بداية الوصول

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي

بداية الوصول

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي


المحقق: محمّد عبدالحكيم الموسوي البكّاء
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار الهدى
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٢
ISBN: 964-497-064-0
ISBN الدورة:
964-497-056-X

الصفحات: ٤٢١

فافهم (١).

وكذا لا تفاوت في المستصحب أو المترتب بين أن يكون ثبوت الامر ووجوده ، أو نفيه وعدمه ، ضرورة أن أمر نفيه بيد الشارع كثبوته ، وعدم إطلاق الحكم على عدمه غير ضائر ، إذ ليس هناك ما دل على اعتباره بعد صدق نقض اليقين بالشك برفع اليد عنه كصدقه برفعها من طرف ثبوته كما هو واضح ، فلا وجه للاشكال في الاستدلال على البراءة باستصحاب البراءة من التكليف ، وعدم المنع عن الفعل بما في الرسالة ، من أن عدم استحقاق العقاب في الآخرة ليس من اللوازم المجعولة الشرعية ، فإن عدم استحقاق العقوبة وإن كان غير مجعول ، إلا أنه لا حاجة إلى ترتيب أثر مجعول في استصحاب عدم المنع ، وترتب عدم الاستحقاق مع كونه عقليا على استصحابه ، إنما هو لكونه لازم مطلق عدم المنع ولو في الظاهر (٢) ،

______________________________________________________

((الانتزاعية)) وقد عرفت ان المراد من الآثار الشرعية هي الآثار المرتبطة بالشارع ولو بمنشإ انتزاعها.

(١) لعله اشارة الى انه اذا كان الجزء متيقنا فالجزئية ايضا متيقنة وكذلك الشرط والشرطية والمانع والمانعية.

(٢) توضيحه : ان الكلام في استصحاب عدم التكليف من جهتين :

الاولى : من ناحية كونه من الاستصحاب المثبت ، والاشكال في كونه من المثبت مبني على ان المراد من المثبت ما هو اعم مما يتوسط بين المستصحب وبين الاثر الشرعي لازم عقلي او عادي يكون هو موضوع الاثر ، كاستحباب الخضاب للحيّة المرتّب على نبات اللحية الملازم لاستصحاب الحياة ، ومما يكون المستصحب امرا غير شرعي. ولما كان المستصحب هو عدم الحكم وهو امر غير شرعي فاستصحابه يكون من المثبت.

٢٢١

.................................................................................................

______________________________________________________

والجواب عنه : ان عدم الحكم امر شرعي كما سيظهر من الكلام في الجهة الثانية ، والظاهر ان تعرض المصنف له لا من ناحية المثبتية ، بل من الجهة الثانية وهي انه يشترط في المستصحب ان يكون حكما او موضوعا ذا حكم شرعي ، وعدم الحكم ليس بحكم ولا موضوعا ذا حكم شرعي كما سيأتي بيانه.

الجهة الثانية : وهي ان عدم الحكم ليس بحكم شرعي ولا موضوعا لاثر شرعي ، وقد ذكر للاستدلال على كون عدم الحكم ليس بحكم شرعي وجوه :

الاول : ما يقال من ان المجعول الشرعي هو اعتبار ثبوت الحكم ، واما عدم الحكم فليس بمتعلق لاعتبار الشارع لان العدم لا يحتاج الى اعتبار ، ومعنى عدم الحكم هو عدم الاعتبار للعدم.

ويرد عليه : ان الكلام في استصحاب عدم الحكم ، اما ان يكون الوجه فيه هو ان دليل حجية الاستصحاب لا يشمل عدم الحكم لان عدم الحكم مما لا يعقل ان يتعلق به الجعل والتعبد ، لان العدم لا شيء واللاشيء لا تتعلق به قدرة.

والجواب عنه : ان عدم تعلق الجعل والتعبد به لدعوى ان العدم لا وجه لجعل الداعي اليه لانه باق بذاته ، وبطلان هذه الدعوى واضحة ، لان العدم في حال عدم الالتفات باق بذاته ، واما في حال الالتفات فالعدم كالوجود متعلق للقدرة ، لان المكلف حيث يقدر على نقض العدم بالايجاد يستطيع ابقاء العدم بان لا يعمل قدرته في ايجاد الفعل ، ففي حال الالتفات يصح للشارع الامر بالتعبد بابقاء العدم. هذا اذا كان الوجه في عدم شمول دليل حجية الاستصحاب هو قصور عدم الحكم لان يشمله دليل الحجية لعدم قابليته للتعبد الاستصحابي.

واما اذا كان الوجه فيه هو عدم الإطلاق في دليل الحجية ، فهو واضح بطلانا ، لوضوح شمول اطلاق قوله لا تنقض اليقين لليقين المتعلق بعدم الحكم.

٢٢٢

.................................................................................................

______________________________________________________

الثاني : من الوجوه هو دعوى ان المتبادر من لفظ الحكم هو الثبوت والوجود : أي المتبادر من لفظ الحكم ما يختص بالوجوب لا بعدم الوجوب ، ومثله الحال في الحرمة وساير الاحكام.

وفيه أولا : انه خلط بين لفظ الوجوب ولفظ الحكم ، فان المتبادر من لفظ الحكم هو اعتبار الشارع لما يتعلق بايجاد الشيء او بقائه على العدم.

وثانيا : انه يكفي في الاستصحاب ان يكون المستصحب مما يرتبط بالشارع وان لم يصدق عليه لفظ الحكم ، وبعد ما عرفت من صحة اعتبار ابقاء العدم وشمول دليل لا تنقض له يتضح ان عدم الحكم مما يرتبط بالشارع كما يرتبط به وجوده وثبوته.

