بداية الوصول

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي

بداية الوصول

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي


المحقق: محمّد عبدالحكيم الموسوي البكّاء
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار الهدى
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٢
ISBN: 964-497-064-0
ISBN الدورة:
964-497-056-X

الصفحات: ٤٢١

.................................................................................................

______________________________________________________

الثالثة : مرحلة تعلّق الامر والطلب بالماهية ، وفي هذه المرحلة يكون مجموع المركب المتعلّق به الامر هو كل المأمور به ، وبعض هذا المركب المتعلق به الامر هو بعض المامور به ، والشيء الخارج عنه المنوط به تأثيره هو شرط المامور به ، ومن الواضح ان مقام تعلّق الامر للشارع هو المقام الذي يكون الجعل فيه للشارع بما هو شارع وآمر.

فاتضح : ان انتزاع الجزئية ـ مثلا ـ في مرحلة ذات المركب وماهيّته ليست بمجعولة لا تكوينا ولا تشريعا ، وانتزاعها في مرحلة التصوّر مجعول بجعل منشأ انتزاعها تكوينا لا تشريعا ، وفي مرحلة الامر والبعث الذي هو المقام الذي يكون للشارع بما هو شارع تكون الجزئية مجعولة بجعل منشأ انتزاعها بالجعل التبعي التشريعي. ولا يخفى ان الجزئية في هذا المقام منتزعة من بعض ما تعلق به الامر لا من نفس الامر ، لوضوح ان نفس الامر والطلب ليس بجزء بل الامر والطلب اوجب كون بعض ما تعلّق الامر به جزءا وكون المنوط به تأثير المركب المتعلق به الامر شرطا.

الامر الثاني : انه قد اتضح الفرق مما ذكرنا بين الجزء والشرط. واما المانع فهو الذي يكون مانعا بوجوده عن التأثير ، فلذا كان عدمه شرطا في التأثير. واما الفرق بين المانع والقاطع فقد تقدّم بيانه.

الامر الثالث : انه ما الفرق بين هذا النحو الثاني والنحو الاول ، حيث ان المصنف اختار هناك عدم الجعل التشريعي للسببية والشرطية والمانعية والرافعية كما مرّ بيانه فيه ، وفي هذا النحو اختار كون الجزئية والشرطية والمانعية والقاطعيّة من المجعولات بالجعل التشريعي التبعي.

وحاصل الفرق على ما يستلزمه كلامه (قدس‌سره) : هو ان العناوين المذكورة في النحو الاول هي علل للتكليف على الفرض ، فان السبب ـ مثلا ـ كالدلوك المفروض فيه انه سبب للوجوب ، هو سبب للجعل التشريعي ، وحيث ان السبب متقدّم بالذات على المسبب فالسببية منتزعة منه قبل الجعل ، ومثله الحال في الشرطية

٨١

.................................................................................................

______________________________________________________

للوجوب والمانعية عنه والرافعية له ، بخلاف الجزئية والشرطية للمأمور به فان فرض كونهما مما يتعلقان بالمأمور به بما هو مأمور به هو فرض تأخرهما عن الجعل التشريعي ، اذ المأمور به انما يكون مامورا به بعد تعلّق الوجوب مثلا ـ الذي هو المجعول التشريعي ـ به ، فالعناوين في النحو الاول منتزعة مما قبل الجعل التشريعي ولذا لم تكن من المجعولات التشريعية ، والعناوين في هذا النحو منتزعة مما بعد التشريع فلذا كانت من المجعولات التشريعية ، واما كونها من المجعولات بالتبع لا بالاستقلال فسيتضح قريبا مما يذكر في الامر الرابع.

الامر الرابع : انه ليس في الطلب المتعلّق بالمامور به المركب الّا جعل تشريعي استقلالي واحد وهو الجعل المتعلّق بالمجموع ، ومن الواضح ليس هنا جعلان استقلاليان : جعل يتعلّق بالمجموع ، وجعل استقلالي آخر يتعلق باجزائه ، بل هذا الجعل الاستقلالي الواحد لما تعلّق بالمركب ابعاض هذا المركب بعض ما تعلّق الجعل الاستقلالي به ، فهذا الجعل الواحد هو جعل استقلالي تشريعي للمركب ، وجعل بالتبع لابعاضه التي هي اجزاء هذا المركب ، لان هذا الجعل الواحد المتعلق بالمركب يكون جعلا بالتبع لاجزائه ، لانه بفرض كون هذا الجعل متعلقا بالمجموع تكون اجزاؤه مجعولات بتبع هذا الجعل ، لان فرض كونه مركبا فرض كونه ذا اجزاء ، لوضوح كون عنوان الجزئية منتزع من هذا المقام ، وهو مقام تعلق الجعل الاستقلالي بمركب ذي اجزاء ، وبعد كون عنوان الجزئية يستلزمها الجعل المتعلق بالمركب لا وجه لجعل الجزئية استقلالا.

واذا انشأ الشارع عنوان الجزئية او الشرطية للجزء او الشرط بان يقول ـ مثلا ـ : الفاتحة جزء من الصلاة او الطهارة شرط لها ، فهو بلحاظ الجعل المتعلق بالمركب الصلواتي الذي كانت الفاتحة جزءا منه والطهارة شرطا له ، ومرجع هذا الانشاء الى الجعل التبعي ، لما عرفت من عدم معقولية الجعل الاستقلالي لكل جزء من اجزاء المركب بعد الجعل الاستقلالي لنفس المركب ، ومثله الحال في الشرط والمانع والقاطع.

٨٢

.................................................................................................

______________________________________________________

واتضح مما ذكرنا : انه قبل مقام تعلق الامر والطلب بالمركب لا يكون الجزء ـ مثلا ـ جزءا للمركب المامور به بما هو مامور به ، فلا يعقل انشاء الشارع الجزئية للمامور به قبل تعلق الطلب والامر به ، لانه قبل تعلّق الامر بالمامور به ليس الجزء جزءا للمامور به بما هو مامور به.

نعم ، قبل ذلك المقام الجزء جزء للمركب المتصوّر لا للمامور به وجزء للمركب في مقام ماهويّته ، وقد عرفت ان مقام التصوّر مقام الجعل التكويني الذهني ، ومقام الماهية ليس فيه جعل لا تكوينا ولا تشريعا.

