بداية الوصول

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي

بداية الوصول

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي


المحقق: محمّد عبدالحكيم الموسوي البكّاء
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار الهدى
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٢
ISBN: 964-497-064-0
ISBN الدورة:
964-497-056-X

الصفحات: ٤٢١

ومنها : خبر الصفّار ، عن علي بن محمد القاساني ، قال : كتبت إليه ـ وأنا بالمدينة ـ عن اليوم الذي يشك فيه من رمضان ، هل يصام أم لا؟ فكتب : اليقين لا يدخل فيه الشك ، صم للرؤية وافطر للرؤية حيث دل على أن اليقين بشعبان لا يكون مدخولا بالشك في بقائه وزواله بدخول شهر رمضان ، ويتفرّع عليه عدم وجوب الصّوم إلّا بدخول شهر رمضان (١).

______________________________________________________

ارتكازية ، وان عدم صحة نقض اليقين بالشك من القضايا الجارية على طبعها ارتكازا ، وهي بنفسها القضية الواردة في مورد علم بانه من الاستصحاب لا من قاعدة اليقين كالصحيحة الاولى. والى هذا اشار بقوله : ((هذا مع وضوح ان قوله عليه‌السلام فان الشك لا ينقض ... الخ هي القضية المرتكزة ... الى آخر الجملة)).

(١) والاستدلال بها على الاستصحاب على نحو ما اشار اليه في المتن ، ان قوله عليه‌السلام ـ في الجواب ـ اليقين لا يدخل فيه الشك صم للرؤية وافطر للرؤية ، ظاهر في ان تفريع الصّوم للرؤية على اليقين بعدم دخول شهر رمضان وبقاء شهر شعبان ، وتفريع الافطار للرؤية على اليقين ببقاء شهر رمضان وعدم دخول شهر شوال.

والحاصل : ان قوله عليه‌السلام : صم للرؤية وافطر للرؤية ، بعد قوله : اليقين لا يدخل فيه الشك ، ظاهر في كون الصّوم والافطار من متفرعات البناء على اليقين وعدم مزاحمته بالشك ، فان المراد من ان اليقين لا يدخل فيه الشك هو عدم مزاحمة اليقين بالشك ، وانه لا بد من البناء على اليقين بترتب آثاره ، ومن آثاره هو البناء على اليقين بشهر شعبان حتى تتحقق الرؤية لهلال شهر رمضان وحينئذ يصام ، ومن آثاره هو البناء على اليقين بشهر رمضان حتى تتحقق الرؤية لهلال شوال وحينئذ يكون الافطار. والى ما ذكرنا اشار بقوله : ((ومنها)) أي ومن اخبار الاستصحاب ((خبر الصّفار عن علي بن محمد القاساني قال : كتبت اليه ـ وانا بالمدينة ـ عن اليوم الذي يشك فيه من رمضان هل يصام ام لا؟ فكتب)) عليه‌السلام ((اليقين لا يدخل فيه الشك

٤١

وربما يقال : إن مراجعة الاخبار الواردة في يوم الشك يشرف القطع بأن المراد باليقين هو اليقين بدخول شهر رمضان ، وأنه لا بد في وجوب الصوم ووجوب الافطار من اليقين بدخول شهر رمضان وخروجه ، وأين هذا من الاستصحاب (١)؟ فراجع ما عقد في الوسائل لذلك من الباب تجده شاهدا عليه.

______________________________________________________

صم للرؤية وافطر للرؤية)) واشار الى كيفية الاستدلال بها على الاستصحاب بقوله : ((حيث دلّ على ان اليقين بشعبان لا يكون مدخولا بالشك في بقائه)) بان يكون المراد من مدخولية الشك في بقائه هو رفع اليد عنه بسبب الشك في بقائه ((وزواله)) لاحتمال بقائه ببقاء شهر شعبان ، واحتمال زواله ((بدخول شهر رمضان ويتفرّع عليه)) أي ويتفرع على عدم مدخوليّة الشك في اليقين ولزوم البناء على اليقين ببقاء شهر شعبان ((عدم وجوب الصوم الّا بدخول شهر رمضان)) برؤية هلاله ، ومثله الحال في لزوم البناء على بقاء شهر رمضان وعدم جواز الافطار الّا برؤية هلال شوال.

(١) حاصله : الاشكال في دلالة هذا الخبر على الاستصحاب ، بان مناط الاستدلال به على الاستصحاب هو ان يكون المراد من اليقين الذي لا يدخل الشك فيه هو اليقين بشعبان ، فانه يقين متحقق الحدوث مشكوك البقاء ، والمراد من النهي عن دخول الشك فيه هو لزوم البناء على هذا اليقين المتحقق حدوثه ، وعدم رفع اليد عنه بالشك في بقائه وزواله لاحتمال بقاء شهر شعبان ، وعليه فيوم الشك يكون منه واقعا ، واحتمال زواله ودخول شهر رمضان ، وعليه فيوم الشك يكون من رمضان واقعا.

اما اذا كان المراد من اليقين في الخبر هو اليقين بدخول شهر رمضان فتكون الرواية اجنبية الدلالة على الاستصحاب ، لان اليقين بدخول شهر رمضان ليس متحقق الحدوث مشكوك البقاء حتى يستصحب ، بل هو في يوم الشك لا تحقق له ،

٤٢

.................................................................................................

______________________________________________________

ويكون المراد من الخبر على هذا هو ان الصوم منوط باليقين بدخول شهر رمضان ، شأن كل حكم متعلّق بشيء في انه لا بد من احراز ذلك الشيء المتعلّق به باليقين حتى يكون فعليا منجزا ، وبهذا المضمون وردت اخبار في صوم يوم الشك منها خبر الخزاز : (ان شهر رمضان فريضة من فرائض الله فلا تؤدّوا بالتظني) (١) ، ومنها رواية ابن مسلم (اذا رأيتم الهلال فصوموا واذا رأيتموه فافطروا وليس بالرأي ولا بالتظني ولكن بالرؤية) (٢) وغيرها مثلها في الدلالة على ان صوم رمضان منوط باليقين بدخوله والافطار منوط باليقين بدخول شوال ، ولا ربط لهذا المعنى بالاستصحاب ، لان اليقين في خبر الصّفار اذا كان المراد منه هو اليقين بشهر رمضان لا يكون متحققا حتى يلزم البناء على بقائه ، ويكون مدلوله اجنبيا عن ذلك.

