تفسير النسائي - ج ١

أبي عبدالرحمن ابن شعيب بن علي النسائي

تفسير النسائي - ج ١

المؤلف:

أبي عبدالرحمن ابن شعيب بن علي النسائي


المحقق: صبري بن عبدالخالق الشافعي وسيّد بن عبّاس الجليمي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الكتب الثقافية
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٨٧
الجزء ١ الجزء ٢

[٢٦] قوله تعالى :

(فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) [١٨٥]

[٤٠] ـ أنا عليّ بن محمّد بن عليّ ، نا خلف بن تميم ، عن بشير أبي إسماعيل ، حدّثني خيثمة ،

عن أنس بن مالك في صوم رمضان في السّفر ، قلت : فأين هذه الآية (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) قال : إنّها نزلت يوم نزلت ـ يعني على النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ونحن نرتحل جياعا ، وننزل على غير شبع ، واليوم نرتحل شباعا ، وننزل على شبع.

__________________

ـ وكذا ردّ ابن الجوزي هذه القراءة ، فقال في النواسخ (ص ١٧٧) : هذه القراءة لا يلتفت إليها لوجوه :

أحدها : أنها شاذة خارجة عما اجتمع عليه المشاهد فلا يعارض ما تثبت الحجة بنقله.

والثاني : أنها تخالف ظاهر الآية ، لأن الآية تقتضي الإطاقة لقوله «وأن تصوموا خير لكم» وهذه القراءة تقتضي نفيها.» ثم ذكر الوجه الثالث فليراجعه من شاء.

(٤٠) ـ إسناد ضعيف* تفرد به المصنف انظر تحفة الأشراف (رقم ٨٢٧). وفي سنده ضعف لحال خيثمة ، وهو ابن أبي خيثمة البصري ، قال عنه ابن معين في تاريخه (٢ / ١٥٠) : «ليس بشيء» ، وذكره العقيلي وغيره في الضعفاء ، وذكره ابن حبان في الثقات (٤ / ٢١٤) ، وقال عنه الحافظ في التقريب : «ليّن الحديث» ، وباقي رجاله ثقات ، وبشير هو ابن سليمان.

والحديث أخرجه الطبري في تفسيره (٢ / ٨٩) من طريق عبيد الله ووكيع ـ فرقهما ـ ، وعلقه البخاري في تاريخه () عن أبي نعيم ، ثلاثتهم عن بشير ـ به.

٢٢١

[٢٧] قوله تعالى :

(وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) [١٨٧]

[٤١] ـ قال : أنا عليّ بن حجر ، أنا جرير ، عن مطرّف ، عن الشّعبيّ / ،

عن عديّ بن حاتم أنّه سأل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن قوله (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ) قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الخيط الأبيض من الخيط الأسود ، هذا هو سواد اللّيل وبياض النّهار».

__________________

ـ وزاد السيوطي نسبته في الدرّ المنثور (١ / ١٩١) لعبد بن حميد عن خيثمة عن أنس ـ به.

(٤١) ـ * أخرجه البخاري في صحيحه : (رقم ٤٥١٠) كتاب التفسير ، باب «وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ ... ـ إلى قوله ـ تتقون» * وأخرجه المصنف في المجتبى : (رقم ٢١٦٩) كتاب الصيام ، تأويل قول الله تعالى : (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) ، كلاهما من طرق مطرّف بن طريف عن عامر بن شراحيل الشعبي ـ به ، انظر تحفة الأشراف (رقم ٩٨٦٩).

وأخرجه البخاري (رقم ١٩١٦) ، ومسلم (١٠٩٠ / ٣٣) ، وأبو داود (رقم ٢٣٤٩) ، والترمذي (رقم ٢٩٧٠ ، ٢٩٧١) وصححه ، وأحمد (٤ / ٣٧٧) ، والطبري (٢ / ١٠٠) ، وابن خزيمة في صحيحه (رقم ١٩٢٥ ، ١٩٢٦) ، والدارمي (٢ / ٥ ـ ٦) ، والحميدي (رقم ٩١٦) ، وابن أبي شيبة ـ

٢٢٢

__________________

في مصنفه (٣ / ٢٨) ، والطبراني في الكبير (رقم ١٧٢ ـ ١٧٩) ، والبيهقي في سننه (٤ / ٢١٥) ، والبغوي في تفسيره (١ / ١٥٨) ، وغيرهم من طريق عن عامر بن شراحيل الشعبي عن عدي بن حاتم رضي الله عنه ، وفي لفظ مسلم : لما نزلت (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ) .. الآية) قال عدي : «يا رسول الله! إني أجعل تحت وسادتي عقالين : عقالا أبيض وعقالا أسود ، أعرف الليل من النهار. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : [إن وسادتك لعريض ، إنما هو سواد الليل وبياض النهار] ، وفي رواية للبخاري (رقم ٤٥١٠) وغيره ، قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنك لعريض القفا إن أبصرت الخيطين ..» ، وقد اختلف العلماء في معنى ذلك على أقوال ، وأجودها عندي ما قاله القرطبي : «وإنما عنى والله أعلم أن وسادك إن كان يغطي الخيطين اللذين أراد الله فهو إذا عريض واسع ولهذا قال في إثر ذلك سواد الليل وبياض النهار ، فكأنه قال : فكيف يدخلان تحت وسادتك؟ وقوله (إنك لعريض القفا) أي أن الوساد الذي يغطي الليل والنهار لا يرقد عليه إلا قفا عريض للمناسبة.» ، وانظر معالم السنن والأعلام للخطابي ، وفتح الباري للحافظ.