فظهر مما ذكرنا : ان الجزئية والشرطية والمانعية والقاطعيّة للمامور به هي من المجعولات التشريعية بالتبع لا بالاستقلال. وقد اشار الى ان هذا النحو الثاني من المجعولات التشريعيّة بقوله : ((حيث ان اتصاف شيء بجزئية المامور به او شرطيته او غيرهما)) وهي المانعية والقاطعية للمامور به ((لا يكاد يكون)) تلك العناوين منتزعة عنها ((الّا بالامر بجملة امور مقيدة بامر وجودي او عدمي)) فانه ينتزع من ابعاض ما تعلق الامر بمجموعه عنوان الجزئية ، ومن الشيء الخارج عمّا تعلق به الامر وكان منوطا به تأثيره عنوان الشرطية ، ومن الخارج المنوط بعدمه التأثير عنوان المانعية والقاطعيّة ، وقد اشار الى انها من المجعولات بالتبع بقوله : ((ولا يكاد يتصف شيء بذلك)) أي بعنوان الجزئية ـ مثلا ـ المنتزعة مما هو جزء للمامور بهذا القيد ، ولذا فسره بقوله : ((أي كونه جزءا او شرطا للمامور به)) فالجزء والشرط بقيد كونهما جزءا وشرطا للمامور به لا يتصفان بالجزئية والشرطية ((الّا بتبع ملاحظة الامر بما يشتمل عليه)) وهو المركب المشتمل على الجزء بان يكون ((مقيدا بامر آخر)) خارج عنه وهو الشرط ((و)) من الواضح انه ((ما لم يتعلق بها)) أي بالجزئية والشرطية ((الامر كذلك)) أي ما لم يكن الامر متعلقا بما يشتمل على الجزء وانه مقيد بامر آخر ((لما كاد)) يصح ان يكون ذلك الجزء أو الشرط قد ((اتصف بالجزئية او الشرطية)). وقد اشار الى ان الشارع وان انشأ الجزئية للجزء والشرطية للشرط فلا يكون ذلك

٨٣

.................................................................................................

______________________________________________________

الجزء والشرط من المجعولات بالتبع الّا في مقام تعلق امر بالمركب بقوله : ((وان انشأ الشارع له الجزئية أو الشرطية)).

وقد اشار الى ان مرحلة التصوّر ومرحلة الماهية ليستا من المجعول التشريعي بقوله : ((وجعل الماهية واجزائها ليس إلّا تصوير ما فيه المصلحة المهمة)) فان قوله تصوير هي مرحلة التصوّر ، وقوله ما فيه المصلحة هي مرحلة الماهية ، واليها اشار بقوله : ((الموجبة للامر بها)) لان اشتمالها على المصلحة المهمة هو الذي دعا الشارع لان يتصورها ثم يتعلق بها امره. واشار الى ان الماهيات المخترعة تصورها ليس من مرحلة جعلها التشريعي المنوط بمرحلة الامر بقوله : ((فتصوّرها باجزائها وقيودها لا يوجب اتصاف شيء منها بجزئية المامور به او شرطه)) لوضوح ان مرحلة التصوّر او الماهية هي مما ((قبل الامر بها)) ومع كونها مما قبل الامر فلا يعقل ان يتصف الجزء والشرط في المراحل السابقة على الامر ((ب)) عنوان ((الجزئية للمامور به او)) بعنوان ((الشرطية له)) أي للمامور به و ((انما ينتزع)) عنوان الجزئية ((لجزئه)) أي لجزء المامور به ((او)) عنوان الشرطية لما هو ((شرطه)) أي لشرط المامور به ((بملاحظة الامر به)).

وقد اشار الى انه مع الجعل التشريعي الاستقلالي المتعلق بالمركب من الاجزاء وما له من الشروط لا يعقل ان يكون للاجزاء والشروط جعل استقلالي آخر وانما تكون مجعولة بالجعل التبعي بقوله : ((بلا حاجة الى جعلها له وبدون الامر به)) أي بالمركب المشتمل على الاجزاء والمقيد بالشروط ((لا اتصاف بها اصلا)) أي لا اتصاف للجزء والشرط بعنوان الجزئية والشرطية للمامور به التي هي المجعولة بالتبع للجعل الاستقلالي للمركب ((وان اتصف)) الجزء أو الشرط ((بالجزئية أو الشرطية للمتصوّر)) في مرحلة التصوّر وفي مرحلة الماهية للمركب الذي تترتب عليه المصلحة والغرض. والى هذا اشار بقوله : ((او لذي المصلحة)) إلّا انه قد عرفت ان هاتين

٨٤

وأما النحو الثالث : فهو كالحجيّة والقضاوة والولاية والنيابة والحريّة والرقية والزوجيّة والملكيّة إلى غير ذلك ، حيث أنها وإن كان من الممكن انتزاعها من الاحكام التكليفية التي تكون في مواردها ـ كما قيل ـ ومن جعلها بإنشاء أنفسها ، إلّا أنه لا يكاد يشك في صحة انتزاعها من مجرّد جعله تعالى ، أو من بيده الامر من قبله ـ جلّ وعلا ـ لها بإنشائها ، بحيث يترتّب عليها آثارها ، كما تشهد به ضرورة صحة انتزاع الملكيّة والزوجيّة والطلاق والعتاق بمجرد العقد أو الايقاع ممن بيده الاختيار بلا ملاحظة التكاليف والآثار ، ولو كانت منتزعة عنها لما كاد يصحّ اعتبارها إلّا بملاحظتها (١) ، وللزم

______________________________________________________

المرحلتين لم يتعلق بهما الجعل التشريعي لانه في مرحلة التصور الجعل تكويني ذهني ، وفي مرحلة الماهية لا جعل اصلا لا تكوينا ولا تشريعا.

(١) هذا النحو الثالث هو الذي كان محل الخلاف بين الشيخ الاعظم : من كونها من المجعول بالتبع للتكليف بمعنى كون الملكية ـ مثلا ـ ليست من المجعولات بالاستقلال ، وانما هي منتزعة من الحكم التكليفي في موردها ، كجواز التصرّف في الشيء من بيعه وهبته وجواز الوطء في الزوجة وامثال هذه الاحكام التكليفية الثابتة في موارد هذه العناوين ، والمراد من الجعل بالتبع هو الجعل بالعرض كحرمة ترك الواجب وبالعكس من وجوب ترك الحرام ، دون ما كان له جعل نشأ من جعل آخر كوجوب مقدمة الواجب.

