بداية الوصول

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي

بداية الوصول

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي


المحقق: محمّد عبدالحكيم الموسوي البكّاء
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار الهدى
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٢
ISBN: 964-497-064-0
ISBN الدورة:
964-497-056-X

الصفحات: ٤٢١

أحدهما ، فتارة يكون المستصحب في أحدهما من الآثار الشرعية للمستصحب الآخر ، فيكون الشك فيه مسببا عن الشك فيه ، كالشك في نجاسة الثوب المغسول بماء مشكوك الطهارة وقد كان طاهرا ، وأخرى لا يكون كذلك. فإن كان أحدهما أثرا للآخر ، فلا مورد إلا للاستصحاب في طرف السبب ، فإن الاستصحاب في طرف المسبب موجب لتخصيص الخطاب ، وجواز نقض اليقين بالشك في طرف السبب بعدم ترتيب أثره الشرعي ، فإن من آثار طهارة الماء طهارة الثوب المغسول به ورفع نجاسته ، فاستصحاب نجاسة الثوب نقض لليقين بطهارته ، بخلاف استصحاب طهارته ، إذ لا يلزم منه نقض يقين بنجاسة

______________________________________________________

احدهما اهم فلازم الحكم بابقائه هو تقديمه على ابقاء المهم ، فالاستصحاب كما يثبت به بقاء الوجوب المستصحب كذلك يثبت به مرتبة الوجوب المستصحب ، لانه كما يلزم البناء على الوجوب ابقاء له في حال الشك ، كذلك يلزم الحكم باهميته ابقاء له ايضا في حال الشك ، ولذلك كان الوجوب الاستصحابي في حال الشك تابعا للوجوب الواقعي المتيقن.

وعلى كل فقد ظهر ان تعارض الاستصحابين في المثال المذكور هو من ناحية عدم القدرة ، وقد اشار الى ذلك بقوله : ((فالتعارض بين الاستصحابين ان كان لعدم امكان العمل بهما بدون علم بانتقاض الحالة السابقة في احدهما)) فانه لو كان تعارضهما للعلم بانتقاض الحالة السابقة في احدهما كان عدم امكان اجتماعهما لتكاذبهما لا لعدم القدرة على امتثالهما وهو الفرض الآتي. وعلى كلّ فان كان تعارض الاستصحابين لعدم امكان العمل بهما ((كاستصحاب وجوب امرين)) وهو وجوب الانفاق ـ مثلا ـ ووجوب التصدق وقد ((حدث بينهما التضاد)) لعدم القدرة ((في زمان الاستصحاب فهو من باب تزاحم الواجبين)) كما عرفت تفصيله.

٣٨١

الثوب بالشك ، بل باليقين بما هو رافع لنجاسته ، وهو غسله بالماء المحكوم شرعا بطهارته.

وبالجملة فكل من السبب والمسبب وإن كان موردا للاستصحاب ، إلا أن الاستصحاب في الاول بلا محذور ، بخلافه في الثاني ففيه محذور التخصيص بلا وجه إلا بنحو محال ، فاللازم الاخذ بالاستصحاب السببي ، نعم لو لم يجر هذا الاستصحاب بوجه لكان الاستصحاب المسببي جاريا ، فإنه لا محذور فيه حينئذ مع وجود أركانه وعموم خطابه (١).

______________________________________________________

(١) هذا هو الامر الثاني وهو ما كان تعارض الاستصحابين للعلم بانتقاض الحالة السابقة في احد الاستصحابين ، وقد ذكر له في المتن فرعين : الاول : ما كان المستصحب في احدهما من الآثار الشرعية للمستصحب الآخر كما في المثال المذكور في المتن ، وهو ما اذا غسل ثوب نجس بماء مشكوك الطهارة ، فانه بعد غسله بذلك الماء يتعارض الاستصحابان ويعلم بانتقاض الحالة السابقة في احدهما ، فان استصحاب الطهارة في الماء المشكوك الطهارة يقتضي طهارة الماء وتطهير الثوب النجس به ، واستصحاب النجاسة في الثوب بعد غسله بهذا الماء يقتضي نجاسة الثوب ونجاسة الماء الذي غمس الثوب به لاجل ملاقاته للنجس. ومن جهة العلم بانتقاض الحالة السابقة في احدهما يتعارض الاستصحابان ، لانه لو كان استصحاب الطهارة للماء هو الجاري فلازمه طهارة الثوب به وانتقاض حالته السابقة به وهو العلم بنجاسته ، وان كان استصحاب نجاسة الثوب هو الجاري كان مرجعه الى ابقاء نجاسة الثوب وتنجيس الماء به ، ولا يعقل جريانهما معا ولذلك يتعارض الاستصحابان ، هذا اذا غمس الثوب في الماء. واما اذا كان التطهير بالصب فيتعارضان في نجاسة الثوب ، لان استصحاب طهارة الماء ، يقتضي طهارته ، واستصحاب نجاسة الثوب يقتضي نجاسته. وعلى كل حال فيتعارض الاستصحابان لانتقاض الحالة السابقة في

٣٨٢

.................................................................................................

______________________________________________________

احدهما ، فانه لو جرى استصحاب طهارة الماء لانتقضت الحالة في استصحاب نجاسة الثوب ، واذا جرى استصحاب نجاسة الثوب لانتقضت الحالة السابقة في الماء ، لان لازم بقاء نجاسة الثوب عدم بقاء طهارة الماء ، فالاستصحابان متعارضان.

ومختار المصنف في هذا الفرع هو ورود الاستصحاب الجاري في طهارة الماء على الاستصحاب الجاري في نجاسة الثوب ، لانه طهارة الثوب به من آثاره ، بخلاف عدم طهارة الماء فانه ليس من آثار استصحاب نجاسة الثوب.

