بداية الوصول

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي

بداية الوصول

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي


المحقق: محمّد عبدالحكيم الموسوي البكّاء
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار الهدى
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٢
ISBN: 964-497-064-0
ISBN الدورة:
964-497-056-X

الصفحات: ٤٢١

لافراد المكلف ، كانت محققة وجودا أو مقدرة ، كما هو قضية القضايا المتعارفة المتداولة ، وهي قضايا حقيقية ، لا خصوص الافراد الخارجية ،

______________________________________________________

واما ان يكون النسخ للشريعة يتحقق بنسخ بعض الاحكام فيها ، وهو باطل ايضا لان لازمه ان الشريعة الواحدة التي يحصل فيها النسخ لبعض احكامها ان تكون شرايع متعددة.

واما ان يكون النسخ للشريعة يتحقق بنسخ جلّ احكامها ، وهو باطل ايضا لان شريعة عيسى عليه‌السلام كانت ناسخة لشريعة موسى عليه‌السلام ، مع ان احكام شريعة موسى عليه‌السلام اكثرها ثابتة في شريعة عيسى عليه‌السلام ، ولم يغيّر عيسى عليه‌السلام من احكام شريعة موسى الّا احكاما قليلة ... فيتعيّن ان يكون النسخ انما يتحقق بنسخ جميع احكام الشريعة السابقة ، والاحكام الثابتة في شريعة عيسى هي مثل احكام شريعة موسى لا انها هي بعينها.

والجواب عنه : ان النسخ يتحقق بامرين : الاول : ان يكون المبلغ مبلّغا بنفسه ، فانه اذا كان مبلّغا عن النبي الذي قبله لا يكون ناسخا لشريعته. الثاني : ان ينسخ مقدارا من احكامه ، فانه لو لم يكن ناسخا لحكم من احكامه لا يتحقق كونه مبلّغا بنفسه ، اذ كونه مبلّغا هو ان يكون مما يجري التبليغ على يده ، وكونه بنفسه مبلّغا معناه ان يكون مبلّغا للاحكام التي اختصّ بها ، واذا كان مبلّغا لاحكام غيره لا يكون له احكام اختصّ بها.

فاتضح مما ذكرنا : ان النسخ للشريعة السابقة يتحقق ولو بنسخ بعض احكامها ، على ان يكون المبلغ مبلغا ولو لبعض احكام شريعته.

ومنه ظهر فساد لزوم كون النسخ في الشريعة الواحدة لازمه تعدد الشرائع ، لوضوح عدم تجدد المبلغ. واتضح ايضا انه لا مانع من كون الشريعة الثانية ناسخا ولو بنسخ بعض احكام الشريعة السابقة ، فيما اذا تجدّد المبلغ. وظهر ايضا ان تجدّد المبلّغ حيث لا يكون مبلغا عن نفسه لا يستلزم النسخ.

١٨١

كما هو قضية القضايا الخارجية ، وإلا لما صح الاستصحاب في الاحكام الثابتة في هذه الشريعة ، ولا النسخ بالنسبة إلى غير الموجود في زمان ثبوتها ، كان الحكم في الشريعة السابقة ثابتا لعامة أفراد المكلف ممن وجد أو يوجد ، وكان الشك فيه كالشك في بقاء الحكم الثابت في هذه الشريعة لغير من وجد في زمان ثبوته (١) ، والشريعة السابقة وإن كانت منسوخة

______________________________________________________

(١) هذا هو الجواب عن الاشكال الاول ، وحاصله : ان القضية الدالة على الحكم : تارة تكون قضية خارجيّة ، وحينئذ يكون موضوع الحكم فيها هو افراد المكلّف الموجود في زمان تلك الشريعة ، واخرى تكون القضية حقيقيّة ولا بد في القضية الحقيقية ان يكون الموضوع فيها هو افراد المكلّف الاعم من المحققة الوجود والمقدّرة الوجود ، ولا يكون لها اختصاص بزمان خاص ، وعلى هذا فموضوع الحكم في احكام الشريعة السابقة لا يكون مختصا باهل تلك الشريعة ، بل يكون عاما لكل مكلّف مقدّر الوجود ومنه اهل هذه الشريعة اللاحقة. ولا يخفى ان الغالب في قضايا الاحكام هي كونها على هذا النحو الثاني دون النحو الاول.

ويدّل على كون قضايا الاحكام بنحو القضايا الحقيقية دون الخارجية امران :

الاول : انه لو كانت قضايا الاحكام بنحو القضايا الخارجيّة لما امكن جريان الاستصحاب في الاحكام الثابتة في كل شريعة ـ ومنها شريعتنا ـ للمعدومين في حال نزول تلك الاحكام ، لوضوح ان الموضوع في القضية الخارجية هو خصوص الموجودين البالغين في زمان نزول الحكم ، والذين يوجدون بعد ذلك هم موضوع آخر للحكم ، ومع اختلاف الموضوع لا مجرى للاستصحاب.

لا يقال : ان اشتراك المعدومين مع الموجودين في زمن الخطاب بالحكم انما هو لدليل الاشتراك لا للاستصحاب.

١٨٢

.................................................................................................

______________________________________________________

فانه يقال : ان الاجماع القائم على الاشتراك لا دلالة فيه على انه حكم بالخصوص على الاشتراك ، وانما القدر المتيقّن منه هو مشاركة المعدومين للموجودين في الحكم ، ولعل وجهه هو كون القضايا حقيقية.

الثاني : انه لو كانت القضايا الاحكامية قضايا خارجيّة لما امكن ان يتأتى النسخ للحكم في مثل هذه الشريعة وغيرها الّا بالنسبة الى الموجودين في زمان الحكم ، لان النسخ رفع الحكم الثابت لو لا النسخ ، واذا كان الحكم مختصّا بالموجودين في زمان الحكم لا يكون حكما بالنسبة الى المعدومين ، فلا يصح نسخ الحكم بالنسبة اليهم اذ لا حكم لهم حتى يكون منسوخا ، ولا بد من اختصاص النسخ للحكم بخصوص الحكم المختصّ بالموجودين في زمانه.