وثالثا : انه لما كان وجود الحكم مرتبطا بالشارع فلا محالة يكون نفي الحكم مما يرتبط بالشارع ايضا ، لوضوح امكان اعتبار الشارع لعدم الحكم ونفيه كما يمكنه اعتبار ثبوته ووجوده ، وهذا المقدار كاف في صحة الاستصحاب وان لم يطلق لفظ الحكم عليه. وهذا هو الوجه الذي اشار اليه المصنف في صحة استصحاب عدم الحكم بقوله : ((ضرورة)) أي ان الوجه في انه لا تفاوت بين استصحاب وجود الحكم وعدم الحكم هو شهادة الضرورة ((ان امر نفيه)) أي ان امر نفي الاثر هو ((بيد الشارع ك)) أمر ((ثبوته)). واشار الى هذا الوجه الثاني الذي ادعى لاجله عدم صحة استصحاب عدم الحكم وهو عدم صحة اطلاق الحكم على عدم الحكم ، فعدم الحكم ليس بمتعلق للجعل الشرعي بقوله : ((وعدم اطلاق الحكم على عدمه)) أي على عدم الحكم. كما انه اشار الى الوجه الثاني المذكور في رد هذا الوجه ، وهو انه يكفي في الاستصحاب ان يكون المستصحب مرتبطا بالشارع وان لم يطلق عليه لفظ الحكم بقوله : ((غير ضائر)) أي ان عدم اطلاق لفظ الحكم على عدم الحكم غير ضائر في صحة استصحاب عدم الحكم ((اذ ليس هناك ما دل على اعتباره)) أي ليس هناك ما يدل على اعتبار صدق الحكم على المستصحب في صحة استصحابه بعد ان كان امر نفي الحكم وعدمه مما يرتبط بالشارع و ((بعد صدق نقض اليقين

٢٢٣

.................................................................................................

______________________________________________________

بالشك برفع اليد عنه)) أي يصدق على رفع اليد عن اليقين المتعلق بعدم الحكم فيما اذا شك فيه انه من نقض اليقين بالشك ، وان صدق نقض اليقين بالشك على اليقين المتعلق بعدم الحكم ((كصدقه برفعها من طرف ثبوته)) أي ان حال اليقين المتعلق بالعدم كحال اليقين المتعلق بالثبوت ، وكما يكون رفع اليد عن اليقين المتعلق بالثبوت من نقض اليقين ، كذلك يكون رفع اليد عن اليقين المتعلق بالعدم من نقض اليقين بالشك.

الثالث : من وجوه الاشكال في استصحاب عدم الحكم ، هو انه لا بد في الاستصحاب من وجود اثر للمستصحب ، فاذا كان الاستصحاب في وجود الحكم فثبوت الحكم تعبدا هو بنفسه الاثر الشرعي لتحقق نفس الحكم الظاهري بواسطة استصحاب وجود الحكم فيما اذا شك في ارتفاعه ، واما استصحاب عدم الحكم فلا يترتب عليه الا ما يتوهم من كون اثره هو عدم استحقاق العقاب على مخالفته وهو من الآثار العقلية للمستصحب ، ولا بد فيما يثبت بالاستصحاب من كون الاثر المترتب عليه شرعيا لا عقليا ، ويترتب على عدم صحة استصحاب عدم الحكم انه لا يصح جعله من جملة ادلة البراءة في الشبهة التحريمية ، لانه انما يكون الاستصحاب دليلا على البراءة بدعوى ان الشك في الحرمة مسبوق باليقين بعدم المنع عن الفعل ، لوضوح ان الحرمة هي الحكم بالمنع الذي انزل على لسان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واوصيائه عليهم‌السلام الذين قد بين لهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جميع الاحكام ، فالحرمة شيء حادث يأتي به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واوصياؤه عليهم‌السلام ، وكل حادث مسبوق بالعدم ، فالشك في حرمة شيء معناه الشك في المنع عن الفعل ، ولما كان المنع عن الفعل من الحوادث وهو مسبوق باليقين بالعدم ، فيستصحب عدم المنع وبه يثبت عدم المنع عن الفعل تعبدا ، ويترتب عليه عدم استحقاق العقاب بارتكابه ، ونتيجة هذا ان استصحاب عدم المنع عن الفعل من جملة ادلة البراءة فيما اذا شك في حرمة شيء.

٢٢٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وحاصل الاشكال في استصحاب عدم المنع هو عدم جريان الاستصحاب فيه ، لان الاثر المترتب عليه عقلي وهو عدم استحقاق العقاب ، ويشترط في الاثر المرتب على المستصحب ان يكون شرعيا لا عقليا ، فلا يجري استصحاب عدم المنع حتى يكون من جملة ادلة البراءة في الشبهة التحريمية. هذا توضيح ما يظهر من المتن في وجه الاشكال الذي حكاه عن رسائل الشيخ الاعظم.

ولما لم يكن صحيحا في نظر الماتن صدر العبارة التي اشار بها الى الاشكال بالمنع عنه ، ثم اشار الى جوابه فلذلك قال اولا ((فلا وجه للاشكال في الاستدلال على البراءة)) أي ان الشيخ قد استشكل في ذلك بدعوى انه لا ينبغي ان يستدل على البراءة ((باستصحاب البراءة من التكليف و)) ذلك بان يستصحب ((عدم المنع عن الفعل)) لان المنع عن الفعل من الامور الحادثة المسبوقة باليقين بالعدم ، والوجه في الاشكال في هذا الاستصحاب ((بما)) هو مستفاد من الشيخ الاعظم ((في الرسالة من ان عدم استحقاق العقاب في الآخرة ليس من اللوازم المجعولة الشرعية)) ولا بد في أثر المستصحب ان يكون مجعولا شرعيا.

والجواب عنه كما يستفاد من عبارة المتن : ان عدم المنع هو بنفسه اثر شرعي كما مر بيانه ، من ان الامر المجعول عدمه كوجوده مرتبط بالشارع ، واذا كان المستصحب من الاحكام الشرعية فالاثر العقلي ان كان مختصا بالحكم الواقعي فلا يترتب على الحكم المستصحب ، وان كان غير مختص بالحكم الواقعي بل كان مما يعم الحكم الظاهري ايضا فيترتب على الحكم المستصحب ، واستحقاق العقوبة من قبيل الثاني فانه مما يترتب على الحكم الواقعي والظاهري ، لوضوح ان المكلف كما يستحق العقوبة عقلا بمخالفة الحكم الواقعي الثابت بالقطع واليقين ، كذلك يستحق العقوبة على مخالفة الحكم الظاهري ، لبداهة انه بناء على كون الثابت بالامارة حكما ظاهريا ـ كما ينسب الى المشهور ـ فانه يترتب على مخالفته استحقاق العقوبة ، كما انه يترتب

٢٢٥

فتأمل (١).

______________________________________________________

استحقاق العقوبة ايضا على مخالفة الحكم الاستصحابي ، لما مر من ان ادلة الاستصحاب تدل على جعل الحكم الظاهري.

