بداية الوصول

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي

بداية الوصول

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي


المحقق: محمّد عبدالحكيم الموسوي البكّاء
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار الهدى
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٢
ISBN: 964-497-064-0
ISBN الدورة:
964-497-056-X

الصفحات: ٤٢١

.................................................................................................

______________________________________________________

الشك ، بل لا بد من تحصيل القطع بالحياة مقدمة للعلم بمعرفة الامام بالفعل ، كما ستأتي الاشارة اليه عنه شرح قول المصنف ((إلّا اذا كان حجة من باب افادته الظن وكان المورد مما يكتفى به ايضا)).

واما بالنسبة الى وجوب معرفته فلا وجه لجريان الاستصحاب فيما اذا شك في حياة الامام لاجل ان يترتب عليه وجوب معرفته لمنافاة هذا الحكم للاستصحاب.

وتوضيح ذلك : انه بعد ان كان المراد من الامامة هي الرئاسة التي من شئونها التصرف الخارجي في امور الناس ، ولما كان لا معنى لجعل هذه الرئاسة لغير الامام الحي ، فعلى هذا فمعنى وجوب معرفة الامام بهذا المعنى الثاني لازمها وجوب تحصيل اليقين بحياته ، واذا كان يجب تحصيل اليقين بحياة الامام فلا يكون وجه لجريان الاستصحاب للتعبد بحياة الامام لاجل حكم وجوب المعرفة ، لان وجوب تحصيل العلم بحياة الامام ينافي الشك في حياته ، فجريان الاستصحاب في الحياة ينافي الحكم بوجوب المعرفة بالحياة.

فاتضح : انه لا يجري الاستصحاب الموضوعي في الامامة لاجل ترتب حكم وجوب معرفة الامام. وقد اشار الى جريان الاستصحاب الموضوعي في الامامة بالنسبة الى وجوب عقد القلب فيما سبق بقوله : ((وكذا موضوعا فيما كان هناك يقين سابق وشك لاحق)) ، واشار الى عدم جريان الاستصحاب الموضوعي في حياة الامام بالنسبة الى وجوب المعرفة ((واما لو شك في حياة امام زمان مثلا فلا يستصحب)) حياة امام الزمان عند الشك في موته ((لاجل ترتيب لزوم معرفة امام زمانه بل يجب تحصيل اليقين بموته او حياته مع امكانه)) ومع عدم امكان تحصيل العلم بالحياة لا يجب تحصيل العلم بالحياة لاشتراط كل تكليف بالقدرة ، ومع عدم امكان تحصيل العلم لا قدرة. واشار الى الوجه في عدم جريان الاستصحاب الموضوعي لاجل وجوب المعرفة في مثل الامامة بقوله : ((ولا يكاد يجدي)) الاستصحاب الموضوعي في حياة الامام ((في)) ما اذا كان الحكم ((مثل وجوب

٢٨١

كان حجة من باب إفادته الظن وكان المورد مما يكتفى به أيضا (١) ، فالاعتقاديات كسائر الموضوعات لا بد في جريانه فيها من أن يكون في

______________________________________________________

المعرفة عقلا أو شرعا)) لما عرفت من ان معنى وجوب المعرفة هو وجوب معرفة حياة الامام وموته ، فاذا وجب تحصيل العلم بحياة الامام فانه ينافي هذا الوجوب التعبد الاستصحابي بالحياة ، لان الحكم الاستصحابي هو التعبد في حال الشك ، فاذا كان يجب ازالة الشك وتحصيل اليقين فلا يكون مورد للدليل الدال على التعبد بالحكم في مقام الشك ، لوضوح المنافاة بين ما دل على وجوب تحصيل العلم بالحياة ووجوب ازالة الشك في الحياة ، وبين ما يدل بعمومه على التعبد بالحكم للمشكوك في حال الشك فيه ، فانه انما يشمل ما لا مانع من الشك فيه ، واما ما يجب ازالة الشك فيه فلا يشمله الدليل الدال على التعبد بالحكم للمشكوك في حال الشك فيه.

(١) حاصله : ان الاثر المرتب على الامر الاعتقادي لا مانع من جريان الاستصحاب الموضوعي فيه اذا كان مما قام الدليل الظني عليه ، كمثل وجوب عقد القلب الذي قد عرفت انه من الامور الاختيارية ، وهو من افعال النفس التي تتأتى من القاطع والظان والشاك ، وهو غير التصديق والقطع بالشيء. ولا يخفى ان الدال على وجوب عقد القلب بهذا المعنى هو الادلة الظنية كما تقدم في بحث الموافقة الالتزامية ... لكنه مع ذلك لا ينفع الاستصحاب لحياة الامام فيما اذا شك في حياته لاجل ترتيب اثر عقد القلب على امامته ، لانه بعد ان كان هناك اثر آخر وهو وجوب تحصيل القطع بحياته مقدمة لتحصيل العلم بحياة الامام الذي له التصرف خارجا في امور الناس فيما يعود الى معاشهم ومعادهم ، فلا فائدة في استصحاب الحياة لاجل عقد القلب على امامته.

فظهر : ان الاستصحاب الموضوعي في الامور الاعتقادية لا يجري ، إلّا اذا كان الاثر المرتب عليه مما يجتمع مع الظن ، كمثل وجوب عقد القلب لا في مثل وجوب المعرفة المنافي للاستصحاب ، وان يكون ـ ايضا ـ الاثر الذي يجري الاستصحاب

٢٨٢

المورد أثر شرعي ، يتمكن من موافقته مع بقاء الشك فيه ، كان ذاك متعلقا بعمل الجوارح أو الجوانح (١).

______________________________________________________

الموضوعي لاجل ترتيبه مما يكتفى فيه بذلك الاثر ، ولا يكون معه اثر آخر لا بد فيه من تحصيل العلم وعدم الاكتفاء فيه بالشك. والى ما ذكرنا اشار بقوله : ((إلّا اذا كان حجة من باب افادته الظن)) كمثل وجوب عقد القلب ((و)) لا بد مضافا الى ذلك انه ((كان المورد مما يكتفي به ايضا)).

