بداية الوصول

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي

بداية الوصول

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي


المحقق: محمّد عبدالحكيم الموسوي البكّاء
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار الهدى
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٢
ISBN: 964-497-064-0
ISBN الدورة:
964-497-056-X

الصفحات: ٤٢١

فافهم (١).

ثم إن انها تنبيهات : الاول : إنه يعتبر في الاستصحاب فعلية الشك واليقين ، فلا استصحاب مع الغفلة ، لعدم الشك فعلا ولو فرض أنه يشك لو التفت ، ضرورة أن الاستصحاب وظيفة الشاك ، ولا شك مع الغفلة أصلا (٢) ، فيحكم بصحة صلاة من أحدث ثم غفل وصلى ثم شك

______________________________________________________

(١) لعله يشير الى ان جريان الاستصحاب في جزئية الجزء انما يكون لا مجال له حيث يجري الاستصحاب في الامر بالمركب الذي هو السبب للشك فيه ، واما مع عدم جريان الاستصحاب في الامر بالمركب الذي هو السبب فلا مانع من جريان الاستصحاب في جزئية الجزء ، لما هو المعلوم من انه مع عدم جريان الاستصحاب في السبب يجري الاستصحاب في المسبب ، وقد عرفت في مبحث الاقل والاكثر ان عدم تعلّق الامر بالاكثر معارض بعدم تعلّق الامر بالاقل ، وحيث يتعارض الاستصحابان في السبب وهو الامر بالمركب فلا مانع من جريان الامر في عدم جزئية الجزء المشكوك الذي هو المسبب. والله العالم.

(٢) حاصل هذا التنبيه انه يعتبر في جريان الاستصحاب كون الشك الذي هو احد ركني الاستصحاب فعليا ، وانه لا يجري الاستصحاب فيما اذا كان الشك تقديريا. والمراد من فعلية الشك هو كونه موجودا عند المكلف المستصحب بالفعل ، والمراد من تقديرية الشك هو كون المكلّف بحيث لو التفت لحصل عنده الشك ، ومعنى هذا عدم وجود الشك بالفعل.

والوجه في اشتراط جريان الاستصحاب بكون الشك فيه فعليا ، هو ان الالفاظ وان كانت موضوعة لنفس المعاني من دون تقيدها بشيء ، إلّا ان الظاهر من الالفاظ المستعملة في الاحكام الشرعية هو كونها مستعملة بما هي فانية في مطابقها الموجود ، فقوله عليه‌السلام لا تنقض اليقين بالشك ظاهر في كون الشك في هذه القضية قد رتّب عليه الحكم بما هو فان في مطابقه ، ومن الواضح ان مطابقه هو التردد الموجود في افق

١٠١

.................................................................................................

______________________________________________________

النفس ، وما لم يكن التردد موجودا لا يكون الشك الذي هو موضوع الحكم في هذه القضية بمتحقق ، وقد عرفت ان الشك احد ركني الاستصحاب ولا جريان له الّا مع تحقق كلا ركنيه ، ففي حال فعلية الشك يتحقق كلا ركني الاستصحاب ، وفي فرض كونه تقديريا يكون احد ركني الاستصحاب مفقودا ، ولا جريان للاستصحاب مع فقد احد ركنيه ، ويتفرّع على هذا انه لا جريان للاستصحاب في حال غفلة المكلف وعدم التفاته ، لعدم تحقق الشك عنده فعلا ، وان كان هو بحيث لو التفت لحصل له الشك.

ولا يخفى ان ما ذكرناه من الوجه في اشتراط فعلية الشك جار في اشتراط فعلية اليقين ايضا ، وان الظاهر من اليقين هو اليقين الفعلي لا التقديري ، ولذا قال (قدس‌سره) : ((يعتبر في الاستصحاب فعلية الشك واليقين)) ، واشار الى انه مع فرض الغفلة لا يجري الاستصحاب لعدم فعلية الشك بقوله : ((فلا استصحاب مع الغفلة لعدم الشك فعلا)) واشار الى المراد من الشك التقديري بقوله : ((ولو فرض انه يشك لو التفت)) واشار الى وجه اشتراط الفعلية بقوله : ((ضرورة ان الاستصحاب وظيفة الشاك)) وهو المتلبّس بالشك بالفعل ، لما عرفت من ان الظاهر من قوله ولا تنقض اليقين بالشك كون المراد من الشك واليقين المأخوذين في هذه القضية هو اخذهما بما هما فانيان في مطابقهما ، وقد عرفت ان مطابق الشك هو التردد المتحقق في افق نفس الشاك ، كما ان مطابق اليقين هو الانكشاف التام المتحقق في نفس المكلف ايضا ، فمع فرض الغفلة عن اليقين لا يقين بالفعل وان كان بحيث لو التفت لتيقّن ، ومع الغفلة عن الشك لا شك بالفعل وان كان بحيث لو التفت لشك.

ولما كان الغرض من هذا التنبيه هو بيان احكام الفروع الآتية المبتنية على الغفلة عن الشك جعله محل الاستدلال فيه في قوله : ((ضرورة ان الاستصحاب وظيفة الشاك و)) انه ((لا شك)) بالفعل ((مع الغفلة اصلا)) ولكن قد عرفت ان الوجه

١٠٢

في أنه تطهر قبل الصلاة (١) ، لقاعدة الفراغ (٢) ، بخلاف من ألتفت قبلها وشك ثم غفل وصلى ، فيحكم بفساد صلاته فيما إذا قطع بعدم تطهيره

______________________________________________________

المذكور جار في اليقين كما هو جار في الشك ، ولذا اشترط فعليتهما معا في اول كلامه.

(١) توضيحه : ان المصنف يشير في المتن الى فروع ثلاثة :

الاول : ان يتيقن بالحدث ويغفل ويصلي ، ثم بعد الفراغ من صلاته يشك في كونه صلى واجدا للطهارة لاحتماله ان يكون قد تطهر بعد الحدث في حال غفلته وصلى مع الطهارة ، ويحتمل ان يكون قد صلى من غير طهارة وانه في حال غفلته لم يتطهر.