[فائدة] قوله : «لما نزلت ... الآية» ظاهره أن عدي بن حاتم كان حاضرا لما نزلت هذه الآية ، وهو يقتضي تقدم إسلامه ، قال الحافظ في الفتح (٤ / ١٣٢) : «وليس كذلك لأن نزول فرض الصوم كان متقدما في أوائل الهجرة ، وإسلام عدي كان في التاسعة أو العاشرة كما ذكره ابن إسحاق وغيره من أهل المغازي ، فإمّا أن يقال : إن الآية التي في حديث الباب تأخر نزولها عن نزول فرض الصوم وهو بعيد جدا ، وإمّا أن يؤول قول عدي هذا على المراد بقوله «لما نزلت» أي لما تليت عليّ عند إسلامي ، أو لما بلغني نزول الآية أو في السياق حذف تقديره : لما نزلت الآية ثم قدمت فأسلمت وتعلمت الشرائع عمدت ...» أ. ه.

٢٢٣

[٤٢] ـ أنا أبو بكر بن إسحاق ، نا سعيد بن أبي مريم ، أنا أبو غسّان ، حدّثني أبو حازم ،

عن سهل بن سعد قال : نزلت هذه الآية (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ) ولم ينزل (مِنَ الْفَجْرِ) فكان رجال إذا أرادوا الصّوم ربط أحدهم في رجله الخيط الأبيض ، والخيط الأسود ، ولا يزال يأكل ويشرب حتّى يتبين له رؤيتهما ، فأنزل الله تبارك وتعالى بعد ذلك (مِنَ الْفَجْرِ) فعلموا أنّما يعني بذلك اللّيل والنّهار.

__________________

(٤٢) ـ * أخرجه البخاري في صحيحه : (رقم ١٩١٧) كتاب الصوم ، باب قول الله تعالى : «وَكُلُوا وَاشْرَبُوا ... إلى قوله ـ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ» و (رقم ٤٥١١) كتاب التفسير ، باب «وَكُلُوا وَاشْرَبُوا ... إلى قوله ـ يَتَّقُونَ». * وأخرجه مسلم في صحيحه : (رقم ١٠٩١ / ٣٥) كتاب الصيام ، باب بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر وأن له الأكل وغيره حتى يطلع الفجر ... ، كلاهما من طريق أبي غسان محمد بن مطرّف المدني عن أبي حازم ـ به ، وانظر تحفة الأشراف (رقم ٤٧٥٠).

وأخرجه أيضا ابن جرير الطبري في تفسيره (٢ / ١٠٠) ، والطبري في الكبير (رقم ٥٧٩١) ، والبيهقي في سننه (٤ / ٢١٥) ، والبغوي في تفسيره (١ / ١٥٨) ، والواحدي في الأسباب (ص ٣٥ ـ ٣٦) ، وغيرهم كلاهما من طريق أبي غسان عن أبي حازم ـ به.

وزاد نسبته في الدر المنثور (١ / ١٩٩) لابن المنذر وابن أبي حاتم عن سهل بن سعد الساعدي.

٢٢٤

[٤٣] ـ أنا هلال بن العلاء ، نا حسين بن عيّاش ، نا زهير ، نا أبو إسحاق ،

عن البراء بن عازب ، أنّ أحدهم كان إذا نام قبل أن يتعشّى ، لم يحلّ له أن يأكل شيئا ولا يشرب ليلته ويومه من الغد حتّى تغرب الشّمس ، حتّى نزلت هذه الآية (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا) إلى (الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ) وأنزلت في أبي قيس بن عمرو ، أتى أهله وهو صائم بعد المغرب ، فقال : هل من شيء ، فقالت امرأته : ما عندنا شيء ، ولكن أخرج ألتمس لك عشاء ، فخرجت ، ووضع رأسه فنام ، فرجعت إليه فوجدته نائما ، وأيقظته فلم يطعم شيئا ، وبات صائما وأصبح صائما حتّى انتصف النّهار ، فغشي عليه ، وذلك قبل أن تنزل الآية ، فأنزل الله فيه.

__________________

(٤٣) ـ صحيح* أخرجه المصنف في المجتبى : (رقم ٢١٦٨) كتاب الصيام ، تأويل قول الله تعالى : («وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ). ، انظر تحفة الأشراف (١٨٤٣). ورجال إسناده ثقات وشيخ المصنف صدوق ، وزهير هو ابن معاوية الجعفى ، والحديث صحيح ، فقد صرح أبو إسحاق بالسماع عند البخاري (رقم ٤٥٠٨) وعند غيره ، وله ما يشهد لصحته.

وقد أخرجه البخاري في صحيحه (رقم ١٩١٥) ، وأبو داود (رقم ٢٣١٤) ، والترمذي (رقم ٢٩٦٨) وصححه ، وأحمد (٤ / ٢٩٥) ، والطبري في تفسيره (٢ / ٩٥ ـ ٩٦) ، والدارمي (٢ / ٥) ، والنحاس في ناسخه (ص ٢٩) ، والبيهقي في سننه (٤ / ٢٠١) ، وابن الجوزي في النواسخ (ص ١٦٧) ، ـ

٢٢٥

[٢٨] قوله تعالى :

(وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها) [١٨٩]

[٤٤] ـ أنا عليّ بن الحسين ، نا أميّة ، عن شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن البراء : كانت الأنصار إذا حجّت لم تدخل من أبوابها ، ودخلت من ظهورها ، فأنزل الله تبارك وتعالى (وَ)(١)(لَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ / مِنْ ظُهُورِها).

