بداية الوصول

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي

بداية الوصول

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي


المحقق: محمّد عبدالحكيم الموسوي البكّاء
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار الهدى
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٢
ISBN: 964-497-064-0
ISBN الدورة:
964-497-056-X

الصفحات: ٤٢١

ولو بالنظر المسامحي العرفي (١).

نعم ، لا يبعد أن يكون بحسبه ـ أيضا ـ متحدا فيما إذا كان الشك في بقاء حكمه ، من جهة الشك في أنه بنحو التعدد المطلوبي ، وأن حكمه بتلك المرتبة التي كان مع ذاك الوقت وإن لم يكن باقيا بعده قطعا ، إلا أنه يحتمل بقاؤه بما دون تلك المرتبة من مراتبه فيستصحب (٢) ،

______________________________________________________

((بحسبه)) أي بحسب اخذه قيدا للموضوع ل ((ضرورة ان الفعل المقيد بزمان خاص)) كالامساك في خصوص النهار ((غير الفعل في زمان آخر)) أي في نفس الامساك الذي يحتمل وجوبه بعد ارتفاع النهار.

(١) الظاهر انه ليس مراده انه فيما اذا كان قيدا للموضوع فالعرف وحده هو الذي يقضي باختلاف متعلق اليقين والشك ، لوضوح انه كما ان العرف يقضي بذلك فالعقل ايضا يقضي به كما عرفت ، بل مراده ان المدار على نظر العرف في الصورتين سواء كان العقل غير موافق له كما في الصورة الاولى ، او كان موافقا له كما في الصورة الثانية. والله العالم.

(٢) توضيحه : انه فيما اذا كان الزمان قيدا للموضوع فالشك في بقاء الوجوب بعد ارتفاع الزمان : تارة يكون لاحتمال ان يكون وجوب الامساك في خارج النهار لمصلحة اخرى ، غير المصلحة التي اقتضت وجوبه في النهار قد حدثت بعد ارتفاع النهار. واخرى يكون لاجل احتمال ان في الامساك في النهار مصلحتين ملزمتين : مصلحة لنفس الامساك ، ومصلحة اخرى لكونه في النهار ، وفي هذه الصورة يحتمل المصنف ان يكون الاستصحاب جاريا بنظر العرف ، لان الامساك يكون ذا مراتب منها المرتبة النهارية الواجدة لكلا المصلحتين ، ومنها المرتبة التي تكون بعد ارتفاع النهار ، وقد عرفت ان المستصحب اذا كان ذا مراتب وارتفعت احدى مراتبه يجري فيه الاستصحاب ، وان هذا القسم وان كان من اقسام استصحاب القسم الثالث من اقسام استصحاب الكلي ، إلّا انه يصح فيه الاستصحاب لاحتمال بقائه ببعض مراتبه

١٦١

فتأمل جيدا (١).

______________________________________________________

كما عرفت ، ولذا قال (قدس‌سره) : ((نعم لا يبعد ان يكون بحسبه)) أي بحسب النظر العرفي ((ايضا متحدا)) وان كان الزمان قيدا للموضوع ، لكنه ((فيما اذا كان الشك في بقاء حكمه من جهة الشك في انه)) أي من جهة في ان المطلوب المقيد بالزمان كان ((بنحو التعدد المطلوبي وان حكمه بتلك المرتبة التي كان)) الفعل فيها مطلوبا ((مع ذاك الوقت وان لم يكن)) هذا الحكم ((باقيا بعده قطعا)) أي بعد ارتفاع الزمان ((إلّا انه يحتمل بقاؤه دون تلك المرتبة من مراتبه فيستصحب)).

(١) لعله اشارة الى انه في فرض تعدد المطلوب لا يجري الاستصحاب ، لان الامساك وان احتمل ان فيه مصلحة ملزمة ، إلّا انه لا يحتمل ان يكون له وجوب غير الوجوب المتعلق به بما هو مقيد بالزمان ، فلا يقين بوجوب متعلق بذات الامساك ، بل هو متيقن العدم في حال وجود النهار ، فالمستصحب عدم وجوب الامساك لا وجوب الامساك.

والحاصل : ان تعدد المطلوب اذا كان مرجعه الى تعدد الوجوب ، بان كان في المقيد وجوبان : وجوب لذات المقيد ووجوب لقيده ، فلاستصحاب الوجوب المتعلق بذات المقيد وجه ، لكنهم لا يقولون في تعدد المطلوب بتعدد الوجوب لان الظاهر انه وجوب واحد متعلق بالمقيد ، نعم للمقيد مصلحتان : مصلحة في ذاته ومصلحة في قيده.

واما اذا كان مرجعه الى تعدد المصلحة من دون تعدد الوجوب فاستصحاب الوجوب كما اشار اليه في المتن ينحصر بان يكون لجريان الاستصحاب في ذي المراتب كالبياض الشديد بعد زوال الشدة ، ولا يخفى ان لازم ذي المراتب ان لا يكون للمرتبة الضعيفة وجود في قبال الوجود للمرتبة القوية ، والمصلحتان ليستا من الموجودين بوجود واحد ، ولا يساعد العرف على الاستصحاب في غير الموجودين بوجود واحد. والله العالم.

١٦٢

إزاحة وهم : لا يخفى أن الطهارة الحدثية والخبثية وما يقابلها يكون مما إذا وجدت بأسبابها ، لا يكاد يشك في بقائها إلا من قبل الشك في الرافع لها ، لا من قبل الشك في مقدار تأثير أسبابها ، ضرورة أنها إذا وجدت بها كانت تبقى ما لم يحدث رافع لها ، كانت من الامور الخارجية أو الامور الاعتبارية التي كانت لها آثار شرعية ، فلا أصل لاصالة عدم جعل الوضوء سببا للطهارة بعد المذي ، أو أصالة عدم جعل الملاقاة سببا للنجاسة بعد الغسل مرة (١) ، كما حكي عن بعض الافاضل ، ولا يكون