أو انها من المجعول بالاستقلال وانها بذاتها اعتبارات خاصة يترتب عليها احكام تكليفية في مواردها كما هو ظاهر المشهور ، ومختار المصنف.

وقبل الشروع في ما اقامه المصنف على كونها من المجعولات التشريعية بالاستقلال لا بالتبع لا بأس ببيان امور توضيحا لهذا النحو الثالث :

٨٥

.................................................................................................

______________________________________________________

الاول : بيان موارد العناوين والمفاهيم المذكورة في المتن. وهي الحجية التي هي جعل المنجزية والمعذرية لمثل الخبر الواحد والبينة بناء على مختار المصنف الذي مرّ تفصيله في مبحث الظن.

والقضاوة : وهي جعل الشارع المجتهد مرجعا في فصل الخصومات والمنازعات.

والولاية : وهي كجعل الاب والجد له سلطنة التصرف في اموال الولد الصغير.

والنيابة : وهي كجعل المجتهد نائبا عن الامام عليه‌السلام في جملة من الامور ككونه ولي من لا ولي له وكونه وليا على اليتيم وغير ذلك من الامور المجعولة للمجتهدين.

والحرية : وهي كون الشخص مطلقا غير مملوك لا نفسا ولا تصرفا لاحد ، كالحرية الحاصلة بالعتق.

والرقية : وهي كون الشخص مملوكا للغير نفسا وتصرفا.

والزوجية : وهي كون المرأة زوجة والرجل زوجا.

والملكية : وهي اعتبار الاحاطة بالشيء ، وسيأتي مزيد توضيح للملكية في وهم ودفع ... ولا يخفى ان قول المصنف الى غير ذلك هو كمثل الصحة والفساد ومثل اعتباراته لشيء منزلة شيء ، كاعتبار كون الرضاع لحمة كلحمة النسب.

الثاني : ان هذه العناوين من الاعتبارات وليست من الموجودات المتأصلة ، لان الموجود المتأصّل منحصر في مقولة الجوهر والعرض ، ومن الواضح كونها ليست من مقولة الجوهر ، واما انها ليست من المقولات العرضيّة فلوضوح انها ليست من مقولة الكيف والكم ، ولا من مقوله الوضع وهي الهيئة الحاصلة من نسبة الشيء بعضه لبعض والى ما هو الخارج عنه كهيئة الركوع والسجود ، ولا من مقولة ان يفعل وان ينفعل لانهما من التأثير والتأثّر الخارجين ككون النار مسخنة للماء وكون الماء متسخنا بها ، ولا من مقولة الزمان والمكان وهو واضح ، ولا من مقولة الجدة لان مقولة الجدة هي الهيئة الحاصلة من احاطة شيء بشيء خارجا ، ولا من مقولة الاضافة لان مقولة الاضافة وان كانت من الموجود بوجود منشأ انتزاعه ، الّا انها ليست مما تختلف

٨٦

.................................................................................................

______________________________________________________

باختلاف الانظار ولا تتوقف على اعتبار معتبر لها ، فان الفوقية والتحتية متحققة في جميع الانظار وليست مثل حجية الخبر ولا ساير هذه العناوين والمفاهيم من الامور المتحققة في جميع الانظار ، والفوقية والتحتية متحققة لا يتوقف تحققها على اعتبار معتبر لها ، بل يكفي في تحققها وجود ما هو فوق وما هو تحت ، بخلاف مثل الحجية والملكية والعناوين الأخر المذكورة فانها ما لم يعتبرها معتبر كالشارع او العقلاء لا يكون لها تحقق ، فيتعيّن انها من الاعتباريات التي يكون تحققها منوطا باعتبار معتبر لها.

الثالث : ان الجعل التشريعي كما عرفت فيما تقدّم منحصر في الجعل الاستقلالي والتبعي.

اذا عرفت هذا ... فنقول قد ذكر المصنف وجوها ثلاثة تدل على كون هذه الامور من المجعولات الاستقلالية :

الاول : ان هذه المفاهيم المذكورة وان امكن ثبوتا ان يكون كلها او بعضها من المجعول بالتبع ، كما لو قلنا بان حجية الخبر هو جعل الحكم المماثل ، فان الحجية تكون منتزعة من جعل هذا الحكم المماثل ومجعولة بتبعه ، الّا ان الواقع اثباتا كما يشهد به الوجدان انها مجعولة بالاستقلال ، فان الملكية ـ مثلا ـ تارة تكون اعتبارا قهريا من الشارع كما في الميراث ، واخرى يكون الشارع قد جعل امر ايجادها بيد المتسبب اليها ، كما في الملكية الحاصلة بعقد البيع المركب من الايجاب والقبول ، وكالزوجية الحاصلة بعقد النكاح من المتعاقدين ، او بالايقاع كالحرية الحاصلة من ايقاع المعتق كقوله انت حر او اعتقتك ، فان من الواضح ان هذه العناوين تحصل من نفس العقد والايقاع من دون لحاظ للتكليف ، ولو كانت منتزعة من التكليف لكان لا بد للعاقد وفاعل الايقاع ان يكون الملحوظ له التكليف لتنتزع منه هذه الامور ، والوجدان شاهد بان الزوجية تحصل من نفس عقد النكاح الذي انشأه الموجب وقبله القابل ، الذي كان لحاظ الموجب فيه التسبب الى الزوجية ولحاظ القابل قبول ذلك ، وليس

٨٧

.................................................................................................

______________________________________________________

لهما لحاظ اصلا للتكليف المترتب على الزوجية بينهما ، ومثله الحال في الموجب لعقد البيع فان لحاظه التمليك بالعوض ولحاظ القابل ذلك التمليك ، وليس لهما نظر الى التكليف المترتب على هذه الملكية المتبادلة ، ولو كانت امرا انتزاعيا من التكليف لكان مما لا بد منه كون الملحوظ للمتعاقدين لحاظ التكليف لينتزع منه الملكية والزوجية ، بل ربما يكون لا تكليف اصلا كما في الصبي والمجنون ومع ذلك لكل منهما ملكية. والى ما ذكرنا اشار بقوله : ((حيث انها وان كانت)) هذه العناوين ((من الممكن)) ثبوتا ((انتزاعها من الاحكام التكليفية التي تكون في مواردها كما قيل)) فتكون من المجعول بالتبع ((ومن)) الممكن ايضا ((جعلها)) استقلالا ((بانشاء انفسها إلّا انه لا يكاد يشك في صحة انتزاعها من مجرد جعله تعالى)) كما في الملكية الارثية ((او)) بجعل الشارع واعتباره لها في حصولها من ((من بيده الامر من قبله)) كالموجب والقابل أو المنشئ للايقاع ، فان حصول الزوجية والملكية بتسبيبهما انما هو لاعتبار الشارع حصول ذلك بتسبيبهما ، وكذلك حصول الحرية من ايقاع المعتق فان تحققها انما هو من جملة اعتباره ((جلّ وعلا لها)) في انها تحقق ((بانشائها)) واجدة للشرائط ((بحيث يترتب عليها آثارها)).