(١) حاصله : انه قد تبين مما ذكرنا ان الامور الاعتقادية هي موضوعات لاحكام شرعية مرتبة عليها ، ويشملها دليل الاستصحاب كغيرها من الموضوعات الخارجية غير الاعتقادية كالصلاة وشرب الخمر ، وقد عرفت ايضا انه لا بد في جريان الاستصحاب في الموضوع من لزوم كونه ذا اثر شرعي ، فيجري عمرو الاستصحاب في حياة زيد فيما اذا كان لبقاء حياة زيد اثر بالنسبة الى عمرو ، اما اذا كان اجنبيا عن زيد بحيث لا يكون لحياة زيد او موته اثر بالنسبة الى عمرو فلا وجه لإجراء عمرو الاستصحاب في حياة زيد ، وقد عرفت ايضا ان جريان الاستصحاب في الموضوع لا بد من ان يكون مما يتمكن المجري للاستصحاب من الموافقة في حال الشك ، فلو كان المورد مما لا يمكن موافقته في حال الشك فلا وجه لجريان الاستصحاب فيه ، ففيما اذا شك في بقاء خمرية مائع وكان المائع خارجا عن محل الابتلاء ـ مثلا ـ فلا وجه لجريان هذا الاستصحاب ، لانه مع فرض عدم القدرة على الامتثال بواسطة الخروج عن محل الابتلاء لا وجه لجريان الاستصحاب ليترتب عليه النهي عن شرب هذا المائع.

ومما ذكرنا يتضح : انه انما يجري الاستصحاب في الامور الاعتقادية فيما اذا كان الحكم المرتب على الموضوع الاعتقادي هو مثل وجوب الاعتقاد به بمعنى عقد القلب عليه ، فانه يجامع هذا الحكم الشك به ، فللتعبد بوجوب الاعتقاد به في حال الشك مجال. واما بالنسبة الى وجوب معرفته التي قد عرفت انها تنافي الشك به ، فلا يجري

٢٨٣

وقد انقدح بذلك أنه لا مجال له في نفس النبوة ، إذا كانت ناشئة من كمال النفس بمثابة يوحى إليها ، وكانت لازمة لبعض مراتب كمالها ، إما لعدم الشك فيها بعد اتصاف النفس بها ، أو لعدم كونها مجعولة بل من الصفات الخارجية التكوينية ، ولو فرض الشك في بقائها باحتمال انحطاط النفس عن تلك المرتبة وعدم بقائها بتلك المثابة ، كما هو الشأن في سائر الصفات والملكات الحسنة الحاصلة بالرياضات والمجاهدات ، وعدم أثر شرعي مهم لها يترتب عليها باستصحابها (١).

______________________________________________________

الاستصحاب في الموضوع الاعتقادي لاجل ترتيب هذا الحكم الشرعي الذي هو وجوب معرفته ، فلا يتمكن المكلف من موافقة هذا الحكم في مقام الشك ، بل اللازم عليه ازالة الشك.

فاتضح : انه لا فرق بين الحكم الذي موضوعه هو العمل الجارحي او العمل الجانحي في جريان الاستصحاب وما هو شرط في جريان الاستصحاب فهو بالنسبة اليهما على حد سواء ، وعبارة المتن واضحة.

(١) بعد ما عرفت من ان الامامة والنبوة من الموضوعات الاعتقادية ، وبعد ان اشار الى الامامة من ناحية الاستصحاب وجريانه وعدم جريانه فيها ، اشار الى النبوة من حيث جريان الاستصحاب وعدمه ، وتفصيل الحال في ذلك ان نقول :

ان النبوة ان كانت هي مرتبة من الكمال للنفس بحيث تكون النفس بالغة حد الكمال ، الذي به تتلقى المعارف الالهية من دون توسط بشر يكون واسطة في تلقيه تلك المعارف ، وهذه من الصفات الواقعية التكوينية للنبي ، والنبي بهذا المعنى هو من فعيل بمعنى المفعول ، لانه هو المنبأ بالمعارف الالهية من دون وساطة ، ولا مجرى للاستصحاب في النبوة بهذا المعنى ، لان الاستصحاب منوط بالشك ولا شك لاحق بعد اليقين بنبوة النبي بهذا المعنى ... لان السبب للشك فيها :

٢٨٤

.................................................................................................

______________________________________________________

اما من جهة احتمال زوالها بالموت ، ومن الواضح ان الموت لا يوجب زوالها ، بل الموت ان لم يوجب زيادة هذا الكمال فلا يوجب نقصانه ، فان نفوس ذوي المعارف غير النبي مما ترقى بالموت لانه افق المشاهدة.

واما من جهة احتمال زوالها بمجيء نبي اعلى منه في كمال المعارف ، وهذا الاحتمال ايضا لا وجه له ، لان اتصاف شخص آخر بصفة ارقى لا يوجب زوال الصفة عن الشخص الاول وهو واضح ، فلا موجب للشك من هذه الناحية كما لا موجب له من الجهة الاولى.

واما من جهة احتمال انحطاط النفس عن هذه المرتبة ، فان قلنا بان هذه الصفة من الصفات التي لا يمكن زوالها بعد تحققها وانها ليست كسائر الصفات ، وان النفس المتصفة بهذه الصفة قد اتضح لها الحال اتضاحا يجعلها نورا من انوار ربها خالصة من جميع شوائب الظلمة ، فلا تنحط الى الظلمة لانعدام الظلمة فيها ، فهي من الصفات التي لها درجة التحقق وبتحققها لا تزول ، فحينئذ لا مجال للشك من هذه الناحية ، لانه بعد عدم امكان الانحطاط لا يحتمل الانحطاط ، فلا يتاتى الشك فيها من جهة احتمال الانحطاط ، ولو فرضنا احتمال الانحطاط فالشك وان كان يتأتى ـ حينئذ ـ من هذه الناحية ، إلّا ان النبوة بهذا المعنى من الامور التكوينية الواقعية ولم يرتب عليها اثر شرعي ، لان الاثر الشرعي من وجوب عقد القلب على قوله والتسليم والانقياد له ولزوم تصديقه بما يقول والاخذ بقوله واحكامه انما هي من آثار النبوة بالمعنى الثاني التي هي من المناصب المجعولة ، وسيأتي الكلام فيها ، ولو فرض اثر شرعي كالنذر لهذه الصفة الواقعية غير المجعولة ، بان كانت متعلقة لنذر ناذر قد نذر انه ان لم يحصل الانحطاط لهذه الصفة الواقعية يتصدق ، فحينئذ يجري الاستصحاب فيها ويترتب عليها هذا الاثر ، ولكن ذلك ليس من الآثار المهمة.

