بداية الوصول

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي

بداية الوصول

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي


المحقق: محمّد عبدالحكيم الموسوي البكّاء
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار الهدى
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٢
ISBN: 964-497-064-0
ISBN الدورة:
964-497-056-X

الصفحات: ٤٢١

.................................................................................................

______________________________________________________

وهذا القسم على نحوين : الاول : ما اذا كان الاثر بنحو كان التامة لوجود احدهما دون الآخر ، بان يكون الاثر لنحو خاص من الوجود كتقدمه او تأخره فقط.

اما اذا كان الاثر لكل واحد من الوجودين ، او كان لكل نحو من تقدّم الوجود الواحد وتأخره فان الاستصحاب وان كان جاريا الّا انه يسقط بالمعارضة ، لان اصالة عدم تقدّم احدهما معارض باصالة عدم تقدّم الآخر ، وكذلك اصالة عدم تقدّم الحادث الخاص معارض باصالة عدم تأخره ، فاذا كان الاثر لتقدّم موت كل واحد من المتوارثين فانه وان كان بنحو كان التامة الّا ان اصالة عدم تقدّم موت احدهما معارض باصالة عدم تقدّم الآخر ، وكذا اذا كان الاثر لتقدّم الكريّة على الملاقاة ولتأخر الكرية ايضا عن الملاقاة ، فان استصحاب عدم تقدّم الكريّة معارض باستصحاب عدم تأخرها.

واما اذا كان الاثر لتقدّم احدهما فقط او لتأخره فقط وكان بنحو كان التامة كما هو المفروض فان الاستصحاب يجري من دون معارض ، لوضوح ان الاثر بعد ان كان مرتبا على التقدم ـ مثلا ـ بنحو كان التامة وقد كان التقدّم مسبوقا بالعدم ، فعدم التقدم يكون متيقنا سابقا مشكوكا لاحقا ، ولذلك كان مجرى للاستصحاب لتحقق كلا ركنيه من اليقين السابق والشك اللاحق. ومنه يظهر وجه سقوطه بالمعارضة في الفرضين السابقين ، لانه بعد ان فرض ان الاثر بنحو كان التامة فاركان الاستصحاب في كل منهما متحققة ، ولذلك كان جاريا في كليهما ولكنه يسقط بالمعارضة.

وقد اشار الى جميع ما ذكرنا فاشار الى ان الكلام في ملاحظة تقدّم المستصحب او تأخره بالنسبة الى حادث آخر بقوله : ((وان لوحظ بالاضافة الى حادث آخر علم بحدوثه ايضا ... الى آخر الجملة)). واشار الى فرض الكلام في مجهولي التاريخ بقوله : ((فان كانا مجهولي التاريخ)) ، واشار الى ان الاثر اذا كان لوجود احدهما الخاص فقط ككونه متقدّما ـ مثلا ـ لا مانع من جريان الاستصحاب لتحقق كلا ركنيه ويجري

٢٤١

وأما إن كان مترتبا على ما إذا كان متصفا بالتقدّم ، أو بأحد ضدّيه الذي كان مفاد كان الناقصة ، فلا مورد هاهنا للاستصحاب ، لعدم اليقين السابق فيه ، بلا ارتياب (١).

______________________________________________________

فيه بلا معارض ، بخلاف ما اذا كان الاثر لكل واحد منهما ، او كان لاحدهما ولكنه كان لكلا نحويه من تقدمه وتأخره ، فانه وان كان لا مانع من جريان الاستصحاب ولكنه يسقط بالمعارضة بقوله : ((فتارة كان الاثر الشرعي لوجود احدهما)) فقط ((بنحو خاص من التقدم او التأخر او التقارن لا)) بان يكون ((للآخر)) اثر ايضا ((ولا له بنحو آخر)) أي بان لا يكون لاحد الوجودين ولكنه كان لتقدمه ولتأخره او لتقارنه ((ف)) ان ((استصحاب عدمه)) في الفرض الاول وهو ما اذا كان الاثر الشرعي لوجود احدهما فقط ((صار بلا معارض بخلاف ما اذا كان الاثر لوجود كل منهما كذلك)) بان كان الاثر لوجود كل واحد منهما ((او)) كان الاثر لواحد منهما ولكنه كان ((لكل من انحاء وجوده)) كما لو كان لتقدمه وتقارنه معا ((فانه حينئذ)) وان كان الاستصحاب يجري في كلا العدمين إلّا انه ((يعارض فلا مجال لاستصحاب العدم في واحد)) من الوجودين الخاصين ولا لاستصحاب العدم في واحد من نحوي الوجود الخاص ((للمعارضة باستصحاب العدم في آخر)) واشار الى ان الاستصحاب يجري لتحقق اركانه من اليقين السابق والشك اللاحق بقوله : ((لتحقق اركانه في كل منهما)). واشار الى ان هذا الكلام كلّه فيما اذا كان الاثر مرتبا بنحو مفاد كان التامة بقوله : ((هذا اذا كان الاثر المهم مترتبا ... الى آخر الجملة)).

(١) توضيحه : انه قد عرفت ان القسمة الاولى هي باعتبار ما يضاف اليه التقدّم والتأخّر في كونها : تارة باضافته الى نفس اجزاء الزمان ، وقد مرّ الكلام عليها ، واخرى باعتبار اضافته الى حادث آخر كتوارد حالتين من الكريّة والملاقاة للنجس او موت متوارثين ، وهذه القسمة الثانية : تارة تكون في مجهولي التاريخ بان يعلم بحدوث الحادثين ويجهل تاريخهما معا ، بان لا يعلم الزمان الذي حدثت فيه الكريّة

٢٤٢

.................................................................................................

______________________________________________________

ولا يعلم الزمان الذي حدثت فيه الملاقاة ، أو لا يعلم الزمان الذي مات فيه الاب ولا الزمان الذي مات فيه الابن بعد العلم بتحقق موتهما معا ، واخرى يعلم تاريخ احدهما دون الآخر ، بان يعلم بالزمان الذي حدثت فيه الكريّة مثلا ، ويجهل الزمان الذي حدثت فيه الملاقاة ، ولا يدري ان زمان الملاقاة هل كان قبل زمان حدوث الكريّة او بعده؟ او يعلم بزمان موت الاب ـ مثلا ـ ويجهل الزمان الذي حدث فيه موت الابن ، ولا يعلم انه كان قبل زمان موت الاب او بعده؟ وسيأتي الكلام في هذا.

وفي مجهولي التاريخ اما ان يكون الاثر مرتبا على الوجود الخاص او على العدم الخاص ، ويأتي الكلام في الاثر المرتب على العدم الخاص.