__________________

(١) سقطت الواو من الأصل.

__________________

ـ والواحدي في الأسباب (ص ٣٥) ، وغيرهم من طرق عن أبي إسحاق عن البراء نحوه.

وزاد السيوطي في الدرّ (١ / ١٩٧) نسبته لوكيع وعبد بن حميد وابن المنذر عن البراء.

وله شاهد من حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى عن معاذ بن جبل مطولا ، وعبد الرحمن لم يدرك معاذا ، وقد أخرجه أحمد (٥ / ٢٤٦ ـ ٢٤٧) ، وأبو داود (رقم ٥٠٧) ، والطبري في تفسيره (٢ / ٩٥) ، والطبراني في الكبير (ج ٢٠ / رقم ٢٧٠) ، والحاكم (٢ / ٢٧٤) وصححه وأقراه الذهبي ، والبيهقي في سننه (٤ / ٢٠٠) ، وغيرهم. وزاد السيوطي نسبته في الدرّ (١ / ١٧٥ ـ ١٧٦) لابن المنذر وابن أبي حاتم عن معاذ بن جبل. وفي الباب عن أبي هريرة ، وابن عباس ، وغيرهما ، وانظر الدرّ المنثور ، وتفسير الطبري.

[فائدة] : أبو قيس بن عمرو ـ صاحب القصة ـ المذكر وفي متن الحديث ، قد اختلفت الروايات في اسمه اختلافا كبيرا ، وقد رجح الحافظ في الفتح (٤ / ١٣٠) أنه : أبو قيس حرمة بن أبي أنس قيس بن مالك بن عدي ....

(٤٤) ـ * أخرجه البخاري في صحيحه : (رقم ١٨٠٣) كتاب العمرة ، باب ـ

٢٢٦

[٤٥] ـ أنا محمّد بن حاتم بن نعيم ، أنا حبّان ، أنا عبد الله ، عن شريك ، عن أبي إسحاق ،

عن البراء في قوله (وَ) (*) (لَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها) قال : كان ناس من أهل الجاهلية إذا أحرموا ، لم يدخلوا البيوت من أبوابها ، ودخلوها من ظهورها من الحيطان ، فأنزل الله جلّ ثناؤه (وَ) (*) (لَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها ، وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها).

__________________

(*) سقطت الواو من الأصل.

__________________

ـ قول اللّه تعالى : (وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها).

* وأخرجه مسلم في صحيحه : (رقم ٣٠٢٦ / ٢٣) كتاب التفسير.

* وأخرجه المصنف في سننه الكبرى : كتاب الحج ، من طرق عن شعبة بن الحجاج عن أبي إسحاق ـ به ، وانظر تحفة الأشراف (رقم ١٨٧٤). ورواية شعبة عن أبي إسحاق ـ كفى بها ـ فهو قديم السماع منه ، ولا يحدث إلا بما صرح فيه بالسماع ، وقد صرح به في الصحيحين وغيرهما.

وأخرجه أيضا الطبري في تفسيره (٢ / ١٠٨) ، والطيالسي (رقم ٧١٧) ، وأبو يعلى (رقم ١٧٣٢) وغيرهم ، كلهم من طريق شعبة عن أبي إسحاق ـ به.

وأخرجه أيضا الطبري في تفسيره (١ / ٢٠٤) لوكيع ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن البراء وسيأتي (رقم ٤٥) من وجه آخر عن أبي إسحاق.

(٤٥) ـ صحيح * تفرد به المصنف ، انظر تحفة الأشراف (١٨٦٦). ورجال ـ

٢٢٧

__________________

إسناده ثقات ، غير شريك بن عبد الله القاضي فهو ضعيف لكن لا بأس به الشواهد ، والحديث صحيح فقد جاء من طريق شعبة كما سبق (رقم ٤٤).

وقد أخرجه البخاري في صحيحه (رقم ٤٥١٢) ، وابن جرير (٢ / ١٠٨) ، وغيرهما من طريق إسرائيل عن أبي إسحاق ـ به.

وزاد نسبته في الدرّ (١ / ٢٠٤) لوكيع البراء ـ به.

وله شاهد : أخرجه الحاكم في مستدركه (١ / ٤٨٣) ، والواحدي في الأسباب (ص ٣٧) ، من طريق الأعمش عن أبي سفيان عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : كانت قريش يدعون الحمس ، وكانوا يدخلون من الأبواب في الإحرام ، وكانت الأنصار وسائر العرب لا يدخلون من الأبواب في الإحرام ، فبينما رسوا الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في بستان فخرج من بابه وخرج معه قطبة بن عامر الأنصاري ، فقالوا : يا رسول الله ، إن قطبة بن عامر رجل فاجر ، إنه خرج معك من الباب ، فقال : «ما حملك على ذلك». قال رأيتك فعلت ، ففعلت كما فعلت ، فقال : «إني أحمسي ، قال إن ديني دينك ، فأنزل الله عزوجل (لَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها ...) الآية ، وقال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذه الزيادة ، وأقره الذهبي في التلخيص ، وإنما هو صحيح فقط ، لأن فيه الحوص بن جوّاب وهو صدوق ربما وهم ، وعمار بن رزيق ـ لا بأس به ـ وهما من رجال مسلم ، وقد توبعا كما عند الواحدي.