ولا يخفى انه ما ذكرنا في تفسير قوله من بيده الامر هو واحد الاحتمالين ، لانه يحتمل ان يكون مراده منه هو النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والائمة عليهم‌السلام الذي جعل لهم من قبله اعتبار حصول هذه الامور من المتعاقدين او من فاعل الايقاع ، وعلى هذا فيكون قوله بانشائها من متعلقات قوله بمجرد جعله تعالى ، لا من متعلقات قوله من بيده الامر من قبله. وقد اشار الى نفس الوجه الاول بقوله : ((كما تشهد به)) أي كما تشهد بالجعل الاستقلالي الحاصل من انشاء تلك العناوين بانفسها هو ((ضرورة صحة انتزاع الملكية والزوجية والطلاق والعتاق بمجرد العقد والايقاع)) المتضمنين لانشاء نفس هذه العناوين ((ممن)) جعل الشارع ((بيده الاختيار)) في التسبب اليها ((بلا ملاحظة)) من المتسبب الى ((التكاليف والآثار ولو كانت)) هذه العناوين

٨٨

أن لا يقع ما قصد ، ووقع ما لم يقصد (١).

______________________________________________________

ليست مجعولة استقلالا بل كانت مجعولة بالتبع فتكون ((منتزعة عنها)) أي عن التكاليف ((لما كاد يصح اعتبارها)) أي لما كاد يصح حصولها ((الّا بملاحظتها)) أي بملاحظة التكاليف ، لوضوح انه لو كانت منتزعة من التكاليف ومجعولة بتبعها لما امكن ان تحصل الّا بقصد تحقق منشأ انتزاعها وهي نفس التكاليف ، اذ لا يعقل تحقق الامر الانتزاعي الّا بتحقق منشأ انتزاعه ، فلو فرض كونها من المجعول بالتبع للتكليف لكان حصولها متوقفا على ملاحظة التكليف في مقام قصد تحققها بالانشاء ، وقد عرفت ان العاقد وفاعل الايقاع لم يلاحظ التكليف في مقام انشائه ، وانما كان المقصود بالانشاء منه هو ملاحظة نفس تلك العناوين من دون ملاحظة له للتكاليف والآثار التي تكون في مواردها.

(١) هذا هو الوجه الثاني الذي استدل به على جعل هذه العناوين بالاستقلال لا بالتبع ، وحاصله : انه بعد ما عرفت من كون المنشئ للعقد وللايقاع قاصدا تحقق نفس هذه العناوين بانشائه لها ، فلو لم تكن هي المجعولة بالاستقلال لتحصل بنفسها بمجرد انشائها ، للزم ان يكون ما قصده المنشئ بانشائه لم يقع وان ما وقع مما لم يقصده المنشئ بانشائه ، لان الالتزام بالجعل التبعي لازمه ان يكون الواقع بانشاء المنشئ هو نفس التكاليف التي هي منشأ انتزاع هذه العناوين ، ومن الواضح ان المنشئ للعقد مثلا لم يقصد بانشائه الّا نفس مفاهيم هذه العناوين دون التكاليف ، فما قصد انشاؤه لم يقع وما وقع لم يقصد انشاؤه. والى هذا اشار بقوله : ((وللزم ان لا يقع ما قصد)) أي لو كانت هذه العناوين من المجعولات بالتبع للتكاليف للزم ان يكون ما قصد انشاؤه الذي هو نفس هذه العناوين لم يقع ((و)) ان يكون قد ((وقع ما لم يقصد)) لان المفروض ان الذي وقع بالانشاء هو التكاليف التي هي منشأ الانتزاع لهذه العناوين ، والتكاليف لم يقصد انشاؤها.

٨٩

كما لا ينبغي أن يشك في عدم صحة انتزاعها عن مجرد التكليف في موردها ، فلا ينتزع الملكية عن إباحة

التصرفات ، ولا الزوجية من جواز الوطء (١) ، وهكذا سائر الاعتبارات في أبواب العقود والإيقاعات (٢).

______________________________________________________

(١) هذا هو الوجه الثالث الذي استدل به المصنف على كون هذه العناوين المذكورة ليست منتزعة عن التكاليف وغير مجعولة بتبعها. وحاصله : انه لو كانت منتزعة عن التكاليف لكان اللازم تحققها كلما حصلت وتحققت تلك التكاليف ، لعدم معقولية عدم حصول الامر الانتزاعي مع فرض تحقق منشأ انتزاعه ، فمع فرض كون الملكية في البيع ـ مثلا ـ منتزعة من جواز التصرّف لكان كلما تحقق جواز التصرّف تحققت الملكية ، واذا لم يتحقق جواز التصرف لم تتحقق الملكية ، وليس كذلك لان جواز التصرّف للولي في اموال الصبي متحقق مع كون الملكية للصبي لا للولي ، ومثله الحال في جواز الوطء فان الزوجية لو كانت منتزعة من جواز الوطء المتحقق بعقد النكاح لكان كلما تحقق جواز الوطء تحققت الزوجية ، وليس الواقع كذلك فان جواز الوطء في الامة المحلّلة من مالكها للغير يتحقق بتحليلها جواز الوطء ، وليست هي زوجة لمن حلّلت له. والى ما ذكرنا اشار بقوله : ((كما لا ينبغي ان يشك في عدم صحة انتزاعها)) أي لا ريب في عدم صحة انتزاع تلك العناوين ((عن مجرد التكليف في موردها)) كالملكية والزوجية مثلا ((ف)) انه ((لا ينتزع الملكية عن)) مجرد ((اباحة التصرّف)) كما في جواز تصرّف الولي فانه لا تنتزع منه الملكية للولى وانما الملكية للصبي مع ان جواز التصرف للولى لا للصبي ((ولا)) تنتزع الزوجية ((من)) مجرد ((جواز الوطء)) كما في الامة المحللة فانه يجوز وطؤها وليست بزوجة.