فظهر مما ذكرنا : ان قضايا الاحكام هي قضايا حقيقية لا خارجية ، وقد عرفت ان الموضوع في القضية الحقيقية هي الافراد المحقّقة والمقدّرة الوجود ، وعلى هذا فالموضوع في قضايا الاحكام في الشريعة السابقة مما يعمّ اهل هذه الشريعة ، فاذا شك في نسخه كان ذلك من الشك في بقائه ، فيجري فيه الاستصحاب لوجود كلا ركنيه اليقين السابق بالحكم العام الشامل لاهل هذه الشريعة والشك في بقائه لاحتمال نسخه فيستصحب ، واتضح انه لا فرق في جريان الاستصحاب بين حكم هذه الشريعة وبين حكم الشريعة السابقة اذا شك في نسخه لتمامية اركان الاستصحاب فيهما معا ، والى ما ذكرنا اشار بقوله : ((وذلك)) أي ان السبب في فساد التوهّم الاول الذي حاصله كما مرّ : هو ان الموضوع لاحكام الشريعة السابقة هو خصوص الموجودين في زمان تلك الشريعة ، والموجودون في زمان هذه الشريعة موضوع آخر ، فلا مجرى للاستصحاب بالنسبة الى احكام الشريعة السابقة اذا شك في نسخه هو ((لان الحكم الثابت في الشريعة السابقة)) موضوعه مما يعمّ اهل هذه الشريعة ((حيث)) انه من القضايا الحقيقية و ((كان)) فيها ((ثابتا لافراد المكلف)) سواء ((كانت محققة وجودا او مقدّرة)) الوجود ((كما هو قضية القضايا المتعارفة المتداولة

١٨٣

بهذه الشريعة يقينا ، إلا أنه لا يوجب اليقين بارتفاع أحكامها بتمامها ، ضرورة أن قضية نسخ الشريعة (١) ليس ارتفاعها كذلك ، بل عدم بقائها

______________________________________________________

وهي قضايا حقيقية)) الحكم فيها يعمّ الموجود والمقدّر الوجود ، ولا يختص بزمان مخصوص ((لا)) ان الحكم فيها على ((خصوص الافراد الخارجية كما هو قضية القضايا الخارجية)).

ثم اشار الى الدليل الاول على كون قضايا الاحكام حقيقية لا خارجية بقوله : ((والّا لما صحّ الاستصحاب ... الى آخر الجملة)) كما مرّ بيانه ، واشار الى الدليل الثاني بقوله : ((ولا النسخ بالنسبة الى غير الموجود في زمان ثبوتها)) أي في زمان ثبوت تلك الاحكام.

قوله : ((كان الحكم في الشريعة السابقة)) هذا مرتبط باول قوله وذلك : أي لما كانت القضايا في الشريعة السابقة من القضايا الحقيقية كان الحكم في الشريعة السابقة ((ثابتا لعامة افراد المكلف ممن وجد او)) المقدر ممن ((يوجد)) ولم يكن الحكم فيها مختصا بزمان مخصوص ((و)) حينئذ ((كان الشك فيه كالشك في بقاء الحكم الثابت في هذه الشريعة لغير من وجد في زمان ثبوته)) أي ان قضايا الاحكام على نحو واحد كلها قضايا حقيقية سواء في الشريعة السابقة او هذه الشريعة ، وقد عرفت ان الموضوع بنحو القضية الحقيقية مما يعمّ هذه الشريعة ، وحيث كان متيقنا فقد حصل فيه اليقين السابق ، وحيث انه شك في نسخه فقد حصل الشك في بقائه ، فتمّ فيه كلا ركني الاستصحاب.

(١) هذا جواب عن الاشكال الثاني الذي مر : بان شريعتنا قد نسخت الشريعة السابقة والنسخ لا يكون الّا بنسخ جميع الاحكام فيها ، ومع نسخ جميع احكامها لا مجرى للاستصحاب لليقين بارتفاع الحكم.

وحاصل الجواب هو : ان النسخ يكون ولو بنسخ بعض احكامها ، ولا يتوقف على نسخ جميع احكامها ، فالنسخ للشريعة السابقة لا يوجب اليقين بارتفاع جميع

١٨٤

بتمامها (١) ، والعلم إجمالا بارتفاع بعضها إنما يمنع عن استصحاب ما شك في بقائه منها ، فيما إذا كان من أطراف ما علم ارتفاعه إجمالا ، لا فيما إذا لم يكن من أطرافه ، كما إذا علم بمقداره تفصيلا ، أو في موارد ليس المشكوك منها ، وقد علم بارتفاع ما في موارد الاحكام الثابتة في هذه الشريعة (٢).

______________________________________________________

احكامها حتى لا يكون مجرى للاستصحاب فيها ، وعلى هذا فالحكم غير الثابت نسخه اذا شك في نسخه لا مانع من استصحابه لتمامية اركان الاستصحاب فيه ، والى هذا اشار بقوله : ((والشريعة السابقة وان كانت منسوخة بهذه الشريعة يقينا ... الى آخر كلامه)).

(١) أي ليس النسخ للشريعة هو ارتفاعها بتمام احكامها ((بل)) اللازم في النسخ هو ((عدم بقائها)) أي عدم بقاء الشريعة السابقة ((بتمامها)) ، وعلى هذا فلا مانع من جريان الاستصحاب في الحكم غير الثابت نسخه في هذه الشريعة كما عرفت.

(٢) هذا اشكال ثالث على جريان الاستصحاب في الشريعة السابقة. وحاصله : ان الحكم الذي يكون من اطراف العلم الاجمالي لا يجري فيه الاستصحاب ، وبعد العلم بنسخ هذه الشريعة للشريعة السابقة ولو ببعض احكامها نعلم اجمالا بان بعض احكام الشريعة السابقة منسوخ ، والمنسوخ لا مجرى للاستصحاب فيه ، فاذا شككنا في نسخ بعض احكام منها لا يمكننا اجراء الاستصحاب فيه لاحتمال كونه من مصاديق العلم الاجمالي.

وبعبارة اخرى : ان اطراف العلم الاجمالي للمنسوخ لا يجري فيها الاستصحاب ، والمشكوك نسخه منها لا مجرى فيه للاستصحاب.

وقد اجاب عنه في المتن بجوابين :

الاول : ان هذا العلم الاجمالي منحلّ بالعلم التفصيلي بالاحكام المنسوخة التي هي بمقدار المعلوم بالاجمال ، فان علم بانطباق المعلوم بالاجمال بمقداره على هذه

١٨٥

.................................................................................................

