بداية الوصول

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي

بداية الوصول

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي


المحقق: محمّد عبدالحكيم الموسوي البكّاء
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار الهدى
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٢
ISBN: 964-497-064-0
ISBN الدورة:
964-497-056-X

الصفحات: ٤٢١

بلحاظ أثر الواسطة أيضا لاجل أن أثر الاثر أثر (١). وذلك لان مفادها لو كان هو تنزيل الشيء وحده بلحاظ أثر نفسه ، لم يترتب عليه ما كان مترتبا عليها ، لعدم إحرازها حقيقة ولا تعبدا ، ولا يكون تنزيله بلحاظه ، بخلاف ما لو كان تنزيله بلوازمه ، أو بلحاظ ما يعم آثارها ، فإنه يترتب باستصحابه ما كان بوساطتها (٢).

______________________________________________________

العقلية او العادية)) منزلة المتيقن بجميع لوازمه ويكون الحال في الاستصحاب ((كما هو الحال في تنزيل مؤديات الطرق والامارات)) كما عرفت توضيحه.

(١) هذا هو الوجه الثاني وتوضيحه بامرين : الاول : انه لا إشكال في ان الملحوظ في مقام التنزيل هو الاثر ، وحيث لم يذكر في اخبار الباب اثر بخصوصه فلا بد وان يكون الملحوظ طبيعة الاثر. الثاني : انه لا اشكال في ان اثر الاثر اثر.

ولازم هذين الامرين هو دلالة اخبار الباب على حجيّة الاستصحاب في المثبت ، لانها بعد ان دلت على تنزيل المشكوك منزلة المتيقن بلحاظ طبيعة الاثر ، وان اثر الاثر اثر ، فلا محالة تكون حجة في المثبت ، لان الاثر مع الواسطة من اثر الاثر ، وقد عرفت انه اثر يشمله ما دلّ على التنزيل بلحاظ طبيعة الاثر. والفرق بين هذا الوجه والوجه الاول : هو ان اللحاظ في الوجه الاول هو الآثار بنحو العموم الافرادي ، وفي هذا الوجه الملحوظ طبيعة الاثر ، فالاطلاق هنا اطلاق طبيعي وفي الاول اطلاق افرادي. والى هذا الوجه اشار بقوله : ((او بلحاظ)) أي أو نقول ان الوجه في دلالة اخبار الباب على حجية الاستصحاب في المثبت هو ان التنزيل فيه بلحاظ ((مطلق ما له من الاثر)) بنحو لحاظ طبيعة الاثر فيشمل الاثر ((ولو بالواسطة)) وبهذا اشار الى الامر الاول ، واشار الى الامر الثاني بقوله : ((بناء على صحة التنزيل بلحاظ اثر الواسطة ايضا لاجل ان)) الملحوظ طبيعة الاثر و ((اثر الاثر اثر)).

(٢) حاصله : انه اذا كان التنزيل بلحاظ اثر نفس المستصحب وحده وهو الاحتمال الاول الذي اشار اليه سابقا بقوله : ((هو تنزيل المستصحب والتعبّد به وحده ... الى

٢٠١

والتحقيق أن الاخبار إنما تدلّ على التعبّد بما كان على يقين منه فشك ، بلحاظ ما لنفسه من آثاره وأحكامه ، ولا دلالة لها بوجه على

______________________________________________________

آخر الجملة)) فانه عليه لا يكون الاستصحاب حجة في المثبت كما عرفت ، ولذا قال : (قدس‌سره) : ((وذلك لان مفادها)) أي ان مفاد ادلة الاستصحاب ((لو كان هو تنزيل الشيء وحده بلحاظ اثر نفسه)) لا بلحاظ جميع الآثار ولا بلحاظ طبيعة الاثر ((لم يترتب عليه ما كان مترتبا عليها)) أي على لوازمه العقلية والعادية ، بل يختصّ باثر المستصحب نفسه. واشار الى الوجه في عدم ترتّب الآثار المترتبة بواسطة لوازمه العقلية والعادية بقوله : ((لعدم احرازها حقيقة ولا تعبّدا)) لما عرفت من ان المفروض هو عدم تعلّق اليقين بنبات لحية زيد حتى يترتّب عليه الحكم المرتب على نبات لحيته كاستحباب خضابها مثلا ، لفرض كونه حال تعلّق اليقين بحياته لم يكن نبات لحيته متيقنا ، وهذا مراده من قوله من عدم احرازها حقيقة ، وحيث لم يكن منطبقا لابقاء اليقين الّا حياة زيد بما لها من الاثر ، فلذلك لا يكون نبات لحيته محرزا تعبّدا ، وهو مراده من قوله ولا تعبّدا.

والحاصل : انه على الاحتمال الاول لا تكون ادلة الاستصحاب دليلا على المثبت ، ولذا قال : ((ولا يكون تنزيله بلحاظه)) أي لا يكون التنزيل في ادلة الاستصحاب بلحاظ ما كان مترتبا على اللوازم العقلية او العادية ، فلا يكون الاستصحاب حجة في المثبت. واشار الى ان التنزيل في ادلة الاستصحاب لو كان بلحاظ جميع الآثار او بلحاظ طبيعة الاثر لكان الاستصحاب حجة في المثبت بقوله : ((بخلاف ما لو كان تنزيله بلوازمه)) بنحو العموم الافرادي الشامل للاثر بالواسطة سواء كانت الواسطة عقلية او عادية ((او)) كان التنزيل ((بلحاظ ما يعم آثارها)) بنحو طبيعة الاثر ((فانه)) على هذين الاحتمالين ((يترتب باستصحابه ما كان بواسطتها)) سواء كانت عقلية او عادية ، ويكون الاستصحاب حجة في المثبت كما عرفت.

٢٠٢

تنزيله بلوازمه التي لا تكون كذلك ، كما هي محل ثمرة الخلاف ، ولا على تنزيله بلحاظ ما له مطلقا ولو بالواسطة ، فإن المتيقن إنما هو لحاظ آثار نفسه ، وأما آثار لوازمه فلا دلالة هناك على لحاظها أصلا ، وما لم يثبت لحاظها بوجه أيضا لما كان وجه لترتيبها عليه باستصحابه ، كما لا يخفى (١).

