تفسير النسائي - ج ١

أبي عبدالرحمن ابن شعيب بن علي النسائي

تفسير النسائي - ج ١

المؤلف:

أبي عبدالرحمن ابن شعيب بن علي النسائي


المحقق: صبري بن عبدالخالق الشافعي وسيّد بن عبّاس الجليمي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الكتب الثقافية
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٨٧
الجزء ١ الجزء ٢

__________________

خيثمة وأبو يعلى وغيرهم [انظر ترجمته في تهذيب ابن حجر ، تاريخ بغداد (١١ / ١١١) ، الجرح والتعديل (٦ / ٣٣)] فهذه متابعة قوية لمحمد بن موسى بن أعين في طريق المصنف ، وباقي رجاله معروفون ، الأعمش هو سليمان وأبو صالح هو ذكوان السمّان ، وعنعنة الأعمش هنا لا تضر ، قال الذهبي في الميزان (٢ / ٢٢٤) : «وهو مدلّس وربما دلّس عن ضعيف ، ولا يدري به ، فمتى قال (حدثنا) فلا كلام ، ومتى قال (عن) تطرّق إليه احتمال التدليس ، إلا في شيوخ له أكثر عنهم : كإبراهيم ، وأبي وائل ، وأبي صالح السمّان ؛ فإن روايته عن هذا الصنف محمولة على الاتصال» ، قلت : وقد ذكره الحافظ في الطبقة الثانية من مراتب المدلّسين.

أما حديث أبي سعيد : فقد رواه أبو يعلى الموصلي (رقم ١٠٨٤) ، عن عثمان بن أبي شيبة ، وابن حبان في صحيحه [(رقم ٢٥٦٩ ـ موارد) ، (رقم ٨٢٣ ـ الإحسان)] ، عن عبد الله بن البخاري وأبي يعلى ـ فرّقهما ـ كلاهما عن عثمان بن أبي شيبة عن جرير بن يحيى إسماعيل التيمي ، كلاهما عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد الخدري ـ به.

وقال الحاكم : «ولو لا أن أبا يحيى التيمي على الطريق لحكمت للحديث بالصحة على شرط الشيخين ...» ، وقال الذهبي : «أبو يحيى واه». قلت : هو إسماعيل بن إبراهيم الأحول التيمي ، ضعفه غير واحد ، وقال ابن عدي فيه : «ولأبي يحيى التيمي هذا أحاديث حسان ، وليس فيما يرويه حديث منكر المتن ويكتب حديثه» ، وقال عنه الحافظ في التقريب : «ضعيف» ، على أنه قد تابعه جرير بن عبد الحميد ـ كما عند أبي يعلى وابن حبان ـ وأبو مسلم قائد الأعمش ـ كما في تاريخ بغداد (٣ / ٣٦٣) ولم يسق لفظه ، فالحديث صحيح. وقد عزاه ابن كثير في النهاية (١ / ١٦٣) لابن أبي الدنيا في «الأهوال» : حدثنا عثمان بن أبي شيبة أنا جرير عن الأعمش ـ به.

وله طريق أخرى عن أبي سعيد : فقد رواه أحمد (٣ / ٧ ، ٧٣) والترمذي في جامعه (رقم ٢٤٣١ ، ٣٢٤٣) وحسّنه ، وابن المبارك في الزهد (رقم ١٥٩٧) ،

٣٤١

__________________

والحميدي (رقم ٧٥٤) ، وعبد بن حميد (رقم ٨٨٦ ـ منتخب) ، وابن جرير الطبري في تفسيره (١٦ / ٢٤) ، والدولابي في الكنى (٢ / ٥٠) ، وأبو الشيخ في «العظمة» (رقم ٣٩٦ ، ٣٩٧) ، والطبراني في الصغير (١ / ٢٤) ، وأبو نعيم في الحلية [(٥ / ١٠٥) ، (٧ / ١٣٠ ، ٣١٢)] ، والبغوي في شرح السنة (رقم ٤٢٩٨ ، ٤٢٩٩) ، من طرق عن عطية العوفي عن أبي سعيد ـ به.

وفي سنده عطية بن سعيد بن جنادة العوفي وهو ضعيف ويدلس ، وفيه مقال كبير ، وانظر ترجمته في التهذيب والميزان وضعفاء ابن حبان وغيرها من كتب الرجال. وقد اختلف على عطية فرواه جمع هكذا عنه عن أبي سعيد.

ورواه أحمد (١ / ٣٢٦) ، وابن أبي شيبة في المصنف (١٠ / ٣٥٢) ، والطبري في تفسيره (٢٩ / ٩٥) ، والطبراني في الكبير (رقم ١٢٦٧٠ ، ١٢٦٧١) ، وابن أبي حاتم ـ كما في تفسير ابن كثير (٤ / ٤٤٢) ـ ، والحاكم في المستدرك (٤ / ٥٥٩) ، كلهم من طريق مطرّف بن طريف عن عطية العوفي عن ابن عباس ـ به.

وعند الخطيب في تاريخه (٣ / ٣٦٣) من طريق أبي إدريس الأودى عن عطية عن ابن عباس أو أبي سعيد مرفوعا.

ورواه أحمد (٤ / ٣٧٤) ، وابن عدي في «الكامل» (٣ / ٨٩١) ، والطبراني في الكبير (رقم ٥٠٧٢) ، كلهم من طريق أبي العلاء خالد بن طهمان الخفاف عن عطية العوفي عن زيد بن أرقم ـ به. ومع ضعف العوفي كما سبق فإن خالد بن طهمان فيه مقال ، وقال الحافظ : «صدوق رمي بالتشيع ثم اختلط».