______________________________________________________

المعلومات التفصيلية فهو من الانحلال الحقيقي ، وان احتمل انطباق المعلوم بالاجمال على هذه المعلومات بالتفصيل كان انحلالا حكميا كما مرّ بيانه في مباحث البراءة والاشتغال ، وعلى كل فيكون المشكوك في نسخه خارجا عن دائرة هذا العلم الاجمالي اما حقيقة او حكما فلا مانع من جريان الاستصحاب فيه. والى هذا الجواب اشار بقوله : ((والعلم اجمالا بارتفاع بعضها)) أي بارتفاع بعض احكام الشريعة السابقة بالنسخ بنحو العلم الاجمالي ((انما يمنع عن استصحاب ما شك في بقائه منها)) أي من احكام الشريعة السابقة ((فيما اذا كان)) المشكوك في بقائه ((من اطراف ما علم ارتفاعه)) بالنسخ ((اجمالا لا فيما اذا لم يكن)) المشكوك بقاؤه ((من اطرافه)) فانه اذا لم يكن من اطراف المعلوم بالاجمال فلا يعقل ان يكون العلم الاجمالي مانعا عن جريان الاستصحاب فيه ، وذلك ((كما اذا علم بمقداره تفصيلا)) سواء علم بانطباق المعلوم بالاجمال ايضا على المعلوم بالتفصيل فيكون الانحلال حقيقيا ، او لم يعلم بالانطباق ولكن احتمل انطباقه فان الانحلال يكون حكميا ، وعلى كل منهما لا يكون اثر للعلم الاجمالي ، لان المشكوك في بقائه لاحتمال نسخه يكون خارجا عن دائرة هذا العلم الاجمالي.

الجواب الثاني : ان العلم الاجمالي كما ينحل بالعلم التفصيلي كذلك ينحلّ بالعلم الاجمالي ايضا ، والعلم الاجمالي بنسخ احكام الشريعة السابقة منحلّ بالعلم الاجمالي بالاحكام الثابتة في شريعتنا التي في مواردها احكام للشريعة السابقة ، فتكون تلك الاحكام الثابتة في الشريعة السابقة منسوخة بهذه الاحكام الثابتة في مواردها في شريعتنا : أي انا نعلم اجمالا بان في شريعتنا أحكاما هي ناسخة للاحكام التي كانت في الشريعة السابقة ، وهذه الاحكام الناسخة هي بمقدار المعلوم بالاجمال ، فيكون العلم الاجمالي الاول منحلا بهذا العلم الاجمالي الثاني ، ومن الواضح ان المشكوك نسخه خارج عمّا علم ثبوت الحكم له في هذه الشريعة ، ولازمه خروجه عن دائرة العلم الاجمالي الاول ، ومع خروجه عن دائرته لا يكون ذلك

١٨٦

ثم لا يخفى أنه يمكن إرجاع ما أفاده شيخنا العلامة ـ أعلى الله في الجنان مقامه ـ في الذّبّ عن إشكال تغاير الموضوع في هذا الاستصحاب من الوجه الثاني إلى ما ذكرنا ، لا ما يوهمه ظاهر كلامه ، من أن الحكم ثابت للكلي ، كما أن الملكية له في مثل باب الزكاة والوقف العام ، حيث لا مدخل للاشخاص فيها ، ضرورة أن التكليف والبعث أو الزجر لا يكاد يتعلق به كذلك ، بل لا بد من تعلقه بالاشخاص ، وكذلك الثواب أو العقاب المترتب على الطاعة أو المعصية (١) ، وكان غرضه من

______________________________________________________

العلم الاجمالي مانعا عن جريان الاستصحاب فيه. والى هذا اشار بقوله : ((او في موارد ليس المشكوك منها)) أي ان الاستصحاب يجري في المشكوك نسخه من احكام الشريعة السابقة ، لانه ليس من موارد المعلوم بالاجمال ((و)) ذلك لانه ((قد علم)) اجمالا ((بارتفاع ما)) كان في الشريعة السابقة ((في موارد الاحكام الثابتة في هذه الشريعة)) وهو بمقدار المعلوم بالاجمال ، وعلى هذا فيكون العلم الاجمالي بنسخ بعض أحكام الشريعة السابقة منحلا بالعلم الاجمالي ، بان الاحكام المنسوخة هي اجمالا في ضمن موارد الاحكام الثابتة في هذه الشريعة ، وبهذا العلم الاجمالي الثاني لا يكون العلم الاجمالي الاول مانعا عن جريان الاستصحاب فيما شك في نسخه من احكام الشريعة السابقة ، لما عرفت من لزوم كون المشكوك نسخه مما لم يثبت له حكم في هذه الشريعة ، وحيث انحصرت الاحكام المنسوخة بنحو الاجمال فيما يثبت له حكم في هذه الشريعة فلا محالة يكون المشكوك نسخه ليس منها ، فلا مانع من جريان الاستصحاب فيه.

(١) توضيح المقام ببيان امور : الاول : ان الشيخ في الرسائل اجاب عن الاشكال الاول بجوابين ، وستأتي الاشارة الى الجواب الاول ، والكلام فعلا في جوابه الثاني ، ونصّ عبارته (قدس‌سره) : ((وحلّه ان المستصحب هو الحكم الكلي الثابت للجماعة

١٨٧

.................................................................................................

______________________________________________________

على وجه لا مدخل لاشخاصهم)) (١).

الامر الثاني : ان المصنف حمل في المتن عبارة الشيخ على القضية الحقيقية ، وفي تعليقته على الرسائل حملها على ان متعلق الحكم هو الكلي : أي ان المالك في باب الخمس والزكاة هو كلي الفقير لا افراد الفقراء واشخاصهم ، فان متعلق الحكم فيهما هو كلي الفقير من دون دخل للاشخاص فيه. والفرق بين القضية الحقيقية وكون متعلق الحكم كلي الفقير ، هو ان متعلق الحكم في القضية الحقيقية هو الافراد الاعم من الموجودة فعلا والمقدّرة الوجود ، وفي مثل الزكاة والخمس المتعلق هو كلي الفقير من دون دخالة للاشخاص ، ولذلك لا يجب التوزيع ويجوز اعطاؤه لفقير واحد ، ولو كان متعلّقه كليّة الافراد للزم التوزيع.

الثالث : ان الوجه في حمل كلام الشيخ على الكلي كباب الزكاة والخمس هو قوله (قدس‌سره) من دون مدخل لاشخاصهم ، فانه اذا لم يكن للأشخاص الموجودين في الشريعة السابقة مدخل في موضوعية الحكم فلا مدخلية ايضا لنفس الاشخاص الموجودين في كل وقت ، وعليه فلا بد وان يكون متعلق الحكم هو الكلي كباب الزكاة والخمس.