وان كان مرتبا على الوجود : فتارة يكون الاثر للوجود الخاص وكان مرتبا بنحو كان التامة ، وقد مرّ الكلام فيه ايضا ، واخرى يكون الاثر للوجود الخاص وكان مرتبا بنحو كان الناقصة ، وهو الذي اشار اليه ((واما ان كان مترتبا على ما كان متصفا ... الى آخر الجملة)) وبيانه ان الاثر : تارة يكون للبياض ، واخرى يكون مرتبا على الجسم المتّصف بالبياض ، ومن الواضح انه اذا كان الاثر مرتبا على البياض كان مفاد كان التامة ، واذا كان مرتّبا على الجسم المتصف بالبياض كان مفاد كان الناقصة ، لان المراد من مفاد كان التامة في المقام وامثاله هو ان يكون موضوع الاثر هو نفس وجود البياض ، من دون ملاحظة رابطيته بالجسم وكونه نعتا له ، وفي مفاد كان الناقصة يكون موضوع الاثر هو ملاحظة رابطيّة الجسم بالبياض وكونه نعتا له.

ومثله عنوان التقدم والتأخر ، فانه تارة يكون موضوع الاثر هو نفس التقدم والتأخر ، بان يقول الشارع اذا تقدّم موت الاب او الابن يكون كذا او يقول اذا تقدّمت الكريّة يكون كذا ، واخرى ان يقول اذا كان الموت متقدما او متأخرا او اذا كانت الكرية متقدمة او متأخرة يكون كذا ، فان المتحصّل من العبارة الاولى كون موضوع الاثر هو التقدّم أو التأخر من ملاحظة رابطيته وكونه نعتا ، والمتحصّل من الثانية كون موضوع الاثر هو الموت المتصف بالتقدّم او الكرية المتصفة بالتقدم.

٢٤٣

وأخرى كان الاثر لعدم أحدهما في زمان الآخر ، فالتحقيق أنه أيضا ليس بمورد للاستصحاب ، فيما كان

الاثر المهم مترتبا على ثبوته

______________________________________________________

اذا عرفت هذا ... فنقول : ان الاثر اذا كان مرتبا بنحو كان الناقصة بان يكون موضوع الأثر في التقدّم والتأخر ـ مثلا ـ هو موت الاب المتصف بالتقدم على موت الابن ، او على موت الاب المتصف بالتأخر عن موت الابن ، او على موت الاب المقارن لموت الابن ـ فانه لا مجرى للاستصحاب بناء على هذا الفرض ، لوضوح انه في حال وجود الاب لم يكن لنا يقين متعلّق بعدم موت الاب المتصف بالتقدم ، بخلاف ما اذا كان موضوع الاثر هو تقدّم الموت ، فانه في حال وجود الاب كان لنا يقين متعلق بعدم تقدم موته لانه في حال حياته لا تقدّم لموته ، فعدم تقدّم موته مقطوع به في حال حياته ، وليس كذلك الموت المتصف بالتقدم فانه في حال حياته لا يقين بعدم الموت بما هو متصف بالتقدم ، ولما كان لا يقين به كذلك فلا يجري الاستصحاب المتقوّم باليقين السابق والشك اللاحق.

ومما ذكرنا ظهر انه فيما اذا كان الاثر مرتبا بنحو مفاد كان الناقصة لا فرق بين كونه مرتبا على احد الوجودين باحد العناوين فقط ، او كان مرتبا على وجود كل واحد من الحادثين ، او كان مرتبا على الوجود الخاص بعنوانين كالتقدم والتأخر ، او كان بالعناوين الثلاثة من التقدم والتأخر والتقارن ، لعدم تحقق اليقين السابق بنحو مفاد كان الناقصة في جميع هذه الفروض ، ولذا قال (قدس‌سره) : ((واما ان كان مترتبا على ما اذا كان)) الحادث ((متصفا بالتقدّم او بأحد ضدّيه)) أي باحد ضدّي التقدم وهما التأخر والتقارن ، بان يكون الاثر مترتبا على الوجود الخاص المتصف بالتقدم او التأخر او التقارن ((الذي كان)) هو ((مفاد كان الناقصة فلا مورد هاهنا للاستصحاب لعدم)) تحقق ((اليقين السابق فيه)) لما عرفت من ان الاثر اذا كان مرتبا على الموت المتصف بالتقدّم لا على تقدم الموت ، ففي حال الحياة ليس لنا يقين بعدم الموت بما هو متصف بالتقدم وانما لنا يقين بعدم تقدم الموت.

٢٤٤

للحادث ، بأن يكون الاثر للحادث المتصف بالعدم في زمان حدوث الآخر لعدم اليقين بحدوثه كذلك في زمان (١).

______________________________________________________

(١) لما فرغ من الكلام في مجهولي التاريخ ـ فيما اذا كان الاثر مرتبا على الوجود الخاص بنحو مفاد كان التامة ، وانه يجري الاستصحاب على كل حال ، ولكنه تارة يسقط بالمعارضة فيما اذا كان الاثر لكل من الوجودين الحادثين ، او كان لكلا عنواني الوجود الواحد ، واخرى لا يسقط لعدم المعارضة ، وهو فيما اذا كان الاثر لاحد الوجودين وكان مرتبا عليه بواحد من العناوين فقط ، واذا كان مرتبا على الوجود الخاص بنحو كان الناقصة لا مجرى للاستصحاب مطلقا ـ شرع في الكلام فيما اذا كان الاثر مرتبا على عدم احد الحادثين ، فان كان بنحو مفاد كان الناقصة فلا مجرى للاستصحاب لعدم اليقين السابق.

وقبل بيان كيفيّة ترتب الاثر على العدم بنحو مفاد كان التامة والناقصة لا بد من بيان امر وهو ان الاستصحاب الجاري فيما كان الاثر مرتبا على الوجود الخاص او على العدم الخاص هو استصحاب العدم ، الّا انه فيما كان الاثر مرتبا على الوجود الخاص فمجرى الاستصحاب هو عدم ما له الاثر ، والتعبّد به تعبّد بعدم موضوع الاثر وهو الوجود الخاص ، واما فيما كان الاثر مرتبا على العدم الخاص فمجرى الاستصحاب هو نفس ما له الاثر وهو العدم ، والتعبّد به تعبّد بالموضوع الذي له الاثر وهو العدم.