______________________________________________________

(١) توضيحه : ان الوهم المشار اليه هو ما ذكره الفاضل النراقي (قدس‌سره) من تعارض الاستصحابين بين الطهارة الحدثية والخبثية ، فانه قال ـ بعد تعرضه لتعارض الاستصحابين في الليل والنهار ـ : وفي الطهارة أي الحدثية والخبثية اذا حصل الشك في بقائها : أي الطهارة الحدثية من جهة الشك في رافعية المذي لها ، وفي نجاسة الثوب المغسول بالماء مرة اذا شك في ارتفاعها بها : أي اذا شك في ارتفاع النجاسة وحصول الطهارة من الخبث بالغسل مرة او بمرتين ، فان استصحاب الطهارة أي الحدثية في الوضوء المتعقب بالمذي ، واستصحاب النجاسة للثوب المغسول مرة واحدة معارضان باستصحابي عدم جعل الوضوء سببا للطهارة بعد المذي ، وعدم جعل الملاقاة سببا للنجاسة بعد الغسل مرة ... انتهى موضع الحاجة من كلامه ، وهو صريح في تعارض الاستصحابين في الطهارة الحدثية ، لانه قال بجريان استصحاب الوضوء فيما اذا تعقبه المذي وانه من الشك في الرافع ، ثم عارض هذا الاستصحاب باستصحاب عدم جعل الوضوء سببا للطهارة بعد المذي ، وعارض استصحاب نجاسة الثوب بعد الغسل مرة باستصحاب عدم جعل الملاقاة سببا للنجاسة بعد الغسل مرة.

ويرد عليه ، اولا : ان الجمع بين هذين الاستصحابين غير معقول.

وتوضيح ذلك : ان الشك في الرافع انما هو لاجل احتمال وجود ما يمنع استمرار المقتضي المؤثر ، بان يزيل الرافع اثر المقتضي الذي كان مؤثرا حدوثا في مرحلة

١٦٣

.................................................................................................

______________________________________________________

البقاء ، والشك في المقتضي وان كان يشمل الشك من جهة تأثير المقتضي اثره في مقتضاه ، ويشمل الشك من جهة احتمال عدم وجود ما له دخل في تأثير المقتضي كالمقاربة ، أو لاحتمال وجود ما يمنع عن تأثير المقتضي كالرطوبة في الجسم ، إلّا انه لا بد وان يكون ذلك في مقام الشك في حدوث الاثر ، لا في مقام الشك في بقاء الاثر بعد حصوله بسببه ومقتضيه ، وحيث فرض وجود الاثر فالشك في بقائه لا بد وان يكون من جهة الشك في وجود الرافع لا في وجود المانع ، لانه انما يكون الشك كذلك حيث يشك في اصل وجود الاثر لاحتمال وجود مانعة ، لا في بقائه بعد وجوده فان الشك حينئذ يكون من الشك لاحتمال وجود رافعه ، وبعد اعترافه بكون الشك في بقاء الطهارة من جهة المذي من الشك في الرافع ، فلا يعقل ان يكون الشك فيه من جهة ما يرجع الى المقتضي الشامل لما لعدمه دخل في تأثيره ، فان المذي وان امكن ان يكون من الشك في المانع وهو الذي لعدمه دخل في حصول الطهارة ، إلّا انه بعد تحقق الطهارة حدوثا فلا بد وان يكون المذي مما يمنع عن بقائها لا عن حدوثها ، فالجمع بين استصحاب الطهارة للشك في رافعية المذي لها ، واستصحاب عدم جعل الوضوء سببا للطهارة بعد المذي الذي مرجعه الى كون المذي مانعا عن حدوث الطهارة ـ غير معقول ، ومثله الحال في نجاسة الثوب بعد الغسل مرة.

وثانيا : ان الطهارة والنجاسة اما ان يكونا من الامور الواقعية فهما من الاعراض ، والاعراض بعد وجودها لا ترتفع إلّا برافع ، لان الحافظ لوجودها المعروض وهو المحل ، فيكون الشك بعد وجودها من الشك في بقائها لاجل وجود الرافع.

وان كانت من الامور الجعلية الاعتبارية فالمستفاد من ادلة الوضوء وادلة النجاسة انها مما اذا وجدت لا ترتفع إلّا برافع ، فدائما يكون الشك فيها بعد وجودها راجعا الى الشك في الرافع.

١٦٤

هاهنا أصل إلّا أصالة الطهارة أو النجاسة (١).

الخامس : إنه كما لا إشكال فيما إذا كان المتيقن حكما فعليا مطلقا ، لا ينبغي الاشكال فيما إذا كان مشروطا معلقا ، فلو شك في مورد لاجل طروء بعض الحالات عليه في بقاء أحكامه ، ففيما صح استصحاب أحكامه المطلقة صح استصحاب أحكامه المعلقة ، لعدم الاختلال بذلك فيما اعتبر في قوام الاستصحاب من اليقين ثبوتا والشك بقاء (٢).

______________________________________________________

فاتضح : انه لا وجه لاصالة عدم جعل الوضوء سببا بعد المذي ، ولا وجه لاصالة عدم جعل الملاقاة سببا للنجاسة بعد الغسل مرة ، لانها مما ترجع الى الشك في المقتضي ، والى هذا الايراد الثاني أشار بقوله : ((لا يخفى ان الطهارة الحدثيّة والخبثيّة ... الى آخر الجملة)).

قوله (قدس‌سره) : ((كما حكي عن بعض الافاضل)) هو الفاضل النراقي.

(١) حاصله : انه بعد ما عرفت ان الطهارة الحدثيّة والخبثيّة من الامور التي اذا وجدت لا ترتفع الّا برافع ، فالاستصحاب الجاري في الوضوء المتعقب بالمذي هو استصحاب بقاء الوضوء لا غير ، وهو المشار اليه بقوله : ((إلّا اصالة الطهارة)) والاستصحاب الجاري في الثوب النجس بعد الغسل مرة هو استصحاب نجاسة الثوب لا غير ، واليه اشار بقوله : ((او النجاسة)).

(٢) لا يخفى ان المعلّق : تارة يكون حكما تكليفيا ، كما اذا قال : اذا غلى العصير العنبي يحرم اكله ، واخرى يكون حكما وضعيا ، كما اذا قال : اذا غلى العصير العنبي ينجس.

وقد وقع الكلام في جريان الاستصحاب في الحكم المعلّق وعدمه فيما اذا تبدّلت بعض حالات موضوعه ، كما اذا صار العنب زبيبا ، فهل يجري الاستصحاب فيما اذا غلى فيحكم بحرمة اكله ونجاسته ام لا؟.

