بداية الوصول

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي

بداية الوصول

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي


المحقق: محمّد عبدالحكيم الموسوي البكّاء
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار الهدى
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٢
ISBN: 964-497-064-0
ISBN الدورة:
964-497-056-X

الصفحات: ٤٢١

الشك فيه من جهة تردّد الخاص الذي في ضمنه ، بين ما هو باق أو مرتفع قطعا (١) ، فكذا لا إشكال في استصحابه ، فيترتّب عليه كافة ما يترتب عليه عقلا أو شرعا من أحكامه ولوازمه (٢) ، وتردّد ذاك الخاص ـ الذي يكون الكلي موجودا في ضمنه ويكون وجوده بعين وجوده ـ بين متيقن الارتفاع ومشكوك الحدوث المحكوم بعدم حدوثه ، غير ضائر

______________________________________________________

(١) هذا هو القسم الثاني من استصحاب الكلي ، وهو ما اذا كان الشك في الكلّي مسببا عن تردد الكلّي بين كونه متحققا في ضمن الفرد المقطوع الارتفاع لو كان هو الحادث ، وبين كونه مقطوع البقاء لو كان هو الحادث ، كما لو علمنا بوجود حيوان في الدار تردّد امره بين ان يكون بقّا او فيلا ـ بناء على ان البق لا يعيش اكثر من ثلاثة ايام ـ فبعد الثلاثة يشك في وجود الكلي في الدار ، لانه ان كان هو المتحقق في ضمن البق فقد ارتفع بموت البق ، وان كان هو المتحقق في ضمن الفيل كان باقيا قطعا ، ومثله ما لو علمنا بنجاسة شيء ترددت نجاسته بين كونها دما او بولا ـ بناء على لزوم التعدّد في غسل البول دون الدم ـ فبعد الغسلة الاولى يشك في بقاء النجاسة ، لانها ان كانت دما فقد ارتفعت بالغسلة الاولى قطعا ، وان كانت بولا فهي باقية قطعا لاحتياج البول الى غسلتين.

(٢) حاصله : انه لا ينبغي الاشكال في جريان الاستصحاب في نفس الكلي لتحقق كلا ركني الاستصحاب فيه ، لفرض التيقّن بحدوثه قبل انقضاء الثلاثة ايام والشك في بقائه بعد انقضاء الثلاثة ، وبعد تحقق كلا ركني الاستصحاب فيه يجري استصحابه ويترتب عليه آثاره ، ولذا قال (قدس‌سره) : ((لا اشكال في استصحابه)) لتحقق كلا ركني الاستصحاب بالنسبة اليه ((فيترتب عليه كافة ما يترتب عليه عقلا)) كوجوب اطاعته فيما اذا كان مثل الوجوب ((او شرعا)) كالحكم بنجاسة المحل المرددة نجاسته بين كونها دما أو بولا ، وعلى كلّ فيترتب على استصحاب بقاء الكلي ما له ((من احكامه ولوازمه)).

١٢١

باستصحاب الكلي المتحقق في ضمنه ، مع عدم إخلاله باليقين والشك في حدوثه وبقائه (١) ، وإنما كان التردد بين الفردين ضائرا باستصحاب أحد

______________________________________________________

(١) لا يخفى ان الشيخ الاعظم في رسائله ذكر اشكالين في استصحاب هذا القسم الثاني من اقسام استصحاب الكلي : الاول ما اشار اليه بقوله : وتردد ذاك الخاص.

وحاصله : انه لا شك في بقاء الكلي في هذا الفرض ، بل الكلي مقطوع الارتفاع وجدانا وتعبدا.

وتوضيحه : ان الكلي لا وجود له بذاته في الخارج وانما يوجد في الخارج بوجود فرده ، ووجود الكلي في ضمن الفرد القصير العمر مقطوع الارتفاع وجدانا ، ووجوده في ضمن الفرد الطويل العمر مشكوك الحدوث ، ويجري استصحاب عدم حدوثه ولازمه التعبد بارتفاعه ، فالكلي مقطوع الارتفاع في احد الفردين وجدانا وفي الفرد الآخر تعبدا ، فلا شك في بقاء الكلي بقاء حتى يجري الاستصحاب فيه. واليه اشار بقوله : ((وتردد ذاك الخاص الذي يكون الكلي موجودا في ضمنه ويكون وجوده)) أي يكون وجود الكلي ((بعين وجوده)) أي بعين وجود الفرد فما يلحق الفرد لا بد وان يكون لاحقا لما كان وجوده بعين وجوده ، ومن الواضح ان الفرد المردد بين القصير والطويل مقطوع الارتفاع اما وجدانا او تعبدا ، والى هذا اشار بقوله : ((بين متيقن الارتفاع)) ولان المفروض القطع بارتفاع الفرد القصير العمر بعد الثلاثة ايام ، وبين الفرد الطويل العمر ((و)) هو ((مشكوك الحدوث المحكوم بعدم حدوثه)) تعبدا بحكم الاستصحاب الجاري فيه لانه متيقن العدم مشكوك الحدوث بقاء.

والجواب عنه : ان للكلي مقامين : مقام الوجود خارجا ، ومقام العلم والتصور ، وفي مقام الوجود الخارجي حيث ان الكلي لا متعين ولا يكون له التعين في مقام الوجود إلّا بالفرد ، فليس له إلّا نحو واحد من التحقق وهو وجوده متعينا بوجود فرده ، واما في مقام العلم والتصور فله نحوان من التحقق ، لانه تارة يتعلق

١٢٢

الخاصين اللذين كان أمره مرددا بينهما ، لإخلاله باليقين الذي هو أحد ركني الاستصحاب ، كما لا يخفى.