وزاد السيوطي في الدرّ المنثور (١ / ٢٠٤) نسبته لابن أبي حاتم عن جابر ، وله شواهد أخرى وانظر الدرّ.

٢٢٨

[٢٩] قوله جلّ ثناؤه :

(وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ) [١٩٣]

[٤٦] ـ [أنا](١) عمرو بن عليّ ، عن عبد الرّحمن بن مهديّ ، عن خالد بن عبد الله ، عن بيان ، عن وبرة ، عن سعيد بن جبير قال :

خرج إلينا ابن عمر ، ونحن نرجوا أن يحدّثنا حديثا عجيبا ، فبدر إليه رجل بالمسألة فقال : يا أبا عبد الرّحمن ، ما يمنعك من القتال ، والله تعالى يقول (وَقاتِلُوهُمْ)(٢)(حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ)

قال : ثكلتك أمّك ، أتدري ما الفتنة؟ إنّما كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقاتل المشركين ، وكان الدّخول في دينهم فتنة ، وليس يقاتلهم على الملك.

__________________

(١) سقطت من الأصل ، واستدركناها من تحفة الأشراف. واستقراء صنيع المصنف.

(٢) في الأصل : «قاتلوهم» بدون الواو.

__________________

(٤٦) ـ * أخرجه البخاري في صحيحه : (رقم ٤٦٥١) كتاب التفسير ، باب وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ و (رقم ٧٠٩٥) كتاب الفتن ، باب قول النبي صلّى اللّه عليه وسلّم الفتنة من المشرف ، وسيأتي (رقم ٢٢٧) ، من طريق زهير وخالد كلاهما عن بيان عن وبرة عن سعيد ـ به ، انظر تحفة الأشراف (رقم ٧٠٥٩).

وعزاه في الدرّ (١ / ٢٠٥ ـ ٢٠٦) لأبي الشيخ وابن مردويه عن ابن عمر ـ به ، وفاته العز وللنسائي. وله طرق أخرى عن ابن عمر مختصرا ومطولا.

٢٢٩

[٣٠] قوله تعالى :

(وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) [١٩٥]

[٤٧] ـ أنا محمّد بن حاتم بن نعيم ، أنا حبّان ، أنا عبد الله ، عن زائدة ، عن الرّكين بن الرّبيع ، عن الرّبيع بن عميلة ، عن يسير بن عميلة ،

عن خريم بن فاتك الأسديّ ، عن النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من أنفق نفقة في سبيل الله ، كتب له بسبع (١) مائة ضعف».

__________________

(١) في الأصل «تسع» بمثناة من فوق ، وهو تصحيف ، والصواب ما أثبتناه كما في تحفة الأشراف وباقي الروايات.

__________________

(٤٧) ـ صحيح * أخرجه الترمذي في جامعه (رقم ١٦٢٥) : كتاب فضائل الجهاد ، باب ما جاء في فضل النفقة في سبيل اللّه ؛ من طريق زائدة بن قدامة ، وأخرجه في المجتبى (رقم ٣١٨٦) : كتاب الجهاد ، باب فضل النفقة في سبيل اللّه تعالى ؛ من طريق سفيان الثوري ، كلاهما عن الركين بن الربيع بن عميلة عن أبيه الربيع بن عميلة عن عمّه يسير بن عميلة عن خريم بن فاتك رضي اللّه عنه ، وانظر تحفة الأشراف (رقم ٣٥٢٦). وقال الترمذي : وهذا حديث حسن ، قلت : ورجاله ثقات معروفون غير يسير (وسيأتي المقال فيه) ، وحبان هو ابن موسى ، وعبد اللّه هو ابن المبارك ، والصحابي هو خريم بن الأخرم بن شدّاد بن عمرو بن فاتك أبو يحيى الأسدي ـ نسب لحدّ جدّه ، وقد شهد الحديبية رضي اللّه تعالى عنه ، ومات بالرّقة في خلافة معاوية رضي اللّه عنه.

أمّا يسير بن عميلة فقد وثقه ابن حبان كما في ثقاته (٥ / ٥٥٧ ـ ٥٥٨) ، وقال العجلي في الثقات (٢ / ٣٧٢) : كوفي تابعي ثقة ، وكان حسين الجعفي

٢٣٠

__________________

يقول : نسير». قلت : والعجلي وابن حبان متساهلان في التوثيق ولدا لم يعتمد الذهبي قولهما فقال في الميزان (٤ / ٤٤٧) في ترجمته : «لا يعرف» ، ومع ذلك قال الحافظ في التقريب عنه : «ثقة». وأقول : إن الإسناد حسن في الشواهد ، وللحديث شواهد يصح بها ، وسيأتي إن شاء الله بيان الاختلاف على الركين بن الربيع في إسناده ، كما أشار إلى ذلك الحافظ المزي في تحفة الأشراف ، والهيثمي في المجمع. وقد وقع في التفسير ابن كثير ـ المطبوع ـ تحريف في إسناد هذا الحديث فذكره هكذا من رواية الإمام أحمد : ... عن زائدة عن الدكين عن بشر بن عميلة عن حريم بن وائل ... فذكر الحديث وهو تحريف ظاهر ، فليصلح هناك (١ / ٣١٨) عند تفسير الآية (٢٦١) من سورة البقرة.

