تفسير النسائي - ج ١

أبي عبدالرحمن ابن شعيب بن علي النسائي

تفسير النسائي - ج ١

المؤلف:

أبي عبدالرحمن ابن شعيب بن علي النسائي


المحقق: صبري بن عبدالخالق الشافعي وسيّد بن عبّاس الجليمي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الكتب الثقافية
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٨٧
الجزء ١ الجزء ٢

٤ ـ أن يكون ما بينهما لم يثبت أصلا وقوعه بناء على عدم إسناده ، والذي أسند فيه ما سبق بيانه ، ولذا لم يذكر هذا إلا المتأخرين أمثال الذهبي ومن جاء بعده ، وعمدتهم في هذا ما نقله ابن الأثير في جامعه ، وهي حكاية لا خطم لها ولا أزمّة ، فليست مسندة إلى قائلها وناقلها. والله تبارك وتعالى أعلم.

* المبحث الخامس :

* قوله في أول الإسناد «أخبرنا» فقط.

روى ابن خير الإشبيلي في فهرسه (١) : عن ابن مروان الطبني ، عن غير واحد من شيوخه المصريين قالوا : لم يقل النسائي قطّ في أول إسناد إلا «أخبرنا».

هذا ما نقله ابن خير ، وتجد مصداق ذلك هنا بالتفسير في جميع الأحاديث إلّا ما ندر ، وكذلك في سننه الصغرى ، إلّا أنه قد يخالف ذلك أيضا كما وقع في التفسير (أرقام ١٩٨ ، ٣٩٩ ، ٣٩٨ ، ٦١٩ ، ٦٩٧) وفي سننه في مواضع منه (٧ / ٢٢ ، ٣٦) وغيرها. وفي عمل اليوم والليلة (رقم ٦٢٩).

فقد وجدنا هذا من فعله وصنيعه في سننه ، وفي غيرها ووجدت أيضا من قوله ما يناقص هذا الكلام. ففي عمل اليوم والليلة (رقم

__________________

(١) فهرسة ابن خير (ص ١١٧).

٦١

٧١٥) روى حديثا قال فيه : «أخبرنا أحمد بن عمرو بن السرح قال : أخبرنا ابن وهب .... إلخ» قال أبو عبد الرحمن [النسائي] وجدت على حاشية الكتاب بحذاء هذا الحديث سوادا ، فمن أجل ذلك لم أكتب : حدثنا» ا. ه.

ومعنى كلامه أنه لما شك في المكتوب تحت السواد والمداد جعله على الشك فقال : «أخبرنا» كما هو في أول الإسناد ، ومفهومه أنه إذا لم يكن هناك سواد فإنه يكتب «حدثنا» وكأنها عادته. والله تبارك وتعالى أعلم بالصواب.

* * *

٦٢

الفصل الخامس

الثناء عليه وعلى تصانيفه

* المبحث الأول :

* ـ ثناء العلماء عليه :

١ ـ قال قاسم المطرّز (ت ٣٠٥) : «هو إمام أو يستحق أن يكون إماما» (١).

٢ ـ كان أبو علي الحسين بن يزيد بن داود الحافظ (ت ٣٤٩) يذكر غير مرة أربعة من أئمة المسلمين رآهم ، فبدأ بالنسائي (٢).

٣ ـ قال ابن عدي (ت ٣٦٥) : سمعت منصورا الفقيه وأبا جعفر الطحاويّ يقولان : أبو عبد الرحمن إمام من أئمة المسلمين (٣).

٤ ـ قال الدارقطني (ت ٣٨٥) : «أبو عبد الرحمن مقدّم على

__________________

(١) التقييد (١ / ١٥١ ـ ١٥٢).

(٢) التقييد (١ / ١٥١).

(٣) الكامل (١ / ١٤٦) ، التقييد (١ / ١٥١).