ومنه يتضح : انه لا يتأتى فيما اذا كان الاثر مرتبا على الوجود الخاص لحاظ العدم بنحو مفاد كان التامة او الناقصة ، لان فرض اللحاظ بنحو كان التامة او الناقصة انما هو لما له الاثر ، وحيث ان المفروض كون ما له الاثر هو الوجود الخاص فلا يكون العدم ملحوظا بنحو مفاد كان التامة او الناقصة ، وانما لا يجري استصحاب العدم فيما كان الاثر للوجود بنحو كان الناقصة ، لعدم تحقق اليقين بعدم الوجود الملحوظ بنحو مفاد كان الناقصة كما عرفت.

٢٤٥

.................................................................................................

______________________________________________________

واما بيان كون العدم ملحوظا بنحو مفاد كان الناقصة والتامة ، فهو ان موضوع الاثر ان كان العدم بنحو الموجبة المعدولة المحمول ، بان يقال مثلا : الكريّة اللّاموجودة في زمان الملاقاة اثرها كذا ، فهو لحاظ للعدم بنحو مفاد كان الناقصة ، لانه قد لحظ العدم ـ بما هو وصف للحادث وهو الكريّة ـ موضوعا للاثر.

وان كان موضوع الاثر هو عدم الحادث بنحو السلب المقابل للايجاب ، بان يقال مثلا : عدم الكرية في زمان الملاقاة اثره كذا ، فهو لحاظ للعدم بنحو مفاد كان التامة.

اذا عرفت هذا ... فنقول : اذا كان موضوع الاثر هو العدم بنحو مفاد كان الناقصة بنحو الموجبة المعدولة المحمول ، فلا مجرى للاستصحاب لعدم اليقين السابق ، لان المفروض هو تعاقب حدوث الكرية والملاقاة في يوم الخميس والجمعة ، والجهل بما هو المتقدّم منهما والمتأخر ، والمتحقق في يوم الاربعاء هو اليقين بعدم الكريّة ، وليس لنا يوم الاربعاء يقين بالكريّة اللاموجودة في زمان الملاقاة.

وبعبارة اخرى : ان متعلق اليقين في يوم الاربعاء هو عدم الكرية في زمان الملاقاة بنحو السالبة بانتفاء الموضوع ، واخذ الاثر للعدم بنحو مفاد كان الناقصة معناه كون الاثر للعدم بنحو كونه ملحوظا بنحو الموجبة المعدولة المحمول ، لا بنحو السالبة بانتفاء الموضوع فانه مفاد كان التامة ، فان الاثر ـ مثلا ـ اذا كان لكون زيد (لا قائم) لا يترتب على استصحاب عدم قيام زيد لاستصحاب عدم وجوده ، فان زيدا في حال عدم وجوده وان كان (لا قائم) الّا انه من باب السالبة بانتفاء الموضوع لا من باب السالبة المعدولة المحمول ... فاتضح انه في يوم الاربعاء ليس لنا يقين بالكرية المتصفة بالعدم في زمان الملاقاة بنحو الموجبة المعدولة المحمول ، واذا لم يكن لنا يقين سابق بهذا النحو فلا مجرى للاستصحاب لعدم اليقين السابق.

وقد اشار الى الفرق بين استصحاب العدم فيما اذا كان الاثر للعدم ، وبين استصحاب العدم فيما كان الاثر للوجود بقوله : ((واخرى كان الاثر لعدم احدهما في زمان الآخر)) فان التعبّد بالعدم على هذا الفرض تعبّد بنفس ما له الاثر وهو

٢٤٦

وكذا فيما كان مترتبا على نفس عدمه في زمان الآخر واقعا ، وإن كان على يقين منه في آن قبل زمان اليقين بحدوث أحدهما ، لعدم إحراز اتصال زمان شكه وهو زمان حدوث الآخر بزمان يقينه ، لاحتمال انفصاله عنه باتصال حدوثه به.

وبالجملة كان بعد ذاك الآن الذي قبل زمان اليقين بحدوث أحدهما زمانان : أحدهما زمان حدوثه ، والآخر زمان حدوث الآخر وثبوته الذي يكون طرفا للشك في أنه فيه أو قبله ، وحيث شك في أن أيهما مقدم وأيهما مؤخر لم يحرز اتصال زمان الشك بزمان اليقين ، ومعه لا مجال للاستصحاب حيث لم يحرز معه كون رفع اليد عن اليقين بعدم حدوثه بهذا الشك من نقض اليقين بالشك (١).

______________________________________________________

العدم ، بخلاف الاستصحاب فيما كان الاثر للوجود فان الاستصحاب تعبّد بعدم ما له الاثر كما عرفت. واشار الى عدم جريان الاستصحاب فيما كان الاثر للعدم بنحو مفاد ليس الناقصة ، بان يكون الاثر للموجبة المعدولة المحمول بقوله : ((فالتحقيق انه ايضا ليس بمورد للاستصحاب)) كما لو كان الاثر للوجود الخاص بنحو ليس الناقصة الذي قد عرفت انه لا مجرى للاستصحاب فيه ، وذلك ((فيما كان)) العدم ملحوظا ايضا بنحو مفاد ليس الناقصة بان كان ((الاثر المهم مترتبا على ثبوته للحادث)) بنحو الموجبة المعدولة المحمول ((بان يكون الاثر للحادث المتصف بالعدم في زمان حدوث الآخر)). واشار الى الوجه في عدم جريان الاستصحاب في هذا الفرض بقوله : ((لعدم اليقين بحدوثه كذلك في زمان)) فانه لا يقين لنا بالكرية المتصفة بالعدم في زمان الملاقاة الّا من باب السالبة بانتفاء الموضوع ، وهو خلاف الفرض من كون العدم ملحوظا بنحو الموجبة المعدولة المحمول.

(١) بعد ان اشار الى ان الاثر اذا كان مترتبا على العدم بنحو مفاد ليس الناقصة لا مجرى للاستصحاب فيه ... اشار الى ما اذا كان مترتبا على العدم بنحو مفاد ليس

٢٤٧

.................................................................................................

______________________________________________________

التامة ، بان كان الاثر مرتبا على عدم تقدّم الحادث في زمان حدوث الحادث الآخر ، وانه وان كان متعلقا لليقين في هذا الفرض ، الّا انه ايضا لا مجرى للاستصحاب فيه لفقده لشرط آخر لجريان الاستصحاب وهو اتصال الشك باليقين.

