بداية الوصول

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي

بداية الوصول

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي


المحقق: محمّد عبدالحكيم الموسوي البكّاء
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار الهدى
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٢
ISBN: 964-497-064-0
ISBN الدورة:
964-497-056-X

الصفحات: ٤٢١

.................................................................................................

______________________________________________________

الثاني : كون المرجع العام مطلقا ولو كان الزمان ملحوظا بنحو الواحد المستمر في مقام الاثبات ، فلا فرق بين الانحاء الثلاثة المتقدمة وبين الملحوظ بنحو الواحد المستمر في كون المرجع بعد زمان المخصّص هو العام.

الثالث : ما ذهب اليه المصنف ، وتفصيله يتضح في ضمن الحواشي الآتية.

ولا يخفى ان مرجع هذه الاقوال فيما اختلفت فيه ، هو انه هل للعام دلالة على الشمول فيما بعد زمان التخصيص ، ام ليس له دلالة؟ ... فمن يرى انه للعام دلالة كان عنده هو المرجع ، لانه بعد كون العام له دلالة لا وجه للرجوع الى استصحاب حكم المخصّص ، ومن يرى عدم الدلالة للعام كان المرجع غيره ، فربما يكون هو استصحاب حكم المخصّص ، وربما يكون غيره من الاصول الاخرى ، كما سيتضح ذلك عند بيان الشقوق التي يشير اليها المصنف. فما يظهر من المصنف قبل تعرّضه لشقوق المسألة ان الامر دائر بين الرجوع الى العام او الى الاستصحاب ليس غرضه الانحصار في الرجوع الى الاستصحاب حيث لا يكون العام مرجعا ، لانه سيصرّح في بعض الشقوق ان المرجع هو ساير الاصول الأخر ، ولا يكون المرجع العام ولا الاستصحاب.

وعلى كل فقد اشار ـ أولا ـ الى انه مع وجود دلالة من العام لا يرجع الى الاستصحاب بقوله : ((انه لا شبهة في عدم جريان الاستصحاب ... الى آخر الجملة)) واشار ثانيا الى ان محل الكلام في هذا التنبيه هو ان العام اذا خصّص فهل يكون هو المرجع بعد زمان التخصيص ، او يكون المرجع استصحاب المخصص؟ بقوله : ((لكنه ربما يقع الاشكال والكلام فيما اذا خصص)) العام ((في زمان في ان المورد بعد هذا الزمان)) أي بعد زمان التخصيص هل يكون ((مورد)) زمان ما بعد التخصيص مما يرجع فيه الى ((الاستصحاب او)) يكون المورد مما يكون ((التمسك)) فيه ((بالعام)).

٣٠١

والتحقيق أن يقال : إن مفاد العام ، تارة يكون ـ بملاحظة الزمان ـ ثبوت حكمه لموضوعه على نحو الاستمرار والدوام ، وأخرى على نحو جعل كل يوم من الايام ـ مثلا ـ فردا لموضوع ذاك العام. وكذلك مفاد مخصصه ، تارة يكون على نحو أخذ الزمان ظرف استمرار حكمه ودوامه ، وأخرى على نحو يكون مفردا ومأخوذا في موضوعه (١).

______________________________________________________

(١) توضيحه : ان الاقسام اربعة : لان العام تارة يكون الزمان ملحوظا فيه بنحو الواحد المستمر ، واخرى يكون الزمان ملحوظا فيه بنحو التقطيع. والخاص ايضا : تارة يكون الزمان ملحوظا فيه بنحو الواحد المستمر ، واخرى يكون الزمان ملحوظا فيه بنحو يكون له الدخالة في ثبوت الحكم فيه لموضوعه. والحاصل من ضرب الاثنين في الاثنين اربعة ، وهي الشقوق التي اشار اليها المصنف وتكلم في كل منها :

الاول لحاظ الزمان في كل من العام والخاص بنحو الواحد المستمر. الثاني لحاظ الزمان في كل منهما بنحو التقطيع والدخالة في ثبوت الحكم. الثالث : لحاظ الزمان في العام بنحو الواحد المستمر ، وفي الخاص بنحو الدخالة. الرابع : لحاظ الزمان في العام بنحو التقطيع ، وفي الخاص بنحو الواحد المستمر.

وقد اشار الى لحاظ الزمان في العام : تارة بنحو الواحد المستمر ، واخرى بنحو التقطيع بقوله : ((والتحقيق ان يقال ان مفاد العام تارة يكون بملاحظة الزمان)) هو ((ثبوت الحكم لموضوعه على نحو الاستمرار)) ولحاظ الزمان ظرفا بنحو الواحد المستمر ((واخرى)) ملاحظة الزمان متقطعا بان يكون قد لحظ ((على نحو جعل كل يوم من الايام مثلا فردا لموضوع ذاك العام)) ، واشار الى كون المخصص ايضا تارة يكون الزمان ملحوظا فيه بنحو الواحد المستمر بقوله : ((وكذلك مفاد مخصصه تارة يكون على نحو)) قد ((اخذ الزمان)) فيه ملحوظا بنحو كونه ((ظرف استمرار حكمه ودوامه)) واشار الى اخذ الزمان في المخصص بنحو الدخالة بقوله :

٣٠٢

فإن كان مفاد كل من العام والخاص على النحو الاول ، فلا محيص عن استصحاب حكم الخاص في غير مورد دلالته ، لعدم دلالة للعام على حكمه ، لعدم دخوله على حدة في موضوعه ، وانقطاع الاستمرار بالخاص الدال على ثبوت الحكم له في الزمان السابق ، من دون دلالته على ثبوته في الزمان اللاحق ، فلا مجال إلا لاستصحابه (١).

______________________________________________________

((واخرى)) يكون الزمان ملحوظا فيه ((على نحو يكون مفردا ومأخوذا في موضوعه)).

