بداية الوصول

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي

بداية الوصول

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي


المحقق: محمّد عبدالحكيم الموسوي البكّاء
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار الهدى
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٢
ISBN: 964-497-064-0
ISBN الدورة:
964-497-056-X

الصفحات: ٤٢١

.................................................................................................

______________________________________________________

فاذا عرفت هذا ... نقول : ان النسبة بين نظر العرف ونظر العقل هي العموم من وجه ، لتصادقهما فيما اذا ترتب حكم على عدالة زيد وتعلّق اليقين بعدالته ثم شك في بقائها مع العلم بحياته ، فان الموضوع في هذا الفرض متحد في القضيتين في كلا النظرين.

وصدق بقاء الموضوع بنظر العقل واتحاده في القضيتين دون نظر العرف في مثل جواز التقليد للمجتهد بعد موته ، فان جواز التقليد حكم موضوعه رأي المقلد ورأي المقلد قائم عند العقل بنفسه العاقلة والنفس باقية لا فناء لها ، فالموضوع عند العقل واحد باق في القضيتين ، وموضوع جواز التقليد بنظر العرف هو زيد المركب من النفس والبدن ، وبعد موته لا بقاء للموضوع بنظر العرف. ففي هذا الفرض يتحد الموضوع في القضيتين في نظر العقل ، ولا اتحاد بين القضيتين في الموضوع في نظر العرف.

وصدق بقاء الموضوع واتحاده في القضيتين في نظر العرف دون نظر العقل في الشك في بقاء الاحكام الكلية مطلقا ، مثلا لو شك في بقاء الحكم الكلي بوجوب صلاة الجمعة في حال الغيبة ، فان الموضوع لا اتحاد له في القضيتين بنظر العقل دون العرف ، لان سبب الشك في بقاء الحكم هو احتمال كون مصلحة وجوب صلاة الجمعة منوطة بحضور الامام عليه‌السلام ، ومع هذا الاحتمال يكون الموضوع في نظر العقل مما يحتمل ان يكون هو صلاة الجمعة في حال حضور الامام عليه‌السلام ، ومع عدم حضور الامام لا يقين ببقاء الموضوع لهذا الوجوب بنظر العقل ، فلا جريان للاستصحاب بنظره لعدم احراز بقاء الموضوع مع هذا الاحتمال في نظر العقل.

وبعبارة اخرى : ان الاحكام بنظر العقل تابعة للمصالح والمفاسد في متعلق الحكم ، ومع فقد خصوصية يحتمل دخالتها في المصلحة لا احراز للموضوع بنظر العقل ، لان كلّما كان داخلا في مصلحة الحكم يكون داخلا في موضوع الحكم بنظر

٣٤١

.................................................................................................

______________________________________________________

العقل ، فمع فقد الخصوصية المحتمل دخلها يكون الموضوع غير محرز بقاؤه في نظر العقل لاحتمال دخل تلك الخصوصية فيه.

واما في نظر العرف فان السبب للشك وان كان احتمال دخل تلك الخصوصية ، الّا ان الموضوع بنظر العرف للوجوب هو نفس صلاة الجمعة ، والخصوصية المفقودة ليست مقوّمة للموضوع بنظر العرف ، وان احتمل عدم الوجوب عند فقدها ، فالموضوع للوجوب بنظره هو صلاة الجمعة وهو باق ومتحد في القضيتين ، فالاستصحاب جار في نظره لتمامية اركانه بنظر العرف ، ففي هذا الفرض وساير الاحكام الكلية الموضوع باق ومتحد في القضيتين بنظر العرف دون نظر العقل.

والنسبة بين نظر العقل ولسان الدليل هي العموم من وجه ايضا ، لتصادقهما في المثال الاول المذكور وهو ما اذا رتب حكم في لسان الدليل على عدالة زيد ثم شك في بقائها مع العلم بحياة زيد ، فان الموضوع باق ومتحد في القضيتين بحسب نظر العقل ولسان الدليل ، لان الموضوع في كليهما هو وجود زيد وهو باق ومتحد في القضيتين ، فيجري الاستصحاب بحسب نظر العقل ولسان الدليل لبقاء الموضوع واتحاده عندهما.

وصدق بقاء الموضوع في نظر العقل دون لسان الدليل ، كما في مثل جواز التقليد فانه اذا رتب في لسان الدليل جواز التقليد للانسان العالم كما لو قال عليه‌السلام : من كان عالما بحلالنا وحرامنا فللعوام ان يقلّدوه ، وبعد موت هذا الشخص يكون الموضوع باقيا ومتحدا في القضيتين بنظر العقل دون لسان الدليل ، لان التقليد كما عرفت في نظر العقل متقوّم بنفس الشخص والنفس باقية بعد الموت لا فناء لها ، فلا مانع من جريان الاستصحاب في نظره. وليس كذلك في لسان الدليل ، فان في لسان الدليل موضوع جواز التقليد هو الانسان العالم ، والانسان مركب من النفس والبدن ، وبعد الموت لا بقاء للانسان المركب من النفس والبدن ، فلا يجري الاستصحاب بحسب لسان الدليل ، لعدم بقاء الموضوع بعد الموت.

٣٤٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وصدق بقاء الموضوع واتحاده في القضيتين بحسب لسان الدليل دون نظر العقل ، في مثل ما اذا ورد في لسان الدليل الماء اذا تغيّر بالنجاسة ينجس ، فتغيّر الماء بالنجاسة ثم زال التغيّر ، فان الموضوع غير محرز البقاء في نظر العقل لاحتماله كون النجاسة حكما للماء المتغيّر ، ومع ذهاب التغيّر لا يجري استصحاب نجاسة الماء لاحتمال كون الموضوع للنجاسة هو الماء المتغيّر ، وبعد ذهاب التغيّر لا احراز لبقاء الموضوع في نظر العقل.

واما في لسان الدليل فحيث كان الظاهر منه هو كون التغيير كحيثية تعليلية لعروض النجاسة للماء ، فالماء بحسب ظاهر الدليل هو الموضوع للنجاسة ، وهو باق ومتحد في القضيتين.

والنسبة بين لسان الدليل ونظر العرف هي العموم من وجه ايضا ، لتصادقهما في المثال المتقدّم وهو عدالة زيد كما هو واضح.