فاتضح : ان استحقاق العقوبة وان كان اثرا عقليا إلّا انه لما كان عدم المنع مما يرتبط بالشارع ، وكان استحقاق العقوبة من الآثار العقلية المترتبة على الاعم من الحكم الواقعي والظاهري ، فلا مانع من استصحاب عدم المنع وترتب عدم استحقاق العقوبة عليه ، لانه كما ان استحقاق العقوبة من لوازم مخالفة الحكم اعم من كونه واقعيا او ظاهريا ، كذلك عدم استحقاق العقوبة من لوازم عدم المنع سواء كان واقعيا او ظاهريا ، وعدم المنع الثابت بالاستصحاب تعبدا من الحكم الظاهري ، فيترتب عليه عدم استحقاق العقوبة وان كان عدم استحقاق العقوبة من الآثار العقلية غير المجعولة. والى ما ذكرنا اشار بقوله : ((فان عدم استحقاق العقوبة وان كان)) اثرا عقليا ((غير مجعول)) شرعا ((إلّا انه لا حاجة الى ترتيب اثر مجعول في استصحاب عدم المنع)) بعد ان كان عدم المنع مما يرتبط بالشارع ((و)) عليه فلا مانع من ((ترتب عدم الاستحقاق مع كونه عقليا على استصحابه)) والوجه في ترتب عدم استحقاق العقوبة على استصحاب عدم المنع ((انما هو لكونه لازم مطلق عدم المنع ولو في الظاهر)).

(١) لعله اشارة الى ان مراد الشيخ من عدم ترتب استحقاق العقوبة على عدم المنع هو عدم الحاجة الى التعبد بعدم المنع لاجل ترتب عدم استحقاق العقوبة ، لانه يكفي في عدم استحقاق العقوبة عدم وصول التكليف ولو بعدم قيام الحجة عليه ، وحيث ان المفروض في البراءة عدم وصول التكليف بعدم قيام الحجة عليه ، فلا حاجة الى التعبد بعدمه لاجل ترتب عدم استحقاق العقوبة.

ويمكن ان يقال في جوابه : ان استحقاق العقاب متوقف على ثبوت التكليف ، ووصوله ، ومخالفته ، وبانتفاء واحدة من هذه الثلاثة ينتفي استحقاق العقاب ،

٢٢٦

التاسع : إنه لا يذهب عليك أن عدم ترتّب الاثر غير الشرعي ولا الشرعي بوساطة غيره من العادي أو العقلي بالاستصحاب ، إنما هو بالنسبة إلى ما للمستصحب واقعا ، فلا يكاد يثبت به من آثاره إلا أثره الشرعي الذي كان له بلا واسطة ، أو بوساطة أثر شرعي آخر ، حسبما عرفت فيما مرّ ، لا بالنسبة إلى ما كان للاثر الشرعي مطلقا ، كان بخطاب الاستصحاب أو بغيره من أنحاء الخطاب ، فإن آثاره شرعية كانت أو غيرها يترتب عليه إذا ثبت ولو بأن يستصحب ، أو كان من آثار المستصحب ، وذلك لتحقق موضوعها حينئذ حقيقة ، فما للوجوب عقلا يترتب على الوجوب الثابت شرعا باستصحابه أو استصحاب موضوعه ، من وجوب الموافقة وحرمة المخالفة واستحقاق العقوبة إلى غير ذلك ، كما يترتب على الثابت بغير الاستصحاب ، بلا شبهة ولا ارتياب ، فلا تغفل (١).

______________________________________________________

والبراءة تنفي استحقاق العقاب باعتبار عدم الوصول بعدم قيام الحجة عليه ، وباستصحاب عدم التكليف يثبت عدم التكليف فيترتب عليه عدم الاستحقاق ايضا ، فعدم الاستحقاق من جهة عدم التكليف غير عدم الاستحقاق من جهة عدم الوصول. والله العالم.

(١) الغرض من هذا التنبيه هو التنبيه على الاستثناء مما مرّ في التنبيه السابع ، من انه لا يترتّب على المستصحب الاثر العقلي.

وتوضيح ذلك : ان المستصحب اذا كان هو الموضوع غير المجعول وكان له اثر غير مجعول ، كما لو شك في بقاء الماء المطلق فلا يستصحب بقاؤه لترتيب كونه له حيّز ويترتب عليه اثره المجعول ككونه مطهرا أو رافعا للحدث.

واذا كان المستصحب هو الحكم فيستصحب لكونه بنفسه مجعولا شرعيا ، ولا يترتب على استصحابه الاثر العقلي غير الشرعي المترتب على وجود الحكم

٢٢٧

.................................................................................................

______________________________________________________

الواقعي ، كوجوب الالتزام به بناء على ان وجوب الالتزام مما يختصّ بالحكم الواقعي ، وكصحة اضافته الى الله حقيقة وانه حكم الله الحقيقي واقعا. ويترتّب على استصحابه الاثر العقلي غير الشرعي المترتب على الاعم من وجود الحكم الواقعي والظاهري ، كلزوم موافقته وحرمة مخالفته واستحقاق العقاب على مخالفته ، والوجه في ترتيب هذا الاثر العقلي على استصحابه ، انه باستصحاب هذا الحكم المجعول يتحقق الموضوع للاثر العقلي الذي كان موضوعه هو الحكم الاعم من الواقعي والظاهري ، فما مرّ في الامر السابع من عدم ترتيب الاثر العقلي على المستصحب وان كان مجعولا شرعيا هو في الاثر المختصّ بوجود الحكم الواقعي ، دون الاثر المترتّب على الحكم الاعم من الواقعي والظاهري.

