بداية الوصول

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي

بداية الوصول

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي


المحقق: محمّد عبدالحكيم الموسوي البكّاء
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار الهدى
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٢
ISBN: 964-497-064-0
ISBN الدورة:
964-497-056-X

الصفحات: ٤٢١

ولا تنقض اليقين بالشك أن الحكم في المغيى مطلقا هو عدم نقض اليقين بالشك ، كما لا يخفى (١).

______________________________________________________

(١) توضيحه : ان الرواية كان مضمون السؤال فيها ابتداء هو ان الشخص يكون على يقين من وضوئه ثم يعرضه الشك بواسطة الخفقة والخفقتين ، فيجيب الامام بما يكون وجوده كاشفا عن النوم الحقيقي وهو نوم العين والاذن ، ثم يسأل السائل بانه ربما تقوم امارة عادية على النوم وهو انه يحرك في جنب الشخص شيء وهو لا يعلم ، فيجيب الامام عليه‌السلام بقوله : لا حتى يستيقن انه قد نام. ومضمون معنى كلامه عليه‌السلام : انه لا ينقض وضوءه عملا حتى يستيقن بالنوم ، ومعنى ذلك ان الحكم لمن ايقن بالوضوء هو عدم نقض الوضوء ، وهذا الحكم مغيّا باليقين بعدم الوضوء ، وبعد ان جعل الحكم لمن ايقن بالوضوء هو استمراره وابقاؤه الى ان يحصل اليقين بالعدم ، فمعناه ان اليقين لا ينفي بقاءه حكما الا اليقين بعدمه ، فالغاية التي ينتهي بها الحكم هو اليقين بالعدم ، وما سوى ذلك فليس بغاية ولا يصح النقض به ، وباطلاقه او نصه يدل على ان الظن بالخلاف لا يكون غاية لهذا الحكم الذي هو المغيى.

وبعد تمامية هذه الدلالة في اليقين بالوضوء عقبه بضابطة تدل على ان مطلق اليقين لا ينقض ليشمل غير مورد السؤال وهو الوضوء ، لتكون قاعدة كلية تشمل كل يقين سابق تعقبه الشك ، فقوله عليه‌السلام ولا ينقض اليقين بالشك ـ بعد التمهيد السابق بقرائنه ـ يكون دليلا على ان المراد بالشك في قوله ولا ينقض اليقين بالشك ـ بعد التمهيد المتقدم في الوضوء الذي يعم الظن بالخلاف ـ هو ضابطة لمطلق اليقين والشك. وهذا هو مراد المصنف من قوله : ((وقوله عليه‌السلام بعده)) أي بعد التمهيد الذي كان شاملا باطلاقه للظن بالخلاف قول الامام عليه‌السلام بعده ((ولا تنقض اليقين بالشك ان الحكم في المغيى)) وهو اليقين السابق سواء كان متعلقا بالوضوء او بغيره لا ينقض بالشك الذي قد اريد به ما يشمل الظن بالخلاف ، فالمراد من هذه الضابطة الواقعة بعد القرائن الدالة باطلاقها او بنصها على ان الشك فيها مما يشمل الظن

٣٢١

وقد استدل عليه أيضا بوجهين آخرين : الاول : الاجماع القطعي على اعتبار الاستصحاب مع الظن بالخلاف على تقدير اعتباره من باب الاخبار.

وفيه : إنه لا وجه لدعواه ولو سلم اتفاق الاصحاب على الاعتبار ، لاحتمال أن يكون ذلك من جهة ظهور دلالة الاخبار عليه (١).

______________________________________________________

بالخلاف ((هو عدم نقض اليقين بالشك)) الشامل للظن بالخلاف يعم غير الوضوء ، وانه ثابت مطلقا لكل يقين سابق ، ويستمر هذا الحكم بابقائه حتى ينقض باليقين على عدمه.

(١) حاصله : دعوى الاجماع على حجية الاستصحاب المستفاد من الاخبار لمورد الظن بالخلاف ، بمعنى ان الاصحاب مجمعون على ان دليل الاستصحاب اذا كان هو الاخبار فهو مما يعم مورد الظن بالخلاف. وقد اشار الى ما ذكرنا بقوله : ((الاجماع القطعي ... الى آخر الجملة)) ... وقد اورد عليه المصنف بايرادين :

الاول : عدم تسليم هذه الدعوى ، فانه لا علم لنا باتفاقهم على ذلك حيث يكون الدليل هو الاخبار ، ولعل هناك منهم من يقول باختصاصه بخصوص عدم مورد الظن بالخلاف ، او لعله لان الاستدلال بالاخبار مما التفت اليه المتأخرون ولم يكن له في كلام المتقدمين اثر ، فدعوى الاجماع في مسألة متاخرة لا يخلو عن الجزاف.

الثاني : ان الاجماع انما يصح كونه دليلا للحكم بنفسه ـ أي بان يكون بما هو اجماع دليل على الحكم ـ حيث لا يحتمل ان يكون مدرك دعوى الاجماع شيئا آخر غير الاجماع ، وإلّا كان مرجع ذلك الى كون الشيء الآخر هو الدليل دون الاجماع. واحتمال المدرك في دعوى هذا الاجماع موجود ، لاحتمال كون مدركه هو الاخبار الدالة على حجية الاستصحاب ، وقد عرفت دلالة اخبار الاستصحاب على ذلك بالقرائن التي مرت الاشارة اليها ، فاذا كان من المحتمل ان مدرك هذا الاجماع هو

٣٢٢

.................................................................................................

______________________________________________________

الاخبار لم يكن هذا الاجماع المدعى دليلا بنفسه ، بل يكون مرجعه الى دلالة الاخبار على ذلك.