______________________________________________________

(١) وحاصله : ان مدلول ادلة حجيّة الاستصحاب هو الابقاء عملا لما تعلّق به اليقين السابق في حالة الشك اللاحق ، والى هذا اشار بقوله : ((ان الاخبار انما تدلّ ... الى آخر الجملة)) وهذا المدلول لا يشمل الّا تنزيل المشكوك منزلة المتيقن بلحاظ ما لنفس المتيقن من الاثر ، ولا يشمل تنزيله منزلة المتيقن بلحاظ اثر لازمه الذي حسب الفرض ليس متعلقا لليقين ، لان المفروض ان نبات اللحية لم يكن متعلقا لليقين حال تعلق اليقين السابق بالحياة ، وانما يكون نبات اللحية لازما للمستصحب في حالة الشك ، فان محل الخلاف في خصوص هذه اللوازم التي لم تكن حال اليقين ، فمن قال بحجيّة الاستصحاب في المثبت قال بلزوم ترتيب ما لهذه اللوازم من الآثار ، ومن قال بعدم الحجيّة في المثبت لا يلتزم بالتعبّد بآثارها.

وقد اشار الى ان المستفاد من ادلة الاستصحاب هو خصوص ما لنفس المتيقن من الاثر دون الاثر المترتب على لوازمه بنحو لحاظها بالعموم الافرادي بقوله : ((بلحاظ ما لنفسه)) أي بلحاظ ما لنفس المستصحب ((من آثاره واحكامه)) المترتبة على ذاته ((ولا دلالة لها بوجه)) أي لا دلالة لادلة الاستصحاب ((على تنزيله)) أي على تنزيل المشكوك ((بلوازمه)) لان المفروض ان هذه اللوازم لم تكن من لوازم المتيقن حال تعلّق اليقين به ، بل هي من لوازم المشكوك في زمان تعلّق الشك به ، والى هذا اشار بقوله : ((التي لا تكون كذلك)) واشار الى ان هذه اللوازم هي محل الخلاف ، دون اللوازم التي قد تعلّق اليقين بها بقوله : ((كما هي محل ثمرة الخلاف)) ، وقد اشار الى عدم دلالة ادلة الاستصحاب على تنزيل المشكوك منزلة المتيقن بلحاظ

٢٠٣

نعم لا يبعد ترتيب خصوص ما كان منها محسوبا بنظر العرف من آثار نفسه لخفاء ما بوساطته ، بدعوى أن مفاد الاخبار عرفا ما يعمه أيضا حقيقة (١) ،

______________________________________________________

طبيعة الاثر بقوله : ((ولا على تنزيله بلحاظ ما له مطلقا)) من الاثر ((ولو بالواسطة)).

واشار الى ان الوجه في الاقتصار على ترتيب ما لنفس المتيقن من الاثر هو لان هذا المقدار هو المتيقن من ادلة الاستصحاب ، لان ادلة الاستصحاب لا تدل على اكثر من لحاظ اثر ما تعلّق به اليقين ، وحيث ان المفروض ان اللوازم التي هي موضوع الاثر لم تكن متعلّقة لليقين ، فلا دلالة لها على لحاظها لا بنحو العموم الافرادي ولا على لحاظها بنحو طبيعة الاثر ، واذا لم تكن لادلة الاستصحاب دلالة على لحاظها بوجه من الوجوه فلا وجه لترتيب آثار هذه اللوازم بقوله : ((فان المتيقن)) من ادلة الاستصحاب ((انما هو لحاظ آثار نفسه)) أي آثار نفس ما للمتيقن من الاثر ((واما آثار لوازمه فلا دلالة هناك)) لادلة الاستصحاب ((على لحاظها اصلا)) لا بنحو العموم الافرادي ولا بنحو طبيعة الاثر ((وما لم يثبت)) دلالة الادلة على ((لحاظها بوجه)) من الوجوه ((ايضا)) أي كما دلت الادلة على لحاظ ما لنفس المتيقن من الاثر ((لما كان وجه لترتيبها عليه)) أي لما كان وجه لترتيب آثار اللوازم على المتيقن المستصحب ((ب)) واسطة ((استصحابه كما لا يخفى)).

(١) توضيحه : ان من قال بعدم حجيّة الاستصحاب في المثبت استثنى منه موارد ثلاثة :

الاول : خفاء الواسطة ، وحاصله : ان الاثر المترتب على الواسطة : تارة تكون الواسطة في نظر العرف غير خفيّة بمعنى ان العرف يرى ان الاثر هو اثر للواسطة.

واخرى تكون الواسطة خفيّة بنظر العرف بمعنى ان العرف يرى ان هذا الاثر من آثار نفس المستصحب لخفاء الواسطة في نظره.

٢٠٤

فافهم (١).

______________________________________________________

وبعبارة اخرى : ان كون هذا الاثر مما يترتب على المستصحب بواسطة الواسطة مما يخفى على العرف ، وهم بحسب نظرهم يرون ان الاثر من آثار المستصحب لخفاء وساطة الواسطة للاثر في نظرهم ، وقد اشار الى هذه بقوله : ((لا يبعد ترتيب)) آثار اللوازم في ((خصوص ما كان منها محسوبا بنظر العرف)) انها ((من آثار نفسه)) أي من آثار نفس المتيقن المستصحب ((ل)) أجل ((خفاء ما بوساطته)) يترتب الاثر : أي ان وساطة الواسطة في ترتيب الاثر على نفس المتيقن المستصحب تكون خفيّة ، وبسبب هذا الخفاء في نظر العرف يرى العرف ان الاثر اثر لنفس المتيقّن المستصحب.

والوجه في استثناء خصوص هذا النحو من الاثر ، هو دعوى ان المستفاد من ادلة الاستصحاب وان كان هو ترتيب خصوص آثار المتيقن ، الّا انه لما كان العرف يرى ان الاثر اثر لنفس المستصحب فلا بد من الالتزام بمثل هذا الاثر الذي يرى العرف انه اثر لنفس المستصحب لخفاء وساطة الواسطة عنده ، لانه يكون مشمولا للاخبار حقيقة ، لان الاخبار قد دلّت على لزوم التعبّد بأثر المستصحب ، والمفروض انه اثر لنفس المستصحب في نظر العرف فيكون مما تشمله ادلة الاستصحاب حقيقة.

والى هذا اشار بقوله : ((بدعوى ان مفاد الاخبار عرفا مما يعمه ايضا حقيقة)) لما عرفت من ان مفادها لزوم ترتيب خصوص آثار نفس المستصحب ، ولما كان المفروض بحسب نظر العرف ان خصوص الاثر الذي تكون وساطة الواسطة فيه خفية هو اثر عندهم لنفس المستصحب ، فلا بد من شمول الاخبار له ولزوم ترتيبه بالاستصحاب.