وقد اشار الى ان هذه الصفة من الصفات الواقعية التكوينية ، وان النبي بحسب هذه الصفة هو من باب فعيل بمعنى المفعول : أي انه هو المنبأ وانه لا مجال لجريان

٢٨٥

.................................................................................................

______________________________________________________

الاستصحاب فيها بقوله : ((وقد انقدح بذلك)) أي قد انقدح بما ذكره من لزوم كون مورد الاستصحاب الموضوعي ذا اثر شرعي ينقدح ((انه لا مجال)) للاستصحاب ((في نفس النبوة اذا كانت)) النبوة صفة واقعية ((ناشئة من كمال النفس بمثابة)) تكون ((يوحى اليها)) وتنبأ ((وكانت)) النبوة ((لازمة لبعض مراتب كمالها)) أي كمال النفس. وحاصله : ان بعض مراتب الكمال للنفس يكون لازما له ان تنبأ تلك النفس وتكون مما يوحى اليها بالمعارف الالهية.

واشار الى الوجه في انه لا مجال للاستصحاب في النبوة بهذا المعنى بقوله : ((اما لعدم الشك فيها بعد اتصاف النفس بها)).

وحاصله : ان السبب في عدم جريان الاستصحاب فيها : اما لانه لا شك لاحق لان هذه الصفة بعد تحققها تكون من انوار ربها ولا زوال لهذه الصفة النورية عنها ، فلا مجال للاستصحاب لانه متقوم بالشك اللاحق ، ولا شك بعد اليقين بالنسبة لهذه الصفة.

واما لانها من الامور التكوينية ، والصفة التكوينية لا مجرى للاستصحاب فيها وان فرض تحقق الشك اللاحق فيها ، بان نجوز انحطاطها وان بلغت هذا الكمال ، لان جريان الاستصحاب في الامر التكويني مع تحقق اركانه انما يصح حيث يكون لهذا الامر التكويني اثر مهم شرعي ، وحيث لا اثر شرعي مرتب على النبوة بهذا المعنى عدا النذر وهو غير مهم ، لذا يجري الاستصحاب في النبوة بهذا المعنى. وقد اشار الى هذا بقوله : ((او لعدم كونها مجعولة بل)) هي ((من الصفات الخارجية التكوينية)) فلا يجري فيها الاستصحاب ((ولو فرض الشك في بقائها باحتمال انحطاط النفس عن تلك المرتبة وعدم بقائها بتلك المثابة)) ويكون الشأن في هذه الصفة اذا جوزنا عليها الانحطاط ((كما هو الشأن في)) غيرها من ((ساير الصفات والملكات الحسنة الحاصلة بالرياضات والمجاهدات)) في انها مما يحتمل زوالها عن النفس وانحطاط النفس عنها ، فاذا جوزنا الانحطاط في صفة النبوة كان حالها حال غيرها من

٢٨٦

نعم لو كانت النبوة من المناصب المجعولة وكانت كالولاية ، وإن كان لا بد في إعطائها من أهلية وخصوصية يستحق بها لها (١) ، لكانت موردا

______________________________________________________

الصفات الحسنة الاخرى التي تحصل بالرياضات والمجاهدات ((و)) لكنها مع ذلك لا يجري الاستصحاب فيها وان فرض تحقق الشك كما انه لا يجري الاستصحاب في ساير الصفات الاخرى مع تحقق الشك ، وذلك لاجل ((عدم اثر شرعي مهم لها)) حتى ((يترتب عليها ب)) واسطة ((استصحابها)) لما عرفت من انه ليس هناك اثر شرعي غير النذر وهو غير مهم.

(١) توضيحه : ان النبوة من المناصب المجعولة هي كونها بمعنى كون النبي مبلغا لاحكام الله ، فالنبي بهذا المعنى هو من باب فعيل بمعنى فاعل ، ومن الواضح ان كون النبي مرسلا ومبعوثا لتبليغ احكام الله ـ عزوجل ـ ومعارفه هو من الامور المجعولة والمناصب المنوطة بجعله له مبلغا عنه تعالى ومرسلا من قبله ومبعوثا لخلقه ، وتكون حال النبوة بهذا المعنى الثاني بعد ما عرفت من كونها من المناصب المجعولة حال غيرها من الامور المجعولة مثل الولاية والقضاوة.

ولا يخفى ان النبوة بهذا المعنى الثاني وان كانت من المناصب المجعولة ، إلّا انه لا بد من اعطائها لمن له صفة النبوة بالمعنى الاول للزوم الاهلية لجعل هذا المنصب ، ومن ليس له صفة النبوة بالمعنى الاول لا يكون اهلا لان يجعل له منصب المبلغية عن الله لاحكامه ولمعارفه تعالى شأنه. وقد اشار الى كون النبوة بالمعنى الثاني من المجعولات الشرعية لا من الامور التكوينية بقوله : ((نعم لو كانت النبوة من المناصب المجعولة)) ، واشار الى ان النبوة المجعولة هي كسائر الامور المجعولة الأخر بقوله : ((وكانت كالولاية)) ، واشار الى انه لا بد من اعطائها لمن كانت له النبوة بالمعنى الاول بقوله : ((وان كان لا بد في اعطائها من اهلية وخصوصية)) لمن اعطيت له ((يستحق بها)) أي يستحق بواسطة تلك الخصوصية والاهلية ((لها)) أي لهذه النبوة

٢٨٧

للاستصحاب بنفسها ، فيترتب عليها آثارها ولو كانت عقلية بعد استصحابها ، لكنه يحتاج إلى دليل كان هناك غير منوط بها ، وإلا لدار ، كما لا يخفى (١).

______________________________________________________

المجعولة ، لما عرفت من ان اعطاء صفة المبلغية لا بد فيها من كون المبلغ اهلا لهذه الصفة وهذا المنصب.

(١) لا يخفى ان النبوة بالمعنى الثاني التي قد عرفت انها منصب مجعول شرعي لا مانع من جريان الاستصحاب فيها عند فرض الشك.

ولتوضيح ذلك نقول : ان الشك : تارة في نفس النبوة ، واخرى في احكامها.

والشك في نفس النبوة : تارة لاحتمال الانحطاط مع العلم بالحياة ، وهذا لا يعقل في النبوة المجعولة لانه بعد ان كانت النبوة هي كون النبي مبلغا عن الله ، فمع فرض انحطاطه عن درجة التبليغ يجب على الله اعلام خلقه بذلك.