وقد اشار (قدس‌سره) الى الايراد الاول بقوله : ((وفيه انه لا وجه لدعواه)) أي لا وجه لدعوى الاجماع ((ولو سلم)) صحة هذا الاجماع المدعى وهو ((اتفاق الاصحاب على الاعتبار)) فانه لنا ان لا نسلم هذه الدعوى ، لعدم العلم باتفاق الاصحاب على ذلك على فرض كون دليل الاستصحاب هو الاخبار او لعدم صحة دعوى الاجماع في هذه المسألة المتأخرة. واشار الى الايراد الثاني بقوله : ((لاحتمال ان يكون ذلك)) أي ان الاجماع انما يكون بنفسه دليلا على حجية الاستصحاب لمورد الظن بالخلاف حيث لا يحتمل كون مدرك الاجماع على الشمول للظن بالخلاف هو الاطلاق الذي دلت عليه الاخبار بالقرائن المتقدمة ، وإلّا يكون الدليل هو الاخبار ، ويكون مرجع هذا الاجماع الى الاجماع على دلالة الاخبار ، والاجماع على الدلالة للقرائن ليس بحجة بل لا بد من مراجعة نفس الدليل وقرائن الدلالة ، لانه ليس باجماع على نفس الحكم ، بل هو اجماع على دلالة دليل الحكم ، وحيث ان دلالة الدليل ترجع الى الظهور فلا بد من الرجوع الى نفس الدليل ، ليقوم نفس الظهور عند المفتي بحجية الاستصحاب بحيث تشمل مورد الظن بالخلاف ، لان المتحصل من هذا الاجماع هو ان الاصحاب يرون ان لهذا الدليل ظهورا يدل على الحجية في مورد الظن بالخلاف ، وكون الاصحاب متفقين على الظهور لا يجعله ظهورا عند المفتي ، بل لا بد له من مراجعة نفس الدليل ليقوم عنده الظهور. وعلى كل فاحتمال كون المدرك للاجماع هو ظهور الاخبار يسقطه عن كونه دليلا بنفسه.

والحاصل : ان قول المصنف ((لاحتمال ان يكون ذلك)) هو متعلق بقوله لا وجه لدعواه ، والتقدير انه لا وجه لدعوى هذا الاجماع لاحتمال ان يكون المدرك لذلك الاجماع قد كان ((من جهة ظهور دلالة الاخبار عليه)) أي على الاطلاق لمورد الظن بالخلاف.

٣٢٣

الثاني : إن الظن غير المعتبر ، إن علم بعدم اعتباره بالدليل ، فمعناه أن وجوده كعدمه عند الشارع ، وأن كلما يترتب شرعا على تقدير عدمه فهو المترتب على تقدير وجوده ، وإن كان مما شك في اعتباره ، فمرجع رفع اليد عن اليقين بالحكم الفعلي السابق بسببه إلى نقض اليقين بالشك ، فتأمل جيدا (١).

______________________________________________________

(١) حاصل هذا الوجه الثاني : ان الظن بالخلاف الذي يتوهم عدم شمول ادلة الاستصحاب له هو الظن غير المعتبر ، لان الظن المعتبر مما يصح نقض اليقين السابق به ، فانه لو قامت الامارة المعتبرة كالبينة ـ مثلا ـ على خلاف ما تعلق اليقين السابق به ، فلا اشكال في لزوم الاخذ بها في الزمان اللاحق ، فمن كان متيقنا ـ مثلا ـ بطهارة شيء في زمان ثم قامت البينة على نجاسته في الزمان اللاحق فلا ريب في لزوم ترتيب آثار النجاسة عليه. فمحل التوهم لعدم شمول ادلة الاستصحاب هو قيام الظن غير المعتبر في الزمان اللاحق على خلاف ما تعلق به اليقين في الزمان السابق ، ولا يخلو عدم اعتبار هذا الظن اما لقيام دليل معتبر على عدم اعتباره كالظن الحاصل من القياس ، ومرجع قيام الدليل المعتبر على الغاء هذا الظن هو ان هذا الظن وجوده كعدمه عند الشارع ، ومعنى هذا ان هذا الظن يترتب على وجوده ما يترتب على عدمه ، وحيث لا يكون الظن بالخلاف معدوما ، فلا بد وان يكون الحكم في مقامه حكم الظن بالوفاق او الشك وتساوي الطرفين ، ولا اشكال ان في مقام قيام الظن بالوفاق وفي مقام الشك وتساوي الطرفين الاستصحاب حجة ، فالدليل الدال على الغاء هذا الظن الذي كان معناه ترتيب آثار عدم هذا الظن في حال وجوده يكون دليلا على حجية الاستصحاب ، لانه هو الاثر الذي يترتب على عدم هذا الظن وهذا هو المراد من قوله : ((ان الظن غير المعتبر ان علم بعدم اعتباره بالدليل)) بان يقوم الدليل المعتبر على الغائه ((فمعناه)) أي فمعنى قيام الدليل المعتبر على الغاء هذا الظن هو ((ان وجوده كعدمه عند الشارع)) ولازم ذلك هو ((ان كلما يترتب شرعا على

٣٢٤

وفيه : إن قضية عدم اعتباره لالغائه أو لعدم الدليل على اعتباره لا تكاد تكون إلا عدم إثبات مظنونة به تعبدا ، ليترتب عليه آثاره شرعا ، لا ترتيب آثار الشك مع عدمه ، بل لا بد حينئذ في تعيين أن الوظيفة أي أصل من الاصول العملية من الدليل ، فلو فرض عدم دلالة الاخبار معه

______________________________________________________

تقدير عدمه فهو المترتب على تقدير وجوده)) وحيث كان المترتب على تقدير عدمه هو حجية الاستصحاب فلا بد وان يكون المترتب على تقدير وجوده هو حجية الاستصحاب ايضا ، هذا اذا كان القائم على الغاء هذا الظن هو الدليل المعتبر.

واما اذا كان الظن مما لم يقم على اعتباره دليل بان يكون مشكوك الاعتبار ، كالظن الحاصل من الخبر الواحد في الموضوعات مثلا ، بناء على ان المتيقن هو حجية الخبر بالاحكام دون الموضوعات ، وانه لا بد في الموضوعات من قيام البينة ، فيكون هذا الظن مما لم يقم على اعتباره ولا على عدم اعتباره دليل معتبر ، فهذا الظن يكون مشكوك الاعتبار ، واذا كان هذا الظن مما شك في اعتباره فانه يكون من مصاديق نقض اليقين بالشك ، لانه بعد ان كان مشكوك الاعتبار فالاخذ به من الاخذ بالشك ، فيكون مما يشمله النهي في قوله عليه‌السلام ولا ينقض اليقين بالشك ، وهذا هو مراده من قوله : ((وان كان مما شك في اعتباره)) بان يكون الظن بالخلاف مما لم يقم على اعتباره ولا على عدم اعتباره دليل معتبر فيكون مشكوك الاعتبار ، وعلى هذا ((ف)) يكون مشمولا للنهي في قوله ولا ينقض اليقين ، لان ((مرجع رفع اليد عن اليقين)) السابق المتعلق ((بالحكم الفعلي السابق بسببه)) أي بسبب هذا الظن ((الى نقض اليقين بالشك)) لان المفروض كون هذا الظن مما شك في اعتباره ، فالاخذ به من الاخذ بالشك المنهي عنه في قوله ولا ينقض اليقين بالشك.