(١) بعد ان كان كل من العام والخاص بحسب ملاحظة الزمان بنحو الواحد المستمر وبنحو التقطيع ينقسم الى قسمين ، فالحاصل من ضرب الاثنين في الاثنين اربعة ، فتكون الشقوق التي يتكلم فيها اربعة :

الاول : ما اذا كان كل من العام والخاص قد لحظ الزمان فيهما بنحو الواحد المستمر ، وهو المراد من قوله : ((فان كان مفاد كل من العام والخاص على النحو الاول)) فالمتحصل من كلام المصنف ان العام الملحوظ فيه الزمان بنحو الواحد المستمر ، اذا كان مخصصه الملحوظ فيه الزمان بنحو ملاحظته في العام ، اذا كان تخصيصه بالخاص موجبا للانقطاع في هذا الزمان الواحد المستمر ، بان يكون التخصيص واقعا في اثناء هذا الزمان الواحد ، فلا يكون العام حجة ومرجعا فيما بعد زمان المخصص ، ويكون المرجع استصحاب حكم الخاص فيما بعد زمان الخاص المخصص للعام ، وان كان الخاص واقعا في اول زمان العام ، فبعد زمان الخاص يكون المرجع هو العام ولا يرجع الى استصحاب حكم الخاص ، فمثل اوفوا بالعقود الذي هو العام الشامل لافراد العقود التي منها عقد البيع حيث يكون الملحوظ في اوفوا بالعقود الزمان بنحو كونه ظرفا واحدا مستمرا للحكم الذي هو الوفاء ، فاذا كان الخيار المخصص لعقد البيع واقعا في اثناء هذا الزمان الذي هو الظرف الواحد المستمر لاوفوا بعقد البيع كخيار الغبن ، فان عقد البيع ينعقد اولا لازما ، ثم بعد علم

٣٠٣

.................................................................................................

______________________________________________________

المغبون بالغبن يكون له حق الخيار والفسخ للعقد في زمان واحد مستمر وهو زمان الفورية ، وبعد انقضاء زمان الفورية الذي هو زمان حكم الخاص يشك في لزوم العقد ، فان كان المرجع العام لا يكون للمغبون حق الفسخ بعد انقضاء زمان الفورية ، وان كان المرجع استصحاب حكم الخاص يكون للمغبون حق الفسخ لاستصحاب ذلك الذي كان له في زمان الفورية الى ما بعد الفورية.

ومختار المصنف في مثل هذا الفرض الذي كان التخصيص فيه واقعا في الاثناء ان المرجع هو استصحاب حكم الخاص ، دون الرجوع الى العام.

وتوضيح ذلك : ان العام حيث لم يكن الزمان ملحوظا فيه بنحو التقطيع لم يكن له عموم ازماني ، لفرض كون الزمان قد لحظ فيه بنحو الواحد المستمر ، وليس لاوفوا بالعقود عموم الا العموم الافرادي وهو العموم الشامل لعقد البيع وغيره من افراد العقود ، فعقد البيع احد الافراد لهذا العام ، والزمان الذي يلحق هذا الفرد هو الزمان الواحد المستمر الذي يلحق غيره من افراد العقود الأخر ، فعقد البيع الذي كان الزمان له بنحو الواحد المستمر هو الفرد الذي يشمله اوفوا بالعقود ، وبعد انقطاع هذا الزمان الواحد المستمر بوقوع التخصيص فيه في الاثناء لا يكون الوفاء بعقد البيع فيما بعد زمان الخاص فردا من افراد اوفوا بالعقود ، لان الفرد لاوفوا بالعقود هو عقد البيع الذي كان زمانه واحدا مستمرا ، وبعد الانقطاع لا استمرار ولا اتصال للواحد المستمر بعد انقطاعه ، فان الزمان بعد لحاظه بنحو الواحد المستمر كان واحدا بسيطا متصلا لا انقطاع فيه ، فعود اوفوا بالعقود بعد وقوع الانفصال لان يشمل ما بعد زمان الخاص يكون لازمه كون الواحد البسيط اثنين ، وكون المفروض انه متصل واحد منفصلا ، ولازمه اتصال المنفصلين ، وكون ما فرض فيه الاستمرار وعدم الانقطاع قد فرض فيه الانقطاع ، ولازمه استمرار المنقطع ، فلا يكون الوفاء بالعقد فيما بعد زمان الخاص فردا لاوفوا بالعقود وإلّا لزم تجزؤ الواحد البسيط ، ولازمه كون الواحد البسيط اثنين ، وكون ما فرض فيه الاتصال لم يكن فيه اتصال ،

٣٠٤

.................................................................................................

______________________________________________________

ولازمه اتصال المنفصلين ، وكون المنقطع له استمرار ، ولازمه استمرار المنقطع ، وكل ذلك خلف واضح ... واذا كان العام لا يمكن ان يكون مرجعا بعد زمان الخاص فلا يكون للعام دلالة على الوفاء بالعقد بعد زمان الخاص ، وحيث ان حكم الخاص كان متيقنا ثم شك في بقائه بعد زمان ، فلا بد من اجراء الاستصحاب فيه والحكم ببقائه في الزمان اللاحق لزمان الخاص ، ولازم هذا ان يكون للمغبون حق فسخ العقد بعد انقضاء زمان الفورية ، ولذا قال : (قدس‌سره) : ((فان كان مفاد كل من العام والخاص)) قد لحظ الزمان فيهما ((على النحو الاول)) وهو لحاظ الزمان بنحو الواحد المستمر ظرفا ((فلا محيص عن استصحاب حكم الخاص في غير مورد دلالته)) أي في غير مورد دلالة الخاص وهو الزمان اللاحق لزمان الخاص : أي فيما بعد زمان الخاص يكون المرجع هو استصحاب حكم الخاص ، ولا يكون المرجع هو العام ((لعدم دلالة للعام على حكمه)) وهو وجوب الوفاء فيما بعد زمان الخاص ، لان هذا الزمان لم يكن فردا للعام بنفسه ، لان المفروض انه لا عموم ازماني للعام ، وانما كان هذا الزمان بعض الواحد المستمر لو لم يقع لهذا الواحد انقطاع ، وبعد وقوع الانقطاع في هذا الزمان الواحد فلا يكون مشمولا للعام ((لعدم دخوله على حدة في موضوعه)) أي في موضوع العام لعدم العموم الازماني للعام ((و)) بحصول ((انقطاع الاستمرار)) للزمان الواحد المستمر ((ب)) واسطة حكم ((الخاص)) الواقع في اثنائه فلا استمرار لذلك الواحد لهذا الزمان الواقع بعد زمان حكم الخاص بعد انقطاعه بزمان حكم الخاص ، فلا يعقل شمول العام له ، والّا لزم تجزؤ الواحد البسيط واتصال المنفصلين واستمرار المنقطع وكلّه خلف كما عرفت.