٦٣

كل من يذكر بهذا العلم من أهل عصره» (١)

٥ ـ قال الدارقطني وقد ذكروا له راويا : «حدّث عنه أبو عبد الرحمن النسائي في الصحيح». ا ه قال ابن طاهر (ت ٥٠٧) معلقا على قول الدارقطني هذا : «فالدارقطني سمى كتاب السنن صحيحا مع فضله وتحقيقه في هذا الشأن» (٢)

٦ ـ قال ابن مندة (ت ٣٩٥) : «الذين أخرجوا الصحيح وميزوا الثابت من المعلول ، والخطأ من الصواب أربعة : البخاري ، ومسلم ، وبعدهما أبو داود والنسائي» (٣)

٧ ـ قال حمزة السهمي (ت ٤٢٧) : «سئل الدارقطني : إذا حدّث أبو عبد الرحمن النسائي وابن خزيمة بحديث أيهما تقدمه؟ فقال : «أبو عبد الرحمن ؛ فإنه لم يكن مثله ولا أقدّم عليه أحدا ، ولم يكن في الورع مثله ، ولم يحدّث بما حدّث ابن لهيعة ، وكان عنده عاليا عن قتيبة.» (٤)

٨ ـ قال الحافظ أبو يعلى الخليلي (ت ٤٤٦) في الإرشاد : «حافظ متقن .... رضيه الحفاظ .... اتفقوا على حفظه

__________________

(١) معرفة علوم الحديث للحاكم (ص ٨٣) ، التقييد لابن نقطة (١ / ١٥٠).

(٢) التقييد (١ / ١٥١ ـ ١٥٢).

(٣) التقييد (١ / ١٥١ ـ ١٥٢).

(٤) سؤالات السهمي للدارقطني (رقم ١١١) والتقييد (١ / ١٥١).

٦٤

وإتقانه ، ويعتمد قوله في الجرح والتعديل» (١)

٩ ـ قال الحافظ ابن طاهر (ت ٥٠٧) : «سألت سعد بن علي الزنجاني عن رجل ، فوثقه ، فقلت : قد ضعفه النسائي!! فقال : يا بني! إن لأبي عبد الرحمن شرط في الرجال أشد من شرط البخاري ومسلم. فقال الذهبي : صدق ؛ فإنه ليّن جماعة من رجال صحيحي البخاري ومسلم.» (٢)

١٠ ـ وقال المؤرخ عبد الكريم الرافعي (ت ٦٢٣) في التدوين : النسائي ... صاحب الكتاب المعروف بالسنن ، وفيه دلالة واضحة على وفور علمه وحسن ترتيبه وتلخيصه وقوة نظره في استنباط المعاني التي تفصح عنها تراجم الأبواب» (٣).

١١ ـ قال المزي (ت ٧٤٢) : «أحد الأئمة المبرّزين والحفاظ المتقنين والأعلام المشهورين طاف البلاد ...» (٤)

١٢ ـ افتتح الذهبي (ت ٧٤٨) ترجمته بالثناء عليه فقال : «الإمام الحافظ الثبت ، شيخ الإسلام ، ناقد الحديث ... كان من بحور العلم مع الفهم والإتقان والبصر ونقد الرجال ، وحسن التأليف ، .... جال في طلب العلم .... ورحل إليه الحفاظ ، ولم يبق له نظير في هذا الشأن .... ولم يكن أحد في رأس

__________________

(١) الإرشاد في معرفة علماء البلاد (١ / ٤٣٦).

(٢) السير (١٤ / ١٣١).

(٣) التدوين في ذكر أهل العلم بقزوين (٢ / ١٩٧).

(٤) التهذيب (١ / ٣٢٩).

٦٥

الثلاثمائة أحفظ من النسائي ، وهو أحذق بالحديث وعلله ورجاله من مسلم ، ومن أبي داود ، ومن أبي عيسى ، وهو جار في مضمار البخاري وأبي زرعة.» (١).

* المبحث الثاني :

* ـ ثناء العلماء على تصانيفه.

أثنى كثير من من العلماء على مصنّف الإمام النسائي ، وقد أورد الحافظ السيوطي في مقدمة «زهر الربا على المجتبي» كثيرا من أقوالهم ، فأجاد وأفاد. وأنا ـ بإذن الله تعالى ـ مورد هاهنا ما زاد على ما أورده وموثّقا بعضا مما أورده ، اجتنابا للتكرار بلا فائدة عائدة.