٣٢٥

على اعتبار الاستصحاب فلا بد من الانتهاء إلى سائر الاصول بلا شبهة ولا ارتياب ، ولعله أشير إليه بالامر بالتأمل ، فتأمل جيدا (١).

______________________________________________________

(١) ينبغي ان لا يخفى ان المتحصل من كل ما يأتي انه يرد على الوجه الاول وهو الظن الذي قام على عدم اعتباره دليل خاص ايراد واحد ، ويرد على الوجه الثاني وهو الظن الذي لم يقم على عدم اعتباره دليل خاص إيرادان.

وحاصل الايراد الاول الذي اورد على الوجه الثاني هو : ان ما اورده المورد على الظن الذي قام على عدم اعتباره دليل خاص كالظن القياسي يرد ايضا على الظن الذي شك في اعتباره ، فانه وان لم يقم على عدم اعتباره دليل خاص ، إلّا انه مما قام على عدم اعتباره الدليل العام ، لان القاعدة الاولية كما تقدم في اول مبحث الظن هو عدم اعتبار مشكوك الاعتبار ، وان هذا الظن وجوده بمنزلة عدمه ، فلا وجه لاختصاص قوله ـ وان كلما يترتب شرعا على تقدير عدمه فهو المترتب على تقدير وجوده ـ بالظن الذي قام الدليل الخاص على عدم اعتباره ، لان الظن الذي قام الدليل العام على عدم اعتباره هو ايضا لا بد وان يكون عند المستدل بهذا الوجه من مصاديق هذه الكلية ، وانه كلما يترتب شرعا على تقدير عدمه فهو المترتب على تقدير وجوده ، فلا فرق بين الظنين في ان ما يترتب شرعا على تقدير عدمه فهو المترتب على تقدير وجوده ، والى هذا اشار بالعطف في قوله : ((او لعدم الدليل على اعتباره)) على قوله ((لالغائه)) ، وبهذا العطف يشير الى ان الظن الذي لم يقم على اعتباره دليل هو كالظن الذي قام الدليل الخاص على الغائه ، لان هذا الظن الذي لم يقم على اعتباره دليل خاص قد قام الدليل العام على الغائه ايضا ، فما اورده على الظن الذي قام الدليل الخاص على الغائه يرد أيضا على الظن الذي لم يقم الدليل الخاص على الغائه ، لانه قد قام الدليل العام على الغائه.

واما ما اورد على الوجه الاول وهو ما قام الدليل الخاص على عدم اعتباره ، فحاصله :

٣٢٦

.................................................................................................

______________________________________________________

ان المفروض هو كون هذا الوجه دليلا بنفسه ، مع تسليم كون الشك في دليل لا تنقض اليقين بالشك هو تساوي الطرفين ، بفرض غض النظر عن القرائن التي مرت الاشارة اليها ، وعلى هذا فتقول : ان غاية ما يستفاد من الدليل الخاص القائم على الغاء الظن والدليل العام القائم على الغاء الظن المشكوك الاعتبار هو عدم الاخذ بما قام الظن عليه ، ولا يستفاد منهما ترتيب آثار الشك على وجود هذا الظن ، فان المستفاد من كون هذا الظن وجوده بمنزلة عدمه هو عدم ترتيب الاثر على وجوده لا ترتيب آثار الشك على وجوده ، لوضوح انه بعد ان كان دليل الاستصحاب دالا على ترتيب آثار على خصوص الشك المقابل للظن لا بد من اختصاص ذلك بنفس الشك ، وترتيب هذه الآثار على الظن يحتاج الى دليل خاص يدل على ترتيب آثار الشك على الظن ، ولا يكون الدليل الدال على الغاء هذا الظن دالا على ترتيب آثار الشك عليه ، لان المستفاد من دليل الالغاء هو عدم ترتيب الاثر على الظن لا ترتيب آثار الشك المقابل له عليه.

وبعبارة اخرى : ان دليل الالغاء يدل على ان هذا الظن لا اثر له ، لا ان الاثر المرتب عليه هو اثر الشك ، فاللازم في مثل هذا الظن الرجوع فيه الى الاصول الأخر غير الاستصحاب ، لان المفروض ان دليل الاستصحاب موضوعه الشك وهو تساوي الطرفين ، ودليل الالغاء لا يدل على ترتيب آثار الشك على هذا الظن ، فهذا الظن لا يمكن ان يؤخذ بما قام عليه لاجل دليل الغائه ، ولا يشمله دليل الاستصحاب لاختصاصه بالشك ، فلا محالة يكون المرجع في قيام الظن الملغى شرعا بالدليل الخاص او بالدليل العام هو ساير الاصول الأخر غير الاستصحاب.

واما الايراد الثاني على خصوص الظن الذي شك في اعتباره : من ان الاخذ به مرجعه الى نقض اليقين بالشك ، فيكون مشمولا للنهي الوارد في دليل لا تنقض اليقين بالشك ... فمدفوع ، بان الشك الذي اخذ موضوعا في دليل الاستصحاب هو الشك الذي كان متعلقا بما تعلق به اليقين السابق ، لا الشك المتعلق باعتبار الظن.

٣٢٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وتوضيح ذلك : انه اذا تعلق اليقين السابق بالوضوء ، ثم تحقق الظن المشكوك الاعتبار متعلقا بالحدث ونقض الوضوء ، فهناك امران :

الاول : ترتيب آثار اليقين وهو البناء على الوضوء وعدم الحدث مع وجود هذا الظن ، ولما كان الفرض اختصاص الاستصحاب بخصوص الشك فلا يعم المورد الذي قام الظن فيه دون الشك.

الثاني : كون نفس هذا الظن مما شك في اعتباره ، فيدعى ان الاخذ به من الاخذ بالشك فيشمله دليل الاستصحاب الناهي عن الاخذ بالشك ... وفيه ان الشك في المقام هو الشك في الاعتبار دون الشك في الوضوء ، لفرض كونه مما قام فيه الظن المشكوك الاعتبار على الحدث ، ودليل الاستصحاب انما يدل على عدم جواز نقض الشك المتعلق باليقين لا مطلق الشك.