الثاني : ان يتيقن بالحدث ثم قبل ان يصلي يحصل له الشك في الطهارة ، لاحتماله ان يكون قد تطهر بعد ان أحدث وبعد التفاته الى يقينه بالحدث وشكه في الطهارة تحصل له الغفلة ويصلي ، ومن الواضح انه حيث كان شاكا في الطهارة قبل ان يصلي فهو ايضا يكون شاكا في الطهارة بعد ان يصلي ، وقد فرض في هذا الفرع ان شكه في الطهارة بعد الصلاة هو بعينه شكه فيها قبل الصلاة ، ولازم هذا الفرض انه لا يحتمل ان يكون قد تطهر بطهارة اخرى بعد شكه الاول في الطهارة.

الثالث : هو هذا الفرع بتمامه إلّا انه يكون محتملا لان يكون قد تطهر بطهارة اخرى في حال الغفلة بعد ان حصل له اليقين بالحدث والشك في الطهارة ، وفي هذا الفرع يكون للمصلي بعد فراغه شكان : الشك الاول : وهو الذي قد حصل له قبل ان يغفل ويصلي. والشك الثاني : وهو احتمال ان يكون قد تطهر بطهارة اخرى في حال غفلته.

(٢) لا يخفى ان الفرع الاول وهو من تيقن بالحدث ثم غفل وصلى ، وبعد الفراغ يحتمل ان يكون قد تطهر في حال غفلته. وتبتني صحة الصلاة في هذا الفرع على عدم جريان الاستصحاب قبل الصلاة ولا في حال الصلاة ، لانه مع فرض الغفلة لا شك

١٠٣

.................................................................................................

______________________________________________________

فعلي وانما الشك التقديري ، وقد عرفت اشتراط جريان الاستصحاب بفعلية الشك ، فالفرض في هذا الفرع انه لا شك له بالفعل لا في حال ما قبل الصلاة ولا في حال الصلاة ، وانما يكون شكه بالفعل بعد فراغه من الصلاة ، وفي هذه الحال وهي حال ما بعد الفراغ من الصلاة لا مجرى للاستصحاب ايضا وان كان الشك فعليا مسبوقا باليقين ، لجريان قاعدة الفراغ المقدمة على الاستصحاب ، ولذا حكموا بصحة الصلاة فيه.

ولا يخفى ان جريان قاعدة الفراغ مبني على انها قاعدة للشاك كما تدل عليه رواية الخاتم ، لا انها من باب الطريقية وانه حين يعمل اذكر منه حين يشك ، لوضوح ان فرض الغفلة فرض عدم الذكر في حال العمل. وعلى كل فقد اشار الى صحة الصلاة في هذا الفرع بقوله : ((فيحكم بصحة صلاة من احدث)) وهو ملتفت الى انه قد أحدث ((ثم غفل وصلى ثم)) بعد الفراغ من صلاته ((شك في انه تطهر قبل الصلاة)) لاحتماله ان يكون قد تطهر في حال غفلته ، وقد عرفت انه لا جريان للاستصحاب في حال ما قبل الصلاة ولا في حال الصلاة ، لان جريانه انما يصح حيث يكون الشك اعم من الفعلي والتقديري ، وقد عرفت قيام الظهور باختصاصه بالشك الفعلي ، ومع فرض الغفلة فالشك تقديري فلا يجري الاستصحاب في حال ما قبل الصلاة ولا في حال الصلاة ، ولا جريان للاستصحاب في حال الفراغ لانه مجرى قاعدة الفراغ المقدمة على الاستصحاب والحاكمة بصحة الصلاة ، ولذا اشار الى ان الوجه في صحة الصلاة في هذا الفرع هي قاعدة الفراغ بقوله : ((لقاعدة الفراغ)).

فاتضح مما ذكرنا : ان سبب صحة الصلاة في هذا الفرع امران : عدم جريان الاستصحاب في حال ما قبل الصلاة ولا في حال الصلاة ، وجريان قاعدة الفراغ في حال ما بعد الصلاة ، ولو جرى الاستصحاب في حال ما قبل الصلاة وفي حال الصلاة لما جرت قاعدة الفراغ بعد الصلاة ، لوضوح انه لا مجرى لها في الحالتين

١٠٤

بعد الشك ، لكونه محدثا قبلها بحكم الاستصحاب ، مع القطع بعدم رفع حدثه الاستصحابي (١).

______________________________________________________

السابقتين لعدم الفراغ وموضوعها هو الشك في حال الفراغ ولا مجرى لها في حال الفراغ ، لان الصلاة تكون محكوما عليها بالفساد وقبل تحقق موضوع قاعدة الفراغ.

(١) هذا هو الفرع الثاني ، وهو من أيقن بالحدث ثم شك في الطهارة ثم غفل وصلى ، ولا يحتمل ان يكون قد تطهر في حال الغفلة فشكه بعد الفراغ هو شكه الاول ، وقد حكموا في هذا الفرع بفساد الصلاة ، لانه بعد ان تحقق الشك الفعلي يتحقق موضوع الاستصحاب قبل الصلاة ، ويكون بموجب هذا الاستصحاب محكوما بعدم الطهارة ، ولازمه كونه قد صلى على غير طهارة ، ولذلك حكموا بفساد صلاته في هذا الفرع ، ولا مجرى لقاعدة الفراغ فيه لان مجراها هو الشك في الصلاة غير المحكوم عليها بالفساد ولو بحسب الحكم الظاهري ، وفي المقام الصلاة محكومة بالفساد بسبب جريان الاستصحاب في حال ما قبل الصلاة ، الذي قد عرفت ان لازم جريانه هو الحكم بفساد الصلاة ، لان استصحاب عدم الطهارة بقاء لازمه وقوع الصلاة مع عدم الطهارة ، فلا شك في صحة الصلاة بعد الفراغ ، لان لازم الحكم الاستصحابي بعدم الطهارة هو عدم الاعتناء بالشك بالصحة بعد الفراغ والبناء على عدم الطهارة وانه لا شك في الطهارة ، فلا وجه للاعتناء بالشك في الطهارة في حال الفراغ بعد الحكم بلزوم عدم الاعتناء به والبناء على عدم الطهارة ، فلا مجرى لقاعدة الفراغ.

لا يقال : ان الغفلة كما تمنع عن حدوث الاستصحاب كما هو مناط الحكم بالصحة في الفرع الاول ، كذلك تمنع عن بقاء الحكم الاستصحابي عند عروضها ، فلا مجرى للاستصحاب بقاء هنا كما انه لم يكن له مجرى حدوثا في الفرع الاول ، ومن الواضح ان الفرض هو عروض الغفلة قبل الصلاة واستمرارها في حال الصلاة الى حين الفراغ ، ففي حال ما قبل الصلاة وفي حال الصلاة لا مجرى للاستصحاب بقاء لاجل الغفلة ، وفي حال الفراغ لا مجرى له لجريان قاعدة الفراغ ، وعلى هذا

١٠٥

.................................................................................................