وبالجملة : ان مقتضى هذه الاخبار هو ان عدم وجوب الصوم في يوم الشك لعدم احراز موضوع الصوم باليقين ، لا للتعبد ببقاء اليقين بشهر شعبان ، والاستصحاب منوط بالثاني دون الاول. والى ما ذكرنا اشار بقوله : ((ان مراجعة الاخبار الواردة في يوم الشك)) كالاخبار التي مرّ ذكرها فانه من مراجعتها يكون الشخص ((يشرف القطع بان المراد باليقين)) في الخبر ((هو اليقين بدخول شهر رمضان وانه لا بد في وجوب الصوم ووجوب الافطار من اليقين بدخول شهر رمضان)) ليحصل اليقين بفعلية الحكم ((و)) في الافطار لا بد من اليقين ب ((خروجه)) والمراد من اليقين بخروج شهر رمضان هو اليقين بدخول شهر شوال ، لوضوح كون الافطار موضوعه دخول شوال ، ولازمه خروج شهر رمضان. وعلى كلّ فانه اذا كان المراد من اليقين في الخبر هو اليقين بالدخول يكون مدلوله اجنبيا عن الاستصحاب كما عرفت ، واليه اشار بقوله : ((واين هذا من الاستصحاب)).

__________________

(١) وسائل الشيعة : ج ٤ ، باب ١١ من أبواب احكام شهر رمضان حديث ١٠.

(٢) وسائل الشيعة : ج ٤ ، باب ١١ من أبواب احكام شهر رمضان حديث ١١.

٤٣

ومنها : قوله عليه‌السلام : كلّ شيء طاهر حتى تعلم أنه قذر ، وقوله عليه‌السلام : الماء كلّه طاهر حتى تعلم أنه نجس ، وقوله عليه‌السلام : كل شيء حلال حتى تعرف أنه حرام (١).

وتقريب دلالة مثل هذه الاخبار على الاستصحاب (٢) أن يقال : إن الغاية فيها إنما هي لبيان استمرار ما حكم على الموضوع واقعا من

______________________________________________________

(١) الروايات المشار اليها في المتن بهذا المضمون ثلاث : الاولى : رواية الشيخ عن عمّار عن ابي عبد الله عليه‌السلام (كل شيء نظيف حتى تعلم انه قذر ، فاذا علمت فقد قذر ، وما لم تعلم فليس عليك) (١). والثانية : رواها الشيخ ايضا والكليني عن ابي عبد الله عليه‌السلام ايضا (الماء كله طاهر حتى يعلم انه قذر) (٢). والثالثة : رواها الكليني بسندها عن ابي عبد الله ايضا (كل شيء هو لك حلال حتى تعلم انه حرام بعينه فتدعه) (٣) وقد اتضح ان ما في المتن اما نقل بالمضمون أو انه غلط من النسخ ، لوضوح ان الرواية الاولى كلّ شيء نظيف لا طاهر والرواية الثانية حتى تعلم انه قذر لا نجس ، والرواية الثالثة كلّ شيء هو لك حلال حتى تعلم انه حرام لا كل شيء حلال حتى تعرف.

(٢) لا يخفى ان المشهور ذهبوا الى أن مفاد الروايتين الاوليين قاعدة الطهارة فقط ، كما ان مفاد الرواية الثالثة قاعدة الحلّ فقط. وذهب المصنف في حاشيته على الرسائل ان مفاد الروايتين الاوليين الطهارة الواقعية للاشياء بعناوينها الاولية وقاعدة الطهارة في مقام الشك والاستصحاب ، ومفاد الثالثة الحليّة الواقعية للاشياء وقاعدة الحلّ في مقام الشك والاستصحاب.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ج ٢ ، باب ٣٧ ، من ابواب النجاسات حديث ٤.

(٢) الكافي : ج ٣ ، ص ١.

(٣) وكذا في وسائل الشيعة : ج ١٣ ، باب ٤ ، من أبواب ما يكتسب به حديث ٤.

٤٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وظاهره في المتن دلالة الروايتين الاوليين على الطهارة الواقعية للاشياء بعناوينها الاولية وعلى الاستصحاب ، كما ان مفاد الاخيرة هي الحلية الواقعية والاستصحاب ، ولا دلالة في جميعها على القاعدة ، لا قاعدة الطهارة في الاوليين ولا قاعدة الحلية في الاخيرة ... وينسب لصاحب الفصول دلالة الروايتين الاوليين على قاعدة الطهارة وعلى الاستصحاب ، ولازمه دلالة الاخيرة ايضا على قاعدة الحلية والاستصحاب. وهناك احتمالات أخر اعرضنا عن ذكرها حذرا من التطويل.

اما وجه المشهور فهو ان الغاية وهو قوله حتى تعلم ، اما غاية للموضوع بان يكون المراد ان الشيء الى ان يعلم بانه قذر هو طاهر ، والمستفاد منه هو الحكم بطهارة هذا الموضوع المستمر الى زمان العلم ، وحيث انه لا معنى لاستمرار الشيء بعنوانه الاولي كالماء ـ مثلا ـ الى زمان العلم ، لوضوح ان بقاء العنوان الاولي ببقاء ذاته لا بالعلم ، فلا بد وان يراد بالشيء هو المجهول بما هو مجهول ، ومن الواضح ان جعل الحكم للمجهول بما هو مجهول الى زمان العلم هو حكم ظاهري للشيء بما هو مجهول او مشكوك ، والمتحصّل منه على هذا هو الحكم الظاهري بطهارة الشيء ما لم يعلم انه قذر ، وهذا معنى قاعدة الطهارة.

واما ان يكون حتى يعلم غاية للحكم ، وعليه فالمستفاد منه ايضا قاعدة الطهارة ، لان الحكم المغيّى بالعلم هو الحكم الظاهري ، لبداهة كون الحكم الواقعي هو الحكم للشيء بعنوان ذاته ولا يكون مغيّا بالعلم ، ومنه تعرف ان كون الحكم حكما ظاهريا لا بد وان يكون للشيء لا بعنوانه الاولي ، بل بعنوان ثانوي ككونه مجهولا او مشكوكا.

لا يقال : ان كونه حكما ظاهريا لا يستلزم كون المفاد قاعدة الطهارة ، لامكان ان يكون المراد هو الاستصحاب فانه ايضا حكم ظاهري مستمر الى زمان العلم.

فانه يقال : ان الاستصحاب وان كان حكما ظاهريا مستمرا الى زمان العلم الّا انه متقوّم باليقين السابق ، وليس في الرواية دلالة على ان هذا الحكم لاجل اليقين

٤٥

.................................................................................................