والحاصل : انه لا بد في الاستصحاب الجاري بابقاء الوضوء ـ مثلا ـ من وجود شك يكون متعلقه نفس الوضوء ، لا الشك الذي يكون متعلقه اعتبار الظن ، للزوم اتحاد متعلق اليقين ومتعلق الشك في جريان الاستصحاب ، ولا يعقل جريان الاستصحاب مع عدم الشك المتعلق بما تعلق به اليقين لاجل شك متعلق بغير ما تعلق به اليقين ، والمفروض في المقام ان الوضوء المتعلق به اليقين لم يتعلق به الشك ، بل كان هناك ظن متعلق بعدمه ، والشك الموجود في حال هذا الظن متعلق باعتبار هذا الظن ، فمتعلق الشك غير متعلق اليقين ، ولا بد في الاستصحاب من اتحاد متعلق اليقين والشك. هذا كله في استصحاب اليقين المتعلق بالوضوء.

واما الاستصحاب في نفس مشكوك الاعتبار ، بان يقال : ان الخبر الواحد ـ مثلا ـ قد تعلق به الجعل وكان قبل تعلق الجعل به مما قد تعلق اليقين بعدم حجيته ، وبعد جعل الخبر يشك في شموله للشبهة المصداقية فيجري الاستصحاب فيه ، ومفاده عدم حجيته في الشبهة المصداقية ، إلّا ان المستفاد من هذا الاستصحاب هو عدم حجية الظن الحاصل من هذا الخبر في الشبهة المصداقية ، لا استصحاب الوضوء في مقام قيام

٣٢٨

.................................................................................................

______________________________________________________

الخبر الواحد على الحدث ، ومن الواضح ان المستفاد من هذا الاستصحاب لا يزيد على الدليل القائم على عدم حجية الظن كما في الظن القياسي ، وقد عرفت انه لا يستلزم ترتيب آثار اليقين كما مر بيانه.

فاتضح مما ذكرنا : ان هذا الوجه الثاني بجميع شقوقه غير صحيح.

وقد اشار المصنف الى ان دليل الالغاء لا يدل على اكثر من كون هذا الظن وجوده كعدمه ، ولا دلالة له على ترتيب آثار الشك في حال وجود هذا الظن ، والاستصحاب حيث فرض اختصاصه بالشك فلا يشمل هذا الظن ، فلا بد من الرجوع الى الاصول الأخر غير الاستصحاب بقوله : ((ولا تكاد تكون)) أي ولا تكاد تكون قضية عدم اعتباره لإلغائه بالدليل الخاص او بالعدم العام ((الا)) مستلزمة ل ((عدم اثبات مظنونه به)) أي بهذا الظن ((تعبدا)) أي ان الدليل على عدم اعتبار هذا الظن غاية دلالته هو التعبد بالغاء هذا الظن ، وعدم الاخذ بما ادى اليه هذا الظن ، وان المظنون الذي قام عليه هذا الظن لا يؤخذ به ، فلا يترتب على هذا الظن آثار مظنونه ، فالمستفاد من دليل الالغاء هو عدم اثبات هذا الظن لمظنونه ، فما لمظنونه من الآثار الشرعية لا ترتب عليه لاجل دليل الغاء هذا الظن ، فهذا المظنون لا ثبوت له عند الشارع ((ليترتب عليه آثاره شرعا ولا)) دلالة لدليل الالغاء على ((ترتيب آثار الشك مع عدمه)) أي مع عدم الشك ، لان المفروض انه لا وجود للشك والموجود هو الظن ((بل لا بد حينئذ)) أي في حال الظن بالخلاف ((في تعيين ان الوظيفة)) الشرعية وانها ((أي اصل من الاصول العملية من)) تحصيل ((الدليل)) على تلك الوظيفة ، وذلك الدليل لا بد وان يكون غير دليل الالغاء ، لما عرفت من عدم دلالته على الوظيفة وانما يدل على الالغاء لا غير ، ولا بد ايضا ان يكون غير الاستصحاب ، لما عرفت ايضا من ان دليل الاستصحاب موضوعه الشك الذي هو تساوي الطرفين ((فلو فرض عدم دلالة الاخبار)) الدالة على الاستصحاب على الاخذ باليقين السابق ((معه)) أي مع تحقق الظن بالخلاف لتقومها بالشك

٣٢٩

تتمة : لا يذهب عليك أنه لا بد في الاستصحاب من بقاء الموضوع ، وعدم أمارة معتبرة هناك ولو على وفاقه ، فها هنا مقامان : المقام الاول :

إنه لا إشكال في اعتبار بقاء الموضوع بمعنى اتحاد القضية المشكوكة مع المتيقنة موضوعا ، كاتحادهما حكما (١) ، ضرورة أنه بدونه لا يكون الشك

______________________________________________________

فلا يكون دليل الاستصحاب دالا مع تحقق الظن بالخلاف ((على اعتبار الاستصحاب فلا بد)) حينئذ ((من الانتهاء الى)) دليل آخر غير الاستصحاب من ((ساير الاصول)) الأخر.

ولا يخفى ان هذا الوجه الثاني هو ما ذكره الشيخ في الرسالة وامر فيه بالتأمل ، فمن المحتمل ان يكون امره بالتأمل اشارة الى ما ذكره المصنف من الايراد ، والى هذا اشار المصنف بقوله : ((ولعله اشير اليه بالامر بالتأمل)).

(١) توضيحه : ان الكلام في هذا المقام الاول يكون في مواضع : الاول : في انه ما المراد من بقاء الموضوع. الثاني : الاستدلال على لزوم بقاء الموضوع الذي هو اتحاد القضية المشكوكة والقضية المتيقنة ، وقد ذكر له الماتن دليلا ، وذكر له الشيخ دليلا آخر. الثالث : انه بعد لزوم بقاء الموضوع ، فهل المرجع في تشخيص الموضوع الذي لا بد من بقائه في مقام الشك هو العرف أو العقل أو لسان الدليل؟

اما الكلام في الموضع الاول ، فحاصله : ان هنا احتمالات ثلاثة :

الاول : ان المراد من بقاء الموضوع هو لزوم كون موضوع متعلق اليقين والشك واحدا وهو مختار المصنف.