١٦٥

وتوهّم أنه لا وجود للمعلق قبل وجود ما علّق عليه فاختل أحد ركنيه (١) فاسد ، فإن المعلّق قبله إنما لا يكون موجودا فعلا ، لا أنه لا يكون

______________________________________________________

والمختار للمصنف جريان الاستصحاب فيه ، ولذا قال (قدس‌سره) : ((انه كما لا اشكال)) في جريان الاستصحاب ((فيما اذا كان المتيقن حكما فعليا)) كالوضوء المشكوك ارتفاعه بالخفقة والخفقتين فان الوضوء حكم فعلي ((مطلقا)) أي غير معلق على شيء ، ولا اشكال في جريان الاستصحاب في الحكم الفعلي المطلق أي غير المعلق ، كذلك ((لا ينبغي الاشكال فيما اذا كان)) المتيقن حكما ((مشروطا معلقا)) كما لو قال العصير العنبي اذا غلى يحرم او ينجس ((فلو شك في مورد لاجل طروء بعض الحالات عليه في بقاء احكامه)) كما اذا صار العنب زبيبا ((ففيما صح استصحاب احكامه المطلقة)) كما لو شك في بقاء حليّة اكل العصير العنبي لاجل الشك في تحقق غليانه وعدمه ، كذلك ((صحّ استصحاب احكامه المعلّقة)) كحرمته فيما اذا صار زبيبا ثم غلى ، وقد اشار الى الوجه في جريان الاستصحاب فيه بقوله : ((لعدم الاختلال ... الى آخر الجملة)) وسيظهر ان شاء الله تعالى تمامية جريان الاستصحاب فيه ـ في نظره ـ في شرح قوله وتوهّم.

(١) لا يخفى انه اشار في المتن الى اشكالين في جريان الاستصحاب في المعلّق :

الاول : ما اشار اليه بقوله : ((وتوهّم)) ، وحاصله : ان الحكم في المعلق لا تحقق له بالفعل إلّا بتحقق ما علّق عليه ، وقبل تحققه لا حكم فعلي له ، ومن الواضح تقوّم الاستصحاب بركنيه وهما المتيقن السابق والشك في بقائه ، وحيث عرفت انه لا حكم فعليّ في المعلّق قبل تحقق ما علّق عليه فلا متيقن في المقام قد شك في بقائه ، والمفروض في المقام انه في حال كون العنب عنبا لم يتحقق غليان ، وفي حال تحقق الغليان وهو حال كون العنب زبيبا وان شك في حرمة هذا العصير الّا انه لا متيقن سابق لهذا الشك ، لوضوح ان الزبيب في حال كونه عنبا لم يكن بحرام لعدم تحقق الغليان في تلك الحال ، فلا يقين بالحرمة الفعلية حتى يكون الشك في حال الغليان من

١٦٦

موجودا أصلا ، ولو بنحو التعليق ، كيف؟ والمفروض أنه مورد فعلا للخطاب بالتحريم ـ مثلا ـ أو الايجاب ، فكان على يقين منه قبل طروء الحالة فيشك فيه بعده ، ولا يعتبر في الاستصحاب إلا الشك في بقاء شيء كان على يقين من ثبوته ، واختلاف نحو ثبوته لا يكاد يوجب تفاوتا في ذلك.

وبالجملة : يكون الاستصحاب متمما لدلالة الدليل على الحكم فيما أهمل أو أجمل ، كان الحكم مطلقا أو معلقا ، فببركته يعم الحكم للحالة الطارئة اللاحقة كالحالة السابقة ، فيحكم ـ مثلا ـ بأن العصير الزبيبي يكون على ما كان عليه سابقا في حال عنبيته ، من أحكامه المطلقة

______________________________________________________

الشك في بقائها ، فالاستصحاب لا يجري في المعلق لعدم تمامية اركانه ، لوضوح انه اذا لم يكن له يقين سابق لا يكون الشك من الشك في البقاء ، بل يكون شكّا ابتدائيا غير مسبوق بشيء ، فالاستصحاب بكلا ركنيه غير موجود في المعلّق ، لا اليقين السابق لعدم فعلية الحكم ، ولا الشك اللاحق لوضوح انه اذا لم يكن له يقين سابق لا يكون الشك من الشك في بقاء ما كان. وقد اشار الى ما ذكرنا بقوله : ((وتوهّم انه لا وجود للمعلق)) لان فرض التعليق فرض تحقق الحكم ((قبل وجود ما علّق عليه)) الحكم ، وحيث المفروض انه لا وجود للغليان في حال العنبيّة فلا وجود للحكم في حال العنبيّة ، فلا يكون في المعلق حكم سابق يكون متعلقا لليقين ((فاختل احد ركنيه)) أي فاختل احد ركني الاستصحاب وهو عدم المتيقن السابق ، وقد عرفت ايضا انه حيث لا يكون هناك متيقن سابق لا يكون الشك من الشك في بقاء ما كان.

١٦٧

والمعلّقة لو شك فيها ، فكما يحكم ببقاء ملكيته يحكم بحرمته على تقدير غليانه (١).

______________________________________________________

(١) لا يخفى ان قوله فاسد هو خبر لقوله وتوهم. وتوضيح فساده : ان هذا التوهّم انما يكون له مجال بناء على رجوع الشرط في المعلّق الى الهيئة وانه قبل تحقق الشرط لا حكم فعلي للمعلّق.

واما بناء على مذهب صاحب الفصول من فعلية الحكم في المعلّق فلا مجال لهذا التوهّم ، لفرض فعلية الحكم في المعلق قبل تحقق الشرط ، فانه عليه يكون هناك حكم فعلي وهو متعلق اليقين السابق. ومثله الحال بناء على رجوع الشرط الى المادة كما هو مذهب الشيخ الاعظم ، فانه ايضا بناء عليه يكون الحكم فعليا غايته ان القضية تكون حقيقية ، وقد اوضح المصنف جريان الاستصحاب بناء على رجوع القيد الى المادة في حاشيته على رسائل الشيخ (قدس‌سرهما) فراجع.

والحاصل : ان التوهّم المذكور انما يكون له وجه ـ بناء على رجوع الشرط الى الهيئة ـ لانه على هذا لا يكون الحكم في المعلق فعليا قبل تحقق الشرط ، ولكنه مع ذلك فالتوهّم فاسد ، لانه لا يشترط في تمامية اركان الاستصحاب ان يكون متعلقه حكما فعليا ، بل كما يكون حكما فعليا كذلك يكون حكما تعليقيا.