والوجه في وروده عليه ان الاستصحاب متقوّم بكون الاخذ بالشك نقضا لليقين بالشك. اما اذا كان الاخذ به نقضا لليقين بالحجة فلازمه ارتفاع نقض اليقين حقيقة وهو معنى الورود ، ومن الواضح ان لازم جريان الاستصحاب في طهارة الماء هو كونه حجة على تطهير الثوب به ، فلا يكون الاخذ بطهارة الثوب بعد غسله به من نقض اليقين بالنجاسة بالشك ، بل هو من نقض اليقين بالنجاسة بالحجة على طهارته. ولما كان الموضوع لاستصحاب طهارة الماء يتمّ باليقين السابق والشك اللاحق وعدم قيام الحجة على نقضه ، وهذا الموضوع حاصل بتمامه في استصحاب طهارة الماء لليقين السابق بطهارته والشك اللاحق فيها ، ولم تقم حجة على نقض هذا اليقين ، لانه ليس نجاسة الماء من آثار استصحاب نجاسة الثوب ، فلا يكون استصحاب نجاسة الثوب حجة قائمة على نقض اليقين بطهارة الماء بالحجة. وهذا بخلاف الموضوع في استصحاب نجاسة الثوب ، فانه وان كان فيه يقين سابق وشك لاحق ، الّا ان عدم قيام الحجة على النقض غير متحقق فيه ، لقيام استصحاب طهارة الماء فانه حجة على نقضه ، فتقديم استصحاب طهارة الماء لا يتوقف تحقق الموضوع فيه على شيء ، بخلاف الموضوع في استصحاب نجاسة الثوب فانه يتوقف على عدم جريان استصحاب طهارة الماء ، لانه من آثار جريان استصحاب طهارة الماء تطهيره به وعدم نجاسته بعد تطهيره به ، فالاخذ باستصحاب نجاسة الثوب يتوقف على عدم جريان الاستصحاب في طهارة الماء. وعدم جريان استصحاب طهارة الماء : اما

٣٨٣

.................................................................................................

______________________________________________________

لتخصيصه بلا مخصص وهو باطل ضرورة ، واما لتخصيصه بنفسه الاستصحاب الجاري في نجاسة الثوب ، وتخصيصه به دوري ، لان التخصيص به يتوقف على تحقق موضوعه ، وتحقق موضوعه يتوقف على عدم جريان الاستصحاب في طهارة الماء ، وعدم جريان استصحاب طهارة الماء يتوقف على تخصيصه باستصحاب نجاسة الثوب ، وهذا دور واضح. واما جريان استصحاب طهارة الماء فلا يلزم من جريانه شيء لتمامية موضوعه وعدم توقفه على عدم جريان استصحاب نجاسة الثوب لانه ليس من آثاره.

وبعبارة اخرى : ان الشك في طهارة الماء ليس مسببا عن الشك في نجاسة الثوب ، بخلاف الشك في نجاسة الثوب فانه مسبب عن الشك في طهارة الماء ، لبداهة انه لو كان الماء طاهرا لحصل العلم بطهارة الثوب بعد غسله به ، فالسبب للشك في نجاسة الثوب بعد غسله به هو الشك في طهارة الماء ، فاذا كان الاستصحاب الجاري في طهارة الماء حجة على طهارته فلازمه ارتفاع النقض بالشك في نجاسة الثوب حقيقة ، لان الاخذ بخلاف النجاسة المتيقنة ليس من نقض اليقين بالشك ، بل هو من نقض اليقين بالحجة ، بخلاف الاخذ باستصحاب نجاسة الثوب فانه ليس من آثاره الشك في نجاسة الماء ، فلا يكون الاخذ باستصحاب نجاسة الثوب مما يرتفع به نقض الطهارة السابقة ، بل الاخذ بعدم الطهارة المتيقنة هو من نقض اليقين بالشك.

ومما ذكرنا ظهر وجه تسميته باستصحاب السببي والمسببي ، لانه بعد ان كان تطهير الثوب من آثار طهارة الماء كانت طهارة الماء المستصحبة سببا لطهارة الثوب ، والشك في نجاسة الثوب مسبب عن الشك في طهارة الماء ، ولازم ذلك كون الاستصحاب فيها موجبا لعدم جريان الاستصحاب في نجاسة الثوب كما عرفت.

وقد ظهر ايضا : انه في كلّ مورد كان بين الاستصحابين سببيّة ومسببيّة فالاستصحاب يجري في خصوص السبب دون المسبب لوروده عليه كما عرفت. وقد اشار الى ما ذكرنا بقوله : ((فتارة يكون المستصحب في احدهما من الآثار الشرعية

٣٨٤

.................................................................................................

______________________________________________________

للمستصحب الآخر)) والمراد من كون المستصحب الآخر من آثاره الشرعية هو كون الشك فيه مسببا عن الشك في الآخر كما في نجاسة الثوب وطهارة الماء ، لبداهة انه لو كان الماء معلوم الطهارة لما حصل الشك في نجاسة الثوب بعد غسله به ((فيكون الشك فيه مسببا عن الشك فيه)) لما عرفت من ان لازم كون احدهما بخصوصه من آثار الآخر هو كون الشك فيه ـ أي في المسبب ـ مسببا عن الشك في السبب ((كالشك في)) بقاء ((نجاسة الثوب المغسول بماء مشكوك الطهار وقد كان طاهرا)) ثم شك في طهارته ، فان السب للشك في نجاسة الثوب بعد الغسل بالماء المشكوك الطهارة هو الشك في طهارة الماء.

ثم اشار الى الفرع الثاني الآتي وهو ما اذا علم بانتقاض الحالة السابقة في احدهما ، ولم يكن الشك في احدهما مسببا عن الشك في الآخر ، لانه ليس احدهما بخصوصه من الآثار الشرعية للآخر ، فلا يكون الشك فيه مسببا عن الشك في الآخر بقوله : ((واخرى لا يكون كذلك)) وسيأتي الكلام فيه. ثم اشار الى الحكم فيما اذا كان احدهما اثرا للآخر بقوله : ((فان كان احدهما اثرا للآخر فلا مورد الّا للاستصحاب في طرف السبب)) ولا مجال لجريان الاستصحاب في المسبب ((فان الاستصحاب في طرف المسبب)) لما كان موضوعه متقوّما بعدم الحجة على خلافه يكون جريان الاستصحاب فيه متوقفا على عدم جريان الاستصحاب في السبب ، ولما كانت اركان الاستصحاب في السبب متحققة فلا بد من التخصيص له ، وتخصيصه اما بلا مخصّص ، او بوجه دائر كما عرفت.

فاتضح : ان جريان الاستصحاب في المسبب يتوقف على التخصيص للاستصحاب في السبب ، ولذلك كان الاستصحاب في المسبب موجبا ((لتخصيص الخطاب)) في السبب : أي لا بد من تخصيص لا تنقض الشامل للسبب حتى يكون مجال لجريان الاستصحاب في المسبب ((و)) معنى تخصيص الخطاب في طرف السبب هو ((جواز نقض اليقين بالشك في طرف السبب بعدم ترتيب اثره الشرعي)) لان

٣٨٥

.................................................................................................