(١) ولعله اشارة الى ما يمكن ان يقال : ان دعوى جريان الاستصحاب في الواسطة الخفيّة هو ان العرف يرى ان اثر الواسطة الخفية هو اثر لنفس ذي الواسطة ، ولكن هذا مما لا يرجع فيه الى العرف لانه من الخطأ في التطبيق ، والعرف انما يرجع اليه في تشخيص المفاهيم لا في تطبيقها على المصاديق ، فان الذي يرجع فيه الى العرف في

٢٠٥

كما لا يبعد ترتيب ما كان بوساطة ما لا يمكن التفكيك عرفا بينه وبين المستصحب تنزيلا ، كما لا تفكيك بينهما واقعا ،

______________________________________________________

المقام هو كون مفهوم الابقاء ابقاء عمليا للمتيقن بلحاظ اثره ، اما كون الاثر أثرا له او اثرا للواسطة فليس المرجع فيه هو العرف ، فكون العرف يرى ان الاثر اثر لذي الواسطة لا يتبع في هذا الرأي بعد ان كان الاثر في الواقع اثرا للواسطة لا لذي الواسطة ، مثلا تأثّر الجسم الطاهر بملاقاته للنجس فيما اذا كان رطبا ، ولكن الرطوبة ليست هي موضوع الاثر ، بل موضوع الاثر هو قبول الجسم للتأثّر بالنجاسة فيما اذا كان رطبا ، فاستصحاب رطوبة الجسم يلازمه تأثّر الجسم بالملاقاة ، وموضوع نجاسة الجسم هو تأثّره بالنجاسة لا نفس الرطوبة ، فيكون استصحاب رطوبة الجسم مثبتا بالنسبة الى نجاسة الجسم فيما اذا حصلت الملاقاة في حال الشك في بقاء الرطوبة ، فكون العرف يرى ان الموضوع للنجاسة هو الرطوبة لا يكون متبعا في ذلك ، بعد ان كان ما هو الموضوع لتنجس الجسم هو تأثره بالنجاسة في حال الرطوبة.

والجواب عنه : ان الحكم ، تارة يترتّب على المفهوم ويرجع الى العرف في تشخيص المفهوم ولا يرجع اليه في تعيين مصداقه ، كما في الحكم المرتّب على مفهوم التراب مثلا ، فعدّ العرف ان النورة من التراب لا يقتضي اتباعه في ذلك بعد ان كانت النورة واقعا ليست من التراب. واخرى يكون الحكم مرتّبا على ما يعمّ ما يراه العرف موضوعا له كما في المقام ، فان الاخبار انما دلّت على التعبّد بما هو ابقاء للمتيقن ، ولما كان هذا الابقاء بلحاظ ما للمتيقن من الاثر ، وليس في نفس الاخبار تصريح بنفس هذا : أي ليس في الاخبار تصريح بان التنزيل بلحاظ الاثر للمتيقن ، فلا بد وان يكون الاثر الذي بلحاظه كان التعبّد بالاستصحاب مما يعم ما يراه العرف اثرا له.

الّا ان يقال ان الاستصحاب انما يرجع فيه الى العرف في تشخيص الموضوع لا في كون الاثر مرتّبا عليه او على الواسطة. والله العالم.

٢٠٦

أو بوساطة ما لاجل وضوح لزومه له ، أو ملازمته معه بمثابة عد اثره اثرا لهما ، فإن عدم ترتيب مثل هذا الاثر عليه يكون نقضا ليقينه بالشك أيضا ، بحسب ما يفهم من النهي عن نقضه عرفا (١) ،

______________________________________________________

(١) قد الحق بالواسطة الخفية صورتين أخريين : الاولى : ما اذا كان بين الواسطة وذي الواسطة لزوم يستحيل معه التفكيك بينهما واقعا عقلا ، كما في الملازمة بين العلّة التامة ومعلولها ، ولما كان العرف كالعقل يرى استحالة التفكيك بين العلّة التامة ومعلولها ، ولازم ذلك ان يكون العرف يرى ان تنزيل العلّة التامة المشكوكة بقاء منزلة العلّة التامة المتيقنة يستلزم تنزيل معلولها المشكوك ، فالدليل الدال على التعبّد بالعلّة يستلزم تعبّدا آخر بالمعلول ، ويكون الدليل الدال على التعبد بالعلة التامة بالمطابقة دالا على التعبّد بالمعلول بالالتزام. والى هذه الصورة اشار بقوله : ((كما لا يبعد ترتيب ما كان بوساطة ما لا يمكن التفكيك عرفا بينه وبين المستصحب تنزيلا)) وهو الاثر المرتّب على المعلول فانه مما لا يمكن التفكيك بينه وبين علته التامة في مقام التنزيل ((كما لا تفكيك بينهما واقعا)) وحاصله : ما عرفت من ان الدليل الدال على تنزيل العلّة التامة يدل بالالتزام على تنزيل آخر لمعلولها ايضا.

الصورة الثانية : ما اذا كان التلازم بين الواسطة وذي الواسطة جليّا بحيث يكون اثر كل منهما اثرا للآخر عند العرف كما في المتضائفين ، فانهما وان كان لا عليّة ولا معلولية بين المتضائفين كالابوة والبنوّة ، فان عنوان الابوة وعنوان البنوّة من المتضائفين ، ولا عليّة ولا معلولية بين عنوان الابوة وعنوان البنوّة ، لا بين ذات الاب وذات الابن.

والحاصل : ان العرف لجلاء الملازمة ووضوحها بين المتضائفين بما هما متضائفان يرى ان اثر كل منهما اثر للآخر ، فيكون التنزيل لاحد المتضائفين موجبا لترتيب اثر ذاته واثر المضايف الآخر عليه ، لان العرف يرى ان اثر كل منهما هو اثر للآخر ايضا عند العرف ، واذا كان العرف لاجل وضوح هذه الملازمة يرى ان اثر كل منهما اثر

٢٠٧

فافهم (١).

______________________________________________________

للآخر ، فيكون عدم ترتيب اثر المضايف الآخر على المضايف المستصحب من نقض اليقين بالشك ، الشامل له ما دلّ على النهي عن نقض اليقين بالشك.