والحديث أخرجه الإمام أحمد (٤ / ٣٢١ ـ ٣٢٢ ، ٣٤٥ ـ ٣٤٦) من طريق المسعودي وشيبان بن عبد الرحمن النحوي وزائدة ـ فرّقهم ـ ، وابن أبي شيبة في المصنف (٥ / ٣١٨) من طريق زائدة ، والطبراني في الكبير (من رقم ٤١٥١ ـ ١٤٥٥) من طريق مسلمة بن إسحاق وعمرو بن قيس الملائي وشيبان وسفيان وزائدة ـ فرّقهم ـ ، وابن حبان في صحيحه [(رقم ٣١ ، ١٦٤٧ ـ موارد) ، (٧ / ٧٩ ـ الإحسان)] من طريق شيبان وزائدة ـ فرّقهما ـ ، والحاكم في مستدركه (٢ / ٨٧) من طريقين عن معاوية بن عمرو عن زائدة ومسلمة بن جعفر ـ فرّقهما ـ ، كلهم عن الركين بن الربيع بن عميلة نسنده عن خريم بن فاتك مرفوعا مطولا ومختصرا ، وزاد السيوطي في الدرّ المنثور (١ / ٣٣٦) نسبته للبيهقي في الشعب.

وصححه الحاكم وأقرّه الذهبي في الطريق الأول (مع أن في سنده يسير بن عملية الذي سبق قوله فيه : لا يعرف!!) ، وقال الذهبي عن طريق الحاكم الثانية : «ومسلمة تعبت عليه فلم أعرفه» ، وذكره الهيثمي في الزوائد (١ / ٢١) مطولا وقال : «رواه أحمد والطبري في الكبير والأوسط ، ورجال أحمد رجال الصحيح إلّا أنه قال : عن الركين بن الربيع عن رجل عن خريم ، وقال الطبري : عن الركين بن

٢٣١

__________________

الربيع عن أبيه عن عمه يسير بن عملية ورجله ثقات».

وقد أشار المزي أيضا إلى الاختلاف في إسناده ، وسنذكر ذلك إن شاء الله تعالى مع ترجيح الرواية المحفوظة :

* أمّا سفيان الثوري وشيبان بن عبد الرحمن النحوي فروياه عن الركين عن أبيه عن عمه عن خريم.

* وأما زائدة فقد اختلف عليه : فرواه عبد الله بن المبارك ومعاوية بن عمرو مثل رواية الثوري وشيبان ، ورواه الإمام أحمد عن حسين بن علي الجعفي عن زائدة عن الركين عن عمه عن خريم ـ بإسقاط أبيه ـ وخالفه أبو بكر بن أبي شيبة فرواه عن حسين بن علي عن زائدة عن الركين عن أبيه عن عمه ـ به ، على الصواب.

* وأمّا المسعودي وعمرو بن قيس فرواه كل منهما عن الركين عن أبيه عن خريم ، بإسقاط عمّه ، وكلا الطريقين فيه ضعف وبيانه : أنّ المسعودي (عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة) اختلط ، وهذا الحديث رواه عنه يزيد بن هارون وأبو النضر هاشم وكلاهما روى عنه بعد الاختلاط.

وأما عمرو بن قيس الملائي (وهو ثقته متقن) ففي الطريق إليه مهران بن أبي عمر العطار أبو عبد الله الرازي ، وقد وقع في المطبوع من الطبراني (ثنا مهران بن عبد الله الرازي) وهو خطأ وصوابه (مهران أبو عبد الله الرازي) فوقع فيها تحريف ، ومهران هذا وثقه ابن معين وأبو حاتم وابن حبان ، وقال الدارقطني : لا بأس به ، وفي رواية عن ابن معين قال : «وكان عنده غلط كثير في حديث سفيان» ، وقال البخاري : سمعت إبراهيم بن موسى يضعف مهران وقال : في حديثه اضطراب ، وقال عنه النسائي : «ليس بالقوي» ، وقال الحاكم أبو أحمد : «ليس بالمتين عندهم» ، وقال الساجي : «في حديثه اضطراب» ، وقال العقلي : «روى عن الثوري أحاديث لا يتابع عليها» ، وقد لخص الحافظ القول فيه ، فقال في التقريب : «صدوق له أوهام سيئ الحفظ». قلت : والراوي عنه : على بن سعيد بن بشير الرازي (شيخ الطبراني) فيه مقال ، وقال عنه الدارقطني : «ليس في حديثه

٢٣٢

__________________

بذاك» ، وهو حافظ جوّال رحال ، وانظر ترجمته في الميزان (٣ / ١٣١) ، ولسانه (٤ / ٢٣١) ، والمغني في الضعفاء (٢ / ٤٤٨) ، وسير أعلام النبلاء (١٤ / ١٤٥) وغيرها.

* وأمّا عمّار بن رزيق ـ كما في تحفة الأشراف ـ ومسلمة بن جعفر أو مسلمة بن إسحاق (وهما واحد كما سيأتي إن شاء الله تعالى) ، فروياه عن الركين عن عمّه يسير بن عملية عن خريم ، ولم يقولا «عن أبيه» ، وعمار بن رزيق ـ ثقة ـ لم أقف على روايته ، وقد وقع تصريح الركين بالسماع من عمّه في رواية الطبراني من طريق مسلمة بن إسحاق (ولا يعرف حاله)!.