فظهر مما ذكرنا : ان الاستصحاب لا يجري لترتيب الاثر غير الشرعي ، فيما كان الاثر غير الشرعي مرتّبا على الوجود الواقعي ، كما لا يجري لترتيب الاثر الشرعي اذا كان مترتبا على المستصحب بواسطة امر عادي ، كاستحباب الخضاب لنبات اللحية المرتّب على حياة زيد المستصحبة ، فان استحباب الخضاب مما يترتب على حياة زيد بواسطة نبات اللحية اللازم العادي له ، وكذا الاثر الشرعي المرتب على اللازم العقلي للمستصحب ، كاستصحاب حياة زيد الملازم عقلا لبقائه حيّا في زمان الشك بتجاوزه الخمسة عشر عاما ، وهو سن البلوغ المترتب عليه ارتفاع الولاية عنه ، وتعلّق الزكاة بما له ، فلا يترتب على استصحاب حياته ارتفاع الولاية عنه وتعلق الزكاة ، لانها مرتّبة على البلوغ اللازم العقلي لبقائه حيّا في حال الشك. ويترتب على المستصحب الاثر العقلي المرتب على المجعول الشرعي الاعم من الواقعي والظاهري ، كوجوب الموافقة وحرمة المخالفة. ولا يخفى ان صحة جريان الاستصحاب في المجعول الشرعي انما هو لانه بنفسه حيث انه مجعول مصحّح لجريان استصحابه ، وانما يترتب عليه الاثر العقلي الاعم لتحقق موضوعه ، فالوجوب ـ مثلا ـ يجري الاستصحاب فيه لانه بنفسه اثر مجعول شرعي مما يصح استصحابه ،

٢٢٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ويترتب على استصحابه وجوب موافقته وحرمة مخالفته واستحقاق العقاب على مخالفته ، وقد عرفت ان الغرض من هذا التنبيه هو استثناء مثل هذا الاثر العقلي المترتب على الاعم من الحكم الواقعي والظاهري ، وان الذي لا يترتب على استصحاب الحكم هو خصوص الاثر العقلي المترتب على الحكم الواقعي بالخصوص.

وقد اشار الى ما ذكرنا بقوله : ((انه لا يذهب عليك ان عدم ترتّب الاثر غير الشرعي)) على المستصحب كصحة اضافته الى الله بانه حكمه حقيقة مثلا ، كما مرّ في الامر السابع تفصيله ((و)) كما مرّ فيه انه ((لا)) يترتب الاثر ((الشرعي)) ايضا فيما اذا كان ((بواسطة غيره من)) الامر ((العادي او العقلي ب)) واسطة ((الاستصحاب)) والغرض من هذا التنبيه ((انما هو)) بيان ان ذلك ((بالنسبة الى ما للمستصحب واقعا)) أي ما كان مختصّا بخصوص الحكم الواقعي ((فلا يكاد يثبت به)) أي بالاستصحاب ((من آثاره الّا اثره الشرعي الذي كان له بلا واسطة)) كحرمة الخمر مثلا فانها اثر للخمر بلا واسطة وترتّب على الخمر المشكوكة المستصحبة ((او)) كان الاثر الشرعي مترتبا ((بواسطة اثر شرعي آخر)) كوجوب الموافقة الالتزامية لحرمة الخمر فانه يترتب على استصحاب الخمر ، فيثبت بالاستصحاب حرمة شرب الخمر المستصحبة ووجوب موافقتها التزاما بناء على كون وجوب الموافقة مما تعم الحكم الواقعي والظاهري ((حسبما عرفت فيما مرّ)) في الامر السابع. واشار الى استثناء الاثر غير الشرعي اذا كان مما يعم الحكم الظاهري في انه يترتب على استصحابه الحكم بقوله : ((لا بالنسبة الى ما كان للاثر الشرعي مطلقا)) أي سواء كان الحكم الشرعي ثابتا واقعا او ((كان)) ثابتا ((بخطاب الاستصحاب او بغيره من انحاء الخطاب)) مما كان الحكم فيها ظاهريا ((فان آثاره شرعية كانت)) كحرمة الخمر ((او غيرها)) أي أو كانت غير شرعية بل عقلية كلزوم الموافقة وحرمة المخالفة فانها ((تترتب عليه اذا ثبت ولو بان يستصحب او كان)) الاثر غير الشرعي ((من آثار))

٢٢٩

العاشر : إنه قد ظهر مما مرّ لزوم أن يكون المستصحب حكما شرعيا أو ذا حكم كذلك ، لكنه لا يخفى أنه لا بد أن يكون كذلك بقاء ولو لم يكن كذلك ثبوتا فلو لم يكن المستصحب في زمان ثبوته حكما ولا له أثر شرعا وكان في زمان استصحابه كذلك ـ أي حكما أو ذا حكم ـ يصح استصحابه كما في استصحاب عدم التكليف ، فإنه وإن لم يكن بحكم مجعول في الازل ولا ذا حكم ، إلا أنه حكم مجعول فيما لا يزال ، لما عرفت من أن نفيه كثبوته في الحال مجعول شرعا ، وكذا استصحاب موضوع لم يكن له حكم ثبوتا ، أو كان ولم يكن حكمه فعليا وله حكم كذلك بقاء ، وذلك لصدق نقض اليقين بالشك على رفع اليد عنه والعمل ، كما إذا قطع بارتفاعه يقينا ، ووضوح عدم دخل أثر الحالة السابقة ثبوتا فيه وفي تنزيلها بقاء ، فتوهم اعتبار الاثر سابقا ـ كما ربما

______________________________________________________

نفس ((المستصحب)) كما اذا كان المستصحب هو الحكم بنفسه فانه يترتب عليه اثره العقلي اذا كان مما لا يختص بالحكم الواقعي. واشار الى الوجه فيه بقوله : ((وذلك لتحقق موضوعها حينئذ حقيقة)) أي ان الاثر اذا كان مما لا يختصّ بالحكم الواقعي فانه يترتب على المستصحب لتحقق ما هو موضوع الاثر حقيقة ، لانه بالاستصحاب يحصل الحكم الظاهري الذي هو موضوع لتلك الآثار حقيقة ((فما للوجوب عقلا)) من الاثر ((يترتب على الوجوب الثابت شرعا باستصحابه)) فيما اذا كان المستصحب نفس الوجوب ((او استصحاب موضوعه)) فيما اذا كان المستصحب موضوعه كاستصحاب النهار مثلا. واشار الى الاثر غير الشرعي الذي كان موضوعه هو الاعم من الحكم الواقعي والظاهري بقوله : ((من وجوب الموافقة وحرمة المخالفة واستحقاق العقوبة)) عليها ((الى غير ذلك)) من الآثار العامة للحكم الظاهري ايضا كموافقته الالتزامية مثلا ((كما يترتب)) ذلك ((على)) الوجوب مثلا ((الثابت بغير الاستصحاب)) كالأمارة مثلا ((بلا شبهة ولا ارتياب)).