والفرق بين هذه الصورة والصورة الاولى : هو انه في الصورة الاولى يكون الدليل دالا على تنزيلين : احدهما بالمطابقة والآخر بالالتزام ، فانه يدل على ترتيب اثر العلة التامة تعبّدا بالمطابقة ، وعلى ترتيب اثر المعلول تعبّدا بالالتزام ، وفي هذه الصورة لا يكون إلّا تنزيل واحد يدل على ترتيب اثر كلا المتضائفين ، وان كان المستصحب هو احد المتضائفين ، لان العرف يرى ان اثر البنوّة هو اثر للابوّة ، ففي مقام استصحاب الابوّة يترتّب عليه اثرها واثر البنوّة ايضا. والى هذه الصورة الثانية اشار بقوله : ((او بوساطة ما لاجل وضوح لزومه له او ملازمته معه)) أي ان الاثر اذا كان لواسطة واضحة اللزوم او الملازمة للمستصحب ((بمثابة عدّ اثره)) أي عدّ اثر هذا الواضح الملازمة اثرا لنفس المستصحب ، فيكون اثر كل منهما ((اثرا لهما)) معا. واشار الى الوجه في لزوم ترتيب كلا الاثرين على المضايف المستصحب بقوله : ((فان عدم ترتيب مثل هذا الاثر عليه)) أي ان عدم ترتيب اثر المضايف الآخر على المضايف المستصحب ((يكون نقضا ليقينه)) أي يكون نقضا لليقين المتعلّق بالمضايف ((بالشك ايضا)) أي كما يكون عدم ترتيب اثر نفس المضايف من نقض اليقين بالشك ، كذلك يكون عدم ترتيب اثر المضايف الآخر عليه ـ ايضا ـ من نقض اليقين بالشك عند العرف ((بحسب ما يفهم من النهي عن نقضه عرفا)).

(١) لعله اشارة الى ان الصورتين المذكورتين خارجتان عمّا هو المفروض ، لان الكلام في حجيّة الاستصحاب في المثبت انما هو فيما اذا كان اللازم الذي هو الواسطة ليس متعلّقا لليقين ، وفي هاتين الصورتين لا بد من ان يكون اللازم متعلقا لليقين ، لان اليقين بالعلّة التامة في الصورة الاولى لا بد وان يكون هناك يقين بمعلولها ايضا ، اذ لا يعقل تحقق العلّة التامة وعدم تحقق معلولها ، وحيث فرض فيها تعلّق اليقين

٢٠٨

ثم لا يخفى وضوح الفرق بين الاستصحاب وسائر الاصول التعبّدية وبين الطرق والامارات ، فإن الطريق والامارة حيث أنه كما يحكي عن المؤدى ويشير إليه ، كذا يحكي عن أطرافه من ملزومه ولوازمه وملازماته ويشير إليها ، كان مقتضى إطلاق دليل اعتبارها لزوم تصديقها في حكايتها ، وقضيّته حجيّة المثبت منها كما لا يخفى ، بخلاف مثل دليل الاستصحاب ، فإنه لا بد من الاقتصار مما فيه من الدلالة على التعبد بثبوته ، ولا دلالة له إلّا على التعبّد بثبوت المشكوك بلحاظ أثره ، حسبما عرفت فلا دلالة له على اعتبار المثبت منه ، كسائر الاصول التعبّديّة ، إلا فيما عد أثر الواسطة أثرا له لخفائها ، أو لشدة وضوحها وجلائها ، حسبما حققناه (١).

______________________________________________________

بالعلة التامة ـ بما هي علة تامة ـ فلا بد من فرض تعلّق اليقين ايضا بمعلولها. ومثله الحال في الصورة الثانية لان المتضائفين متكافئان بالقوة والفعليّة ، ففرض اليقين باحد المتضائفين بما هو معنون بعنوان التضايف لا بد فيه من تعلّق اليقين بالمضايف الآخر ، فترتيب اثر المعلول في الصورة الاولى انما هو لتعلّق اليقين بنفس المعلول ، وترتيب الاثر في صورة التضايف الذي هو الصورة الثانية انما هو لتعلّق اليقين بالمضايف الآخر. والله العالم.

(١) حاصله بيان الفرق بين الاستصحاب ومطلق الاصول العملية وبين الطرق والامارات كالبيّنة والخبر ، فان الاصول مطلقا الاستصحاب وغيره من الاصول ليست بحجة في المثبت ، بخلاف الطرق والامارات فانها حجّة في المثبت.

والوجه الذي يشير اليه المصنف في الفرق بينهما : هو ان الخبر ـ مثلا ـ يحكي عن مداليله المطابقيّة والتضمنية والالتزامية ، فللخبر في الحقيقة حكايات متعدّدة ، ودليل حجية الخبر يدلّ على حجيته بما له من الحكاية بجميع اقسامها ، فالخبر الحاكي عن حياة زيد كما يحكي عن حياته بالمطابقة يحكي ـ ايضا ـ عن نبات لحيته بالالتزام ،

٢٠٩

.................................................................................................

______________________________________________________

ودليل حجيته كما يدلّ على ترتيب آثار ما يدل عليه بالمطابقة يدل ـ ايضا ـ على ترتيب آثار ما يدل عليه بالالتزام ، لان قوله عليه‌السلام : (العمري وابنه ثقتان فما حدثا عني فعني يحدّثان) قد دلّ على حجيّة حديث العمري بما له من الدلالة ، فاذا اخبر العمري عن كلام الامام عليه‌السلام فقد اخبر عن مدلول كلام الامام المطابقي ، واخبر عن مدلول كلام الامام الالتزامي ايضا ، وقد دلّ دليل حجية الخبر على حجيّة حديث العمري في جميع ما يحدث عنه.

والحاصل : ان العمري كما حدّث عن المدلول المطابقي قد حدّث ـ ايضا ـ عن المدلول الالتزامي ، والمفروض كونه حجة في جميع ما يحدّث عنه ، ومثله الحال في البيّنة فانها ـ مثلا ـ اذا قامت على حياة زيد فقد حكت عن حياته بالمطابقة ، وعن نبات لحيته بالالتزام ايضا ، ودليل حجيّة البيّنة يشمل حجيتها بمدلولها المطابقي والالتزامي معا.

واما الاصول كالاستصحاب الذي هو المتوهّم حجيته في المثبت كما مر ، بدعوى دلالته على الابقاء التعبديّ للمتيقن بجميع آثاره سواء آثار نفسه او آثار لوازمه ... وقد عرفت فساد هذا التوهّم ، لان الاستصحاب هو اليقين السابق والشك اللاحق ، ودليل حجيته يدلّ على الابقاء التعبّدي للمتيقن في ظرف الشك ، وحيث فرض ان اليقين انما تعلّق بالشيء ولم يتعلّق بلوازمه ، فيكون القدر المتيقن فيه هو تنزيل المشكوك منزلة المتيقن بلحاظ ما له من الاثر المرتّب على نفسه ، دون الاثر المرتب على لازمه الّا في مثل الواسطة الخفيّة والجلية كما مرّ تفصيل ذلك.