______________________________________________________

لازم ترتيب أثره هو عدم جريان الاستصحاب في المسبب ((فان من آثار طهارة الماء)) الذي هو السبب ((طهارة الثوب المغسول به ورفع نجاسته)) في غسله به وانه لا نقض للشك في النجاسة المتيقنة في غسلها به ، بل هو من نقض اليقين بالحجة ، بخلاف الاستصحاب في نجاسة الثوب فانه ليس لازمه انه لا نقض لليقين بالشك في طهارة الماء ، لانه ليس من آثاره ((فاستصحاب نجاسة الثوب نقض لليقين)) بالشك ((ب)) النسبة الى ((طهارته بخلاف استصحاب طهارته اذ لا يلزم منه نقض اليقين بنجاسة الثوب بالشك بل)) يكون نقضها من نقض اليقين ((باليقين)) وهو الحجة القائمة ، فالأخذ باستصحاب طهارة الماء نقض لليقين بنجاسة الثوب ((بما هو)) حجة ((رافع لنجاسته وهو غسله بالماء المحكوم شرعا بطهارته)) لان لازم الحكم بطهارته هو تطهير النجس به ورفعه لنجاسته ((وبالجملة فكلّ من السبب والمسبب وان كان موردا للاستصحاب)) من جهة اليقين والشك ((إلّا ان الاستصحاب في الاول)) وهو السبب يجري ((بلا محذور)) لتمامية موضوعه من غير توقف على عدم جريان الاستصحاب في المسبب ((بخلافه في الثاني)) أي بخلاف جريان الاستصحاب في المسبب ((ففيه محذور التخصيص بلا وجه)) أي اما من غير مخصّص ، او كان بمخصّص الّا ان كونه مخصصا لا يكون ((إلّا بنحو محال)) وهو الدور.

والحاصل : ان الاخذ باستصحاب السبب لازمه التخصّص في طرف المسبب ، لتقوّم موضوع الاستصحاب في المسبب بعدم قيام الحجة في مورده ، ومع قيام الاستصحاب السببي في مورده يكون خروجه عن لا تنقض اليقين بالشك بعدم موضوعه وهو التخصّص ، بخلاف الاخذ بالاستصحاب في المسبب فان لازمه التخصيص ، والتخصيص غير معقول لانه اما بلا مخصّص او بوجه دائر.

وقد ظهر مما ذكرنا : ان المانع من جريان الاستصحاب في المسبب هو جريان الاستصحاب في السبب لانه به يرتفع موضوع الاستصحاب في المسبب ، فاذا لم يجر

٣٨٦

وإن لم يكن المستصحب في أحدهما من الآثار للآخر (١) ، فالاظهر جريانهما فيما لم يلزم منه محذور المخالفة القطعية للتكليف الفعلي المعلوم إجمالا ، لوجود المقتضي إثباتا وفقد المانع عقلا.

______________________________________________________

الاستصحاب في السبب فلا بد عن جريان الاستصحاب في المسبب ، لارتفاع المانع وتحقق اليقين السابق والشك اللاحق فيه.

وبعبارة اخرى : انه اذا لم يجر الاستصحاب في السبب فالموضوع في طرف المسبب يتحقق بجميع شئونه الثلاثة : من اليقين ، والشك ، وعدم قيام الحجة في مورده على خلافه. والى هذا اشار بقوله : ((نعم لو لم يجر هذا الاستصحاب بوجه)) من الوجوه : أي لو لم يجر الاستصحاب السببي بوجه من الوجوه ((لكان الاستصحاب المسببي جاريا فانه لا محذور فيه حينئذ)) أي حين عدم جريان الاستصحاب السببي لا بد ان يجري الاستصحاب المسببي ((مع)) فرض ((وجود اركانه وعموم خطابه)).

(١) هذا هو الفرع الثاني وهو ما اذا كان تعارض الاستصحابين للعلم بانتقاض الحالة السابقة في احدهما ، ولم يكن المستصحب في احدهما من الآثار الشرعية للآخر ، كما لو علم بطهارة اناءين من الماء ثم علم بنجاسة احدهما اجمالا ، فان الاستصحابين متعارضان للعلم بانتقاض الحالة السابقة في احدهما ، لوضوح انه بعد العلم الاجمالي بنجاسة احدهما مجردا لا يمكن جريان الاستصحاب في كليهما ، لان لازم جريانه في كل منهما طهارتهما معا ، وهذا مما يعلم بعدمه ، لوضوح فرض العلم الاجمالي بنجاسة احدهما ، وليس احدهما اثرا شرعيا للآخر ، لبداهة انه ليس لازم طهارة احدهما بالاستصحاب طهارة الآخر.

٣٨٧

أما وجود المقتضي ، فلاطلاق الخطاب وشموله للاستصحاب في أطراف المعلوم بالاجمال (١) ، فإن قوله عليه‌السلام في ذيل بعض أخبار الباب

______________________________________________________

(١) توضيحه : انه قد ذكروا لهذا الفرع فروضا : الاول : ان يكون الاثر لاحدهما دون الآخر ، كما لو علم بنجاسة احد الإناءين ولكن بعد خروج احدهما عن محل الابتلاء ، وقد قالوا انه في هذا الفرض يجري الاستصحاب في الاناء الذي لم يخرج عن محل الابتلاء ، لليقين بطهارته سابقا والشك في نجاسته لاحقا ، ولا مانع من جريان الاستصحاب فيه ، لعدم جريان الاستصحاب في الخارج عن محل الابتلاء ، فانه لا يجري الاستصحاب فيه لعدم الاثر وان كان له يقين سابق وشك لاحق ، وحيث لا يجري فيه الاستصحاب فلا تحصل المعارضة للاستصحاب الجاري في ما كان في محل الابتلاء.

ولكن الانصاف خروج هذا الفرض عن العنوان ، لان العنوان هو تعارض الاستصحابين ، ولما كان الاستصحاب غير جار في احدهما فلا يكون مشمولا للعنوان.