______________________________________________________

العلم بوجود الكلي بما هو متعين باحد التعينات ، واخرى يتعلق العلم بوجود ذات الكلي من دون تعلق العلم بتعينه ، وحيث ان المفروض الجهل بالتعينات لفرض عدم العلم بكون الموجود هو الفرد القصير او الطويل ، فلم يتعلق العلم بالكلي بما هو متعين ، وانما تعلق العلم به بذاته من دون تعينه باحد التعينات ، والكلي المردد بين الفرد المقطوع الارتفاع وجدانا والمقطوع الارتفاع تعبدا هو الكلي المتعين ، لا الكلي غير المتعين ، ولا مانع في مقام جريان الاصول من التفكيك بين الكلي المتعين والكلي غير المتعين ، وليس مجرى الاستصحاب هو الكلي المتعين ، لفرض الجهل بالتعين ، فما هو مجرى الاستصحاب ليس بمقطوع الارتفاع وجدانا او تعبدا لانه هو الكلي اللامتعين ، وما هو مقطوع الارتفاع وجدانا او تعبدا ليس بمجرى الاستصحاب ، بل ما هو مجرى الاستصحاب وهو الكلي اللامتعين هو وجدانا متيقن الحدوث مشكوك البقاء ، والى هذا اشار بقوله : ((غير ضائر باستصحاب الكلي المتحقق في ضمنه)) أي في ضمن الفرد ، لان اليقين قد تعلق بوجود الكلي اللامتعين ، فلا يكون متعلق اليقين مقطوع الارتفاع وجدانا او تعبدا ، فمتعلق اليقين وهو الكلي وان كان في مقام تحققه في الخارج يكون في ضمن الفرد ومتعينا بتعينه ، إلّا انه في مقام العلم قد تعلق العلم بذاته وهو متيقن الحدوث مشكوك البقاء ، فلا مانع من جريان الاستصحاب فيه ((مع عدم اخلاله باليقين والشك في حدوثه وبقائه)) وانه بالوجدان متيقن الحدوث مشكوك البقاء.

١٢٣

نعم ، يجب رعاية التكاليف المعلومة إجمالا المترتبة على الخاصين ، فيما علم تكليف في البين (١). وتوهم كون الشك في بقاء الكلي الذي في

______________________________________________________

(١) قد عرفت ان استصحاب الكلي لا مانع منه ، وهل يمكن استصحاب الفرد المردد أو لا؟ .. يظهر من السيد في حاشيته على مكاسب الشيخ امكان استصحاب الفرد المردد ، كما يمكن استصحاب الكلي.

وحاصل ما ذكره : ان جهلنا بالخصوصية المفردة لا تنافي علمنا بوجود فرد مشخص بما له من التشخص وهو متعلق اليقين بهذا العنوان ، ثم نشك في بقائه بعد الثلاثة ايام او نشك في بقائه بعد الغسلة الاولى ، ويصح استصحاب هذا الفرد بما له من هذا العنوان المذكور ، ولا مانع من استصحابه وان جهلنا بخصوصيته المفردة له.

والجواب عنه : ان استصحاب الفرد المردد بعنوان كونه مرددا غير معقول ، اذ الفرد معين ومشخص وما لا تشخص له لا وجود له ، فالفرد بعنوان كونه مرددا لا وجود له ولا تحقق ، وما لا وجود له ولا تحقق لا يعقل ان يتعلق به العلم ، ومن الواضح انه ليس في الخارج الا الطبيعي المضاف الى الخصوصية المشخصة ، وحيث فرض الجهل بالخصوصية فلا علم لنا الا بالطبيعي ، والفرد المردد الذي نعلم به وجدانا هو نفس هذا الطبيعي المضاف الى الخصوصية من دون علم بالخصوصية ، فاستصحاب الفرد المردد الذي يدعيه السيد هو بنفسه استصحاب الكلي ، وليس مرادهم من استصحاب الكلي هو الموجود المضاف الى الماهية المطلقة ، بل مرادهم منه هو الطبيعي المضاف الى احد الخصوصيتين ، وهو الجامع بينهما ويترتب عليه الاثر المشترك بينهما لانه هو الاثر للطبيعي المضاف الى احد الخصوصيتين مع فرض الجهل بالخصوصية ، واما استصحاب الفرد بما له من الخصوصية فهو معلوم العدم لفرض الجهل بالخصوصية.

١٢٤

.................................................................................................

______________________________________________________

لا يقال : انا بالوجدان نعلم بتحقق فرد بما له من الخصوصية فنستصحب ذلك المتحقق بالعنوان المذكور ، وهذا غير استصحاب الطبيعي وهو الحصة المضافة مع حذف المضاف اليه.

فانه يقال : انه عند التأمل ان علمنا بالوجدان بتحقق فرد بما له من الخصوصية ليس هو إلّا العلم بتحقق حصة مضافة الى التشخص.

وبعبارة اخرى : انه فرق بين ان نعلم بوجود فرد بخصوصه ولكنا نجهل تفصيل حاله ، وفي مثل هذا يكون متعلق العلم عنوانا معلوما له مطابق خاص قد جهلنا تفصيل ما هو مطابقه ، ولا مانع من جريان الاستصحاب فيه بعد الشك في بقائه ، وبين ان نعلم بما هو مردد بين خصوصيتين ، فان متعلق العلم ليس هو إلّا الجامع بين هاتين الخصوصيتين ، ولا علم لنا في مثل هذا بعنوان معلوم مطابقه مجهول التفاصيل كما في الفرض الاول المذكور.

والحاصل : ان الفرد المردد بما هو مردد لا تحقق له ، وبما هو جامع بين الخصوصيتين مرجعه الى استصحاب الكلي ، فلا وجه لاستصحاب الفرد المردد. وعلى كل ان كلا من الخصوصيتين بعد ان فرض الجهل بهما لا وجه لاستصحاب الوجود فيهما ، لانه لا يقين به ، ولا وجه لاستصحاب عدمهما معا ، فانه وان كان مجرى للاستصحاب للعلم بعدمهما معا سابقا ، ولكن بعد العلم بوجود احدهما يكون عدم كل منهما معارضا بمثله. هذا اذا قلنا بجريان الاستصحاب في مورد العلم الاجمالي ، وإلّا فلا مجال لاستصحاب عدم كل منهما ، فهو من موارد العلم الاجمالي ، وبمقتضى منجزية العلم الاجمالي يجب الاحتياط في رعاية التكاليف المعلومة بالاجمال فيما اذا كانا متباينين ، والاتيان بها جميعا رعاية لمنجزية العلم الاجمالي ، وإلّا فلا بد من الاتيان بما هو المتيقن كما مر تفصيله في مباحث الاشتغال. والى ما ذكرنا اشار بقوله : ((وانما كان التردد بين الفردين ضائرا باستصحاب احد الخاصين)) بخصوصه ((اللذين كان امره)) أي امر الفرد ((مرددا بينهما لاخلاله

١٢٥

ضمن ذاك المردد مسببا عن الشك في حدوث الخاص المشكوك حدوثه المحكوم بعدم الحدوث بأصالة عدمه فاسد قطعا (١) ، لعدم كون بقائه

______________________________________________________

باليقين)) في مقام استصحاب وجود الفرد الخاص ، ومن الواضح انه مع الجهل بالخصوصية المفردة لا يقين بالفرد الخاص ، وحيث لا يقين لا مجرى للاستصحاب ، لان اليقين ((الذي هو احد ركني الاستصحاب)) مما لا بد من تحققه في جريان الاستصحاب ، واستصحاب عدمهما وان كان متعلقا لليقين إلّا انه إما لا مجرى له في مورد العلم الاجمالي ، أو انه ساقط بالمعارضة لفرض العلم بتحقق نقيض احد العدمين المستصحبين. والى منجزية العلم الاجمالي حيث يعلم بتحقق احد الفردين اشار بقوله : ((نعم يجب رعاية التكاليف المعلومة اجمالا المترتبة على الخاصين ... الى آخر الجملة)).