وصدق بقاء الموضوع واتحاده في القضيتين بحسب لسان الدليل دون نظر العرف ، فيما اذا كان لسان الدليل دالا على تنجس الجسم اذ لاقى نجاسة ، بان ورد في لسان الدليل : كل جسم لاقى نجاسة يتنجس ، فلاقى الخشب نجاسة فتنجّس ، ثم احترق الخشب بالنار فاستحال الى رماد ، فظاهر لسان الدليل ان موضوع النجاسة هي الجسمية في الخشب ، ومن الواضح بقاء الجسمية في حال الرمادية ، فالموضوع بحسب لسان الدليل باق ومتحد في القضيتين ، وبحسب نظر العرف لا بقاء للموضوع ، لان الموضوع للنجاسة بحسب نظر العرف هي الخشبيّة ولا بقاء للخشبية في حال كونه رمادا ، فيجري الاستصحاب بحسب لسان الدليل لبقاء الموضوع واتحاده في القضيتين ، ولا يجري بحسب نظر العرف لعدم بقاء الموضوع بنظره.

وصدق الموضوع بحسب نظر العرف دون لسان الدليل في موارد كثيرة : منها ما اشار اليه في المتن ، وهو ما اذا كان الحكم بحسب لسان الدليل ثابتا لموضوع خاص كالعنب في مثل ما اذا ورد : العنب اذا غلى يحرم ، فان موضوع الحرمة في لسان

٣٤٣

.................................................................................................

______________________________________________________

الدليل هو العنب ، والعنبيّة هي حالة ما قبل الجفاف ، ولكن العرف بحسب ارتكازه يرى ان الموضوع هو ما يشمل حالة الجفاف وهي الزبيبيّة ، فان الموضوع بنظره بحسب ما يراه من مناسبات الحكم والموضوع هو المادة المشتركة بين حالة العنبيّة والزبيبيّة ، فانه يرى ان العنبيّة والزبيبيّة من الحالات المتبادلة على ما هو الموضوع للحرمة وهو المادة المشتركة بينهما ، ففي مثل هذا لا يجري الاستصحاب بحسب لسان الدليل ، لان الموضوع للحكم في لسانه هو العنبيّة وهي مرتفعة في حال كونه زبيبا فلا بقاء للموضوع في حال الشك ، ويجري الاستصحاب بحسب نظر العرف ، لان الموضوع في نظره هو المادة المشتركة وهي باقية في حال الزبيبيّة ، فان العرف بحسب ارتكازه وما يفهمه من مناسبات الحكم والموضوع يرى ان الزبيب اذا كان لا يحرم بالغليان فهو من باب ارتفاع الحكم عن موضوعه.

فاتضح مما ذكرنا حال النسبة بين الاحتمالات الثلاثة : من نظر العقل ونظر العرف ولسان الدليل ، ولذلك كان للبحث بان النقض المنهي عنه هو النقض بحسب أي هذه الثلاثة ثمرة مهمة من جريان الاستصحاب بحسب نظر منها وعدم جريانه بحسب النظرين الآخرين.

الثاني : ان الرجوع الى نظر العرف في مقامين : الاول : الرجوع اليه بما هو مرجع في فهم معنى الالفاظ في المحاورات ، وبالعرف في هذا المقام يحصل الظهور ويكون للكلام ظاهر وهو المراد للمتكلم من كلامه.

الامر الثاني : هو الرجوع الى العرف فيما يفهمه بحسب ارتكازه ومناسبات الحكم والموضوع ، فالعرف مع كونه يرى ان الظاهر من لفظ العنب هو ما قبل الجفاف يرى ـ ايضا ـ بحسب ارتكازه ان موضوع الحكم للحرمة هو المادة المشتركة بين العنبيّة والزبيبيّة ، ومرادهم من كون نظر العرف في قبال نظر العقل ولسان الدليل هو الرجوع اليه بما يفهمه من جهة ارتكازه وما يراه من مناسبات الحكم والموضوع ، لا فيما يفهمه من اللفظ في المحاورات.

٣٤٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وينبغي ان لا يخفى ان الرجوع الى العرف ـ هنا ـ في تشخيص الموضوع ليس من الرجوع الى العرف في تشخيص المصاديق ، ليقال ان العرف لا يرجع اليه في تشخيص المصاديق وانما يرجع اليه في تشخيص المفاهيم ، وذلك لما عرفت من ان العرف ـ هنا ـ لا يرى ان الزبيب ـ مثلا ـ هو من مصاديق العنب ، بل مع انه يرى ان الزبيب ليس عنبا لكنه بحسب ارتكازه من مناسبة الحكم والموضوع يرى ان الحكم موضوعه هو المادة المتحققة في حالة العنبية والزبيبية ، غايته انه يحتمل انه لحالة العنبية دخل ، فلذا يحصل الشك ونحتاج الى الاستصحاب.

ولا يخفى ان العرف بحسب ارتكازه في مناسبة الحكم والموضوع ربما يعمم الموضوع ، كما في العنب اذا غلى يحرم ، ومثل الماء المتغير بالنجاسة ينجس ، فانه يرى بحسب ارتكازه ان التغير واسطة في عروض النجاسة على الماء وثبوتها له ، وان الماء هو الموضوع للنجاسة ، وان كان الحكم بحسب لسان الدليل هو ثبوت النجاسة للماء المتغير يوصف التغير ، ففي المثال العرف معمم للموضوع كما كان معمما له في الحرمة الثابتة بحسب لسان الدليل لخصوص العنب.

وربما يخصص الموضوع كما في مثل جواز التقليد ، فان العرف بحسب ارتكازه مخصص للموضوع في قبال نظر العقل ، فان العرف بحسب ارتكازه يرى ان الموضوع لجواز التقليد هو المجتهد الحي دون الميت.

وينبغي ان لا يخفى ايضا ان الارتكاز العرفي بحسب مناسبات الحكم والموضوع في نظره ليس هو بمثابة ان يكون قرينة على كون الظاهر من لسان الدليل هو ما يعم الزبيبية ، وإلّا كان موجبا لكون الظاهر هو ما يعم الزبيبية ولا تصل النوبة الى الاستصحاب ، بل المراد ان الارتكاز العرفي موجب لكون الموضوع للنقض بنظر العرف هو ما يعم الزبيبية ، مع اعترافه بكون الموضوع لظاهر الدليل هو خصوص العنب.