______________________________________________________

فاللازم هو الحكم بصحة الصلاة في هذا الفرع كما حكموا بصحتها في الفرع الاول ، ولا وجه لان يقال بالفرق بين الحدوث والبقاء ، وان الغفلة تمنع عن حدوث الاستصحاب ولا تمنع عن بقائه ، لعدم النص من الشارع على هذا الفرق ، فيكون المناط في منع الغفلة عن الاستصحاب هو كون الشك معها يكون تقديريا ، وتقديرية الشك كما تمنع عن الحدوث تمنع عن البقاء ايضا.

فانه يقال : الفرق بين الغفلة في الفرع الاول وهذا الفرع واضح ، لان الغفلة وعدم الالتفات في الفرع الاول توجب عدم فعلية الاستصحاب ، بخلاف الغفلة وعدم الالتفات في هذا الفرع فانها غفلة عن فعليته لا عن أصله.

وبعبارة اخرى : ان الاستصحاب في الفرع الاول لا فعلية له لان الغفلة مانعة عنها ، والاستصحاب في هذا الفرع لا استمرار لتنجزه لفرض تحققه وفعليته وتنجزه قبل الغفلة ، فالغفلة في هذا الفرع تمنع عن استمرار تنجزه لا عن فعليته ، ولا اثر للغفلة عن التنجز بعد تحقق الفعلية ، ومن الواضح ان الآثار منوطة بالفعلية ، ولذا يحكم بعدم الصحة في الجهل عن تقصير ، بخلاف الجهل عن قصور لتحقق الفعلية في مقام التقصير دون القصور.

فاتضح : ان الفرق بين الفرعين لا من جهة الفرق بين الحدوث والبقاء ، بل لان الغفلة في الفرع الثاني حيث كان الفرض فيه انها بعد الالتفات الى اليقين والشك ، وانه قبل عروض الغفلة كان الاستصحاب فعليا منجزا ، فلا بد وان تكون مانعة عن استمرار التنجز لا عن أصله وفعليته. وعلى كل فقد اشار الى فساد الصلاة في هذا الفرع بقوله : ((بخلاف من التفت قبلها)) أي قبل الصلاة ((و)) حصل له ((شك)) في الطهارة فانه بتحقق الشك يكون الاستصحاب فعليا ((ثم)) بعد فعلية الاستصحاب يكون قد ((غفل وصلى فيحكم)) لاجل فعلية الاستصحاب في هذا الفرع ((بفساد صلاته)). وقد اشار الى انه لا بد في هذا الفرع ان لا يحتمل ان يكون قد تطهر في حال الغفلة وان لا يكون له الا شك واحد وهو الشك الاول بقوله :

١٠٦

لا يقال : نعم ، ولكن استصحاب الحدث في حال الصلاة بعد ما التفت بعدها يقتضي أيضا فسادها (١).

______________________________________________________

((فيما اذا قطع بعدم تطهيره بعد الشك)) أي بان يقطع بانه في حال الغفلة لم يتطهر ، فان كان متطهرا واقعا فهو لانه كان متطهرا قبل الغفلة فلا شك له في الطهارة الا شكه الاول فيها قبل ان يغفل ، والاستصحاب قد حكم بالبناء على عدمه ، وان احتمال كونه متطهرا واقعا لا اثر له ولا بد من الغائه.

ولا يخفى انه قد اشار ايضا الى الفرع الثالث بمفهوم هذه الجملة ، وانه فيما اذا لم يقطع بعدم التطهير في حال الغفلة بان كان يحتمل ان يكون انه قد تطهر في حال الغفلة فسيأتي ان الحكم فيه هو صحة الصلاة. وعلى كل فقد اشار الى الوجه في الحكم بالفساد في هذا الفرع الثاني بقوله : ((لكونه محدثا قبلها)) أي قبل الصلاة ((بحكم الاستصحاب)) لان المفروض في هذا الفرع كونه قد ايقن بالحدث وشك في الطهارة قبل ان يغفل ويصلي ، وهذا فرض فعلية الاستصحاب في حال ما قبل الصلاة ، وحيث ان المفروض ايضا انه لا شك له الا الشك الاول ، فلا بد وان يكون قاطعا بانه بعد ان جرى الاستصحاب الحاكم بالبناء على الحدث وعدم الطهارة ، ولم تحصل منه طهارة اخرى رافعة لهذا الاستصحاب ، فالاستصحاب مقطوع الفعلية ومقطوع بعدم نقضه بيقين آخر بعد عروض الشك الاول فلا رافع لفعليته ، والى هذا اشار بقوله : ((مع القطع بعدم رفع حدثه الاستصحابي)).

(١) هذا الاشكال مرتبط بالفرع الاول ، وحاصله : ان الغفلة في الفرع الاول وان كانت توجب عدم جريان الاستصحاب في حال ما قبل الصلاة وفي حال الصلاة لكون الشك تقديريا ، إلّا انه بعد الفراغ يتحقق موضوع الاستصحاب وهو اليقين السابق بالحدث والشك اللاحق بالطهارة بعد الفراغ من الصلاة ، وهذا الشك فعلي لا تقديري ، فتكون الصلاة بحسب هذا الاستصحاب محكومة بالفساد ، فكيف حكموا بالصحة في هذا الفرع الاول مع ان الاستصحاب الجاري بعد الفراغ يقتضي

١٠٧

فإنه يقال : نعم ، لو لا قاعدة الفراغ المقتضية لصحتها المقدمة على أصالة فسادها (١).

______________________________________________________

فسادها؟ لان استصحاب الحدث من زمان اليقين الى حال الفراغ يقتضي كونه محدثا في حال الصلاة فيكون هذا الاستصحاب حاكما بوقوع الصلاة مع الحدث ، ولازم ذلك فسادها ايضا كما كان الاستصحاب في الفرع الثاني موجبا للحكم بالحدث في حال الصلاة. والى هذا اشار بقوله : ((نعم)) وان كان الاستصحاب تقديريا في حال الغفلة ((ولكن)) بتحقق الشك بعد الفراغ يكون فعليا ولازمه ان يكون ((استصحاب الحدث في حال الصلاة بعد ما التفت)) وحصل له الشك ((بعدها)) أي بعد الصلاة ((يقتضي ايضا فسادها)) أي فساد الصلاة ، لما عرفت من ان استصحاب الحدث الى ما بعد الفراغ لازمه كونه محدثا في حال الصلاة ايضا ، كما كان الاستصحاب في الفرع الثاني موجبا لكونه محدثا في حال الصلاة.