(٢) أي ان المقصود في جميع موارد العقود والايقاعات هو نفس تلك العناوين ، دون التكاليف والآثار التي تكون في مواردها ، فان المقصود بعقد الاجارة ـ مثلا ـ هو ملكية منفعة العين وملكية الثمن دون جواز التصرف للمستأجر في منفعة العين ،

٩٠

فانقدح بذلك أن مثل هذه الاعتبارات إنما تكون مجعولة بنفسها ، يصح انتزاعها بمجرد إنشائها كالتكليف ، لا مجعولة بتبعه ومنتزعة عنه (١).

ـ وهم ودفع : أما الوهم : فهو أن الملكية كيف جعلت من الاعتبارات الحاصلة بمجرد الجعل والانشاء التي تكون من خارج المحمول ، حيث ليس بحذائها في الخارج شيء ، وهي إحدى المقولات المحمولات بالضميمة التي لا تكاد تكون بهذا السبب ، بل بأسباب أخر كالتعمم

______________________________________________________

وجواز التصرّف للمؤجر في الثمن ، وكذلك المقصود بإيقاع اجازة المجيز المالك هو اجازة ما قصد إنشاؤه بالعقد دون الاحكام المترتبة عليه.

(١) هذا مجمل ما فصّله واستدل عليه ، وهو انه بعد ان تبيّن ان هذه العناوين من الاعتباريات وليست من المقولات ، فلا بد وان تكون مجعولة باعتبار الشارع لها ، اما اختراعا او إمضاء. وبعد ان تبيّن ايضا انها ليست من المجعول بالتبع لجعل التكليف فيتعيّن انها من المجعول بالاستقلال ، ولذا قال (قدس‌سره) : ((فانقدح بذلك)) وقد تبيّن وجه الانقداح ، وانه قد ظهر ((ان مثل هذه الاعتبارات)) للعناوين المذكورة ((انما تكون مجعولة بنفسها)) وبالاستقلال لا بالتبع لجعل التكاليف بحيث ((يصح انتزاعها)) كالملكية والزوجية مثلا ((بمجرد انشائها)) بالعقد ((كالتكليف)) فانه يصح انتزاع الوجوب بمجرد انشاء الشارع للطلب بقوله افعل ((لا)) انها ((مجعولة بتبعه)) أي بتبع التكليف ((ومنتزعة عنه)) بل هي منتزعة عن جعلها بنفسها انتزاع العنوان عن معنونه ، فالملكية تنتزع عن العقد المقصود بانشائه التمليك وقبوله ، والزوجية تنتزع عن العقد المقصود بانشائه كون المرأة زوجة وقبوله.

٩١

والتقمص والتنعل ، فالحالة الحاصلة منها للانسان هو الملك ، وأين هذه من الاعتبار الحاصل بمجرد إنشائه (١)؟

______________________________________________________

(١) توضيح هذا الوهم : انه قد مرّ ان الملكية من الاعتباريات ، والامور الاعتبارية هي في قبال الموجودات المتأصّلة في الخارج ، لان الموجودات المتاصّلة انما تحصل باسباب وجودها الخارجية ، والاعتباريات تحصل بمحض اعتبار المعتبر لها.

ولا يخفى ان اهل المعقول قسموا العارض المحمول على المعروض الى : المحمول بالضميمة ، وهو عارض الوجود الذي له ما بحذاء في الخارج ، كالاعراض المتأصّلة وغير المتاصّلة كمقولة الاضافة وكلها من عوارض الوجود ، والوجه في تسميتها المحمول بالضميمة هو ان حملها على معروضها يحتاج الى ضميمة كلفظة (ذو) أو مشتق مبدؤه المقولة ، كالبياض فان حمله على الجسم انما يصح بواسطة لفظة (ذو) فيقال الجسم ذو بياض ، او بواسطة المشتق وهو الابيض الذي مبدؤه البياض ، فيقال الجسم ابيض.

والى الخارج المحمول ، وهو عارض الماهية كالامكان ، وهو ليس من الموجودات المقوليّة لانه مما يعرض الموجودات الامكانية كلها ، فلو كان هو موجودا من الموجودات الامكانية للزم التسلسل ، فانه لو كان الامكان موجودا خارجيا لكان له امكان وننقل الكلام الى امكانه وهلم جرا ... والوجه في تسميته بخارج المحمول واضح لانه خارج عن الموجود الممكن ومحمول عليه. ويظهر من المصنف ان الامور الاعتبارية هي من خارج المحمول عنده ، وقد مرّ منه ان الملكية من جملة العناوين المذكورة التي هي من الاعتباريات ، والحال ان الملكية هي عنوان الملك ، ومن المسلّم انه من مقولة الجدة وهي من المقولات المتأصّلة ايضا ومن المحمولات بالضميمة ايضا ، ومقولة الجدة مما تحصل باسباب وجودها الخاصة ، وليس تحققها منوطا بالاعتبار ، لان مقولة الجدة هي الهيئة الحاصلة من احاطة محيط بمحاط بحيث ينتقل المحيط بانتقال

٩٢

وأما الدفع : فهو أن الملك يقال بالاشتراك على ذلك ، ويسمى بالجدة أيضا ، واختصاص شيء بشيء خاص ، وهو ناشئ إما من جهة إسناد وجوده إليه ، ككون العالم ملكا للباري جلّ ذكره ، أو من جهة

______________________________________________________

المحاط كالتختم والتقمّص ، ومن الواضح ان التختم والتقمّص مما يحصل باسبابه الخاصة لا باعتبار المعتبر.