١ ـ قال الحاكم (ت ٤٠٥) في معرفة علوم الحديث له (ص ٨٢) : «من نظر في كتاب السنن للنسائي تحيّر من حسن كلامه.»

٢ ـ وقال الحافظ أبو يعلى الخليلي (ت ٤٤٦) في الإرشاد (١ / ٤٣٦) : «..... وكتابه يضاف إلى كتاب البخاري ومسلم وأبي داود .... ويعتمد على قوله في الجرح والتعديل ، وكتابه في السنن مرضيّ.»

٣ ـ روى ابن خير (ت ٥٧٥) في فهرسه (ص ١١٧) عن أبي بكر بن الأحمر (راوي السنن الكبرى) عن عبد الرحيم المكي ـ شيخ من مشايخ مكة [من رواة الحديث

__________________

(١) السير (١٤ / ١٢٥).

٦٦

المتقدمين] قال : «مصنّف النسائي أشرف المصنّفات كلّها ، وما وضع في الإسلام مثله».

٤ ـ وقال المؤرخ عبد الكريم الرافعي (ت ٦٢٣) في التدوين (٢ / ١٩٧) : «.... النسائي ، صاحب الكتاب المعروف بالسنن ، وفيه دلالة ظاهرة على وفور علمه وحسن ترتيبه وتلخيصه ، وقوة نظرة في استنباط المعاني التي تفصح عنها تراجم الأبواب».

٥ ـ روى القاسم بن يوسف التجيبي (ت ٧٣٠) في برنامجه (ص ١١٦) : عن ابن الأحمر ، عن شيخه يونس بن عبد الله القاضي أنه كان يفضل سنن النسائي على كتاب البخاري ، واحتجّ بأن قال : من صرّح باشتراط الصحة فقد جعل للجدال موضعا فيما أدخل ، وجعل لمن لم يستكمل الإدراك سببا إلى الطعن على ما لم يدخل».

٦ ـ قال القاسم بن يوسف التجيبي في برنامجه (ص ١١٦) : «وهذا الكتاب ... أحد الكتب المعتمدة المشتهرة لأئمة الحديث رحمهم‌الله ، وقد انتقاه مصنفه ، وانتقى رجال إسناده ، فكان يترك الإسناد العالي إذا وقع في قلبه منه شيء ، ويأتي بالإسناد الذي ليس في قلبه منه شيء ، وإن كان نازلا.»

٧ ـ وذكر التجيبي كذلك في برنامجه (ص ١١٧) عن أبي علي الحسن بن الخضر الأسيوطي أنه قال : «رأيت» النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في المنام وبين يديه كتب كثيرة منها كتاب السنن للنسوي ،

٦٧

فقال لي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إلى متى ، وإلى كم هذا يكفي؟ وأخذ بيده الجزء الأول من كتاب الطهارة لأبي عبد الرحمن. قال ـ أي الأسيوطي ـ فوقع في روعي أنه يعني كتاب السنن للنسوي». ا ه.

٨ ـ وقال ابن كثير (ت ٧٧٤) في تاريخه (١١ / ١٢٣) : «قد أبان (أي : ظهر» الإمام النسائي في تصنيفه عن حفظ وإتقان ، وصدق ، وإيمان ، وعلم وعرفان».

* * *

٦٨

الفصل السادس

عقيدته وما نسب إليه

* المبحث الأول :

* عقيدته :

أما عقيدته فهي عقيدة أهل السنة والجماعة ، يتبيّن لك ذلك واضحا جليّا من خلال ما نقل عنه ، ومن خلال مؤلفاته التي تركها ، ويؤكده ما نقله عنه طلابه وأقرانه ومن عايشوه ، خصوصا كتاب الإيمان وشرائعه من المجتبي من سننه (٨ / ٩٣ : ١٢٦) (١).

وقد نقل عنه قاضي مصر أبو القاسم عبد الله بن أبي العوام السعدي : ثنا النسائي ، ثنا إسحاق ، ثنا محمد بن أعين قال : قلت لابن المبارك : إن فلانا يقول : من زعم أن قوله تعالى : (إِنَّنِي أَنَا اللهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي) [طه / ١٤] مخلوق ، فهو كافر ، فقال ابن المبارك : صدق. قال النسائي : بهذا أقول (٢).