واشار الى ان المرجع لا بد وان يكون استصحاب حكم الخاص بقوله : ((الدال على ثبوت الحكم له)) أي ان الدليل الخاص بعد ان كان دالا على ثبوت الحكم له أي للخاص ((في الزمان السابق من دون دلالته على ثبوته في الزمان اللاحق)) أي ان الخاص ايضا لا يدل على ثبوت حكمه في الزمان اللاحق ، والّا لكان المرجع هو

٣٠٥

نعم لو كان الخاص غير قاطع لحكمه ، كما إذا كان مخصصا له من الاول ، لما ضربه في غير مورد دلالته ، فيكون أول زمان استمرار حكمه بعد زمان دلالته ، فيصح التمسك بأوفوا بالعقود ولو خصص بخيار المجلس ونحوه ، ولا يصح التمسك به فيما إذا خصص بخيار لا في أوله (١) ،

______________________________________________________

الدليل الخاص لا الاستصحاب ، ولكنه حيث لم يكن للخاص دلالة كما انه ليس للعام دلالة فلا يكون المرجع العام ، ولكنه لما كان حكم الخاص متيقنا سابقا مشكوكا في بقائه لاحقا ((فلا مجال الا لاستصحابه)).

والحاصل : انه لا دليل لفظي على الحكم فيما بعد زمان الخاص لا من العام ولا من الخاص ، فيرجع الى الاستصحاب ، وحيث كان حكم الخاص متيقنا سابقا ومشكوكا لاحقا فلا بد وان يكون هو المستصحب.

(١) بعد ان ذكر حكم المسألة فيما لو وقع التخصيص في الاثناء وان المرجع فيه يكون استصحاب حكم الخاص ، اشار الى انه لو كان التخصيص موجبا لارتفاع حكم العام في اول الأزمنة ، فبعد انقضاء زمان حكم الخاص يكون المرجع هو اوفوا بالعقود ، والسبب في ذلك انه لا يكون في هذا الفرض انقطاع لاستمرار حكم العام ، فلا يلزم ما ذكرناه من المحاذير المتقدمة ، لان العام بعد تخصيصه في اول الأزمنة يكون ابتداء زمان استمراره بعد انقضاء زمان حكم الخاص ، فلا مناص من كونه هو المرجع بعد انقضاء زمان الخاص ، كما في خيار المجلس بالنسبة الى اوفوا بالعقود ، فان خيار المجلس يرفع حكم لزوم العقد من اول زمان انعقاد البيع الى انقضاء زمان المجلس ، ويكون اوفوا بالعقود دالا على لزوم العقد بعد انقضاء زمان خيار المجلس ، فابتداء دلالة اوفوا بالعقود على وجوب الوفاء بالعقد هو ما بعد انقضاء زمان خيار المجلس ، فلما لم يكن الخيار موجبا لانقطاع هذا الواحد المستمر في العام لفرض كون ابتدائه بعد انقضاء زمان الخاص ، فلا بد وان يكون العام هو المرجع بعد انقضاء زمان الخاص ، ولا يلزم محذور من تلك المحاذير ، لانها انما تلزم حيث يكون انقطاع

٣٠٦

.................................................................................................

______________________________________________________

للواحد ولا انقطاع هنا له ، فيكون المرجع بعد انقضاء زمان خيار المجلس الذي هو زمان الخاص العام وهو اوفوا بالعقود ، فيدل على وجوب الوفاء بعقد البيع في الزمان اللاحق لزمان الخيار وهو ما بعد زمان المجلس.

ومما ذكرنا يظهر : انه لو كان الخاص محددا للزمان الواحد المستمر الذي هو ظرف حكم العام ، بان يكون الخاص دالا على ان هذا الواحد المستمر في العام امد انتهائه هو هذا الزمان ، ففي مثل هذا يكون العام مرجعا في مجموع الزمان الواحد المستمر الى حدّ انتهائه ، نعم لا يكون حجة في الزمان الواقع بعد انتهاء زمانه لدلالة الخاص على انتهاء زمان هذا الواحد المستمر في العام ، واما ما بين اول زمان هذا الواحد المستمر الى حدّ انتهائه فالعام فيه هو المرجع ، لعدم حدوث انقطاع لهذا الواحد المستمر ما بين اول ازمنته وزمان انتهائه ، فلا يلزم محذور من تلك المحاذير ، ولم يشر المصنف اليه هنا ولعله لوضوحه ، لان المحاذير انما ترد حيث يكون انقطاع في الاثناء ، والمفروض عدم الانقطاع في الاثناء في هذا ايضا.

والى ما ذكرنا اشار بقوله : ((نعم لو كان الخاص غير قاطع لحكمه)) أي غير قاطع لحكم العام ، وذلك ((كما اذا كان)) الخاص ((مخصصا له)) أي للعام ((من الاول)) كما في تخصيص خيار المجلس لاوفوا بالعقود فانه مخصص للعام من اول ازمنة وقوع البيع الى ان ينتهي المجلس ، وفي هذا الخيار حيث كان التخصيص واقعا من الاول ((لما)) كان هذا الخيار المخصّص لعموم اوفوا بالعقود مما ((ضرّ به)) أي انه لا يضر التمسك بعموم اوفوا بالعقود فيما بعد انقضاء زمان خيار المجلس ، ولا يكون حكم هذا العام مرتفعا الّا في خصوص زمان خيار المجلس الذي مورد دلالة الخاص و ((في غير مورد دلالته)) أي في غير مورد دلالة الخاص يكون المرجع هو عموم اوفوا بالعقود. واشار الى الوجه في كون المرجع هو العام هو عدم الانقطاع في الواحد المستمر من زمان العام ، لان ابتداء دلالة العام على وجوب الوفاء بعد انقضاء زمان الخيار بقوله : ((فيكون اول زمان استمرار حكمه)) أي اول زمان

٣٠٧

فافهم (١).

وإن كان مفادهما على النحو الثاني ، فلا بد من التمسك بالعام بلا كلام ، لكون موضوع الحكم بلحاظ هذا الزمان من أفراده ، فله الدلالة على حكمه ، والمفروض عدم دلالة الخاص على خلافه (٢).

______________________________________________________

استمرار حكم العام ((بعد زمان دلالته)) أي بعد انقضاء زمان دلالة الخاص فلا انقطاع لزمان العام فلا تردد تلك المحاذير ((فيصح التمسك باوفوا بالعقود ولو خصص ب)) مثل ((خيار المجلس ونحوه)) من الخيارات التي يكون زمانها اول زمان وقوع عقد البيع كخيار الحيوان وخيار التسليم. واشار الى عدم التمسك باوفوا بالعقود فيما اذا كان التخصيص في الاثناء كما في مثل خيار الغبن بقوله : ((ولا يصح التمسك به)) أي بعموم اوفوا بالعقود ((فيما اذا خصص بخيار)) واقع في اثنائه ((لا في اوله)) وقد عرفت ايضا عدم الانقطاع ايضا فيما اذا كان الخاص محددا لانتهاء هذا الواحد المستمر ، فان العام يكون مرجعا فيما بين اول أزمنة هذا الواحد وما بين حد انتهائه ، لعدم حدوث الانقطاع له في الاثناء حتى يلزم ورود تلك المحاذير.