فحاصل الوهم : ان الملكية كيف تكون من الاعتباريات المعدودة من خارج المحمول ولا وجود له في الخارج ، والموجود في الخارج منشأ انتزاعه : أي ان خارج المحمول موجود بوجود منشأ انتزاعه ، فالملكية الحاصلة باعتبار المعتبر من خارج المحمول ، مع ان الملك من مقولة الجدة التي هي من الموجودات الخارجية ومن المحمول بالضميمة التي يكون تحققها باسبابها الخاصة الموجبة لتحققها خارجا ، فليس هي من الاعتباريات المنوط تحققها باعتبار المعتبر الحاصل ذلك الاعتبار بمجرد الجعل والانشاء ممن بيده ذلك. والى ما ذكرنا اشار بقوله : ((اما الوهم فهو ان الملكية كيف جعلت من الاعتباريات)) المنوطة باعتبار المعتبر ((الحاصلة بمجرد الجعل والانشاء)) وحيث يرى ان الاعتباريات من خارج المحمول قال ((التي هي من خارج المحمول)) ثم فسّر خارج المحمول بقوله : ((حيث ليس بحذائها في الخارج شيء و)) الحال ان الملكية ((هي احدى المقولات)) المتأصلة ومن ((المحمولات بالضميمة)) لانها هي مقولة الجدة ((التي لا تكاد تكون بهذا السبب)) أي بالاعتبار ((بل)) تكون الملكية ((باسباب أخر)) موجبة لوجودها خارجا ((كالتعمّم والتقمّص والتنعّل)) الذي هو في قبال الاعتبار ، ولما كان الملك هو مقولة الجدة وهي الهيئة الحاصلة من احاطة محيط بمحاط فالهيئة الحاصلة للشخص بواسطة التقمّص هي الملك اشار اليها بقوله : ((فالحالة الحاصلة منها للانسان هو الملك)).

فاتضح ان الملك من الموجودات الخارجية وليس من الاعتباريات ، ولذا قال (قدس‌سره) : ((واين هذه من الاعتبار الحاصل بمجرد انشائه)).

٩٣

الاستعمال والتصرف فيه ، ككون الفرس لزيد بركوبه له وسائر تصرفاته فيه ، أو من جهة إنشائه والعقد مع من اختياره بيده ، كملك الاراضي والعقار البعيدة للمشتري بمجرد عقد البيع شرعا وعرفا. فالملك الذي يسمى بالجدة أيضا ، غير الملك الذي هو اختصاص خاص ناشئ من سبب اختياري كالعقد ، أو غير اختياري كالإرث ، ونحوهما من الاسباب الاختيارية وغيرها ، فالتّوهّم إنما نشأ من إطلاق الملك على مقولة الجدة أيضا ، والغفلة عن أنه بالاشتراك بينه وبين الاختصاص الخاص والاضافة الخاصة الاشراقية كملكه تعالى للعالم ، أو المقولية كملك غيره لشيء بسبب من تصرف واستعمال أو إرث أو عقد أو غيرها من الاعمال (١) ، فيكون شيء ملكا لاحد بمعنى ، ولآخر بالمعنى الآخر ،

______________________________________________________

(١) وحاصل الدفع : ان لفظ الملك مشترك لفظي بين مقولة الجدة ، وبين مفهوم الاختصاص الحاصل من اضافة شيء لشيء ، وهذه الاضافة : تارة تكون هي الوجود والايجاد المفاض من الواجب تعالى على ماهيات الممكنات ، وبه تكون موجودة وتسمّى بالاضافة الاشراقية ، اما بالاضافة فلان الوجود وهو الربط بين الماهيات الممكنة والواجب جلّ وعلا ، واما بالاشراقية فلانه به تشرق الماهيات بنور الوجود.

واخرى تكون الاضافة حاصلة بسبب مقولة الاضافة ، ككون الفرس لزيد لاجل تصرّفه فيه واستعماله له.

وثالثة تحصل الاضافة بسبب الجعل والاعتبار القهري كالارث ، او بالاختيار الحاصل بالعقد المنشأ من المتعاقدين ، فالملكية التي هي من الاعتباريات ليست هي مقولة الجدة بل هي من مصاديق مفهوم الاختصاص ، وهي من الاضافة التي تحصل بالاعتبار لا من مقولة الجدة ... والسبب في هذا الوهم هو الخلط بين الملك بمعنى

٩٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الجدة والملك بمعنى الاختصاص. وأشار الى ما ذكرنا من الاشتراك في لفظ الملك بقوله : ((واما الدفع)) لهذا الوهم ((فهو ان الملك يقال بالاشتراك)) اللفظي ((على ذلك)) وهو الهيئة الحاصلة من احاطة محيط بمحاط بحيث ينتقل الاول بانتقال الثاني ، كالتختم هو من احدى المقولات المتأصّلة ((ويسمى بالجدة ايضا)) كما يسمى بالملك ((و)) على ((اختصاص شيء بشيء خاص)). وقد اشار الى الاضافة الاشراقية بقوله : ((وهو ناشئ اما من جهة اسناد وجوده اليه ككون العالم ملكا للباري جلّ ذكره)) وهو تعالى مالك الملك والى الاضافة المقولية اشار بقوله : ((او من جهة الاستعمال والتصرف ككون الفرس لزيد ب)) سبب ((ركوبه له وسائر تصرفاته فيه)) ، واشار الى الاضافة الحاصلة بالجعل والاعتبار ((او من جهة انشائه والعقد مع من اختياره بيده)) وقد اشار الى كون الملك بهذا المعنى ليس من مقولة الجدة بالضرورة بقوله : ((كملك الاراضي)) الكبيرة ((والعقار البعيدة للمشتري بمجرد عقد البيع شرعا وعرفا)) ومن أوضح الواضحات انه مع كون الاراضي متسعة وبعيدة بوجودها عن المشتري ليس الملك هنا من مقولة الجدة ، لعدم امكان تحقق الهيئة الحاصلة من احاطة المحيط بالمحاط بين المشتري وتلك الاراضي ، ولذا فرّع عليه بقوله : ((فالملك الذي يسمى بالجدة ايضا)) وهي احدى المقولات المتأصّلة هو ((غير الملك الذي هو اختصاص خاص ناشئ)) من الجعل والاعتبار تارة ((من سبب اختياري كالعقد)) الذي امره باختيار المتعاقدين ((او غير اختياري كالارث)) اخرى ((ونحوهما من الاسباب الاختيارية وغيرها)) كالملك الحاصل من عقد الصلح ـ مثلا ـ فانه من الامور الاختيارية للمتصالحين ، وكالملك الحاصل بسبب الاقالة ـ مثلا ـ فان رجوع ملك العين الى البائع وملك الثمن الى المشتري قهري بعد تحقق الاقالة ، وكملك المتلوف منه مثل ماله التالف في ذمة من تلف المال في يده فانه قهري بالنسبة الى المتلوف منه.

٩٥

فتدبر (١).