فقد روي عن عطية العوفي على أوجه ثلاث ، وإن كان الوجه الأول هو الأكثر (يعني عن أبي سعيد).

وللحديث شاهد : أخرجه أبو نعيم في «الحلية» (٣ / ١٨٩) من طريق سفيان الثوري عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر ـ به ، وقال : «هذا حديث غريب من حديث الثوري عن جعفر ، تفرد به الرملي عن الفريابي ، ومشهوره : ما رواه

٣٤٢

[٧٢] قوله تعالى :

(فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ) [١٧٤]

[١٠٣] ـ أنا محمّد بن منصور ، عن سفيان ، عن عمرو [عن عكرمة](١) قال :

__________________

(١) سقط من الأصل ، والتصحيح من تحفة الأشراف وغيرها.

__________________

ـ أبو نعيم وغيره عن الثوري عن الأعمش عن عطية عن أبي سعيد الخدري. قلت : إسناده حسن ، فإن محمد بن عبد العزيز الرملي قال فيه الحافظ : صدوق يهم ، والمطّلب بن شعيب : ثقة [وانظر ترجمته في الميزان (٤ / ١٢٨) ، واللسان (٦ / ٥٠ ، والكامل لابن عدي (٦ / ٢٤٥٥)] ، وقد وقع فيه تحريف في النسخ المطبوعة من الحلية : مطر بن شعيب ، والصواب : المطّلب.

وشاهد آخر : أخرجه الخطيب في تاريخه (٥ / ١٥٣) ، والضياء في المختارة ـ كما في الكنز (رقم ٣٨٩٠٦) ، والصحيحة (رقم ١٠٧٩) ـ من حديث أنس بن مالك ، دون آخر الحديث.

وانظر كنز العمال (رقم ٣٨٩١٠ ، ٣٩٧٤٤) ، ومجمع الزوائد (٧ / ١٣١ ، ١٠ / ٣٣٠ ـ ٣٣١) ، وتاريخ بغداد (١١ / ٣٩) ، والدرّ المنثور (٣ / ٢٢ ، ٥ / ٣٣٧ ، ٦ / ٢٨٢).

قوله صاحب الصور قد التقم القرن : الصور والقرن واحد ، وهو الذي ينفخ فيه الملك الموكل به عند بعث الموتى إلى المحشر.

(١٠٣) ـ صحيح * تفرد به المصنف ، انظر تحفة الأشراف (٦١٧٢). وإسناده صحيح ، سفيان هو ابن عيينة ، وعمرو هو ابن دينار الملكي ، وعكرمة مولى ابن عباس ، وشيخ المصنف هو ابن ثابت بن خالد الخزاعي الجوّاز ، وكلهم ثقات. ـ

٣٤٣

قال ابن عبّاس : لمّا انصرف المشركون عن أحد ، وبلغوا الرّوحاء قالوا : لا محمّدا (١) قتلتموه ، ولا الكواعب أردفتم ، وبئس ما

__________________

(١) في الأصل «محمد» بدون ألف التنوين بالفتح وما أثبتناه هو الصحيح.

__________________

ـ وقد رواه الطبراني في الكبير (رقم ١١٦٣٢) عن علي بن عبد العزيز عن محمد بن منصور الجواز عن ابن عيينة عن ابن دينار عن عكرمة عن ابن عباس ، وقال سفيان مرة أخرى أخبرني عكرمة فذكره. وقال الهيثمي في المجمع (٦ / ١٢١) : ورجاله رجال الصحيح غير محمد بن منصور الجوّاز وهو ثقة.

وعزاه السيوطي في الدرّ (٢ / ١٠١) للنسائي وابن أبي حاتم والطبراني بسند صحيح من طريق عكرمة عن ابن عباس.

وقال الحافظ في الفتح (٨ / ٢٢٨ ـ ٢٢٩) : أخرجه النسائي وابن مردويه ، ورجاله رجال الصحيح ، إلّا أن المحفوظ إرساله عن عكرمة ليس فيه ابن عباس ، ومن الطريق المرسلة أخرجه ابن أبي حاتم وغيره.

قلت : رواية ابن أبي حاتم ذكرها ابن كثير في تفسيره (١ / ٤٢٩) عن محمد بن عبد اللّه بن يزيد عن سفيان عن عمرو عن عكرمة قال : لما رجع المشركون عن أحد ... ومحمد بن عبد اللّه بن يزيد المقرئ ثقة ، فيحمل على أن ابن عيينة كان يرويه مرسلا تارة ، وموصولا أخرى.

وقد روى عبد الرزّاق في تفسيره (ص ٢٨ ـ مخطوط) عن ابن عيينة عن عمرو عن عكرمة قال : كانت بدرا متجرا في الجاهلية فخرج ناس من المسلمين ... فذكر نحو الشطر الأخير.

قوله الروحاء ، حمراء الأسد : الروحاء : مكان يبعد عن المدينة ستة وثلاثين يوما ، وحمراء الأسد : موضع على بعد ثمانية أميال من المدينة.

قوله ولا الكواعب أردفتم : الكواعب : جمع كعاب أو كاعب : وهي المرأة حين يبدو ثديها للنّهود ، وأردفتم : أي أسرتم ، وهي من تبع الشيء يتبعه.