وعندي أن مسلمة بن جعفر ، ومسلمة بن إسحاق ؛ رجل واحد وهو مسلمة بن جعفر بن إسحاق الكوفي ففي رواية الطبراني نسب لجده إسحاق ، والله أعلم ، وقد ترجمه في الميزان (٤ / ١٠٨) وجهّله ، ونقل عن الأزدي أنه قال : «ضعيف» وقد سبق قول الذهبي فيه في تلخيص المستدرك ، وقد ذكره ابن حبان في الثقات (٩ / ١٨٠) فقال : «مسلمة بن جعفر البجلي الأحمسي من أهل الكوفة ، وذكر أنه يروي عن الركين ، ومما يؤيد أنهما واحد ، أن الحافظ المزي ـ في ترجمة الركين ـ ذكر في الرواة عنه : مسلمة بن جعفر بن إسحاق ، وقد ترجمه أيضا البخاري في تاريخه (٤ / ١ / ٣٨٠) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا ، وكذا في الجرح والتعديل (٨ / ٢٦٧) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا ، وقد روى عنه جمع فارتفعت جهالة عينه ، وابن حبان معروف بتساهله في التوثيق.

* وجملة القول أن المحفوظ هو الطريق الأول (الركين عن أبيه عن عمه عن خريم) ، فاللذين رووه أكثر عددا وأوثق ممن رووه على غير هذا الوجه ، وما عداه إمّا شاذ أو ضعيف ، وعلى فرض صحة الطريق الأخير فيحمل على أن الركين سمعه من أبيه عن عمّه ، ثم سمعه عن عمّه مباشرة ـ والله أعلم ـ.

وللحديث شواهد منها :

* ما أخرجه مسلم في صحيحه (رقم ١٨٩٢) ، والنسائي في المجتبى (رقم

٢٣٣

__________________

٣١٧٨) ، وأحمد في مسنده (٤ / ١٢١ ، ٥ / ٢٧٤) ، والدارمي (٢ / ٢٠٣ ـ ٢٠٤) ، وأبو عوانة (٥ / ٦٣ ـ ٦٤) ، والطيالسي (رقم ٦١٠) ، والطبراني في الكبير (رقم ٦٣٣ ، ٦٣٤ ، ٦٣٥ / ج ١٧) ، والحاكم (٢ / ٩٠) وصححه وأقره الذهبي ، والبيهقي في سننه (٩ / ١٧٢) ، وغيرهم من حديث أبي مسعود الأنصاري قال : جاء رجل بناقة مخطومة ، فقال هذه في سبيل الله. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لك بها يوم القيامة سبعمائة ناقة كلها مخطومة».

* ما أخرجه البخاري في تاريخه (٢ / ١ / ٦٣) ، والبزار (رقم ١٦٦٤ ـ كشف) من حديث أنس مرفوعا : «النفقة في سبيل الله تضاعف بسبع مائة ضعف». وقال الهيثمي في المجمع (٥ / ٢٨٢) : «وفيه محمد بن أبي إسماعيل ، ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات». قلت : حرب بن زهير لم يوثقه غير ابن حبان ، ونحوه من حديث أنس أخرجه الطبراني في الأوسط كما في مجمع الزوائد (٣ / ٢٠٨) وفيه من لا يعرف كما قال الهيثمي.

* ما أخرجه أحمد (٥ / ٣٥٤ ـ ٣٥٥) ، والطبراني في الأوسط ـ مجمع الزوائد (٣ / ٢٠٨) ـ ، والبيهقي في سننه (٤ / ٣٣٢) ، وابن عدي في الكامل (٧ / ٢٥٥٣) ، وعزاه في الجامع للضياء ، من حديث بريدة مرفوعا : «النفقة في الحج كالنفقة في سبيل الله بسبعمائة ضعف» ، وقال الهيثمي : «وفيه أبو زهير ولم أجد من ذكره» قلت : ولعله حرب بن زهير في الحديث السابق (من حديث أنس) ، وقد اختلف على عطاء بن السائب في إسناده.

* ما أخرجه ابن ماجه (رقم ٢٧٦١) ، وابن أبي حاتم ـ الدرّ (١ / ٣٣٦) ـ من حديث علي وأبي الدرداء وأبي هريرة وأبي أمامة الباهلي وابن عمر ، وابن عمرو ، وجابر بن عبد الله ، وعمران بن الحصين كلهم مرفوعا : من أرسل بنفقة في سبيل الله وأقام في بيته ، فله بكل درهم سبعمائة درهم ...» وهو ضعيف.

* ما أخرجه أحمد (١ / ١٩٥ ، ١٩٦) ، وأبو يعلى (رقم ٨٧٨) ، والبزار (رقم ٧٦٣ ، ٧٦٤ ـ كشف) مختصرا ، والبخاري في تاريخه (٤ / ١ / ـ