______________________________________________________

واشار الى ان سبب الوهم هو اطلاق لفظ الملك على مقولة الجدة فتوهّم منه انه بمعنى واحد يطلق عليها وعلى الملك الحاصل بالعقد مثلا ، وقد اتضح ان سببه هو الغفلة عن كون لفظ الملك مشتركا لفظيا فيهما يطلق على مقولة الجدة بوضع ، وعلى الاختصاص بماله من المصاديق بسبب وضع آخر بقوله : ((فالتوهّم انما نشأ من اطلاق الملك على مقولة الجدة ايضا)) مع انه يطلق ايضا على الملك الحاصل بالعقد ((و)) قد كان سبب هذا الوهم هو ((الغفلة عن انه)) انما يطلق عليهما بسبب ((الاشتراك بينه)) أي بين الملك بمعنى الجدة ((وبين)) الملك بمعنى ((الاختصاص الخاص)) ... ثم اشار الى مصاديق الاختصاص وهي الثلاثة المذكورة بقوله : ((والاضافة الخاصة الاشراقية كملكه تعالى للعالم او)) الاضافة ((المقولية كملك غيره)) تعالى ((لشيء)) ككون الفرس لزيد ((بسبب من تصرّف واستعمال او)) الاضافة الحاصلة من الاعتبار بسبب غير اختياري مثل ((ارث)) الوارث ((او)) سبب اختياري مثل ((عقد)) المتعاقدين ((او غيرهما من الاعمال)) كالملك الحاصل بالاختيار من فعل المتعاطيين او غير الاختيار كالتلف ـ كما تقدّم بيانه ـ وهو ملك المتلوف منه مثل ماله التالف في ذمة المتلف له فانه ملك قهري لا اختياري.

(١) هذا تفريع على ما ذكره من اختلاف مصاديق الاختصاص الموضوع له لفظ الملك ، فان الاضافة المقولية ككون الفرس لزيد لركوبه له او تصرفه فيه ، والاضافة الجعلية الشرعية الحاصلة من العقد ـ مثلا ـ قد يجتمعان في الفرس مثلا ، ولكن يكون الملك بمعنى الاضافة المقولية لشخص لكونه وكيلا عن غيره او غاصبا ، ويكون الملك بمعنى الاضافة الجعلية الشرعية الحاصلة بالانشاء لشخص آخر ، فيكون الفرس مملوكا شرعا لشخص ، ويكون المتصرّف فيه والمستعمل له شخصا آخر.

واما كونه ليس من الخارج المحمول كالامكان ، بل هو من المحمول بالضميمة لان حمل الملكية على زيد يحتاج اما الى (ذو) او الى الاشتقاق ، فيقال زيد ذو ملكية أو مالك.

٩٦

إذا عرفت اختلاف الوضع في الجعل ، فقد عرفت أنه لا مجال لاستصحاب دخل ما له الدخل في التكليف إذا شك في بقائه على ما كان عليه من الدخل ، لعدم كونه حكما شرعيا ، ولا يترتب عليه أثر شرعي ، والتكليف وإن كان مترتّبا عليه إلّا أنه ليس بترتب شرعي (١) ،

______________________________________________________

فجوابه : انه كالخارج المحمول في كونه ليس بمتأصّل في الخارج لانه امر اعتباري ، وكل امر اعتباري ليس من الموجودات المتأصلة : أي ليس من المقولات الخارجية لانه لا جوهر ولا عرض ، اما انه في مقام حمله لا بد له من واسطة للحمل اما (ذو) او الاشتقاق فلم يتقدّم ذلك من المصنف.

(١) قد عرفت ان ما يطلق عليه الوضع عند القوم على انحاء ثلاثة ، وان النحو الاول ليس بمجعول تشريعي لا بالاستقلال ولا بالتبع بل هو مجعول تكويني ، وقد مرّ غير مرة انه لا بد في الاستصحاب من ان يكون المستصحب اما بنفسه مجعولا تشريعيا او كان موضوعا لاثر مجعول بلا واسطة .. ومنه تعرف ان هذا النحو الاول لا مجال لجريان الاستصحاب فيه ، لان الاستصحاب اما لعنوان السببية ـ مثلا ـ وهو عنوان انتزاعي عقلي من ذات السبب وليس لنفس عنوان السببية اثر جعلي شرعي ، واما لنفس ذات السبب فانه لا مجال له ايضا ، لان نفس ذات السبب امر تكويني لا مجعول تشريعي وليس موضوعا لاثر جعلي شرعي ، لان اثره اما عنوان السببية وهو امر عقلي او التكليف المسبب عنه ، والتكليف وان كان مجعولا تشريعيا الّا ان ترتبه على سببه عقلي لان وجود المعلول عند وجود علته امر عقلي لا شرعي. وقد اشار الى ما ذكرنا بقوله : ((اذا عرفت اختلاف الوضع في الجعل)) من كون بعضه جعله تكويني وبعضه مجعول تشريعي تارة بالتبع واخرى بالاستقلال ((ف)) لا بد انه ((قد عرفت)) من ذلك ((انه لا مجال لاستصحاب)) النحو الاول وهو ((دخل ما له الدخل في التكليف)) كالسببية والشرطية مثلا ((اذا شك في بقائه)) أي في بقاء ما له الدخل ((على ما كان عليه من الدخل)) وقد عرفت انه لا مجال لاستصحاب عنوان السببية

٩٧

فافهم (١).

وإنه لا إشكال في جريان الاستصحاب في الوضع المستقل بالجعل ، حيث أنه كالتكليف (٢) ، وكذا ما كان مجعولا بالتبع ، فإن

______________________________________________________

ولا لاستصحاب ذات المسبب ((لعدم كونه حكما شرعيا)) بل هو مجعول تكويني ((ولا يترتب عليه اثر شرعي)) لان عنوان السببية انتزاعي عقلي لا شرعي ((والتكليف وان كان مترتبا عليه)) كما في قوله تعالى : (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ) ((الّا انه)) قد عرفت ان ترتب المسبب على سببه من باب ترتّب المعلول على علته وهو ترتّب عقلي و ((ليس بترتب شرعي)).

(١) لعله اشارة الى انه مع فرض كونه المترتّب امرا جعليا شرعيا وهو التكليف يكون ذات السبب مما فيه مجال للاستصحاب ، لانه يكون موضوعا للاثر الشرعي ، فان ترتّب الجعل الشرعي على السبب معناه انه مما يدعو الشارع الى جعل التكليف عند حدوثه ، وحيث ان التكليف مما لا بد فيه من ان يكون بالاختيار والارادة فلا يكون الترتّب في السبب هنا من باب ترتّب المعلول على علته ، بل يكون السبب هنا بمعنى الداعي الى الجعل ، ولما جعل الشارع التكليف عند تحقق هذا السبب فلازم ذلك كون السبب موضوعا لاثر شرعي فيكون لجريان الاستصحاب فيه مجال واضح.