__________________

(١) مقدمة عمل اليوم والليلة (ص ٢٤).

(٢) تذكرة الحفاظ (٢ / ٧٠٠) ، سير (١٤ / ١٢٧).

٦٩

فهذا النقل عنه يدلنا على مدى صفاء عقيدته وأخذه بأقوال أهل السنة وأئمتهم أمثال عبد الله بن المبارك فيما وافق الحق. ونظرة سريعة على كتاب الإيمان وشرائعه من المجتبي توضح هذا الأمر وتزيده يقينا مثل باب «تفاضل أهل الإيمان» ، باب «زيادة الإيمان» وغيرها من الأبواب والتراجم الموجودة في كتب أهل السنة والجماعة.

* المبحث الثاني :

* ما نسب إليه من التشيع :

وقد زعم جماعة من أهل العلم أن النسائي كان متشيعا (!).

قال ابن خلّكان (ت ٦٨١) : وكان يتشيع» (١).

وقال الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية (ت ٧٢٨) : «وتشيع بعض أهل العلم بالحديث ، كالنسائي وابن عبد البر (ت ٤٦٣) وأمثالهما لا يبلغ إلى تفضيل عليّ على أبي بكر وعمر ، ولا يعرف في أهل الحديث من يقدمه عليهما» (٢).

وقال الذهبي (ت ٧٤٨) : «فيه قليل تشيع وانحراف عن حصوم الإمام علي كمعاوية وعمرو ، والله يسامحه» (٣)

__________________

(١) الوفيات (١ / ٧٧).

(٢) منهاج السنة النبوية (٤ / ٩٩).

(٣) السير (١٤ / ١٣٣).

٧٠

وقال ابن كثير (ت ٧٧٤) : «وقد قيل عنه إنه كان ينسب إليه شيء من التشيع» (١)

وقال ابن تغري بردي (ت ٨٧٤) : «وكان فيه تشيع حسن» (٢).

والذي دعاهم إلى ذلك وأثار الشك حوله تصنيفه كتاب «خصائص عليّ» وحكايته مع أهل دمشق ، قال الوزير ابن حنزابة (ت ٣٩١) : «سمعت محمد بن موسى المأموني ـ صاحب النسائي ـ قال : سمعت قوما ينكرون علي أبي عبد الرحمن النسائي كتاب «الخصائص» لعليّ رضي الله عنه وتركه تصنيف فضائل الشّيخين [أبي بكر وعمر] ، فذكرت له ذلك ، فقال : دخلت دمشق والمنحرف بها عن عليّ كثير فصنفت كتاب «الخصائص» رجوت أن يهديهم الله تعالى. ثم إنه صنّف بعد ذلك فضائل الصحابة [وقرأها على الناس] فقيل له وأنا أسمع : ألا تخرج فضائل معاوية رضي الله عنه؟ فقال أي شيء أخرج؟ حديث : «اللهم لا تشبع بطنه» [رواه مسلم](٣) فسكت السائل (٤).

__________________

(١) البداية والنهاية (١١ / ١٢٤).

(٢) النجوم الزاهرة (٣ / ١٨٨).

(٣) زدناها لكي يتضح المعنى.

(٤) الوفيات (١ / ٧٧).

٧١

وروى أبو عبد الله بن مندة (ت ٣٩٥) عن حمزة العقبي المصري وغيره ، أن النسائيّ خرج من مصر في آخر عمره إلى دمشق ، فسئل بها عن معاوية ، وما جاء في فضائله ، فقال : ألا يرضى [معاوية أن يخرج](١) رأسا برأس حتى يفضّل.

وفي رواية : ما أعرف له فضيلة إلا «لا أشبع الله بطنه».

فما زالوا يدفعون في حضنيهه حتى أخرجوه من المسجد ، وفي رواية أخرى «يدفعون في حضنيه وداسوه ، ثم حمل إلى الرحلة فمات (٢).