٣٤٤

صنعتم ، ارجعوا. فبلغ ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فندب النّاس ، فانتدبوا حتّى بلغوا حمراء الأسد ، وبئر أبي عتيبة فأنزل الله تعالى : (الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ) [آل عمران : ١٧٤] وقد كان أبو سفيان قال للنّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : موعدك موسم بدر حيث قتلتم أصحابنا ، فأمّا الجبان فرجع ، وأمّا الشّجاع فأخذ أهبة القتال والتّجارة فلم يجدوا به أحدا ، وتسوّقوا ، فأنزل الله تعالى : (فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ).

* * *

٣٤٥

[٧٣] قوله تعالى :

(سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ) [١٨٠]

[١٠٤] ـ أنا مجاهد بن موسى ، نا ابن عيينة ، عن جامع بن أبي راشد ، عن أبي وائل ،

__________________

(١٠٤) ـ صحيح* أخرجه الترمذي في جامعه (رقم ٣٠١٢) : كتاب تفسير القرآن ، باب «ومن سورة آل عمران» وقال : «حسن صحيح» ، وأخرجه المصنف في المجتبى (رقم ٢٤٤١) : كتاب الزكاة ، باب التغليظ في حبس الزكاة ، وأخرجه ابن ماجه في سننه (رقم ١٧٨٤) : كتاب الزكاة ، باب ما جاء في منع الزكاة ، كلهم من طريق سفيان عن جامع بن أبي راشد عن أبي وائل ـ به ، وعند الترمذي وابن ماجه عن جامع وعبد المكي بن أعين ، كلاهما عن أبي وائل ـ به ، وانظر تحفة الأشراف (٩٢٣٧). وسنده صحيح ، ورجاله كلهم ثقات ، وأبو وائل هو شقيق بن سلمة.

والحديث أخرجه أيضا أحمد (١ / ٣٧٧) ، والطبري في تفسيره (٤ / ١٢٧ ـ ١٢٨) ، وابن خزيمة في صحيحه (رقم ٢٢٥٦) ، والبيهقي في سننه (٤ / ٨١) ، وغيرهم من طريق سفيان عن جامع عن أبي وائل عن ابن مسعود ـ به مرفوعا. وعند أحمد أن ابن مسعود هو الذي قرأ الآية ، وعند ابن خزيمة وغيرهم التصريح بأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم هو الذي تلا الآية ، وكلاهما صحيح ، ولا تعارض بينهما.

ورواه عبد الرزاق في تفسيره (ص ٢٨ ـ مخطوط) عن الثوري ، والحاكم في مستدركه (٢ / ٢٩٨ ، ٢٩٩) من طريق أبي بكر بن عياش والثوري ـ فرّقهما ـ وصححه وأقره الذهبي ، وكلاهما عن أبي إسحاق عن أبي وائل عن ابن مسعود : من قوله دون ذكر الآية ، والثوري قديم السماع من أبي إسحاق وقد صرح بالتحديث عند الحاكم ، وأخرجه الطبراني في الكبير (من رقم ٩١٢٢ ـ ٩١٢٦) من طرق عن أبي إسحاق ـ به.

٣٤٦

عن عبد الله قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما من رجل له مال لا يؤدّي حقّ ماله ، إلّا جعل له طوقا في عنقه شجاع أقرع فهو يفرّ منه وهو يتبعه» قال : ثمّ قرأ مصداقه من كتاب الله : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ) إلى قوله : (يَوْمَ الْقِيامَةِ).

__________________

ـ وزاد السيوطي نسبته في الدرّ (٢ / ١٠٥) لعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن مسعود مرفوعا مع ذكر الآية.

وللحديث شواهد كثيرة تشهد لصحته مرفوعا منها : ـ

ما أخرجه البخاري في صحيحه (رقم ١٤٠٣) ، والنسائي (رقم ٢٤٨٢) ، ومالك في الموطأ (١ / ٢٥٦ ـ ٢٥٧) ، وأحمد (٢ / ٢٧٩ ، ٣١٦ ، ٣٥٥ ، ٣٧٩ ، ٤٨٩ ، ٥٣٠) ، وأبو يعلى (رقم ٦٣١٩) ، وابن حبان في صحيحه (٥ / ١٠٥ ، ١٠٧ رقم ٣٢٤٣ ، ٣٢٤٧ ، ٣٢٥٠ ـ الإحسان) ، والبيهقي في سننه (٤ / ٨١) ، والبغوي في شرح السنة (رقم ١٥٦٠ ، ١٥٦١) ، وفي تفسيره (١ / ٣٧٨) وابن مردويه ـ كما في تفسير ابن كثير (١ / ٤٣٤) ـ وغيرهم من حديث أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولفظ البخاري : «من آتاه الله مالا فلم يؤدّ زكاته مثّل له يوم القيامة شجاعا أقرع له زبيبتان يطوّقه ثم يأخذ بلهزمتيه ـ يعني شدقيه ـ ثم يقول : أنا مالك ، أنا كنزك ، ثم تلا : «ولا يحسبن الذين يبخلون»» الآية [آل عمران : ١٨٠].

ما أخرجه ابن أبي شيبة ـ كما في المطالب (رقم ٣٥٦٨) ـ وابن جرير في تفسيره (٤ / ١٢٧) ، وغيرهما من حديث حجير بن بيان.

ما أخرجه أحمد (٢ / ٩٨ ، ١٣٧ ، ١٥٦) ، والنسائي (رقم ٢٤٨١) ، وغيرهما من حديث ابن عمر.