وقد اشار المصنف الى ان الوجه في حجية الامارات والطرق في المثبت هو كونها كما تحكي عن الشيء كذلك تحكي عن اطراف الشيء من لوازمه وملزوماته بقوله :

((فان الطريق او الامارة حيث انه كما يحكى عن المؤدّى ويشير اليه)) بالمطابقة ((كذا يحكي عن اطرافه من ملزومه ولوازمه وملازماته)) بالالتزام ((ويشير اليها)) وبعد ان كانت للطريق والامارة حكاية عن الملزوم واللوازم والملازمات ، اشار الى ان دليل

٢١٠

.................................................................................................

______________________________________________________

الحجية يدل على حجية الطرق بما لها من الحكاية مطلقا الشامل لحكايتها عن ملزومها ولوازمها وملازماتها بقوله : ((كان مقتضى اطلاق دليل اعتبارها لزوم تصديقها في حكايتها)) مطلقا ((وقضيته)) أي وقضيّته هذا وهو كون الطرق لها حكاية ، واطلاق دليل حجيتها لمطلق ما لها حكاية عنه هو ((حجية المثبت منها)) أي كونها حجة في المثبت.

واشار الى الوجه في عدم حجية الاستصحاب في المثبت وسائر الاصول العمليّة بقوله : ((بخلاف مثل دليل الاستصحاب)) فانه حيث لم يكن لنفس الاستصحاب حكاية ، ولم يكن لدليل حجيّته اطلاق كان لا محالة عدم حجيّته في المثبت ، ولا بد من الاقتصار فيه على نفس آثار متعلّق اليقين ، لان القدر المتيقّن مما دلّ على تنزيل المشكوك منزلة المتيقن هو تنزيله بلحاظ اثر نفس المتيقن ، ولذا قال (قدس‌سره) : ((فانه لا بد من الاقتصار مما فيه من الدلالة على التعبّد بثبوته)). واشار الى ان القدر المتيقن من دلالة دليل الاستصحاب هو حجيّته في غير المثبت بقوله : ((ولا دلالة له الّا على التعبّد بثبوت المشكوك بلحاظ اثره)) لا بلحاظ جميع آثاره من آثار ملزومه ولوازمه وملازماته ((حسبما عرفت ف)) كانت نتيجة ذلك انه ((لا دلالة له)) أي لا دلالة للاستصحاب ((على اعتبار المثبت منه)). واشار الى ان سائر الاصول التعبديّة هي كالاستصحاب بقوله : ((كسائر الاصول التعبديّة)) كاصالة الحل ، وغيرها ، بل هو أولى منها في توهّم اعتبار المثبت لما سيأتي التعرّض له من كونه برزخا بين الامارات والاصول التعبديّة غيره. واشار الى حجيّة الاستصحاب في المثبت في خصوص ما استثنى من الواسطة الخفية والجلية ، لان اثر الواسطة فيهما هو اثر لنفس المستصحب بنظر العرف كما مر بيانه بقوله : ((الّا فيما عدّ اثر الواسطة اثرا له)) أي اثرا لنفس المستصحب ((لخفائها)) أي لاجل خفاء الواسطة ((او)) لاجل ((شدّة وضوحها وجلائها حسبما حققناه)).

٢١١

الثامن : إنه لا تفاوت في الاثر المترتب على المستصحب ، بين أن يكون مترتبا عليه بلا وساطة شيء ، أو بوساطة عنوان كلي ينطبق ويحمل عليه بالحمل الشائع ويتحد معه وجودا ، كان منتزعا عن مرتبة ذاته (١) ،

______________________________________________________

(١) لا يخفى ان هذا التنبيه الثامن هو لاجل التنبيه على موارد ربما يتوهّم عدم حجية الاستصحاب فيها بدعوى انها من المثبت ، فلذا ذكرها لاثبات انها ليست من المثبت :

الاول : وهو ما اشار اليه بقوله : ((انه لا تفاوت في الاثر المترتب على المستصحب ... الى آخر الجملة)).

وتوضيح ذلك ان موضوع الاثر : تارة يكون هو الجزئي ، كما لو قال المولى اكرم زيدا ، ولا اشكال في صحة استصحاب وجود زيد لترتيب اثره وهو الاكرام ، واخرى يكون الاثر مترتّبا على النوع الكلي المنطبق على الجزئي ، وقد اشكل فيه من ان استصحاب الجزئي اذا كان هو المتيقن في السابق والمشكوك في اللاحق لاجل ترتيب اثر الكلي من المثبت ، لفرض كون موضوع الاثر هو الكلي وليس هو بمستصحب ، واستصحاب الجزئي لاجل ترتيب اثر الكلي انما هو استصحاب شيء يلازمه ما هو الموضوع للاثر ، لفرض كون الجزئي ليس موضوعا للاثر ، وفرض كون الكلي ليس بمستصحب ، وان المستصحب هو الجزئي ، ولازم ذلك كونه من المثبت لانه استصحاب شيء كان موضوع الاثر غيره وهو الموضوع الملازم له. واشار الى الجواب عنه في المتن ... وتوضيحه : ان الكلي المنتزع عن ذات الفرد كالنوع الطبيعي ، فان النوع ينتزع عن الحصة المضافة الى التشخّص ، وليس الفرد الّا نفس تلك الحصة المضافة مع ضمّ التشخّص ، ومن الواضح ان الطبيعي متحد الوجود مع فرده في الخارج وليس بينهما اثنينية في الخارج ، واذا كان الطبيعي عين الفرد وجودا لا يكون استصحاب الفرد لترتيب الاثر المترتّب على النوع من المثبت ، لبداهة ان اللازم في المثبت كون المستصحب غير موضوع الاثر وجودا ، اما اذا كانا متحدين في الوجود

٢١٢

أو بملاحظة بعض عوارضه مما هو خارج المحمول لا بالضميمة ، فإن الاثر في الصورتين إنما يكون له حقيقة ، حيث لا يكون بحذاء ذلك الكلي في الخارج سواه لا لغيره مما كان مباينا معه ، أو من أعراضه مما كان محمولا عليه بالضميمة كسواده مثلا أو بياضه ، وذلك لان الطبيعي إنما يوجد بعين وجود فرده ، كما أن العرضي كالملكية والغصبية ونحوهما

______________________________________________________

فلا يكون استصحاب وجود الفرد من استصحاب غير ما هو موضوع الاثر ، بل هو من استصحاب ما هو موضوع الاثر.