وقال ابن كثير في بدايته : «وإنه إنما صنف الخصائص في فضل عليّ وأهل البيت ، لأنه رأى أهل دمشق حين قدمها في سنة اثنين وثلاثمائة عندهم نفرة من عليّ ، وسألوه عن معاوية ، فقال ما قال ، فدفعوه في خصيتيه فمات» (٣).

هذا ما قاله هؤلاء الأئمة في اتهامه بالتشيع وسببه.

__________________

(١) زدناها لكي يتضح المعنى.

(٢) التقييد لابن نقطة (١ / ١٥٤) بإسناده ، والسير (١٤ / ١٣٢) ، والوفيات لابن خلّكان (١ / ٧٧) والبداية (١١ / ١٢٤).

(٣) البداية (١١ / ١٢٤).

٧٢

لكن في هذا الكلام وهذه التهمة له نظر كبير. وأشار لتضعيف هذا ابن كثير بقوله ـ السابق نقله ـ : «قد قيل عنه إنه كان ينسب إليه شيء من التشيع» فانظر كيف استبعد هذا الأمر واستثقله بالإشارة لضعفه ب «قيل عنه» و «كان ينسب إليه» وقوله «شيء» لا أنه متشيع.

وقول ابن تغري بردي : «كان فيه تشيع حسن.» وقول الذهبي : «قليل تشيع».

* المبحث الثالث :

* الدفاع عنه :

ـ قال أخونا الشيخ أبو إسحاق الحويني حجازي بن محمد في معرض دفاعه عن الإمام النسائي (١) :

«وفي ذلك نظر عندي .... فكأنهم اتهموه بالتشيع لأمرين :

الأول : أنه صنف في فضائل عليّ في دمشق رغم كثرة المخالفين وهياج السواد الأعظم عليه ، مع كونه لم يكن صنّف في فضائل الشيخين وعثمان رضي الله عنهم.

الثاني : غضه لمعاوية رضي الله عنه.

__________________

(١) مقدمة تحقيقه لخصائص عليّ (ص ١١ : ١٤).

٧٣

ـ فأما الجواب عن الأمر الأول ، فقد أوضحه النسائي نفسه ، وذلك أنه دخل دمشق وأهل الشام موقفهم من عليّ معروف ومشتهر ، فبادر بتصنيفه «الخصائص» رجاء أن يهديهم الله تعالى إلى الحق في المسألة وهو : تفضيل عليّ على معاوية رضي الله عنهما.

وأما الجواب عن الأمر الثاني : فجواب دقيق يحتاج إلى تأمل ، والذي يظهر لي أن النسائي ما قصد الغضّ من معاوية قط ـ إن شاء الله تعالى ـ ولكن جرى أهل العلم والفضل ـ كما قال الشيخ العلامة ذهبي العصر المعلّمي اليماني رحمه‌الله تعالى في التنكيل (١) ـ على أنهم إذا رأوا بعض الناس غلوا في بعض الأفاضل أنهم يطلقون فيهم بعض كلمات يؤخذ منها الغضّ من ذاك الفاضل ، لكي يكف الناس عن الغلو فيه الحامل على اتّباعه فيما ليس لهم أن يتبعوه فيه ؛ وذلك لأن أكثر الناس مغرمون بتقليد من يعظم في نفوسهم والغلو في ذلك حتى إذا قيل لهم : إنه غير معصوم عن الخطأ ، والدليل قائم على خلاف قوله عن كذا ، فدلّ على أنه أخطأ ولا يحل لكم أن تتبعوه على ما أخطأ فيه. قالوا : هو أعلم منك بالدليل ، وأنتم أولى بالخطإ منه ، فالظاهر أنه قد عرف ما يدفع دليلكم هذا (!) ولذا ترى بعض أهل العلم يغضّ من مكانة ذلك الفاضل لردع هؤلاء السائمة (!).

__________________

(١) (١ / ١٢).