٣٤٥

.................................................................................................

______________________________________________________

الامر الثالث من الامور : ان المراد من قولهم العرف بحسب نظره المسامحي ليست المسامحة بمعنى الحقيقية الادعائية : أي ان العرف ليس تعميمه من باب الحقيقة الادعائية ، بل مرادهم من المسامحة بنظر العرف هو ان الموضوع اذا كان بحسب لسان الدليل او نظر العقل خاصا ، فتعميمه بنظر العرف هو تسامحه فيما كان موضوعا بحسب نظر العقل ولسان الدليل ، وانه يتسامح عما هو الموضوع فيهما ، لانه يرى بحسب ارتكازه ان الموضوع اعم ، فالمراد بتسامح العرف هو تسامحه عن نظر العقل ولسان الدليل لا الحقيقة الادعائية ، لوضوح ان العرف يرى ثبوت الموضوع حقيقة لا ادعاء.

الامر الرابع : ان المصنف يرى انه لا يعقل الاطلاق في دليل لا تنقض بحيث يشمل نظر العقل ولسان الدليل ونظر العرف ، لان نظر العقل ولسان الدليل ونظر العرف امور متقابلة ، ولا يمكن تحقق الاطلاق بحيث يشمل الامور المتقابلة إلّا اذا كان لها جامع مفهومي يكون الاطلاق ناظرا اليه وحينئذ يكون شاملا للامور المتقابلة ، ولا جامع مفهومي في المقام بحيث يشمل هذه الامور المتقابلة ، وعليه فلا بد وان يكون النقض المنهي عنه في لسان دليل الاستصحاب هو النقض بحسب احد هذه الانظار معينا كما مر منه الاشارة الى هذا في استصحاب الامور التدريجية في التنبيه الرابع. واما غير المصنف ممن يرى امكان الاطلاق إلّا انه ايضا لا مجال له ايضا في دليل لا تنقض ، لان دليل لا تنقض له ظهور في كونه بحسب خصوص النظر العرفي ، ومع كونه ظاهرا في خصوص النظر العرفي لا وجه لدعوى الاطلاق فيه بحيث يشمل نظر العقل ولسان الدليل.

الامر الخامس : ان المراد من كون النقض في دليل الاستصحاب ، هل هو بحسب نظر العقل او لسان الدليل او نظر العرف هو ان نظر العقل هو الطريق الى ما اراده الشارع من النقض في لسان دليل الاستصحاب؟ ... او ان لسان الدليل هو الطريق الى ما اراده الشارع من النقض؟ او ان نظر العرف هو الطريق الى ما اراده الشارع

٣٤٦

.................................................................................................

______________________________________________________

من النقض؟ فلا يتوهم انه ليس للعقل ولا لنظر العرف حق الاختراع بعد ان كان لسان الدليل معينا لموضوع الحكم ، لما عرفت من ان نظر العقل والعرف ليس الرجوع اليهما من باب انهما مخترعان ، بل بما هما طريقان ، وهما كلسان الدليل من حيث الطريقية لتعيين موضوع النقض ، والدليل انما كان معينا لموضوع الحكم المتيقن لا لموضوع النقض في دليل لا تنقض ، فحال لسان الدليل كحال نظر العرف ونظر العقل من حيث كون الكل طريقا لتعيين الموضوع للنقض في دليل الاستصحاب.

اذا عرفت هذه الامور ... فالحق كما هو مختار المصنف وجملة المحققين : ان دليل الاستصحاب منزل على نظر العرف ، فالمراد من النقض المنهي عنه هو ما يراه العرف نقضا ، لا ما كان بحسب نظر العقل نقضا ، ولا ما كان نقضا بحسب لسان الدليل ، لانه كما ان العرف هو المرجع في تعيين الظهور ، فالظاهر هو الذي يكون ظاهرا بحسب نظر العرف ، لان الشارع حيث انه لا طريق له خاص في مقام محاوراته فهو من حيث المحاورة كواحد من العرف. كذلك الحال فيما اذا كان للموضوع مصاديق مختلفة ، كموضوع النقض فانه له مصداق بنظر العقل وله مصداق بحسب لسان الدليل وله مصداق بحسب نظر العرف ، فان الشارع ايضا كواحد من العرف في تعيين مصداق الظاهر الذي له مصاديق متفاوتة ، فكما فيما اذا كان لا تنقض صادرا من واحد من اهل العرف لا ريب في ان مصداق النقض ما هو نقض بحسب نظر العرف ، فكذلك فيما اذا كان الكلام صادرا من الشارع فانه ـ ايضا ـ كواحد من العرف في تعيين المصداق للظاهر من بين مصاديقه المتفاوتة.

فاتضح مما ذكرنا : انه لا بد وان ينزل كلام الشارع في قوله لا تنقض اليقين بالشك على النقض الذي يراه العرف نقضا ، دون النقض بحسب نظر العقل او لسان الدليل.

ولا ينبغي ان يقال : انه يتعين النقض بحسب نظر العقل لانه هو النقض الحقيقي دقة ، لما عرفت من ان نظر العقل هو كطريق الى معرفة ما هو النقض الحقيقي في قوله

٣٤٧

.................................................................................................

______________________________________________________

لا تنقض ، فحاله كحال نظر العرف من هذه الجهة ، لان النقض العرفي ـ ايضا ـ نقض حقيقي ، وليس هو بنقض ادعائي حتى يتقدم عليه النقض الحقيقي.

ولا ينبغي ان يقال : ان المتيقن هو النقض في لسان الدليل ، بدعوى ان كلام الشارع لا بد وان ينزل على ما هو النقض بحسب لسان دليله ، ولا وجه للرجوع الى نظر غير نظره ، لما عرفت ايضا من ان الشارع انما عين الموضوع في مقام الحكم المتيقن الثابت لموضوعه ، ولم يعين الموضوع في دليل النقض ، فحاله في الطريقية لتعيين موضوع النقض في لا تنقض كنظر العرف ، وحيث عرفت انه لا بد من الرجوع الى العرف في تعيين ما هو المصداق للظاهر الذي له مصاديق متفاوتة ، فيتعين كون المرجع في تعيين موضوع لا تنقض هو نظر العرف ، دون لسان الدليل ودون نظر العقل.