ومن الواضح : انه اذا كان متعلقه هو الكلي فلا يختصّ باشخاص دون اشخاص ، وكما يكون منطبقه اهل الشريعة السابقة يكون اهل هذه الشريعة منطبقا له ايضا ، وعلى هذا فلا مانع من استصحابه لعدم ارتفاعه بارتفاع اهل الشريعة السابقة ، لانهم ليسوا موضوعا للحكم حتى يرتفع الحكم بارتفاعهم.

الرابع : ان الوجه في عدول المصنف عن حمله على الحكم الكلي الى حمله على القضية الحقيقية امران :

__________________

(١) فرائد الاصول : ج ٢ ، ص ٦٥٥ (تحقيق عبد الله النوراني).

١٨٨

.................................................................................................

______________________________________________________

الاول : هو قول الشيخ (قدس‌سره) ان المستصحب هو الحكم الكلي الثابت للجماعة ، فان قوله الثابت للجماعة ظاهر في كون متعلّق الحكم هو الجماعة.

الثاني : ما اشار اليه بقوله : ((ضرورة ... الى آخره)) وحاصله : ان المستصحب تارة : يكون من الاعتبارات كالملكية فانه كما يمكن ان تتعلق بالاشخاص كذلك يمكن ان يكون متعلقها كلي الفقير. واخرى : يكون المستصحب مثل التكليف الفعلي وهو مما لا يصح تعلقه الا بالاشخاص ، لان التكليف انما هو بداعي جعل الداعي بالفعل ، ومن الواضح ان جعل الداعي بالفعل انما يعقل ان يكون موجها الى الاشخاص دون الكلي ، اذ لا معنى لبعث الكلي بما هو كلي وزجره كذلك ، وانما يعقل اعتبار الملكية للكلي ، ومثل التكليف الفعلي باب الاطاعة والمعصية فانه انما يعقل تعلقها بالاشخاص دون الكلي ، لانها من الامور الواقعية الخارجيّة لا من الاعتبارات ، والامور الواقعيّة الخارجية من الثواب والعقاب انما تكون للاشخاص لانهم من الخارجيات ، فالشخص الخارجي هو الذي يكون له الثواب والعقاب ، واما الامور التي لا وجود لها خارجا كالكلي فانه بما هو كلي انما يوجد في غير الخارج ، وامّا الموجود الخارجي فهو الحصة والفرد دون الكلي بما هو كلي فانه لا يعقل ان يكون متعلقا للثواب والعقاب.

فاتضح من جميع ما ذكرنا : ان المستصحب اذا كان هو الاحكام التكليفية الثابتة في الشريعة السابقة لا يعقل ان يكون متعلقها هو الكلي كباب الزكاة والخمس ، بل لا بد وان يكون متعلقها الاشخاص. والى ما ذكرنا اشار بقوله : ((ثم لا يخفى انه يمكن ارجاع ما افاده شيخنا العلامة اعلى الله في الجنان مقامه)) في رسائله ((في)) مقام ((الذّبّ)) أي في مقام الجواب ((عن اشكال تغاير الموضوع في هذا الاستصحاب من الوجه الثاني)) أي الجواب الثاني عن هذا الاشكال ((الى ما ذكرنا)) أي الى كون الموضوع فيها هو الافراد الاعم من المحقّقة الوجود والمقدّرة الوجود كما هو شان الموضوع في جميع القضايا الحقيقية ((لا)) الى ((ما يوهمه ظاهر

١٨٩

عدم دخل الاشخاص عدم أشخاص خاصة (١) ، فافهم (٢).

______________________________________________________

كلامه)) وقد عرفت سبب الوهم ((من ان الحكم)) فيها ((ثابت للكلي كما ان)) الحال كذلك في ثبوت ((الملكية له في مثل باب الزكاة والخمس والوقف العام)) لكليّ الفقير والعالم مثلا ((حيث لا مدخل للاشخاص فيها)) بل متعلق الحكم فيها هو كلي الفقير أو العالم.

واشار الى الوجه في عدم صحة حمل كلام الشيخ على ان متعلق الحكم هو بنحو الكلي بقوله : ((ضرورة ان التكليف والبعث أو الزجر)) الفعلي ((لا يكاد يتعلق به كذلك)) أي لا يكاد يصح ان يتعلق بالكلي كما صحّ ان يتعلّق به في مثل باب الزكاة والخمس والوقف العام ، لما عرفت من عدم صحة البعث الفعلي والزجر الفعلي بالكلي ((بل لا بد من تعلّقه بالاشخاص وكذلك)) باب ((الثواب أو العقاب المترتب على الطاعة أو المعصية)) فانه لا يصحّ ان يتعلّق الّا بالاشخاص ، لان الثواب والعقاب من الامور الخارجية ، فلا يكون متعلقها الكلي بما هو كلي فانه ليس من الامور الخارجيّة.

(١) لا يخفى ان هذا وجه حمل كلام الشيخ على ان مراده القضية الحقيقية ، بتقريب ان مراده من قوله على وجه عدم مدخل لاشخاصهم : هو عدم مدخل اشخاصهم بخصوصهم : أي عدم الاشخاص الموجودين بخصوصهم في موضوعية الحكم ، لا عدم مدخليتهم اصلا ، لان القضية الحقيقية الاشخاص فيها هم الموضوع للحكم ، الّا انه اعم من الموجودين او المقدّر وجودهم.

(٢) ولعله اشارة الى ان عبارة الشيخ ايضا لا تساعد على الحمل على القضية الحقيقيّة ، لانها كانت جوابا عن الاشكال الاول ، وهو الذي ذكره صاحب الفصول ، وقد ورد في عبارته لفظ الجماعة ، فانه قال : ان الحكم الثابت في حق جماعة لا يمكن اثباته في حق آخرين ، وظاهر عبارة الشيخ في مقام الجواب عنه ان المستصحب هو الحكم الكلي الثابت للجماعة هو تسليمه لكون موضوع الحكم هو الجماعة الموجودة

١٩٠

وأما ما أفاده من الوجه الاول ، فهو وإن كان وجيها بالنسبة إلى جريان الاستصحاب في حق خصوص المدرك للشريعتين ، إلا أنه غير مجد في حق غيره من المعدومين ، ولا يكاد يتم الحكم فيهم ، بضرورة اشتراك أهل الشريعة الواحدة أيضا ، ضرورة أن قضية الاشتراك ليس إلا أن الاستصحاب حكم كل من كان على يقين فشك ، لا أنه حكم الكل ولو من لم يكن كذلك بلا شك ، وهذا واضح (١).