الثاني : ان يترتّب الاثر على كل واحد من الاستصحابين ، ويلزم جريان الاستصحاب في كل منهما مخالفة عملية قطعية ، كما في ما لو علم بطهارة الإناءين ثم علم بنجاسة احدهما ، فان جريان الاستصحاب في طهارة كل منهما لازمه المخالفة العملية القطعية للتكليف الالزامي ، فان التكليف باجتناب النجس تكليف الزامي ، ولازم جريان استصحاب الطهارة في كل واحد من الإناءين هو طهارتهما وجواز ارتكابهما معا ، ولازم ذلك المخالفة العملية القطعية للتكليف الالزامي بوجوب اجتناب النجس المعلوم بالاجمال. واما ارتكاب احدهما فهو وان لم يلزم منه مخالفة قطعية الّا انه يلزم منه مخالفة احتمالية ، والتكليف المعلوم بالاجمال حيث تجب موافقته القطعية فلا يعقل ـ ايضا ـ الترخيص في احد اطرافه.

والحاصل : انه بعد ان كان التكليف المعلوم بالاجمال مما تجب موافقته ، فكما ان جعل الترخيص في كلا الطرفين قبيح للمخالفة القطعية ، فالترخيص في احد الاطراف

٣٨٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ـ ايضا ـ قبيح ، لوضوح منافاة المنع عن ارتكاب النجس المعلوم بالاجمال والترخيص في احد الاطراف مع احتمال كونه هو النجس ، فانه لو كان هو النجس لكان اذنا في ارتكابه ، فكما انه لا يجوز الترخيص في كلا الطرفين للعلم بالمناقضة بين وجوب الاجتناب وجواز الارتكاب ، كذلك لا يجوز الترخيص في احد الاطراف لاحتمال المناقضة ، لان المحال لا بد وان يكون مقطوع العدم.

وقد اتضح مما ذكرنا : ان الوجه في عدم جريان الاستصحاب في الطرفين هو وجود المانع لا عدم المقتضي ، لتحقق اركان الاستصحاب في كل واحد من الطرفين لليقين السابق والشك اللاحق ، وسيأتي الجواب عمّا ذكره الشيخ الاجل في الرسالة ـ من عدم المقتضي ـ في الفرع الآتي.

الثالث : ان يترتّب الاثر على كل واحد من الاستصحابين ، ولا يلزم من جريانهما مخالفة عملية ، كما لو علم بنجاسة الإناءين تفصيلا ثم علم بطهارة احدهما ، فالاظهر جريان الاستصحاب في كلا الطرفين عند الماتن ، لوجود المقتضى وعدم المانع. اما وجود المقتضي فلان كل واحد من الطرفين متيقن سابقا مشكوك لاحقا ، واما عدم المانع فلان المانع هو المخالفة القطعية او الاحتمالية للتكليف الالزامي ، ولما لم تكن الطهارة المعلومة بالاجمال حكما الزاميا فلا مخالفة قطعية ولا احتمالية لتكليف الزامي ، نعم غاية ما يلزم منه المخالفة الالزامية ولا مانع من جهتها كما سيأتي بيانه.

وبعبارة اوضح : ان دليل الاستصحاب هو لا تنقض اليقين بالشك ، ومن الواضح ان كلّ واحد من الطرفين متيقن سابقا ومشكوك لاحقا ، واطلاق قوله عليه‌السلام لا تنقض اليقين بالشك شامل له ، لان قوله لا تنقض اليقين بالشك له اطلاق شامل للفرض ، لجواز ان يصرّح المولى ويقول لا تنقض اليقين بالشك وان كان كل واحد من اطراف المعلوم بالاجمال حيث لا تلزم مخالفة عملية.

٣٨٩

ولكن تنقض اليقين باليقين لو سلم أنه يمنع عن شمول قوله عليه‌السلام في صدره لا تنقض اليقين بالشك لليقين والشك في أطرافه ، للزوم المناقضة في مدلوله ، ضرورة المناقضة بين السلب الكلي والايجاب الجزئي ، إلا أنه لا يمنع عن عموم النهي في سائر الاخبار مما ليس فيه الذيل ، وشموله لما في أطرافه ، فإن إجمال ذاك الخطاب لذلك لا يكاد يسري إلى غيره مما ليس فيه ذلك.

وأما فقد المانع ، فلاجل أن جريان الاستصحاب في الاطراف لا يوجب إلا المخالفة الالتزامية ، وهو ليس بمحذور لا شرعا ولا عقلا (١).

______________________________________________________

وقد اشار الى ما ذكرنا بقوله : ((وان لم يكن المستصحب في احدهما من الآثار للآخر)) كما في السبي والمسببي ((فالاظهر جريانهما)) أي الاظهر جريان الاستصحاب في كلا الطرفين لكنه ((فيما لم يلزم منه محذور المخالفة القطعية للتكليف الفعلي)) الالزامي ((المعلوم اجمالا لوجود المقتضي اثباتا)) وهو اطلاق لا تنقض اليقين بالشك ((وفقد المانع عقلا)) كما سيشير اليه في ذيل عبارته ((اما وجود المقتضي)) في مرحلة الاثبات ((فل)) أجل ((اطلاق الخطاب)) في قوله لا تنقض اليقين بالشك ((وشموله للاستصحاب في اطراف المعلوم بالاجمال)).

(١) توضيحه كما مرّت الاشارة اليه في مقامات كثيرة قد تقدّمت هو : ان الشيخ الاجل (قدس‌سره) في رسائله يظهر منه قصور المقتضي في مقام الاثبات عن شمول دليل الاستصحاب لاطراف المعلوم بالاجمال.

وحاصله : ان دليل الاستصحاب له صدر وله ذيل ، اما صدره فهو لا تنقض اليقين بالشك ، واما ذيله فهو قوله ولكن تنقضه بيقين آخر ، ويلزم من شمول دليل الاستصحاب لمورد العلم الاجمالي مناقضة الصدر والذيل ، فان صدره يدل على حرمة نقض اليقين بالشك ، ولما كان كل واحد من اطراف المعلوم بالاجمال متيقنا سابقا ومشكوكا لاحقا ، فبمقتضى الصدر يحرم نقضه ، وبمقتضى الذيل وهو قوله

٣٩٠

.................................................................................................