الثاني : ان المراد من بقاء الموضوع هو بقاء معروض المستصحب لاحقا على نحو ما كان عليه في السابق ، فاذا اريد ـ مثلا ـ استصحاب قيام زيد فلا بد من وجود زيد في مقام الشك في قيامه ، واذا اريد استصحاب وجود زيد فاللازم بقاء ماهيته بما لها من التقرر الذهني ، وهذا هو مختار الشيخ في الرسالة قال فيها : ((ان المراد به معروض المستصحب ، فاذا اريد استصحاب قيام زيد أو وجوده فلا بد من تحقق زيد

٣٣٠

.................................................................................................

______________________________________________________

في الزمان اللاحق على النحو الذي كان معروضا في السابق ، سواء كان تحققه في السابق بتقرّره ذهنا او بوجوده خارجا ، فزيد معروض للقيام في السابق بوصف وجوده الخارجي وللوجود يوصف تقرره ذهنا لا بوجوده الخارجي)) (١) انتهى كلامه رفع مقامه.

الثالث : ان المراد من بقاء الموضوع وجود المعروض للمستصحب خارجا. ويظهر الفرق بين مختار المصنف ومختار الشيخ في ما اذا شك في عدالة زيد مع الشك في حياته وكان الاثر مرتبا على عدالة زيد بنحو كان التامة ، فبناء على مسلك الشيخ ينبغي ان لا يجري الاستصحاب ، لان معروض العدالة لما كانت متيقنة هو زيد الحي وحيث فرض الشك في حياته فلا يجري الاستصحاب في عدالته ، لعدم احراز تحقق الموضوع فيها ، ويجري الاستصحاب على مسلك المصنف ، لان المدار في جريان الاستصحاب كون موضوع متعلّق اليقين والشك واحدا ، ولما كان الاثر مرتبا على العدالة بنحو كان التامة فالموضوع هو زيد وهو متحد في القضيتين.

والفرق بين الاحتمال الثالث ومختار الشيخ والمصنف هو عدم جريان الاستصحاب في مقام الشك في وجود زيد ، لانه اذا كان المستصحب هو وجود زيد فلا يكون لمعروض هذا المستصحب تحقق في الخارج ، اذ لا تحقق خارجا للماهية.

ثم لا يخفى فساد الاحتمال الثالث ـ كما سيشير اليه ـ لان كون المراد من بقاء الموضوع هو وجود المعروض للمستصحب خارجا لازمه عدم جريان الاستصحاب في مقام الشك في الوجود ، مع وضوح تمامية اركان الاستصحاب من اليقين السابق والشك اللاحق في مقام الشك في وجود زيد ، وليس للموضوع في هذا الاستصحاب تحقق خارجا ، لان الشك في الوجود كما هو المفروض في هذا الاستصحاب لازمه كون الموضوع الذي هو المعروض للمستصحب لا تحقق له خارجا ، لبداهة انحصار

__________________

(١) فرائد الاصول : ج ٢ ، ص ٦٩٠ (تحقيق عبد الله النوراني).

٣٣١

.................................................................................................

______________________________________________________

التحقق بالوجود ، ومع فرض كون المشكوك هو الوجود فلا احراز لبقاء الموضوع خارجا.

واما الاحتمال الثاني الذي هو مختار الشيخ في الرسالة فتوضيح عدم صحته يحتاج الى بيان امرين :

الاول : ان افق اليقين والشك هو النفس ، فمتعلقهما لا بد من ثبوته في هذا الافق ايضا ، ولازم ذلك هو ثبوت الموضوع في افق النفس ، والقاعدة الفرعية التي هي ثبوت شيء لشيء فرع ثبوت المثبت له لا تقتضي اكثر من ثبوت المثبت له في افق الثبوت ، فاذا كان افق الموضوع الذي هو المثبت له هو النفس ، فلا تقتضي القاعدة الّا ثبوته في افق النفس لا في افق غيره كأفق الخارج ، ومن الواضح ان المدار في الاستصحاب على اليقين والشك المنحصر افقهما في النفس ، فلا بد وان يكون افق متعلقهما وافق معروض متعلقهما هو نفس افق اليقين والشك.

والحاصل : ان متعلق اليقين ـ مثلا ـ اذا كان عدالة زيد بنحو مفاد كان التامة فموضوعها هو زيد المتيقن به ايضا ، فاذا دلّ الاستصحاب على ثبوت عدالته في حال الشك فلازمها ثبوت شيء هو العدالة لزيد وهو المثبت له في حال الشك ، والقاعدة الفرعية تستدعي ان تكون هذه العدالة ثابتة لزيد في حال الشك لا لغيره ، لانه كان هو الموضوع للعدالة المتيقنة ، ومن الواضح ان زيد هو الذي له ثبتت العدالة في ظرف الشك لا غيره ، فالمراد من ثبوته الذي تستدعيه القاعدة الفرعية في مقام الشك كونه هو الثابت له العدالة دون غيره في هذا الحال ، ولا تستدعي القاعدة ثبوت زيد خارجا في حال الشك في عدالته ، فالمراد من البقاء هو كون زيد الذي هو الموضوع في مقام تعلق اليقين هو الموضوع ايضا في مقام الشك ، وقد عرفت ان اليقين والشك محل ثبوتهما هو النفس ، فالمعروض أي الموضوع لا بد وان يكون محل ثبوته هو محل ثبوت اليقين والشك ، وقد عرفت ان محل ثبوتهما هو النفس فلا بد وان يكون

٣٣٢

.................................................................................................

______________________________________________________

محل ثبوت المعروض هو النفس ايضا ، ولا تستدعي الثبوت في غير موطن النفس كالخارج.

الثاني : انه لا موطن للوجود في غير مرحلة الخارج والذهن ، والثبوت في الخارج هو الثبوت العيني ، والثبوت في الذهن هو الثبوت الذهني ، وليس الثبوت الا الوجود ولا ثبوت لغير الوجود ، فلا ثبوت للماهية بالذات وانما لها الثبوت بالعرض ، فتثبت بالعرض خارجا بواسطة الوجود خارجا ، وتثبت بالعرض ذهنا بواسطة الوجود ذهنا ، فالمراد من تقرّر الماهية ان كان هو ثبوتها بنفسها فهو واضح البطلان ، اذ لا ثبوت للماهية بنفسها من دون الوجود ، وان كان المراد تقرّرها بالعرض تبعا للوجود أي ثبوتها بتبع الوجود بالعرض ، ففي مقام استصحاب وجود زيد لا تقرّر لماهية زيد لا خارجا وهو واضح لفرض الشك في الوجود خارجا ، ولا ذهنا ـ ايضا ـ لانه لا ثبوت ايضا للماهية ذهنا بفرض الاغماض عن وجود زيد ذهنا ، فيتعيّن ان يكون المراد من ثبوتها بما هي موضوع لاستصحاب الوجود هو ثبوتها بما هي متعلقة لليقين السابق في مقام الشك اللاحق.