(١) حاصله : التعرض للاشكال الثاني على استصحاب الكلي من الاشكالين اللذين اشار اليهما الشيخ الاعظم. وتوضيحه : ان الكلي بعد ان كان مرددا بين ما كان مرتفعا قطعا وباقيا قطعا ، فبعد انقضاء الزمان الذي بانقضائه يقطع بانتفاء الفرد القصير العمر فلا محالة يكون الشك في بقاء الكلي بالفعل مسببا عن الشك في حدوث الفرد الطويل العمر ، اذ لو لم يحتمل حدوث الفرد الطويل العمر لا يكون بالفعل شاكا في بقاء الكلي ، ولما كان السبب للشك في بقاء الكلي هو الشك في حدوث الفرد الطويل العمر ، فاذا جرى الاصل في السبب لا يبقى مجال معه لجريان الاصل في المسبب ، ومن الواضح جريان الاصل فعلا في عدم حدوث الفرد الطويل العمر ، ومعه لا يجري الاصل في بقاء الكلي الذي هو المسبب ، بعد ان كان لازم التعبد بعدم حدوث الفرد الطويل الذي هو السبب هو البناء على عدم المسبب ، فلا مجرى للاصل في الكلي بعد جريان الاصل في سببه ، ولا يجري الاصل في عدم حدوث الفرد القصير العمر حتى يكون معارضا للاصل الجاري في عدم الفرد الطويل العمر لفرض القطع بارتفاعه ، فلا مجرى الا للاصل في عدم حدوث الفرد الطويل العمر

١٢٦

وارتفاعه من لوازم حدوثه وعدم حدوثه ، بل من لوازم كون الحادث المتيقن ذاك المتيقن الارتفاع أو البقاء (١) ، مع أن بقاء القدر المشترك إنما هو

______________________________________________________

اللازم من جريانه عدم جريان الاصل في الكلي المسبب عنه. والى ما ذكرنا اشار بقوله : ((وتوهم كون الشك في بقاء الكلي الذي في ضمن ذاك)) الفرد ((المردد مسببا)) بعد انقضاء المدة التي لا يبقى معها الفرد القصير العمر ((عن الشك في حدوث الخاص)) وهو الفرد الطويل العمر ((المشكوك حدوثه المحكوم)) بمقتضى الاستصحاب الجاري فيه ((بعدم الحدوث ب)) واسطة استصحاب ((اصالة عدمه)) ولازم هذا الاستصحاب هو البناء تعبدا على عدم بقاء الكلي فعلا تعبدا ، لان لازم الاصل الجاري في السبب عدم جريان الاصل في مسببه. وقوله : ((فاسد قطعا)) هو خبر قوله وتوهم : أي ان هذا التوهم فاسد قطعا.

(١) اجاب المصنف عن هذا التوهم باجوبة ثلاثة :

الاول : ما اشار اليه بقوله لعدم ... الى آخره ، وتوضيحه : انه لا يعقل ان يكون الشك في بقاء الكلي مسببا عن الشك في حدوث الفرد الطويل العمر ، لان المفروض هو القطع بحدوث الكلي المردد وجوده بين كونه في ضمن الفرد القصير او الطويل ، وحيث كان حدوث الفرد الطويل مشكوكا من اول الامر ، فمع فرض الشك في حدوث السبب بحسب دعوى هذا المتوهم كيف يمكن ان يحصل القطع بحدوث المسبب؟ فلا يعقل ان يكون الشك في بقاء الكلي ـ مثلا ـ مسببا عن الشك في حدوث الفرد الطويل العمر ، لان السبب في البقاء هو السبب في الحدوث ، فكيف يعقل ان يكون الشك في الكلي بقاء مسببا عن الشك في حدوث الفرد الطويل مع كون الكلي مقطوع الحدوث وسببه الذي هو الفرد الطويل مشكوك الحدوث؟ .. وانما السبب للشك في بقاء الكلي فعلا هو كونه مرددا وجوده بين ان يكون في ضمن الفرد الباقي او في ضمن الفرد المرتفع ، وليس الشك في بقائه مسببا عن الشك في حدوث الفرد الطويل.

١٢٧

بعين بقاء الخاص الذي في ضمنه لا أنه من لوازمه (١) ، على أنه لو سلم أنه من لوازم حدوث المشكوك فلا شبهة في كون اللزوم عقليا ، ولا يكاد

______________________________________________________

ومما ذكرنا يظهر المعارضة بين الاصل في عدم حدوث الفرد القصير وبين الاصل في عدم حدوث الفرد الطويل ، وان كان بعد القطع بارتفاع الفرد القصير ، لان مجرى الاصل هو الحدوث لا البقاء حتى لا يكون مجرى للاصل في الفرد القصير للعلم بارتفاعه. والى ما ذكرنا اشار بقوله : ((لعدم كون بقائه وارتفاعه)) أي بقاء الكلي وارتفاعه ((من لوازم حدوثه وعدم حدوثه)) أي من لوازم حدوث الفرد الطويل وعدم حدوثه ((بل)) السبب للشك في بقاء الكلي هو تردده بين الفردين وانه ((من لوازم كون الحادث المتيقن)) الحدوث هو ((ذاك)) الفرد القصير ((المتيقن الارتفاع او)) انه من لوازم ذاك الفرد الطويل المتيقن ((البقاء)) فعلا لو كان هو الحادث.