______________________________________________________

ولكن تنقضه بيقين آخر الشامل الذيل بمقتضى اطلاقه للنقض باليقين التفصيلي والاجمالي جواز النقض باليقين الاجمالي ، فشمول دليل الاستصحاب لمورد العلم الاجمالي يستلزم المناقضة بين صدره وذيله ، لان صدره يقتضي حرمة نقض اليقين السابق بالشك ، وذيله يقتضي جواز نقضه باليقين الاجمالي فيتناقضان.

وبعبارة اخرى : ان الصدر يدل على ان كل متيقن سابق شك فيه لاحقا يحرم نقضه بالشك ، ولازمه حرمة نقض اليقين السابق في كلا طرفي المعلوم بالاجمال. والذيل يدل على جواز النقض في احدهما ، لانه بعد ان كان شاملا لليقين الاجمالي وكان احدهما مما علم اجمالا بانتقاض الحالة السابقة فيه فلا يحرم نقضه. فمدلول الصدر هو السلب الكلي : أي عدم جواز النقض في كل واحد من طرفي المعلوم بالاجمال بعنوانه الخاص ، ومدلول الذيل هو الايجاب الجزئي وهو جواز النقض بعنوان احدهما ، ومن الواضح ان الموجبة الجزئية نقيض للسالبة الكلية.

وعلى هذا فان كان الذيل اظهر كان لازمه عدم حرمة النقض في احد المتيقنين بعنوان كونه احد المتيقنين ، وحيث لا تعيين لهذا العنوان في احدهما بعنوانه الخاص به فتعيين احد المتيقنين بخصوصه ترجيح بلا مرجح ، والاخذ باحدهما بعنوان التخيير ليس متعلقا للعلم الاجمالي ، لان متعلق العلم الاجمالي هو احدهما واقعا لا احدهما مخيّرا.

مضافا الى ان احدهما مخيّرا لم يكن متعلقا للعلم التفصيلي السابق ، فان اليقين التفصيلي السابق كان متعلّقا بكل واحد منهما بعنوانه بخصوصه ، فهو خارج عن مصداق حرمة النقض ، فان ما لا يقين به لا يحرم نقضه ، فعنوان احدهما مخيّرا لا يقين به سابقا حتى يكون مما يجوز نقضه باليقين الاجمالي. فاذا كان تعيين احدهما بخصوصه من الترجيح بلا مرجح ، وعنوان احدهما مخيّرا ليس من افراد المعلوم السابق التفصيلي ولا المعلوم اللاحق الاجمالي ، فيكون المستفاد من دليل لا تنقض

٣٩١

.................................................................................................

______________________________________________________

هو خروج مورد العلم الاجمالي عن ان يكون مشمولا له ، فدليل الاستصحاب لا يكون شاملا لمورد العلم الاجمالي. هذا اذا كان الذيل اظهر.

واما اذا لم يكن الذيل اظهر ، فان دليل الاستصحاب لا يكون له ظهور مبيّن في شموله لمورد العلم الاجمالي ، لاحتمال ان يكون المراد من اليقين الذي يجوز نقض اليقين التفصيلي به في قوله ولكن تنقضه بيقين آخر هو خصوص اليقين التفصيلي ، واحتمال ان يكون المراد منه هو ما يعم اليقين الاجمالي ، فيكون من الكلام المحفوف بالقرينة المجملة ، وهو من المجمل لما مرّ في مبحث الظهور انه لا بناء من العقلاء على الاخذ بظهور الكلام المحفوف بمحتمل القرينية ، وهو من المجمل لا المبيّن.

ويرد عليه أولا : ان الظاهر من اليقين في الذيل كونه متعلقا بما تعلق به اليقين والشك في الصدر ، فيكون الظاهر من قوله ولكنه تنقضه بيقين آخر هو اليقين التفصيلي ، لان الظاهر من النقض باليقين الجائز كونه متعلقا بما تعلّق به النقض لليقين المنهي عنه ، فان الظاهر من قوله لا تنقض اليقين بالشك ولكن تنقضه بيقين آخر كون الناقض لليقين السابق الذي يحرم نقضه بالشك هو اليقين المتعلق بما تعلق به اليقين السابق والشك اللاحق ، فان كان اليقين السابق يقينا تفصيلا فلا ينقض الّا بيقين تفصيلي ، وان كان اجماليا فيصح نقضه باليقين الاجمالي ، وعلى هذا فيختصّ النقض لليقين التفصيلي باليقين التفصيلي دون اليقين الاجمالي.

ثانيا : انه لو سلّمنا ان للذيل قابلية الشمول لليقين الاجمالي ، الّا انه حيث كان اليقين في الذيل مجردا عمّا يدل على العموم ، فلا بد وان يكون شموله لليقين الاجمالي بالاطلاق ، وسوقه للاطلاق انما يتمّ حيث يكون مسوقا للبيان من هذه الجهة. وحيث كان نقض اليقين لليقين ليست قضية تعبديّة ، بل هي قضية ارشادية الى حكم العقل ، لعدم كون العمل على طبق اليقين من المجعولات الشرعية ، فهو قضية ارشادية لتأكيد ما يحكم به العقل لا للتحديد ، ولا حكم للعقل في نقض اليقين

٣٩٢

.................................................................................................

______________________________________________________

التفصيلي باليقين الاجمالي ، وانما يحكم في نقض اليقين التفصيلي ، فلم تسق القضية للاطلاق.

نعم لو كان قوله ولكن تنقضه بيقين آخر واردا لتحديد ما ينقض به اليقين السابق تحديدا تعبديا ، لكان للقضية اطلاق شامل لليقين الاجمالي في مقام نقض اليقين التفصيلي به. وحيث كان ظاهره انه قضية ارشادية لحكم العقل فيكون مسوقا للتأكيد لا للتحديد حتى يكون له اطلاق واذا لم يكن له اطلاق فلا يكون مما يحتمل شموله لليقين الاجمالي.

وبعبارة اخرى : ان ظاهر القضية في الذيل انه قضية ارشادية الى ما يحكم به العقل فيكون ظاهرا في التأكيد ، ولازم ذلك ظهوره في عدم الاطلاق.

والفرق بين هذا الايراد الثاني والايراد الاول هو : ان الاول دعوى ظهور النقض في كون المتعلق واحدا ، وفي الثاني دعوى كون ظاهر اليقين الارشاد الى الذي يجوز النقض به عند العقل وما يراه العقل ناقضا وهو خصوص اليقين التفصيلي.