وقد اشار المصنف الى بعض المقدمات ، فاشار الى النسبة بين الانظار الثلاثة بقوله : ((فلا مجال للاستصحاب في الاحكام ... الخ)).

وحاصله : انه في مقام استصحاب الاحكام الكلية لا يجري الاستصحاب بحسب نظر العقل ، لان السبب للشك هو انتفاء بعض اوصاف ما كان متعلقا لليقين ، فان الحكم الكلي كوجوب الانفاق ـ مثلا ـ على الاقارب او الزوجة ثبت لما كان حيا ، فاذا شك في حياة من وجب الانفاق عليه لا يحرز الموضوع بحسب نظر العقل ، لاحتمال دخل الحياة فيما هو الموضوع لوجوب الانفاق ، بخلافه بنظر العرف ولسان الدليل فان موضوع الانفاق بحسبهما هو زيد وهو محفوظ في القضيتين ، لان الحياة بحسب نظر العرف ولسان الدليل من حالات الموضوع لا مما يتقوم به الموضوع ، ففي استصحاب الاحكام الكلية مما يصدق اتحاد الموضوع في القضيتين بحسب نظر العرف ولسان الدليل دون العقل. والى هذا اشار بقوله : ((فلا مجال للاستصحاب في الاحكام لقيام احتمال تغير الموضوع في كل مقام شك في الحكم ب)) سبب ان منشأ الشك في الحكم هو ((زوال بعض خصوصيات موضوعه)) فلا يكون الموضوع

٣٤٨

.................................................................................................

______________________________________________________

بحسب نظر العقل محرزا ((لاحتمال دخله فيه)) أي الاحتمال دخل بعض خصوصيات الموضوع في الموضوع ، وعلى هذا فلا بد ((و)) ان ((يختص)) جريان الاستصحاب بنظر العقل ((ب)) الاستصحاب في ((الموضوعات)) دون الاحكام ((بداهة انه اذا شك في حياة زيد)) يحصل بسبب الشك في حياته ((شك في نفس ما كان على يقين منه حقيقة)) وهو الحكم بوجوب الانفاق عليه بحسب نظر العقل ((بخلاف ما لو كان)) اتحاد الموضوع ((بنظر العرف لو بحسب لسان الدليل ضرورة ان انتفاء بعض الخصوصيات وان كان موجبا للشك في بقاء الحكم لاحتمال دخله في موضوعه)) أي في موضوع الحكم واقعا ((إلّا انه ربما لا يكون)) لهذا الاحتمال دخل ((بنظر العرف ولا في لسان الدليل)) لعدم كون تلك الخصوصيات المنتفية ((من مقوماته)) أي من مقومات الموضوع بحسب نظرهما.

واشار الى النسبة بين لسان الدليل ونظر العرف ، وانه ربما يكون الموضوع بحسب نظر العرف محفوظا في القضيتين دون لسان الدليل بقوله : ((كما انه ربما لا يكون موضوع الدليل بنظر العرف بخصوصه موضوعا)) أي ربما يكون الموضوع بحسب لسان الدليل شيئا خاصا ، ولكنه بنظر العرف يكون الموضوع ما هو اعم منه ((مثلا اذا ورد العنب اذا غلى يحرم كان العنب)) في لسان الدليل ((بحسب ما هو المفهوم)) من لفظ العنب ((عرفا هو خصوص العنب ولكن)) الموضوع للحرمة بنظر ((العرف بحسب ما يرتكز في اذهانهم ويتخيلونه)) في مرتكزاتهم ((من)) جهة ((المناسبات بين الحكم وموضوعه)) امر اعم من العنب ، ولذلك ((يجعلون الموضوع للحرمة)) هو ((ما يعم الزبيب و)) لاجل ارتكازهم ((يرون العنبية والزبيبية من حالاته المتبادلة)) أي من حالات الموضوع المتبادلة عليه لا من مقوماته ((بحيث)) يرون انه ((لو لم يكن محكوما بما حكم به العنب)) في حال الشك ((كان)) ذلك ((عندهم من ارتفاع الحكم عن موضوعه ولو كان)) الزبيب ((محكوما به)) أي بما حكم به العنب في حال

٣٤٩

الدليل بحسب فهمهم على خلاف ما ارتكز في أذهانهم بسبب ما تخيلوه من الجهات والمناسبات فيما إذا لم تكن بمثابة تصلح قرينة على صرفه عما هو ظاهر فيه (١).

______________________________________________________

الشك ((كان)) ذلك ((من بقائه)) أي مما كان الموضوع فيه باقيا ومحفوظا في القضيتين.

(١) يشير بهذا الى الامر الثاني وهو ان العرف يكون مرجعا في مقامين في مقام تعيين مفاهيم الالفاظ وتشخيص الظهور ويكون مرجعا ايضا في مقام تعيين مصداق الظاهر فيما اذا تردد مصداقه بين افراد متفاوتة من مصاديقه من ناحية نظر العقل ولسان الدليل ونظر العرف ، ولا منافاة بين كون العرف في مقام تشخيص الظهور يفهم ان العنب هو امر خاص ، وبين كونه في مقام تعيين مصداق النقض يرى العرف ان الموضوع بحسب ارتكازه هو اعم من العنب بحيث يشمل الزبيب. ولا يخفى ان ارتكاز العرف انما يكون في قبال لسان الدليل فيما اذا لم يكن ارتكازه موجبا لجعل الحكم في لسان الدليل حكما للأعم من العنب ، فانه اذا كان ارتكازه كذلك يكون نفس الظاهر من الدليل هو الحكم لما يعم الزبيب ، بل انما يكون نظر العرف في قبال لسان الدليل فيما اذا كان ارتكازه في خصوص ما به يحصل النقض في مقام الشك ، فلا يكون ارتكازه في مقام النقض قرينة صالحة لان يكون الموضوع في لسان الدليل هو ما يعم العنب ، بحيث يوجب صرف ظاهر لفظ العنب من خصوص العنبية الى ما يعم الزبيبية ، واذا كان ارتكازه في مقام حفظ الموضوع في مقام النقض ، فلا منافاة بين فهم العرف بما هو من ابناء المحاورة لكون العنب ظاهرا مفهوما فيما هو خاص لا يعم الزبيب ، وبين كون الموضوع بحسب ارتكازه في مقام النقض هو اعم من العنب.