٧٤

فمن ذلك ما يقع في كلام الإمام الشافعي في بعض المسائل التي يخالف فيها مالكا من اختلاق كلمات فيها غضّ من مالك مع ما عرف عن الشافعي من تبجيل أستاذه مالك كما رواه عنه حرملة : «مالك حجة الله على خلقه بعد التابعين». ومنه ما تراه في كلام مسلم في «مقدمة صحيحه» مما يظهر الغض الشديد من مخالفة في مسئلة اشتراط العلم باللقاء. والمخالف هو البخاري ، وقد عرف عن مسلم تبجيله للبخاري.

وأنت إذا تدبرت تلك الكلمات وجدت لها مخارج مقبولة وإن كان ظاهرها التشنيع الشديد.

قلت [أي الشيخ حجازي] : «فقول النسائي في معاوية يخرج من هذا المخرج ، وعلى هذا تحمل كلمته ، فقد رأى خلقا احترقوا في حب معاوية ، وهلكوا في بغض علي رضي الله عنهما ، فأراد أن يغض من معاوية قليلا حتى لا يهلك فيه ذلك المحترق (!).

وإلا فقد قال النسائي (١) وسئل عن معاوية : «إنما الإسلام كدار لها باب ، فباب الإسلام الصحابة. فمن آذى الصحابة إنما أراد

__________________

(١) كما رواه ابن عساكر في تاريخه ، وذكره عنه المزي في التهذيب (١ / ٣٣٩).

٧٥

الإسلام ، كمن نقر الباب إنما يريد دخول الدار ، قال : فمن أراد معاوية فإنما أراد الصحابة».

ثم إن قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن معاوية : «لا أشبع الله بطنه» لا يعدّ ثلبا بل هي منقبة لمن تأملها. ووجه الاستدلال على هذه المنقبة الحديث الذي رواه مسلم وغيره أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لأم سليم : «أو ما علمت ما شارطت عليه ربي؟ قلت : اللهم إنما أنا بشر فأيّ المسلمين لعنته أو سببته فاجعله له زكاة وأجرا.» هذه ما فهمه أئمة السلف كمسلم وغيره.

حتى قال الحافظ الذهبي (١) : «ولعل هذه منقبة لمعاوية».

وذكر المزي (٢) عن الحافظ ابن عساكر أنه روى قول النسائي في معاوية ، ثم قال : وهذه الحكاية لا تدل على سوء اعتقاد أبي عبد الرحمن في معاوية بن أبي سفيان ، وإنما تدل على الكف عن ذكره بكل حال.» ا ه بتصرف يسير.

فهذا قول أهل العلم في هذا الأمر ، وهذا قول الإمام النسائي في معاوية والصحابة. وأزيد فأقول : «إن الإمام النسائي لما صنف كتاب

__________________

(١) السير (١٤ / ١٣٠) وتذكرة الحفاظ (٢ / ٦٩٩).

(٢) التهذيب (١ / ٣٣٩).

٧٦

فضائل الصحابة أخرج فيه أولا فضائل الشيخين وعثمان وجعل عليا هو الرابع ، فهذا يدل على ما ذكرناه. بل ما يؤكد نفي هذا الكلام عنه أنه أخرج أيضا (١) في هذا الكتاب حديثين في فضائل عمرو بن العاصي رضي الله عنهما ، والله تعالى أعلم بالصواب.

(تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ).

* * *

__________________

(١) فضائل الصحابة (رقم ١٩٥ ـ ١٩٦).

٧٧

الفصل السابع

مؤلفاته

* مؤلفاته :

كان الإمام النسائي من المكثرين في التصنيف ، وقد نقلت عنه كتب كثيرة وأبرزها السنن ، وعامة كتبه تدور في إطار السّنة. أو كما قال ابن الأثير : «له كتب كثيرة في الحديث والعلل وغير ذلك» (*).

وسوف أسرد مصنفاته على حروف المعجم تيسيرا على القارئ الكريم مع توثيقها.

ـ الإخوة والأخوات ـ معجم الإخوة والأخوات ....

ـ أسامي شيوخه ـ معجم شيوخه.

ـ الأسامي والكنى ـ الكنى.

ـ الأسماء والكنى ـ الكنى.

ـ أسماء الرواة والتمييز بينهم ـ التمييز.