وتوضيحه : ان ركني الاستصحاب وان كانا هما اليقين السابق والشك اللاحق ، الّا انه لا بد في جريان الاستصحاب من اتصال زمان المشكوك بالمتيقن ، فاذا حصل زمان فاصل بين زمان المتيقن والمشكوك لا يجري الاستصحاب ... وتوضيح ذلك يتوقف على امرين :

الاول : ان كل عنوان كان معلقا عليه حكم من الاحكام لا بد من احراز ما تعلّق عليه الحكم ، اما بالقطع او بما يقوم مقامه شرعا من البيّنة وامثالها ، واذا لم يحرز ما تعلّق به الحكم اما بان يقطع بعدمه او يشك فيه فلا يثبت الحكم المعلّق عليه ، اما اذا احرز عدمه بالقطع فواضح ، واما اذا شك فيه فلان التمسك بالحكم ـ حينئذ ـ يكون من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية ، مثلا اذا امر المولى باكرام العالم ففيما اذا قطع بعدم كون زيد عالما وانه جاهل قطعا فعدم وجوب اكرامه واضح ، واما اذا شك في كون زيد عالما او جاهلا ، ولم تقم بيّنة على احد الامرين ولم يكن هناك استصحاب يحرز احد الامرين ، فانه ايضا لا يجب اكرامه لعدم احراز ما هو الموضوع لوجوب اكرامه ، وهو كونه من افراد العنوان الذي وجب اكرامه ، ويكون التمسك بوجوب اكرام العالم فيه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية ، وقد مرّ في مبحث العام والخاص عدم كون العام حجة فيها ، ففي المقام لو دلّت ادلة الاستصحاب على لزوم اتصال المتيقن بالمشكوك وشك في الاتصال فلا مجرى للاستصحاب ، لان التمسك بادلة الاستصحاب على هذا الفرض من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية ، لفرض عدم احراز الاتصال الذي اخذ شرطا في جريان الاستصحاب بالقطع ، وعدم المجال لقيام البيّنة عليه ، لان المفروض في المقام هو الجهل بتاريخ الحادثين واحتمال تقدم كل منهما على الآخر ، واذا كان هذا الجهل موجبا بذاته

٢٤٨

.................................................................................................

______________________________________________________

للشك بالاتصال في افق نفس الشاك فيستحيل ان يكون من مقامات قيام البينة لعدم الاثر للاتصال الواقعي ، وقيام البيّنة على الاتصال في افق نفس الشاك محال بعد ان كان العلة التامة للشك في الاتصال في افق نفس الشاك هو الجهل بالتقدّم والتأخّر.

واما عدم امكان احراز الاتصال في افق نفس الشاك بالاستصحاب ، فلان المفروض عدم تحقق اتصال سابق بينهما حتى يتأتى جريان الاستصحاب في نفس الاتصال ، لان المفروض في المقام هو كون يوم الاربعاء هو زمان اليقين بعدم تحقق كل من الحادثين ، ويوم الخميس هو زمان العلم بتحقق احدهما على وجه الاجمال ، ويوم الجمعة هو زمان حدوث ثانيهما ، فليس هناك احراز للاتصال سابق قد شك فيه ، وقد قلنا ان نفس الجهل بتقدّم احدهما هو موجب بذاته للشك في الاتصال ، فلا يمكن ايضا ان يكون المقام مما يمكن احرازه بالاستصحاب.

الامر الثاني : ان المراد من النهي الدّال عليه قوله لا تنقض اليقين بالشك هو النهي عن نقض المتيقن بالمشكوك ، بان يرفع اليد عن آثار المتيقن السابق في حال كونه مشكوكا في الزمان اللاحق ، فاذا كان لنا يقين بوجود شيء في زمان ، ثم عرض اليقين بعدمه في الزمان الثاني ، ثم عرض الشك في وجوده في الزمان الثالث ، فلا يكون رفع اليد عن آثار وجود الشيء الذي كان اليقين متعلقا بوجوده في الزمان الاول من رفع اليد عن المتيقن في زمان الشك ، وليس هو من نقض اليقين بالشك ، بل يكون رفع اليد عن آثار المتيقن في زمان الثاني هو من نقض اليقين بالشك في الزمان الثالث الذي تحقق الشك في وجود الشيء فيه ، وهذا هو البرهان على ان جريان الاستصحاب مضافا الى لزوم اليقين والشك فيه انه لا بد من اتصال زمان المشكوك فيه بالمتيقن.

ومما ذكرنا يظهر : ان المدار في الاتصال هو اتصال زمان المشكوك بزمان المتيقن ، لا اتصال زمان الشك بزمان اليقين ، لوضوح ان السبق واللحوق مما لا بد فيه في الاستصحاب ، واذا تقدّم الشك في وجود الشيء ثم حصل بعده اليقين بوجوده في

٢٤٩

.................................................................................................

______________________________________________________

الزمان السابق فانه لا ريب في تحقق اركان الاستصحاب في هذا الفرض ، كما لو كان قد تقدم اليقين ثم عرض الشك. وان رفع اليد عن آثار المتيقن في كلا هذين الفرضين هو من نقض اليقين بالشك على حد سواء ، فالسبق واللحوق المتقوم به الاستصحاب هو سبق زمان المتيقن على زمان المشكوك ، لا سبق زمان اليقين على زمان الشك ، واذا كان المدار في السبق واللحوق على سبق زمان المتيقن على زمان المشكوك فلا بد وان يكون المدار في الاتصال ايضا كذلك لانه هو اتصال السابق باللاحق ، ومتى كان المدار في السابق واللاحق على سبق المتيقن ولحوق المشكوك فلا محالة يكون المدار في اتصالهما هو كذلك ايضا.

وبعبارة اخرى : ان المدار من الاتصال هو اتصال السابق باللاحق ، لان الاستصحاب هو ابقاء السابق تعبدا في مقام الشك فيه لاحقا ، فاذا كان المشكوك متصلا بالمتيقن كان التعبد به في مقام الشك ابقاء له ، واذا كان المشكوك منفصلا عن المتيقن لا يكون التعبد به في مقام الشك ابقاء للمتيقن ، لوضوح انه بعد فصله عن المشكوك بيقين متعلق بنقيض ما كان متيقنا فان المتصل بالمشكوك هو اليقين الثاني دون اليقين الاول ، فلا يكون التعبد باليقين الاول ابقاء لليقين في مقام الشك.

فاذا عرفت هذا ... فنقول : فيما اذا كان الاثر مترتبا على عدم احد الحادثين في زمان الحادث الآخر بنحو مفاد ليس التامة فلا مجرى للاستصحاب ، وان كان الاثر مترتبا على احدهما ، لعدم تمامية شرط جريان الاستصحاب وهو اتصال المتيقن بالمشكوك ، لانه اذا فرضنا تعاقب الحادثين مع الجهل بتاريخهما فان يوم الاربعاء مثلا يكون زمان المتيقن وهو اليقين بعدم كل واحد من الحادثين ، ويوم الخميس زمان حدوث احدهما ، ويوم الجمعة زمان حدوث الآخر ، فاليقين بعدم الحادث في يوم الاربعاء اذا اريد استصحابه الى زمان الحادث الآخر لا يحرز اتصاله.