(١) لعله اشارة الى ما يظهر من كلام الشيخ الاعظم من ذهابه الى عدم التمسك بالعام فيما كان العام قد لحظ الزمان فيه ظرفا واحدا مستمرا مطلقا ، سواء كان التخصيص واقعا في الاثناء أو من الاول ، وقد عرفت ان الحق التفصيل بين كونه واقعا من الاول فيصح التمسك بالعام ، وبين كونه واقعا في الاثناء فلا يصح التمسك بالعام.

(٢) هذا هو القسم الثاني وهو كون كل من العام والخاص قد كان لحاظ الزمان فيه بنحو التقطيع ، فيكون في العام كل قطعة من الزمان قيدا للموضوع الذي له الحكم في العام ، وفي الخاص محددا للموضوع الذي ثبت له حكم الخاص ، ولما كان العام في هذا القسم منحلا الى افراد متعددة بعدد قطعات الزمان لكل قطعة منه حكم غير الحكم الذي للقطعة الاخرى ، فلم يكن خروج فرد منه قد حدد بحد من الزمان

٣٠٨

وإن كان مفاد العام على النحو الاول والخاص على النحو الثاني ، فلا مورد للاستصحاب ، فإنه وإن لم يكن هناك دلالة أصلا ، إلا أن

______________________________________________________

مخصوص موجبا لعدم ظهور للعام بالنسبة الى الافراد الباقية سواء كان التخصيص في الاثناء او من الاول ، ولا يلزم من تلك المحاذير شيء ، لان الزمان في هذا القسم ليس له وحدة استمرارية لها حكم واحد ، بل كل قطعة منه لها حكم غير الحكم للقطعة الاخرى ، فخروج قطعة منه لا تنافي بقاء القطعة الاخرى بما لها من الحكم ، لان القطعة الاخرى فرد من افراد العام غير هذه القطعة الخاصة التي خرجت بالتخصيص ، فلا بد في هذا القسم من الرجوع الى العام فيما بعد زمان الخاص ، لانه فرد من افراد العام ، وللعام دلالة على ثبوت الحكم لهذا الزمان ، وليس للخاص دلالة على ثبوت حكم له ، لان المفروض ان الخاص قد حدّد بزمان هو غير هذا الزمان ، ولذا قال (قدس‌سره) : ((وان كان مفادهما)) أي وان كان مفاد كل واحد من العام والخاص ((على النحو الثاني)) بان يكون الزمان قد اخذ مقطعا في العام لكل قطعة حكم ، فيكون مفاده منحلا الى موضوعات متعددة بعدد قطعات الزمان ، ولكل قطعة منه حكم غير الحكم الذي للقطعة الاخرى ، وكان الخاص قد حدّد له زمان محدود بحدّ مخصوص ((فلا بد)) على هذا ((من التمسك بالعام)) مطلقا في كل قطعة من قطعات الزمان غير قطعة الزمان التي ثبت لها حكم الخاص ((بلا كلام لكون موضوع الحكم بلحاظ هذا الزمان)) الذي هو الزمان الواقع بعد زمان الخاص هو ((من افراده)) أي من افراد العام ((فله)) أي فللعام ((الدلالة على حكمه)) لانه فرد من افراد العام له حكم من أحكام العام المنحلّة ((والمفروض عدم دلالة الخاص على خلافه)) لان الخاص له زمان محدّد هو غير هذا الزمان الواقع بعد انقضاء زمان الخاص.

٣٠٩

انسحاب الحكم الخاص إلى غير مورد دلالته من إسراء حكم موضوع إلى آخر ، لا استصحاب حكم الموضوع ، ولا مجال أيضا للتمسك بالعام لما مر آنفا ، فلا بد من الرجوع إلى سائر الاصول (١).

______________________________________________________

(١) هذا هو القسم الثالث ، وهو ان يكون الزمان في العام ماخوذا بنحو الواحد المستمر ظرفا للحكم فيه ، وفي الخاص مأخوذا بنحو ان يكون مأخوذا في موضوع الحكم فيه ، وان يكون هذا الخاص واقعا في الاثناء لا في اول ازمنة العام ، كما لو ورد اوفوا بالعقود وكان الزمان ماخوذا فيه بنحو الواحد المستمر ، وورد تخصيصه بالخيار في الاثناء وكان الخيار محددا بزمان محدود ، كما لو كان ثبوت الخيار بالشرط مثلا ، وكان الشرط هو ثبوت الخيار بعد مضي زمان من وقت حدوث البيع ، وكان الخيار محدودا بكونه في يوم واحد مخصوص ، ففي مثل هذا لا يرجع الى العام بعد انقضاء زمان الخيار ، لما عرفت في القسم الاول من ان التمسك بالعام بعد انقطاعه لازمه تجزؤ البسيط واتصال المنفصلين واستمرار المنقطع ، ولا يرجع الى استصحاب الخاص لان الخاص حيث كان الزمان مأخوذا فيه بنحو التحديد والتعيين بين الحدين ، فموضوع الحكم هو الزمان المحدود بالحد المعلوم ، ولما كان الزمان قيدا لموضوع الحكم في الخاص فلا يجري الاستصحاب فيه ، لانه لا بد في الاستصحاب من اتحاد موضوع الحكم في المتيقن والمشكوك ، ولما كان موضوع الحكم في المتيقن هو الزمان المحدود ، فتسرية الحكم من هذا الموضوع الى ما بعده وهو الزمان الواقع بعد انقضاء زمان الخيار من تسرية حكم موضوع الى موضوع آخر فلا اتحاد في الموضوع في القضية المتيقنة والقضية المشكوكة ، فلا مجال في هذا القسم الى الرجوع الى العام لما عرفت ، ولا مجال للاستصحاب لعدم الاتحاد في الموضوع في القضية المتيقنة والمشكوكة ، فيكون من تسرية حكم موضوع الى موضوع آخر ، بل لا بد من الرجوع الى الاصول الأخر غير الاستصحاب.

٣١٠

.................................................................................................