٢٣٠

يتوهمه الغافل من اعتبار كون المستصحب حكما أو ذا حكم ـ فاسد قطعا ، فتدبر جيدا (١).

______________________________________________________

(١) الغرض من هذا التنبيه دفع ما يمكن ان يتوهم ، ان المستفاد من ادلة الاستصحاب باعتبار انه ابقاء لما كان قد تعلق به اليقين في زمان الشك ، فيكون دالا على جعل الحكم الظاهري المماثل لما تعلق به اليقين ، او جعل الحكم الظاهري المماثل للمتيقن ، فانه على هذا لا بد من اختصاص جريان الاستصحاب بما اذا كان هناك حكم في مرحلة الحدوث يتعلق به اليقين ويكون هو المتيقن.

واما اذا كان متعلق اليقين في مرحلة لم يتعلق بالحكم فلا مجال لجريان الاستصحاب ، اذ ليس هناك مماثل في مرحلة الحدوث الواقع حتى يكون الاستصحاب دالا على جعل حكم مماثل له في مرحلة الظاهر.

ويدفع هذا التوهم : بان المستفاد من ادلة الاستصحاب هو جعل الحكم في مرحلة الشك وجودا او عدما : أي ان ادلة الاستصحاب التي كان لسانها النهي عن نقض اليقين انما تدل على الجعل التعبدي في مرحلة الشك ، بحيث يكون عدم البناء العملي في مرحلة الشك من نقض اليقين ، ولا يستفاد منها لزوم كون متعلق اليقين حكما في حالة اليقين ، لوضوح صدق نقض اليقين على ما كان حكما في مرحلة الشك فقط دون مرحلة حدوث اليقين.

فاذا عرفت هذا ... نقول : ان النسبة بين حال الثبوت وحال البقاء عموم من وجه ، فانه ربما يكون حكم في مرحلة الثبوت دون البقاء ، كما في الحكم الفعلي المنسوخ بقاء ، وكما في وجوب الجمعة فانها واجبة في زمان الحضور وليست بواجبة في حال الغيبة كما هو رأي جملة من الفقهاء.

وربما لا يكون حكم في مرحلة الثبوت ، ويكون الحكم في مرحلة البقاء كما في الاحكام التكليفية بالنسبة الى غير البالغ ، فانها في حال عدم بلوغه لم يكن متوجها له حكم تكليفي وفي حال بلوغه تتوجه له الاحكام ، وكما في جملة من الاحكام النازلة

٢٣١

.................................................................................................

______________________________________________________

بالتدريج في عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فانه مضى زمن من نبوته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يكن له ولامته حكم صوم شهر رمضان ثم نزل عليه الحكم بالصوم.

واما مورد كونه حكما في مرحلة الثبوت والبقاء كوجوب الصلاة على البالغين وغيره من ساير الاحكام.

وينبغي ان لا يخفى ان المستصحب بناء على ما ذكرنا من عدم لزوم كونه في مرحلة الحدوث وزمان متعلّق اليقين لا مجعولا بنفسه ولا موضوعا ذا حكم مجعول ، وانه يكفي في صحة الاستصحاب ان يكون كذلك في مرحلة البقاء ... يظهر صحة استصحاب العدم الازلي للحكم ، فانه وان لم يكن بمجعول في مرحلة الحدوث وتعلق اليقين الّا انه مجعول تعبّدا في مرحلة البقاء والشك ... وصحة استصحاب ما ليس بفعلي من الاحكام في مرحلة الحدوث وتعلق اليقين ، لكنه كان فعليا في مرحلة البقاء والشك ، كما في الحرمة التعليقية للزبيب قبل الغليان وعند الغليان ، فانه قبل الغليان لم تكن الحرمة فعلية قطعا ، واحتمال فعليتها انما هو في حال الغليان .. وصحة استصحاب الموضوع الذي لا حكم له في مرحلة تعلّق اليقين ، الّا انه يحتمل ان يكون له حكم في مرحلة الشك ، كما لو علمنا بعدم بلوغ زيد في اول الليل وشك في بلوغه عند الفجر ، فانه لو تحقق البلوغ عند الفجر لكان له حكم ... وصحة استصحاب الموضوع الذي لا حكم فعلي له عند تعلّق اليقين ، كما لو علمنا بخروج الماء النجس عن محل الابتلاء ثم شككنا في دخوله في محل الابتلاء ، فانه في حال خروجه عن محل الابتلاء لا حكم فعلي له ، وفي حال الشك لو تحقق دخوله في محل الابتلاء لكان له حكم ... فانه في هذه المقامات الاربعة يجري الاستصحاب وان كان متعلق اليقين في حال تعلق اليقين به ليس بمجعول ، او ليس بفعلي ، او ليس له حكم مجعول ، او لم يكن حكمه المجعول فعليّا. وقد اشار الى ان المراد من قولهم لا بد وان يكون المستصحب اما حكما مجعولا او موضوعا ذا حكم هو كونه كذلك بقاء وفي مرحلة الشك ، لا في مرحلة الثبوت وتعلّق اليقين بقوله : ((قد ظهر مما مرّ)) انه لا في

٢٣٢

.................................................................................................

______________________________________________________

جريان الاستصحاب ((لزوم ان يكون المستصحب)) اما ان يكون ((حكما)) مجعولا ((شرعيا او)) كونه موضوعا ((ذا حكم كذلك لكنه لا يخفى)) ان المراد من ذلك ((انه لا بد)) و ((ان يكون كذلك بقاء ولو لم يكن كذلك ثبوتا فلو لم يكن المستصحب في زمان ثبوته)) وهو زمان تعلق اليقين ((حكما ولا)) موضوعا ((له اثر)) مجعول ((شرعا و)) لكنه ((كان في زمان استصحابه كذلك أي)) بان كان المستصحب في حال البقاء ومرحلة الشك اما ((حكما او)) موضوعا ((ذا حكم)) فانه ((يصح استصحابه كما في استصحاب عدم التكليف)) العدم الازلي ((فانه)) في مرحلة تعلق اليقين به ((وان لم يكن بحكم مجعول)) لوضوح انه ((في الازل)) لم يكن العدم بمجعول ، هذا فيما اذا كان المستصحب هو عدم الحكم الازلي ، ومثله ما اذا كان المستصحب هو الموضوع ، واليه اشار بقوله : ((ولا ذا حكم الّا انه)) يكفي في صحة الاستصحاب هو انه ((حكم مجعول فيما لا يزال)) وهو مرحلة البقاء ((لما عرفت من ان)) في مرحلة البقاء ((نفيه كثبوته في الحال مجعول شرعا)).