(١) حاصله : ان جل موارد قاعدة الفراغ هي مجرى للاستصحاب ، وحيث ان من المسلم تقدمها على الاستصحاب فهذا الشك الحاصل بعد الفراغ وان كان فعليا إلّا انه لا يجري به الاستصحاب ، بل به تجري قاعدة الفراغ الحاكمة بصحة الصلاة ، نعم لو جرى هذا الاستصحاب لكان لازمه الحكم بالحدث في حال الصلاة إلّا انه لا يجري ، والاستصحاب في حال الصلاة وفي حال ما قبل الصلاة لا يجري لكون شكه تقديريا ، بخلاف الفرع الثاني فان الاستصحاب في حال ما قبل الصلاة جار لكون شكه فعليا لا تقديريا ، ومع جريانه قبل تحقق موضوع القاعدة وهو الفراغ تكون الصلاة بحسبه باطلة ، فلا يبقى مجال لجريان قاعدة الفراغ ، ولذا قال (قدس‌سره) : ((نعم لو لا قاعدة الفراغ ... الى آخر الجملة)).

الفرع الثالث : من تيقن بالحدث وشك في الطهارة ثم غفل وصلى ، ولكنه بعد الفراغ احتمل ان يكون قد تطهر في حال الغفلة ، وقد اشار المصنف الى هذا الفرع بمفهوم قوله : ((فيما اذا قطع بعدم تطهيره بعد الشك)) أي بعد الشك الاول ، وفي

١٠٨

الثاني : إنه هل يكفي في صحة الاستصحاب الشك في بقاء شيء على تقدير ثبوته ، وإن لم يحرز ثبوته فيما رتّب عليه أثر شرعا أو عقلا؟ إشكال من عدم إحراز الثبوت فلا يقين ، ولا بد منه ، بل ولا شك ، فإنه

______________________________________________________

هذا الفرع حكموا بصحة الصلاة ، وان كان مقتضى الاستصحاب الجاري قبل الغفلة هو البناء على الحدث ، ولكنه حيث كان هناك شكان : الشك الاول الذي كان قبل الغفلة ، والشك الثاني المسبب عن احتمال التطهير في حال الغفلة ، والاستصحاب وان اقتضى البناء على الحدث إلّا انه بالنسبة الى الشك الاول ، واما بالنسبة الى الشك الثاني ففي حال الغفلة لا مجرى للاستصحاب ، لان الشك تقديري ، وبعد الفراغ قاعدة الفراغ مقدمة على الاستصحاب ، ولذلك حكموا في هذا الفرع بصحة الصلاة كالفرع الاول.

لا يقال : انه في الفرع الاول لا مجرى للاستصحاب لفرض الغفلة فيه بعد اليقين من غير فصل ، والاستصحاب في هذا الفرع جار لفعلية الشك فيه قبل الغفلة.

فانه يقال : ان غاية الامر هو جريان الاستصحاب في هذا الفرع من حيث الشك الاول ، إلّا انه لما كان هنا شك ثان وهو احتمال التطهير في حال الغفلة ، فالاستصحاب وان اقتضى البناء على الحدث قبل الغفلة ، إلّا انه من حيث الشك في حال الغفلة لا مجرى له ، وبعد الفراغ قاعدة الفراغ مقدمة ومقتضاها الصحة.

وبعبارة اخرى : ان الاستصحاب قبل الغفلة وان كان مقتضاه البناء على الحدث ، إلّا ان هذا الاستصحاب بالنسبة الى الشك الاول ليس بأعظم من تيقن الحدث قبل الغفلة ، ولكنه حيث كان هنا شك ثان وفي هذا الشك الثاني لا مجرى للاستصحاب وقاعدة الفراغ مقتضاها الصحة ، لذلك كانت هي الجارية واثرها صحة الصلاة ، والله العالم.

١٠٩

على تقدير لم يثبت (١) ، ومن أن اعتبار اليقين إنما هو لاجل أن التعبد والتنزيل شرعا إنما هو في البقاء لا في الحدوث ، فيكفي الشك فيه على

______________________________________________________

(١) توضيحه : ان الامارة : تارة تدل على ثبوت الحكم كما لو قلنا في الامارات بالسببيّة ، ولا كلام في هذا لعدم الاشكال في الاخذ بما دلت عليه الامارة من الحكم سواء بعمومها او باطلاقها. واخرى : تكون الامارة دالة على محض ثبوت الحكم لو كان ، بان تكون منجزة له لو كان ومعذّرة عنه ، كما لو قلنا بجعل محض الحجيّة ، فانه لو كان المجعول نفس الحجية فلا تستلزم الامارة ثبوت الحكم على طبق مؤداها ، بل حتى لو قلنا بالحكم الطريقي فانه حيث كان منبعثا عن مصلحة الواقع فلا يكون فيما اذا أخطأت الامارة حكم على طبقها من دون دلالة لها لا بالعموم ولا بالاطلاق ، فهل يجري استصحاب الحكم الذي دلّت الامارة على محض ثبوته أي على تنجيزه أو لا يجري؟ وهذا التنبيه الثاني معقود لبيان ذلك ، وانه هل يجري الاستصحاب في هذا الفرض أو لا يجري؟

ولا يخفى ان المراد من العنوان المذكور في هذا التنبيه هو ما ذكرنا لا ما توهمه ظاهر العبارة من كفاية الشك في البقاء على تقدير الثبوت في جريان الاستصحاب ، لان فرض كون الثبوت تقديريا هو فرض عدم الثبوت بالفعل ، وقد عرفت انه لا بد في الاستصحاب من كون الثبوت فيه فعليا ، ومع عدم الثبوت بالفعل لا يجري الاستصحاب.

وتوضيح الاشكال ببيان امرين : الاول : ان المستفاد من دليل لا تنقض هو انه لا بد في مجرى الاستصحاب من يقين سابق متعلق بحكم أو بموضوع ذي حكم ، وشك لاحق متعلق بما تعلق به اليقين السابق ، فاليقين السابق والشك اللاحق بهما يتقوّم الاستصحاب ، فاذا فقد احدهما فلا وجه لجريان الاستصحاب ، لعدم تحقق ما به يتقوّم الاستصحاب.