واخرى لاحتمال الموت ، فان كان الاستصحاب لاجل ترتب محض عقد القلب على هذه النبوة فلا مجال للاستصحاب ، لوضوح وجوب عقد القلب على نبوة النبي في حال العلم بموت النبي ، وان كان الاستصحاب لاجل ترتب وجوب التصديق بما يأتي به النبي فلا مجال له ايضا ، لان ما كان قد اتى به يجب الاخذ به في حال العلم بالموت ، وما كان لم يأت به فلا مجال لجعل التصديق به ، لانه يتوقف على العلم بحياته.

وثالثة : يكون الشك في النبوة لاحتمال نسخ شريعة النبي الذي كان بشريعة اخرى لنبي آخر بعده فتستصحب النبوة لاجل ترتيب عدم نسخها ... ففيه :

أولا : ان الشك في بقاء النبوة وعدم نسخها مرجعه الى استصحاب احكام شريعة ذلك النبي ، وسيأتي الكلام فيه.

وثانيا : ان استصحاب النبوة : تارة يكون ممن يشك في نبوة هذا النبي الثاني الذي جاءت شريعته ناسخة لشريعة النبي السابق ، كمثل الكتابي الشاك في نبوة محمد

٢٨٨

.................................................................................................

______________________________________________________

صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا يصح للكتابي كاليهودي ـ مثلا ـ استصحاب بقاء نبوة موسى لاجل التعبد ببقائها وعدم نسخها عند شكه في نسخها ، لاجل احتمال صحة نبوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي كانت شريعته ناسخة لشريعة موسى ، لان تمسكه بالاستصحاب يتوقف على الجعل الشرعي للاستصحاب ، وجعله اما ان يكون في شريعة موسى او في شريعة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا يعقل ان يصح للكتابي ان يتمسك بالاستصحاب المجعول في شريعة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لفرض عدم ثبوت نبوته عنده ، ولا يعقل ايضا ان يصح له ان يتمسك بالاستصحاب المجعول في نبوة موسى لانه دوري ، حيث انه بعد ان كان يحتمل نسخ شريعة موسى التي من جملة احكامها نفس حجية الاستصحاب ، فيكون تمسكه بالاستصحاب المحتمل نسخه لاثبات عدم نسخه وعدم نسخ غيره من الأحكام من الدور الواضح ، لان حجية الاستصحاب في شريعة موسى تتوقف على عدم نسخ شريعته الى من جملتها نفس حجية الاستصحاب ، فتمسك الكتابي بحجية الاستصحاب يتوقف على ثبوت عدم نسخ شريعة موسى ، فاذا كان ثبوت عدم نسخ شريعة موسى بالاستصحاب كان معناه توقف ثبوت عدم نسخ شريعة موسى على الاستصحاب ، فتكون حجية الاستصحاب متوقفة على ثبوت عدم النسخ وعلى جميع ما يتوقف عليه ثبوت عدم النسخ ، فاذا كان ثبوت عدم النسخ متوقفا على نفس حجية الاستصحاب كانت حجية الاستصحاب متوقفة على ما يتوقف عليها وهو الدور ، لان لازم ذلك توقف حجية الاستصحاب على نفس حجية الاستصحاب ، وتوقف الشيء على نفسه هو الدور وهو محال واضح المحالية.

هذا ، مضافا الى ان النبوة بالمعنى الثاني من المجعولات الشرعية ، فالشك في بقائها من الشك في الشبهة الحكمية ، ولا يجوز الرجوع الى الاستصحاب ولا الى غيره من الاصول في مقام الشك في الشبهة الحكمية ، الا بعد الفحص واليأس عن الظفر بالدليل ، فيجب على الكتابي ان يفحص أولا ، ولا يجوز له الرجوع قبل الفحص الى

٢٨٩

.................................................................................................

______________________________________________________

التمسك باستصحاب بقاء نبوة موسى وعدم نسخها ، ومن البديهي انه متى فحص تثبت عنده نبوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويحصل له القطع بنسخ شريعة موسى.

هذا مع ان الكلام في رجوع الكتابي الى الاستصحاب قبل الفحص ، وقد عرفت عدم جواز رجوع الكتابي الى الاستصحاب قبل الفحص ، لان فرض المحاججة كانت هي دعوى رجوع الكتابي الى الاستصحاب قبل الفحص لمجرد الشك في نسخ شريعة موسى عليه‌السلام فإن المنقول في محاججة الكتابي مع الفاضل ان دعوى الكتابي كانت هي الرجوع الى الاستصحاب قبل الفحص.

واخرى يكون المستصحب للنبوة السابقة هو المسلم ، ومن البين عدم جريان الاستصحاب في النبوة لاجل ترتب عدم نسخها من المسلم المتيقن بنبوة محمد الناسخة لشريعة موسى.

فاتضح من جميع ما ذكرنا : ان استصحاب النبوة لا مانع من جريانه في نفس النبوة بالمعنى الثاني لانها بنفسها من المجعولات الشرعية ، إلّا انه حيث كان جريان الاستصحاب يتوقف على الشك اللاحق وعلى وجود اثر للاستصحاب ، وقد عرفت انه من جهة احتمال الانحطاط لا شك لوجوب اعلام الله لخلقه بالانحطاط ، ومن جهة احتمال الموت لا اثر لوجوب عقد القلب حتى مع العلم بموت النبي ولا من حيث التصديق فيما أتى به ، ومن جهة احتمال النسخ لا مجرى للاستصحاب من الكتابي للزوم الدور ووجوب الفحص ، ولا من المسلم لاعترافه بالنسخ وعدم شكه فيه.

والى ما ذكرنا اشار بقوله : ((لكانت موردا)) أي ان جريان الاستصحاب في نفس النبوة بالمعنى الثاني حيث كانت بنفسها من المناصب المجعولة الشرعية لا مانع من كونها ((موردا للاستصحاب بنفسها فيترتب عليها)) أي على استصحابها ((آثارها)) الشرعية كوجوب عقد القلب بل ((ولو كانت آثارها عقلية)) كمثل وجوب اطاعة النبي فيما جاء به ((بعد)) جريان ((استصحابها لكنه)) قد عرفت انه بالنسبة الى جهة الانحطاط لا شك ، وبالنسبة الى جهة الموت لا اثر ، وبالنسبة الى عدم النسخ

٢٩٠

وأما استصحابها بمعنى استصحاب بعض أحكام شريعة من اتصف بها ، فلا إشكال فيها كما مر (١).