______________________________________________________

السابق. وبالجملة : انه ليس كل حكم مستمر الى زمان العلم هو الاستصحاب ، بل الاستصحاب هو الحكم ببقاء الواقع المتيقن تعبّدا الى زمان العلم ، وليس في الروايات من هذا اثر.

واما وجه ما ذكره المصنف في حاشيته على الرسائل فحاصله كما ذكره (قدس‌سره) في حاشيته : ان قوله كل شيء نظيف ، او كل شيء طاهر ، هو جعل الطهارة الواقعية للاشياء بعناوينها الاوليّة ، فان عنوان الشيء هو العنوان الجامع لجميع العناوين الاوليّة ، وحيث انه له اطلاق يشمل ثبوته للشيء مع أي عنوان لحق ذلك الشيء ، ومن جملة العناوين اللاحقة للشيء هو الشك ، فيدل الاطلاق على طهارة الشيء المشكوك ، ومن الواضح ان الحكم الثابت للمشكوك هو حكم ظاهري.

والحاصل : ان كلّ شيء طاهر يدل على الحكم الواقعي وهو الطهارة الواقعية للاشياء بعناوينها الاولية بعمومه الافرادي الدّال عليه لفظة كل ، وباطلاقه الدّال على ثبوت الحكم بالطهارة في جميع احواله التي منها حال الشك ، فهو يدل باطلاقه الاحوالي على الطهارة الظاهرية ، لان الحكم بالطهارة للشيء المشكوك هو الحكم الظاهري ، فقوله كل شيء طاهر ـ الذي هو المغيّى ـ يدل على حكمين : واقعي للعموم الافرادي ، وظاهري للاطلاق الاحوالي. واما دلالته على الاستصحاب فيدل عليه الغاية ، فان استمرار الحكم الواقعي الى زمان العلم بالقذارة لا بد وان يكون لاستصحابه ، لان الحكم الواقعي بالطهارة غير منوط بالعلم بالنجاسة ، بل منوط بالنجاسة واقعا دون العلم بها ، والحكم الواقعي انما يكون مستمرا الى زمان العلم انما هو لاجل التعبّد ببقائه ، فالرواية حيث دلّت على استمرار الحكم الواقعي الى زمان العلم ، فلا محالة من ان ذلك امر تعبّدي باستمرار الواقع الى زمان العلم ، وهذا هو معنى الاستصحاب.

٤٦

.................................................................................................

______________________________________________________

فتلخّص من جميع ما ذكرنا : ان المغيّى وهو قوله كل شيء طاهر يدل على الطهارة الواقعية بعمومه الافرادي ، ويدل على الطهارة الظاهرية باطلاقه الاحوالي ، واما الغاية فهي دالة على الاستصحاب ، فيكون المستفاد من هذه الرواية ـ مغيّا وغاية ـ احكاما ثلاثة : حكم واقعي بطهارة الاشياء ، وقاعدة الطهارة وهو الحكم بطهارة المشكوك ، والاستصحاب للتعبّد باستمرار الحكم الواقعي الى زمان العلم ، والحكمان الاولان من المغيّى ، والثالث الذي هو الاستصحاب من الغاية .. ولعلّ الوجه في اعراض المصنف عنه واختياره لما في المتن : من كون الروايات تدلّ على الطهارة الواقعية للاشياء وعلى الاستصحاب ولا دلالة لها على قاعدة الطهارة ، هو ان دلالة المغيّى على الحكم الواقعي والظاهري غير معقول ، لان الحكم الواقعي موضوعه الماهية لا بشرط ، لوضوح كون موضوع الطهارة الواقعية هو الماء غير المأخوذ فيه شيء ، وموضوع الحكم الظاهري هو الماهية المقيدة بعنوان المشكوك وهو الماهية بشرط شيء ، ولا اشكال في ان تعيّن الماهية بالتعيّن اللابشرطي غير تعيّنها بالتعيّن بشرط شيء ، وحيث لا اهمال في مقام جعل الحكم ، ولا جامع بين التعيّن لا بشرط والتعيّن بشرط شيء فلا يعقل ان يكون المراد كلا التعيّنين ، فلا يعقل ان يكون المغيّى وهو قوله الماء كله طاهر دالا على الحكم الواقعي للاشياء بعناوينها الاولية وهو الماء مثلا وهو الماهية لا بشرط ، وعلى الحكم الظاهري وهو الحكم للماهية بشرط شيء وهو الماء المشكوك.

هذا ، مضافا الى ان الاطلاق ان كان جمعا بين القيود فلازمه كون الحكم الواقعي حكما وموضوعا لحكم متأخر قد فرض في رتبته ، لان الشك الذي هو الموضوع للحكم الظاهري هو الشك في الحكم الواقعي ، فالحكم الواقعي في حال لحاظه حكما لموضوعه قد لحظ موضوعا لحكم متأخر بذاته عنه ، ففرض كونه موضوعا لحكم فرض تحققه وفرض تقدمه على الحكم الذي هو موضوعه ، ولما كان

٤٧

الطهارة والحلية ظاهرا ، ما لم يعلم بطروء ضده أو نقيضه ، لا لتحديد الموضوع ، كي يكون الحكم بهما قاعدة مضروبة لما شك في طهارته أو حليته ، وذلك لظهور المغيى فيها في بيان الحكم للاشياء بعناوينها ، لا بما هي مشكوكة الحكم ، كما لا يخفى. فهو وإن لم يكن له بنفسه مساس بذيل القاعدة ولا الاستصحاب إلا أنه بغايته دل على الاستصحاب ، حيث انها ظاهرة في استمرار ذاك الحكم الواقعي ظاهرا ما لم يعلم بطروء ضده أو نقيضه (١) ، كما أنه لو صار مغيّا لغاية ، مثل الملاقاة

______________________________________________________

فرض كونه موضوعا للحكم الظاهري قد كان في حال لحاظه حكما واقعيا بنفسه ، فيلزم لحاظ كونه موضوعا للحكم المتأخر عن تحققه قد فرض في حال تحققه.

وان كان الاطلاق ليس هو الجمع بين القيود بل هو عدم لحاظ القيود ، فلازمه كون الحكم الواقعي ثابتا لموضوعه وهو العنوان الاولي مع عدم دخالة الشك ، ومعناه كون الحكم الواقعي في حال الشك فيه ثابتا لموضوعه ، وليس لهذا المعنى دلالة على الحكم الظاهري ، لان الحكم الظاهري هو الحكم الثابت للمشكوك بما هو مشكوك ، وهذا غير كون الحكم الواقعي ثابتا لموضوعه الاولي ولا دخالة للشك فيه.