(١) هذا هو الجواب الثاني عن هذا التوهم ، وحاصله : ان الكلي وفرده ليس من قبيل السبب والمسبب ، لوضوح ان لازم السببية والمسببية هو الاثنينية الخارجية ، وكون السبب خارجا غير المسبب في الخارج ، ومن الواضح ان الكلي عين فرده في الخارج ولا سببية اصطلاحية بينهما ولا علية ولا معلولية خارجية بينهما ، وقولهم ان الفرد مجرى فيض الوجود الى الطبيعي ليس معناه العلية والمعلولية الاصطلاحية ، بل معناه ان الطبيعي حيث انه لا تعين له الا في ضمن فرده وهو اللامتعين ، فالفرد هو الذي به يتحصل الكلي ويتعين ، وحاله حال الصورة بالنسبة الى المادة فان تعين المادة انما هو بتعين الصورة ، وليس هذا من العلية والمعلولية والسببية والمسببية الاصطلاحيين حتى يكون الشك في الكلي بقاء مسببا عن الشك في حدوث الفرد الطويل وهو سبب له. والى هذا اشار بقوله : ((مع ان بقاء القدر المشترك)) بين الفردين الذي هو الكلي ليس من قبيل السبب والمسبب و ((انما هو)) أي وانما بقاء

١٢٨

يترتب بأصالة عدم الحدوث إلا ما هو من لوازمه وأحكامه شرعا (١).

وأما إذا كان الشك في بقائه ، من جهة الشك في قيام خاص آخر في مقام ذاك الخاص الذي كان في ضمنه بعد القطع بارتفاعه (٢) ، ففي

______________________________________________________

الكلي ((بعين بقاء الخاص الذي)) يكون الكلي ((في ضمنه لا انه من لوازمه)) بحيث يكون نسبة الفرد اليه نسبة السبب الى المسبب.

(١) هذا هو الجواب الثالث ، وحاصله : ان لو سلمنا كون الفرد سببا للكلي إلّا ان هذه السببية عقلية لا شرعية ، والاستصحاب الجاري في السبب انما يكون لازمه التعبد بالمسبب ، انما هو في السببية والمسببية الشرعية ، بان يظهر في مقام من المقامات اعتبار الشارع لكون الفرد سببا للكلي ، ولم يرد في مورد من الموارد من الشارع كون الفرد سببا للكلي حتى يكون التعبد بالسبب الشرعي تعبدا بمسببه. والى هذا اشار بقوله : ((على انه لو سلم انه من لوازم حدوث المشكوك)) أي لو سلمنا كون الكلي من لوازم الفرد وان الفرد سبب له إلّا ان هذه السببية عقلية لا شرعية ، ومن الواضح انه لا يترتب بالاصل الشرعي الا اللوازم والآثار الشرعية لا العقلية ، ولذا قال (قدس‌سره) : ((فلا شبهة في كون اللزوم عقليا ولا يكاد يترتب باصالة عدم الحدوث)) الشرعية ((الا ما كان من لوازمه واحكامه شرعا)) أي لا يترتب بالاصل الشرعي الا السببية الشرعية.

(٢) هذا هو القسم الثالث من اقسام استصحاب الكلي ، وهو ما اذا شك في بقاء الكلي لاحتمال بقاء الكلي في ضمن فرد آخر اما مقارنا لوجود الكلي في ضمن الفرد المتيقن الوجود والارتفاع ، او مقارنا لارتفاع الكلي في ضمن الفرد المتيقن الارتفاع.

وتوضيحه : انه لو علمنا بوجود الانسان ـ مثلا ـ في ضمن زيد ثم قطعنا بارتفاع زيد ولكن شككنا في ارتفاع الانسان ، ومنشأ الشك في ارتفاعه : تارة يكون هو احتمال وجود الانسان في ضمن عمرو مقارنا لوجود زيد بان كنا في حال علمنا بوجود زيد نحتمل وجود الانسان في ضمن عمرو ، واخرى يكون سبب الشك في

١٢٩

استصحابه إشكال ، أظهره عدم جريانه ، فإن وجود الطبيعي وإن كان بوجود فرده ، إلا أن وجوده في ضمن المتعدد من أفراده ليس من نحو وجود واحد له ، بل متعدد حسب تعددها ، فلو قطع بارتفاع ما علم وجوده منها ، لقطع بارتفاع وجوده ، وإن شك في وجود فرد آخر (١)

______________________________________________________

ارتفاع الانسان هو احتمال وجود الانسان في ضمن عمرو مقارنا لارتفاعه في ضمن زيد ... فهل يجري استصحاب الكلي مطلقا في هذا القسم ـ كالقسم الاول والثاني ـ أو لا يجري مطلقا؟ او نقول بالتفصيل بين الشك في بقاء الكلي لاحتمال وجود الفرد المقارن لوجود الفرد المرتفع ، وبين الشك في الكلي لاحتمال وجود الفرد المقارن لارتفاع الفرد المتحقق ارتفاعه؟

(١) مختار المصنف (قدس‌سره) عدم جريان الاستصحاب في هذا القسم مطلقا ، سواء كان منشأ الشك في بقاء الكلي لاحتمال وجود الفرد المقارن لوجود الفرد الذي كان متيقنا وجودا وارتفاعا ، او كان لاحتمال وجود الكلي في الفرد المقارن لارتفاع الكلي في ضمن فرده الذي كان متيقنا وجودا وارتفاعا.

والوجه في عدم جريان الاستصحاب في هذا القسم الثالث مطلقا : هو ان الكلي في مقام تحققه خارجا منحصر في تحقق فرده ، إلّا ان لازمه تعدد وجوده خارجا بتعدد وجود افراده ، وليس للكلي وجود واحد في الخارج ، والافراد من قبيل اللوازم لهذا الوجود الواحد ، فلا تعين واحد بالذات للكلي في الخارج ، بل الكلي في الخارج له تعينات متعددة بتعدد تعينات افراده. واما في مقام تعلق العلم به فتارة يكون العلم متعلقا بذات الكلي اللامتعين من دون تعلق له بتعينه كما في القسم الثاني المتقدم ، واخرى يكون العلم قد تعلق بالكلي المتعين في ضمن الفرد ، فان علمنا بوجود الانسان في ضمن زيد علم بالكلي المتعين في ضمن هذا الفرد ، ومن الواضح ان العلم بوجود الكلي المتعين هو العلم بالحصة الخاصة المتعينة باضافتها الى الفرد من هذا الكلي ، والمفروض هو ارتفاع هذه الحصة الخاصة المضافة المتعينة ،

١٣٠

.................................................................................................

______________________________________________________

ووجود الكلي بحصة اخرى مشكوك الحدوث لا يقين به ، فما هو متعلق اليقين هو مقطوع الارتفاع فلا مجرى لاستصحابه ، وما هو مشكوك الحدوث لا مجرى لاستصحابه لعدم اليقين به.