______________________________________________________

لا يتأتى من الكتابي لانه ((يحتاج)) جريان الاستصحاب من الكتابي ((الى دليل كان هناك غير منوط بها)) أي غير منوط بنفس الشريعة التي احتمل نسخها ((وإلّا لدار)) ومن المسلم لا شك لاعترافه بالنسخ ((كما لا يخفى)).

(١) قد عرفت ان الكلام : تارة في استصحاب نفس النبوة بالمعنى الثاني ، وقد عرفته مفصلا.

واخرى يكون في استصحاب احكامها ، واستصحاب احكامها : تارة يكون المراد استصحاب بعض احكامها ، وقد مر الكلام فيه في التنبيه السادس مفصلا ايضا. واما استصحاب جميع احكامها فقد عرفت ان استصحاب عدم نسخها اصلا مرجعه الى استصحاب جميع احكامها.

وقد ظهر مما ذكرنا انه لا يجري الاستصحاب في جميع احكامها فيثبت به انها باقية بجميع احكامها ، لان من جملة احكامها نفس الاستصحاب ، واثبات الاستصحاب لجميع احكامها المتوقف على ثبوت نفس الاستصحاب ـ لانه من جملة احكامها ـ دوري ، لان حجية الاستصحاب تتوقف على ثبوت جميع احكام الشريعة السابقة ، فاذا توقف ثبوت جميع الاحكام على حجية الاستصحاب كانت حجية الاستصحاب لجميع الاحكام متوقفة على نفسها وهو دور بين.

لا يقال : ان حجية الاستصحاب لا تتوقف على ثبوت جميع الاحكام في الشريعة السابقة ، بل السبب في حجية الاستصحاب هو العلم الاجمالي بثبوت ما يدل بالفعل على حجية الاستصحاب ، وذلك الدليل اما هو بقاء الشريعة السابقة وعدم نسخها ، او لثبوت حجيته في هذه الشريعة اللاحقة ، فيعلم بحجيته على كل حال وان كان السبب لحجيته غير معلوم بالتفصيل ، وكون الدليل على ثبوت شيء معلوما

٢٩١

ثم لا يخفى أن الاستصحاب لا يكاد يلزم به الخصم ، إلا إذا اعترف بأنه على يقين فشك ، فيما صح هناك التعبد والتنزيل ودل عليه الدليل كما لا يصح أن يقنع به إلا مع اليقين والشك والدليل على التنزيل (١).

______________________________________________________

بالاجمال لا ينافي العلم التفصيلي بحجية المدلول ، فحجية الاستصحاب معلومة تفصيلا لهذا العلم الاجمالي ، ولا تتوقف على ثبوت جميع احكام الشريعة السابقة.

فانه يقال : ان هذا العلم الاجمالي لا يوجب حجية الاستصحاب ، لانه اما دوري ، او يلزم من وجوده عدمه.

وتوضيح ذلك : ان اثبات هذا العلم الاجمالي لحجية الاستصحاب الجاري في أحكام الشريعة السابقة غير معقول ، لان حجية هذا الاستصحاب ان كان لبقاء جميع أحكام الشريعة السابقة قطعا فانه مفروض العدم ، لان المفروض الشك في ثبوت جميع احكام الشريعة السابقة وانما يراد اثباتها بواسطة الاستصحاب ، فيلزم الدور ان كان حجية الاستصحاب بالشريعة السابقة ، وان كان بواسطة الشريعة اللاحقة فحيث كان لازم ثبوت الشريعة اللاحقة نسخ احكام الشريعة السابقة يكون لازم حجية هذه الشريعة عدم جريان الاستصحاب لاثبات جميع احكام الشريعة السابقة ، لفرض نسخها بهذه الشريعة ، فحجية هذا الاستصحاب مقطوعة العدم بالفعل ، اما لعدم ثبوت الدليل عليها الا بنفس الاستصحاب فيلزم الدور ، او لثبوت دليل يقتضي عدم جريان هذا الاستصحاب فيلزم من جريان الاستصحاب في جميع احكام الشريعة السابقة عدم جريانه.

(١) لا يخفى ان السبب لعقد هذا التنبيه هو ما حكاه في القوانين من محاججة جرت بين كتابي وبعض السادة الافاضل ، فتمسك الكتابي لصحة بقائه على شريعة موسى بالاستصحاب فأفحم السيد الفاضل ، وقد عرفت من جميع ما ذكرنا انه لا يصح التمسك بالاستصحاب من الكتابي لا في اصل نبوة موسى في مقام احتمال نسخها ، ولا في جميع احكامها ايضا لاحتمال النسخ ، لا من باب الجدل والزام المسلم بلزوم

٢٩٢

.................................................................................................

______________________________________________________

البقاء على شريعة موسى عليه‌السلام ولا البقاء على جميع احكامها ، ولا من باب اقناع نفسه بلزوم بقائه هو عليها وعدم اخذه بشريعة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

اما عدم صحته من باب الجدل والزام الخصم فلما مرت الاشارة اليه ، من ان المسلم المعترف بنبوة محمد لا يشك في نسخ شريعة موسى ، وجريان الاستصحاب متقوم بالشك اللاحق ، ولا شك لاحق عند المسلم بل هو متيقن بنسخ اصل شريعة موسى ونسخ مجموع احكامها ، فاذا قال الكتابي للمسلم : ايها المسلم حيث تقول بحجية الاستصحاب فعليك ان تتمسك ببقاء نبوة موسى وعدم نسخها وبقاء جميع احكامها ، فان المسلم يقول له : انه قد ثبتت عندي نبوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهي ناسخة لنبوة موسى ولمجموع احكامها ، فلا شك في عدم نسخها ولا شك عندي في عدم نسخ مجموع احكامها ، والاستصحاب يتقوم جريانه بالشك ، وحيث لا شك عندي فلا اجري الاستصحاب.