١١٠

.................................................................................................

______________________________________________________

الثاني : ان المسالك في الامارة ثلاثة : الاول : السببيّة ولازمها تحقق حكم واقعي ثانوي على طبق ما قامت عليه الامارة. الثاني : الحكم الطريقي ومعناه جعل الحكم المماثل للحكم الواقعي بعنوان ما قامت عليه الامارة. وعلى هذين المسلكين تكون الامارة دالة على حكم واقعي على الاول وحكم طريقي على الثاني ، فالشك اللاحق في بقاء هذا الحكم يتحقق فيه ركنا الاستصحاب وهما اليقين والشك ، لبداهة تحقق اليقين بالحكم بناء عليهما أما واقعا او ظاهرا ، ولكن قد عرفت ان الاشكال جار حتى على الحكم الطريقي. الثالث : كما هو مختار المصنف ان المجعول هو نفس الحجية : أي المنجزية والمعذرية ، وعليه فاذا قامت الامارة على حكم لا يقين بالحكم لا واقعا ولا ظاهرا ، وانما يكون هناك يقين بقيام الحجة الموجبة لتنجيز الواقع لو اصابت والعذر عنه لو أخطأت.

فاذا عرفت هذا ... نقول : انه لو قامت الامارة على حكم ثم عرض الشك في بقائه ـ بناء على هذا المسلك الاخير ـ يشكل القول بجريان الاستصحاب ، لانه لا يقين سابق بالحكم ، لوضوح انه لم يحصل من قيام الامارة على حكم اليقين بالحكم لا واقعا وهو واضح ولا ظاهرا ، لانّه لم يجعل حكم على طبق مؤدى الامارة ظاهرا ، بل المجعول فيها نفس المنجزية والمعذرية.

وبعبارة اخرى : انه اذا قامت الامارة ـ بناء على جعل الحجية ـ فالحاصل لنا عند قيامها هو اليقين بالحجيّة ، وهو انه على فرض الاصابة يكون الحكم الواقعي منجزا بها ، وعلى فرض الخطأ فعدم الامتثال للحكم الواقعي لا عقاب عليه لتحقق المعذّر عنه ، واما بالنسبة الى الحكم الواقعي فليس لنا من جهته الّا احتماله ولا حكم ظاهري على الفرض ، فلا يكون لنا عند قيام الامارة يقين متعلق بحكم اصلا ، بل ليس لنا الّا احتمال ثبوته.

بل يمكن ان يقال : انه لا شك لاحق ايضا ـ بناء على هذا المسلك ـ لان الشك اللاحق الذي به يتقوّم الاستصحاب هو الشك المتعلق ببقاء ما تعلق به اليقين ،

١١١

تقدير الثبوت ، فيتعبد به على هذا التقدير ، فيترتّب عليه الاثر فعلا فيما كان هناك أثر ، وهذا هو الاظهر ، وبه يمكن أن يذب عما في استصحاب الاحكام التي قامت الامارات المعتبرة على مجرد ثبوتها ، وقد شك في بقائها على تقدير ثبوتها ، من الاشكال بأنه لا يقين بالحكم الواقعي ، ولا يكون هناك حكم آخر فعلي ، بناء على ما هو التحقيق ، من أن قضية حجية الامارة ليست إلا تنجز التكاليف مع الاصابة والعذر مع المخالفة ، كما هو قضية الحجة المعتبرة عقلا ، كالقطع والظن في حال الانسداد على

______________________________________________________

وحيث لا يقين بثبوت الحكم فلا شك لاحق متعلق ببقاء ما تعلق به اليقين ، وان كان لنا شك في الحكم ، إلّا انه ليس من الشك المتعلق ببقاء ما تعلق به اليقين ، فركنا الاستصحاب اللذان هما اليقين بالثبوت والشك في البقاء مفقودان في المقام ، والى ما ذكرنا اشار بقوله : ((اشكال)) في جريان الاستصحاب فيما اذا قامت الامارة على محض الثبوت والى وجه الاشكال اشار بقوله : ((من عدم احراز الثبوت)) لعدم اليقين بالحكم لا واقعا ولا ظاهرا ((فلا يقين و)) قد عرفت انه ((لا بد منه)) لتقوم الاستصحاب بركنين احدهما اليقين السابق المتعلق اما بحكم او بموضوع ذي حكم. وقد اشار الى انه لا شك في البقاء ايضا بقوله : ((بل ولا شك)) في البقاء لما عرفت من انه عند قيام الامارة لا يقين الا بالحجة واما الحكم فلا يقين به ، وليس لنا عند قيامها سوى احتمال ثبوته ، والظاهر انه هو مراده من قوله : ((فانه على تقدير لم يثبت)) أي ان الشك لا بد وان يكون فيما ثبت ، والمفروض في المقام احتمال الثبوت عند قيام الامارة ، فلا يكون لنا شك فيما ثبت ، بل ليس لنا إلّا احتمال الثبوت على تقدير اصابة الامارة ، وعلى تقدير عدم اصابتها لا ثبوت ، وليس هناك حينئذ الا المعذرية فيما لو كان الحكم الواقعي على خلاف ما قامت عليه الامارة ، كما لو قامت على اباحة شيء وكان واقعا واجبا او حراما فالحكم الواقعي على تقدير ثابت وعلى تقدير لم يثبت ، فلا يكون الشك متعلقا ببقاء ما ثبت.

١١٢

الحكومة ، لا إنشاء أحكام فعلية شرعية ظاهرية ، كما هو ظاهر الاصحاب.

ووجه الذب بذلك ، إن الحكم الواقعي الذي هو مؤدى الطريق حينئذ محكوم بالبقاء ، فتكون الحجة على ثبوته حجة على بقائه تعبدا ، للملازمة بينه وبين ثبوته واقعا (١).

______________________________________________________

(١) المتحصل من مجموع ما في المتن ـ اولا وآخرا ـ في دفع هذا الاشكال وانه يجري الاستصحاب بمجرد قيام الامارة على محض الثبوت : أي على تنجيزه لو كان ... يتوقف توضيحه على امور ثلاثة :

الاول : ان الملازمة اذا كانت بين شيئين سواء كانت عقلية أو جعلية شرعية فان الدليل القائم على احد المتلازمين يكون دليلا على الملازم الآخر ، والمنجز لاحد المتلازمين شرعا يكون منجزا شرعا للملازم الآخر ايضا ، ويكفي في ثبوت جعل الملازمة الشرعية بين امرين جعل الشارع لامر مرتبا على امر آخر ، فان لازم هذا الجعل هو الملازمة الشرعية بينهما.