(٢) هذا هو النحو الثالث وهو المجعول بالاستقلال ، وقد عرفت انه بنفسه حكم شرعي مجعول مثل الحكم التكليفي من حيث الجعل والتشريع ، فهو مما يجري فيه الاستصحاب بلا اشكال ، لانه مضافا الى كونه بنفسه حكما مجعولا شرعيا ، هو مما يترتّب عليه الاحكام التكليفية التي هي آثار شرعية ، فالملكية مثلا هي مجعول تشريعي وضعي ويترتّب عليها احكام تكليفية ايضا. والى ما ذكرنا اشار بقوله : ((وانه لا اشكال في جريان الاستصحاب في الوضع المستقل بالجعل حيث انه كالتكليف)) في كون كل منهما مجعولا تشريعيا استقلاليا.

٩٨

أمر وضعه ورفعه بيد الشارع ولو بتبع منشأ انتزاعه (١) ، وعدم تسميته حكما شرعيا لو سلم غير ضائر بعد كونه مما تناله يد التصرف شرعا (٢) ،

______________________________________________________

(١) هذا هو النحو الثاني كالجزئية فانه من المجعول الشرعي بالتبع كما مرّ بيانه ، وهذا النحو وان لم يكن مجعولا بالاستقلال بل هو من المجعول بتبع جعل المركب المشتمل عليه المتعلق به الطلب ، إلّا انه لا فرق بينه وبين المجعول بالاستقلال في جريان الاستصحاب ، لان الاستصحاب انما يجري في المجعول بالاستقلال لان امر وضعه ورفعه مما يرجع الى الشارع ، والمجعول بالتبع مثله من هذه الجهة ، ولا فرق بينهما الّا في كون المجعول بالاستقلال مما يتعلق به الرفع والوضع بلا واسطة ، والمجعول بالتبع مما يتعلق به الرفع والوضع بالواسطة ، فان جزئية الجزء ـ مثلا ـ مما يمكن رفعها ووضعها برفع المركب المشتمل عليه ووضعه الذي هو منشأ الانتزاع لجزئية الجزء ، واللازم في الاستصحاب كون المستصحب امرا شرعيا منوطا بالشارع ، ومن الواضح ان كون الجزء مما يرجع امره الى الشارع مما لا ريب فيه لما عرفت من امكان رفعه ووضعه بالواسطة ، غاية الامر انه غير مجعول بالاستقلال لكفاية جعل المركب المشتمل عليه في جعله كما مرّ بيانه ، والى ما ذكرنا اشار بقوله : ((وكذا ما كان مجعولا بالتبع)) في انه لا ينبغي الاشكال في جريان الاستصحاب فيه ، لما عرفت من ان صحة جريان الاستصحاب منوطة بكون المستصحب امر رفعه ووضعه بيد الشارع ، ومن الواضح ان المجعول بالتبع كذلك ((فان امر وضعه ورفعه بيد الشارع ولو بتبع منشأ انتزاعه)) فجزئية الجزء مثلا مما يجري فيها الاستصحاب ، لان امر وضعها ورفعها بيد الشارع غاية الامر انه بواسطة وضع المركب ورفعه.

(٢) هذا جواب عن سؤال مقدّر ، حاصله : انه يشترط في جريان الاستصحاب كون المستصحب حكما شرعيا او موضوعا لحكم شرعي ، والمجعول بالتبع وان كان من انحاء المجعول الشرعي الّا انه لا يصح اطلاق لفظ الحكم عليه ، وقد اشار اليه بقوله : ((وعدم تسميته حكما شرعا)) ... واجاب عنه بجوابين :

٩٩

نعم لا مجال لاستصحابه ، لاستصحاب سببه ومنشأ انتزاعه (١) ،

______________________________________________________

الاول : انه لا نسلّم عدم صحة اطلاق لفظ الحكم على المجعول بالتبع ، لان الحكم بمعنى كونه مما يؤخذ من الشارع الشامل للحكم الوضعي مما يشمل المجعول بالتبع ، لانه لا ريب في كونه مما يؤخذ من الشارع.

الثاني : انه لو سلّمنا عدم صحة اطلاق الحكم على المجعول بالتبع ، الّا ان الملاك المصحح لجريان الاستصحاب فيما يطلق عليه الحكم موجود فيه ايضا ، لما عرفت من ان مناط جريان الاستصحاب هو كون المستصحب مما تناله يد الرفع والوضع شرعا ، وان التصرّف فيه مما يرجع الى الشارع ، وهذا المناط موجود في المجعول بالتبع. والى هذا اشار بقوله : ((لو سلم غير ضائر)) أي لو سلّم عدم صحة اطلاق الحكم عليه لكنه لا يضر بجريان الاستصحاب ((بعد كونه)) أي بعد كون المجعول بالتبع ((مما تناله يد التصرّف شرعا)).

(١) توضيحه : ان الشك في جزئية الجزء مسبب عن الشك في الامر بالمركب المشتمل عليه ، فالشك في الامر بالمركب من الشك في السبب ، والشك في جزئية الجزء من الشك في المسبب ، ومن المسلّم انه مع جريان الاستصحاب في السبب لا مجال لجريان الاستصحاب في المسبب كما سيأتي الاشارة اليه ان شاء الله تعالى ، فجزئية الجزء وان كان مما يجري فيه الاستصحاب لانه من المجعول الشرعي لما عرفت من ان المجعول بالتبع مما يرجع امر وضعه ورفعه الى الشارع ، الّا انه حيث يجري الاستصحاب في الامر بالمركب المشتمل عليه اما في وجوده او عدمه لا مجال لجريان الاستصحاب في جزئية الجزء ، لانه مع جريان الاستصحاب في السبب لا مجال لجريانه في المسبب. والى هذا اشار بقوله : ((نعم)) وان كان جزئية الجزء مما يجري فيه الاستصحاب ، الّا انه ((لا مجال لاستصحابه ل)) أجل ((استصحاب سببه ومنشأ انتزاعه)) لان جزئية الجزء انما تنتزع من المركب المشتمل عليه.

١٠٠