مع امكان ان يقال : ان هذا الاطلاق الاحوالي موجود في كل دليل دل على الحكم الواقعي ، وعليه فيكون جميع الاحكام الظاهرية مستفادة من دليل الحكم الواقعي ، ولا حاجة الى اقامة دليل على حدة على الحكم الظاهري ، ومن البعيد جدا الالتزام بذلك ، ولعله لاجل ذلك عدل المصنف عما في الحاشية واختار ما في المتن من دلالة المغيى على الطهارة الواقعية والغاية على الاستصحاب كما سيأتي بيانه.

(١) حاصله : ان الرواية يدل المغيى فيها على الطهارة الواقعية ، لظهور قوله كل شيء طاهر في كون الطهارة في كونه حكما للشيء بعنوانه الاولي ، ككونه ماء او شجرا او حجرا او غير ذلك من العناوين الاولية للاشياء ، وحيث انه لا معنى لاستمرار الحكم

٤٨

.................................................................................................

______________________________________________________

الواقعي بالطهارة الى زمان العلم بالنجاسة ، بل الحكم الواقعي مستمر الى حدوث النجاسة لا الى العلم بها ، فلا بد وان تكون الغاية لاستمرار الحكم الواقعي الى زمان العلم هي غاية له باعتبار استمراره تعبدا ، ومن الواضح ان الاستمرار التعبدي للواقع هو بقاؤه تعبدا ، وليس الاستصحاب إلّا الحكم ببقاء الواقع تعبدا ، فالمستفاد من المغيى هو الحكم الواقعي بالطهارة وهو قوله كل شيء طاهر ، والاستصحاب مستفاد من الغاية وهي قوله حتى تعلم انه قذر ، فيكون المستفاد من مجموع المغيى والغاية ان الاشياء بعناوينها طاهرة واقعا ، وهذه الطهارة مستمرة تعبدا الى زمان العلم بالنجاسة ومعنى هذا هو الاستصحاب. ومنه يظهر ان الغاية على هذا غاية تعبدا للحكم الواقعي وحد له لا غاية للموضوع ، كما مر في احد الوجهين لمستفاد المشهور من كون مدلول الرواية هو قاعدة الطهارة ، لان الغاية اذا كانت غاية للموضوع فلا تكون دالة على الاستصحاب ، بل تكون دالة على ان هذا الحكم هو حكم لهذا الموضوع المحدد بالعلم ، ولازم ذلك كون الموضوع هو الشيء بما هو مجهول او مشكوك ، لانه هو الذي يمكن ان يكون محددا بالعلم بالنجاسة ، وعليه فيكون المستفاد منها قاعدة الطهارة دون الاستصحاب ، ولما كان الظاهر كون الطهارة حكما للشيء بعنوانه الاولي فلا بد وان يكون الحكم بالطهارة في المغيى هو الحكم الواقعي ، وحيث دلت الغاية على الاستمرار تعبدا فلا بد وان يكون المستمر تعبدا هو الحكم الواقعي ، وعليه فيتعين كون الغاية غاية للحكم في المغيى ، وان المستفاد من الغاية هو الاستصحاب كما عرفت ... فاتضح ان الغاية غاية للحكم لا للموضوع وان معناها هو الاستصحاب. والى ما ذكرنا اشار بقوله : ((وتقريب دلالة مثل هذه الاخبار على الاستصحاب ان يقال ان الغاية فيها)) وهي قوله حتى تعلم انه قذر ((انما هي لبيان استمرار ما حكم على الموضوع)) وهو الحكم بالطهارة ((واقعا)) الذي دل عليه المغيى ((من الطهارة)) الواقعية ((والحلية)) الواقعية ((ظاهرا)) أي ان الغاية تدل على استمرار هذا الحكم الواقعي ظاهرا ، لما عرفت من عدم امكان كون

٤٩

.................................................................................................

______________________________________________________

الحكم مستمرا الى زمان العلم بالنجاسة ، وانما الذي يكون مستمرا الى زمان العلم بالنجاسة هو الحكم التعبدي باستمرار هذا الحكم الواقعي ، وهو الحكم الظاهري الاستصحابي لا حكم قاعدة الطهارة ، ولما كان الحكم الظاهري هو المنوط بعدم العلم دون الحكم الواقعي اشار اليه بقوله : ((ما لم يعلم بطروء ضده او نقيضه)).

وينبغي ان لا يخفى ان قوله (قدس‌سره) بطروء ضده او نقيضه للاشارة الى كون النجاسة ان كانت امرا وجوديا والطهارة امرا وجوديا كان طروء النجاسة طروء الضد ، وان كانت الطهارة امرا وجوديا والنجاسة امرا عدميا وهو عدم الطهارة ، او كانت النجاسة امرا وجوديا والطهارة امرا عدميا وهي عدم النجاسة كان طروء النجاسة من طروء النقيض.

واشار الى ان الغاية في المقام لا بد وان تكون غاية للحكم الواقعي تعبدا لا للموضوع ، وانها لو كانت غاية للموضوع لدلت على قاعدة الطهارة بقوله : ((لا لتحديد الموضوع)) أي ان الغاية كما عرفت غاية لاستمرار الحكم لا غاية وتحديد للموضوع ((كي يكون الحكم بهما قاعدة مضروبة لما شك في طهارته)) وهي قاعدة الطهارة ((او حليته)) وهي قاعدة الحلية. واشار الى الوجه في كون الغاية غاية للحكم وان المستفاد منها هو الاستصحاب هو ظهور الحكم في المغيى بكونه حكما واقعيا ، وان استمرار الحكم الواقعي الى زمان العلم لا معنى له بل لا بد ان يكون استمراره تعبديا ، ولازم ذلك كون الغاية غاية للحكم وان المستفاد منها هو الاستصحاب بقوله : ((وذلك لظهور المغيى فيها)) وهو قوله كل شيء طاهر ، وكل شيء حلال ((في بيان الحكم للاشياء بعناوينها)) الاولية ((لا)) للاشياء بعناوينها الثانوية و ((بما هي مشكوكة الحكم كما لا يخفى فهو)) أي ان ما دل عليه المغيى ((وان لم يكن له بنفسه مساس بذيل القاعدة)) أي بالقاعدة أي قاعدة الطهارة ((ولا)) له مساس ايضا بقاعدة ((الاستصحاب إلّا انه بغايته)) وهي قوله عليه‌السلام حتى تعلم انه قذر ، وحتى تعرف انه حلال قد ((دل على الاستصحاب)) لما عرفت

٥٠

بالنجاسة أو ما يوجب الحرمة ، لدل على استمرار ذاك الحكم واقعا ، ولم يكن له حينئذ بنفسه ولا بغايته دلالة على الاستصحاب (١).