ما أخرجه مسلم (٩٨٨ / ٢٧ ، ٢٨) ، والنسائي (رقم ٢٤٥٤) ، وابن حبان (٥ / ١٠٥ رقم ٣٢٤٤ ـ الإحسان) ، وأحمد (٣ / ٣٢١) ، والدارمي (١ / ٣٨٠) ، وغيرهم من حديث جابر بن عبد الله.

٣٤٧

[٧٤] قوله تعالى :

(فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ) [١٨٥]

[١٠٥] ـ أنا محمّد بن حاتم بن نعيم ، أنا سويد ، أنا عبد الله عن (١) شريك ، عن محمّد بن عمرو ، عن أبي سلمة ،

__________________

(١) في الأصل بن والتصحيح من تحفة الأشراف.

__________________

ـ وفي الباب عن ثوبان ، ومعاوية بن حيدة ، وغيرهما.

قوله شجاع أقرع : الشّجاع بالضم والكسر : الحية الذكر ، وقيل الحية مطلقا.

(١٠٥) ـ صحيح * تفرد به المصنف ـ من طريق شريك ـ بهذا التمام ، وانظر تحفة الأشراف (رقم ١٥٠٣١). وإسناده ضعيف لسوء حفظ شريك بن عبد اللّه القاضي النخعي ، أما محمد بن عمرو بن علقمة فهو صدوق له أوهام ، وباقي رجال الإسناد ثقات : سويد هو ابن نصر بن سويد المروزي راوية شيخه في الإسناد وهو عبد اللّه بن المبارك ، وأبو سلمة هو ابن عبد الرحمن بن عوف ، والحديث صحيح فقد توبع شريك ، وله طرق أخرى عن أبي هريرة ، وقد جاء مفرّقا إلى ثلاثة أحاديث كما سيأتي إن شاء اللّه تعالى ، وفي طرق الحديث أن الذي قرأ الآيات هو أبو هريرة رضي اللّه تعالى عنه ، وفي بعضها ما يشير إلى أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قرأها ، ولا منافاة بينهما.

والحديث أخرجه بهذا التمام : الترمذي في جامعه (رقم ٣٢٩٢) وصححه من طريق عبدة بن سليمان ، وابن أبي شيبة (١٣ / ١٠١ ـ ١٠٢) عن علي بن مسهر ، وأحمد في مسنده (٢ / ٤٣٨) عن يحيى بن سعيد ، والبيهقي في البعث (رقم ٤٣١) من طريق النضر بن شميل ، والبغوي في تفسيره (١ / ٣٨١) وفي شرح السنة (رقم ٤٣٧٢) من طريق يزيد بن هارون ، خمستهم عن محمد بن عمرو بن علقمة ـ به ، وهذا إسناد حسن لحال محمد بن علقمة. ـ

٣٤٨

عن أبي هريرة ، عن النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «قال الله تبارك وتعالى : أعددت لعبادي الصّالحين ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر.» وإن شئتم فاقرءوا (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ) [السجدة : ١٧]

وقال : «في الجنّة شجرة يسير الرّاكب في ظلّها مائة عام ، فاقرءوا (وَظِلٍّ مَمْدُودٍ) [الواقعة : ٣٠]

وموضع سوط في الجنّة خير من الدّنيا وما فيها ، فاقرءوا (فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ) [آل عمران : ١٨٥].

__________________

ـ * أما الحديث الأول الشطر الأول : فقد أخرجه أحمد (٢ / ٣١٣ ، ٤٦٦ ، ٤٩٥) ، والبخاري في صحيحه (رقم ٣٢٤٤ ، ...) ، ومسلم في صحيحه (٢٨٢٤ / ٢ ، ٣ ، ٤) ، والترمذي في جامعه (رقم ٣١٩٧) وصححه ، وابن ماجه في سننه (رقم ٤٣٢٨) ، والحميدي (رقم ١١٣٣) ، وابن أبي شيبة في المصنف (١٣ / ١٠٩) ، والدارمي (٢ / ٣٣٥) ، وأبو يعلى (رقم ٦٢٧٦) ، والطبري في تفسيره (٢١ / ٦٦ ، ٦٧) ، وعبد الرزاق في «الجامع» (رقم ٢٠٨٧٤) ، وابن حبان في صحيحه (رقم ٣٦٩ ـ الإحسان) ، والبغوي في شرح السنة (رقم ٤٣٧٠ ، ٤٣٧١) ، من طرق عن أبي هريرة رضي الله عنه ، وفي أكثرها ذكر الآية الأولى.

وزاد نسبته في الدرّ (٥ / ١٧٦) لهناد في الزهد ، وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه وابن الأنباري عن أبي هريرة.

وله شاهد من حديث أبي سعيد ، وسهل بن سعد وغيرهما.

٣٤٩

__________________

* وأما الحديث الثاني : فقد أخرجه ابن ماجه في سننه (رقم ٤٣٣٥) ، والدارمي (٢ / ٣٣٨) ، والطبري في تفسيره (٢٧ / ١٠٥) ، كلهم من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة ـ به.