______________________________________________________

فاتضح مما ذكرنا : ان ما بعد انقضاء زمان الخيار في هذا القسم الثالث ليس فيه دليل لفظي يرجع اليه لا من العام لما مرّ ولا من الخاص ، لان الزمان فيه مأخوذ في الموضوع وهو محدود بحدّين ، ولازم ذلك خروج هذا الزمان عنه ، ولا مجال ايضا للرجوع الى الاستصحاب وان لم يكن دليل لفظي هناك ، لكنه لعدم اتحاد الموضوع لا يرجع الى الاستصحاب ، فيتعيّن الرجوع الى ساير الاصول.

وظهر ايضا ما في ظاهر كلام الشيخ الاعظم من انه حيث يكون الزمان ماخوذا في العام بنحو الواحد المستمر ظرفا للحكم ، فالمرجع بعد تخصيصه بالخيار ـ مثلا ـ الى استصحاب حكم الخاص فيما بعد انقضاء زمان الخيار ، لما عرفت من عدم الرجوع الى الاستصحاب في هذا القسم مع ان العام قد اخذ الزمان فيه بنحو الواحد المستمر.

وعلى كل فقد اشار المصنف الى عدم الرجوع في هذا القسم الى عموم العام ولا الى الخاص ولا الى الاستصحاب وان المرجع ساير الاصول بقوله : ((وان كان مفاد العام على النحو الاول)) بان يكون الزمان مأخوذا فيه بنحو الواحد المستمر ظرفا للحكم ((والخاص على النحو الثاني)) بان يكون الزمان ماخوذا فيه بما هو قيد للموضوع ((فلا مورد)) في هذا القسم ((للاستصحاب)) ، والوجه في ذلك ما اشار اليه بقوله : ((فانه وان لم يكن هناك دلالة)) لدليل لفظي ((اصلا)) لما عرفت من عدم الدلالة لا من العام كما سيشير اليه ولا من الخاص ((إلّا ان انسحاب الحكم الخاص الى غير مورد دلالته)) وهو الزمان الذي يكون بعد انقضاء زمان الخيار ، وبهذا اشار الى عدم دلالة الخاص على ثبوت حكمه فيما بعد انقضاء زمانه ، ولكن الاستصحاب ايضا لا مجال له ، لان هذا الزمان لا ينسحب اليه حكم الخاص بواسطة الاستصحاب ، لان جريان الاستصحاب فيه فاقد لشرط جريان الاستصحاب وهو اتحاد الموضوع في القضية المتيقنة والقضية المشكوكة ، فانسحاب الحكم بواسطة الاستصحاب ((من اسراء حكم موضوع الى)) موضوع ((آخر لا)) من ((استصحاب حكم الموضوع)) في القضية المتيقنة الى نفس الموضوع في القضية

٣١١

وإن كان مفادهما على العكس كان المرجع هو العام ، للاقتصار في تخصيصه بمقدار دلالة الخاص (١) ، ولكنه لو لا دلالته لكان الاستصحاب

______________________________________________________

المشكوكة. ثم اشار الى عدم الرجوع فيه الى العام بقوله : ((ولا مجال ايضا للتمسك بالعام لما مرّ آنفا)) في القسم الاول كما عرفت ، ولما لم يكن العام مرجعا ولا الخاص ولا مجال لجريان الاستصحاب فيه ((فلا بد من الرجوع)) فيه ((الى ساير الاصول)) الأخر غير الاستصحاب.

(١) هذا هو القسم الرابع وهو ما كان مفاد العام على النحو الثاني ، بان يكون الزمان مأخوذا فيه بنحو التقطيع ، واما الخاص فيكون الزمان مأخوذا فيه بنحو الواحد المستمر ظرفا للحكم ، وفي هذا القسم يكون المرجع هو العام بعد انقضاء زمان الخاص ، لما عرفت من ان الزمان اذا كان مأخوذا في العام بنحو التقطيع يكون منحلا الى افراد متعددة بتعدد قطعات الزمان ، فاذا خصّص باخراج قطعة من الزمان منه يكون الخاص فيها دالا على حكم فيها غير حكم العام ، فلا ينثلم ظهور العام بالنسبة الى قطعات الزمان الآخر التي منها القطعة من الزمان الواقعة بعد انقضاء قطعة الزمان في الخاص. فاتضح ان العام هو المرجع بعد انقضاء زمان الخاص ، فاذا دلّ اوفوا بالعقود ـ مثلا ـ على ثبوت حكم الوفاء لكل عقد في كل زمان ، ثم خصّص بدليل خاص يدل على ثبوت الخيار مثلا في اثناء عقد البيع ، على نحو يكون الزمان في الخيار مأخوذا بنحو الواحد المستمر ظرفا للحكم ، فبعد انقضاء زمان الخيار يكون المرجع هو اوفوا بالعقود ، فيثبت به وجوب الوفاء بالعقد الدال على لزوم العقد فيما بعد انقضاء زمان الخيار. ولا يخفى انه في فرض اخذ الزمان في الخاص بنحو الواحد المستمر ظرفا للحكم فائدة سيشير اليها المصنف بقوله : ولكنه.

وعلى كل فقد اشار المصنف الى كون العام هو المرجع في هذا القسم ، فلا يرجع الى الاستصحاب لوجود الدليل اللفظي بقوله : ((وان كان مفادها على العكس)) بان مفاد العام على النحو الثاني ، بان اخذ الزمان فيه على نحو التقطيع ، وكون

٣١٢

مرجعا ، لما عرفت من أن الحكم في طرف الخاص قد أخذ على نحو صح استصحابه (١) ، فتأمل تعرف أن اطلاق كلام شيخنا العلامة أعلى الله

______________________________________________________

الزمان قيدا للموضع في الحكم ، ومفاد الخاص اخذ الزمان فيه على نحو الواحد المستمر ظرفا للحكم وهو النحو الاول ، فعلى هذا الفرض ((كان المرجع هو العام)) فيما بعد انقضاء زمان الخاص ((ل)) ما عرفت من انحلال العام الى افراد من جملتها هو زمان ما بعد انقضاء زمان الخيار ، وعليه فلا بد من ((الاقتصار في تخصيصه بمقدار دلالة الخاص)) وفي غير ذلك يكون هو المرجع ، ولا يرجع الى الخاص ولا الى الاستصحاب ، اما الى الخاص فلفرض انقضاء زمانه ، واما الى الاستصحاب فلوجود الدليل اللفظي وهو العام.

(١) حاصله : ان الزمان في الخاص بعد ان كان مأخوذا بنحو الواحد المستمر ظرفا للحكم فلا يكون الزمان مأخوذا فيه قيدا للموضوع ، وحيث لم يكن مأخوذا فيه كذلك فلا يكون للخاص دلالة على عدم ثبوت حكمه فيما بعد زمانه ويكون ساكتا عن ذلك ، ولما كان ساكتا فهناك مجال لاستصحابه ، فلو لم يكن العام دالا على الحكم في هذا الزمان لكان مجال لاستصحاب حكم الخاص.