______________________________________________________

في عهد تلك الشريعة ، ومنه يظهر انه لا يصح حملها على الكلي ، لانه اذا كان متعلق الحكم هو الجماعة فلا يكون متعلقه هو الكلي ، ولعلّ غرض الشيخ (قدس‌سره) ان متعلق الحكم ليس بنحو القضية الخارجية التي يكون الموضوع فيها هي الافراد الموجودة بمميزاتها ، وليس على نحو القضية الحقيقية ، بل متعلق الحكم هو الحصص الموجودة من دون دخل مميزاتها ، واذا لم تكن المميزات للحصص داخلة في موضوع الحكم فيسري الحكم الى الحصص الاخرى المعدومة في زمان الحكم ، لعدم الفرق بين الحصص اذا لم تكن المميزات لها داخلة في موضوع الحكم. والله العالم.

(١) توضيحه : ان الشيخ اجاب عن الاشكال الذي ذكره صاحب الفصول بجوابين : الجواب الثاني ما مرّ الكلام فيه.

والجواب الاول : انه لا اشكال في صحة جريان الاستصحاب لمن ادرك الشريعتين وشك في نسخ حكم في الشريعة السابقة ، فان اركان الاستصحاب فيه تامة ، لانه لما كان مدركا للشريعة السابقة فهو من مصاديق الموضوع الذي ثبت الحكم له ، فله يقين بالحكم ومع فرض الشك في بقائه لاحتمال نسخه يتحقق الشك في البقاء ، فيتم عنده كلا ركني الاستصحاب ، وبواسطة دليل الاشتراك يثبت الاستصحاب لغير المدرك للشريعتين ، فان دليل الاشتراك يعمّ كل تعبّد شرعي ومنه نفس التعبّد الاستصحابي.

١٩١

.................................................................................................

______________________________________________________

والحاصل : انه اذا صحّ جريان الاستصحاب للمدرك للشريعتين يثبت صحة جريان الاستصحاب لغير المدرك ايضا بواسطة دليل الاشتراك.

وقد اورد عليه المصنف بما حاصله : انه لا بد في دليل الاشتراك من ان يكون الذي يثبت له الحكم بواسطته مساويا لمن يثبت له الحكم بالخطاب في كل جهة كانت له ، ولما كان الاستصحاب متقوّما باليقين والشك ، ولا مجرى له لمن ليس له يقين وشك ، فلا يكون دليل الاشتراك شاملا له ، لان المدرك للشريعتين له يقين وشك ، واما غير المدرك للشريعتين فلا يقين له ، واذا لم يكن له يقين فلا ينفعه دليل الاشتراك ، لان المتحصّل من دليل الاشتراك هو اشتراك غير المخاطب للمخاطب في حكمه ، ولما كان الحكم الاستصحابي متقوّما باليقين والشك فدليل الاشتراك يدل على اشتراك غير المخاطب للمخاطب اذا كان مثل المخاطب في ان كان له يقين وشك ، وحيث لم يكن غير المدرك للشريعتين له يقين بالحكم فلا يثبت بدليل الاشتراك اجراؤه للاستصحاب.

وقد اشار المصنف الى كون جواب الشيخ انما يتمّ في خصوص المدرك للشريعتين بقوله : ((واما ما افاده من الوجه الاول فهو وان كان وجيها ... الى آخر الجملة)). واشار الى عدم فائدة دليل الاشتراك بقوله : ((ولا يكاد يتمّ الحكم فيهم)) أي في المعدومين ((بضرورة اشتراك اهل الشريعة الواحدة ايضا)). واشار الى وجه عدم اجداء دليل الاشتراك بقوله : ((ضرورة ان قضية الاشتراك ليس إلّا ان الاستصحاب حكم كل من كان على يقين فشك)) أي ان دليل الاشتراك يدل على ان غير المدرك يشارك المدرك في اجراء الاستصحاب ، ولكنه لا بد وان يكون لغير المدرك يقين وشك لتقوّم اجراء الاستصحاب باليقين والشك ، ولا يشارك غير المدرك للمدرك في اجراء الاستصحاب اذا لم يكن لغير المدرك يقين وشك ، والى هذا اشار بقوله : ((لا انه حكم الكلّ ولو لم يكن كذلك بلا شك)) أي ان دليل الاشتراك لا يدل على ان كل حكم يثبت للمخاطب يثبت لغيره وان لم يكن واجدا لموضوع ذلك الحكم.

١٩٢

السابع (١) : لا شبهة في أن قضية أخبار الباب هو إنشاء حكم مماثل للمستصحب في استصحاب الاحكام ، ولاحكامه في استصحاب

______________________________________________________

(١) هذا التنبيه السابع لبيان عدم استفادة حجيّة الاستصحاب المثبت من ادلة الاستصحاب : أي ان المستفاد منها هو البناء العملي على ما تعلّق اليقين به وترتيب ما لنفسه من الاثر الشرعي ، فيما اذا كان متعلق اليقين هو الموضوع للحكم الشرعي ، ولا يترتّب عليه اثره العادي او العقلي ، مثلا لو كانت حياة زيد متعلقه لليقين والشك فبالاستصحاب يترتّب الاثر الشرعي كوجوب الانفاق عليه ، فيما اذا كان بحيث لو احرزنا حياته بالقطع لوجوب الانفاق عليه ، ولا يترتّب على استصحاب حياته الاثر العادي كنبات لحيته فيما اذا كان في سن بحيث لو كان حيّا حقيقة لنبتت لحيته ، ولا يترتب ايضا على استصحاب حياته الاثر العقلي وهو كونه مركبا من مادة وصورة مثلا ، ولا يترتب ايضا بواسطة الاستصحاب الاثر الشرعي المرتب على الموضوع المستصحب بواسطة امر عادي او عقلي ، كما لو كان الاثر مترتبا على كون الشجرة مثمرة ، ككراهة البول تحتها وكانت الشجرة بحيث لو كانت حيّة لكانت مثمرة الآن عادة ، فباستصحاب حياة الشجرة لا تترتب الكراهة لانها مترتبة على كونها مثمرة ، وهو لازم عادي للشجرة لا شرعي. وكما لو ترتب الاثر على بلوغ الطفل وشككنا في حياته وبلوغه ولكنه كان بحيث لو كان حيّا بالفعل لكان متجاوزا سن البلوغ ، فباستصحاب حياته لا يترتب الاثر المترتب على البلوغ ، لان كونه بالغا الآن لازم عقلي للحياة ، بل الجاري استصحاب عدم بلوغه ... هذا اذا كان المستصحب موضوعا ذا اثر.