٢٣٤

__________________

٢١) ، وابن أبي شيبة في المصنف (٥ / ٣٣٩) ، والطيالسي (رقم ٢٢٧) ، والدولابي في الكنى (١ / ١٢) ، والهيثمي بن كليب (رقم ٢٦٥) ، والحاكم في المستدرك (٣ / ٢٦٥) ، والبيهقي في سننه (٣ / ٣٧٤ ، ٩ / ١٧١) ، والبغوي في تفسيره (١ / ١٦٤) ، وغيرهم من حديث أبي عبيدة مرفوعا : «من أنفق نفقة فاضلة في سبيل الله فبسبعمائة ضعف ...» الحديث. وفيه قصة ، وذكره في كنز العمال (رقم ٤٣٥٥٣) وزاد نسبته لابن منيع والدارمي والشاشي وابن خزيمة وسعيد بن منصور والبيهقي في الشعب ، وعزاه لابن عساكر أيضا في الكنز (رقم ١٦٩٧٨) ، واقتصر السيوطي في الدرّ (١ / ٣٣٧) على عزوه لأحمد والبيهقي. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (٢ / ٣٠٠) : «وفيه يسار بن أبي سيف ولم أر من وثقه ولا جرحه ، وبقية رجاله ثقات». كذا قال! ، وقد تصحّف عليه الاسم ، وإنما هو «بشار بن أبي سيف الجرامي ، وذكره ابن حبان في الثقات (٦ / ١١٣) ، وروى عنه غير واحد ، وقال عنه الحافظ في التقريب : «مقبول» ، يعني عند المتابعة وإلّا فليّن الحديث. وقد روى النسائي في المجتبى (رقم ٢٢٣٣) فقرة من الحديث قلت : وفي إسناده (غضيف بن الحارث) الراوي عن أبي عبيدة ، وقد اختلف في صحبته ، وقال ابن حبان : «من قال (الحارث بن غضيف) وهم» ، ومنهم من فرق بين غضيف بن الحارث فثبت صحبته ، وغطيف بن الحارث (بالطاء المهملة) فقال إنه تابعي وهو أشبه ، وقد وقع تسمّيه ب (عياض بن غطيف) عند الأكثر ، وقال عنه الحافظ في التقريب : «آخر مخضرم مقبول» يعني عند المتابعة.

وقد روى النسائي في المجتبى (رقم ٢٢٣٣) وغيره شطرا منه مختصرا ، وهو : «الصوم جنة ما لم يخرقها» وفي الباب شواهد أخرى مرسلة وموصلة ، وفيما ذكرنا كفاية ، ويصح الحديث بأقل منها.

٢٣٥

[٣١] قوله تعالى :

(وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) [١٩٥]

[٤٨] ـ أنا عبيد (١) الله بن سعيد ، عن حديث أبي عاصم ، عن حيوة بن شريح قال : حدّثني يزيد بن أبي حبيب قال : حدّثني أسلم أبو عمران قال :

قال أبو أيّوب صاحب النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنّا لمّا أعزّ الله الإسلام / ، وكثّر ناصريه قال بعضنا لبعض سرّا بيننا : إنّ الله جلّ وعزّ أعزّ الإسلام وكثّر ناصريه ، فلو أقمنا في أموالنا ، وأصلحنا منها ، فأنزل الله جلّ وعزّ ، وردّ ذلك علينا (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ ، وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا ، إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) فكانت التّهلكة : الإقامة في أموالنا.

__________________

(١) في الأصل «عبد الله» وهو خطأ ، والتصحيح من تحفة الأشراف.

__________________

(٤٨) ـ صحيح * أخرجه أبو داود في سننه (رقم ٢٥١٢) : كتاب الجهاد ، باب في الجرأة والجبن ، من طريق حيوة بن شريح وابن لهيعة ، وأخرجه الترمذي في جامعه (رقم ٢٩٧٢) : كتاب تفسير القرآن ، باب ومن سورة البقرة ، من طريق حيوة وقال : حديث حسن صحيح غريب ، وسيأتي هنا (رقم ٤٩) من وجه آخر عن حيوة بأتم مما هنا ، كلاهما عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي عمران أسلم ـ به ، وانظر تحفة الأشراف (رقم ٣٤٥٢). وإسناده صحيح ، ورجاله ثقات كلهم ، أبو عاصم هو النبيل الضحاك بن مخلد ، وأسلم هو ابن يزيد التجيبي المصري ـ

٢٣٦

__________________

(لم يخرج له الشيخان) ، وأبو أيوب هو الصحابي الجليل خالد بن زيد الأنصاري رضي الله عنه وعن الصحابة أجمعين ، والحديث له حكم الرفع.

والحديث أخرجه أيضا الطبري في تفسيره (٢ / ١١٨ ـ ١١٩ ، ١١٩) من طريق حيوة وابن لهيعة ، والطيالسي (رقم ٥٩٩) من طريق حيوة ، والطبراني في الكبير (رقم ٤٠٦٠) مختصرا من طريق حيوة وابن لهيعة ، وابن حبان في صحيحه (رقم ١٦٦٧ ـ موارد) من طريق حيوة ، والحاكم في مستدركه (٢ / ٨٤ ، ٢٧٥) من طريقين عن حيوة ، والبيهقي في سننه (٩ / ٤٥) من طريق حيوة ، والواحدي في الأسباب (ص ٣٩) من طريق حيوة ، والثعلبي ـ كما في تخريج الكشاف ـ من طريق الليث بن سعد ، وابن عبد الحكم في فتوح مصر (ص ٢٦٩ ـ ٢٧٠) ـ كما قال الشيخ شاكر في تعليقه على الطبرى (٣ / ٥٩٢) ـ من طريقين عن الليث وحيوة (فرّقهما) ، ثلاثتهم (عبد الله بن لهيعة والليث وحيوة) عن يزيد بن أبي حبيب عن أسلم أبي عمران ـ به. وقال الحاكم : «صحيح على شرط الشيخين» وأقره الذهبي ، وإنما هو صحيح ، فلم يخرجا لأسلم كما سبق.