وأخرجه البخاري في صحيحه (رقم ٣٢٥٢ ، ٤٨٨١) ، ومسلم (٢٨٢٦ / ٦ ، ٧) ، (٣ / ١١٠ ، ١٦٤ ، ١٨٥) ، والترمذي في جامعه (رقم ٢٥٢٣) وصححه ، وأحمد (٢ / ٢٥٧ ، ٤٠٤ ، ٤١٨ ، ٤٥٢ ، ٤٥٥ ، ٤٦٢ ، ٤٦٩) ، والحميدي (رقم ١١٣١) ، وابن أبي شيبة (١٣ / ١٠٥) ، والمروزي في زيادات الزهد (رقم ١٤٨٥) ، وعبد الرزاق (رقم ٢٠٨٧٧ ، ٢٠٨٧٨) ، والطبري في تفسيره (٢٧ / ١٠٥ ؛ ١٠٦) ، وابن طهمان (رقم ١٣٠) ، والطيالسي (رقم ٢٥٤٧) ، وأبو يعلى (رقم ٥٨٥٣) ، وعبد بن حميد (رقم ١٤٥٧ ـ منتخب) ، والدارمي (٢ / ٣٣٨) ، والبيهقي في البعث (رقم ٢٩٤ ، ٢٩٥ ، ٢٩٦) ، والبغوي في شرح السنة (رقم ٤٣٧٠) ، والخطيب في تاريخه (٩ / ٣٤٨) ، من طرق عن أبي هريرة رضي الله عنه.

وزاد نسبته في الدرّ (٦ / ١٥٧) لهناد وابن المنذر وابن مردويه عن أبي هريرة.

وله شاهد من حديث أنس وأبي سعيد وسهل بن سعد وأسماء بنت أبي بكر وغيرهم رضي الله عنهم.

* وأما الحديث الثالث : فقد أخرجه الترمذي في جامعه (رقم ٣٠١٣) وصححه ، والطبري في تفسيره (٤ / ١٣٣) ، والدارمي (٢ / ٣٣٢ ـ ٣٣٣) ، وابن أبي حاتم ـ كما في تفسير ابن كثير (١ / ٤٣٦) ـ ، والحاكم في المستدرك (٢ / ٢٩٩) وصححه على شرط مسلم وأقره الذهبي ، كلهم من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة ـ به ، وفيه ذكر الآية.

أخرجه البخاري في صحيحه : (رقم ٢٧٩٣ ، ٣٢٥٣) ، وأحمد (٢ / ٣١٥ ، ٤٨٢ ، ٤٨٣) ، وأبو يعلى (رقم ٦٣١٦) ، وعبد الرزاق في الجامع (رقم

٣٥٠

__________________

٢٠٨٨٥) ، والبيهقي في البعث والنشور (رقم ٤٣٢) ، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم وفضله» (٢ / ١٧) ، وبحشل في «تاريخ واسط» (ص ١٧٨) ، والبغوي في شرح السنة (رقم ٤٣٧٠) ، من طرق عن أبي هريرة ـ به ، بألفاظ متقاربة.

وزاد السيوطي نسبته في الدرّ (٢ / ١٠٧) لعبد بن حميد وابن أبي شيبة وهناد وابن حبان عن أبي هريرة.

وله شاهد من حديث سهل بن سعد ـ دون ذكر الآية ـ وقد أخرجه البخاري في صحيحه (رقم ٢٧٩٤) ، وغيره.

وأخرجه ابن مردويه ـ كما في تفسير ابن كثير (١ / ٤٣٦) ـ حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم حدثنا محمد بن يحيى أنبأنا حميد بن مسعدة أنبأنا عمر بن علي عن أبي حازم عن سهل بن سعد ـ به ، وفيه ثم تلا هذه الآية.

وقد عزاه الحافظ ابن كثير في حديث أبي هريرة ـ كما في ظاهر سياق كلامه ـ للصحيحين ، ولم أره في مسلم ، والله أعلم.

وفي الباب عن أنس بن مالك وغيره دون ذكر الآية.

قوله «سوط» : السوط هو خلط الشيء ببعضه ، وسمي السوط سوطا لأنه إذا سيط به إنسان أو دابة خلط الدم باللحم ، فالسوط هو الذي يجلد به ، أو خشبة يحرّك بها ما في القدر ليختلط ، وانظر النهاية ولسان العرب.

* * *

٣٥١

[٧٥] قوله تعالى :

(لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا) [١٨٨]

[١٠٦] ـ أنا الحسن بن محمّد ، نا حجّاج قال ابن جريج : أنا.

وأنا يوسف بن سعيد ، نا حجّاج ، عن ابن جريج قال : أخبرني ابن أبي مليكة ، أنّ حميد بن عبد الرّحمن بن عوف أخبره ، أن مروان قال : اذهب يا رافع ـ لبوّابه ـ إلى ابن عبّاس : فقل : لئن كان كلّ امرئ منّا فرح بما أتى وأحبّ أن يحمد بما يفعل معذّبا لنعذّبنّ أجمعون ،

__________________

(١٠٦) ـ * أخرجه البخاري في صحيحه : (رقم ٤٥٦٨) كتاب التفسير ، باب «لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا».

* وأخرجه مسلم في صحيحه : (رقم ٢٧٧٨ / ٨) كتاب صفات المنافقين وأحكامهم.

* وأخرجه الترمذي في جامعه : (رقم ٣٠١٤) كتاب تفسير القرآن ، باب «ومن سورة آل عمران» وقال : «حديث حسن صحيح غريب» ، من طرق عن حجاج بن محمد المصيصي عن ابن جريج ـ به ، وانظر تحفة الأشراف (رقم ٥٤١٤).

وقد اختلف على ابن جريج فرواه تارة عن علقمة بن وقاص ، وتارة عن حميد بن عبد الرحمن.