الثاني : ان الظاهر من اليقين في اخبار الاستصحاب وفي كل مقام اخذ اليقين فيه هو كونه طريقا الى الواقع ، وليس لصفة اليقين بما هي يقين موضوعية في ترتب الحكم ، بل اليقين انما يثبت به الحكم لانه انكشاف تام للواقع ، لا لان لصفة اليقين خصوصية في ترتب الحكم ، ولازم هذا ان قول الشارع لا تنقض اليقين بالشك مرجعه الى جعل الملازمة بين ثبوت الشيء واقعا والتعبد ببقائه عند الشك فيه ، وان قوله لا تنقض اليقين بالشك بمنزلة قوله اذا ثبت شيء واقعا وشك في بقائه يجب ابقاؤه.

الثالث : انه يتضح مما ذكرنا ان الملازمة الشرعية في المقام هي بين ثبوت الشيء واقعا والتعبد ببقائه في مقام الشك في بقائه ، لانه رتب الشارع وجوب التعبد بالبقاء

١١٣

.................................................................................................

______________________________________________________

عند الشك على ثبوته واقعا ، ومنه تنتزع الملازمة بين الثبوت الواقعي والتعبد بالبقاء في حال الشك.

فاذا عرفت هذا ... نقول : انه بناء على جعل الحجية في مورد الامارة ، وان كان لا يقين بالحكم الواقعي ولا شك في بقاء ما ثبت ، بل الموجود هو الشك في البقاء على تقدير الثبوت ، إلّا انه لما كانت الملازمة بين وجوب التعبد بالبقاء والثبوت الواقعي ، وكانت الامارة القائمة على محض الثبوت حجة على الثبوت الواقعي ومحرزة له ، وكان الدليل على احد المتلازمين دليلا على الملازم الآخر ـ اتضح انه لا مانع من جريان الاستصحاب حتى بناء على جعل الحجية ، لان الامارة لما كانت حجة على الثبوت الواقعي كانت دليلا على ثبوت التعبد بالبقاء ايضا ، فانه وان كان وجدانا ان الموجود عندنا هو الشك في البقاء على تقدير الثبوت ، إلّا ان معنى حجية الامارة هو تحقق الثبوت ، وهي دليل ايضا على وجوب التعبد بقاء بهذا الثبوت المتحقق بالامارة ، لما عرفت من ان الدليل على احد المتلازمين يكون دليلا على الملازم الآخر ، فلا وجه للاشكال بعدم تمامية الاستصحاب بناء على كون المجعول في الامارة هو الحجية.

ومما ذكرنا يتضح : ان اليقين اذا كان طريقيا لا تعبد فيه في الاستصحاب ، وانما التعبد فيه حيث يكون لصفة اليقين موضوعية في مقام الاستصحاب ، وينحصر التعبد في الاستصحاب بجعل البقاء في حال الشك بمنزلة الثبوت الواقعي ، فاذا شككنا في بقاء شيء على تقدير ثبوته وقام الدليل على احراز ثبوته وتنجيزه بذلك الدليل القائم عليه ، كان ذلك الدليل دليلا ايضا على التعبد ببقائه وقد اشار الى ما ذكرنا في مقام الجواب عن الاشكال بقوله : ((ومن ان اعتبار اليقين)) هو على نحو الطريقية لا الموضوعية كما هو الحال في ساير ما اخذ فيه اليقين. واذا كان اليقين على نحو الطريقية فلازمه جعل الملازمة بين الثبوت ووجوب التعبد بالبقاء عند الشك ، ولازمه ايضا عدم الجعل في اليقين لان ذكر اليقين بناء على الطريقية هو بمنزلة قوله اذا

١١٤

.................................................................................................

______________________________________________________

ثبت شيء واقعا ، فذكر اليقين انما هو لكونه طريقا الى الواقع لا لاجل التعبد بصفة اليقين على نحو الموضوعية فيه. وعلى هذا فيكون ذكر اليقين ((انما هو لاجل ان التعبد والتنزيل شرعا انما هو)) أي منحصر ((في)) خصوص التعبد ب ((البقاء لا في الحدوث)) والمتحصل منه حينئذ هو جعل الملازمة بين التعبد بالبقاء وبين الثبوت واقعا ((ف)) لازم ذلك انه ((يكفي الشك فيه)) أي يكفي الشك في البقاء ((على تقدير الثبوت فيتعبد به على هذا التقدير)) فيما اذا قام الدليل وهو الامارة على الثبوت ، لانها تكون دليلا ايضا على التعبد بالبقاء للملازمة ((فيترتب عليه الاثر)) أي فيترتب على البقاء الاثر ((فعلا فيما كان هناك اثر وهذا هو الاظهر)) أي كون المراد من اليقين هو الطريقية لا الموضوعية وان الملازمة بين الثبوت الواقعي والتعبد بالبقاء هو اظهر من كون اليقين مأخوذا على نحو الموضوعية ليرد الاشكال المذكور. وعلى هذا فلا مانع من جريان الاستصحاب عند قيام الدليل على محض ثبوته وشك في بقائه ، ولذا قال (قدس‌سره) : ((وبه)) أي وبما ذكرنا ((يمكن ان يذب)) أي ان يجاب ((عما في استصحاب الاحكام التي قامت الامارة المعتبرة على مجرد ثبوتها)) من دون أن يكون للامارة المعتبرة عموم او اطلاق يقتضي البقاء والاستمرار ((وقد شك في بقائها)) أي في بقاء تلك الاحكام ((على تقدير ثبوتها)) واقعا ((من الاشكال بانه لا)) يكون هناك ((يقين لا بالحكم الواقعي)) لان المفروض قيام الامارة عليه وهي ظنية لا توجب يقينا به ((ولا يكون هناك حكم آخر فعلي)) لانه ليس البناء على كون المجعول في الامارة هو الحكم النفسي ولا الطريقي بل ال ((بناء على ما هو التحقيق من ان قضية حجية الامارة ليست إلّا تنجز التكاليف مع الاصابة والعذر مع المخالفة)) وان المجعول في الامارة شرعا هو كونها ((كما هو قضية الحجة المعتبرة عقلا كالقطع)) فان كونه حجة لا بجعل جاعل ((و)) مثله ((الظن في حال الانسداد على الحكومة)) لا الكشف ، وعلى هذا فلا يجري الاستصحاب لعدم اليقين بالحكم ولا الشك في بقائه ايضا كما مر بيانه ، فلا تحقق لكلا ركني الاستصحاب. هذا بناء

١١٥

إن قلت : كيف؟ وقد أخذ اليقين بالشيء في التعبد ببقائه في الاخبار ، ولا يقين في فرض تقدير الثبوت (١).