وزاد السيوطي نسبته في الدرّ المنثور (١ / ٢٠٧) لعبد بن حميد وأبي يعلى وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أسلم أبي عمران ـ به.

وزاد الزيلعي في تخريج أحاديث الكشاف ـ وتبعه الحافظ ابن حجر في مختصره (رقم ١٢٤) نسبته لأحمد وإسحاق.

وعزاه الحافظ ابن حجر في الفتح (٨ / ١٨٥) لمسلم ، وهو وهم أو سبق قلم.

وللحديث شواهد منها :

* ما أخرجه البخاري في صحيحه (رقم ٤٥١٦) ، والطبري (٢ / ١١٦) ، وسعيد بن منصور (رقم ٢٤٠٤) ، والبيهقي في سننه (٩ / ٤٥) ، وغيرهم من ـ

٢٣٧

[٤٩] ـ أنا محمّد بن حاتم ، أنا حبّان ، أنا عبد الله ، عن حيوة ، أخبرني يزيد بن أبي حبيب ، نا أسلم أبو عمران قال :

كنّا بالقسطنطنية (١) ، وعلى أهل مصر عقبة بن عامر ، وعلى أهل الشّام فضالة بن عبيد ، فخرج ، من المدينة صفّ عظيم من الرّوم ، وصففنا لهم صفا عظيما من المسلمين ، فحمل رجل من المسلمين على صفّ الرّوم حتّى دخل بهم ، ثمّ خرج إلينا مقبلا ، فصاح النّاس ، فقالوا : سبحان الله ، الفتى ألقى بيده إلى التّهلكة ،

__________________

(١) هكذا بالأصل بحذف ياء النسب ، وهو وجه صحيح ، والمشهور (القسطنطينية).

__________________

ـ حديث حذيفة في قوله عزّ وجل : وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ قال نزلت في النفقة ، وفي رواية : هو ترك النفقة في سبيل اللّه.

* ما أخرجه ابن جرير (٢ / ١١٧) ، والبيهقي (٩ / ٤٥) ، وعزاه في الدرّ (١ / ٢٠٧) لوكيع وعبد بن حميد والفريابي وابن المنذر عن ابن عباس (في هذه الآية) قال : ليس التهلكة أن يقتل الرجل في سبيل اللّه ولكن الإمساك عن النفقة في سبيل اللّه.

وفي الباب عن البراء (في إحدى روايتين عنه) وعمر بن الخطاب ، والضحاك بن أبي جبيرة ، وغيرهم وقد جاءت أسباب أخرى في نزول هذه الآية ما صح الخبر ، واللّه أعلم.

(٤٩) ـ سبق تخريجه (رقم ٤٨) ، وهو صحيح. ـ

٢٣٨

فقال أبو أيّوب صاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يا أيّها النّاس ، إنّكم تتأوّلون هذه الآية على هذا التّأويل ، وإنّما أنزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار لمّا أعزّ الله دينه ، وكثّر ناصريه ، قلنا بيننا بعضنا لبعض سرّا من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنّ أموالنا قد ضاعت ، فلو أنّا أقمنا فيها ، وأصلحنا ما ضاع منها ، فأنزل الله تبارك وتعالى في كتابه يردّ علينا ما هممنا به قال : (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ ، وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) فكانت التّهلكة : الإقامة الّتي أردنا أن نقيم في أموالنا فنصلحها ، فأمرنا بالغزو ، فما زال أبو أيّوب غازيا في سبيل الله حتّى قبض.

* * *

__________________

ـ وقد وقع في رواية الترمذي السابقة (رقم ٢٩٧٢) : «وعلى الجماعة فضاله بن عبيد» ، والصواب أنه على أهل الشام ، كما في باقي الرويات ، أمّا على الجماعة فكان (عبد الرحمن بن خالد بن الوليد).

٢٣٩

[٣٢] قوله تعالى :

(فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ) [١٩٦]

[٥٠] ـ أنا عمرو بن عليّ ، نا أزهر بن سعد ، عن ابن عون ، عن مجاهد ، عن ابن أبي ليلى ،

عن كعب / بن عجرة قال : فيّ أنزلت هذه الآية ، فأتيت (١) ، فقال : «ادن» فدنوت ، فقال : «أيؤذيك هوامّك؟» فأمرني بصيام ، أو صدقة ، أو نسك

قال ابن عون : ففسّره لي مجاهد ، فلم أحفظه

فسألت أيّوب ، فقال : الصّيام ثلاثة أيّام ، والصّدقة على ستّة مساكين ، والنّسك ما استيسر.

__________________

(١) هكذا بالأصل.

__________________

(٥٠) ـ * أخرجه البخاري في صحيحه : (رقم ١٨١٤) كتاب المحصر ، باب قول اللّه تعالى : فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً ـ إلى قوله ـ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ و (رقم ١٨١٥) باب قول اللّه تعالى : أَوْ صَدَقَةٍ و (رقم ١٨١٧ ، ١٨١٨) باب النسك شاة و (رقم ٤١٥٩ ، ٤١٩٠ ، ٤١٩١) كتاب المغازي ، باب غزوة الحديبية وقول اللّه تعالى : لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ و (رقم ٥٦٦٥) كتاب المرضى ، باب ما رخص للمريض أن يقول : إني وجع أو وا رأساه ... وقول أيوب عليه السّلام إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين ـ

٢٤٠