وأخرجه أيضا أحمد (١ / ٢٩٨) ، وعبد الرزاق في تفسيره (ص ١٢٩) ، والطبري في تفسيره (٤ / ١٣٨) ، والطبراني في الكبير (رقم ١٠٧٣٠) ، والحاكم في المستدرك (٢ / ٢٩٩) وصححه وأقره الذهبي ، والبغوي في تفسيره ـ

٣٥٢

فقال ابن عبّاس : ما لكم ولهذه الآية؟ إنّما نزلت هذه في أهل / الكتاب ثمّ تلا ابن عبّاس (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ) [آل عمران : ١٨٧] وتلا ابن عبّاس ولا تحسبنّ الّذين يفرحون بما أتوا ويحبّون أن يحمدوا بما لم يفعلوا قال ابن عبّاس : سألهم النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن شيء فكتموه ، وأخبروه بغيره ، فخرجوا ، وفرحوا أنّهم أخبروه بما سألهم عنه ، واستحمدوا بذلك إليه ، وفرحوا بما أتوا من كتمانهم إيّاه ما سألهم عنه.

__________________

ـ (١ / ٣٨٤) ، والواحدي في الأسباب (ص ١٠٢ ـ ١٠٣) ، كلهم من طريق ابن جريج ـ به.

وزاد نسبته في الدرّ (٢ / ١٠٨) لابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب من طريق حميد بن عبد الرحمن بن عوف ـ به.

وزاد ابن كثير في تفسيره (١ / ٤٣٧) نسبته لابن خزيمة وابن مردويه كلاهما من حديث ابن جريج ـ به.

وقد أجاب الحافظ في الفتح (٨ / ٢٣٤) عن الاختلاف على ابن جريج ، وكذا تكلم عن جهالة حال رافع ، فليطالع ففيه فوائد.

وقد ورد سبب آخر في نزول هذه الآية ، وهو ما أخرجه البخاري في صحيحه : (رقم ٤٥٦٧) ، ومسلم في صحيحه (٢٧٧٧ / ٧) ، وغيرهما من حديث أبي سعيد رضي الله عنه : «إن رجالا من المنافقين على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان إذا خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى الغزو وتخلفوا عنه وفرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله ، فإذا قدم رسول الله اعتذروا إليه وحلفوا ، وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا ، فنزلت «لا تحسبن الذين يفرحون ...».

فيحتمل أن تكون الآية نزلت فيهما جميعا ، وإلّا فحديث أبي سعيد أرجح لأن حديث ابن عباس مما انتقد على الشيخين ، والله أعلم. ـ

٣٥٣

[٧٦] قوله تعالى :

(إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [١٩٠]

[١٠٧] ـ أنا قتيبة بن سعيد ، عن مالك ، عن مخرمة بن سليمان ، عن كريب مولى ابن عبّاس ،

أنّ ابن عبّاس أخبره ، أنّه بات ليلة عند ميمونة زوج النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وهي خالته ـ فاضطجعت في عرض الوسادة ، واضطجع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأهله في طولها ، فنام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتّى إذا انتصف اللّيل ، أو قبله بقليل ، أو بعده بقليل استيقظ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يمسح النّوم عن

__________________

ـ وقال ابن كثير (١ / ٤٣٨) بعد ذكره لبعض أقوال : «ولا منافاة بين ما ذكره ابن عباس وما قاله هؤلاء ، لأن الآية عامة في جميع ما ذكر ، والله أعلم» أ. ه.

(١٠٧) ـ * أخرجه البخاري في صحيحه : (رقم ١٨٣) كتاب الوضوء ، باب «قراءة القرآن بعد الحدث» وغيره و (رقم ٦٩٨) كتاب الأذان ، باب إذا قام الرجل عن يسار الإمام فحوّله الإمام إلى يمينه لم تفسد صلاتهما و (رقم ٩٩٢) كتاب الوتر ، باب ما جاء في الوتر و (رقم ١١٩٨) كتاب العمل في الصلاة ، باب استعانة اليد في الصلاة إذا كان من أمر الصلاة و (رقم ٤٥٧٠) كتاب التفسير ، باب «الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض» الآية و (رقم ٤٥٧١) باب «ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته وما للظالمين من أنصار» و (رقم ٤٥٧٢) باب «ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان» الآية.

* وأخرجه مسلم في صحيحه : (رقم ٧٦٣ / ١٨٢ ، ١٨٣ ، ١٨٤ ، ١٨٥) كتاب صلاة المسافرين وقصرها ، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه. ـ

٣٥٤

وجهه ، ثمّ قرأ العشر الآيات الخواتم من سورة آل عمران ، ثمّ قام إلى شنّ معلّقة ، فتوضّأ منها وضوءه ، ثمّ قام يصلّي ، قال ابن عبّاس : فقمت ، فصنعت مثل ما صنع وذهبت فقمت إلى جنبه ، فوضع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يده اليمنى على رأسي وأخذ بأذني يفتلها ، فصلّى ركعتين ، ثمّ ركعتين ، ثمّ ركعتين ، ثمّ ركعتين ، ثمّ ركعتين ، ثمّ ركعتين ، ثمّ أوتر ، فاضطجع حتّى جاءه المؤذّن ، ثمّ قام فصلّى ركعتين ، ثمّ خرج فصلّى الصّبح ،

__________________

ـ * وأخرجه أبو داود في سننه : (رقم ١٣٦٤ ، ١٣٦٧) كتاب الصلاة ، باب في صلاة الليل.