والى ما ذكرنا اشار بقوله : ((ولا ضير في ان يكون الدليل بحسب فهمهم)) أي بحسب فهم العرف بما هم من ابناء المحاورة يرجع اليهم في تشخيص مفهوم الظواهر

٣٥٠

ولا يخفى أن النقض وعدمه حقيقة يختلف بحسب الملحوظ من الموضوع ، فيكون نقضا بلحاظ موضوع ، ولا يكون بلحاظ موضوع آخر ، فلا بد في تعيين أن المناط في الاتحاد هو الموضوع العرفي أو غيره ، من بيان أن خطاب (لا تنقض) قد سيق بأي لحاظ (١).

فالتحقيق أن يقال : إن قضية إطلاق خطاب (لا تنقض) هو أن يكون بلحاظ الموضوع العرفي ، لانه المنساق من الاطلاق في المحاورات العرفية ومنها الخطابات الشرعية ، فما لم يكن هناك دلالة على أن النهي فيه بنظر آخر غير ما هو الملحوظ في محاوراتهم ، لا محيص عن الحمل على

______________________________________________________

((على خلاف)) ما يرونه بحسب ((ما ارتكز في اذهانهم)) في مقام بقاء الموضوع عند الشك وان ارتكازهم على خلاف ما فهموه من ظاهر الدليل ((بسبب ما يتخيلوه من الجهات والمناسبات)) في مقام تعيين مصداق النقض ، وانما يكون ارتكازهم في قبال لسان الدليل ((فيما اذا لم يكن)) ارتكازاتهم ومناسبات الحكم والموضوع ((بمثابة تصلح)) لان تكون ((قرينة على صرفه عما هو ظاهر فيه)) وإلّا كان ذلك موجبا لان يكون نفس الدليل ظاهرا فيما يعم الزبيب ، فلا حاجة الى الاستصحاب ، بل لا موضوع له لعدم الشك.

(١) حاصله : ان النقض لما كان مختلفا بحسب الانظار الثلاثة ، ولا مجال للاطلاق بحيث يعم الموضوع بحسب الانظار الثلاثة ، اما لعدم امكانه كما يراه المصنف ، او لكونه ظاهرا في ان الملحوظ فيه هو احد الانظار بخصوصه ، فلا بد في تعيين ما هو الملحوظ من النقض في دليل الاستصحاب ، وانه هل ينزل على النقض في لسان الدليل ، او ينزل على النقض بنظر العقل ، او يكون منزلا على النقض بحسب نظر العرف؟ ولذا قال (قدس‌سره) : ((فلا بد في تعيين ان المناط في الاتحاد)) في الموضوع هل ((هو الموضوع العرفي او غيره)) من لسان الدليل ونظر العقل ((من بيان ان خطاب لا تنقض قد سبق باي لحاظ)) من هذه اللحاظات الثلاثة.

٣٥١

أنه بذاك اللحاظ ، فيكون المناط في بقاء الموضوع هو الاتحاد بحسب نظر العرف ، وإن لم يحرز بحسب العقل أو لم يساعده النقل ، فيستصحب مثلا ما يثبت بالدليل للعنب إذا صار زبيبا ، لبقاء الموضوع واتحاد القضيتين عرفا ، ولا يستصحب فيما لا اتحاد كذلك وإن كان هناك اتحاد عقلا (١) ، كما مرت الاشارة إليه في القسم الثالث من أقسام استصحاب

______________________________________________________

(١) حاصله ما مر بيانه : من انه كما ان الشارع هو كواحد من العرف في المحاورات العرفية ، ولازمه الرجوع الى العرف في تشخيص ما هو الظاهر في مقام تعيين الظهورات للالفاظ الواردة في لسان الادلة الشرعية ، كذلك الشارع كواحد من العرف في مقام تعيين المصداق في نظر الشارع اذا دار الامر بين المصداق في نظر العقل والمصداق بحسب ظاهر لسان الدليل.

وبعبارة اخرى : ان لا تنقض اليقين بالشك لو كان صادرا من بعض اهل المحاورة لكان المرجع فيما هو مصداق النقض هو النظر العرفي ، فكذلك الحال فيما اذا صدر لا تنقض من الشارع ودار الامر بين مصداقه بنظر العقل او لسان الدليل او النظر العرفي ، فان الشارع كواحد من العرف في تعيين ما هو المصداق للنقض عند الشارع.

فاتضح مما ذكرنا : انه لا بد بالاخذ بما يراه العرف نقضا في مقام الشك ، وان اتحاد الموضوع في القضيتين المرجع فيه هو النظر العرفي دون نظر العقل ولسان الدليل ، فيتعين بما ذكرنا : ان الظاهر في دليل الاستصحاب ان المعول في النهي عن النقض فيه ما هو نقض للشك عند العرف ، وان الملحوظ للشارع في دليل لا تنقض هو النقض الذي يراه العرف نقضا ، ولا بد من حمل كلام الشارع في الاستصحاب عليه ما لم تقم قرينة في لسان دليل الاستصحاب على ان الملحوظ للشارع هو النقض بحسب نظر العقل او لسان الدليل.

فاتضح من جميع ما ذكرنا : ان المناط في بقاء الموضوع والاتحاد في القضيتين هو الاتحاد بحسب نظر العرف ، فيجري الاستصحاب فيما كان الاتحاد بنظر العرف

٣٥٢

الكلي ، فراجع (١).

______________________________________________________

متحققا ، وان لم يكن متحققا بنظر العقل او لسان الدليل ، واذا لم يكن الاتحاد بحسب نظر العرف متحققا فلا يجري الاستصحاب ، وان كان الاتحاد متحققا بنظر العقل او لسان الدليل ، ففي مثل العنب يحرم اذا غلى يستصحب الحرمة للزبيب اذا غلى ، لاتحاد الموضوع بنظر العرف وان لم يكن الموضوع متحدا بحسب لسان الدليل ، وفي مثل جواز التقليد لا يجري الاستصحاب في جواز التقليد للميت لعدم تحقق الموضوع بحسب نظر العرف وان كان الموضوع متحققا بحسب نظر العقل. ولذا قال (قدس‌سره) : ((فيستصحب مثلا ما ثبت بالدليل للعنب)) اذا غلى فيما ((اذا صار)) العنب ((زبيبا لبقاء الموضوع واتحاد القضيتين عرفا ولا يستصحب)) الحكم ((فيما لا اتحاد كذلك)) أي فيما لا اتحاد بحسب نظر العرف ((وان كان هناك اتحاد)) في موضوع القضيتين ((عقلا)) كما عرفت في مثال جواز التقليد.