بيان ذلك : انه ـ مثلا ـ اذا علمنا بان يوم الاربعاء كان المورث المسلم حيا وكان الوارث كافرا ، ويوم الخميس حدث احد الامرين اما موت المورث او اسلام

٢٥٠

.................................................................................................

______________________________________________________

الوارث ، ويوم الجمعة حدث ثاني الحادثين ، فان كان موت المورث كان قد حدث يوم الخميس فيكون اسلام الوارث حادثا يوم الجمعة ، وان كان موت المورث كان حدوثه يوم الجمعة كان اسلام الوارث حادثا يوم الخميس ، فاذا استصحب عدم اسلام الوارث الى زمان حدوث موت المورث ليترتب عليه عدم توريثه ، كان استصحاب عدم الاسلام المتيقن في يوم الاربعاء متصلا بالمشكوك وهو الاسلام يوم الخميس ، فيما اذا كان موت المورث كان قد حدث يوم الخميس. واما اذا كان موت المورث قد حدث في يوم الجمعة فيكون اسلام الوارث حادثا يوم الخميس ، وعليه يكون عدم اسلام الوارث المستصحب الى زمان حدوث موت المورث منفصلا باسلام الوارث في يوم الخميس ، فاستصحاب عدم الاسلام الى زمان حدوث الموت مما يشك في اتصاله ، لما عرفت من ان الموت اذا كان يوم الجمعة يكون الاسلام حادثا يوم الخميس ، لانه قد فرض العلم بان احد الامرين قد حدث يوم الخميس والثاني حدوثه يوم الجمعة ، فاذا فرض كون زمان حدوث الموت يوم الجمعة يكون الذي قد حدث يوم الخميس هو اسلام الوارث ، فاستصحاب عدم اسلامه يكون منفصلا باسلامه ، فنحن وان كان لنا علم بعدم الاسلام يوم الاربعاء وشك في حدوثه الى زمان موت المورث ، إلّا انه حيث يحتمل كون احد الحادثين هو الاسلام يوم الخميس لا يكون المتيقن وهو عدم الاسلام يوم الأربعاء محرز الاتصال بالمشكوك وهو الاسلام وعدمه الى زمان موت المورث ، لانه على فرض كون حدوث الموت يوم الخميس يكون عدم الاسلام المتيقن في يوم الاربعاء متصلا بالاسلام المشكوك حدوثه في يوم الخميس ، وان كان الموت يوم الجمعة يكون عدم الاسلام المتيقن في يوم الاربعاء غير متصل بعدم الاسلام المشكوك فيه بل يكون منفصلا بالاسلام ، وحيث لا يحرز الاتصال لا مجال للتمسك بالاستصحاب ، فانه يكون من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية ، لما عرفت من لزوم احراز اتصال المتيقن بالمشكوك ، وحيث لم يحرز اتصال هذا العدم المتيقن بالعدم المشكوك فلا وجه لاستصحابه.

٢٥١

.................................................................................................

______________________________________________________

وقد اشار الى كون المانع عن جريان الاستصحاب فيما كان الاثر مترتبا على العدم في زمان الآخر بنحو ليس التامة هو عدم تمامية ما هو لازم احرازه في الاستصحاب وهو اتصال المتيقن بالمشكوك بقوله : ((وكذا)) لا مجرى للاستصحاب ((فيما كان)) الاثر ((مترتبا على نفس عدمه في زمان الآخر واقعا)) وبهذا اشار الى كون الاثر بنحو مفاد كان التامة ، واشار الى ان المانع هنا هو عدم احراز الاتصال بقوله : ((وان كان على يقين منه في آن)) وهو الآن الذي يكون هذا العدم متعلقا لليقين ((قبل زمان اليقين بحدوث احدهما)) وهذا هو زمان الشك ، لوضوح ان كلا الحادثين كانا معلومي العدم قبل حدوث العلم بحدوثهما على نحو التعاقب ، فان العدم حيث يكون ماخوذا بنحو مفاد كان التامة يكون متعلقا لليقين قطعا على هذا الفرض ، بخلاف ما اذا كان مأخوذا بنحو مفاد كان الناقصة ، فانه قد تقدم انه لا يكون العدم المأخوذ بنحو كان الناقصة متعلقا لليقين ، إلّا ان المانع من جريان الاستصحاب هنا هو عدم احراز الاتصال لا عدم تحقق اليقين السابق ، ولذا قال : ((لعدم احراز اتصال زمان شكه وهو زمان حدوث الآخر)) ومراده من قوله وهو زمان حدوث الآخر هو ان زمان حدوث الآخر هو الذي يراد استصحاب العدم اليه ، فان عدم الاسلام الى زمان موت المورث ـ مثلا ـ هو الذي يترتب عليه عدم ارث الوارث الذي كان عدم اسلامه متيقنا يوم الاربعاء ، ولما كان زمان الشك في الاسلام غير محرز الاتصال ((بزمان يقينه)) وهو عدم الاسلام في يوم الاربعاء ((لاحتمال انفصاله عنه)) أي لاحتمال انفصال الشك في الاسلام الى حدوث الموت ((باتصال حدوثه)) أي باتصال حدوث الاسلام باليقين بعدم الاسلام ، وذلك اذا كان الموت حادثا بعد حدوث الاسلام ، فانه في هذا الفرض يكون حدوث الاسلام فاصلا بين اليقين بعدم الاسلام وبين الشك في عدم الاسلام ، فلا يكون المتيقن وهو عدم الاسلام متصلا بالمشكوك وهو عدم الاسلام في زمان حدوث موت المورث ، لفصل حدوث الاسلام قبل موت المورث بينهما ، وحيث لا يكون الاتصال محرزا لاجل هذا

٢٥٢

.................................................................................................

______________________________________________________

الاحتمال ، فلا يصح استصحاب عدم الاسلام للزوم احراز اتصال المتيقن بالمشكوك ، ولما كان كلامه هذا مجملا شرحه بقوله : ((وبالجملة كان بعد ذاك الآن)) أي ان بعد زمان يوم الاربعاء ((الذي)) هو زمان اليقين بعدم الاسلام وبعدم الموت ، ووضوح ان هذا الزمان هو ((قبل زمان اليقين بحدوث احدهما)) لفرض كون زمان اليقين بحدوث الاسلام او الموت هو بعد زمان يوم الاربعاء ، وهو يوم الخميس والجمعة الذي قد وقع الحادثان فيهما على نحو التعاقب ، فيكون بعد زمان يوم الاربعاء ((زمانان)) يوم الخميس ويوم الجمعة ، وان ((احدهما)) حيث ان المفروض تعاقب الحادثين لا بد وان يكون هو اما ((زمان حدوثه)) أي حدوث الاسلام مثلا ((و)) عليه يكون الزمان ((الآخر)) هو ((زمان حدوث)) الحادث ((الآخر وثبوته)) وهو الموت.