ومنه يتضح الفرق بين الخاص الذي اخذ الزمان فيه قيدا لموضوع الحكم كما في القسم الثالث ، وبين الخاص الذي اخذ الزمان واحدا مستمرا ظرفا للحكم كما في هذا القسم الرابع : في ان الخاص في القسم الثالث لا مجال فيه للاستصحاب لما عرفت من عدم اتحاد الموضوع في القضية المتيقنة والقضية المشكوكة ، والخاص في هذا القسم لا مانع من جريان الاستصحاب فيه لو لا دلالة العام على الحكم فيه. والى هذا اشار بقوله : ((ولكنه)) أي ولكن في هذا القسم الرابع الذي اخذ الزمان في الخاص بنحو الواحد المستمر ظرفا للحكم ((لو لا دلالته)) أي لو لا دلالة العام فيه على الحكم ((لكان الاستصحاب مرجعا لما عرفت من ان الحكم في طرف الخاص قد اخذ على نحو صح استصحابه)) بخلافه في القسم الثالث فانه حيث اخذ الزمان بنحو يكون قيدا

٣١٣

مقامه في المقام نفيا وإثباتا في غير محله (١).

______________________________________________________

للموضوع فلا يصح استصحابه ، وحيث اخذ في هذا القسم ظرفا فلا يكون قيدا للموضوع حتى يكون استصحابه من باب تسرية حكم موضوع في القضية المتيقنة لموضوع آخر في القضية المشكوكة ، بل يكون استصحابه من استصحاب حكم الموضوع في القضية المتيقنة لنفس الموضوع في القضية المشكوكة كما مر بيانه تفصيلا.

(١) توضيحه : انه قد مر في اول التنبيه ان الاقوال ثلاثة : قول المصنف وقد عرفته تفصيلا ، وقول الشيخ الاعظم وظاهره التفصيل ، وانه اذا كان الزمان مأخوذا في العام بنحو كونه واحدا مستمرا ظرفا للحكم يكون المرجع هو الاستصحاب لحكم الخاص بعد انقضاء زمان الخاص ، ولا يكون العام مرجعا اصلا ، وقد عرفت ما فيه مما مر من انه ، تارة يكون العام مرجعا فيما كان الخاص مخصصا للعام من الاول ، فالعام وان كان الزمان ظرفا فيه لكنه مع ذلك يكون هو المرجع بعد التخصيص كما عرفت في القسم الاول ، واخرى يكون الزمان في العام ظرفا ايضا ولا يكون العام مرجعا كما في القسم الثالث ، ولكنه لا مجال فيه للاستصحاب ايضا كما مر بيانه. واذا كان الزمان ماخوذا في العام بنحو التقطيع واخذ الزمان قيدا للموضوع فظاهر الشيخ ان المرجع هو العام بعد زمان الخاص ، ولا يرجع الى الاستصحاب في هذا الفرض ولو فرض عدم حجية العام لاجل المعارضة مثلا. وقد عرفت ما فيه مما مر في القسم الرابع من ان العام وان كان هو المرجع إلّا انه لا نقص في جريان الاستصحاب لحكم الخاص ، حيث ان الزمان قد اخذ في الخاص بنحو يكون ظرفا مستمرا واحدا ، فلا مانع من استصحابه لو لم يكن العام دالا على الحكم.

فظهر ـ مما مر ـ ما في كلام الشيخ نفيا واثباتا ، فانه لا وجه لنفيه لحجية العام اصلا ورجوعه الى الاستصحاب فيما اذا كان الزمان مأخوذا في العام ظرفا واحدا مستمرا ، لما عرفت من ان الخاص اذا كان مخصصا للعام من الاول فالعام يكون هو المرجع وان اخذ الزمان ظرفا ، لما مر في القسم الاول.

٣١٤

الرابع عشر : الظاهر أن الشك في أخبار الباب وكلمات الاصحاب هو خلاف اليقين ، فمع الظن بالخلاف فضلا عن الظن بالوفاق يجري الاستصحاب (١) ، ويدل عليه ـ مضافا إلى أنه كذلك لغة كما في الصحاح ،

______________________________________________________

ولا وجه لاثباته كون المرجع هو الاستصحاب مطلقا فيما اذا كان الزمان ظرفا واحدا مستمرا ، لما عرفت من عدم الرجوع الى الاستصحاب وان كان الزمان ظرفا للعام ، فيما اذا كان الزمان في الخاص مأخوذا بنحو كونه قيدا للموضوع ، فان المرجع فيه ساير الاصول دون الاستصحاب كما مرّ في القسم الثالث. ولا وجه لنفيه الاستصحاب مطلقا فيما اذا كان الزمان مأخوذا في العام بنحو التقطيع ولو لم يكن العام بحجة لاجل المعارضة فقد عرفت انه لا مانع من الرجوع الى الاستصحاب لوجدانه لاتحاد الموضوع في القضية المتيقنة والقضية المشكوكة ، كما مرّ بيانه في القسم الرابع.

لا يخفى ان القول الثالث وهو كون العام مرجعا مطلق سواء في الواحد المستمر وفي غيره ، ولا وجه للتفصيل الذي ذكره المصنف ، ولا لما ذكره الشيخ ، والوجه فيه ان العام له دلالتان : دلالة من حيث العموم بالنسبة الى افراد العقود كعقد البيع وعقد الاجارة وغيرهما من العقود ، ودلالة من حيث الاطلاق وهو الوفاء بالعقد بالنسبة الى الزمان ، وللاطلاق دلالة على وجوب الوفاء بالعقد في كل قطعة من قطعات الزمان ، ولذا كان له عصيانات متعددة بحيث يمكن ان يطيع ويفي بالعقد في بعض قطعات الزمان ، ويمكن ان يعصي ولا يفي به في القطعة الاخرى ، ولا يكون الاطلاق فيه نظر الى الجمع بين القيود حتى يقال ان المفروض ان النظر فيه الى الزمان بنحو الواحد المستمر ، لان المراد من الاطلاق عدم النظر الى اخذ القيود بنحو اللابشرط القسمي وليس فيه جمع بين القيود.