واما عدم صحة الاستصحاب من باب الإقناع : أي لا يصح للكتابي في مقام اقناع نفسه لبقائه على عدم نسخ شريعة موسى ولبقائه على جميع أحكام شريعة موسى عليه‌السلام ، بان يتمسك باستصحاب عدم نسخ شريعة موسى وبقاء جميع احكامها ، فلما عرفت ـ ايضا ـ مما مر من انه لا يصح للكتابي في مقام شكه في بقاء شريعة موسى وبقاء جميع احكامها لاحتمال نسخها ان يتمسك بالاستصحاب ويقتنع بهذا الاستصحاب ، لان اجراء الكتابي الاستصحاب دوري أولا ، ولانه لا وجه لرجوع الكتابي الى الاستصحاب لان الشبهة حكمية ، ولا يجوز الرجوع فيها الى الاستصحاب قبل الفحص واليأس عن الدليل.

وقد اشار الى عدم امكان الزام المسلم باستصحاب بقاء شريعة موسى بجميع احكامها لان الاستصحاب متقوم بالشك ، ولا شك للمسلم بل هو متيقن بعدم بقائها وبنسخها من حيث مجموع احكامها بقوله : ((ثم لا يخفى ان الاستصحاب لا يكاد يلزم به الخصم إلّا اذا اعترف)) الخصم ((بانه على يقين فشك)) والمسلم لا شك له

٢٩٣

ومنه انقدح أنه لا موقع لتشبث الكتابي باستصحاب نبوة موسى أصلا ، لا إلزاما للمسلم ، لعدم الشك في بقائها قائمة بنفسه المقدسة ، واليقين بنسخ شريعته ، وإلا لم يكن بمسلم ، مع أنه لا يكاد يلزم به ما لم يعترف بأنه على يقين وشك ، ولا اقناعا مع الشك ، للزوم معرفة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالنظر إلى حالاته ومعجزاته عقلا ، وعدم الدليل على التعبد بشريعته لا عقلا ولا شرعا ، والاتكال على قيامه في شريعتنا لا يكاد يجديه إلا على نحو محال (١) ، ووجوب العمل بالاحتياط عقلا في حال

______________________________________________________

فلا يكون معترفا بجريان الاستصحاب لعدم تحقق احد اركانه وهو الشك اللاحق. واشار الى ان المورد دوري وانه مما يجب فيه الفحص فلا يجري الاستصحاب لو فرض هناك شك بقوله : ((فيما صح هناك التعبد والتنزيل ودل عليه الدليل)) وبعد كون المورد دوريا وانه مما يجب فيه الفحص فلا دلالة لادلة الاستصحاب ، لان جريانه مستلزم للدور ولانها مقيدة بالفحص واليأس عن الظفر بالدليل ، ولذلك فرع عليه انه لا وجه لاجراء الكتابي الاستصحاب ايضا في مقام اقناع نفسه بقوله : ((كما لا يصح ان يقنع به الا مع اليقين والشك و)) وجود ((الدليل على التنزيل)) وقد عرفت ان الدليل دوري أولا ، ومقيد بالفحص ثانيا.

(١) يشير الى المحاججة وتشبث الكتابي فيها بالاستصحاب ، وقد عرفت مما ذكرنا انه لا يصح للكتابي التمسك بالاستصحاب لا في مقام الالزام والجدل ، ولا في مقام عمل نفسه ، ولذا قال (قدس‌سره) : ((ومنه)) أي ومما ذكر ((انقدح انه لا موقع لتشبث الكتابي باستصحاب)) بقاء ((نبوة موسى)) وبقاء جميع احكامها ((اصلا لا)) من باب الجدل ((الزاما للمسلم لعدم الشك في بقائها)) فان المسلم يعتقد بقاء نبوة موسى بالمعنى الاول وهي كونها صفة ((قائمة بنفسه المقدسة و)) لا شك للمسلم في عدم بقاء شريعة موسى عليه‌السلام ، لان المسلم معترف بنبوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فله ((اليقين بنسخ شريعته)) أي شريعة موسى عليه‌السلام ((وإلّا لم يكن بمسلم مع انه)) أي مع ان

٢٩٤

عدم المعرفة بمراعاة الشريعتين ما لم يلزم منه الاختلال ، للعلم بثبوت إحداهما على الاجمال (١) ، إلا إذا علم بلزوم البناء على الشريعة السابقة

______________________________________________________

المسلم ((لا يكاد يلزم به)) أي بهذا الاستصحاب ((ما لم يعترف)) المسلم ((بانه على يقين وشك)) فاذا الزمه الكتابي باستصحاب نبوة موسى ، يقول له : ان الاستصحاب متقوم بالشك ولا شك لي في بقائها بل انا معتقد بنسخها. واشار الى عدم صحة تشبث الكتابي بهذا الاستصحاب في مقام اقناع نفسه ايضا بقوله : ((ولا اقناعا مع الشك)) لان الكتابي المحتمل لنسخ شريعة موسى عليه‌السلام بشريعة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وان كان له شك في البقاء ، إلّا انه لا وجه لرجوعه الى الاستصحاب في مورد هذا الشك لان الشبهة حكمية يجب فيها الفحص والنظر فيما يدعيه محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من النبوة ، فان العقل يلزمه بالفحص عنه وبأن ينظر الى معجزاته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فليس للكتابي الرجوع الى استصحاب بقاء نبوة موسى قبل الفحص عما يدعيه محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. والى هذا اشار بقوله : ((للزوم معرفة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالنظر الى حالاته ومعجزاته عقلا)) أي ان العقل يلزم بالنظر الى معجزة مدعى النبوة. واشار الى ان حجية الاستصحاب ليست عقلية بل هي شرعية ، والدليل عليها ان كان ما دل على حجية الاستصحاب في شريعة موسى فلازمه الدور ، وان كان ما دل عليه في شريعة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيلزم من وجوده عدمه بقوله : ((وعدم الدليل على التعبد بشريعته)) التي هي شريعة موسى لا تحقق له ((لا عقلا)) لعدم الدليل العقلي على بقاء شريعة موسى وعدم نسخها ((ولا شرعا)) لما عرفت من لزوم الدور فيما اذا كان الدليل على الاستصحاب ما كان دالا على حجيته في شريعة موسى ((والاتكال)) في حجيته ((على)) ما كان ((قيامه في شريعتنا لا يكاد يجديه)) أي لا يكاد يجدي الكتابي الاتكال عليه ((الا على نحو محال)) لانه يلزم من وجوده عدمه.