(١) حاصله : انه في التنبيه الثالث في ان القسم الثالث من اقسام استصحاب الكلي ، وهو ما اذا كان الشك في بقاء الحكم لاحتمال وجود فرد من افراد الكلي عند ارتفاع الفرد المتيقن ، وانه لا مجرى للاستصحاب في هذا القسم لعدم اتحاد الموضوع ، لان المتيقن هو الكلي المتحقق في ضمن الفرد المتيقن وقد ارتفع بارتفاع الفرد المتيقن ارتفاعه ، وحدوثه في ضمن فرد آخر هو حدوث شيء آخر غير ما كان متيقنا فلا اتحاد في القضيتين. واستثنى من هذا القسم ما اذا كان الكلي ذا مراتب ومراتبه هي افراده كالبياض او السواد ، فان البياض له مراتب من حيث الشدة والضعف ، وفي مثل هذا لو ارتفع الكلي بمرتبته الشديدة وشك في بقائه لاحتمال بقائه بمرتبته الضعيفة أو ارتفاعه مطلقا ، فلا مانع من استصحابه لبقاء الموضوع لاجل الوحدة الاتصالية في الكلي ذي المراتب.

وفرع عليه بنحو لا يقال صحة استصحاب بقاء كلي الطلب فيما اذا ارتفع الوجوب وشك في بقائه في ضمن الاستحباب ، فان الحكم اذا كان هو الارادة يكون

٣٥٣

المقام الثاني : إنه لا شبهة في عدم جريان الاستصحاب مع الامارة المعتبرة في مورده ، وإنما الكلام في أنه للورود أو الحكومة أو التوفيق بين دليل اعتبارها وخطابه (١).

______________________________________________________

من الكلي ذي المراتب المتفاوتة بالشدة والضعف ، فان الطلب في ضمن الاستحباب هو بقاء الارادة بالمرتبة غير الاكيدة ، والمرتفع هو الارادة في ضمن الوجوب وهي مرتبة من الارادة التي هي الارادة الاكيدة.

واجاب عنه بما حاصله : ان اتحاد الموضوع في مسألة الوجوب والاستحباب وان كان متحققا إلّا انه بنظر العقل لا بنظر العرف ، لان الوجوب والاستحباب بنظر العرف هما كفردين منفصلين في الوجود متباينين ، وليسا هما عند العرف كواحد ذي وصفين متبادلين ، فلا اتحاد في القضيتين بحسب نظر العرف ، وحيث ان الاتحاد في القضيتين مناطه الاتحاد في نظر العرف فلا يجري الاستصحاب في الفرض المذكور لعدم الاتحاد في نظر العرف ، وان كان هناك بحسب نظر العقل.

(١) مرحلة البقاء على شيء لا وجه للرجوع الى الاستصحاب ، سواء كانت الامارة قائمة على خلاف ما يستلزمه جريان الاستصحاب ، كما لو تيقن بالنجاسة وقامت الامارة على الطهارة ، فان الامارة مفادها حينئذ هو الطهارة ومفاد الاستصحاب هو النجاسة ، او كانت الامارة قائمة على ما يوافق الاستصحاب كما لو قامت الامارة على النجاسة ايضا. وعلى كل فمع قيام الامارة على شيء لا يرجع الى الاستصحاب مطلقا ، سواء كانت الامارة مخالفة للاستصحاب او موافقة له ، وهذا مما لا خلاف فيه.

وانما الكلام في ان تقديم الامارة على الاستصحاب هو : لانها واردة عليه ، أو لانها حاكمة عليه ، او انها ليست واردة ولا حاكمة ، بل التوفيق العرفي بينهما يقتضي تقديمها عليه؟ والى هذا اشار بقوله : ((وانما الكلام في انه)) أي وانما الكلام في ان

٣٥٤

.................................................................................................

______________________________________________________

تقديمها على الاستصحاب هل هو ((للورود او الحكومة او التوفيق بين دليل اعتبارها)) أي ان التقديم للامارة لا لاجل الورود ولا للحكومة ، بل لاجل التوفيق العرفي بين دليل اعتبار الامارة ((وخطابه)) أي وبين خطاب لا تنقض الذي هو دليل الاستصحاب.

ولا يخفى انه سيأتي في التعادل والتراجيح بيان معنى التخصّص والورود ، والحكومة والتخصيص ، والتوفيق العرفي ، وبه يتضح الفرق بينهما ... ومجمله : ان التخصّص هو الخروج بالذات حقيقة لا بلحاظ الجعل والبيان ، كمثل خروج الجاهل عن مثل اكرم العالم. والورود هو الخروج حقيقة بلحاظ الجعل والبيان ، كمثل خروج مورد البيان من الشارع عن قاعدة قبح العقاب بلا بيان. والحكومة هي الخروج او الدخول بلسان رفع الموضوع او ثبوته وان لم يرفع الموضوع فهو تخصيص بلسان رفع الموضوع ، فالاول كما في مثل لا شك لكثير الشك ، والثاني كما في مثل الطواف في البيت صلاة. والتخصيص هو اثبات الحكم مع فرض ثبوت الموضوع ، كما في مثل لا تكرم زيد العالم بالنسبة الى اكرم كل عالم. والتوفيق العرفي وهو كما يفهم منهم انه غير التخصيص الاصطلاحي ، لان التخصيص اصطلاحا هو ان يكون الخاص اخص من العام ، واما التوفيق العرفي فهو تقديم احد الدليلين مع كون النسبة بينهما هي العموم من وجه ، لا لاجل الورود ولا للحكومة ، بل لان العرف يرى في مقام الجمع بينهما ان احد الدليلين اظهر من الآخر ، فالتوفيق العرفي تخصيص في مورد العموم من وجه ، كما في مثل كلّ من يطير لا بأس بخرئه وبوله ، فان النسبة بينه وبين ما دلّ على نجاسة ما لا يؤكل لحمه العموم من وجه ، ولكن تقدّم رواية من يطير ، لانه اذا أعملنا قاعدة التعارض والتساقط في ما بين العموم من وجه يكون لازمه الغاء عنوان الطيران.