فاذا عرفت ما ذكرنا ... تعرف ان المراد من بقاء الموضوع هو بقاؤه بمعنى كونه هو الواحد الذي عرضه اليقين والشك ، وانه لا بد من كون اليقين والشك في الاستصحاب متحدين ، ومعنى ذلك هو كون اليقين المتعلق بالوصف العارض لموضوع لا بد وان يكون ذلك الوصف المتعلق به اليقين العارض لذلك الموضوع هو متعلق الشك ، بان لا يكون الشك متعلقا بوصف عارض لغير الموضوع الذي عرض عليه الوصف المتعلق به اليقين ، ولا حاجة الى لزوم اشتراط بقاء الموضوع في حال الشك على ما كان عليه سابقا ، من ثبوته خارجا تارة ، وتقرّره ذهنا اخرى.

وظهر من جميع ما ذكرنا : ان الحق هو مختار المصنف ، وهو كون المراد من بقاء الموضوع هو كونه واحدا في القضية المتيقنة والقضية المشكوكة في افق متعلق اليقين والشك ، ولذلك بعد ان قال (قدس‌سره) : ((انه لا اشكال في اعتبار بقاء الموضوع))

٣٣٣

في البقاء بل في الحدوث ، ولا رفع اليد عن اليقين في محل الشك نقض اليقين بالشك ، فاعتبار البقاء بهذا المعنى لا يحتاج إلى زيادة بيان وإقامة برهان (١) ، والاستدلال عليه باستحالة انتقال العرض إلى موضوع آخر

______________________________________________________

فسّره بقوله : ((بمعنى اتحاد القضية المشكوكة مع المتيقنة موضوعا)) أي ان المراد من بقاء الموضوع هو كونه الموجب لان تكون القضيتان متحدتين موضوعا في افق اليقين والشك من دون حاجة الى اكثر من ذلك ، فلا يشترط بقاؤه خارجا كما عرفت في الاحتمال الثالث ، ولا بقاؤه اما خارجا او تقرّره ذهنا كما هو المستفاد من كلام الشيخ الاعظم.

(١) بعد ان فرغ من كون المراد من بقاء الموضوع هو ما كان موجبا لاتحاد القضية المشكوكة والقضية المتيقنة في الموضوع ... اشار الى الكلام في الموضع الثاني وهو الاستدلال على لزوم هذا الاتحاد ، وحاصل استدلاله يرجع الى وجهين :

الاول : ان المستفاد من دليل الاستصحاب هو ابقاء ما كان تعبدا ، ومع عدم اتحاد القضية المشكوكة والمتيقنة لا يكون الابقاء في مقام الشك ابقاء لما كان متيقنا ، بل يكون احداثا للتعبد بشيء آخر ، واذا كان قوام الاستصحاب هو ان يكون الشك فيه شكا في بقاء ما كان متيقنا فلا بد من اتحاد القضيتين في الموضوع ، لانه حيث لا اتحاد بين القضيتين فيه لا يكون الشك من الشك في بقاء ما كان ، بل يكون شكا في حدوث شيء آخر.

والوجه الثاني الدال على لزوم الاتحاد موضوعا في القضيتين هو النهي عن نقض اليقين بالشك في قوله عليه‌السلام لا تنقض اليقين بالشك ، فان الاخذ بالشك اللاحق انما يكون نقضا لليقين السابق حيث يكون متعلق الشك متحدا مع متعلق اليقين ، ومن الواضح ان الاخذ بشك يكون متعلقا بغير ما تعلق به اليقين لا يكون نقضا لذلك اليقين ، ولا يكون الاخذ به من رفع اليد عما تعلق به اليقين ، فكون النقض بالشك

٣٣٤

لتقوّمه بالموضوع وتشخّصه به (١) غريب ، بداهة أن استحالته حقيقة غير

______________________________________________________

اللاحق نقضا لليقين السابق ورفع اليد عنه في مقام الشك رفع يد عن ذلك اليقين لا يعقل ان يتحقق الا فيما اذا كان متعلق الشك متحدا مع متعلق اليقين موضوعا.

والى الوجه الاول اشار بقوله : ((ضرورة انه بدونه)) أي بدون الاتحاد في القضيتين ((لا يكون)) الشك من ((الشك في البقاء)) الذي لا بد في الاستصحاب من كون الشك فيه شكا في البقاء ((بل)) يكون الشك مع عدم الاتحاد من الشك ((في الحدوث)) لشيء آخر. واشار الى الوجه الثاني وهو ان مفاد الاستصحاب هو النهي عن نقض اليقين السابق بالشك اللاحق ، ومع عدم الاتحاد لا يكون الاخذ بالشك اللاحق من النقض لما تعلق به اليقين السابق ولا من رفع اليد عمّا تعلق به ذلك اليقين بقوله : ((ولا رفع اليد عن اليقين)) السابق ((في محل الشك من نقض اليقين بالشك ف)) اتضح ان ((اعتبار البقاء بهذا المعنى)) أي بمعنى لزوم الاتحاد في القضيتين المشكوكة والمتيقنة ((لا يحتاج الى زيادة بيان و)) لا ((اقامة برهان)) بل نفس دليل الاستصحاب من حيث البقاء والنقض يدل عليه.

(١) لا يخفى ان الشيخ (قدس‌سره) في الرسالة اقام على لزوم الاتحاد موضوعا في القضية المشكوكة والمتيقنة برهانا عقليا ، وحاصله : ان متعلق اليقين السابق كان عارضا لموضوع خاص ، ودليل الاستصحاب قد دلّ على لزوم التعبّد بذلك العارض في مقام الشك : فان كان موضوع هذا العارض الذي دلّ الاستصحاب على التعبّد به في مقام الشك هو الموضوع الذي قد عرضه ما تعلّق به اليقين السابق فهو المطلوب. وان كان الموضوع للعارض في مقام الشك غير الموضوع في مقام اليقين كان لازمه هو الحكم بانتقال العرض عن موضوعه الى موضوع آخر وهو محال ، لبداهة محالية انتقال العرض عن موضوعه الى موضوع آخر ، لان لازمه كون العرض في ظرف الانتقال بلا موضوع ، وان كان دليل الاستصحاب دالا على بقاء العارض في مقام الشك ولو

٣٣٥

مستلزم لاستحالته تعبدا ، والالتزام بآثاره شرعا (١).