واما اذا كان المستصحب نفس الاثر الشرعي كنفس الحكم فانه يترتب على استصحابه اثره الشرعي ، كما لو كان المستصحب نفس وجوب الصلاة فانه يترتّب على استصحابه كون الصلاة اداء في الوقت مثلا وقضاء في خارجه ، ويترتب عليه اثره العقلي ايضا كلزوم إطاعته وان طاعته تقتضي استحقاق الثواب ومعصيته

١٩٣

الموضوعات ، كما لا شبهة في ترتيب ما للحم المنشأ بالاستصحاب من

______________________________________________________

تقتضي استحقاق العقاب ... واما الاثر الشرعي المترتّب على الحكم بواسطة امر عقلي او عادي فلا يكون الاستصحاب حجة عليه ومثبتا له ، وحاله حال الاثر الشرعي المترتّب على الموضوع بواسطة امر عادي او عقلي ، ففيما ـ مثلا ـ لو استصحبنا وجوب الانفاق على زيد لقوته ـ مثلا ـ وكان اللازم لوجوب الانفاق عليه الآن هو بلوغه ، واذا كان بالغا يزيد مقدار الانفاق عليه ، فلا يترتب على استصحاب وجوب الانفاق عليه بمقدار قوته وجوب زيادة الانفاق عليه الآن ، لانه لازم بلوغه وهو لازم عقلي لا شرعي ، وكذا فيما لو استصحبنا نجاسة الخمر لاحتمال كونها خلا وكان حكم مرتب على اسكار الخمر ، كما لو دلّ الدليل على حرمة الجلوس على مائدة فيها مسكر ، فانه باستصحاب نجاسة الخمر لا يترتب حرمة الجلوس على مائدة فيها الخمر المشكوكة النجاسة ، لان الاسكار لازم عادي لها لا شرعي.

ثم لا يخفى ان اثر الحكم المستصحب ان كان اثرا شرعيا للحكم الواقعي لا بد من ترتبه بالاستصحاب كوجوب الاجتناب عن النجاسة المشكوكة المستصحبة ، وان كان اثرا عقليا للحكم لكنه اعم من كونه واقعيا او ظاهريا فانه يترتب بالاستصحاب ايضا ، كوجوب الاطاعة فانه اثر للحكم اعم من كونه واقعيا او ظاهريا.

واما اذا كان اثرا عقليا مختصّا بالحكم الواقعي فانه لا يترتب بالاستصحاب ، لوضوح انه بعد ان كان اثرا عقليا لا شرعيا وكان موضوعه هو خصوص الحكم الواقعي فلا محالة لا يترتب بالاستصحاب ، لان الثابت بالاستصحاب هو الحكم الظاهري كما سيظهر ، ومع عدم الموضوع للاثر لا يترتب الاثر ، مثلا لو قلنا بان وجوب عقد القلب وهو الموافقة الالتزامية انما يحكم العقل بلزومها بالنسبة الى الحكم الواقعي دون الظاهري ، فلا تجب الموافقة الالتزامية للحكم الثابت بالاستصحاب لانه حكم ظاهري لا واقعي.

١٩٤

الآثار الشرعية والعقلية ، وإنما الاشكال في ترتيب الآثار الشرعية المترتبة على المستصحب بواسطة غير شرعية عادية كانت أو عقلية (١) ، ومنشؤه

______________________________________________________

(١) توضيحه : ان عمدة ادلة الاستصحاب هي الاخبار الناهية عن نقض اليقين بالشك ، فان كان المستفاد منها تتميم الوصول الى الواقع كما يدعى ذلك في الامارات افادت حجيّة الاستصحاب في جميع لوازمه وان كانت مع الواسطة ، وكان حاله حال الامارة فان حجيّتها تعمّ لوازم ما قامت عليه جميعا ، ولذا قالوا ان الامارة حجة في المثبت من لوازمها. وان كان المستفاد منها جعل الحكم المماثل الظاهري لا بما هو طريق الى الواقع بل بما هو حكم تعبّديّ في مقام الشك ، او كان مفاده الاخذ باليقين في مقام الشك لا لتتميم الوصول ولا لان الاخذ به بما هو طريق الى الواقع ، بل لمحض جعل الوظيفة في مقام الشك ، وعلى أي منهما فلا يكون المستفاد من اخبار الاستصحاب ما يكون حجة في المثبت من لوازم المستصحب ، ولا يعمّ المستفاد منه غير الاثر بلا واسطة فيما اذا كان المستصحب موضوعا ذا حكم. واذا كان المستصحب نفس الحكم فترتيب اثره الشرعي لثبوت موضوعه وهو الحكم ومثله اثره العقلي كلزوم اطاعته ، ولا يترتب عليه الاثر المرتّب عليه بواسطة امر عقلي او عادي ، وحاله في ذلك حال الموضوع.

اما الوجه في عدم دلالة الاخبار الناهية عن نقض اليقين بالشك على تتميم الوصول ، فلوضوح انه مع فرض انقلاب اليقين الى الشك فليس هناك شيء له وصول ناقص حتى يتمّم ، بل الشك فرض تساوي الطرفين وعدم رجحان احدهما على الآخر ، فلا وصول ناقص للمستصحب في حال الشك حتى تكون تلك الاخبار دالة على تتميمه.

وبعبارة اخرى : ان المستصحب لما كان متعلّقا لليقين في الزمان السابق كانت الجهة التي كان بها متعلقا لليقين من جهة وجوده او عدمه منكشفة تمام الانكشاف ، وفي الزمان اللاحق حيث فرض انقلابه الى الشك فلا رجحان لتلك الجهة في فرض

١٩٥

.................................................................................................