______________________________________________________

على ما هو التحقيق في جعل حجية الامارة ((لا)) بناء على غير ما هو التحقيق من ان حجية الامارة عبارة عن ((انشاء احكام فعلية شرعية)) اما نفسية او طريقية ((ظاهرية كما هو ظاهر الاصحاب)) المشعر بذلك ظاهر قولهم ان ظنية الطريق لا تنافي قطعية الحكم ، فانه بناء على هذا يجري الاستصحاب لتحقق كلا ركنيه. ((ووجه الذب)) أي وجه الدفع لهذا الاشكال ((بذلك)) وهو ما مر بيانه من ((ان)) الملازمة انما هي بين الثبوت الواقعي والتعبد بالبقاء ، لان الظاهر من اليقين كونه طريقيا لا موضوعيا ، وعليه فيكون ((الحكم الواقعي الذي)) قامت عليه الامارة و ((هو مؤدى الطريق حينئذ محكوم بالبقاء)) لما مرت الاشارة اليه من ان الدليل على احد المتلازمين دليل على الآخر ((فتكون الحجة)) القائمة ((على ثبوته حجة)) ايضا ((على بقائه تعبدا للملازمة بينه)) أي للملازمة بين ثبوته بقاء تعبدا ((وبين ثبوته واقعا)) كما عرفت تفصيله.

(١) حاصله : ما مر في الاشكال من كون الاستصحاب متقوما باليقين لقوله عليه‌السلام لا تنقض اليقين بالشك ، وبناء على ان المجعول هو المنجزية والمعذرية لا يقين بالحكم ، واذا كان لا يقين فلا تعبد بالبقاء لانه تعبد بابقاء اليقين ، ولذا قال (قدس‌سره) : ((كيف)) يجري الاستصحاب ((وقد اخذ اليقين بالشيء)) كموضوع ((في)) مقام ((التعبد ببقائه)) في ظرف الشك ((في)) ظاهر ((الاخبار)) الدالة على حجية الاستصحاب ((و)) المفروض انه ((لا يقين)) بالحكم ((في فرض تقدير الثبوت)) أي في فرض قيام الامارة على محض الثبوت ، بناء على ان المجعول فيها هو المنجزية والمعذرية.

١١٦

قلت : نعم ، ولكن الظاهر أنه أخذ كشفا عنه ومرآة لثبوته ليكون التعبد في بقائه ، والتعبد مع فرض ثبوته إنما يكون في بقائه (١) ، فافهم (٢).

______________________________________________________

(١) حاصله : ما مرت الاشارة اليه ايضا ، من ان هذا الاشكال انما يتم على الموضوعية في اليقين ، وقد عرفت ان الظاهر من اليقين كونه طريقا لا موضوعا ، فاليقين قد اخذ بما هو كاشف ومرآة للثبوت الواقعي ، وان الظاهر هو جعل الملازمة بين الثبوت والتعبد بالبقاء ، وانه لا تعبد في اخذ اليقين وانما التعبد بالبقاء في ظرف الشك لا غير ، فتارة يكون الثبوت متعلقا لليقين فيجب التعبد به بقاء ، واخرى يكون التعبد بالبقاء على فرض الثبوت كما مر بيانه. والى ما ذكرنا اشار بقوله : ((نعم)) أي ان الاشكال انما يتم بناء على الموضوعية في اليقين ((ولكن الظاهر انه قد اخذ)) اليقين بنحو ان يكون طريقا و ((كشفا عنه)) أي عن الشيء ((ومرآة لثبوته)) واقعا ولم يؤخذ اليقين لان يتعبد به ، بل اخذ ((ليكون التعبد في بقائه في)) ظرف الشك ((و)) على هذا فيكون ((التعبد مع فرض ثبوته انما يكون)) في مقام الشك ((في بقائه)) كما مر بيانه مفصلا.

(٢) لعله اشارة الى التكليف الظاهر في هذا الوجه في دفع الاشكال ، مضافا الى ان الظاهر كون اليقين قد اخذ في اخبار الاستصحاب لوثاقته ، وقد مر منه البناء منه على ذلك في اول المبحث ، مضافا الى ان لازم ما ذكره من كون اليقين طريقيا وان الملازمة مجعولة بين الثبوت الواقعي والتعبد بالبقاء ان لا يجري الاستصحاب لو تعلق اليقين السابق بحكم ، وكان ذلك الحكم في ظرف تعلق اليقين السابق به لا تحقق له واقعا ، بان كان في ذلك الوقت اليقين مخطئا وغير مصيب للواقع ، وكان ثبوت الحكم واقعا ، بان كان في ذلك الوقت اليقين مخطئا وغير مصيب للواقع ، وكان ثبوت الحكم واقعا في ظرف الشك في بقائه لا في الزمان السابق ، ولا اظن ان يلتزم به المصنف.

فالاولى في الجواب عن الاشكال ان يقال : ان الظاهر ان المراد من اليقين في اخبار الاستصحاب هو مطلق الحجة الموجبة للتنجز عند الاصابة وللعذر عند المخالفة ، فاليقين في اخبار الباب قد اخذ على نحو الموضوعية ، ولكنه لا بما هو يقين ،

١١٧

الثالث : إنه لا فرق في المتيقن السابق بين أن يكون خصوص أحد الاحكام ، أو ما يشترك بين الاثنين منها ، أو الازيد من أمر عام (١) فإن كان الشك في بقاء ذاك العام من جهة الشك في بقاء الخاص الذي كان في ضمنه وارتفاعه ، كان استصحابه كاستصحابه بلا كلام (٢) ، وإن كان

______________________________________________________

بل بما هو حجة قاطعة للعذر ، وعليه فلا فرق بين الامارة المجعولة منجزة ومعذرة وبين اليقين في تحقق كلا ركني الاستصحاب فيما اذا شك في البقاء وهو واضح. والله العالم.