بل يمكن ان يقال : انه لا يعقل فرض المثبتيّة في هذا الفرض ، لوضوح ان فرض المثبتيّة هو كون موضوع الاثر ليس متعلقا لليقين وانما متعلّق اليقين ما يلازمه ، ولا يعقل ان يكون الفرد متعلقا لليقين ولا يكون النوع متعلقا له ، فنفس النوع متعلق اليقين والشك ، ومع كونه بنفسه متعلق اليقين فلا وجه لدعوى المثبتيّة.

وعلى كلّ فالجواب الذي اشار اليه في المتن : من ان موضوع الاثر في الحقيقة هو الفرد لاتحاد النوع وفرده خارجا ، ومع كون موضوع الاثر هو الفرد في الحقيقة فلا ينبغي الاشكال في استصحاب الفرد لترتيب الاثر المرتّب على نوعه. وقد اشار المصنف الى عدم الاشكال فيما كان الاثر مرتّبا على نفس الجزئي بقوله : ((انه لا تفاوت في الاثر المترتب على المستصحب بين ان يكون مترتبا عليه بلا وساطة)) فان الاثر المترتب عليه بلا وساطة شيء هو الاثر المترتب على نفس الجزئي ، كما لو قال اكرم زيدا ، فان الاكرام مرتّب على نفس زيد الجزئي من دون وساطة شيء ، ولا اشكال في استصحاب حياة زيد لترتب حكم اكرامه ، واشار الى الحكم المرتّب على المستصحب بواسطة نوعه بقوله : ((او بوساطة عنوان كلي ينطبق ويحمل عليه بالحمل الشائع)) فان النوع مما ينطبق على جزئيّه ويحمل بالحمل الشائع ((ويتحد معه)) أي ويتحد الكلي مع المستصحب ((وجودا)) فيما ((كان منتزعا عن مرتبة ذاته)) فان النوع مما ينتزع عن مرتبة ذات فرده.

٢١٣

لا وجود له إلا بمعنى وجود منشأ انتزاعه ، فالفرد أو منشأ الانتزاع في الخارج هو عين ما رتب عليه الاثر ، لا شيء آخر ، فاستصحابه لترتيبه لا يكون بمثبت كما توهم (١) ، وكذا لا تفاوت في الاثر المستصحب أو

______________________________________________________

(١) هذا هو المورد الثاني الذي توهّم كون الاستصحاب الجاري فيه من المثبت.

وتوضيحه : ان الكلي تارة يكون كالنوع الطبيعي وقد مرّ الكلام فيه.

واخرى يكون الكلي منتزعا عن الجزئي باعتبار ما يعرض عليه ، وان ما يعرض عليه تارة : يكون له ما بحذاء في الخارج كالسواد والمقدار وهو المحمول بالضميمة.

واخرى لا يكون له ما بحذاء في الخارج وهو الخارج المحمول ، وهذا على انحاء لانه : تارة يكون من اللوازم الذاتية لنفس الذات كالامكان. واخرى يكون مما ينفك عنها كالفوقية والابوة ، فان الجسم قد يكون فوقا وقد لا يكون ، والشخص قد يكون أبا وقد لا يكون. وثالثة يكون جعليا كالولاية والملكية.

ويظهر من المتن ان العارض ان كان من الخارج المحمول فاستصحاب الجزئي لترتيب الاثر المرتب على الخارج المحمول ليس من المثبت ، وان كان من المحمول بالضميمة فاستصحاب الجزئي لاثبات الاثر المرتّب على العارض المحمول بالضميمة هو من المثبت ، ولزيادة التوضيح نقول : ان صدر عبارة المتن يشعر بانه من المثبت وان كان الاثر في المحمول بالضميمة مرتّبا على نفس العنوان كالاسود والطويل ، وذيل العبارة يشعر بان الاستصحاب في المحمول بالضميمة من المثبت حيث يكون الاثر مرتبا على نفس العرض كالسواد والطول ، لا ما اذا كان مرتّبا على العنوان كالاسود والطويل.

وعلى كل فحاصل ما ذكره من الفرق بين الخارج المحمول والمحمول بالضميمة : ان الخارج المحمول لما لم يكن له ما بحذاء في الخارج وليس في الخارج الا ما هو منشأ الانتزاع وهو نفس الجزئي فالاثر لا محالة في الخارج يكون له ، فالخارج المحمول كالنوع الطبيعي ، فلا يكون استصحاب الجزئي لاثبات الاثر المرتّب على العارض

٢١٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الخارج المحمول من المثبت ، بخلاف المحمول بالضميمة فانه حيث كان له ما بحذاء في الخارج ، ولا محالة يكون ما بحذائه مباينا وجودا لنفس الجزئي المستصحب ، فلذلك يكون استصحاب الجزئي لاثبات الاثر المرتّب على العارض المحمول بالضميمة من المثبت.

والحاصل : ان العارض الذي له وجود في الخارج مباين لوجود الجزئي اذا كان مما لم يتعلّق به اليقين وكان اليقين متعلقا بنفس الجزئي ، فاستصحاب نفس الجزئي لإثباته من المثبت ، لوضوح عدم الفرق بين السواد العارض للجسم وبين نبات اللحية العارض لزيد مثلا ، فالاصل الجاري باستصحاب الجسم لاثبات الاثر على بياضه كاستصحاب حياة زيد لاثبات الاثر المرتّب على نبات لحيته وهو فيهما من المثبت على حدّ سواء ، بخلاف استصحاب حياة زيد لاثبات ملكيته في حال الشك ، فانه حيث ليس للملكية مبدأ في الخارج وهي منتزعة من نفس المستصحب فلا يكون استصحابه من المثبت ، كاستصحاب حياة زيد لاثبات الاثر المرتّب على النوع.

وقد اشار الى ان الاستصحاب في الخارج المحمول ليس من المثبت وحاله كحال النوع المتّحد وجودا مع الجزئي بقوله : ((او بملاحظة بعض عوارضه مما)) كان ((هو)) من ((الخارج المحمول لا)) ما كان العارض من المحمول ((بالضميمة فان الاثر في الصورتين)) أي في صورة ما اذا كان الاثر للنوع ، وفي صورة ما اذا كان الاثر للخارج المحمول ((انما يكون له)) أي للجزئي ((حقيقة حيث لا يكون)) في كلا الصورتين ((بحذاء ذلك الكلي في الخارج سواه)) أي سوى الجزئي لانه في الصورة الاولى الكلي متحد وجودا مع الجزئي ، وفي الصورة الثانية لا منشأ لانتزاعه الّا الجزئي.