وحاصله : انه اذا فرض العلم الاجمالي بتعاقب الحادثين بعد يوم الاربعاء ، فلا بد وان يكون يوم الخميس اذا كان فيه حدوث الاسلام يكون حدوث الموت في يوم الجمعة ، واذا كان فيه حدوث الموت يكون حدوث الاسلام يوم الجمعة ، فيوم الجمعة هو ((الذي يكون طرفا للشك في انه فيه)) حدث الاسلام مثلا ((او)) حدث ((قبله)) أي في يوم الخميس ((وحيث شك في ان ايهما مقدم وايهما مؤخّر)) لفرض الجهل بالتاريخ بالنسبة لكلا الحادثين وانه لم يعلم ان المقدّم هو حدوث الاسلام او الموت ، فاذا كان الاسلام متقدّما كان الموت متأخرا ، وفي هذا الفرض يكون الاسلام فاصلا بين اليقين بعدم الاسلام يوم الاربعاء وبين الشك في الاسلام الى زمان حدوث الموت ، وعلى فرض تقدّم الموت يكون اليقين بعد الاسلام متصلا بالشك في الاسلام الى زمان حدوث الموت ، فاتضح انه ((لم يحرز اتصال زمان الشك)) في الاسلام الى حين الموت ((بزمان اليقين)) بعدم الاسلام ((ومعه)) أي ومع عدم احراز اتصال زمان الشك باليقين ((لا مجال للاستصحاب)) للزوم احراز الاتصال في جريان الاستصحاب ، وقد اشار الى الوجه في كون احراز الاتصال مما لا بد منه في

٢٥٣

لا يقال : لا شبهة في اتصال مجموع الزمانين بذاك الآن ، وهو بتمامه زمان الشك في حدوثه لاحتمال تأخره عن الآخر ، مثلا إذا كان على يقين من عدم حدوث واحد منهما في ساعة ، وصار على يقين من حدوث أحدهما بلا تعيين في ساعة أخرى بعدها ، وحدوث الآخر في ساعة ثالثة ، كان زمان الشك في حدوث كل منهما تمام الساعتين لا خصوص أحدهما ، كما لا يخفى (١).

______________________________________________________

الاستصحاب بقوله : ((حيث لم يحرز معه)) أي مع فرض الشك في التقدّم والتأخّر لا يكون الاتصال محرزا ، ومع عدم احراز الاتصال يشك في ((كون رفع اليد عن اليقين)) السابق وهو اليقين ((بعدم حدوثه)) أي بعدم حدوث الاسلام في يوم الاربعاء ((ب)) واسطة ((هذا الشك)) في الاتصال ((من نقض اليقين بالشك)) لان المستفاد من نقض اليقين بالشك هو ابقاء اليقين السابق في زمان الشك اللاحق ، ومع فصل اليقين السابق عن الشك لا يكون التعبّد باليقين السابق من ابقاء اليقين السابق.

(١) حاصله : ان عدم الاسلام المتيقن سابقا متصل بعدم الاسلام المشكوك فيه لاحقا ، لاجل احتمال حدوث الاسلام في مجموع الزمانين ، لان المتيقن هو عدم الاسلام في يوم الاربعاء ، والمشكوك فيه هو حدوث الاسلام اما في يوم الخميس او في يوم الجمعة ، فحدوث الاسلام مشكوك فيه في مجموع الازمنة الواقعة بعد يوم الاربعاء ، ومن الواضح اتصال يوم الخميس بيوم الاربعاء الى ان يقطع بتحقق الاسلام في يوم الجمعة ، فلا وجه لمنع اتصال المتيقن وهو عدم الاسلام يوم الاربعاء بالمشكوك فيه وهو حدوث الاسلام في يوم الخميس او في يوم الجمعة ، فان كون الاسلام يحتمل حدوثه في يوم الخميس او في يوم الجمعة معناه كون الاسلام مشكوك الحدوث يوم الخميس ، الى ان يعلم بتحققه في يوم الجمعة ، واتصال يوم الخميس ويوم الجمعة بيوم الاربعاء واضح.

٢٥٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وبعبارة اخرى : ان لازم كون الحادث الاول هو الاسلام او الموت بنحو الترديد في هذين الزمانين الواقعين بعد يوم الاربعاء ، هو الشك في كلّ من الاسلام والموت في كونه هو الحادث في يوم الخميس الى ان يحصل اليقين بتحققهما يوم الجمعة ، فعدم الاسلام في يوم الخميس مشكوك الحدوث لاحتمال كونه هو الحادث او ان الحادث في يوم الخميس هو الموت ، فاستصحاب عدم الاسلام المتيقن في يوم الاربعاء متصل بالمشكوك وهو الاسلام في يوم الخميس الى ان يحصل اليقين بتحققه في يوم الجمعة ، فالاسلام مشكوك فيه في مجموع الزمانين اللذين هما يوم الخميس ويوم الجمعة الى ان يحصل اليقين بالتحقق ، ومجموع الزمانين متصل بيوم الاربعاء ، فاتصال المشكوك بالمتيقن الذي كان شرطا لجريان الاستصحاب محرز في المقام بالوجدان.

والحاصل : ان لنا حالتين في زمانين : حالة اليقين بعدم الاسلام وهو يوم الاربعاء ، وحالة الشك في حدوث الاسلام وهو مجموع الزمانين بعد يوم الاربعاء ، الى ان يحصل اليقين بحدوث الاسلام في يوم الجمعة ، ولم يفصل بين حالتي اليقين بعدم الاسلام والشك فيه بعده يقين بحدوث الاسلام وهو واضح ، ولا شك لنا في اتصال ما بعد يوم الاربعاء بيوم الاربعاء حتى يكون الاتصال مشكوكا ، فاليقين السابق والشك اللاحق واتصالهما كل ذلك محرز ، فلا وجه لمنع جريان الاستصحاب للشك في إحراز الاتصال.