٣٥٥

والتحقيق أنه للورود ، فإن رفع اليد عن اليقين السابق بسبب أمارة معتبرة على خلافه ليس من نقض اليقين بالشك بل باليقين ، وعدم رفع اليد عنه مع الامارة على وفقه ليس لاجل أن لا يلزم نقضه به ، بل من جهة لزوم العمل بالحجة (١).

______________________________________________________

(١) وتوضيحه : ان الشك المأخوذ في الاستصحاب ان كان هو الشك في الحكم الفعلي ، فبناء على الموضوعية في الامارة الذي لازمه جعل الحكم الفعلي على طبق الامارة وكونه منبعثا عن مصلحة غير مصلحة الواقع ، وحيث لا يعقل كون الحكم الواقعي فعليا لمحالية فعلية الحكمين في مورد واحد ، فلا محالة ينحصر الحكم الفعلي بما قامت عليه الامارة ، وعلى هذا فلا يعقل الشك في الحكم الفعلي الذي به قوام الاستصحاب ، ولازم ذلك كون الامارة واردة على الاستصحاب.

واما بناء على الطريقيّة في الامارات : اما بمعنى جعل الحكم المماثل فيها المنبعث عن مصلحة الواقع فحيث لا تصيب الامارة لا حكم مماثل ، وحيث لا قطع بالاصابة فللشك في الحكم الفعلي الواقعي مجال ، فلا تكون الامارة واردة على الاستصحاب من ناحية الشك في الحكم الفعلي ، لوضوح حصول الشك في الحكم الفعلي الواقعي الذي به يتقوّم الاستصحاب في حال قيام الامارة لاحتمال عدم اصابة الامارة.

واما الطريقيّة بناء على جعل المنجزيّة والمعذريّة في الامارة فحصول الشك في الحكم الفعلي أوضح ، لعدم جعل الحكم المماثل اصلا في مورد الامارة ، وحيث المفروض عدم وصول الحكم الواقعي بالامارة لانها ظنية ، فلا قطع بوصول الحكم الواقعي بالامارة حتى ينتفي الشك الذي به قوام الاستصحاب.

الّا ان الورود بناء على الطريقيّة سواء على جعل الحكم المماثل ، او على جعل المنجزية والمعذرية ، انما هو لاجل اليقين الذي به ينقض الشك ، وهو قوله ولكن تنقضه بيقين آخر ، فان المراد باليقين الذي به ينقض الشك في الاستصحاب هو الحجة ، فبورود الحجة يرتفع موضوع الاستصحاب وهو الشك ، لان المراد بالشك

٣٥٦

.................................................................................................

______________________________________________________

الذي به قوام الاستصحاب هو عدم الحجة ، فمع تحقق الحجة من الشارع يرتفع موضوع الاستصحاب حقيقة ، وهذا يرجع الى ما يراه المصنف في المقام من الورود. هذا كلّه من ناحية اليقين والشك.

ولكن الورود الذي اختاره المصنف ليس من هذه الجهة ، بل من ناحية ان مورد الاستصحاب هو كون الاخذ بالشك : نقضا لليقين بالشك أي ان قوام الاستصحاب هو اليقين والشك ، وكون الاخذ بخلاف اليقين نقضا لليقين بالشك ، ومع قيام الحجة في مورد الاستصحاب على الحكم لا يكون الاخذ بها في مورد الشك في الحكم الفعلي من النقض اليقين بالشك ، بل من نقض اليقين بالحجة ، فلا موضوع حقيقة لنقض اليقين بالشك في حال قيام الامارة ، وهذا هو معنى كون الامارة واردة على الاستصحاب لارتفاع موضوع النقض بسبب قيامها ، والاستصحاب ليس هو الّا حرمة النقض لليقين بالشك ، فحيث لا يكون في مورد الامارة نقض حقيقة فلا محالة تكون الامارة واردة ورافعة للاستصحاب حقيقة.

فاتضح : انه في حال قيام الامارة على خلاف المتيقن ليس الاخذ بها من نقض اليقين بالشك ، بل هو من نقض اليقين بالحجة ، وحيث لا يكون الاخذ بها من نقض اليقين بالشك بل هو من النقض بالحجة تكون الامارة رافعة لموضوع الاستصحاب حقيقة ، لان الاستصحاب كما هو متقوّم باليقين والشك كذلك هو متقوّم بكون الاخذ بالشك نقضا لليقين بالشك.

ولا يخفى ان هذا انما يتمّ حيث يكون المراد من اليقين في قوله ولكن تنقضه بيقين آخر هو مطلق الحجة.

اما لو كان اليقين مختصا بخصوص اليقين : أي العلم ، فغاية ما يدل عليه دليل الامارة هو اعتبار الامارة علما ويقينا تنزيلا لا حقيقة ، وعليه فلا تكون الامارة رافعة للشك حقيقة ولا يكون النقض مرتفعا موضوعا حقيقة ، بل هو مرتفع تعبّدا بلسان ان ما قامت عليه الامارة هو الواقع ، ومرجع هذا الى الحكومة ، لعدم ارتفاع النقض

٣٥٧

.................................................................................................

______________________________________________________

حقيقة بواسطة الامارة ، بل هو رفع للنقض تعبّدا لا حقيقة ، وليس الحكومة الّا ما كان رفعا للموضوع تعبّدا بلسان انه الواقع مع عدم الرفع حقيقة.

وعلى كل فبناء على كون المراد من النقض باليقين هو النقض بالحجة ، يكون الاخذ بالامارة القائمة على خلاف المتيقن ليس من النقض بالشك حقيقة ، بل هو من نقض اليقين باليقين. هذا اذا كانت الامارة قائمة على خلاف المتيقن ، فان كونها واردة على الاستصحاب واضح.

واما اذا كانت قائمة على وفق المتيقن ، فالاخذ بها وان كان موافقا للاخذ بالاستصحاب نتيجة ، الّا انه مع ذلك فان الامارة واردة على الاستصحاب ، لان الاخذ بالاستصحاب انما هو من باب ان رفع اليد عن المتيقن في حال الشك من نقض اليقين بالشك ، والاخذ بالامارة في حال الشك انما هو من باب انه لا شك بل هو اخذ باليقين.