ومنه ظهر انه لا فرق في احتمال الحدوث بين كونه مقارنا لما هو المقطوع بحدوثه ، وبين كونه مقارنا لما هو المقطوع بارتفاعه : أي لا فرق بين احتمال وجود الانسان في ضمن عمرو مقارنا لوجوده في ضمن زيد ، او مقارنا لارتفاعه في ضمن ارتفاع زيد ، فانه في كلا الفرضين لا يقين بوجود الانسان في ضمن عمرو ، ولذا قال (قدس‌سره) : ((اظهره عدم جريانه)) أي الاظهر عدم جريان الاستصحاب في هذا القسم الثالث ((فان وجود الطبيعي وان كان)) في مقام الخارج ((بوجود فرده)) إلّا ان وجوده الخارجي متعدد فانه له وجودات متعددة بتعدد وجود افراده ، وليس له وجود واحد في الخارج والافراد لوازم هذا المتعين الواحد.

فاتضح : ان الكلي وان كان موجودا في الخارج ((إلّا ان وجوده في ضمن المتعدد من افراده)) معناه وجوده متعددا في الخارج و ((ليس)) وجوده في الخارج ((من نحو وجود واحد له بل)) وجوده في الخارج ((متعدد حسب تعددها)) أي حسب تعدد افراده ، والمفروض انه لم يكن بذاته من دون تعين من التعينات متعلقا للعلم ، بل كان اليقين قد تعلق به بما هو متعين في ضمن فرده ، ولازم ذلك كون ما هو متعلق اليقين من الكلي مقطوع الارتفاع ، وما هو مشكوك البقاء منه مشكوك الحدوث ، فلا يقين به حتى يكون مجرى الاستصحاب ، ولذا قال بعد فرض كون الكلي متعدد الوجود خارجا ، وبعد كونه بما هو متعين متعلق العلم ((فلو قطع بارتفاع ما علم وجوده منها)) أي من افراده ((لقطع بارتفاع وجوده)) أي لقطع بارتفاع وجود الكلي الذي في ضمنها ، واحتمال وجوده في ضمن فرد آخر مشكوك الحدوث من اول الامر لا يقين به حتى يجري استصحابه ، ولذا قال (قدس‌سره) : ((وان شك في وجود فرد آخر)).

١٣١

مقارن لوجود ذاك الفرد ، أو لارتفاعه (١) بنفسه أو بملاكه ، كما إذا شك في الاستحباب بعد القطع بارتفاع الايجاب بملاك مقارن أو حادث (٢).

______________________________________________________

(١) يشير الى الاحتمالين المذكورين ، من كون احتمال وجوده في ضمن فرد آخر : تارة يكون مقارنا لوجود الكلي المتيقن حدوثه في ضمن الفرد الذي كان متيقنا حدوثه ، كما لو احتملنا وجود الانسان في ضمن عمرو مقارنا لعلمنا بوجوده في ضمن زيد ، واخرى يكون احتمال حدوثه مقارنا لارتفاع الكلي الذي كان متحققا في ضمن الفرد المتحقق الارتفاع ، كما لو احتملنا وجود الانسان في ضمن عمرو مقارنا للعلم بارتفاع الكلي في ضمن زيد المعلوم الارتفاع.

(٢) لا يخفى ان قوله : ((بنفسه او بملاكه)) هو من متعلقات ((مقارن)) لانه مضافا الى دلالة قوله : ((كما اذا شك في الاستحباب ... الى آخره)) على ذلك ، انه لو تعلق بقوله لارتفاعه لدل على ارتفاع الكلي بملاكه ، ومع ارتفاع الكلي بملاكه كيف يمكن ان يحتمل وجوده في ضمن فرد آخر؟ لان الكلي عين الفرد خارجا ، فارتفاع الفرد بملاكه لازمه ارتفاع الحصة المضافة التي هي الكلي بملاكه ايضا ، ومع ارتفاع الكلي بملاكه لا يعقل ان يحتمل وجوده في ضمن فرد آخر.

إلّا ان يقال ان ملاك الكلي المتعين بما هو متعين غير ملاك الكلي اللامتعين ، فارتفاع الكلي المتعين بملاكه لا يستلزم ارتفاع الكلي اللامتعين بملاكه ، فلا مانع من ان يحتمل وجوده في ضمن فرد آخر.

وتوضيح مراده (قدس‌سره) : ان احتمال وجود الكلي في ضمن فرد آخر ـ اما مقارنا لوجوده في ضمن الفرد المقطوع الوجود ، او مقارنا لارتفاع الكلي بارتفاع الفرد الذي كان متيقنا ـ تارة يكون لاحتمال وجود الكلي بنفسه ، كما لو احتملنا ـ مثلا ـ وجود الوجوب للصلاة بلا طهارة مائية ولا ترابية لفاقد الطهورين مقارنا ـ مثلا ـ لارتفاع وجوب الصلاة عليه عن طهارة ، فان المحتمل في هذا الفرض هو وجود الكلي بنفسه وهو الوجوب ، ولكنه في ضمن فرد آخر ، واخرى نحتمل وجود

١٣٢

.................................................................................................

______________________________________________________

الكلي في ضمن فرد آخر يكون موجودا بملاكه لا بنفسه ، كما لو احتملنا استحباب الصلاة ـ مثلا ـ لفاقد الطهورين لا وجوبها مقارنا ـ ايضا ـ لارتفاع وجوب الصلاة عن طهارة.

ولا يخفى انه انما كان الاستحباب من الوجود بملاكه لوضوح ان الوجوب والاستحباب يجمعهما الطلب الراجح ، ويفترق الوجوب عن الاستحباب باللزوم وعدم اللزوم ، فالملاك فيهما واحد وهو الطلب الراجح ، فاحتمال وجود الكلي في الفرد المستحب ـ اما مقارنا لوجود الكلي في ضمن الوجوب المتيقن او مقارنا لارتفاعه ـ هو من وجود الكلي بملاكه ، وهو الطلب الراجح لا بعينه وهو الوجوب ، وعلى كل فتقدير العبارة ((وان شك في وجود فرد آخر مقارن)) بنفسه او بملاكه ((لوجود ذاك الفرد او)) مقارنا ((لارتفاعه)). وقوله (قدس‌سره) : ((كما اذا شك في الاستحباب)) هو مثال لاحتمال وجود الكلي في فرد آخر بملاكه لا بنفسه.