______________________________________________________

مع الشك في بقاء الموضوع السابق فلازمه هو الحكم ببقاء العرض ولو من غير موضوع وهو محال ايضا ، لوضوح محالية بقاء العرض من غير موضوع.

وبعبارة اخرى : ان المستفاد من دليل الاستصحاب هو ابقاء المتيقن ، فان كان المراد هو ابقاء المتيقن لموضوعه فهو المطلوب ، لان لازم هذا هو كون المتيقن المامور بابقائه موضوعه هو الموضوع السابق. وان كان المراد بابقاء المتيقن في غير موضوعه فهو من انتقال العرض من موضوعه المتقوّم به الى موضوع آخر ، لان المستصحب هو العرض المتقوّم بالموضوع الخاص في حال اليقين السابق ، وقد تعلق اليقين السابق بهذا العرض المتقوّم بموضوعه الخاص ، فالتعبّد بهذا العرض في حال الشك مع فرض عروضه لموضوع آخر هو تعبّد بانتقال العرض من موضوعه الخاص المتقوّم به الى موضوع آخر. وان كان المراد ابقاء هذا العرض ولو مع الشك في موضوعه فمرجعه الى التعبّد ولو بلا موضوع وهو محال كسابقه ، لان العرض المتقوّم في مقام وجوده بالموضوع يستحيل تحققه بلا موضوع. والحاصل : ان ما كانت حقيقته متقوّمة بالموضوع يستحيل تحققه من غير موضوع.

فاتضح من هذا البرهان انه لا بد من الموضوع في جريان الاستصحاب الذي مرجعه الى التعبّد بعرض الموضوع وابقائه في حال الشك ، وانه لا بد وان يكون الموضوع في حال الشك هو الموضوع في حال اليقين ، والّا لزم اما انتقال العرض عن موضوعه او بقاء العرض بلا موضوع ، ومحالية كل منهما لا ريب فيها. وقد اختصر المصنف الاستدلال فاشار الى احد شقي الترديد وهو استحالة انتقال العرض عن موضوعه بقوله : ((والاستدلال عليه باستحالة انتقال العرض ... الى آخر الجملة)).

(١) قوله غريب هو خبر لقوله والاستدلال الذي هو المبتدأ.

وحاصله : ان الاستدلال بما ذكره الشيخ من البرهان على لزوم الاتحاد في القضيتين من ناحية الموضوع غريب من الشيخ ، لوضوح عدم تمامية هذا الاستدلال ،

٣٣٦

.................................................................................................

______________________________________________________

لان المستفاد من ظاهر دليل الاستصحاب وان كان هو الحكم بابقاء العارض المتيقن سابقا في حال الشك ، الّا ان المراد من التعبّد بابقاء العارض المتيقن في حال الشك هو التعبّد بآثاره في حال الشك ، ولا مانع من الجعل التعبدي لآثار الشيء في حال الشك في بقاء موضوع ذلك الشيء.

وبالجملة : ان انتقال العرض عن موضوعه وبقاء العرض بلا موضوع محال في مقام ثبوت ذلك العارض حقيقة ، لا في مقام ثبوت التعبّد بآثاره شرعا فانه لا محالية في جعل الشارع التعبّد بآثار شيء لشيء آخر ، ولا محاليّة في جعل الشارع التعبّد بآثار الشيء مع الشك في موضوع ذلك الشيء ، فان متعلّق الجعل والتعبد الشرعي في الاستصحاب هو البناء عملا بآثار ما كان سابقا ، ولا مانع من جعل الشارع التعبّد بأثر ما كان متيقنا في حال الشك به مع الشك في موضوع ما يعرضه المتيقن السابق.

فاتضح : ان المحال هو انتقال العرض عن موضوعه حقيقة ، والاستصحاب حكم تعبّدي بآثار العرض ، وليس هذا من انتقال العرض عن موضوعه حقيقة ، والمحال هو بقاء العرض من غير موضوع حقيقة.

والحاصل : ان الاستصحاب حكم تعبّدي بآثار العرض ، ولا يستلزم الحكم التعبّدي بآثار العرض مع الشك في بقاء الموضوع محالا ، لان المحال هو بقاء العرض من غير موضوع هو بقاء العرض حقيقة لا بقاؤه تعبدا ، لان المراد من الحكم ببقائه تعبدا هو التعبّد بآثاره ، ولا مانع من جعل الشارع آثار شيء مع الشك فيه كما عرفت. وقد اشار الى ان الاستدلال على الاتحاد ، بانه لو لا الاتحاد يلزم انتقال العرض عن موضوعه غير صحيح بقوله : ((بداهة ان استحالته حقيقة)) أي استحالة انتقال العرض عن موضوعه في مقام ثبوت العرض حقيقة ((غير مستلزم لاستحالته تعبدا)) لان المراد من بقاء العرض تعبّدا كما هو لسان الاستصحاب هو التعبّد ((والالتزام بآثاره شرعا)) ولا استحالة في ذلك.

٣٣٧

وأما بمعنى إحراز وجود الموضوع خارجا ، فلا يعتبر قطعا في جريانه لتحقق أركانه بدونه (١) ، نعم ربما يكون مما لا بد منه في ترتيب بعض الآثار ، ففي استصحاب عدالة زيد لا يحتاج إلى إحراز حياته لجواز تقليده ، وإن كان محتاجا إليه في جواز الاقتداء به أو وجوب إكرامه أو الانفاق عليه (٢).

______________________________________________________

(١) هذا هو الاحتمال الثالث الذي مرت الاشارة اليه وانه واضح الفساد ، لتمامية ما يعتبر في جريان الاستصحاب في مقام الشك اللاحق في وجود ما كان متيقن الوجود سابقا ، وفي هذا الفرض لا وجود للموضوع خارجا لفرض كون الشك في نفس الوجود.