______________________________________________________

من عدم معقولية استمرار الحكم الواقعي بنفسه الى زمان العلم بالنجاسة ، فلا بد وان يكون استمراره الى زمان العلم استمرارا تعبديا ، ومعنى ذلك هو الاستصحاب ، والى هذا اشار بقوله : ((حيث انها)) أي الغاية ((ظاهرة في استمرار ذاك الحكم الواقعي ظاهرا)) المستفاد ذلك من استمراره الى زمان العلم ، واليه اشار بقوله : ((ما لم يعلم بطروء ضده أو نقيضه)) وقد عرفت ان كون النجاسة من طروء الضد مبني على كون النجاسة والطهارة أمرين وجوديين ، كما ان كون النجاسة من طروء النقيض مبني اما على ان النجاسة امر وجودي والطهارة امر عدمي او بالعكس.

(١) حاصله : ان الغاية حيث كانت هي العلم بالنجاسة كانت دالة على الاستصحاب ، لما عرفت من ان الطهارة الواقعية غايتها هي حدوث النجاسة او ملاقاتها للشيء لا العلم بها ، فلما كانت الغاية هي العلم بالنجاسة كان الاستمرار تعبديا ومعناه هو الاستصحاب ، ولو كانت الغاية هي حدوث النجاسة او ملاقاتها للشيء لما استلزم ذلك كون الاستمرار تعبديا ، بل كان الاستمرار عقليا ، لبداهة ان ارتفاع الشيء بنقيضه أو بضده امر عقلي لا شرعي ، واذا كان الارتفاع بالضد او النقيض امرا عقليا فاستمرار الشيء الى حدوث ضده أو تحقق نقيضه امر عقلي ايضا.

ولا يخفى ايضا انه اذا كانت الغاية للطهارة الواقعية هو حدوث النجاسة أو ملاقاتها ، فيكون المستفاد من ذلك هو الحكم بالطهارة الواقعية لا غير من دون دلالة على الاستصحاب ، لان المستفاد من المغيى هو الطهارة الواقعية ، والمستفاد من الغاية هو استمرارها عقلا الى حدوث الضد او النقيض. والى ما ذكرنا اشار بقوله : ((كما انه لو صار مغيّا لغاية)) غير العلم بالنجاسة بان كانت الغاية ((مثل الملاقاة بالنجاسة)) فيما دل على الطهارة الواقعية ((او)) كانت الغاية لما دل على الحلية الواقعية هي ((ما يوجب الحرمة)) ككون الخل ـ مثلا ـ حلالا حتى يكون خمرا دون

٥١

ولا يخفى أنه لا يلزم على ذلك استعمال اللفظ في معنيين اصلا ، وإنما يلزم لو جعلت الغاية مع كونها من حدود الموضوع وقيوده غاية لاستمرار حكمه ، ليدل على القاعدة والاستصحاب من غير تعرض لبيان الحكم الواقعي للاشياء أصلا (١) ، مع وضوح ظهور مثل كل شيء

______________________________________________________

العلم بالحرمة ((لدل)) ذلك ((على استمرار ذاك الحكم واقعا ولم يكن له)) أي للمغيا ((حينئذ بنفسه ولا بغايته دلالة على الاستصحاب)) لما عرفت من ان الدلالة على الاستصحاب منوطة بكون الغاية هي العلم بالنجاسة او العلم بالحرمة.

(١) حاصله : انه بناء على ما اختاره من كون الروايات دالة على الحكم الواقعي من جهة المغيى وعلى الاستصحاب من جهة الغاية .. لا يرد عليه ما يورد على ما اختاره صاحب الفصول على ما حكي عنه ، من دلالة الروايات على قاعدة الطهارة وعلى الاستصحاب ، وعلى قاعدة الحلية والاستصحاب ، لان دلالتها على قاعدة الطهارة والحلية من جهة المغيى وكون الغاية فيه لتحديد الموضوع وان الشيء المحدد بالعلم هو طاهر وحلال ، ودلالتها على الاستصحاب ـ منوطة بكون الغاية لتحديد هذا الحكم الظاهري واستمراره تعبدا الى زمان العلم ، ولازمه كون الغاية قد اريد بها تحديد الموضوع وتحديد الغاية في استعمال واحد وهو من استعمال اللفظ في معنيين.

اما بناء على كون الروايات دالة على الحكم الواقعي فلا تكون الغاية لتحديد الموضوع ، بل تكون لمحض استمرار الحكم وتحديده تعبدا بالعلم المستفاد منه الاستصحاب ، وعليه فالغاية لم تستعمل الا في معنى واحد وهو تحديد استمرار الحكم فقط من دون كونها تحديدا للموضوع حتى يرد ما اورد على صاحب الفصول.

وبالجملة : انك قد عرفت ان ما ينسب الى صاحب الفصول هو دلالة الروايات على قاعدة الطهارة وقاعدة الحلية والاستصحاب ، لان المستفاد من روايات الطهارة قاعدة الطهارة والاستصحاب ، والمستفاد من روايات الحل قاعدة الحلية

٥٢

حلال ، أو طاهر في أنه لبيان حكم الاشياء بعناوينها الاولية ، وهكذا الماء كله طاهر ، وظهور الغاية في كونها حدا للحكم لا لموضوعه ، كما لا يخفى ، فتأمل جدا (١).