فان كان مراد المتوهّم انه في المعلّق لا انشاء للحكم اصلا فهو بديهي الفساد ، لوضوح ان هناك إنشاء للحكم بنحو التعليق ، ولذا لو شك في نسخ هذا المعلّق لاستصحبنا بقاءه وعدم نسخه.

وان كان مراد المتوهّم انه لا شك في بقاء هذا الحكم المعلّق ، بدعوى انه بعد تحقق الغليان في حال الزبيبية لا شك لاحد في كون العصير العنبي اذ غلى يحرم او ينجس ، فلا شك في بقاء هذا الحكم حتى يستصحب ، فهو فاسد ايضا لان مورد الشك في المقام ليس هو الحكم الكلي المعلق ، بل مورد الشك هو انطباق هذا الحكم على العصير في حال كونه زبيبا ، فالمتيقن السابق هو كون هذا العصير في حال كونه

١٦٨

.................................................................................................

______________________________________________________

عنبا كان يحرم او ينجس اذ غلى ، وبعد كونه زبيبا يستصحب هذا الحكم له ، وحيث فرض تحقق الغليان فتثبت حرمته ونجاسته بواسطة هذا الاستصحاب.

وبعبارة اخرى : ان مجرى الاستصحاب اما ان يكون حكما او موضوعا ذا حكم ، ولما كان الموضوع للحرمة عند الغليان هو العنب ، وبطروء حالة الزبيبية عليه يشك في ترتب الحكم عليه فيجري الاستصحاب فيثبت المشروط ، وحيث فرض تحقق الشرط وهو الغليان فلا بد من ثبوت الحكم المترتب على العنب اذا غلى ، فالاستصحاب يكون متمّما لترتب الحكم لانه به يثبت المشروط والشرط متحقق بالوجدان ، فلذلك يثبت الحكم للزبيب عند الغليان. والى ما ذكرنا اشار بقوله : ((فان المعلّق قبله)) أي الحكم المعلّق على الغليان في حالة العنبيّة قبل تحقق الغليان في حال الزبيبيّة ((انما لا يكون)) حكما ((موجودا فعلا)) ولا يلزم في المستصحب ان يكون الموضوع المستصحب مما يترتب عليه الحكم فعلا ، بل يكفي ان يكون حكمه بنحو التعليق ، فالحكم بنحو التعليق وان لم يكن حكما موجودا بالفعل لكنه حكم موجود بنحو التعليق ((لا انه لا يكون موجودا اصلا ولو بنحو التعليق)) فان اللازم في الاستصحاب كون المستصحب مما له دخالة في ترتب الحكم ، ولا شبهة بالوجدان في ان العنب الذي كانت حرمته مشروطة بالغليان له اثر بنحو لو تحقق الغليان لتحقق حكمه وهو الحرمة.

وقد اشار الى ما ذكرنا ـ من انه ان اريد انه في المعلق لا حكم اصلا ، فيرده انه لا اشكال في استصحابه فيما اذا شك في نسخه ، وان اريد انه لا حكم فعلي لعدم تحقق الشرط ، فيرده انه يكفي في الاستصحاب هذا المقدار من كونه لو تحقق الشرط يترتب الحكم ـ بقوله : ((كيف؟ والمفروض انه مورد فعلا للخطاب بالتحريم ـ مثلا ـ او الايجاب)) بالنحو المذكور وهو كونه بحيث لو تحقق الشرط لترتب الحكم ، وبهذا يثبت الوجود للحكم بهذا المقدار ، ولما كان على يقين من وجود الحكم بهذا المقدار للعنب قبل طروء حالة الزبيبيّة ، وبعد طروء حالة الزبيبيّة يشك في بقائه فيستصحب ،

١٦٩

.................................................................................................

______________________________________________________

ولذا قال (قدس‌سره) : ((فكان على يقين منه)) في حالة العنبيّة مثلا ((قبل طروء الحالة)) أي الزبيبيّة مثلا ((فيشك فيه)) أي فيشك في الحكم الموجود بالنحو المذكور ((بعده)) أي بعد طروء الحالة ((ولا يعتبر في الاستصحاب إلّا الشك في بقاء شيء كان على يقين من ثبوته)) ، ومن الواضح انه كان على يقين من ان هذا الشيء عند تحقق الغليان يثبت له الحكم بالفعل ، والمعتبر في الاستصحاب ان يكون الموضوع ذا اثر سواء كان اثره موجودا بالفعل او بنحو التعليق ، ولذا قال (قدس‌سره) : ((واختلاف نحو ثبوته)) أي نحو ثبوت الحكم تارة بنحو الفعلية ، واخرى بنحو التعليق ((لا يكاد يوجب تفاوتا في ذلك)) أي في تحقق ركن الاستصحاب وهو اليقين السابق بما يكون له اثر بالفعل عند تحقق الشرط ، واشار الى ما ذكرنا من ان الاستصحاب في المقام يكون للموضوع المترتب عليه الاثر ، لان موضوع الاثر هو العصير العنبي ، وبالاستصحاب يثبت بقاء هذا الموضوع عند طروء حالة الزبيبيّة فيشمله الدليل الدال على ان العصير العنبي يحرم اذا غلى فيحرم لفرض تحقق الغليان. والحاصل : ان العصير العنبي لما لم يكن له اطلاق لفظي يشمل حالة الزبيبية فكان من هذه الناحية مجملا او مهملا ، ولكن بواسطة الاستصحاب يتم الموضوع المترتب عليه الحكم بقوله : ((وبالجملة يكون الاستصحاب متمّما لدلالة الدليل)) الدال ((على الحكم)) في العصير العنبي مثلا ((فيما اهمل او اجمل)) ولم يكن للدليل اطلاق لفظي سواء ((كان الحكم مطلقا)) أي فعليا ((او)) كان ((معلقا فببركته)) أي الاستصحاب ((يعم الحكم للحالة الطارئة)) وهي مثل حالة الزبيبيّة ((اللاحقة)) فتكون كالحالة السابقة وهي حالة العنبية من حيث الحكم ((فيحكم)) لاجل الاستصحاب ((مثلا بان العصير الزبيبي يكون على ما كان عليه سابقا حال عنبيته)) سواء ((من احكامه المطلقة)) أي الفعلية ((والمعلقة)) كحرمته او نجاسته فيما اذا غلى ((لو شك فيها فكما يحكم ببقاء ملكيته)) أي ملكية العنب لمالكه التي هي من احكامه الفعلية ، كذلك ((يحكم بحرمته على تقدير غليانه)).