وثالثا : لو سلّمنا ظهور هذه القضية الواردة في صحيحة زرارة في شمولها لليقين الاجمالي ، وان لازم ذلك هو عدم شمول هذه الصحيحة لأطراف العلم الاجمالي للمناقضة بين الصدر والذيل ، الّا ان اخبار اعتبار الاستصحاب لا تنحصر بهذه الصحيحة ، بل هناك اخبار آخر ليس فيها هذا الذيل ، فتكون تلك الاخبار حجة على الشمول لاطراف العلم الاجمالي ، لدلالتها على حرمة نقض اليقين بالشك من دون ان يكون فيها الذيل الموجود في صحيحة زرارة الموجب للاجمال ، ومن الواضح انه اذا كانت هناك اخبار احدها مجمل لا شمول فيه وباقيها لها دلالة على الشمول (١) ، فلا بد من الاخذ بها.

__________________

(١) المراد من الشمول هو الشمول لاطراف العلم الاجمالي ، ولازم ذلك ان يكون الناقض مختصا باليقين التفصيلي (منه قدس‌سره).

٣٩٣

.................................................................................................

______________________________________________________

إلّا انه ينبغي ان لا يخفى ان هذا فيما اذا لم يكن الذيل اظهر من الصدر. اما اذا كان الذيل اظهر فيكون للصحيحة ظهور فيما عدا مورد العلم الاجمالي ، وبه يقيّد ما ليس فيه الذيل.

وعلى كل فقد اشار الى ما ذكره الشيخ من القصور في مرحلة الاثبات ـ وان دليل اعتبار الاستصحاب قاصر في مقام الدلالة عن ان يكون شاملا لمورد العلم الاجمالي ـ بقوله : ((فان قوله عليه‌السلام في ذيل بعض اخبار الباب ولكن تنقض اليقين باليقين)) بدعوى شمول الذيل للنقض باليقين الاجمالي ، ولازم ذلك وقوع المناقضة بين الصدر والذيل لو شمل الدليل اطراف العلم الاجمالي كما مرّ بيانه. واشار الى الايراد الاول والثاني عليه بقوله : ((لو سلم)) أي انه لا نسلم هذه المناقضة لظهور الذيل في كون متعلق اليقين فيه هو المتعلق لليقين السابق والشك اللاحق ، ولازم ذلك انه لا ينقض اليقين التفصيلي إلّا باليقين التفصيلي ، ولكون القضية ارشادية الى ما يحكم به العقل فهي للتأكيد لا للتحديد. ولكنه لو سلمنا ((انه يمنع عن شمول قوله عليه‌السلام في صدره)) وهو قوله عليه‌السلام ((لا تنقض اليقين بالشك لليقين والشك في اطرافه)) أي في اطراف العلم الاجمالي ، لانه لو شمله ((ل)) اقتضى ((لزوم المناقضة في مدلوله)) صدرا وذيلا ل ((ضرورة المناقضة بين السلب الكلي)) المستفاد من الصدر ((والايجاب الجزئي)) المستفاد من الذيل.

واشار الى الايراد الثالث بقوله : ((إلّا انه لا يمنع عن عموم النهي في ساير الاخبار)) الأخر ((مما ليس فيه الذيل)) الموجود في صحيحة زرارة ((و)) لما كان ساير الاخبار ليس فيه الذيل المذكور فلا مناقضة في مدلوله ، فلا مانع عن ((شموله لما في اطرافه)) أي فلا مانع من شمول ساير الاخبار لاطراف العلم الاجمالي ، والوجه في ذلك ما اشار اليه بقوله : ((فان اجمال ذاك الخطاب)) وهو صحيحة زرارة ((لذلك)) أي للذيل الموجب للمناقضة المستلزم لاجمال الخطاب فيها ((لا يكاد

٣٩٤

.................................................................................................

______________________________________________________

يسري الى غيره)) من الاخبار الأخر ((مما ليس فيه ذلك)) الذيل الّا انك قد عرفت ان هذا الايراد مبني على عدم كون الذيل اظهر من الصدر كما مرّ بيانه.

ولما ثبت وجود المقتضي في مقام الاثبات في اخبار الاستصحاب لان يشمل اطراف العلم الاجمالي ، اما في جميعها حتى صحيحة زرارة ، أو خصوص غيرها من اخبار الاستصحاب ، اشار الى فقد المانع في خصوص ما لا يلزم من جريان الاستصحاب في اطراف العلم الاجمالي مخالفة عملية بقوله : ((واما فقد المانع فلاجل ان جريان الاستصحاب في الاطراف لا يوجب)) مخالفة عملية كما في المثال المتقدّم وهو ما اذا علم بنجاسة الإناءين ثم علم اجمالا بطهارة احدهما ، فانه لا يوجب جريان استصحاب النجاسة في كلا الإناءين مخالفة عملية لعدم كون الطهارة حكما إلزاميّا ، وان لزم من جريانهما مخالفة قطعية إلّا انه ليست مخالفة عملية ، وقد عرفت ان المانع هي المخالفة العملية ، لان الترخيص في الاطراف المستلزم للمخالفة العملية القطعية او الاحتمالية للتكليف الالزامي قبيح ، اما مثل النهي عن جميع الاطراف غير المستلزم للمخالفة العملية فلا قبح فيه ، فلا يكون مانعا عن جريان الاستصحاب في جميع اطراف العلم الاجمالي في هذا الفرض ، لانه لا يوجب الّا المخالفة القطعية للعلم الاجمالي بطهارة احدهما وهي مخالفة غير عملية. نعم لما كانت الطهارة حكما شرعيا فجريان الاستصحاب في اطراف العلم الاجمالي ((لا يوجب إلّا المخالفة الالتزامية وهو ليس بمحذور)) حتى يكون مانعا عن جريان الاستصحاب في اطراف العلم الاجمالي ((لا شرعا)) لعدم الدليل الشرعي على وجوب الموافقة الالتزامية وكونها مانعا عن جريان الاستصحاب في اطراف العلم الاجمالي ((ولا عقلا)) لما مرّ في مبحث القطع عدم قيام الدليل العقلي على وجوب الموافقة الالتزامية ، ولو تنزّلنا وسلّمنا قيام الدليل العقلي على وجوب الموافقة الالتزامية ففي مورد العلم الاجمالي بتكليف مثل الطهارة يجب الالتزام بان الحكم الواقعي في احدهما هو الطهارة ، وهذا

٣٩٥

ومنه قد انقدح عدم جريانه في أطراف العلم بالتكليف فعلا أصلا ولو في بعضها ، لوجوب الموافقة القطعية له عقلا ، ففي جريانه لا محالة يكون محذور المخالفة القطعية أو الاحتمالية ، كما لا يخفى (١).