وقد اتضح من جميع ما ذكرنا عدم جريان الاستصحاب في هذا القسم الثالث مطلقا ، سواء كان احتمال وجود الكلي في فرد آخر مقارنا لوجوده في الفرد المتيقن ، او كان مقارنا لارتفاعه.

ومنه يتضح فساد ما يظهر من التفصيل بينهما ، بدعوى : انه اذا احتمل وجود الكلي في ضمن فرد مقارنا للكلي المقطوع بوجوده في ضمن الفرد المتيقن الوجود فان مجرى الاستصحاب في الكلي لا مانع منه ، لان الكلي واحد نوعي ولهذا الواحد النوعي وجودات بحصصه المضافة الى افراده ، فاذا قطع بوجود الكلي في ضمن فرد وكان مقارنا لهذا القطع احتمال وجود الكلي في ضمن فرد آخر ، فالمتحصل منه هو القطع بتحقق هذا الواحد النوعي ، وعند ارتفاع الحصة المضافة الى الفرد المقطوع الارتفاع لا يستلزم القطع بارتفاع الواحد النوعي ، لجواز بقائه في ضمن الفرد المحتمل التحقق مقارنا لوجود ذاك الفرد المقطوع التحقق وتتم اركان الاستصحاب بالنسبة اليه ، واما في احتمال وجود الكلي في ضمن فرد مقارن لارتفاع الكلي بارتفاع الفرد

١٣٣

لا يقال : الامر وإن كان كما ذكر ، إلا أنه حيث كان التفاوت بين الايجاب والاستحباب وهكذا بين الكراهة والحرمة ، ليس إلا بشدة الطلب بينهما وضعفه ، كان تبدل أحدهما بالآخر مع عدم تخلل العدم غير موجب لتعدد وجود الطبيعي بينهما ، لمساوقة الاتصال مع الوحدة ،

______________________________________________________

المقطوع الارتفاع فلا مجرى للاستصحاب ، لان الواحد النوعي حيث لا يحتمل تحققه الا في ضمن الفرد المقطوع فلا قطع بالواحد النوعي ، بل ليس هناك إلّا القطع بحصته المضافة الى الفرد المقطوع ، وبارتفاع الفرد المقطوع وان احتمل بقاء الواحد النوعي لوجوده في ضمن فرد مقارن للارتفاع إلّا انه لا يقين بالواحد النوعي في هذا الفرض فلا مجرى للاستصحاب لعدم تمامية اركانه. وقد عرفت مما ذكرنا فساده لان الواحد النوعي في الخارج لا تحقق له الا في ضمن الفرد ، وان المدار في الاستصحاب وعدمه تعلق اليقين بالواحد النوعي ، فتارة يتعلق اليقين بذاته من دون تعين من التعينات كما في القسم الثاني ، واخرى يكون متعلق اليقين هو الواحد النوعي المتعين ، ومرجع هذا الى اليقين بحصة خاصة من الواحد ، وكل حصة غير الحصة الاخرى ، والمفروض ان هذه الحصة مقطوعة الارتفاع والحصة الاخرى منه مشكوكة الحدوث ، فلا يقين بالواحد النوعي بما هو واحد نوعي غير متعين ، بل ليس هنا إلّا اليقين بالحصة الخاصة المضافة ، فلا مجرى للاستصحاب مطلقا في هذا القسم لعدم تمامية اركانه ، ولذا اطلق المصنف واشار الى انه لا فرق بين الشك في وجود الكلي في ضمن فرد آخر كان مقارنا للقطع به في ضمن الفرد المتيقن ، او كان مقارنا لارتفاعه بارتفاع الفرد المتيقن.

١٣٤

فالشك في التبدل حقيقة شك في بقاء الطلب وارتفاعه ، لا في حدوث وجود آخر (١).

______________________________________________________

(١) توضيحه : ان الكلي تارة تكون افراده متباينة بان كان لكل فرد من افراده وجود مباين خاص في عرض وجود الفرد الآخر ، كوجود الانسان في ضمن زيد وعمرو ، واخرى تكون افراد الكلي مراتب له ، كالبياض فانه ذو مراتب ضعيفة وشديدة.

ولا اشكال في عدم جريان الاستصحاب اذا كان من النحو الاول ، لان تعين الكلي في ضمن كل فرد غير تعينه في ضمن الفرد الآخر.

واما اذا كان من النحو الثاني وكان المتيقن هو المرتبة الشديدة ، ومن الواضح ان المرتبة الضعيفة في حال وجود المرتبة الشديدة موجودة ايضا ، إلّا انها لا بحدها الخاص من الضعيف ، بل هي موجودة لا بحدها ، كوجود الاربعة من العدد في ضمن الخمسة منها ، فمع العلم بارتفاع المرتبة الشديدة لا مانع من جريان الاستصحاب في الكلي ، وان احتملنا الارتفاع مطلقا بان يتبدل البياض بالسواد ، إلّا انه لما كانت المراتب الضعيفة موجودة في ضمن المرتبة الشديدة ، ولازمه تحقق اليقين بها في حال اليقين بالمرتبة الشديدة ، فالشك في ارتفاع الكلي في ضمن مرتبته الشديدة مع الشك في بقائه بمرتبته الضعيفة لا يكون من وجوده في ضمن فرد آخر مشكوك الحدوث بل متيقن الحدوث ولكن لا بحده ، ومن الواضح ان الاستحباب والوجوب من قبيل وجود الكلي في مراتبه ، لا في ضمن افراده المتباينة الوجود العرضي كزيد وعمرو بالنسبة الى الانسان ، فاذا كان المتيقن وجوب شيء ثم قطعنا بارتفاع الوجوب واحتملنا استحبابه فلا مانع من جريان الاستصحاب ، لانه لا يكون الشك في الكلي من الشك في الحدوث ، بل من الشك في البقاء ، للقطع بوجوده ضمن المرتبة القوية لا بعينه ، وليس وجود المرتبة الضعيفة بعد ارتفاع المرتبة القوية من الحدوث بعد العدم ، بل ليس هناك إلّا تجدد الحدود للموجود الواحد لا تجدد الوجود للطبيعي ، فان طبيعي العدد الموجود في ضمن الخمسة ـ مثلا ـ اذا زيد عليه واحد فكان العدد

١٣٥

.................................................................................................