(١) لا شبهة في جريان الاستصحاب فيما اذا كان المستصحب حكما جزئيا او موضوعا جزئيا ذا حكم ، وهل يجري الاستصحاب فيما اذا كان المستصحب موضوعا كليا او حكما كليا؟

والمصنف قد تعرض لما اذا كان المستصحب حكما كليا ، ولم يتعرض لما اذا كان المستصحب موضوعا كليا ، ولعله لان الحال في الحكم كالحال في الموضوع ، والمختار له هو جريان الاستصحاب في الحكم الكلي في قسمين منه ، ولذا قال (قدس‌سره) : ((لا فرق في المتيقن السابق بين ان يكون خصوص احد الاحكام)) أي الحكم الجزئي ((او)) كان المتيقن السابق ((ما يشترك بين الاثنين منها او الازيد)) من الاثنين كما لو كان كليا يشترك فيه الكل ، واليه اشار بقوله : ((او الازيد من امر عام)).

(٢) لا يخفى ان اقسام استصحاب الكلي ثلاثة : الاول : ان يكون الشك في بقاء الكلي مسببا عن الشك في بقاء الخاص ، كما لو شككنا في بقاء زيد بعد تيقن وجوده ، فانه لا اشكال في كون زيد هو فرد من الانسان ، لانه عبارة عن حصة من طبيعي الانسان مع زيادة التشخص ، فاليقين بوجود زيد يقين بوجود الانسان المتحقق فيه بحصة منه ، والشك في بقاء زيد شك في بقاء الانسان ايضا ، وهذا مما لا إشكال فيه لتحقق كلا ركني الاستصحاب من اليقين والشك فيه كما هما متحققان في استصحاب الخاص ، والى هذا اشار بقوله : ((فان كان الشك في بقاء

١١٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ذاك العام)) الذي هو الكلي كان مسببا ((من جهة الشك في بقاء الخاص)) كزيد فيما اذا شك في بقائه بعد تيقّن وجوده ، فان الشك في بقاء زيد يكون سببا للشك في بقاء الكلي ((الذي كان في ضمنه وارتفاعه)) أي وارتفاع ذلك الخاص الذي كان الكلي في ضمنه ... والحاصل : ان الشك في كون ذلك الخاص هل باق او مرتفع موجب للشك في بقاء الكلي وارتفاعه.

واشار الى انه لا اشكال في جريان الاستصحاب فيه من جهة تحقق اركان الاستصحاب فيه ، وان حالها كالحال في تحقق أركان الاستصحاب في الخاص بقوله : ((كان استصحابه)) أي كان استصحاب العام ((كاستصحابه)) أي كاستصحاب الخاص من جهة تحقق اركان الاستصحاب ، وانما الاشكال في ان الاثر الذي لاجله كان التعبّد بالبقاء : ان كان واحدا فهو اما ان يكون اثرا للكلي او للفرد ، ولا يعقل ان يكون اثرا لهما معا ، لان لازم كون الاثر الواحد اثرا لهما هو كون خصوصية التشخّص الموجبة لتحقق الفرد دخيلة في تحقق الاثر وغير دخيلة فيه ، وهو تناقض واضح لان لازم كونه اثرا للفرد هو كون لخصوصية التشخّص دخل في تحقق الاثر ، ولازم كونه اثرا للكلي هو عدم دخل خصوصية التشخّص في ترتيب الاثر ، فاذا كان لا يعقل ان يكون اثرا لهما معا فلا يجري الاستصحابان استصحاب الكلي واستصحاب الفرد ، لما هو واضح من ان الاستصحاب انما هو لاجل ترتب الاثر ، وحيث ان الاثر لاحدهما ، فلا يجري الّا استصحاب ماله الاثر ، فان كان للكلي جرى استصحابه دون استصحاب الفرد ، وان كان للفرد جرى استصحابه دون استصحاب الكلي.

وان كان متعدّدا جرى استصحابهما معا ، فيستصحب الكلي ويترتب عليه اثره ويستصحب الفرد ويترتب عليه اثره ... وهل يكفي استصحاب احدهما عن استصحاب الآخر ، او لا بد من استصحابهما معا؟

١١٩

.................................................................................................

______________________________________________________

ويظهر من المصنف في تعليقته على الرسائل ان استصحاب الكلي لا يكفي عن استصحاب الفرد الّا بناء على الاصل المثبت ، بخلاف استصحاب الفرد فانه بناء على كون الطبيعي ـ عقلا ـ عين فرده في الخارج فاستصحابه كاف عن استصحاب الكلي وليس من الاصل المثبت. لكنه لما كان الكلي والفرد بنظر العرف اثنين ، وان الكلي والفرد بنظر العرف بينهما العلية والمعلولية ، وان الفرد كمعلول للكلي ، فيكون استصحاب الفرد ايضا لاثبات الكلي من الاصل المثبت بنظر العرف ، لان اثبات المعلول لعلته من اللوازم العقلية لا الشرعيّة ، فيتوقف كفاية استصحاب الفرد لاثبات الكلي على صحة الاصل المثبت. وحيث انه سيأتي كما مرّت الاشارة اليه في المباحث المتقدّمة ان جريان الاستصحاب في مقام تعيين مجراه موكول لنظر العرف ، وبمقتضاه لا يكفي جريان استصحاب الفرد عن استصحاب الكلي بعد ان كانا بنظر العرف اثنين وبينهما العلية ، ولا معوّل على ما يقتضيه من الوحدة خارجا عقلا ، لان جريان الاستصحاب ليس موكولا اليه ، بل هو موكول لنظر العرف ... والوجه في كون استصحاب الكلي غير كاف عن استصحاب الفرد بنظر العقل بخلاف استصحاب الفرد فانه مغن عقلا عن استصحاب الكلي ، هو ان الكلي بمنزلة الجنس للفرد ، وليس خصوصية الفردية مقوّمة لحقيقة الجنس ، بل هي مقوّمة لحقيقة الشخص ، فلا يكون استصحاب الكلي مغنيا عن استصحاب الفرد ، بل يكون ملازما له ، واثبات الملازم بالملازم يتوقف على صحة الاصل المثبت ، بخلاف استصحاب الفرد عند العقل فانه حيث كان الكلي مقوّما للفرد فاستصحاب الفرد هو استصحاب الكلي الذي في ضمنه ايضا ، فلذلك كان استصحاب الفرد مغنيا عن استصحاب الكلي لثبوت الكلي بثبوت فرده ، فلا يكون اثبات الكلي باستصحاب الفرد من الاصل المثبت. والله العالم.

١٢٠