__________________

(*) جامع الأصول (١ / ١١٥) ومقدمة اليوم والليلة (ص ٢٨) وقد استفدت منه معظم هذا الفصل.

٧٨

ـ الإغراب ـ مسند حديث شعبة وسفيان.

(١) ـ إملاءاته الحديثية.

(٢) ـ تسمية فقهاء الأمصار من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومن بعده من أهل المدينة.

(٣) ـ تسمية من لم يرو عنه غير رجل واحد.

ـ تفسير القرآن الكريم.

(٤) ـ التمييز.

(٥) ـ الجرح والتعديل.

(٦) ـ جزء من حديث عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(٧) ـ خصائص عليّ.

__________________

(١) ـ المنتخب من مخطوطات الحديث للألباني (ص ٤٢٤ / رقم ١٥٢٩) بالظاهرية برقم حديث ١٦٣ (ق ٥٤ ـ ٥٩).

(٢) ـ طبع أكثر من مرة.

(٣) ـ طبع ـ ولعل المطبوع ناقص.

(٤) ـ تدريب الراوي (٢ / ٣٦٤ ، ٣٦٨). وتهذيب التهذيب (١ / ٣٥٦) ولسان الميزان (٣ / ٣٦١) وفتح المغيث للسخاوي (٣ / ٣١٥) والإعلان بالتوبيخ ـ له أيضا ـ (ص ٥٨٩).

(٥) ـ تهذيب التهذيب (١ / ٩٧ ، ٤١٩). و (٤ / ٩١) ولسان الميزان (٢ / ٣٠٠).

(٦) ـ تاريخ التراث العربي (ص ٤٢٦) من مخطوطة الظاهرية.

(٧) ـ طبع أكثر من طبعة ، أفضلها طبعة مكتبة المعلاء بالكويت بتحقيق أحمد

٧٩

ـ ذكر من حدّث عنه ابن أبي عروبة ولم يسمع منه ـ من حدّث عنه ابن أبي ....

(١) ـ الرباعيات من كتاب السنن المأثورة.

(٢) ـ السنن الصغرى.

(٣) ـ السنن الكبرى.

__________________

ميرين البلوشي سنة ١٤٠٦ ه‍ ، واعتبره الذهبي [السير (١٤ / ١٣٣)] وابن حجر داخلا.

(١) ـ فهرس المخطوطات المصورة في مركز المخطوطات والوثائق بالكويت عن مكتبة جستربتي في دبلن. تاريخ التراث العربي لسزكين ، واعتبره ملخصا ، ولعله كذلك.

(٢) ـ طبعت أكثر من مرة. وقد خدمه الشيخ عبد الفتاح أبو غدّة فرقم أحاديثه ووضع لها فهارس فنية مفيدة. وخدمه الشيخ الألباني بإخراجه صحيح سنن النسائي باختصار السند وبدأ بشرحه وتخريج أحاديثه أخونا الشيخ حجازي : أبو إسحاق الحويني وسماه «بذل الإحسان شرح سنن النسائي أبي عبد الرحمن». وقد انتهى مركزنا من تحقيقه على بعض المخطوطات وتخريج أحاديثه ومواضعها بالكتب الستة وخدمته والاعتناء به. وهو قيد الطبع نسأل الله الإعانة.

(٣) ـ قد باشر طبعه الأستاذ الشيخ : عبد الصمد شرف الدين ـ محقق تحفة الأشراف للمزي بالهند كما أعلن عن ذلك وسمعنا أنه قد طبع منه عدة مجلدات ، لكن لم يصل إلى القاهرة ـ فيما نعلم ـ منه شيء. وقد علمنا أن بعض الجامعات الإسلامية تطلب من عدد من طلبة العلم بها أن يخدموا أجزاء من الكبرى ابتغاء نيل شهادة عالية كالماجستير والدكتوراة. وقد طبع بعض الكتب منه مفردة مثل : فضائل الصحابة ، فضائل القرآن ، الجمعة ، الوفاة ، اليوم والليلة ، وأصدر مركزنا عشرة النساء وها هو التفسير. نسأل الله تبارك وتعالى التوفيق والإعانة.

٨٠