______________________________________________________

والاستصحاب ، وقد عرفت ان استفادة قاعدة الطهارة وقاعدة الحل انما هو حيث تكون الغاية من حدود الموضوع ، واستفادة الاستصحاب منوطة بكون الغاية لتحديد استمرار الحكم ، فيرد عليه انه يستلزم ذلك استعمال اللفظ في معنيين ، ولا يرد ذلك على ما اختاره من دلالة الروايات على الحكم الواقعي للاشياء بعناوينها الاولية وعلى الاستصحاب كما مر بيانه تفصيلا. وقد اشار الى ان مختاره لا يستلزم استعمال اللفظ في معنيين بقوله : ((ولا يخفى انه لا يلزم ... الى آخر الجملة)). واشار الى ان ذلك انما يرد على ما نسب الى صاحب الفصول بقوله : ((وانما يلزم)) استعمال اللفظ في معنيين ((لو جعلت الغاية مع كونها من حدود الموضوع ...)) لتدل على قاعدة الطهارة والحلية ((غاية)) ايضا ((لاستمرار حكمه)) لتدل على الاستصحاب ، وقد عرفت ان هذا مستلزم لاستعمال اللفظ في معنيين. وقد اشار الى انه على هذا تكون الروايات دالة على قاعدة الطهارة والحلية وعلى الاستصحاب ، ولا دلالة لها على الطهارة الواقعية بقوله : ((ليدل على القاعدة والاستصحاب من غير تعرض لبيان الحكم الواقعي للاشياء اصلا)) وهي الطهارة الواقعية التي هي حكم واقعي للاشياء بعناوينها الاولية.

(١) يشير الى ايراد آخر على صاحب الفصول ، وحاصله : انه مخالف لظهورين في الروايات : الاول : ظهور المغيى في كون الحكم فيه حكما واقعيا للاشياء بعناوينها الاولية ، فان قوله كل شيء طاهر ظاهر في ذلك.

الثاني : ظهور الغاية في كونها غاية للحكم في الرواية ، فان قوله طاهر او حلال حتى تعلم انه قذر او حرام ظاهر في كون الغاية غاية لقوله طاهر وحلال وهو الحكم ، وليست الغاية تحديدا للموضوع بان يكون الموضوع للحكم بالطهارة او الحلية هو

٥٣

ولا يذهب عليك انه بضميمة عدم القول بالفصل قطعا بين الحلية والطهارة وبين سائر الاحكام ، لعم الدليل وتم (١).

______________________________________________________

الشيء الذي لم يعلم بانه نجس او حرام حتى يستفاد منها قاعدة الطهارة أو الحلية ، بل الظاهر من الغاية كونها غاية لنفس الطهارة والحلية.

وقد اشار الى الاول بقوله : ((مع وضوح ظهور مثل كل شيء حلال او طاهر)) الذي هو جملة المغيى ((في انه)) أي في ان اللفظ فيه وهو الطاهر والحلال ((لبيان حكم الاشياء بعناوينها الاولية)) ومعناه كون الطهارة فيه والحلية حكمين واقعيين. وقد اشار الى الثاني بقوله : ((وظهور الغاية في كونها حدا للحكم ... الى آخر الجملة)).

لا يخفى ايضا ان ظاهر ما اورده الشيخ الاعظم على صاحب الفصول هو استلزامه لتقدم الشيء على نفسه ، لان استفادة القاعدة منوطة بكون الغاية قيدا للموضوع ، واستفادة الاستصحاب منوطة بكون الغاية قيدا للحكم لتدل على استمراره ، ولازم كون هذه الغاية قيدا للموضوع وللحكم تقدمها على نفسها ، باعتبار ان لازم كونها قيدا للموضوع تكون متقدمة على الحكم لذلك الموضوع ، وباعتبار كونها قيدا للحكم الذي هو حكم ذلك الموضوع لازمه تاخرها عن ذلك الحكم ، فتكون الغاية بما هي قيد للموضوع متقدمة ، وبما هي قيد للحكم متأخرة.

(١) حاصله : ان المستفاد من الروايات المذكورة على ما اختاره هو الدلالة على استصحاب الطهارة واستصحاب الحلية ، وليس لها عموم ولا اطلاق للدلالة على الاستصحاب في غير ذلك من الموارد ، لوضوح ان الغاية المستفاد منها الاستصحاب هي عدم العلم بالطهارة والحلية وليس لها عموم ولا اطلاق ، ولكن بضميمة عدم القول بالفصل بين حجية الاستصحاب في الطهارة والحلية ، وبين حجيته في الموارد الأخر يتم حجية الاستصحاب في جميع الموارد. ولا يخفى ان مراده من عدم القول بالفصل هو القول بعدم الفصل لانه هو النافع ، وان القائل بحجية الاستصحاب في

٥٤

ثم لا يخفى أن ذيل موثقة عمار فإذا علمت فقد قذر ، وما لم تعلم فليس عليك يؤيد ما استظهرنا منها ، من كون الحكم المغيى واقعيا ثابتا للشيء بعنوانه ، لا ظاهريا ثابتا له بما هو مشتبه ، لظهوره في أنه متفرع على الغاية وحدها ، وأنه بيان لها وحدها ، منطوقها ومفهومها ، لا لها مع المغيى ، كما لا يخفى على المتأمل (١).

______________________________________________________

الطهارة والحلية ، والقائل بحجيته في بقية الموارد قائل بعدم الفصل والانفكاك بينهما ، وإلّا فمجرد القول بحجيته في الطهارة والحلية والقول بحجيته في بقية الموارد ما لم يقل بالتلازم بينهما لا ينفع ، لامكان كون القول بكل منهما لدليله الخاص لا للتلازم بينهما ، لانه هو الذي يكون مرجعه الى الاجماع المركب. وقوله : ((لعم ... وتم)) هو خبر لانه في قوله ((ولا يذهب عليك انه)).

(١) موثقة عمار هي قوله (كل شيء نظيف حتى تعلم انه قذر ، فاذا علمت فقد قذر ، وما لم تعلم فليس عليك) والذيل هو قوله فاذا علمت ... الى آخره.

وحاصل التأييد : ان ظاهر هذا الذيل انه تفريع على الغاية وحدها. وتوضيحه يتوقف على بيان امرين :

الاول : ان الغاية وهي قوله حتى تعلم الواقعة بعد الحكم على المغيى وهو قوله نظيف اذا كانت غاية للحكم ، تكون دالة بمنطوقها على ثبوت النظافة : أي الطهارة في حال عدم العلم ، وبمفهومها تدل على انتهاء هذا الحكم بالعلم ومع حصول العلم بالقذارة يكون المعلوم قذرا ، واذا كانت الغاية قيدا للموضوع لا تكون مسوقة لبيان الحكم منطوقا ومفهوما ، بل يكون الغرض منها بيان محض القيدية للموضوع ، وان الشيء غير المعلوم حكمه النظافة.

الثاني : ان ذيل الموثقة قد اشتمل على الحكمين المدلول عليهما بالغاية : الحكم المفهومي المدلول عليه بقوله فاذا علمت فقد قذر ، والحكم المنطوقي وهو قوله وما لم تعلم فليس عليك.