واشار الى ان الحال في المحمول بالضميمة ليس كذلك ، بل حال المحمول بالضميمة كحال الجسم الملازم لجسم آخر ، وان استصحاب بقاء الجسم لاثبات الاثر المرتّب على بياضه كاستصحاب بقاء حياة زيد لاثبات الاثر المرتب على نبات لحيته

٢١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

بقوله : ((لا لغيره مما كان مباينا معه)) وهو كنبات اللحية المباين لحياة زيد ((او)) كان الاثر مرتبا على عرض ((من اعراضه مما كان محمولا عليه بالضميمة)) وهو الذي له ما بحذاء في الخارج ((كسواده مثلا او بياضه)) وهذا هو المشعر بان الاثر كان مرتبا على نفس السواد والبياض لا على الاسود والابيض ، وصدر عبارته وهو قوله حيث لا يكون بحذاء ذلك الكلي مشعر بان الاثر لنفس الكلي في النوع ، وفي الخارج المحمول لنفس العنوان الكلي ايضا ، بعد ان اخرج عنهما المحمول بالضميمة بقوله ـ فيما تقدم على ذلك ـ لا بالضميمة ، وظاهره ان الحال في المحمول بالضميمة ايضا كذلك في ان الاثر يكون فيه مرتبا على العنوان كالاسود مثلا.

ولا يخفى انه ينبغي ان يكون الفرق بين الخارج المحمول والمحمول بالضميمة فيما اذا كان الاثر مرتبا على نفس السواد والبياض في المحمول بالضميمة ، لا على عنوان الاسود والابيض ، فان العنوان في المحمول بالضميمة كالعنوان في خارج المحمول متحد مع الذات ، فانه كما ان عنوان المالك والغاصب متحد مع الذات فان عنوان الاسود والابيض ايضا متحد مع الذات.

اما اذا كان الاثر مرتبا على نفس السواد والبياض ، فحيث ان السواد له مطابق في الخارج مباين في التحقق مع الجسم ، فللفرق بين الخارج المحمول والمحمول بالضميمة مجال واضح.

وقد اشار الى ان الوجه في كون الاستصحاب ليس من المثبت في النوع الطبيعي بقوله : ((لان الطبيعي انما يوجد بعين وجود فرده)) فالطبيعي وفرده متحدان بالوجود ، لوضوح كون وجود الفرد هو بعينه وجود الحصة المضافة التي هي الطبيعي الموجود في الخارج ، واشار الى الوجه في عدم كون الاستصحاب من المثبت في الخارج المحمول بقوله : ((كما ان العرضي كالملكية والغصبية ونحوهما)) كالولاية ((لا وجود له)) أي لا وجود لهذا العرضي في الخارج وليس معنى وجوده في الخارج ((إلّا بمعنى وجود منشأ انتزاعه فالفرد)) في الطبيعي ((او منشأ الانتزاع في الخارج))

٢١٦

المترتب عليه ، بين أن يكون مجعولا شرعا بنفسه كالتكليف وبعض أنحاء الوضع ، أو بمنشإ انتزاعه كبعض أنحائه كالجزئية والشرطية والمانعية ، فإنه أيضا مما تناله يد الجعل شرعا ويكون أمره بيد الشارع وضعا ورفعا ولو بوضع منشأ انتزاعه ورفعه.

ولا وجه لاعتبار أن يكون المترتب أو المستصحب مجعولا مستقلا كما لا يخفى ، فليس استصحاب الشرط أو المانع لترتيب الشرطية أو المانعية بمثبت ، كما ربما توهم بتخيل أن الشرطية أو المانعية ليست من الآثار الشرعية ، بل من الامور الانتزاعية (١) ،

______________________________________________________

المحمول ((هو عين ما رتّب عليه الاثر لا شيء آخر)) هناك قد رتب عليه الاثر كما في المحمول بالضميمة ((فاستصحابه)) المستصحب الذي هو الفرد وهو منشأ الانتزاع ((لترتيب)) الاثر المرتّب على الطبيعي وعلى خارج المحمول ((لا يكون بمثبت كما توهم)) يشير بذلك الى ما يظهر من الشيخ الاعظم بانه من المثبت في جميع الصور ، وانه لا فرق بين النوع والخارج المحمول والمحمول بالضميمة.

(١) هذا هو المورد الثالث الذي توهم كون الاستصحاب فيه من المثبت.

وتوضيح الحال يتوقف على بيان امرين :

الاول : ان الامر الوضعي قد يكون مجعولا شرعيا استقلاليا كالولاية على الصغير وليس هذا هو محل الاشكال. وقد يكون الامر الوضعي منتزعا كالجزئية والشرطية والمانعية وهذا هو محل الاشكال ، لان المجعول هو الكل ، والجزئية منتزعة من ابعاضه ، والمجعول هو تقيّد المشروط بالشرط ، والشرطية منتزعة من تقيد المشروط بشرطه ، والمجعول هو تقيّد الممنوع بعدم المانع ، والمانعية منتزعة من تقيّده بعدم المانع.

الثاني : ان استصحاب الجزء والشرط والمانع تارة لاجل انتزاع نفس عنوان الجزئية والشرطية والمانعية ، والاشكال في مثبتيّته من جهة ان هذه العنوانين ليست بمجعولات شرعية وانما هي امور عقلية انتزاعية ، واخرى يكون استصحاب الجزء

٢١٧

.................................................................................................

______________________________________________________

لاجل ترتيب اثر الكل ، واستصحاب الشرط لأجل ترتيب آثار المشروط ، واستصحاب المانع لاجل ترتيب اثر الممنوع بما هو ممنوع ، والاشكال فيه من جهة المثبتية لان استصحاب الجزء لترتيب اثر الكل ، والشرط لترتيب اثر المشروط ، والمانع لترتيب الممنوع هو من استصحاب شيء يلازمه ما هو موضوع الاثر. والظاهر من المصنف ان محل الكلام هي الجهة الاولى ، لقوله في ذيل عبارته فليس استصحاب الشرط او المانع لترتيب الشرطية او المانعية من المثبت ... ولعل الوجه فيه ان المراد من اثر الكل ـ مثلا ـ ان كان هو كون الجزء بعضا منه فمعنى هذا هو عنوان الجزئية ، وان كان المراد منه هو الاثر المرتب على مجموع الاجزاء فباستصحاب الجزء لا يحرز بقية الاجزاء حتى يترتب الاثر المرتب على مجموع الاجزاء.