______________________________________________________

لا يمنع عن جريان الاستصحاب في اطراف العلم الاجمالي الذي لازمه كون الحكم الظاهري هو وجوب الاجتناب.

(١) يشير بهذا الى الفرع الثاني الذي مرّت الاشارة اليه ، وهو ما اذا كان الاثر مرتّبا على كل واحد من الاستصحابين ولزم من جريانهما مخالفة عملية ، كما لو علم بطهارة الإناءين ثم علم اجمالا بنجاسة احدهما ، فان جريان الاستصحابين في طرفي المعلوم بالاجمال لازمه الترخيص في ارتكابهما معا ، ولازم ذلك جواز المخالفة العملية القطعية للمعلوم بالاجمال وهو قبيح ، لوضوح انه من القبيح من المولى ان يجمع بين امره بلزوم اجتناب النجس في الإناءين وإذنه في ارتكاب ما يعلم انه ليس بنجس منهما ، هذا في ما يلزم منه المخالفة القطعية العملية وهو جريان الاستصحاب في كلا طرفي العلم الاجمالي.

واما جريان الاستصحاب في احد الاطراف فهو ايضا محال ، لان العلم الاجمالي بالنجس تجب موافقته القطعية ، ووجوب موافقته القطعية مستلزم لقبح الاذن ـ ايضا ـ فيما يحتمل مطابقته للمنهي عنه المفروض وجوب موافقته القطعية ولزوم تحصيل اليقين بعدم ارتكابه ، لما مرّ بيانه مرارا من ان المحال لا بد وان يكون مقطوع العدم. فاذا وجبت الموافقة القطعية فمعنى ذلك انه يجب تحصيل اليقين باجتناب النجس مثلا ، فكما ان الترخيص في جميع الاطراف محال صدوره من المولى لان لازمه القطع بالاذن في المخالفة القطعية ، فكذلك الترخيص في بعض الاطراف لان لازمه احتمال صدور المحال من المولى ، والمحال لا بد وان يكون مقطوعا بعدمه ، فوجوب الموافقة القطعية كما يقتضي عدم جواز الترخيص في جميع الاطراف ، كذلك يقتضي عدم جواز الترخيص في بعض الاطراف.

٣٩٦

تذنيب لا يخفى أن مثل قاعدة التجاوز في حال الاشتغال بالعمل ، وقاعدة الفراغ بعد الفراغ عنه ، وأصالة صحة عمل الغير إلى غير ذلك من القواعد المقرّرة في الشبهات الموضوعية إلّا القرعة تكون مقدمة على استصحاباتها المقتضية لفساد ما شك فيه من الموضوعات ، لتخصيص دليلها بأدلتها (١) ، وكون النسبة بينه وبين بعضها عموما من وجه لا يمنع

______________________________________________________

وبعبارة اخرى : ان كون العلم الاجمالي علّة تامة لازمه وجوب الموافقة القطعية وحرمة المخالفة القطعية والاحتمالية. والى هذا اشار بقوله : ((ومنه قد انقدح عدم جريانه)) أي عدم جريان الاستصحاب ((في اطراف العلم بالتكليف فعلا اصلا)) اما وجه الانقداح فهو ما ذكره من كون المانع هو المخالفة العملية ، وان ما يحرم مخالفته العملية فلا يجوز الاذن في اطرافه ((ولو في بعضها)) لان العلم الاجمالي حيث كان علة تامة فهو مستلزم ((لوجوب الموافقة القطعية له عقلا)) واذا وجبت الموافقة القطعية فلا يجوز المخالفة القطعية ولا الاحتمالية ، لما مرّ بيانه من استلزامه القبح وهو محال والمحال لا بد وان يكون مقطوعا بعدمه ، لان احتمال المحال كالقطع بالمحال ((ففي جريانه)) أي ففي جريان الاستصحاب في اطراف العلم الاجمالي ((لا محالة يكون محذور المخالفة القطعيّة ، او الاحتمالية)) لانه في جريانه في جميع الاطراف يكون محذور المخالفة القطعية ، وفي جريانه في بعض الاطراف يكون محذور المخالفة الاحتمالية ، وهي في المحالية كالمخالفة القطعية ((كما لا يخفى)).

(١) هذا التذنيب لبيان الحال في الاستصحاب مع قواعد فقهيّة دلّت عليها النصوص او الاجماع في موارد خاصة ، وقد ذكر المصنف منها : قاعدة التجاوز ، وقاعدة الفراغ ، واصالة الصحة في عمل الغير ، واشار الى غيرها بقوله : ((الى غير ذلك من)) القواعد كمثل قاعدة اليد المدلول عليها بخبر حفص بن غياث ، وفيه ((اذا رأيت شيئا في يدي رجل يجوز لي ان اشهد انه له؟ قال عليه‌السلام : نعم ، قال الرجل : اشهد انه في يده ولا أشهد انه له : فلعله لغيره ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : أفيحل الشراء

٣٩٧

.................................................................................................

______________________________________________________

منه؟ قال : نعم ، فقال ابو عبد الله عليه‌السلام : فمن اين جاز لك ان تشتريه ويصير ملكا لك ثم تقول بعد الملك هو لي وتحلف عليه ولا يجوز ان تنسبه الى من صار ملكه من قبله اليك ، ثم قال عليه‌السلام : ولو لم يحز هذا لم يقم للمسلمين سوق) (١). وما ورد في احتجاج امير المؤمنين عليه‌السلام في قضية فدك يدل على ان اليد امر مفروغ عنه وانه من المعلوم في الاسلام. فلا بد في ترتيب الاثر على ان ما في يد الشخص له حتى تقوم الحجة على انه ليس له. ومثل قاعدة على اليد ما اخذت ، وقاعدة الالزام وغيرها. ونقتصر على التعرّض للقواعد التي ذكرها في المتن :