٥٥

ثم إنك إذا حققت ما تلونا عليك مما هو مفاد الاخبار ، فلا حاجة في إطالة الكلام في بيان سائر الاقوال ، والنقض والابرام فيما ذكر لها من الاستدلال. ولا بأس بصرفه إلى تحقيق حال الوضع (١) ، وأنه حكم

______________________________________________________

فظهر مما ذكرنا : ان كون الذيل مشتملا على الحكمين يقتضي ان تكون الغاية غاية للحكم لا للموضوع ، ولازم هذا كون حكم المغيى وهو قوله كل شيء نظيف حكما واقعيا ، لانه لو كان ظاهريا لكانت الغاية غاية للموضوع ولا تكون مسوقة لبيان حكمين ، ولما كان ذيل الموثقة قد ذكر لبيان الحكمين فيقتضي ذلك كون الغاية غاية للحكم ، وان الذيل قد ذكر لبيانهما. والى ما ذكرنا اشار بقوله : ((ثم لا يخفى ان ذيل موثقة عمار)) وهو قوله : ((فاذا علمت فقد قذر وما لم تعلم فليس عليك يؤيد ما استظهرنا منها)) وهو الدلالة على الحكم الواقعي بالطهارة للاشياء بعناوينها الاولية وعلى الاستصحاب المستفاد من الغاية ، فعلى هذا فالمستفاد ((من)) الموثقة ((كون الحكم المغيى)) وهو قوله كل شيء نظيف حكما ((واقعيا ثابتا للشيء بعنوانه)) الاولي ((لا)) ان المستفاد منها كونه حكما ((ظاهريا ثابتا له)) أي للشيء ((بما هو مشتبه ل)) ما عرفت من ((ظهوره)) أي ظهور الذيل بعد ان اشتمل على بيان الحكمين ((في انه متفرع على الغاية وحدها وانه)) أي وان الذيل ((هو بيان لها)) أي الغاية ((وحدها منطوقها)) المدلول عليه في الذيل بقوله وما لم تعلم فليس عليك ((ومفهومها)) المدلول عليه في الذيل بقوله فاذا علمت فقد قذر ، وقد عرفت ان الغاية لو كانت قيدا للموضوع لا تكون مسوقة لبيان الحكمين فلا يكون الذيل تفريعا عليها. والى هذا اشار بقوله : ((لا لها مع المغيى)) أي ليست الغاية قيدا للمغيا الذي مرجعه ان تكون قيدا للموضوع.

(١) لا يخفى ان المستفاد من الاخبار المتقدمة هو حجية الاستصحاب مطلقا ، وان حجيته بما هو قضية ارتكازية والارتكاز العرفي لليقين ، ولا يفرق الارتكاز العرفي في اليقين بين كونه متعلقا بما فيه استعداد البقاء وعدمه ، كما هو مستند التفصيل بين

٥٦

مستقل بالجعل كالتكليف ، أو منتزع عنه وتابع له في الجعل ، أو فيه تفصيل ، حتى يظهر حال ما ذكر هاهنا بين التكليف والوضع من التفصيل (١).

______________________________________________________

الشك في المقتضي والرافع بحجيته في الثاني دون الاول ، ولا يفرق العرف بين كون متعلقه الوجود او العدم ، الى غير ذلك من التفصيلات المذكورة في رسائل الشيخ الاعظم وغيرها ، وحيث ان مبنى الكتاب على الاختصار فلا داعي للتعرّض لادلة التفصيلات وبيان وجه ابرامها ونقضها ... ولكنه لما كان احد الاقوال هو التفصيل بين الاحكام التكليفية والاحكام الوضعية بجريان الاستصحاب في خصوص الحكم الوضعي كما ذهب اليه الفاضل التوني ، فلذا ناسب البحث عن الحكم التكليفي والحكم الوضعي ، ليعرف حال التفصيل في جريان الاستصحاب وعدمه.

(١) سيأتي بيان ان ما يطلق عليه الحكم الوضعي : تارة يكون مجعولا مستقلا ، واخرى يكون منتزعا عن التكليف وتابعا له ، وربما يطلق على ما ليس بمجعول اصلا لا بالاستقلال ولا بالتبع. وسيظهر ان الحق هو التفصيل وان الحكم الوضعي ليس مطلقا مجعولا مستقلا ، وايضا ليس ـ دائما ـ منتزعا عن التكليف وتابعا له ، ويظهر من المصنف المفروغية عن كون الحكم التكليفي مجعولا مستقلا ، ولم يعتن بما قيل من عدم الجعل في الاباحة بالخصوص ، وبما قيل من عدم الجعل للتكليف في جميع الاحكام الخمسة : من الوجوب والحرمة والاستحباب والكراهة والاباحة بناء على ان الاحكام هي الارادات المبرزة بالانشاء ، او انه منتزع عنها.

وعلى كلّ فالحكم التكليفي هو البعث المنشأ اما بداعي جعل الداعي الى الوجود لزوما او رجحانا ، او الى العدم لزوما او رجحانا ، او بداعي ارخاء العنان ، وبهذا اللحاظ يقسّم الحكم التكليفي الى الاقتضائي والتخييري. والحكم الوضعي هو اعتبار خاص قد اعتبر لان يترتب عليه احكام خاصة كالملكية والزوجية.

٥٧

فنقول وبالله الاستعانة : لا خلاف كما لا إشكال في اختلاف التكليف والوضع مفهوما ، واختلافهما في الجملة موردا ، لبداهة ما بين مفهوم السببية أو الشرطية ومفهوم مثل الايجاب أو الاستحباب من المخالفة والمباينة (١).

كما لا ينبغي النزاع في صحة تقسيم الحكم الشرعي إلى التكليفي والوضعي ، بداهة أن الحكم وإن لم يصحّ تقسيمه إليهما ببعض معانيه ولم يكد يصح إطلاقه على الوضع ، إلّا أن صحة تقسيمه بالبعض الآخر

______________________________________________________

(١) قد عرفت ان حقيقة الحكم التكليفي هو الانشاء بداعي جعل الداعي اقتضاء او تخييرا ، وحقيقة الحكم الوضعي هو اعتبار خاص. ومنه يتضح اختلاف مفهومهما ، لوضوح لزوم اختلافهما مفهوما بعد اختلافهما ماهيّة وحقيقة.