* وأخرجه الترمذي في الشمائل : (رقم ٢٦٦) باب ما جاء في عبادة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وأخرجه المصنف في المجتبى : (رقم ٦٨٦) كتاب الأذان ، إيذان المؤذنين الأئمة بالصلاة و (رقم ١٦٢٠) كتاب قيام الليل وتطوع النهار ، باب ذكر ما يستفتح به القيام ، وفي الكبرى كتاب الصلاة ،

* وأخرجه ابن ماجه في سننه : (رقم ١٣٦٣) كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها ، باب ما جاء في كم يصلي بالليل ، كلهم من طريق مخرمة بن سليمان المدني ، عن كريب ـ به ، انظر تحفة الأشراف (٦٣٦٢).

وأخرجه أيضا مالك في الموطأ (١ / ١٢١ ـ ١٢٢) ، والبيهقي في سننه (٣ / ٩٥) ، والبغوي في تفسيره (١ / ٣٨٤ ـ ٣٨٥) وفي شرح السنة (رقم ٨٢٦) ، وغيرهم مختصرا ومطولا عن ابن عباس ـ به.

قوله «شنّ» : أي قربة.

٣٥٥

[١٠٨] ـ أنا عمرو بن منصور ، أنا يزيد بن مهران ، نا أبو بكر ابن عيّاش ، عن حميد ،

عن (١) أنس قال : لمّا جاء نعي النّجاشيّ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : خ خ صلّوا عليه قالوا : يا رسول الله ، نصلّي على عبد حبشيّ؟ فأنزل الله عزوجل (وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ ، وَما أُنْزِلَ / إِلَيْكُمْ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خاشِعِينَ) الآية [١٩٩ آل عمران].

__________________

(١) في الأصل «بن» وهو تحريف.

__________________

(١٠٨) ـ حسن أو صحيح * وقد تفرد به المصنف دون سائر أصحاب الكتب الستة ، وهذا الحديث لم يورده الحافظ المزي في تحفة الأشراف. وإسناده حسن إن شاء اللّه تعالى فشيخ المصنف هو أبو سعيد الحافظ النسائي وهو ثقة ثبت ، ويزيد بن مهران أبو خالد الأسدي الكوفي الخبّاز : صدوق ، وأبو بكر بن عياش فيه مقال وقال عنه الحافظ : ثقة عابد إلّا أنه لما كبر ساء حفظه وكتابه صحيح ، وقد تابعه غير واحد كما سيأتي إن شاء اللّه تعالى ، وحميد بن أبي حميد الطويل ثقة وهو مدلس وقد عنعن ، ولكنه هنا يروي عن أنس ، وقد قال ابن عدي : وأمّا ما ذكر عنه أنه لم يسمع من أنس إلّا مقدار ما ذكر ، وسمع الباقي من ثابت عنه ، فأكثر ما في بابه أن بعض ما رواه عن أنس يدلسه ، وقد سمعه من ثابت ، ولذا قال الحافظ العلائي : فعلى تقدير أن تكون أحاديث حميد مدلسة ، فقد تبين الواسطة فيها وهو ثقة.

وسيأتي ما يؤيد هذا القول ، وأما الجزء الأول من الحديث ـ دون الآية ـ فهو صحيح.

والحديث أخرجه البزار في مسنده (رقم ٨٣٢ ـ كشف) من طريقين عن ـ

٣٥٦

__________________

ـ عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان ، والمعتمر بن سليمان ، كلاهما عن حميد عن أنس ـ به.

ورواه الواحدي في «الأسباب» (ص ١٠٥) من طريق أبي هانئ الباهلي عن المعتمر عن حميد عن أنس ـ به.

وعزاه الحافظ في الإصابة (١ / ١٠٩) في ترجمة النجاشي ـ لابن شاهين والدارقطني في الأفراد من طريق معتمر بن سليمان عن حميد عن أنس.

وقال الدارقطني : «لا نعلم رواه غير أبي هانئ أحمد بن بكّار عن معتمر». قلت : وهو شيخ البزّار في أحد الطريقين ، وقد ذكره ابن حبان في الثقات (٨ / ٢٣) وقال : «مستقيم الحديث» ، وقال أحمد بن الحسين الصوفي الصغير : «وكان سيد أهل البصرة» ، وقال الحافظ : «صدوق» ، وباقي رجال الإسناد ثقات. أمّا عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان فهو : صدوق يخطئ وتغير بأخرة كما قال الحافظ ابن حجر.

وقال الحافظ ابن كثير (١ / ٤٤٤) : «رواه ابن مردويه من طرق عن حميد عن أنس ...».

وللحديث طريق آخر : فقد رواه الطبراني في الأوسط (رقم ٢٦٨٨) حدثنا إبراهيم حدثنا أبي حدثنا مؤمل بن إسماعيل قال حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن أنس نحوه وفيه فنزلت «وإن من أهل الكتاب ...» الآية ، وقال الطبراني : «لم يرو هذا الحديث عن حماد إلّا مؤمّل».

رواه ابن أبي حاتم وابن مردويه ـ كما في تفسير ابن كثير ـ من حديث حماد عن ثابت عن أنس. والحديث ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (٣ / ٣٨) : «رواه البزار والطبراني في الأوسط ورجال الطبراني ثقات». قلت : في إسناده (مؤمل بن إسماعيل) وهو صدوق سيئ الحفظ ، وباقي رجاله ثقات ، وشيخ الطبراني هو : إبراهيم بن أحمد بن عمر الوكيعي ، فالإسناد فيه ضعف ويصلح للشواهد. ـ

٣٥٧

__________________

ـ ورواه المصنف (رقم ١٠٩) عن عمرو بن منصور النسائي بسنده عن الحسن مرسلا ، ورواه عبد بن حميد وابن أبي حاتم من طريق حماد عن ثابت عن الحسن مرسلا.