وقد ظهر مما ذكرنا : ان السبب في كون الاسلام مشكوكا فيه في مجموع الزمانين هو العلم الاجمالي بتقدّم احد الحادثين وتأخر الآخر ، فان لازم الجهل بكون المتقدّم هو الاسلام او الموت هو الشك في حدوث الاسلام الى ان يتحقق العلم بثبوته. وقد اشار الى ان المشكوك فيه هو الحدوث في مجموع الزمانين وهو متصل وجدانا بالمتيقن ، لوضوح اتصال مجموع الزمانين الواقعين بعد الزمانين للمتيقن بزمان المتيقن بقوله : ((لا شبهة في اتصال مجموع الزمانين)) الذي هو ظرف الشك ((بذلك الآن)) السابق الذي هو ظرف اليقين ((وهو)) أي ومجموع الزمانين ((بتمامه)) هو ((زمان الشك في

٢٥٥

فإنه يقال : نعم ، ولكنه إذا كان بلحاظ إضافته إلى أجزاء الزمان ، والمفروض إنه بلحاظ إضافته إلى الآخر ، وأنه حدث في زمان حدوثه وثبوته أو قبله ، ولا شبهة أن زمان شكّه بهذا اللحاظ إنما هو خصوص ساعة ثبوت الآخر وحدوثه لا الساعتين.

فانقدح أنه لا مورد هاهنا للاستصحاب لاختلال أركانه لا أنه مورده ، وعدم جريانه إنما هو بالمعاوضة ، كي يختص بما كان الاثر لعدم كل في زمان الآخر ، وإلا كان الاستصحاب فيما له الاثر جاريا (١).

______________________________________________________

حدوثه)) أي في حدوث هذا المشكوك ، واشار الى الوجه في كون مجموع الزمانين هو ظرف الشك في الحدوث بقوله : ((لاحتمال تأخره عن الآخر)) فان لازم العلم الاجمالي بتعاقب الحادثين في زمانين ، واحتمال تقدم كل منهما هو كون مجموع الزمانين ظرفا للشك في الحدوث في كل منهما ، وقد شرحه بقوله : ((مثلا ... الى قوله كان زمان الشك في حدوث كل منهما تمام الساعتين)).

(١) وحاصل الجواب انه اذا كان الاثر مترتبا على عدم الحادث بلحاظ الزمان كان مجموع الزمانين ظرفا للشك وكان الشك متصلا باليقين ، واما اذا كان الاثر مترتبا على عدم الحادث بلحاظ الحادث الآخر فلا يكون مجموع الزمانين ظرفا للشك ، وكان المشكوك فيه غير محرز الاتصال بالمتيقن.

وتوضيح ذلك : ان الاثر لما كان مترتبا على عدم الاسلام في حال موت المورث ، فالمتيقن السابق هو عدم الاسلام ، ويراد استصحاب هذا العدم الى زمان موت المورث ليترتب عليه عدم التوريث ، فالمشكوك فيه المترتب على استصحابه الاثر هو عدم الاسلام في حال الموت ، وحيث علم اجمالا بتحقق اما الاسلام او الموت فاستصحاب عدم الاسلام الى زمان الموت غير محرز الاتصال ، بعد العلم الاجمالي بتعاقب الحادثين واحتمال تقدم كل منهما ، لانه اذا كان المتقدم هو الاسلام والمتأخر هو الموت فاستصحاب عدم الاسلام الى زمان الموت يكون مفصولا بالاسلام المتقدم

٢٥٦

.................................................................................................

______________________________________________________

الواقع قبل الموت ، واذا كان الاسلام متأخرا كان عدم الاسلام المستصحب الى زمان الموت متصلا ، فاحتمال الانفصال موجبا للشك في الاتصال.

وهذا بخلاف ما اذا كان الاثر مترتبا على عدم الاسلام بلحاظ نفس الزمان كما في النجاسة المترتبة على عدم الاسلام ، فاذا كان عدم الاسلام متيقنا في يوم الاربعاء ثم علم بحدوث الاسلام اما يوم الخميس او يوم الجمعة ، فانه لا مانع من استصحاب عدم الاسلام الى ان يحصل العلم بتحقق الاسلام في يوم الجمعة ، فيترتب عليه النجاسة الى ان يتحقق العلم بالاسلام ، ويكون مجموع الزمانين ظرفا للشك المتصل بزمان اليقين.

فظهر مما ذكرنا : ان الاثر اذا كان مترتبا على العدم بلحاظ الحادث الآخر لا مجرى للاستصحاب لعدم احراز الاتصال ، فالاستصحاب لا يجري من أصله لا انه يجري ويسقط بالمعارضة ... وظهر ايضا ان السقوط بالمعارضة بعد صحة الجريان انما هو حيث يكون الاثر لكل من العدمين بالاضافة الى أجزاء الزمان ، كما اذا كان الاثر لعدم الموت وجوب الانفاق في يوم الخميس ، والاثر المرتب على عدم الاسلام هو النجاسة في يوم الخميس ، فالاستصحاب يجري في كل منهما لان التقدم في كل منهما انما هو بلحاظ اجزاء الزمان لا بالنسبة الى الحادث الآخر ، وسقوطهما بالمعارضة للعلم الاجمالي بحدوث احدهما في يوم الخميس ، فاستصحاب عدمهما في يوم الخميس مخالف للعلم الاجمالي ولذلك يسقطان بالمعارضة ... وقد ظهر ايضا انه اذا كان الاثر لاحد العدمين يجري استصحابه ولا يجري الاستصحاب في العدم الآخر وان كان له يقين وشك ، لما عرفت من لزوم الاثر في التعبد بالاستصحاب ، فاذا فرض عدم الاثر للعدم الآخر فيجري الاستصحاب في العدم الذي له الاثر ، ولا معارض له حتى يسقط بالمعارضة كما في المثال المتقدم ، ولكن لا يجب الانفاق لان المورث غني لا يحتاج الى انفاق ، فانه حينئذ يجري استصحاب النجاسة من دون معارضة ، بخلاف ما اذا كان عدم الجريان لعدم احراز الاتصال فان الاستصحاب

٢٥٧

وأما لو علم بتاريخ أحدهما ، فلا يخلو أيضا إما يكون الاثر المهم مترتبا على الوجود الخاص من المقدم أو المؤخر أو المقارن ، فلا إشكال في استصحاب عدمه ، لو لا المعارضة باستصحاب العدم في طرف الآخر أو طرفه ، كما تقدم.

وإما يكون مترتبا على ما إذا كان متصفا بكذا ، فلا مورد للاستصحاب أصلا ، لا في مجهول التاريخ ولا في معلومه كما لا يخفى ، لعدم اليقين بالاتصاف به سابقا منهما (١).