(١) حاصله : ان الكتابي يجب عليه عقلا الفحص أولا ، فلو فرضنا انه فحص ولم يحصل له اليقين والمعرفة بنبوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فليس له الرجوع الى الاستصحاب ، لعلمه

٢٩٥

ما لم يعلم الحال (١).

الثالث عشر : إنه لا شبهة في عدم جريان الاستصحاب في مقام مع دلالة مثل العام ، لكنه ربما يقع الاشكال والكلام فيما إذا خصص

______________________________________________________

الاجمالي بحقية احدى الشريعتين ، فيجب العمل بالاحتياط ما لم يلزم الاختلال للنظام ، دون الحرج لان رفع الحرج يحتاج الى دليل شرعي ، فيعود المحذور من لزوم الدور او المحال المذكور من الاخذ بما يلزم من وجوده عدمه ، ولذا قال (قدس‌سره) : ((ووجوب العمل بالاحتياط عقلا)) على الكتابي ((في حال عدم المعرفة بمراعاة)) ما ورد في ((الشريعتين)) والاخذ بما هو موافق للاحتياط منهما ((ما لم يلزم منه الاختلال)) بالنظام. واشار الى الوجه في لزوم هذا الاحتياط عليه بقوله : ((للعلم بثبوت احداهما على الاجمال)).

(١) هذا استثناء مما ذكره من ان حكم الكتابي هو الاحتياط حيث لا يعلم الحال له.

وحاصل هذا الاستثناء : انه اذا علم بدليل خاص ان في دور الفحص لا يجب الاحتياط على الفحاص بل له البناء على عمله السابق ، فحينئذ يصح للكتابي من باب الاقناع لنفسه في مقام عمله ان يعمل على الشريعة السابقة حتى يتضح له الحال ... ولكن يمكن ان يقال : انه من اين يحصل له العلم بذلك ، والحال ان جواز البقاء ليس حكما عقليا ، بل هو حكم شرعي ظاهري لا بد من ان يقوم عليه دليل في احدى الشريعتين ، وليس للكتابي دليل عليه ، لان دليل هذا الحكم ان كان في شريعة موسى فحيث انه يحتمل النسخ فيكون تمسكه بالبقاء اتكالا على شريعة موسى دوريا كما عرفت ، وان كان للاتكال على شريعة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلازمه انه يلزم من وجوده عدمه ، وليس للعلم الاجمالي في هذا المقام قابلية التأثير كما عرفت مما مر.

فاتضح : انه ليس للكتابي في مقام الفحص الا العمل بالاحتياط.

٢٩٦

في زمان في أن المورد بعد هذا الزمان مورد الاستصحاب أو التمسك بالعام (١).

______________________________________________________

(١) لا شبهة في انه اذا كانت للعام دلالة على حكم فلا بد من اتباع العام فيما دل عليه من الحكم ، ولا يرجع الى الاستصحاب لانه من الاصول ، ولا يرجع الى الاصل حيث يوجد الدليل على الحكم.

ومورد الكلام في هذا التنبيه انه لو خصص العام بمخصص في زمان ، فهل المرجع فيما بعد ذلك الزمان هو العام او استصحاب حكم المخصّص؟ كما في مثل اوفوا بالعقود وهو عام يدل على الوفاء بكل عقد ، والبيع احد العقود فيشمله عموم اوفوا بالعقود ، فيدل على وجوب الوفاء بعقد البيع ، فاذا خصّص عقد البيع بخيار الغبن ـ مثلا ـ الدال هذا الخيار على عدم وجوب الوفاء بالعقد من المغبون لوضوح انه يجوز له فسخه ونقضه ، فلا يجب عليه الوفاء به ، ففيما لو استفيد من دليل خيار الغبن الفورية ، فاذا انقضى زمان الفورية ولم يفسخ المغبون ... فهل يرجع الى العام فيما بعد زمان الفورية؟ فلا يكون للمغبون حق الفسخ ، لان اوفوا بالعقود الذي هو العام يدلّ على اللزوم وعدم جواز نقض العقد بالفسخ ، خرج عنه جواز الفسخ للغبن في ظرف الفورية ، ويبقى ما بعد زمان الفورية داخلا في العام وهو اوفوا بالعقود ، فلا يصح الفسخ من المغبون بعد انقضاء زمان الفورية ... او يرجع الى استصحاب حكم الخاص المخصص للزوم الوفاء بالعقد وهو خيار الغبن في مدة زمان الفورية؟ وحيث لا دلالة للخاص على غير زمان الفورية ، ففي الزمان المتصل بزمان الفورية وما بعده من الأزمنة يستصحب جواز الفسخ ، لانقطاع دلالة العام بالتخصيص.

وتوضيح الحال في هذه المسألة ينبغي بيان امور ايضاحا للمقام :

الاول : انه قد يكون للعام دلالة على ملاحظة قطع الزمان بنحو ان يكون وجوب الوفاء قد كان ثبوته لكل فرد من افراد هذا العام في كل زمان من الازمنة ، فيكون

٢٩٧

.................................................................................................

______________________________________________________

كل عقد من العقود في كل قطعة من الزمان ثابتا له وجوب الوفاء ، ومعنى هذا هو ان الموضوع للحكم الذي هو وجوب الوفاء هو كل فرد من افراد هذا العام : أي كل عقد من العقود المقيد كل واحد من هذه العقود بكل قطعة من قطع الزمان.

والمتحصل من هذا هو ان العام يكون دالا على ثبوت وجوب الوفاء لكل واحد من العقود في كل زمن من الازمنة ، وعلى هذا فيكون للعام دلالتان من حيث العموم أي له عمومان : عموم افرادي من جهة افراد العقود كعقد البيع وعقد الاجارة والصلح وغيرها من ساير العقود ، وعموم ازماني أي عموم افرادي ـ ايضا ـ من ناحية افراد قطع الزمان ... وقد يكون للعام عموم ازماني وان لم يكن الزمان قد لحظ بنحو يكون قيدا للموضوع ، بان يكون الملحوظ قطع الزمان بنحو ان تكون كل قطعة من الزمان ظرفا للحكم ، فان قطع الزمان بحسب هذا اللحاظ وان لم تكن قيدا للموضوع لفرض كون لحاظها بنحو كونها ظرفا ، لكنه حيث لحظ الزمان بما هو ظروف متعدّدة فلازمه ايضا العموم الازماني وتعدد الحكم بحسب تعدد قطع الزمان ، لان لازم تعدّد الظروف التي هي قطع الزمان تعدد المظروف وهو الحكم ، فيتعدّد الحكم بحسب تعدد قطع الزمان ، ولا فرق بين كون الزمان قيدا للموضوع ، وبين كونه ملحوظا ظرفا ولكن بنحو التعدّد.