(١) الغرض من هذا التنبيه هو اثبات ان الاستصحاب قوامه باليقين في الزمان السابق وعدم اليقين في الزمان اللاحق ، ولا خصوصية للشك الاصطلاحي الذي هو تساوي

٣١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

الطرفين ، بل لا بد من ترتيب آثار اليقين السابق في حال حصول الظن بغير ما كان قد تعلق به اليقين ، واما ترتيب الآثار مع قيام الظن بما يوافق ما تعلق به اليقين ربما يقال انه بالاولوية ، لانه مع لزوم ترتيب آثار اليقين في حال تساوي الطرفين في الزمان اللاحق فبالطريق الاولى ان يؤخذ باليقين فيما قام الظن على وفاقه في الزمان اللاحق. وعلى كل فمحل الاستدلال هو فيما قام الظن على خلاف ما تعلق به اليقين ، بان يحصل اليقين بوجود شيء ـ مثلا ـ في الزمان السابق ثم يحصل الظن بعدم وجوده في الزمان اللاحق ، فاذا كان ما دلّ على حجية الاستصحاب دالا على الاخذ باليقين في السابق في حال عدم اليقين في اللاحق فلا بد وان يكون المراد بالشك ما يشمل الظن بالخلاف.

وينبغي ان لا يخفى انه بناء على كون مدرك حجية الاستصحاب هو الاجماع فالقاعدة الاولية ـ ما لم يعلم بشموله للظن بالخلاف ـ تقتضي الاقتصار فيه على خصوص تساوي الطرفين والظن بالوفاق ، لانه ليس له لسان لفظي حتى يستدل بعمومه او باطلاقه على شموله للظن بالخلاف.

وان كان مدركه بناء العقلاء فلا بد من مراجعة بنائهم في مقام الظن بالخلاف ، فان كان بناؤهم على ترتيب آثار اليقين فيه كانت حجية الاستصحاب شاملة للظن بالخلاف ، والّا فلا بد من الاقتصار على خصوص مورد الشك والظن بالوفاق.

وان كان مدرك الاستصحاب كونه من الامارات الظنية ، فان كان هو الظن الشخصي فلا ريب في عدم حجيته في مقام الظن بالخلاف ، وان كان هو الظن النوعي فان كان الظن النوعي مقيدا بعدم قيام الظن الشخصي على الخلاف فلا يكون حجة في مقام الظن بالخلاف ايضا ، وان لم يكن الظن النوعي مقيدا بعدم قيام الظن الشخصي على الخلاف فيكون حجة من مورد الظن بالخلاف.

وان كان مدرك الاستصحاب هو الاخبار ، فقد استدل على كونه حجة مطلقا حتى في مورد الظن بالخلاف بوجوه تزيد على ما اشار اليها في المتن ، وفي المتن اشار

٣١٦

وتعارف استعماله فيه في الاخبار في غير باب (١) ـ قوله عليه‌السلام في أخبار الباب ولكن تنقضه بيقين آخر حيث أن ظاهره أنه في بيان تحديد ما ينقض به اليقين وأنه ليس إلا اليقين (٢) ، وقوله أيضا لا حتى يستيقن أنه قد نام

______________________________________________________

الى جملة منها ارتضى بعضها واورد على بعضها. وقد اشار الى ان الوجوه المستدل بها لكون دليل الاستصحاب حجة حتى في مقام الظن بالخلاف موردها ما اذا كان دليل حجية الاستصحاب هو الاخبار ، بان يكون المراد من الشك الوارد فيها هو ما يعم الظن بالخلاف ، لا خصوص ما اذا تساوى الطرفان او كان هناك ظن بالوفاق بقوله : ((الظاهر ان الشك في اخبار الباب وكلمات الاصحاب)) يراد به ما ((هو خلاف اليقين فمع الظن بالخلاف فضلا عن الظن بالوفاق يجري الاستصحاب)) ووجه الترقي في قوله فضلا واضح ، لانه اذا كان المراد من الشك ما يعم مورد الظن بالخلاف فبطريق اولى يعم مورد الظن بالوفاق.

(١) اشار بقوله مضافا الى وجهين يقتضيان عموم الشك الوارد في الاخبار لمورد الظن بالخلاف : الاول : ان معنى الشك في اللغة هو خلاف اليقين لا خصوص تساوي الطرفين ، واليه اشار بقوله : ((مضافا الى انه كذلك لغة كما في الصحاح)).

الثاني : انه قد ورد لفظ الشك في غير باب الاستصحاب وقد اريد منه عدم اليقين كما في باب الشك في عدد الركعات ، فان من لاحظ باب الشك في عدد الركعات يرى ان المراد من الشك فيها هو عدم اليقين ، واليه اشار بالعطف بقوله : ((وتعارف استعماله فيه)) أي مما يدل على ان المراد من الشك في باب الاستصحاب هو عدم اليقين هو تعارف استعمال له : أي استعمال الشك فيه أي في عدم اليقين ((في الاخبار)) الواردة ((في غير باب)) الاستصحاب كباب الشك في عدد الركعات.

(٢) حاصله : انه قد ورد في خصوص اخبار باب الاستصحاب قرائن تدل على ان المراد بالشك فيها هو عدم اليقين :

٣١٧

بعد السؤال عنه عليه‌السلام عما إذا حرك في جنبه شيء وهو لا يعلم حيث دل بإطلاقه مع ترك الاستفصال بين ما إذا أفادت هذه الامارة الظن ، وما إذا لم تفد ، بداهة أنها لو لم تكن مفيدة له دائما لكانت مفيدة له أحيانا ، على عموم النفي لصورة الافادة (١) ، وقوله عليه‌السلام بعده

______________________________________________________

القرينة الاولى : ما في صحيحة زرارة الاولى وهي انه بعد ان نهى عن نقض اليقين بالشك ، قال عليه‌السلام : ولكن تنقضه بيقين آخر ، فان قوله ولكن تنقضه بيقين آخر قد ورد لبيان تحديد ما ينقض به اليقين السابق وهو اليقين اللاحق القائم على خلاف اليقين السابق ، واذا كان الحد لنقض اليقين السابق هو اليقين اللاحق القائم على خلافه كان هذا الكلام دالا على ان اليقين السابق لا ينقض بالظن القائم على خلافه ، ولازم هذا كون المراد من الشك المنهي عن نقض اليقين به هو ما يعم الظن بالخلاف. والى ما ذكرنا اشار بقوله : ((قوله عليه‌السلام في اخبار الباب)) أي ان قوله عليه‌السلام في اخبار الباب وهو قوله ((ولكن تنقضه بيقين آخر)) يدل على ان المراد بالشك ما يعم الظن بالخلاف وذلك ((حيث ان ظاهره)) في قوله عليه‌السلام ولكن تنقضه بيقين آخر ((انه في)) مقام ((بيان تحديد ما ينقض به اليقين وانه ليس هو إلّا اليقين)) ولازم التحديد هو حصر الناقض لليقين باليقين ، واذا كان ما ينقض اليقين هو اليقين فغير اليقين مما نهى عن النقض به ، وغير اليقين ما يعم الظن بالخلاف ، ولازم هذا كون المراد من الشك ما يعم الظن بالخلاف.