______________________________________________________

ستة لم يتجدد اصل طبيعي العدد وانما تجدد حده من كونه خمسة الى كونه ستة ، ومثله ما اذا نقص حده عن الخمسة فان وجود الطبيعي في ضمن الاربعة ليس تجددا لاصل وجود طبيعي العدد ، وانما هو تجدد لحد من حدوده وهو كونه اربعة.

وبعبارة اخرى : ان تجدد الحدود للطبيعي مع عدم تخلل العدم ليس تجددا في اصل وجود الطبيعي ، نعم مع تخلل العدم بان يرتفع الطبيعي بالكلية بمرتبته القوية وذلك بان يرتفع كلي البياض بارتفاع مرتبته القوية ، كما لو تعقبه السواد ثم يوجد البياض بمرتبته الضعيفة كان من تجدد وجود الكلي.

والوجه في ذلك انه مع عدم تخلل العدم دائما يكون الموجود بين الحدين وجودا واحدا متصلا ، لما برهن عليه في محله من عدم امكان الجزء الذي لا يتجزأ ، وإلّا لزم وجود ما لا يتناهى بالفعل محصورا بين حاصرين ، فعليه لا بد وان يكون كل متصل له وجود واحد ، ولذا قالوا ان الاتصال مساوق للوحدة. وعليه فالطبيعي مع تبدل حدوده دائما موجود واحد ، لوضوح ان تبدل الحدود لا يتخللها عدم ، اذ لو تخللها عدم للزم تحقق تلك المراتب بوجودات متعددة لا بوجود واحد ، وقد عرفت انها موجودة بوجود واحد متصل ، وإلّا لزم كون ما لا يتناهى محصورا بين حاصرين وهو محال.

وقد اتضح : ان لازم كون التبدل في الحدود وجود الطبيعي وعدم انعدامه هو صحة استصحاب الطبيعي بارتفاع مرتبته الشديدة ، لتمامية اركانه لتحقق اليقين السابق بنحو اللاحدية والشك في ارتفاعه بارتفاع المرتبة الشديدة ، فالكلي متيقن سابقا مشكوك البقاء لاحقا ، وبحكم الاستصحاب يكون له البقاء تعبدا.

وقد ظهر من هذا امران :

الاول : انه لا وجه للاطلاق في عدم جريان الاستصحاب في القسم الثالث ، بل لا بد من التفصيل : بين كون الكلي من ذوي المراتب فلا مانع من استصحابه ، وبين كونه من الموجود بوجود افراد متباينة ، فهو الذي لا يجري فيه الاستصحاب.

١٣٦

.................................................................................................

______________________________________________________

الثاني : ان الشك في بقاء الطلب بعد ارتفاع الوجوب مع احتمال بقائه في ضمن الاستحباب هو من الكلي ذي المراتب ، لان الفرق بين الوجوب والاستحباب هو تأكد الطلب في الوجوب بحد الالزام وعدم كونه بحد الالزام في الاستحباب ، والى ما ذكرنا اشار بقوله : ((لا يقال الامر)) في هذا القسم الثالث ((وان كان كما ذكر)) في الكلي الموجود في ضمن الافراد المتباينة ، وليس كذلك في الكلي ذي المراتب ((إلّا انه حيث كان التفاوت بين الايجاب والاستحباب وهكذا بين الكراهة والحرمة)) هو من التفاوت في مراتب الكلي و ((ليس)) الفرق بين الاستحباب والوجوب والكراهة والحرمة ((إلّا بشدة الطلب بينهما)) وجودا وتركا في الوجوب والحرمة ((و)) في ((ضعفه)) وجودا وتركا في الاستحباب والكراهة.

واشار الى ان تبدل الحالات في ذي المراتب لا يستلزم ارتفاع الكلي بارتفاع مرتبة من مراتبه ـ وان تبدل الحالات ليس فيها تخلل العدم ، ولازم ذلك انه مع التيقن بوجود الكلي لا يكون تبدل الحالات موجبا لان يكون من استصحاب القسم الثالث الذي قد مر ان اركان الاستصحاب فيه غير تامة لعدم اليقين ، لان اليقين بالحصة المتعينة من الكلي في ضمن الفرد وقد ارتفعت ، وحدوث حصة منه في ضمن فرد آخر مشكوكة الحدوث ، فلا يقين بالكلي حتى يجري الاستصحاب فيه ، بل اركان الاستصحاب في الكلي ذي المراتب تامة كما عرفت ـ بقوله : ((كان تبدل احدهما)) أي احد المراتب ((بالآخر مع عدم تخلل العدم)) في تبدل المراتب ((غير موجب لتعدد وجود الطبيعي ...)). واشار الى الوجه في انه مع عدم تخلل العدم لا تعدد للطبيعي بقوله : ((لمساوقة الاتصال مع الوحدة)) كما عرفت بيانه.

((فـ)) اتضح من جميع ما ذكر ان ((الشك في التبدل حقيقة)) مما تتم فيه اركان الاستصحاب بالنسبة الى الكلي في المثال المذكور ، وهو ما اذا ارتفع الطلب الوجوبي وشك في بقاء الطلب في ضمن الاستحباب هو ((شك في بقاء)) الكلي وهو ((الطلب وارتفاعه)) مع سبق التيقن بحدوثه ، وليس هو من الشك في حدوث الكلي في ضمن

١٣٧

فإنه يقال : الامر وإن كان كذلك ، إلا أن العرف حيث يرى الايجاب والاستحباب المتبادلين فردين متباينين ، لا واحد مختلف الوصف في زمانين ، لم يكن مجال للاستصحاب ، لما مرت الاشارة إليه وتأتي ، من أن قضية إطلاق أخبار الباب ، أن العبرة فيه بما يكون رفع اليد عنه مع الشك بنظر العرف نقضا ، وإن لم يكن بنقض بحسب الدقة ، ولذا لو انعكس الامر ولم يكن نقض عرفا ، لم يكن الاستصحاب جاريا وإن كان هناك نقض عقلا (١).

______________________________________________________

فرد بعد القطع بارتفاعه في ضمن فرد آخر كما مر بيانه ، وهذا معنى قوله ((لا في حدوث وجود آخر)) كما لو علم بارتفاع الانسان في ضمن زيد وشك في حدوثه بفرد آخر ... ومنه يظهر انه كان اللازم التفصيل في القسم الثالث : بين كون افراده المراتب ، وبين كون افراده الوجودات المتباينة.