والحاصل : انه في مورد موافقة الامارة للاستصحاب فرق واضح بينهما ، فان الاخذ بالاستصحاب هو من باب ابقاء اليقين في مقام الشك ، والاخذ بالامارة انما هو لوجود اليقين لا انه ابقاء لليقين السابق في مقام الشك.

وقد اشار الى الورود في مقام قيام الامارة على خلاف ما يقتضيه الاستصحاب ، بان تكون الامارة قائمة على خلاف ما كان متيقنا سابقا ، في ان الوجه في ورودها على الاستصحاب هو كون الاخذ بها من نقض اليقين السابق باليقين ، وعليه فيكون النقض لليقين بالشك مرتفعا حقيقة بواسطة الامارة بقوله : ((والتحقيق انه للورود)) لارتفاع النقض بالشك حقيقة بسببها ((فان رفع اليد عن اليقين السابق بسبب)) قيام ((امارة معتبرة على خلافه ليس من نقض اليقين بالشك بل)) هو من نقض اليقين السابق ((باليقين)). واشار الى ورود الامارة فيما لو كانت موافقة للاستصحاب بقوله : ((وعدم رفع اليد عنه)) أي وعدم رفع اليد عن اليقين السابق ((مع)) قيام ((الامارة على وفقه)) أي على وفق الاستصحاب ((ليس لاجل ان لا يلزم نقضه به

٣٥٨

لا يقال : نعم ، هذا لو أخذ بدليل الامارة في مورده ، ولكنه لم لا يؤخذ بدليله ويلزم الاخذ بدليلها (١)؟

______________________________________________________

بل من جهة لزوم العمل بالحجة)) أي ان الاخذ بالامارة القائمة على وفق الاستصحاب ليس لاجل ان الاخذ بها لئلا يلزم النقض لليقين السابق بالشك ، بل لاجل قيام الحجة على العمل في حال الشك ، فالاخذ بها من باب ان الامارة من اليقين ، لا لانه من نقض اليقين بالشك.

(١) حاصله : ان الامارة انما تكون واردة على الاستصحاب حيث يسلم حجيتها في مورد الاستصحاب وبحجيتها يرتفع النقض ، وكون الامارة حجة في مورد الاستصحاب اول الكلام ، اذا المفروض كون الاستصحاب مورده الشك ، والامارة موردها الشك ايضا ، فتقديم الامارة على الاستصحاب بفرض كونها هي الحجة دون الاستصحاب اشبه بالتحكم ، فلم لا يؤخذ بالاستصحاب؟ ومع الاخذ به يكون الحكم متحققا في مقام الشك ، ومع تحقق الحكم لا حاجة الى الامارة ، لان الامارة انما يحتاج اليها حيث لا يكون هناك حكم في حال الشك.

والحاصل : ان الاخذ بحجية الامارة دون الاستصحاب انما هي لاجل تقديم دليلها على دليل الاستصحاب ، فلم لا يكون التقديم لدليل الاستصحاب على دليل الامارة. والى ما ذكرنا اشار بقوله : ((لا يقال نعم هذا لو اخذ بدليل الامارة)) أي ان ورود الامارة على الاستصحاب انما هو لاجل الاخذ بدليل الامارة ((في مورده)) أي في مورد الاستصحاب ، لانه مع الاخذ بالامارة يرتفع النقض بالشك حقيقة ((ولكنه لم لا يؤخذ بدليله)) أي بدليل الاستصحاب ، فانه مع الاخذ بالاستصحاب لا حاجة الى الامارة ، فلم لا يؤخذ بدليل الاستصحاب ((و)) انه ((يلزم الاخذ بدليلها)) أي بدليل الامارة ويكون هو الحجة دون دليل الاستصحاب؟ ... والحاصل ان السبب في ورود الامارة على الاستصحاب هو تقديم دليلها على دليله فتتحقق الحجة في مورد الاستصحاب وتكون الامارة واردة ، فلم لا يؤخذ بدليل

٣٥٩

فإنه يقال : ذلك إنما هو لاجل أنه لا محذور في الاخذ بدليلها بخلاف الاخذ بدليله ، فإنه يستلزم تخصيص دليلها بلا مخصص إلا على وجه دائر ، إذ التخصيص به يتوقف على اعتباره معها ، واعتباره كذلك يتوقف على التخصيص به ، إذ لولاه لا مورد له معها ، كما عرفت آنفا (١).

______________________________________________________

الاستصحاب ويقدم على الامارة؟ فلا يكون في مورد الاستصحاب حجة حتى تكون الامارة واردة عليه.

(١) حاصله : ان السبب في الاخذ بدليل الامارة في مورد الشك دون دليل الاستصحاب ، هو ان موضوع دليل الامارة هو خبر العادل ، وقد فرض انه قد اخبر العادل بما هو مؤدى الامارة ، وصدق العادل الذي هو الدليل على الاخذ بما قامت عليه الامارة موضوعه خبر العادل ، وهذا الموضوع عام ويجب الاخذ بالعام إلّا ان يقوم على تخصيصه دليل المخصص ، والمفروض عدم المخصص سوى دليل الاستصحاب ، فالاخذ بالاستصحاب في مورد خبر العادل دون ما اخبر به العادل لا يكون إلّا لتخصيص دليل الامارة ، وحيث ان المفروض انه لا مخصص لدليل الامارة غير الاستصحاب ، فتخصيص دليل الامارة اما ان يكون بلا مخصص ، وهو واضح البطلان لبداهة لزوم كون التخصيص لا بد وان يكون بمخصص ، واما ان يكون المخصص لدليل الامارة هو دليل الاستصحاب ، وتخصيص دليل الامارة بدليل الاستصحاب دوري ، لان الموضوع في دليل الاستصحاب هو لكون عدم الاخذ به من نقض اليقين بالشك ، فموضوعه متقوم بان يكون من نقض اليقين بالشك ، وانما يكون المورد من نقض اليقين بالشك مع اخبار العادل في مورده حيث يكون الاستصحاب مخصصا لدليل الامارة ، لانه مع فرض الاخذ بما اخبر به العادل لا يكون نقضا لليقين بالشك ، فدليل الاستصحاب انما يجري حيث يكون هو المخصص لدليل الامارة. وحيث ان الاخذ باي دليل كان لا بد من تحقق موضوعه ، فالاخذ بدليل الاستصحاب يتوقف على تحقق موضوعه ، وهو ان يكون الاخذ به من

٣٦٠