والحاصل : انه لا يصح ان يكون المراد ببقاء الموضوع في القضيتين هو وجود الموضوع للمتيقن السابق خارجا في حال الشك به لاحقا ، لوضوح عدم اعتبار ذلك لما عرفت من تمامية اركان الاستصحاب فيما كان الشك في وجود المتيقن سابقا ، ولذا قال (قدس‌سره) : ((واما بمعنى احراز وجود الموضوع خارجا)) أي كون المراد ببقاء الموضوع في الاستصحاب هو لزوم وجود الموضوع خارجا غير صحيح لما عرفت ((فلا يعتبر قطعا في جريانه)) أي لا يعتبر في جريان الاستصحاب قطعا لزوم بقاء وجود الموضوع في حال الشك ((لتحقق اركانه بدونه)) أي لتحقق اركان الاستصحاب بدون وجود الموضوع خارجا في حال الشك كما في مقام الشك في نفس وجود المتيقن كما مر بيانه.

(٢) هذا تفريع على مختاره : من ان بقاء الموضوع الذي لا شك في اعتباره هو بمعنى اتحاد القضيتين موضوعا في مقام تعلق اليقين والشك ، وحاصله :

ان الاثر تارة يكون مرتبا على عدالة زيد ولو مع العلم بعدم حياته ، كما في جواز تقليده ـ بناء على جواز تقليد الميت ابتداء وبقاء ـ ففي الشك في عدالته يجري استصحاب عدالته وان لم تحرز حياته ، بل حتى لو احرز موته لاتحاد متعلق اليقين

٣٣٨

وإنما الاشكال كله في أن هذا الاتحاد هل هو بنظر العرف؟ أو بحسب دليل الحكم؟ أو بنظر العقل؟ فلو كان مناط الاتحاد هو نظر العقل فلا مجال للاستصحاب في الاحكام ، لقيام احتمال تغير الموضوع في كل مقام شك في الحكم بزوال بعض خصوصيات موضوعه ، لاحتمال دخله فيه ، ويختص بالموضوعات ، بداهة أنه إذا شك في حياة زيد شك في نفس ما كان على يقين منه حقيقة بخلاف ما لو كان بنظر العرف أو بحسب لسان الدليل ، ضرورة أن انتفاء بعض الخصوصيات وإن كان موجبا للشك في بقاء الحكم لاحتمال دخله في موضوعه ، إلا أنه ربما لا يكون بنظر العرف ولا في لسان الدليل من مقوماته.

______________________________________________________

والشك وهي العدالة ، والموضوع واحد في القضيتين وهو زيد من دون اشتراطه بالحياة ، لوضوح انه مع العلم بعدم الحياة لا بد من احراز العدالة.

واخرى يكون الاثر مرتبا على الحياة والعدالة ، كما في مقام الاقتداء فانه لا بد وان يكون الائتمام بالحي العادل ، وعليه فلا بد من احرازهما معا وبالاستصحاب في كليهما.

وثالثة : يكون الاثر مرتبا على الحياة ، كما في وجوب الانفاق فيجري استصحاب الحياة وموضوعه نفس ماهية زيد ، ولذا قال (قدس‌سره) : ((نعم ربما يكون)) احراز حياة زيد ايضا ((مما لا بد منه في ترتيب بعض الآثار)) كما في مقام الاقتداء به فانه لا بد من احراز حياته كما يلزم احراز عدالته ، وربما لا يكون الاثر مرتبا على الحياة ((ففي)) مقام ((استصحاب عدالة زيد)) لاجل تقليده ((لا يحتاج الى احراز حياته لجواز تقليده)) من دون احراز الحياة ((وان كان محتاجا اليه)) أي الى احراز حياته في بعض الآثار كما ((في جواز الاقتداء به او)) في ((وجوب اكرامه او)) في مقام وجوب ((الانفاق عليه)) فانه لا بد من احراز الحياة في مثل هذه الآثار.

٣٣٩

كما أنه ربما لا يكون موضوع الدليل بنظر العرف بخصوصه موضوعا ، مثلا العنب إذا غلى يحرم كان العنب بحسب ما هو المفهوم عرفا هو خصوص العنب ، ولكن العرف بحسب ما يرتكز في أذهانهم ويتخيلونه من المناسبات بين الحكم وموضوعه ، يجعلون الموضوع للحرمة ما يعم الزبيب ويرون العنبية والزبيبية من حالاته المتبادلة ، بحيث لو لم يكن الزبيب محكوما بما حكم به العنب ، كان عندهم من ارتفاع الحكم عن موضوعه ، ولو كان محكوما به كان من بقائه (١) ، ولا ضير في أن يكون

______________________________________________________

(١) هذا هو الموضع الثالث من الكلام في هذا المقام الاول ، وهو انه بعد ان ظهر مما مر ان المراد من بقاء الموضوع هو اتحاد القضية المتيقنة والقضية المشكوكة موضوعا ، وتم الاستدلال عليه ... فهل المدار في اتحاد القضيتين في الموضوع هو اتحادهما بنظر العرف؟ ... او اتحادهما بحسب ما يستفاد من الدليل الدال على الحكم؟ بمعنى ان الحكم الذي ثبت بالدليل الشرعي لموضوع يكون ذلك الموضوع الذي ثبت له الحكم هو الذي يلزم ثبوته في القضية المشكوكة ، فيكون الاتحاد في الموضوع بين القضيتين هو ما كان موضوعا في لسان الدليل الدال على ثبوت ذلك الحكم لموضوعه ... او ان المدار في اتحاد القضيتين موضوعا هو اتحادهما في الموضوع بحسب نظر العقل؟

ولا بد من بيان امور ايضاحا لتحقيق الحال في هذا المقام :

الاول : بيان النسبة بين هذا الانظار الثلاثة : أي النسبة بين نظر العرف ونظر العقل ، وبين نظر العرف ولسان الدليل ، وبين نظر العقل ولسان الدليل ، لوضوح انه اذا كانت النسبة بين هذه الثلاثة هي التساوي لا يكون مجال للبحث في ان المدار في الاتحاد على أي هذه الثلاثة ، لعدم الفائدة ، بخلاف ما اذا لم تكن النسبة بينها هي التساوي فان تعيين كون المدار في الاتحاد هو احد هذه الثلاثة يترتب عليه ثمرة مهمة : من جريان الاستصحاب بحسب احد الانظار ، وعدم جريانه بحسب النظرين الآخرين كما سيظهر ذلك.

٣٤٠