١٧٠

إن قلت : نعم ، ولكنه لا مجال لاستصحاب المعلّق لمعارضته باستصحاب ضدّه المطلق ، فيعارض استصحاب الحرمة المعلّقة للعصير باستصحاب حليّته المطلقة (١).

______________________________________________________

لا يخفى ان حاصل ما اجاب به المصنف هو كون الحكم المعلّق له وجود بهذا المقدار وهو كاف في الاستصحاب. وقد اجاب عنه الشيخ الاعظم في رسائله (١) بما حاصله : ان المستصحب في المعلّق اما الملازمة بين غليان العصير وحرمته ، او سببيّة الغليان للحرمة في هذا العصير ، والملازمة والسببية كلاهما امران فعليان لا معلقان.

وفيه : ان الملازمة او السببية الموجودة هي بنحو الكلية ، ومرجعها الى جعل الملازمة بين العصير اذا غلى وبين الحرمة ، أو كون الغليان اذا تحقق يكون العصير حراما ، ومن الواضح انه ما لم يتحقق الغليان بالفعل لا تكون الملازمة ولا السببية فعلية فيعود المحذور.

(١) هذا هو الاشكال الثاني في استصحاب المعلّق. وحاصله : ان الاستصحاب في المعلق دائما معارض باستصحاب يعارضه ، مثلا استصحاب الحرمة في العصير العنبي عند الغليان في حال كونه زبيبا يعارضه استصحاب الحلية الفعلية للعصير الزبيبي قبل الغليان ، او استصحاب الحلية للعصير العنبي قبل الغليان ، فان العصير العنبي قبل الغليان كان مباحا قطعا وبعد ان صار زبيبا وتحقق غليانه يشك في ارتفاع هذه الحلية فتستصحب ، فيعارض هذا الاستصحاب استصحاب الحرمة المعلقة على الغليان وبعد التعارض يتساقطان ، فلا يكون هناك ما يثبت الطهارة. والى هذا اشار بقوله : ((لا مجال لاستصحاب المعلق)) وهو الحرمة بعد الغليان ((لمعارضته باستصحاب ضدّه المطلق)) أي الفعلي وهو الحليّة الفعلية ((فيعارض

__________________

(١) فرائد الاصول : ج ٢ ، ص ٦٥٤ (تحقيق عبد الله النوراني).

١٧١

قلت : لا يكاد يضر استصحابه على نحو كان قبل عروض الحالة التي شك في بقاء حكم المعلق بعده ، ضرورة أنه كان مغيّا بعدم ما علق عليه المعلق ، وما كان كذلك لا يكاد يضر ثبوته بعده بالقطع فضلا عن الاستصحاب ، لعدم المضادة بينهما ، فيكونان بعد عروضها بالاستصحاب كما كانا معا بالقطع قبل بلا منافاة أصلا ، وقضية ذلك انتفاء حكم المطلق بمجرد ثبوت ما علق عليه المعلق ، فالغليان في المثال كما كان شرطا للحرمة كان غاية للحلية (١) ، فإذا شك في حرمته المعلقة

______________________________________________________

استصحاب الحرمة المعلقة للعصير باستصحاب حليته المطلقة)) أي الحليّة الفعليّة الثابتة للعصير قبل الغليان.

(١) لا يخفى ان الشيخ الاعظم قد اجاب عن هذا الاشكال في رسائله بما حاصله : انه لا جريان لاستصحاب الحلية قبل الغليان لانه من استصحاب المسبب ، واستصحاب السبب حيث يكون جاريا يكون حاكما على استصحاب المسبب ، ومن الواضح ان ارتفاع الحلية للعصير من آثار حرمة العصير ، والمفروض جريان الحرمة المعلقة فيكون من آثارها ارتفاع الحلية فلا مجرى لاستصحاب الحليّة.

واورد عليه : ان الاستصحاب السببي انما يكون حاكما على الاستصحاب المسببي حيث يكون المسبب من الآثار الشرعية للسبب لا من آثاره العقلية ، وارتفاع الحلية في المقام من الآثار العقلية للحرمة من باب حكم العقل بملازمة عدم احد الضدين لوجود الضد الآخر ، ولما كانت الحرمة في المقام ضدا للحلية فيكون اللازم العقلي للحرمة هو ارتفاع الحلية ... ولعله لذلك سلك المصنف طريقا آخر للجواب.

وتوضيحه : ان الضدين اللذين لا ثالث لهما في موضوع واحد يكون الدليل الدال على شرط لاحدهما دالا ايضا على كون الشرط المعلق عليه وجود احدهما هو غاية لوجود الآخر ، فان الشارع اذا جعل الحلية للعصير بان قال العصير حلال ،

١٧٢

.................................................................................................

______________________________________________________

ثم قال العصير اذا غلى يحرم ، فانه يفهم من كلامه هذا ان الغليان شرط للحرمة وغاية للحليّة.

فاتضح : ان الغليان غاية شرعية للحلّية ، وليس غاية عقلية لها من باب كون لازم وجود احد الضدين ارتفاع الضد الآخر ، لانه على هذا تكون الغاية عقلية. واذا ثبت ان الغاية شرعية فلا يرد عليه ان الحلية في المقام وان كانت مغياة بالغليان الّا ان الغاية عقلية ، ولازمه كون استصحاب الحلية المغياة موافقا لاستصحاب الحرمة المعلقة امرا عقليا لا شرعيا ، واذا كانت الحلية غير مغياة شرعا فلا يكون جريان استصحابها موافقا ، بل يكون معارضا لاستصحاب الحرمة.

والحاصل : ان الغاية في المقام شرعية جعلية لا عقليّة ، واذا كانت الغاية شرعيّة يتضح ان جريان استصحاب الحلية للعصير العنبي قبل الغليان المغياة بالغليان بعد طروء حالة الزبيبية يكون موافقا لاستصحاب الحرمة المعلقة على الغليان ، فان المستصحب في الاول هو الحلية الفعلية للعصير العنبي المغياة بالغليان في حال كونه زبيبا ، فيقال كان هذا العصير حلالا بحليّة غايتها الغليان ، فعند تحقق الغليان لا بد من ارتفاع تلك الحلية المغياة به ، ومن الواضح ان هذا الاستصحاب الذي نتيجته ارتفاع الحلية يوافق استصحاب الحرمة المعلقة على الغليان لا انه يعارضه.