الثاني : ان الزمان قد يلحظ لا قيدا للموضوع ولا بنحو كونه ظرفا بنحو التعدّد ، بل يلحظ ظرفا للحكم بنحو الوحدة ، فيلحظ الزمان المستمر بنحو كونه واحدا ظرفا للحكم ، وليس المراد من لحاظه بهذا النحو الثالث هو ان يكون للحكم الذي كان هذا الزمان الواحد ظرفا له اطاعة واحدة وعصيان واحد ، لوضوح انه لو لحظ الزمان الواحد المستمر ظرفا لوجوب الوفاء بكل فرد من افراد العقود لا يكون لازمه ان يكون لهذا الوفاء في مجموع هذا الزمان الواحد اطاعة واحدة وعصيان واحد ، بل لو وفى بالعقد في زمان من ازمنة هذا الواحد المستمر ولم يف بذلك العقد في زمان

٢٩٨

.................................................................................................

______________________________________________________

آخر من ازمنة هذا الزمان الواحد المستمر ، كان مطيعا في الزمان الذي وفى به ، وعاصيا في الزمان الذي لم يف به.

فالفرق بين هذا النحو الثالث من لحاظ الزمان وهو لحاظه بنحو الواحد المستمر ، وبين لحاظه قطعا قطعا سواء كان بنحو قيد الموضوع كما في الاول ، او بنحو الظروف المتعددة كما في الثاني : هو انه في مقام الاثبات قد لحظ الزمان بنحو الطبيعي ظرفا للحكم الملحوظ بنحو الطبيعي في هذا النحو الثالث ، وفي النحوين السابقين يكون الحكم والزمان قد لحظا بنحو التعدد في مقام الاثبات ، واما في مقام الثبوت فلا فرق بين هذه الانحاء الثلاثة ، من حيث انه للوفاء بالعقد اطاعات متعددة وعصيانات كذلك.

الثالث : انه قد ظهر مما ذكرنا انه لا ينبغي الاشكال في الرجوع الى العام دون الاستصحاب ، فيما اذا كان الزمان قد لحظ بنحو التعدد سواء بنحو القيديّة للموضوع او بنحو تعدد الظروف ، لان للعام الملحوظ بهذين النحوين يكون له افراد متعددة بمقدار تعدد قطع الزمان ، فاذا خرج منه فرد ـ قطعة من الزمان ـ لاجل التخصيص تكون افراد قطع الزمان الباقية مشمولة للعام ، ومتى كانت للعام دلالة لا يرجع الى الاستصحاب.

وقد ظهر ايضا : انه ليس من محل النزاع ـ ايضا ـ ما اذا لحظ الزمان ظرفا بنحو ان يكون له اطاعة واحدة وعصيان واحد ، فان الاطاعة في مثل هذا اللحاظ باتيانه مرة واحد في ضمن مجموع هذا الزمان ، وعصيانه يكون بتركه في مجموع هذا الزمان ، لبداهة انه لو وجب اكرام زيد ـ مثلا ـ في مجموع يوم الجمعة بنحو يكون اطاعة هذا الوجوب باكرام زيد في أي ساعة من ساعات هذا اليوم الواحد ، وعصيانه بترك اكرامه في مجموع هذا اليوم ، فلو خصّص هذا الوجوب بعدم وجوب اكرام زيد في ساعة معينة من اثناء ساعات هذا اليوم ، كما لو كان الدليل الخاص دالا على عدم وجوب اكرام زيد في خصوص ساعة الزوال من يوم الجمعة ، فان هذا العام يكون

٢٩٩

.................................................................................................

______________________________________________________

هو المرجع في وجوب اكرامه فيما بعد ساعة الزوال لا الاستصحاب. ومحل الاشكال هو ما اذا كان العام الشامل للافراد قد لحظ الزمان فيه بنحو الظرف الواحد المستمر في مقام الاثبات ، كما في مثل اوفوا بالعقود الشامل لجميع افراد العقود التي من جملتها عقد البيع مثلا ، وقد لحظ الزمان لوجوب الوفاء بنحو الواحد المستمر ، وذلك بان يكون العام له عموم يشمل هذا العقد وغيره من العقود كاوفوا بالعقود ، فان اوفوا بالعقود له عموم يشمل كل عقد ، وان لكل عقد زمانا يكون فيه وجوب الوفاء به ، وهذا الزمان قد لحظ بنحو الواحد المستمر ظرفا للعقد ، لا بنحو أن يكون كل قطعة منه قيدا للموضوع ، ولا بنحو ان يكون كل قطعة منه ظرفا للعقد غير القطعة الاخرى ، ولا بنحو ان يكون له اطاعة واحدة وعصيانات متعددة ، بل بمحض ان يكون واحدا مستمرا للعقد من دون أي واحد من هذه اللحاظات ، وهذا هو المراد بالواحد المستمر في مقام الاثبات ، أي لا يكون له في مقام الاثبات غير كونه بنحو الواحد المستمر ، من دون تصريح باحد اللحاظات المذكورة ، فاذا جاء التخصيص لعقد البيع بعدم وجوب الوفاء به لواحد من الخيارات ، لبداهة انه في زمان ثبوت الخيار لا وجوب للوفاء بعقد البيع ، فهل يرجع الى العام فيما عدا زمان الخيار فيجب الوفاء ، او يرجع الى استصحاب حكم المخصص فلا يجب الوفاء؟ ولازم الرجوع الى العام هو لزوم العقد ، ولازم الرجوع الى استصحاب حكم المخصص هو عدم لزوم العقد.

الرابع : ان الاقوال في العام المخصص ثلاثة : الاول : قول الشيخ الاعظم ، وحاصله : ان العام ان كان له عموم ازماني يكون هو المرجع بعد زمان التخصيص ، بان يكون له دلالة على لحاظ قطع الزمان في مقام الاثبات ، واذا لم يكن له عموم ازماني كما اذا لوحظ الزمان فيه بنحو الواحد المستمر في مقام الاثبات فالمرجع هو استصحاب حكم المخصص.

٣٠٠