وبعبارة اخرى : انه لا ملازمة بين وجود الجزء وسائر الاجزاء ، فباحراز الجزء لا يحرز سائر الاجزاء حتى لو قلنا بحجية الاصل المثبت ، لعدم الملازمة بين وجوده ووجوداتها ، فلو قلنا بحجية الاصل المثبت لا يثبت باستصحاب وجود الجزء ساير الاجزاء ، وذلك لانه لا ملازمة بين وجوده ووجوداتها ، فلا يلازم احرازه احرازها حتى يقال ان احرازها باحرازه من المثبت. إلّا ان يقال ان استصحاب الجزء بعد احراز ساير الاجزاء ، ومثله استصحاب الشرط والمانع ، إلّا انه لا داعي لترتيب الاثر لاحراز عنوان الجزئية والشرطية ، ويكفي في ترتب الاثر احراز نفس الجزء والشرط ، ومثله الحال في الشرط فانه باستصحاب ذات الشرط ما لم يكن المشروط محرزا لا يترتب اثر المشروط ، ومع احراز المشروط فباستصحاب الشرط يترتب الاثر ولا حاجة لعنوان الشرطية ، وكذلك المانع فان استصحاب المانع لا اثر له مع عدم احراز الممنوع ، ومع احراز الممنوع يترتب الاثر ولا حاجة الى احراز عنوان المانعية.

فاذا عرفت هذا ... نقول : قد ظهر مما مر ان الاشكال هو من حيث ان استصحاب الجزء والشرط والمانع لا يقتضي اثبات عنوان الجزئية والشرطية والمانعية لانها امور غير مجعولة بل هي امور عقلية انتزاعية.

٢١٨

.................................................................................................

______________________________________________________

واما استصحاب الجزء لاجل ترتيب اثر الكل وكذلك الشرط والمانع فقد عرفت انه لا يصح بالاستصحاب ذلك وان قلنا بصحة الاستصحاب المثبت ، إلّا ان يكون بقية الاجزاء والمشروط محرزا وحينئذ يترتب الاثر ولا داعي لاحراز عنوان الجزئية وعنوان الشرطية.

والجواب عنه : انه يكفي في الاستصحاب ان يكون المستصحب مما كان امر رفعه ووضعه بيد الشارع ، ولما كان منشأ انتزاع هذه العناوين بيد الشارع فان الكل والمشروط والممنوع امر رفعه ووضعه بيد الشارع ، ومن الواضح ان هذه الامور هي منشأ انتزاع هذه العناوين ، لانه من وضع الكل ينتزع عنوان الجزئية للابعاض ، ومن ربط المشروط بالشرط تنتزع عنوان الشرطية ، ومن تقيد الشيء بعدم شيء ينتزع عنوان المانعية ، ولما كان منشأ انتزاع هذه العناوين امر رفعه ووضعه بيد الشارع ، فان هذه العناوين تكون مربوطة بالشارع ايضا بواسطة ربط منشأ انتزاعها به ، وهذا المقدار كاف في صحة استصحاب الجزء لترتيب الجزئية ، وكذلك الشرط والمانع لترتيب الشرطية والمانعية ، ولا يكون ترتيبها عليها من ترتب الامر العقلي غير المرتبط بالشارع اصلا.

والحاصل : يكفي في جريان الاستصحاب ان يكون المترتب على المستصحب مما يرتبط بالشارع ولو بواسطة منشأ انتزاعه ، ولا يشترط في المرتب على المستصحب ان يكون امرا مجعولا بنفسه بنحو الاستقلال ، ويكفي ان يكون مجعولا بالتبع ولو بتبع جعل منشأ انتزاعه. وقد اشار الى الامر الوضعي المجعول بالاستقلال كجعل الحكم التكليفي وهو بعض انحاء الوضع كالولاية والقضاوة وانه خارج عن محل الاشكال بقوله : ((لا تفاوت في الاثر المستصحب)) بنفسه ((او)) الاثر ((المترتب عليه)) أي على المستصحب ((بين ان يكون مجعولا شرعا بنفسه)) بالجعل الاستقلالي ((كالتكليف)) مثل الوجوب والحرمة وبقية الاحكام التكليفية الآخر ((وبعض انحاء

٢١٩

.................................................................................................

______________________________________________________

الوضع)) كالولاية والقضاوة فانها مجعولة بالجعل الاستقلالي كجعل نفس الحكم التكليفي.

واشار الى ان المجعول منشأ انتزاعه من انحاء الوضع بقوله : ((او بمنشإ انتزاعه كبعض انحائه)) أي بعض انحاء الوضع ((كالجزئية والشرطية والمانعية)) فان المجعول فيها منشأ الانتزاع ، وبقوله او بمنشإ انتزاعه عاطفا لهذا النحو على النحو المجعول بالاستقلال من الحكم التكليفي وبعض انحاء المجعول ـ ايضا ـ بالجعل الاستقلالي في عدم التفاوت في صحة الاستصحاب فيه وانه كالصورتين السابقتين. واشار الى ان الاشكال في خصوص هذا النحو الاخير بالتعليل المختص به ، وهو قوله : ((فانه ايضا)) مما يصح الاستصحاب فيه لانه لا يشترط ان يكون من المجعول بالاستقلال ، بل يكفي ربطه بالشارع ولو بربط منشأ انتزاعه ، فانه بواسطة ربط منشأ انتزاعه بالشارع يكون هذا النحو الثالث الذي هو كالجزئية والشرطية والمانعية ((مما تناله يد الجعل شرعا)) بالتبع لمنشا انتزاعه ((ويكون امره)) أي يكون امر هذا النحو ايضا ((بيد الشارع وضعا ورفعا ولو ب)) الواسطة ((وضع منشأ انتزاعه ورفعه ولا وجه لاعتبار ان يكون)) الاثر ((المترتب)) على المستصحب مجعولا تشريعيا مستقلا ((او)) لا وجه لاعتبار ان يكون نفس ((المستصحب مجعولا مستقلا)) كما عرفت ، بل يكفي في الاستصحاب هو ان يكون الاثر المرتب على المستصحب او نفس المستصحب مرتبطا بالشارع ولو بربط منشأ انتزاعه به ، وعلى هذا ((فليس استصحاب الشرط او المانع لترتيب الشرطية او المانعية بمثبت)).

ولا يخفى ان الظاهر منهم ان الاصطلاح في المثبت هو الاعم : من كون الاثر شرعيا ولكنه يتوسط بينه وبين المستصحب امر عادي او عقلي ، ومن كونه عقليا غير مرتبط بالشارع اصلا. والى هذا اشار بقوله : ((كما ربما يتوهم)) ان استصحاب الجزء والشرط والمانع لترتيب الجزئية والشرطية والمانعية من المثبت ((بتخيل ان الشرطية أو المانعية ليست من الآثار الشرعية بل)) هي ((من الامور)) العقلية

٢٢٠