واشار الى ان الحال في استصحاب الموضوع الذي لا حكم له في مرحلة تعلق اليقين ولكنه كان ذا حكم في مرحلة البقاء هو كالحكم بقوله : ((وكذا استصحاب موضوع لم يكن له حكم ثبوتا)) كعدم بلوغ الصبي ((او كان)) الموضوع له حكم ((و)) لكنه ((لم يكن حكمة فعليا)) كما في الماء النجس الخارج عن محل الابتلاء ((و)) كان ((له حكم كذلك)) أي كان له حكم فعلي ((بقاء)) كما لو شك في دخوله في محل الابتلاء. واشار الى الوجه في عدم لزوم كون المستصحب حكما او ذا حكم في مرحلة تعلق اليقين ، وانه يكفي فيه كونه كذلك في مرحلة البقاء والشك بقوله : ((وذلك لصدق نقض اليقين بالشك على رفع اليد عنه)).

وحاصله : ان ادلة حجيّة الاستصحاب هو النهي عن نقض اليقين بالشك ، كقوله عليه‌السلام : (لا تنقض اليقين بالشك) ، والمستفاد منه محض ما هو نقض لليقين في مرحلة الشك ، واذا لم يكن المستصحب في مرحلة اليقين بمجعول ولا ذي اثر مجعول

٢٣٣

.................................................................................................

______________________________________________________

ولكنه كان مجعولا وذا اثر مجعول في مرحلة الشك ، فان رفع اليد عن المشكوك في هذا الفرض مما يصدق عليه انه نقض لليقين في مرحلة الشك.

وبالجملة : ان المستفاد منها هو كون المشكوك مما له اثر في ذلك المقام وهو مقام الشك ، فانه اذا كان له اثر عملي في هذه الحال يكون رفع اليد عنه نقضا ((و)) من الواضح ان ((العمل)) مع المشكوك ((كما اذا قطع بارتفاعه يقينا)) من نقض اليقين بالشك. واشار الى ان الداعي للتعبد بالاستصحاب هو الاثر في مقام الشك دون الاثر في مقام اليقين لانه جعل قاعدة في مقام الشك ، فلا يضر كون المشكوك في مرحلة اليقين لا اثر له في جعل القاعدة المنوطة بمقام الشك بقوله : ((ووضوح عدم دخل اثر الحالة السابقة ثبوتا)) أي عدم دخل الاثر في مقام تعلق اليقين ((فيه)) أي في مقام الشك ((وفي)) مقام ((تنزيلها بقاء)) أي في مقام تنزيل الحالة المشكوكة منزلة المتيقنة في مرحلة البقاء. واشار الى وجه التوهم في لزوم كون متعلق اليقين حكما او موضوعا ذا حكم بقوله : ((فتوهم اعتبار الاثر سابقا)) في مقام تعلق اليقين في جريان الاستصحاب بان يكون متعلق اليقين ذا اثر سواء كان حكما أو موضوعا ذا حكم ((كما ربما يتوهمه الغافل من)) قولهم ان الاستصحاب ابقاء ما كان متعلقا لليقين في مرحلة الشك ، فيتوهم من هذا انه لا بد في الاستصحاب من ((اعتبار كون المستصحب حكما او ذا حكم فاسد قطعا)) هذا خبر لقوله فتوهم : أي ان هذا التوهم فاسد قطعا ، لما عرفت من ان المستفاد من ادلة الاستصحاب هو ما يكون رفع اليد عن المشكوك في مرحلة الشك من نقض اليقين بالشك ، وقد عرفت ان رفع اليد عن المشكوك الذي له اثر في مرحلة الشك من نقض اليقين وان لم يكن للمشكوك اثر في مرحلة تعلق اليقين به.

٢٣٤

الحادي عشر : لا إشكال في الاستصحاب فيما كان الشك في أصل تحقق حكم أو موضوع (١).

وأما إذا كان الشك في تقدّمه وتأخره بعد القطع بتحققه وحدوثه في زمان : فإن لوحظ بالاضافة إلى أجزاء الزمان ، فكذا لا إشكال في استصحاب عدم تحققه في الزمان الاول ، وترتيب آثاره لا آثار تأخره عنه ، لكونه بالنسبة إليها مثبتا إلّا بدعوى خفاء الواسطة ، أو عدم التفكيك في التنزيل بين عدم تحققه إلى زمان وتأخره عنه عرفا ، كما لا تفكيك بينهما واقعا ، ولا آثار حدوثه في الزمان الثاني ، فإنه نحو وجود خاص ، نعم لا بأس بترتيبها بذاك الاستصحاب ، بناء على أنه عبارة

______________________________________________________

(١) هذا التنبيه لبيان ان الاستصحاب الجاري في عدم شيء او في وجوده هل يثبت به عنوان التأخر او التقدم للمستصحب او لا يثبت به؟ ... وقبل الشروع في ذلك لا بد من الفراغ عن جريان الاستصحاب في عدم الحكم او عدم الموضوع ذي الحكم ، لانه بعد مسلميّة جريانه في ذلك يصحّ البحث عن كون هذا الاستصحاب هل يثبت به عنوان التأخّر او التقدّم ، اما اذا لم يجر الاستصحاب في نفس عدم الحكم وعدم الموضوع ذي الحكم فلا مجال للبحث عن اثبات عنوان التأخر او التقدم بواسطة هذا الاستصحاب ، ولكنه حيث قد مرّ في التنبيه الثامن صحة جريان الاستصحاب في عدم الحكم وعدم الموضوع ذي الحكم فجريان الاستصحاب فيهما مفروغ عنه. والى هذا اشار بقوله : ((لا اشكال في الاستصحاب فيما كان الشك في اصل تحقق حكم او موضوع)) ذي حكم فيجري استصحاب عدم الحكم فيما اذا شك في اصل تحقق الحكم ، ويجري استصحاب عدم الموضوع فيما اذا شك في اصل تحقق موضوع ذي حكم.

٢٣٥

عن أمر مركّب من الوجود في الزمان اللاحق وعدم الوجود في السابق (١).