______________________________________________________

الشك حتى تكون الاخبار متمّمة له من تلك الجهة ، بخلاف الامارة حيث انها من الظنون ورجحان احد الطرفين من ذاتي الظن ، فكان مجال لدعوى دلالة حجية الامارة على تتميم الوصول ، ولازم تتميم الوصول كون الظن حجة في المثبت من اللوازم ، لوضوح ان الظن بالشيء ظن بلوازمه ، فاذا دلّ الدليل على حجيّة الظن فيما قام عليه بما هو ظن كان لازم ذلك حجية الظن في جميع لوازم المظنون ، سواء كانت بلا واسطة او مع الواسطة.

واما الوجه في كون المستفاد منها جعل الحكم المماثل ، فلانه بعد ان كانت الاخبار غير دالة على حجية الاستصحاب من باب الامارة ، فالمستفاد من النهي عن نقض اليقين الذي هو مدلولها بالمطابقة هو ابقاء المتيقن تعبّدا في ظرف الشك ، ومن الواضح ان الامر بابقائه ليس لكون المكلف هو المبقي له ، لوضوح ان ذلك امر بالتشريع وهو محال من الشارع ، فلا بد وان يكون طلب ابقائه لاجل اعتبار الشارع بقاءه في ظرف الشك ، ومعنى اعتبار الشارع للمتيقّن في ظرف الشك هو جعل الحكم المماثل للمتيقن للمشكوك بما هو مشكوك في ظرف الشك في بقائه ، ومن الواضح ان الحكم الواقعي الذي كان متعلقا لليقين لم يكن حكما للمشكوك بما هو مشكوك ، فلا محالة يكون الحكم للمشكوك بما هو مشكوك حكما مماثلا للحكم الواقعي المتعلّق لليقين.

واما الوجه في انه اذا كان المستفاد من الاخبار هو الحكم المماثل فلا يكون الاستصحاب حجة في المثبت من اللوازم ، فلان الحكم المماثل انما هو لما ينطبق عليه انه إبقاء لليقين عملا في ظرف الشك ، وحيث ان المفروض في اللوازم انها لم تكن متعلقا لليقين بنفسها ، فان نبات لحية زيد حال اليقين بحياته لم تكن متعلقة لليقين لانه لم يكن في ذلك الحال ذا لحية قطعا ، لانه كان عمره ـ مثلا ـ لا يساعد على ان يكون ذا لحية كما لو كان عمره ثماني سنين او نحو ذلك ، نعم في حال الشك لو كان حيّا لكان بحسب العادة ذا لحية ، وعلى أي حال لم يكن نبات لحيته متعلقا لليقين ، وانما

١٩٦

.................................................................................................

______________________________________________________

كان اليقين متعلقا بحياة زيد ، فدليل الاستصحاب يدلّ على جعل الحكم المماثل الذي كان موضوعه حياة زيد ، لانه هو منطبق ابقاء اليقين عملا بحياة زيد ، ولما لم تكن اللوازم متعلقة لليقين فلا دلالة للاخبار على جعل الحكم المماثل الذي موضوعه أولا وبالذات هو اللوازم التي لم تكن متعلقة لليقين.

وبعبارة اخرى : انه لا دلالة للاخبار على إبقاء اللوازم عملا مع فرض كونها لم تكن متعلقة لليقين ، وانما تدل على الابقاء العملي على ما كان متعلّقا لليقين وهو حياة زيد ، واما نبات لحيته فحيث لم تكن متعلّقة لليقين فلا ابقاء عملي حتى يترب عليها الحكم. وكذلك الحال فيما اذا كان المستفاد منه الاخذ باليقين ، فان لازم الاخذ باليقين ترتيب الاثر في مقام الشك على نحو ما كان يترتّب الاثر حين كان هناك يقين ، ولما لم يكن اليقين في حال تحققه متعلقا باللوازم فلا وجه للاخذ بها في مقام الشك.

وقد اشار الى كون المستفاد من اخبار الاستصحاب هو الحكم المماثل ، وان لازمه جعل الحكم المماثل للحكم المستصحب فيما كان المستصحب نفس الحكم ، وللحكم المماثل للموضوع المستصحب فيما اذا كان المستصحب هو الموضوع للحكم بقوله : ((لا شبهة في ان قضية اخبار الباب)) أي قضية باب الاستصحاب وهي الاخبار الناهية عن نقض اليقين بالشك ((هو انشاء حكم مماثل للمستصحب في)) ما كان الاستصحاب هو ((استصحاب الاحكام و)) جعل الحكم المماثل ((لاحكامه)) أي لاحكام الموضوع المستصحب ((في)) ما كان الاستصحاب هو ((استصحاب الموضوعات)).

واشار الى ان المستصحب اذا كان هو الحكم يترتب على الحكم المماثل الآثار الشرعية مطلقا ، سواء كانت اثرا للحكم الواقعي او كانت اثرا لما هو الاعم من الحكم الواقعي والظاهري كما عرفت ، فيترتب على استصحاب وجوب الصلاة الاداء والقضاء ، وعلى استصحاب طهارة الماء التطهير به ، والآثار العقلية للحكم

١٩٧

أن مفاد الاخبار (١) : هل هو تنزيل المستصحب والتعبد به وحده؟ بلحاظ خصوص ما له من الاثر بلا واسطة (٢) ، أو تنزيله بلوازمه العقلية أو

______________________________________________________

كلزوم اطاعته. واذا كان المستصحب هو الموضوع فبالاستصحاب يثبت له الحكم المماثل ، ويترتب على هذا الحكم المماثل آثاره الشرعية والعقلية بلا واسطة ايضا بقوله : ((كما لا شبهة في ترتيب ما للحكم المنشأ بالاستصحاب)) سواء كان المستصحب نفس الحكم او الموضوع ذا الحكم ، فانه بالاستصحاب يثبت الحكم المماثل ويترتب عليه ما للحكم ((من الآثار الشرعية والعقلية)) وقد اشار الى الاشكال في حجية الاستصحاب في المثبت من اللوازم وهي اللوازم المترتبة على المستصحب بواسطة لازمه العادي او العقلي بقوله : ((وانما الاشكال في ترتيب ... الى آخر الجملة)).

(١) قد عرفت ان مفاد الاخبار الدالة على حجية الاستصحاب اذا كان تتميم الوصول كان الاستصحاب حجة في المثبت من اللوازم ، وقد عرفت ايضا ان مفادها هو جعل الحكم المماثل للمشكوك بما هو مشكوك.