فيحتمل أن ثابتا رواه على الوجهين : عن أنس ، وعن الحسن مرسلا ، ويحتمل أيضا أن حميدا أخذه عنه على الوجهين ثم دلّسه ، والله أعلم.

وزاد السيوطي نسبته في الدرّ (٢ / ١١٣) لابن المنذر عن أنس.

وللحديث شواهد منها :

* ما أخرجه الطبراني في الكبير (ج ٢٢ / رقم ٣٦١) من طريق وحشي بن حرب بن وحشي بن حرب عن أبيه عن جده ، وذكره الهيثمي في المجمع (٣ / ٣٩) وقال : «... وفيه سليمان بن أبي داود الحراني وهو ضعيف» ، قلت : وفي إسناده أيضا حرب بن وحشي بن حرب وابنه ، وقد ذكرهما ابن حبان في الثقات ، وقال البزار عن الأول (حرب) : «مجهول في الرواية معروف في النسب» ، أما الثاني (وحشي) فقال العجلي : «لا بأس به» ، وقال صالح بن محمد : «لا يشتغل به ولا بأبيه» ، وقد روى عنه جمع كما في التهذيب ، وقال الحافظ في التقريب عن الأول : «مقبول» ، وعن الثاني : «مستور».

* ما أخرجه الحاكم في مستدركه (٢ / ٣٠٠) وصححه وأقره الذهبي من حديث عبد الله بن الزبير ... وفيه أن الآية نزلت في النجاشي ، وليس فيه ذكر الصلاة ، وفي سنده مصعب بن ثابت وهو ليّن الحديث.

* ما أخرجه الطبراني في الأوسط ـ كما في الكافي الشافي للحافظ (رقم ٣٠٨) وأصله (تخريج الكشاف للزيلعي) ـ من طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد ... فذكر نحو حديثه وفيه ذكر الآية. وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (٣ / ٣٨ ـ ٣٩) وقال :

٣٥٨

[١٠٩] ـ أنا عمرو بن منصور ، نا يزيد بن مهران أبو خالد الخبّاز ، أنا أبو بكر بن عيّاش ، عن حميد ، عن الحسن مثله ،

* * *

__________________

ـ «رواه الطبراني في الأوسط وفيه عبد الرحمن بن أبي الزناد وهو ضعيف». كذا قال ، وصوابه عبد الرحمن بن زيد وهو ضعيف أيضا.

* وفي الباب : ما أخرجه الطبري في تفسيره (٤ / ١٤٦) ، وابن عدي في الكامل (٣ / ١١٧١) ، من طريق أبي بكر الهذلي عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن جابر نحو حديث الباب. وفي سنده ـ مع عنعنة قتادة ـ أبو بكر الهذلي سلمى وهو ضعيف إن لم يكن متروكا ، فقد ضعفه غير واحد من الأئمة وكذبه بعضهم ، وقال الحافظ في التقريب : «أخباري متروك الحديث» ، وقال في مختصر تخريج الكشاف : «ضعيف» ، وانظر ترجمته في الميزان (٤ / ٤٩٧) ، والكامل لابن عدي (٣ / ١١٦٧ ـ ١١٧٢) ، والتهذيب وغيرها.

وفي الباب أيضا عن قتادة ، وابن جريج مرسلا ، وانظر تفسير الطبري.

وجملة القول أن حديث الباب لا يقل عن رتبة الحسن ، أما مجرد صلاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم على النجاشي فهذا ثابت صحيح لا مرية فيه ، وهو مخرج في الصحيحين وغيرهما من طرق عن جمع من الصحابة.

(١٠٩) ـ انظر الحديث السابق (رقم ١٠٨) وهذا الطريق لم يورده الحافظ المزي ـ أيضا ـ في تحفة الأشراف ، حتى في المراسيل من التحفة.

٣٥٩

سورة النّساء

بسم الله الرّحمن الرّحيم

[٧٧] قوله جلّ ثناؤه :

(وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى) [٣]

[١١٠] ـ أنا أبو داود سليمان بن سيف ، نا يعقوب بن إبراهيم ، نا أبي ، عن صالح ، عن ابن شهاب قال : أخبرني عروة بن الزّبير أنّه ،

__________________

(١١٠) ـ * أخرجه البخاري في صحيحه : (رقم ٢٤٩٤) كتاب الشركة ، باب «شركة اليتيم وأهل الميراث» ، و (رقم ٤٥٧٤) كتاب التفسير ، باب «وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى».

* وأخرجه مسلم في صحيحه : (رقم ٣٠١٨ / ٦) كتاب التفسير كلاهما من طريق صالح بن كيسان عن الزهري عن عروة ـ به ، انظر تحفة الأشراف (١٦٤٩٣).

والحديث في تفسير عبد الرزاق (ص ٣٠) عن معمر عن الزهري عن عروة ـ به.

وأخرجه أيضا الطبري في تفسيره (٤ / ١٥٥) من طريقين عن الزهري عن عروة ـ به.

وأخرجه البغوي في تفسيره (١ / ٣٩٠) ، والواحدي في «الأسباب» (ص ١٠٦) ، والبيهقي في سننه (٧ / ١٤١ ـ ١٤٢) ، كلهم من طريق الزهري ـ به.

وزاد نسبته في الدرّ (٢ / ١١٨) لعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عروة أنه سأل عائشة ... فذكره.

٣٦٠