______________________________________________________

(١) توضيحه يتوقف على بيان ما يضاف اليه المستصحب ، وتفصيله انه اذا علمنا يوم الجمعة بكريّة الماء مثلا ، وشككنا في تأخر الكريّة عن يوم الخميس ، او في حدوثها يوم الجمعة ، او في تقدّم الكرية على يوم الجمعة ، بحيث يكون المضاف اليه عنوان التقدم او التأخر او الحدوث هو الزمان ، بان يكون الاثر مرتّبا على عنوان تقدّم الكرية على يوم الجمعة ، او على عنوان تأخّرها عن يوم الخميس ، او على حدوثها يوم الجمعة. اما اذا كان الاثر مرتّبا على نفس الكرية فيجري استصحاب عدم الكرية في يوم الخميس ويترتب عليه آثار عدم الكرية ، ويترتب الاثر على الكرية في يوم الجمعة لفرض العلم بها في يوم الجمعة لا لاجل الاستصحاب.

واما اذا كان الاثر مرتّبا على تقدّم الكرية على يوم الجمعة فلا محالة انه لا يترتب اثر التقدم لفرض عدم الكرية في يوم الخميس ، فانا وان احتملنا حدوثها فيه بان كان علمنا بعدم الكرية في اول يوم الخميس فلذا نحتمل حدوثها في اثنائه ، الّا انه لا محرز له لا بالاستصحاب ولا بغيره.

واما اذا كان مرتبا على تأخّر الكرية عن يوم الخميس فلا يثبت باستصحاب عدم الكرية في يوم الخميس عنوان تأخرها عن يوم الخميس الّا بناء على حجية الاصل المثبت ، لوضوح ان عنوان تأخر الكرية عن يوم الخميس لازم لعدمها يوم الخميس ، وقد مرّ عدم حجية الاستصحاب في المثبت.

الّا ان يدعى خفاء الواسطة ، او يدعى عدم التفكيك. وحاصل دعوى خفاء الواسطة ان يقال : ان الاثر اذا كان مرتبا على تأخر الكرية عن يوم الخميس فالعرف ـ بعد ان جرى استصحاب عدمها يوم الخميس ـ يرى انه يترتب عليه الاثر المترتب على عنوان تأخرها عن يوم الخميس بعد العلم في يوم الجمعة. وحاصله : ان العرف يرى ان اثر عنوان التأخر هو اثر للعدم في يوم الخميس.

٢٣٦

.................................................................................................

______________________________________________________

واما دعوى عدم التفكيك فبأن يقال ان العرف يرى عدم التفكيك بين عنوان عدمها يوم الخميس الى زمان العلم بها يوم الجمعة ، وبين عنوان تأخرها عن يوم الخميس الى يوم الجمعة لانهما عنده من قبيل المتضائفين.

واما اذا كان الاثر مترتبا على حدوث الكرية بعد يوم الخميس ، فان قلنا ان عنوان الحدوث مركب من امرين : وهما العدم في الزمان السابق ، والوجود في الزمان اللاحق ، او هو عبارة عن الوجود المسبوق بالعدم ، فيحرز بواسطة استصحاب عدمها في يوم الخميس والعلم بها في يوم الجمعة عنوان الحدوث بعد يوم الخميس ، ويترتب عليه اثره لانه مركب من جزءين : العدم في يوم الخميس وقد احرز بالاستصحاب ، والوجود بعد يوم الخميس وقد احرز بالعلم بوجودها يوم الجمعة ، وكذا لو كان الحدوث هو الوجود المسبوق بالعدم ، فان وجودها يوم الجمعة محرز بالعلم ، ومسبوقيتها بالعدم يوم الخميس محرزة بالاستصحاب.

واما اذا قلنا ان الحدوث امر بسيط وجودي غير مركب وان كان منتزعا عن الوجود المسبوق بالعدم ، فلا يترتب بواسطة استصحاب عدم الكرية يوم الخميس عنوان حدوثها يوم الجمعة ، الّا اذا قلنا بحجية الاصل المثبت ، لوضوح ان لازم عدمها يوم الخميس هو تحقق الحدوث في يوم الجمعة ، لان المفروض العلم بوجودها يوم الجمعة ، فيكون لازم عدم تحققها يوم الخميس هو تحقق الحدوث في يوم الجمعة.

وقد اشار الى ان الكلام في اثبات الاستصحاب لعنوان التقدّم والتأخر والحدوث بقوله : ((واما اذا كان الشك في تقدمه وتأخره بعد القطع بتحققه وحدوثه في زمان)) ولا يخفى ان الظاهر هو كون (وحدوثه) معطوفا على تقدمه وتأخره لا على تحققه ، لوضوح انه لو كان عنوان الحدوث محرزا لما كان هناك شك في عنوان التقدم والتأخر ، بل يكون عدم تقدمه وتأخره محرزا ايضا اذا علم بحصول الحدوث في زمان معين ، مضافا الى ما سيأتي منه من الكلام بالنسبة الى عنوان الحدوث ، وانه ان كان مركبا فلا يكون الاستصحاب بالنسبة الى إثباته مثبتا ، وان كان عنوانا وجوديا بسيطا

٢٣٧

.................................................................................................

______________________________________________________

فالاستصحاب بالنسبة اليه يكون من المثبت. او يكون المراد من حدوثه هو وجوده من دون ارادة الحدوث الذي هو الوجود في زمان يكون فيما قبله من الزمان مسبوقا بالعدم ، فانه على هذا يكون قوله وحدوثه معطوفا على تحققه لا على تقدّمه وتأخره ، الّا انه على هذا يكون كلامه بعد ذلك عن الاستصحاب بالنسبة الى عنوان الحدوث بحثا فيما لم تتقدم الاشارة اليه. والله العالم.