ولكنه مع ذلك قد قيل بدلالة الاخبار على حجية الاستصحاب في المثبت من اللوازم بوجهين اشار اليهما في المتن ، وقبل ان يشير اليهما اشار الى الوجه في عدم دلالة الاخبار على حجية الاستصحاب في المثبت.

(٢) هذا هو الوجه في عدم حجية الاستصحاب في اللوازم المثبتة.

وبيانه : ان مرجع لا تنقض الى تنزيل المستصحب المشكوك في الزمان اللاحق ـ وهو الذي يكون فيه مشكوكا ـ منزلة المتيقّن في الزمان السابق ، وحيث لم تكن اللوازم متعلّقة لليقين كما هو المفروض ، فان نبات لحيته لم يكن متيقنا في الزمان السابق ، وانما المتيقن هو الحكم سواء كان هو المستصحب او كان المستصحب هو الموضوع للحكم ، فلا بد من ان يكون التنزيل بلحاظه وحده وهو الاثر بلا واسطة ، فباستصحاب حياة زيد يترتب عليه وجوب الانفاق وحده ، ولا يترتب عليه الحكم

١٩٨

.................................................................................................

______________________________________________________

المترتّب على نبات لحيته لانه لم يكن نبات لحيته متعلقا لليقين حتى يكون لزوم البناء عملا على المتيقن في حال الشك مما ينطبق عليه.

لا يقال : انه فيما كان المستصحب هو الموضوع لا يشترط كون حكمه متعلقا لليقين ، ويكفي كون الموضوع بنفسه متعلقا لليقين ، وباستصحابه يترتب عليه حكمه في حال الشك اذا كان له في تلك الحال حكم ، وكما جاز ترتيب حكمه في حال وان لم يكن نفس الحكم متعلقا لليقين جاز ان يترتّب عليه الحكم المرتّب على نبات اللحية وان لم يكن نبات اللحية متعلقا لليقين ، مثلا لو كانت الخمر في حال كونها متيقنة ليست داخلة في محل الابتلاء ، وفي حال كونها مشكوكة تكون داخلة في محل الابتلاء ، فباستصحاب خمريتها يترتب عليها وجوب الاجتناب ، وكما جاز ان يترتّب عليه هذا الحكم ، فلما ذا لا يترتب عليها حرمة الجلوس فيما اذا لم يكن اسكارها متيقنا ولكنه على فرض كونها خمرا في حال الشك تكون مسكرة؟

فانه يقال : انه لما كان حرمة الجلوس ليس اثرا للخمر وانما هو اثر للاسكار ، وانما يحرم الجلوس على الخمر فيما اذا احرز اسكارها لاحراز ما هو الموضوع لحرمة الجلوس ، والمفروض عدم اليقين باسكارها في حال كونها متعلقة لليقين ، فلا يكون الدليل الدال على تنزيل الخمر المشكوكة منزلة الخمر المتيقنة من باب كونه ابقاء عمليا للخمر المتيقنة الّا بلحاظ ما لها من الحكم بما هي متيقّنة ، وان كان هناك مانع عن فعلية حكمها في حال كونها متيقنة ، ولا يكون التنزيل بلحاظ حرمة الجلوس المرتب بالفرض على الاسكار ـ لا على الخمر ـ مع كون الاسكار لم يكن متعلقا لليقين لانه ليس له ابقاء عملي. وقد اشار الى ما ذكرنا من ان المستفاد من اخبار الاستصحاب هو تنزيل المستصحب المشكوك منزلة المتيقن في خصوص الاثر بلا واسطة دون غيره من الآثار المرتبة على المستصحب بواسطة امر عقلي او عادي بقوله : ((هل هو تنزيل المستصحب)) المشكوك منزلة المتيقن ((والتعبّد به وحده بلحاظ)) ترتيب ((خصوص ما له من الاثر بلا واسطة)) لانه هو الذي يكون الابقاء العملي

١٩٩

العادية؟ كما هو الحال في تنزيل مؤديات الطرق والامارات (١) ، أو بلحاظ مطلق ما له من الاثر ولو بالواسطة؟ بناء على صحة التنزيل

______________________________________________________

منطبقا عليه دون الاثر المرتب مع الواسطة ، لان الواسطة لما لم تكن متيقنة فلا يكون الابقاء العملي للمتيقن منطبقا عليها حتى يترتب حكمها.

(١) هذا هو الوجه الاول من الوجهين المدعى بواسطتهما شمول اخبار الباب للاثر مع الواسطة ، سواء كانت الواسطة امرا عقليا او عاديا ... وتوضيحه بامور ثلاثة :

الاول : ان تنزيل الشارع لشيء منزلة شيء انما هو بلحاظ التعبّد بما للمنزل عليه من الآثار ، لوضوح ان التنزيل لا يخرج الشيء عن حقيقته ، فانه اذا نزّل الشارع الامارة الظنية منزلة العلم فلا تخرج الامارة الظنية عن كونها ظنيّة ، فالمراد من تنزيلها منزلة العلم هو تنزيل مؤدّاها وما قامت عليه منزلة مؤدى العلم وما تعلّق به بلحاظ آثاره.

الثاني : انه لا اشكال في ترتيب جميع آثار ما تعلّق به العلم من دون فرق بين اثره بلا واسطة وبين اثره مع الواسطة.

الثالث : ان المستفاد من اخبار الباب هو تنزيل المشكوك منزلة المتيقن ، وباطلاقه يشمل جميع آثار المتيقن ، فلا محالة يكون التنزيل بلحاظ جميع الآثار المترتبة على المتيقن سواء كانت بلا واسطة او مع الواسطة ، ولازم ذلك كون الاستصحاب حجة في اللوازم المثبتة ، ويكون حاله حال الامارة ، لان السبب في كون الامارة حجة في المثبت هو ان المستفاد من ادلة حجيتها تنزيل المؤدّى فيها منزلة مؤدّى العلم ، والمستفاد من ادلة حجية الاستصحاب لما كان هو تنزيل المشكوك منزلة المتيقن فلا بد وان يكون حاله حال الامارة في كونه حجّة في المثبت ايضا.

وقد ظهر مما ذكرنا : ان الملحوظ في مقام التنزيل ـ في المقام ـ هو جميع الآثار سواء كانت بلا واسطة او مع الواسطة. وقد اشار الى ما ذكرنا بقوله : ((او تنزيله)) أي ان المستفاد من اخبار الباب اذا كان هو تنزيل المستصحب المشكوك ((بلوازمه

٢٠٠