والحاصل : انه كما لا منافاة بين قوله العصير العنبي حلال حتى يغلي ، وبين قوله العصير العنبي يحرم اذا غلى ، لوضوح انه بعد تحقق الغليان ترتفع الحلية لدلالة الدليل الدال على ان أمدها ينقضي بالغليان وتثبت الحرمة لتحقق شرطها وهو الغليان ، فانه ايضا كذلك لا منافاة بين استصحاب حلية العصير العنبي عند طروء حالة الزبيبية المغياة بالغليان ، وبين استصحاب حرمة العصير العنبي المعلقة على الغليان عند طروء حالة الزبيبية ، لبداهة انه بعد كون الغاية شرعية فارتفاع الحلية المغياة هو مما يدل عليه قوله العصير العنبي حلال حتى يغلي ، وفي فرض الشك لطروء

١٧٣

.................................................................................................

______________________________________________________

حالة الزبيبية فبالاستصحاب تتم هذه الدلالة الشرعية ، وهذا موافق لاستصحاب حرمة العصير العنبي المعلقة على الغليان.

وقد اشار الى ما ذكرنا من كون استصحاب الحلية الفعلية لا يعارض استصحاب الحرمة المعلقة بقوله : ((لا يكاد يضر استصحابه على نحو كان قبل عروض الحالة)) وهو استصحاب الحلية الفعلية التي كانت للعصير العنبي قبل عروض الزبيبيّة والغليان ((التي)) من اجل عروض الحالة وتحقق الغليان يحصل ((شك في بقاء حكم المعلق بعده)) أي بعد عروض الحالة وتحقق الغليان يحصل الشك في بقاء الحرمة المعلقة ، وانما كان لا يضر استصحاب الحلية الفعلية للحرمة المعلقة ل ((ضرورة انه كان مغيّا بعدم ما علق عليه المعلق)) فما هو الشرط للحرمة المعلقة شرعا هو غاية ايضا شرعا للحلية الفعليّة ((وما كان كذلك لا يكاد يضر ثبوته بعده بالقطع فضلا عن الاستصحاب)). وحاصله : انه لو كان بين استصحابهما تناف لكان بين ثبوتهما بالقطع ايضا تناف ، وحيث لم يكن تناف بين ثبوتهما بالقطع فلا يكون تناف بين استصحابهما بطريق اولى ، والسبب في الاولوية ان الاستصحاب حكم تعبدي ظاهري وبالقطع يكون الثبوت واقعيا ، واذا لم يكن بين الحكمين المجتمعين الواقعيين تناف لا يكون بطريق اولى تناف بينهما فيما اذا كانا ظاهريين ، وقد عرفت انه انما لا يكون بينهما تناف ((لعدم المضادة بينهما)) فان الحلية الفعلية المغياة شرعا بالغليان ترتفع بالغليان كما تتحقق الحرمة المعلقة على الغليان بوجود الغليان.

فاتضح : ان الحكمين متوافقان لا متضادان وحيث لا مضادة بينهما ((فيكونان)) أي الحلية الفعلية المغياة بالغليان والحرمة المعلقة على الغليان ((بعد عروضها)) أي بعد عروض حالة الزبيبية وتحقق الغليان ((ب)) سبب ((الاستصحاب كما كانا معا بالقطع قبل)) أي قبل الاستصحاب ((بلا منافاة اصلا)) بينهما ((وقضية ذلك)) أي وقضية كونهما متوافقين لا متضادين هو ((انتفاء حكم المطلق)) أي الحكم الفعلي ((بمجرد ثبوت ما علق عليه المعلق)) وهو الغليان لانه غاية شرعا للحكم الفعلي

١٧٤

بعد عروض حالة عليه ، شك في حليته المغياة لا محالة أيضا ، فيكون الشك في حليته أو حرمته فعلا بعد عروضها متحدا خارجا مع الشك في بقائه على ما كان عليه من الحلية والحرمة بنحو كانتا عليه ، فقضية استصحاب حرمته المعلقة بعد عروضها الملازم لاستصحاب حليته المغياة حرمته فعلا بعد غليانه وانتفاء حليته ، فإنه قضية نحو ثبوتهما كان بدليلهما أو بدليل الاستصحاب ، كما لا يخفى بأدنى التفات على ذوي الالباب ، فالتفت ولا تغفل (١).

______________________________________________________

وشرط شرعا للحكم المعلق ، ومن الواضح لا بد من انتفاء امد الحكم المغيّى بغاية عند تحقق الغاية ، كما لا بد من تحقق الحكم المعلق عند تحقق ما علق عليه ((ف)) ان ((الغليان في المثال كما كان شرطا للحرمة)) في قوله العصير يحرم اذا غلى كذلك ((كان)) الغليان ايضا ((غاية للحلية)).

(١) توضيحه : انه بعد عروض حالة الزبيبية وتحقق الغليان ، فان هناك شكا فعليا في الحلية وشكا فعليا في الحرمة ايضا ، وانما كان الشك في الحرمة فعليا كالشك في الحلية لان المفروض تحقق الغليان ، فعلى فرض كونه شرطا للحرمة فقد صارت الحرمة فعلية بسبب تحقق شرطها ، فهنا شكّان : شك في الحرمة وشك في الحلية ، وهذان الشكّان متحدان مع الشك في بقاء الحلية الفعلية قبل تحقق الغليان ، والشك في بقاء الحرمة المعلقة على الغليان قبل الغليان.

والداعي للاشارة الى هذا الاتحاد هو نفي ان يدعى عدم توافق الاستصحابين في المقام ، بان الحلية الفعلية انما توافق الحرمة المعلقة ، وبعد فرض كون الحرمة المشكوكة فعلية فهو غير الحرمة المعلقة ، واذا كانت غير الحرمة المعلقة تكون الحلية الفعلية والحرمة الفعلية من المتضادين لا من المتوافقين ، ويكون استصحاب الحلية معارضا لاستصحاب الحرمة لا موافقا ، فلذلك اشار الى انهما متحدان وان الشك في الحرمة بعد عروض حالة الزبيبية وتحقق الغليان هو عين الشك في الحرمة المعلقة على

١٧٥

.................................................................................................