واشار الى ان عنوان تقدّم المستصحب او تأخره بحسب ما يضاف فانه تارة يلحظ بالاضافة الى نفس الزمان ، واخرى بالنسبة الى غيره بقوله : ((فان لوحظ)) عنوان التقدم والتأخر ((بالاضافة الى)) نفس ((اجزاء الزمان)) كتأخر الكريّة عن يوم الخميس وعدم تقدمها على يوم الجمعة أو حدوثها في يوم الجمعة. واشار الى ان استصحاب عدم الكرية في يوم الخميس مثلا يترتب عليه الاثر المرتب على نفس عدم الكرية ، ولا يترتب عليه الاثر المرتب على عنوان تأخرها عن يوم الخميس ، لانه من المثبت بالنسبة الى عنوان التأخر بقوله : ((فكذا لا اشكال في استصحاب عدم تحققه في الزمان الاول)) لفرض العلم بعدم الكرية قطعا في يوم الاربعاء ، والشك في تحققها يوم الخميس مع العلم بوجودها يوم الجمعة ، فيستصحب عدمها في يوم الخميس ((و)) اللازم ((ترتيب)) خصوص ((آثاره)) المرتبة على نفس عدم الكرية ((لا)) ترتيب ((آثار تأخره عنه)) فلا يترتب على استصحاب عدم الكرية في يوم الخميس الاثر المرتب على عنوان تأخر الكريّة عن يوم الخميس ((لكونه بالنسبة اليها مثبتا)) أي انما لا يترتب على استصحاب عدم الكرية الاثر المرتب على عنوان تأخرها عن يوم الخميس ، لان استصحاب عدم الكريّة في يوم الخميس بالنسبة الى عنوان تأخرها عن يوم الخميس من المثبت ، لما عرفت من ان لازم عدمها يوم الخميس هو تأخرها عنه.

واشار الى ان استصحاب عدم الكرية بالنسبة الى الآثار المرتبة على عنوان التأخر انما يصح حيث يدعى اما خفاء الواسطة او يدعى التفكيك بقوله : ((الّا بدعوى

٢٣٨

.................................................................................................

______________________________________________________

خفاء الواسطة)) بان يكون العرف يرى ان الاثر المرتب واقعا على عنوان تأخر الكرية هو مرتّب في نظرهم على نفس عدم الكرية ، وعليه يصح ترتيب آثار عنوان التأخر على نفس عدم الكرية ((او)) بدعوى ((عدم التفكيك في التنزيل بين عدم تحققه الى زمان وتأخره عنه عرفا)) أي ان العرف يرى انه لا تفكيك في مرحلة الظاهر بين عدم الكرية في يوم الخميس المنتهى هذا الاستصحاب بيوم الجمعة ، وبين عنوان تأخر الكريّة عن يوم الخميس ، فالعرف يرى التلازم بين هذين الامرين في مرحلة الحكم الظاهري الاستصحابي : أي ان العرف يرى ان تنزيل عدم الكرية في يوم الخميس يلازمه تنزيل تأخرها عن يوم الخميس ايضا.

والحاصل : ان العرف في هذا المقام يرى ان الاستصحاب كالواقع ، فكما انه يلازم عدم الكرية واقعا في يوم الخميس عنوان تأخر وجودها عن يوم الخميس واقعا ، كذلك عدم الكرية الثابت بالتنزيل الاستصحابي يلازمه عنوان تأخر وجودها ايضا. والى هذا اشار بقوله : ((كما لا تفكيك بينهما واقعا)). واشار الى ان عنوان الحدوث يوم الجمعة ايضا لا يثبت بواسطة استصحاب العدم يوم الخميس اذا قلنا بان الحدوث امر وجودي بسيط بقوله : ((ولا آثار حدوثه في الزمان الثاني)) وهو يوم الجمعة بواسطة استصحاب العدم يوم الخميس ((فانه)) أي فان الحدوث هو ((نحو وجود خاص)) لانه من المثبت ايضا ، لان لازم العدم يوم الخميس هو الحدوث في يوم الجمعة حيث فرض العلم بتحققه يوم الجمعة. واشار الى ترتب اثر عنوان الحدوث يوم الجمعة على استصحاب العدم يوم الخميس اذا قلنا بان الحدوث مركب من امرين العدم السابق والوجود اللاحق ، فان احد الجزءين ثابت بالاستصحاب وهو العدم السابق وهو العدم يوم الخميس ، والجزء الثاني وهو الوجود اللاحق ثابت بالوجدان لفرض العلم بالوجود يوم الجمعة بقوله : ((نعم لا بأس بترتيبها)) أي لا بأس بترتيب آثار الحدوث ((بذاك الاستصحاب)) وهو استصحاب العدم يوم الخميس ((بناء على انه)) أي بناء على ان الحدوث هو

٢٣٩

وإن لوحظ بالاضافة إلى حادث آخر علم بحدوثه أيضا ، وشك في تقدم ذاك عليه وتأخّره عنه ، كما إذا علم بعروض حكمين أو موت متوارثين ، وشك في المتقدّم والمتأخر منهما ، فإن كانا مجهولي التاريخ :

فتارة كان الاثر الشرعي لوجود أحدهما بنحو خاص من التقدّم أو التأخّر أو التقارن ، لا للآخر ولا له بنحو آخر ، فاستصحاب عدمه صار بلا معارض ، بخلاف ما إذا كان الاثر لوجود كل منهما كذلك ، أو لكل من أنحاء وجوده ، فإنه حينئذ يعارض ، فلا مجال لاستصحاب العدم في واحد ، للمعارضة باستصحاب العدم في آخر ، لتحقق أركانه في كل منهما.

هذا إذا كان الاثر المهم مترتبا على وجوده الخاص الذي كان مفاد كان التامة (١).

______________________________________________________

((عبارة عن امر مركب من الوجود في الزمان اللاحق)) وهو يوم الجمعة ((و)) من ((عدم الوجود في السابق)) وهو العدم يوم الخميس.

(١) قد عرفت ان مهمّ الكلام في هذا التنبيه هو الشك في التقدّم والتأخر بالنسبة الى ما يضاف اليه المستصحب ، وقد مرّ الكلام بالنسبة الى اضافة المستصحب الى نفس اجزاء الزمان ، وبعد الفراغ منه اشار الى اضافة المستصحب الى حادث آخر ، كما اذا علم بكرية الماء وملاقاته للنجس ، او علم بموت متوارثين ، وقد شك في تقدّم الكريّة على الملاقاة ، وشك في تقدّم احد المتوارثين على الآخر.

وقد جعل الكلام في هذا الفرض في اقسام : الاول : ما اذا كانا مجهولي التاريخ بان يجهل تاريخ حدوث كل منهما مع العلم بحدوثهما معا ، بان يعلم ـ مثلا ـ بالكرية والملاقاة ، ويعلم ايضا بموت كلا المتوارثين ولكنه يجهل تاريخ حدوث كل من الكريّة والملاقاة ، ويجهل تاريخ موت كل من المتوارثين.

٢٤٠