اما قاعدة التجاوز فهي مستفادة من مثل صحيح زرارة (قلت لابي عبد الله عليه‌السلام : رجل شك في الاذان وقد دخل في الاقامة. قال عليه‌السلام : يمضي. قلت رجل شك في الاذان والاقامة وقد كبّر. قال عليه‌السلام : يمضي. قلت رجل شك في التكبير وقد قرأ. قال عليه‌السلام : يمضي. قلت شك في القراءة وقد ركع قال عليه‌السلام : يمضي. قلت شك في الركوع وقد سجد قال عليه‌السلام : يمضي على صلاته ، ثم قال عليه‌السلام يا زرارة اذا خرجت من شيء ثم دخلت في غيره فشكّك ليس بشيء) (٢) ... ويستفاد من هذا امران :

الاول : ان مورد هذه القاعدة هو الشك في وجود الشيء بعد تجاوز محلّه ، اما انها في الشك في الوجود فلان ظاهر الاسئلة في الرواية كلها هو الشك في وجود الشيء ، واما كونه بعد تجاوز محلّه فلظاهر السؤال والجواب ، اما السؤال فواضح ، واما الجواب فلظاهر قوله عليه‌السلام : اذا خرجت من شيء ثم دخلت في غيره.

الثاني : ان موردها هو الشك في وجود اجزاء المركب سواء كانت وجوبية او استحبابية ، فان التكبير والقراءة والركوع اجزاء الصلاة ، والاذان والاقامة من الامور الاستحبابية.

__________________

(١) وسائل الشيعة ج ١٨ ، باب ٢٥ من أبواب كيفية الحكم واحكام الدعوى حديث ٢.

(٢) وسائل الشيعة : ج ٥ ، باب ٢٣ من ابواب الخلل الواقع في الصلاة حديث ١.

٣٩٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ومنه يظهر ان مورد قاعدة التجاوز هو حال الاشتغال بالعمل المركب من امور. والى هذا اشار بقوله : ((ان مثل قاعدة التجاوز في حال الاشتغال بالعمل)). الّا انه يمكن ان يقال : ان الاذان والاقامة ليست من اجزاء الصلاة الاستحبابية ، بل هي من مقدمات الصلاة ، وعليه فلا اختصاص لقاعدة التجاوز بحال الاشتغال في العمل ، بل تجري في حال الفراغ منه ، هذا بناء على كون قاعدة التجاوز غير قاعدة الفراغ. واما بناء على كونهما قاعدة واحدة ، وان المدار على الشك في الشيء سواء في اصل وجوده او في صحته ، فعدم اختصاص قاعدة التجاوز بحال العمل أوضح ، وعليه فلا مانع من جريان قاعدة الفراغ في اثناء العمل فيما اذا شك في صحة ما اتى به.

وعلى كل الذي ينبغي ان يقال : ان قاعدة التجاوز هي الشك في الشيء بعد تجاوز محلّه ، ولازم هذا ان يكون الشك فيها في الجزء او الشرط ، وقاعدة الفراغ هي الشك في الشيء بعد الفراغ عنه ، ولازم هذا ان يكون الشك في قاعدة الفراغ في العمل الماتي به ، واما الشك من ناحية الصحة لما اتى به فترجع الى الشك في الوجود ، لان ما اتى به اذا كان ليس بصحيح فهو بحكم العدم. فجعل الفرق بين قاعدة التجاوز وقاعدة الفراغ هو الشك في ناحية الوجود في التجاوز وفي الصحة في الفراغ لا وجه له. فظاهر المصنف هو اختصاص قاعدة التجاوز بحال الاشتغال بالعمل.

واما قاعدة الفراغ بناء على كون موردها هو خصوص الشك في صحة العمل بعد الفراغ منه ، فهي قاعدة تدل على الحكم بصحة العمل في حال الشك في صحته بعد الفراغ منه ، ومدركها مثل ما عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه‌السلام (قال عليه‌السلام : كل ما شككت فيه مما مرّ قد مضى فامضه كما هو) (١) وما عن بكير بن اعين (قال قلت له عليه‌السلام : الرجل يشك بعد ما يتوضأ. قال عليه‌السلام هو حين يتوضأ اذكر

__________________

(١) تهذيب الاحكام : ج ٢ ، ص ٣٤٤.

٣٩٩

.................................................................................................

______________________________________________________

منه حين يشك) (١) وغير ذلك مما ورد في بابي الوضوء والصلاة مما يدل على عدم الاعتناء بالشك فيما بعد الفراغ.

واما قاعدة الصحة في عمل الغير فيمكن ان يدل عليه ما مرّ ما عن ابن مسلم ـ من قوله عليه‌السلام : كل ما شككت فيه مما مرّ قد مضى فامضه كما هو ـ فان اطلاقه يشمل كل ما شك فيه مما قد مضى سواء كان من عمل نفسه او عمل غيره. والعمدة فيها هو الاجماع ، مضافا الى انه لو لا اصالة الصحة في عمل الغير للزم ما يخلّ بالنظام في امر المعاش والمعاد.

اذا عرفت مدرك هذه القواعد ... فاعلم انه لا اشكال في تقديم هذه القواعد المذكورة الثلاثة وقاعدة اليد ايضا على الاستصحاب ، ولكن الكلام في وجه تقديمها.

وقبل الكلام في وجه التقديم ينبغي بيان النسبة بينها وبين الاستصحاب.

اما النسبة بين قاعدة التجاوز وقاعدة الفراغ والاستصحاب فهو العموم المطلق ، فان الاستصحاب اعم منهما ، لانه ما من مورد من موارد قاعدتي التجاوز والفراغ الّا وفيه استصحاب عدم وجود المشكوك واستصحاب عدم اتيانه على وجه يكون مطابقا للجزء او الشرط المامور به.

لا يقال : انه على فرض حصول الحالتين المتبادلتين والشك في المتقدم والمتأخر فيهما لا يجري الاستصحاب كما مرّ بيانه ، واذا لم يكن الاستصحاب جاريا في مورد من مواردهما كانت النسبة بينهما وبينه هي العموم من وجه ، لصدقهما في مورد تبادل الحالتين دونه ، وصدقه في غير مورد قاعدتي التجاوز والفراغ ، وتصادقهما في موردهما في غير تبادل الحالتين.

فانه يقال : بعد تسليم امكان فرض تبادل الحالتين في الجزء والشرط ، ان الاستصحاب ـ ايضا ـ جار في مورد تبادل الحالتين لكنه ليس استصحاب نفس عدم

__________________

(١) تهذيب الاحكام : ج ١ ، ص ١٠١.

٤٠٠