(١) هذه هي القرينة الثانية التي وردت في هذه الصحيحة ايضا ، وهي قوله عليه‌السلام لا حتى يستيقن انه قد نام ، فانه قد ورد هذا جوابا لسؤال زرارة عمن اذا حرك في جنبه شيء وهو لا يعلم ، فهل يكون ذلك امارة على حصول النوم الناقض للوضوء ام لا؟ فقال عليه‌السلام في جوابه : لا حتى يستيقن انه قد نام ، والمفهوم من هذا الكلام ان المدار في ما ينقض اليقين بالوضوء هو حصول اليقين بالنوم الذي هو الناقض ، فما لم يتيقن لاحقا بخلاف ما تعلق به اليقين السابق لا ينقض اليقين السابق. وهذا

٣١٨

.................................................................................................

______________________________________________________

الكلام ايضا يدل على تحديد الناقض لليقين وحصره باليقين ، وهو يدل على ان ما عدا اليقين لا ينقض اليقين.

وبعبارة اخرى : ان السائل ذكر في سؤاله ما يمكن ان يكون امارة نوعية على حصول الناقض ، وجواب الامام له جعل المدار على حصول اليقين ، ولم يعتن بهذه الامارة النوعية ، ولم يفصل بين كون عدم احساسه بتحريك شيء في جنبه مما يوجب الظن بالخلاف او الشك ، بل جعل المدار على حصول اليقين ، فجوابه عليه‌السلام وهو قوله لا حتى يستيقن انه قد نام له اطلاق يدل على انه ان حرك في جنبه شيء وهو لا يعلم لا ينقض اليقين بالطهارة وان ظن بالخلاف ، فترك التفصيل من الامام عليه‌السلام وعدم اعتنائه بالامارة النوعية وحصره للناقض باليقين يدل على ان المراد من الشك في قوله لا ينقض اليقين بالشك هو ما يعم الظن بالخلاف.

هذا كله اذا لم نقل بان قصد السائل هو السؤال عن خصوص الظن بالخلاف ، لان ما ذكره مما يستلزم بطبعه الظن بالخلاف غالبا ، فجواب الامام عليه‌السلام بقوله لا حتى يستيقن يكون مورده عدم الاعتناء بالظن بالخلاف وانه من نقض اليقين بالشك ، فيكون نصا قائما على ان المراد من الشك هو ما يعم الظن بالخلاف.

لا يخفى ان محل الكلام هو الظن الشخصي بالخلاف ، فان كان قول السائل فان حرك في جنبه شيء وهو لا يعلم يريد به الامارة النوعية على الظن بالخلاف ، فحيث لا ملازمة بين الامارة النوعية والظن الشخصي ، فلا بد من كون القرينة على عدم اعتبار الظن الشخصي بالخلاف هو ترك الاستفصال كما هو ظاهر المتن. وان كان قول السائل فان حرك ... الى آخره يريد به ما يوجب الظن الشخصي بالخلاف ، فنفي عدم اعتباره في كلام الامام عليه‌السلام يكون نصا في عدم الاعتناء بالظن بالخلاف. بل يمكن ان يقال ان ظاهر سؤال السائل انه عما يوجب الظن بالخلاف ، لان ذلك بعد ان بين له الامام عليه‌السلام : بانه قد تنام العين ولا ينام القلب ، فيكون اوضح دلالة على عدم اعتبار الظن بالخلاف ، والوجه في كون السؤال عن ذلك ، انه بعد ان بين

٣١٩

.................................................................................................

______________________________________________________

الامام عليه‌السلام انه لا ملازمة بين الخفقة والخفقتين والنوم سأل عما له الملازمة عادة ، ومن الواضح ان ما له الملازمة العادية يوجب الظن بالخلاف ، فقول السائل فان حرك في جنبه شيء وهو لا يعلم ظاهر جدا في انه سؤال عما يوجب الظن بالخلاف.

فتحصل مما ذكرنا : ان السؤال اذا كان عن خصوص الظن بالخلاف لم نحتج الى التمسك بالاطلاق وترك الاستفصال ، بل يكون قوله عليه‌السلام لا حتى يستيقن بكون مورده ان الظن بالخلاف من نقض اليقين بالشك ، وان كان السؤال عما هو اعم من الشك والظن بالخلاف ، كان الاطلاق بترك الاستفصال في مقام الجواب دليلا على ذلك. ويظهر من المصنف ان الدليل هو الاطلاق وترك الاستفصال.

وعلى كل فقوله عليه‌السلام لا حتى يستيقن قرينة في هذه الصحيحة على ان المراد من الشك الذي قد نهى عن نقض اليقين به هو ما يعم الظن بالخلاف. والى ذلك اشار بقوله : ((وقوله ايضا لا حتى يستيقن انه قد نام بعد السؤال عنه عليه‌السلام عما اذا حرك في جنبه شيء وهو لا يعلم)) دليل على ان الشك في قوله عليه‌السلام لا ينقض اليقين بالشك الواقع بعد هذا السؤال والجواب مما يعم الظن بالخلاف ((حيث دل)) قوله لا حتى يستيقن ((باطلاقه مع ترك الاستفصال بين ما اذا افادت هذه الامارة)) وهي التحريك للشيء بالجنب ولا يعلم به ((الظن)) بالخلاف ((وما اذا لم تفد)) الظن بالخلاف على ان الشك مما يعم الظن بالخلاف. ثم اشار الى الوجه في هذا الاطلاق بقوله : ((بداهة)) ان التحريك وعدم العلم به اذا كان امارة على النوم ف ((انها لو لم تكن مفيدة له)) أي للظن بالخلاف ((دائما لكانت مفيدة له)) أي للظن بالخلاف ((احيانا)) فترك الاستفصال في مقام الجواب يكون دالا باطلاقه ((على عموم النفي)) في قوله لا حتى يستيقن ((لصورة الافادة)) للظن بالخلاف ، ولا يخفى ان الجار والمجرور وهو قول المصنف على عموم النفي متعلق بقوله حيث دل باطلاقه.

٣٢٠