______________________________________________________

الغليان ، والدليل على اتحادهما هو ما تقدّم تحقيقه في الواجب المشروط ، وانه عند تحقق شرطه لا يخرج عن الاشتراط الى الاطلاق ، بل هو لا يزال واجبا مشروطا ، ولكنه قد تحقق شرطه ولتحقق شرطه يكون الحكم فيه فعليا ، فكون الحكم فيه بعد تحقق شرطه فعليا لا يستلزم خروجه عن كونه واجبا مشروطا ، والّا لزم الانقلاب أو الخلف ، لان معنى كونه مطلقا هو كونه غير مشروط ، فاذا كان تحقق الشرط موجبا لكونه غير مشروط لزم الانقلاب وخلف فرض كونه مشروطا.

فاتضح مما ذكرنا : ان الشك في الحرمة الفعلية بعد تحقق الغليان متحد مع الشك في بقاء الحرمة المعلقة على الغليان بعد تحقق الغليان عند عروض الزبيبية ، ومع فرض الاتحاد لا يكون هناك الّا الحلية المغياة والحرمة المعلقة ، وقد عرفت انهما متوافقان لا متضادان ، والى ما ذكرنا اشار بقوله : ((فاذا شك في حرمته المعلقة بعد عروض حالة عليه)) وهي حالة الزبيبية وتحقق الغليان فقد ((شك في حليّته المغياة لا محالة ايضا)) لما عرفت من ان الغليان كما انه شرط للحرمة المعلقة فهو ايضا غاية للحلية الفعلية ، وحيث ان المشروط لا يخرج عن كونه مشروطا الى كونه مطلقا بعد تحقق شرطه ((ف)) لذلك ((يكون الشك في حليته أو حرمته فعلا بعد عروضها)) أي بعد عروض حالة الزبيبية وتحقق الغليان ((متحدا خارجا مع الشك في بقائه على ما كان عليه من الحلية والحرمة بنحو كانت عليه)) وهما الحلية الفعلية والحرمة المعلقة ، واذا كانا متحدين فلا يكون هناك الا الحلية الفعلية والحرمة المعلقة التي صارت فعلية بتحقق الشرط ، فليس هنا بعد تحقق الغليان الا استصحاب الحرمة المعلقة واستصحاب الحلية المغياة ، وهما متوافقان لا متضادان كما عرفت ، ولذا قال (قدس‌سره) : ((فقضية استصحاب حرمته المعلقة بعد عروضها)) أي بعد عروض حالة الزبيبية وتحقق الغليان ((الملازم)) هذا الاستصحاب ((لاستصحاب حليّته المغياة)) بالغليان ولازمهما هو ((حرمته فعلا بعد غليانه)) لتحقق الشرط ((وانتفاء حليته)) لتحقق الغاية ((فانه فضية نحو ثبوتهما)) أي ان قضية كون الشيء الواحد

١٧٦

السادس : لا فرق أيضا بين أن يكون المتيقن من أحكام هذه الشريعة أو الشريعة السابقة ، إذا شك في بقائه وارتفاعه بنسخه في هذه الشريعة ، لعموم أدلة الاستصحاب (١) ، وفساد توهم اختلال أركانه فيما كان المتيقن من أحكام الشريعة السابقة لا محالة ، إما لعدم اليقين بثبوتها في حقهم ، وإن علم بثبوتها سابقا في حق آخرين ، فلا شك في بقائها أيضا ، بل في ثبوت مثلها ، كما لا يخفى ، وإما لليقين بارتفاعها بنسخ الشريعة السابقة

______________________________________________________

شرطا لضد وغاية لضده الآخر هو ذلك سواء ((كان بدليلهما)) بان يتحققا بالقطع وذلك بان يغلي العصير العنبي قبل ان يكون زبيبا ، فانه بغليانه ترتفع الحلية الفعلية المغياة وتتحقق الحرمة المعلقة على الغليان ((او)) كان ((بدليل الاستصحاب)) كما لا يخفى ، وذلك عند تحقق الغليان في حالة الزبيبيّة.

(١) توضيحه : انه لا اشكال ايضا في جريان الاستصحاب فيما اذا شك في نسخ الحكم الثابت في شريعتنا ، وكما لا اشكال في هذا لا ينبغي الاشكال ايضا في جريان الاستصحاب فيما اذا شك في نسخ الحكم الثابت في الشريعة السابقة لاحتمال نسخه بهذه الشريعة ، لشمول ادلة الاستصحاب مثل قوله ولا ينقض اليقين بالشك ، فان المستفاد منه ان اليقين المتعلق بحكم أو موضوع ذي حكم لا ينقض بالشك ، وهو ظاهر الشمول لكل ما كان متعلقا لليقين والشك ، ومنه الحكم الثابت في الشريعة السابقة اذا شك في بقائه لاحتمال نسخه في هذه الشريعة وعدم نسخه ، لتمامية اركان الاستصحاب بالنسبة اليه لليقين بتحققه سابقا في الشريعة المتقدّمة والشك في بقائه في هذه الشريعة لاحتمال نسخه فيها ، ولذا قال (قدس‌سره) : ((لا فرق ايضا بين ان يكون المتيقن من احكام هذه الشريعة او)) من احكام ((الشريعة السابقة اذا شك في بقائه وارتفاعه ب)) سبب احتمال ((نسخه في هذه الشريعة)) وبهذا اشار الى تمامية اركان الاستصحاب فيه وهما اليقين السابق والشك اللاحق ، كما اشار الى شمول ادلة الاستصحاب له بقوله : ((لعموم ادلة الاستصحاب)).

١٧٧

بهذه الشريعة ، فلا شك في بقائها حينئذ ، ولو سلم اليقين بثبوتها في حقهم (١) ، وذلك لان الحكم الثابت في الشريعة السابقة حيث كان ثابتا

______________________________________________________

(١) لا يخفى انه قد استشكل في جريان الاستصحاب في الحكم الثابت في الشريعة السابقة بوجوه :

الاول : ما اشار اليه بقوله : ((وفساد توهم اختلال اركانه ... الى آخره)).

وتوضيحه : انه لا اشكال في ان الحكم الثابت لموضوع اذا ثبت لموضوع آخر فانه يكون حكما آخر غير الحكم الثابت للموضوع الاول ، غاية الامر انه يكون حكما مثله ، وكذا اذا احتمل ثبوته لموضوع آخر فانه بعد كونه حكما آخر يكون الشك فيه شكا في الحدوث لا شكا في بقاء ما كان ، لوضوح عدم اليقين السابق بالحكم المحتمل ثبوته لموضوع آخر غير الموضوع الاول ، وحيث لا يقين سابق فلا شك في البقاء وانما هو شك في الحدوث.