______________________________________________________

لا يجري وان كان الاثر لاحد العدمين ، لعدم تمامية ما يتوقف عليه جريان الاستصحاب ، وعبارة المتن فيه واضحة. واشار الى ما ذكرنا بقوله : ((فانقدح انه لا مورد هاهنا للاستصحاب)) فيما اذا كان الاثر مترتبا على العدم بلحاظ الحادث الآخر ((لاختلال اركانه)) وهو فقد احراز الاتصال ((لا انه مورده)) أي لا انه مورد الاستصحاب ((وعدم جريانه انما هو بالمعارضة)) فان لازم صحة الجريان والسقوط بالمعارضة هو كون الاثر لكل من العدمين بالاضافة الى اجزاء الزمان ، وحينئذ يجري الاستصحاب في كل منهما ويسقطان بالمعارضة ، واذا كان الاثر لاحد العدمين فلا بد من جريان الاستصحاب فيه وترتيب اثره عليه ، ولذا قال : (قدس‌سره) : ((كي يختص)) أي كي يختص السقوط بالمعارضة لا لاجل عدم احراز الاتصال ((بما كان الاثر لعدم كل)) من الحادثين ((في زمان الآخر)) فانه بعد الجريان يسقطان بالمعارضة ، ولكنك قد عرفت انه اذا كان الاثر لعدم كل من الحادثين في زمان الآخر لا يجري الاستصحاب لعدم احراز الاتصال ((وإلّا)) أي وان لم يكن الاثر لعدم كل من الحادثين بل كان لعدم احد الحادثين فلا محالة ((كان الاستصحاب فيما له الاثر جاريا)) لو لا عدم احراز الاتصال.

(١) قد عرفت ان الكلام في موردين : الاول : الجهل بتاريخ الحادثين معا ، وقد مر الكلام فيه ، وملخصه : انه اذا كان الاثر مترتبا على الوجود ، فان كان بنحو مفاد

٢٥٨

.................................................................................................

______________________________________________________

كان الناقصة لا يجري استصحاب عدمه وان كان الاثر مترتبا على وجود احد الحادثين ، واذا كان بنحو مفاد كان التامة ، فان كان الاثر لكل واحد من وجودي الحادثين يجري الاستصحاب ويسقط بالمعارضة ، ومثله ما اذا كان الاثر مترتبا على وجود احد الوجودين ولكنه كان مترتبا على كلّ من وصفي تقدّمه وتأخره مثلا ، فانه ايضا يجري الاستصحاب في عدم كلّ منهما ويسقط بالمعارضة ، واذا كان مرتبا على وجود احد الحادثين ـ وكان باحد اوصافه ـ يجري استصحاب عدمه ولا يسقط لعدم الاستصحاب المعارض ، واذا كان الاثر مرتبا على العدم فلا يجري الاستصحاب سواء كان بنحو مفاد ليس الناقصة او مفاد ليس التامة ، غايته ان عدم الجريان في مفاد ليس الناقصة لعدم المتيقن السابق ، وفي مفاد ليس التامة لعدم احراز اتصال المتيقن بالمشكوك كما عرفت تفصيل ذلك.

والمورد الثاني هو ما اذا علم بتاريخ احد الحادثين وجهل تاريخ الحادث الآخر ، ولم يعلم تقدّمه على هذا الحادث المعلوم تاريخه ولا تأخره عنه ، والقسمة في هذا الفرض كسابقه في ان الاثر : تارة يكون مرتبا على الوجود ، واخرى على العدم ، فان كان الاثر مرتبا على الوجود الخاص بنحو مفاد كان التامة جرى استصحاب عدم الحادث الخاص ، فان كان الاثر لكل واحد من وجودي الحادثين سقط بالمعارضة ، ومثله ما اذا كان الاثر لاحدهما ولكنه كان مرتبا على كلّ من وصف تقدّمه وتأخره او تقارنه فانه يجري استصحاب عدمه ويسقط بالمعارضة. واذا كان مرتبا على احد اوصافه جرى ولا يسقط لعدم المعارضة.

لا يقال : ان جريان استصحاب عدم الحادث المرتب الاثر على وجوده في المجهول التاريخ منهما لا مانع منه ، واما استصحاب العدم في المعلوم التاريخ فكيف يجري؟ لانه قبل زمان وجوده لا شك في عدمه حتى يجري استصحاب عدمه ، وبعد زمان وجوده لا شك في عدمه ايضا لفرض العلم بوجوده.

٢٥٩

.................................................................................................

______________________________________________________

فانه يقال : لم يكن الاثر مرتبا على وجوده حتى يتأتى ما ذكر ، بل المفروض ان الاثر مرتبا على تقدّم وجوده مثلا ، والعلم بتاريخ وجوده لا يقتضي العلم بتقدم وجوده على وجود الحادث الآخر ، فلا ينافي العلم بتاريخ وجوده الشك في تقدّمه ، والمفروض ان المستصحب هو عدم تقدمه ، فلا ينافي العلم بتاريخ وجوده الشك في تقدّمه.

فاتضح : ان استصحاب عدم كل من الحادثين يجري اذا كان الاثر مرتبا على الوجود الخاص بنحو كان التامة ، سواء في مجهول التاريخ منهما وفي معلومه ، لكنه تارة يسقط بالمعارضة ، واخرى لا يسقط لعدم المعارضة. والى هذا القسم اشار بقوله : ((فلا يخلو ايضا اما ان يكون الاثر المهم مترتبا على الوجود الخاص)) بنحو مفاد كان التامة ، بان يكون مرتبا على عنوان التقدّم ((من المقدم او)) عنوان التاخر من ((المؤخر او)) عنوان التقارن من ((المقارن)) ، وعلى هذا ((فلا اشكال في استصحاب عدمه)) أي عدم ذلك الوجود الخاص الذي كان الاثر مرتبا عليه بنحو مفاد كان التامة ، ويترتب عليه رفع الاثر المرتب على الوجود المقدّم او المؤخر ((لو لا المعارضة باستصحاب العدم في طرف الآخر)) فيما اذا كان الاثر مرتبا على الوجود الخاص لكل واحد من الحادثين ، او بمعارضة استصحاب عدم تقدّمه باستصحاب عدم تأخره او تقارنه فيما اذا كان الاثر مرتبا على كلّ من عنواني الوجود الخاص الواحد ، واليه اشار بقوله : ((او طرفه)).

واذا كان الاثر مرتبا على الوجود الخاص بنحو مفاد كان الناقصة ، بان لا يكون الاثر مرتبا على التقدم والتأخر كما مر بيانه في مجهولي التاريخ ، بل بان يكون مرتبا على الوجود بما هو متصف بالتقدم او التأخر او التقارن فلا يجري الاستصحاب فيه ، لان مجرى الاستصحاب لا بد وان يكون هو عدم الوجود بما هو متصف بالتقدم مثلا ، ولا يقين لنا بعدم الوجود بما هو متصف بالتقدم.

٢٦٠