واما اختلافهما موردا فالنسبة بينهما هي العموم من وجه ، اذ ربما يكون المورد حكما تكليفيا لا حكم وضعي فيه كاباحة المباحات مثل الماء والكلأ ، وربما يكون حكما وضعيا لا حكم تكليفي فيه كجعل الحجية لخبر الواحد مثلا ، وربما يتصادقان موردا كالافطار فانه يطلق عليه كونه سببا لوجوب الكفارة وهو متعلق الحرمة التكليفيّة ايضا. والى هذا اشار بقوله : ((واختلافهما في الجملة موردا)) واشار الى اختلاف الحقيقة فيهما المستلزمة لاختلافهما مفهوما بقوله : ((لبداهة ما بين مفهوم السببيّة او الشرطية)) فان المفهوم منهما كون الشيء له دخل في وجود شيء اما بنحو كونه سببا له او شرطا له ، وسيأتي الاشارة الى المراد من السببية في المقام ، والسببية والشرطية مما يطلق عليه الحكم الوضعي ((و)) من الواضح ان مفهوم السببية او الشرطية هو غير ((مفهوم مثل الايجاب أو الاستحباب)) وهما من اقسام الحكم التكليفي .. فظهر بوضوح ما بينهما ((من المخالفة والمباينة)) لان حقيقة الحكم التكليفي هو الانشاء بداعي جعل الداعي اقتضاء او تخييرا ، والحكم الوضعي هو اعتبار خاص له احكام خاصة.

٥٨

إليهما (١) وصحة إطلاقه عليه بهذا المعنى ، مما لا يكاد ينكر ، كما لا يخفى ، ويشهد به كثرة إطلاق الحكم عليه في كلماتهم ، والالتزام بالتجوز فيه ،

______________________________________________________

(١) بعد ما عرفت من وضوح اختلاف الحكم الوضعي والحكم التكليفي حقيقة ومفهوما ـ تعرف انه لا ينبغي ان يكون اختلافهما مورد النزاع لأحد ، وايضا لا ينبغي النزاع في صحة تقسيم الحكم الشرعي الى الحكم الوضعي والحكم التكليفي وعدمها.

والوجه في ذلك ان الحكم قد يطلق ويراد به خصوص المجعول الاقتضائي والتخييري ، وبهذا الاطلاق لا يراد منه الّا الحكم التكليفي ، فلا يصح تقسيمه بهذا المعنى الى الحكم الوضعي والتكليفي ، لوضوح عدم صحة صدق خاص على خاص آخر ، ومع عدم الصدق لا يصح التقسيم. وقد يطلق الحكم ويراد به ما يؤخذ من الشارع ، وبهذا المعنى مما لا ريب في صحة تقسيمه اليهما لبداهة كون كلا منهما مما اخذ من الشارع. وقد اشار الى ما ذكرنا من الوجه في عدم صحة النزاع في جواز التقسيم اليهما وعدمه بقوله : ((بداهة ان الحكم وان لم يصحّ تقسيمه اليهما ببعض معانيه)) وهو ما اذا اريد منه عند اطلاقه خصوص المجعول الاقتضائي والتخييري ، فانه بهذا المعنى لا يصح تقسيمه اليهما بالبداهة لما عرفت ، واليه اشار بقوله : ((ولم يكد يصحّ اطلاقه على الوضع)) أي ان من الواضح انه لا يكاد يصح اطلاق الحكم على الوضع فيما اذا اريد به خصوص المجعول اقتضاء او تخييرا ، وحيث لم يصح اطلاقه لا يصح تقسيمه اليهما. واشار الى صحة اطلاق الحكم على الوضع فيما اذا اريد منه ما يؤخذ من الشارع بقوله : ((الّا ان صحة تقسيمه بالبعض الآخر اليهما)) لما عرفت من صحة اطلاقه على الحكم الوضعي حيث يراد به ما يؤخذ من الشارع ، لانه كما ان الحكم التكليفي مما اخذ من الشارع فان الحكم الوضعي ايضا مما اخذ من الشارع ، واذا صحّ اطلاقه عليهما صحّ تقسيمه اليهما.

٥٩

كما ترى (١). وكذا لا وقع للنزاع في أنه محصور في أمور مخصوصة ، كالشرطية والسببية والمانعية ـ كما هو المحكي عن العلامة ـ أو مع زيادة العلية والعلامية ، أو مع زيادة الصحة والبطلان ، والعزيمة والرخصة ، أو زيادة غير ذلك ـ كما هو المحكي عن غيره ـ أو ليس بمحصور ، بل كلما ليس بتكليف مما له دخل فيه أو في متعلقه وموضوعه ، أو لم يكن له دخل مما أطلق عليه الحكم في كلماتهم (٢) ، ضرورة أنه لا وجه للتخصيص

______________________________________________________

(١) حاصله : ان اطلاق الحكم على الحكم الوضعي مما لا ريب فيه ، لبداهة اطلاق الحكم على الملكية والزوجية ، فلو لم يكن الحكم موضوعا للمجعول الذي يؤخذ من الشارع بان كان موضوعا لخصوص الحكم التكليفي ، لكان اطلاقه على الحكم الوضعي اطلاقا مجازيا ، ومع كثرة الحاجة لاستعماله في مطلق المجعول الذي يؤخذ من الشارع لا وجه لوضعه لخصوص الحكم التكليفي ، مع انه لو كان اطلاقه عليه مجازا للزم لحاظ العلاقة في مقام الاستعمال فيه ، ولا نرى في انفسنا في مقام استعماله في مطلق ما يؤخذ من الشارع لحاظ العلاقة. وقد اشار الى كثرة استعمال الحكم في مطلق المجعول الذي يؤخذ من الشارع بقوله : ((ويشهد به ... الى آخر الجملة)). واشار الى المحذورين بقوله : ((والالتزام بالتجوز فيه كما ترى)).

(٢) حاصله : انه بعد ما عرفت من اطلاق الحكم على مطلق ما يؤخذ من الشارع غير الاحكام التكليفية ـ تعرف انه لا وجه لان يقع النزاع في انحصار الحكم الوضعي وعدم انحصاره ، كما قيل بانحصاره في الشرطية كشرطية البلوغ مثلا للتكليف ، وفي السببية كسببية دلوك الشمس مثلا للتكليف بالصلاة ، وفي المانعية كمانعية الحيض مثلا عن الصلاة ، والانحصار في هذه الثلاثة منقول عن العلامة (قدس‌سره).

أو انه منحصر في خمسة : الثلاثة المذكورة ، مع زيادة العلية ككون الاتلاف علّة للضمان ، والعلاميّة ككون خفاء الجدران ـ مثلا ـ علامة لحدّ الترخص ، وهو المحكي عن الشهيد الثاني (قدس‌سره).

٦٠