فاذا عرفت هذا ... نقول : ان الحكم الثابت في الشريعة السابقة موضوعه المكلف الموجود في زمان تلك الشريعة ، وثبوته في شريعتنا انما هو ثبوت حكم آخر مثل الحكم السابق لان موضوعه هو المكلف الموجود في شريعتنا ، وليس هو نفس الحكم الثابت في الشريعة السابقة ، وعلى هذا فلا مجرى للاستصحاب في الحكم الثابت في الشريعة السابقة ، لارتفاعه قطعا بارتفاع موضوعه وهو المكلف الموجود في تلك الشريعة ، فلا يقين بالحكم السابق حتى يكون الشك شكا في بقائه ، بل الشك فيه دائما شك في الحدوث لا في البقاء ، لانه شك في حدوث حكم آخر غير الحكم الاول.

والحاصل : انه لا يجري الاستصحاب في احكام الشريعة السابقة لعدم تمامية كلا ركني الاستصحاب فيها حيث لا يقين سابق بالحكم ، واذا لم يكن هناك يقين سابق فلا يكون شك في البقاء ايضا ، فكلا ركني الاستصحاب مفقودان في الاحكام الثابتة في الشريعة السابقة ، ولذا قال (قدس‌سره) : ((توهّم اختلال اركانه)) أي حاصل هذا

١٧٨

.................................................................................................

______________________________________________________

التوهّم هو اختلال اركان الاستصحاب ((فيما كان المتيقن من احكام الشريعة السابقة لا محالة اما لعدم اليقين بثبوتها)) لا يخفى ان قوله امّا هو لعطفه الاشكال الثاني الآتي في قوله : واما لليقين بارتفاعها ... الى آخره. وعلى كل فحاصل هذا الاختلال هو عدم اليقين بثبوت الاحكام الثابتة في الشريعة السابقة ((في حقهم)) أي في حق الموجودين في الشريعة ((وان علم بثبوتها)) أي وان علم بثبوت هذه الاحكام ((سابقا في حق آخرين)) وقد عرفت ان السبب في عدم اليقين هو كون الموضوع للاحكام الثابتة في الشريعة السابقة هو المكلف الموجود في تلك الشريعة ، ولا اشكال في ارتفاع الحكم بارتفاع موضوعه فلا يقين سابق بالحكم ، وقد اشار الى عدم الشك في البقاء ايضا بقوله : ((فلا شك في بقائها)) أي فلا شك في بقاء تلك الاحكام ((ايضا بل)) الشك دائما يكون ((في ثبوت مثلها)) لاهل هذه الشريعة اللاحقة وهو من الشك في الحدوث لا من الشك في البقاء.

ثم لا يخفى ان المصنف اخّر الجواب عن هذا الاشكال بعد ذكره للاشكال الثاني ، الذي اشار اليه بقوله (قدس‌سره) : ((واما لليقين بارتفاعها ... الخ)) هذا هو الاشكال الثاني على جريان الاستصحاب في احكام الشريعة السابقة ، وحاصله : انه لا اشكال في نسخ الشريعة اللاحقة للشريعة السابقة ، والنسخ لا يكون الّا برفع الشريعة الناسخة لجميع احكام الشريعة المنسوخة ، واذا كانت جميع احكام الشريعة السابقة منسوخة فاحكام الشريعة السابقة وان تعلق بها يقين سابق الّا انه قد تعقبه اليقين بالارتفاع ومع تحقق اليقين بالارتفاع ، لا يعقل ان يكون الشك فيها من الشك في البقاء ، بل لا بد وان يكون دائما من الشك في الحدوث.

والحاصل : انه لو سلمنا ان الموضوع للاحكام في الشريعة السابقة مطلق المكلف الشامل لاهل هذه الشريعة ايضا ، الّا انه بعد تحقق نسخها بالشريعة اللاحقة لا يكون الشك في الحكم من الشك في البقاء ، بل هو من الشك في الحدوث.

١٧٩

.................................................................................................

______________________________________________________

فاتضح : انه لو سلمنا عدم ورود الاشكال الاول فان هذا الاشكال الثاني وارد عليه ، فلا مجال للاستصحاب في احكام الشريعة السابقة. والى ما ذكرنا اشار بقوله : ((واما لليقين بارتفاعها)) أي ان اختلال جريان الاستصحاب في احكام الشريعة السابقة ، اما للاشكال الاول الذي اشار اليه بقوله اختلال اركانه ... الى آخره ، او لهذا الاشكال الثاني الذي حاصله : انه لا وجه لجريان الاستصحاب فيها لليقين بارتفاعها ((بنسخ الشريعة السابقة بهذه الشريعة)) اللاحقة ، ومع اليقين بارتفاع تلك الاحكام الثابتة في تلك الشريعة ((فلا)) يكون ((شك في بقائها حينئذ)) أي بعد كون هذه الشريعة ناسخة لجميع احكام الشريعة السابقة ((ولو سلّم اليقين بثبوتها)) أي ولو سلّم حصول اليقين بثبوت احكام الشريعة السابقة ((في حقهم)) أي في حق اهل الشريعة اللاحقة ، بان كان الموضوع للاحكام هو مطلق المكلف الشامل لاهل هذه الشريعة اللاحقة.

وينبغي ان لا يخفى ان هذا الاشكال الثاني لا يتمّ الّا بان يكون نسخ الشريعة نسخا لها بجميع احكامها ، لوضوح انه لو كان النسخ يتحقق بنسخ بعض الاحكام لما كان هناك يقين بارتفاع جميع احكامها ، واذا لم يكن يقين بارتفاع جميع احكامها امكن ان يجري الاستصحاب لتحقق اركانه ، وهو اليقين السابق بالحكم الشامل لاهل هذه الشريعة ، والشك في بقائه لاحتمال كونه من الاحكام المنسوخة بهذه الشريعة.

وقد ذكر بعضهم وجها لكون النسخ لا يكون الّا بنسخ جميع احكام الشريعة السابقة بما حاصله : ان النسخ اما ان يكون بتجدّد المبلّغ من دون نسخ للاحكام اصلا ، وهو باطل للزوم ان يكون لكل نبيّ شريعة ناسخة ، ومن المسلّم ان كثيرا من الانبياء لا شرايع لهم ناسخة وجميعهم مبلّغون.

١٨٠