(١) حاصله : ان الملاك في جريان الاستصحاب هو اتحاد القضية المشكوكة والقضية المتيقنة بنظر العرف ـ كما سيأتي بيانه ـ لا بنظر العقل ، والقضية المشكوكة والمتيقنة في المثال المذكور ـ وفي كل ما اذا كان الكلي ذا مراتب ـ وان كانت متحدة بنظر العقل ، إلّا ان العرف لما كان يرى ان الكلي في الوجوب والاستحباب والحرمة والكراهة هو مثل الكلي في ضمن زيد وعمرو لم يكن مجال لجريان الاستصحاب ، لعدم اتحاد القضية المتيقنة والقضية المشكوكة بنظر العرف ، وان الطلب المتيقن الحدوث والارتفاع في ضمن الوجوب مع الشك في ثبوته بقاء في ضمن الاستحباب ، هو من الشك في حدوث الكلي في ضمن فرد آخر لا تيقن به بل هو مشكوك الحدوث ، ولعل الواقع كذلك حقيقة فيما اذا كان الحكم هو البعث المنتزع من الطلب المنشأ المظهر باللفظ مثلا ، فانه على هذا يكون الطلب الكلي بالنسبة الى الوجوب والاستحباب من قسم تحقق الكلي في ضمن الافراد المتباينة ، وانما يكون الحكم من ذي المراتب في الوجوب والاستحباب فيما اذا كان هو الارادة والكراهة ، لان الارادة من ذات المراتب

١٣٨

.................................................................................................

______________________________________________________

المتفاوتة بالشدة والضعف ، بناء على كون الوجوب هو المرتبة الاكيدة من الطلب ، والاستحباب هو مرتبة الطلب غير الاكيدة.

فاتضح مما ذكرنا : ان الكلي في الاحكام في فرض القسم الثالث : تارة يتحد العقل والعرف فيه كما اذا قلنا بان الحكم هو البعث المنتزع عن الانشاء المظهر باللفظ ، فانه عليه يكون الكلي من الموجود بوجود افراده المتباينة ، واخرى يكون بنظر العقل متحدا دون العرف ، كما اذا قلنا بان الحكم هو الارادة ، وحيث كان المدار على نظر العرف في الاستصحاب فلا مجال لجريانه في الاحكام ايضا.

واما في الموضوعات ذات الاثر الشرعي ، فتارة : يتحد العقل والعرف في عدم الجريان ، كما في الانسان المتحقق في ضمن زيد وعمرو فانه لا مجرى للاستصحاب فيه لا عقلا ولا عرفا.

وثانية : يتحد العقل والعرف في جريانه ، كما لو شك في ارتفاع البياض بمرتبته الشديدة وشك في بقائه بمرتبة الضعيفة ، فان العقل والعرف يرى البياض من ذي المراتب ، الذي قد عرفت ان الوجه جريان الاستصحاب بالنسبة الى الكلي فيه.

وثالثة : يكون الموضوع متحدا بنظر العقل ، كما في الماء المتحول بخارا فان البخار عقلا مرتبة من الماء شفافة ، واما بنظر العرف فالماء موضوع والبخار موضوع آخر.

وقد اشار الى ان العرف يرى الوجوب والاستحباب من المتباينين ، وان المدار في جريان الاستصحاب على نظر العرف بقوله : ((إلّا ان العرف حيث يرى الايجاب والاستحباب المتبادلين فردين متباينين لا واحد مختلف الوصف في زمانين لم يكن مجال للاستصحاب)). وقد اشار الى ان المدار على نظر العرف بقوله : ((لما مرت الاشارة اليه ويأتي من ان قضية اطلاق اخبار الباب)) أي قضية اخبار الاستصحاب ظاهرها ((ان العبرة فيه)) أي ان العبرة في جريان الاستصحاب ((بما يكون)) من مصداق النقض عند العرف ، بان يكون ((رفع اليد عنه)) أي عن المتيقن ((مع الشك بنظر العرف نقضا)) لا بنظر العقل ، فان كان بنظر العرف نقضا ولم يكن بنظر العقل

١٣٩

ومما ذكرنا في المقام ، يظهر ـ أيضا ـ حال الاستصحاب في متعلقات الاحكام في الشبهات الحكمية والموضوعية ، فلا تغفل (١).

______________________________________________________

نقضا جرى الاستصحاب ، وان لم تتحد القضية المشكوكة والمتيقنة عقلا كما في الماء المتغير ، فان العقل يرى ان موضوع النجاسة هو الماء المتغير فاذا ارتفع التغير لا يرى العقل الموضوع متحدا ، ولكن العرف يرى ان الموضوع للحكم هو الماء وان وصف التغير من قبيل العلة لورود حكم النجاسة على الماء ، فمع ارتفاع التغير عن الماء يجري عند العرف استصحاب النجاسة ((وان لم يكن بنقض)) أي من نقض اليقين بالشك ((بحسب الدقة)) كما مر في الماء المتغير. ومنه يتضح انه ((لو انعكس الامر ولم يكن نقض عرفا)) أي لم يكن رفع اليد عن اليقين عند العرف نقضا كما في الماء المتحول بخارا ((لم يكن الاستصحاب جاريا وان كان هناك نقض عقلا)) وان رفع اليد عن اليقين من نقض اليقين بالشك عند العقل ، لان البخار ماء شفاف بحسب النظر العقلي الدقي ، إلّا انه لا عبرة بنظر العقل في اتحاد القضيتين.

(١) توضيحه : ان موضوعات الاحكام : تارة تكون امورا مجعولة شرعية كالطهارة والنجاسة والصعيد والصلاة ، ولا بد في هذه الموضوعات من اتباع الدليل الشرعي الدال على حدودها ، لان الاستصحاب وان كان بنظر العرف إلّا ان الموضوع لما كان مجعولا شرعيا فلا بد وان يؤخذ بحدوده من الجاعل المعتبر له ، فلو شككنا في الصعيد لشبهة حكمية بان شككنا في كون ارض النورة او ارض السبخة من الصعيد لم يكن مجال لاستصحاب صعيديته ، فيما لو كانت الارض صعيدا ثم انقلبت سبخة او نورة فلا يصح التيمم به ، او شككنا في الصعيدية به لشبهة موضوعية بان خلطنا التراب الذي هو صعيد قطعا بجسم آخر لا يصح التيمم به كبرادة الخشب حتى شككنا في بقائه صعيدا لم يكن مجال ايضا لاستصحابه ، لانه لا بد من اتحاد الموضوع في القضيتين. هذا كله في الموضوعات الشرعية التي اخذت متعلقا للحكم الشرعي.

١٤٠