجوب معرفته بشخصه ، وهذان هما الحكمان المترتبان على ما هو الموضوع لهما وهو الامام.

وتوضيح الحال في ذلك بحيث يتبين ما هو مجرى للاستصحاب وما ليس مجرى للاستصحاب ان نقول : ان الامامة هي بمعنيين : الاول : كون الذات المقدسة الخاصة بالغة حد الكمال في ذاتها بحيث تكون من الانوار المحدقة بعرش ربها تعالى اسمه ، والامامة بهذا المعنى مما لا يكون الشك في حياتها موجبا للشك في عقد القلب عليها

٢٧٩

.................................................................................................

______________________________________________________

ولا للشك في وجوب معرفتها ، فان كون النفس في هذه الدرجة مما لا يختلف حالها في الحياة والموت وهي حية من حين خلقها الى الابد ، فيجب عقد القلب على هذه الامامة ويجب معرفتها ، ولا يكون الشك في حياة الامام موجبا للشك في الحكم الذي موضوعه هو الامامة بهذا المعنى.

الثاني من معنى الامامة هو ان يكون الامام رئيسا للناس يتصرف تصرفا خارجيا في امور معاشهم ومعادهم ، والامامة بهذا المعنى من المناصب الالهية المجعولة ، والامامة بالمعنى الاول تكون لشخصين في زمان واحد ، واما الامامة بهذا المعنى الثاني فلا تكون الا لواحد منهما ، فليس لعلي بن الحسين عليه‌السلام ـ مثلا ـ في وجود الحسين عليه‌السلام الرئاسة التي من شئونها التصرف في امور الناس ، واما كون علي بن الحسين عليه‌السلام ذاتا بالغة حد الكمال فانها كذلك في حال حياة الحسين عليه‌السلام ، والامامة بهذا المعنى الثاني هي التي يكون الشك في حياة الامام موجبا للشك في الحكم المرتب على حياته ، وقد عرفت فيما مر ان للامامة حكمين : وجوب عقد القلب ، ووجوب معرفته ، اما بالنسبة الى وجوب عقد القلب فحيث عرفت ان عقد القلب من الامور الاختيارية المقدورة للمكلف في حال شكه وظنه وقطعه ، ففي حال الشك في حياة الامام لا مانع من جريان الاستصحاب في حياة الامام التي هي الموضوع لحكم وجوب عقد القلب ، فنستصحب حياته فيما اذا شك في موته ، ويترتب على هذا الاستصحاب الموضوعي وجوب عقد القلب على إمامة الامام الذي شك في حياته لاجل الاستصحاب الجاري الملزم بالتعبد بحياته لان يعقد القلب على امامته.

إلّا ان يقال : انه لا فائدة في هذا الاستصحاب ـ ايضا ـ لانه بعد ان كان للامامة اثر آخر غير عقد القلب وهو وجوب تحصيل معرفته والعلم بامامته بالعقل المتوقف هذا الاثر على لزوم تحصيل القطع بحياته ، فلا ينفع الاستصحاب بالنسبة الى عقد القلب في مقام الشك في حياته ، لعدم الاكتفاء بعقد القلب على حياته في مقام

٢٨٠