الوصائل إلى الرسائل - ج ١٢

آية الله السيد محمد الشيرازي

الوصائل إلى الرسائل - ج ١٢

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة عاشوراء للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7263-12-0
ISBN الدورة:
964-7263-04-X

الصفحات: ٤٠٠

والتوهّم : بأنّ الأمر إذا كان للفور يكون من قبيل الموقّت المضيّق ، اشتباه غير خفيّ على المتأمّل. فهذا أيضا ليس من الاستصحاب في شيء.

ولا يمكن أن يقال : إثبات الحكم في القسم الأوّل فيما بعد وقته من الاستصحاب فانّ هذا لم يقل به أحد ولا يجوز إجماعا وكذا الكلام في النهي بل هو الاولى بعدم توهّم الاستصحاب فيه ،

______________________________________________________

ـ مثلا ـ ولم يصلّ صلاة الزلزلة في الآن الأوّل من حدوثها ، كان مأمورا بها في الآن الثاني والثالث وهكذا ، سواء قلنا بأن الأمر للفور كما قيل في صلاة الزلزلة من ان الأمر بها فور ففور أم لا ، وهذا ليس من الاستصحاب في شيء.

(والتوهّم : بأنّ الأمر إذا كان للفور يكون من قبيل الموقّت المضيّق) فيكون في الحالة الثانية من الاستصحاب (اشتباه غير خفيّ على المتأمّل) لأنه إنّما يكون من قبيل الموقّت إذا كان على نحو تعدّد المطلوب ، لا على نحو اتحاد المطلوب.

وعليه : (فهذا) أي : القسم الثاني وهو غير الموقت إنّما هو (أيضا) أي : كالقسم الأوّل وهو الموقت (ليس من الاستصحاب في شيء) لأن نفس الدليل يشمل جميع أجزاء الزمان.

هذا (ولا يمكن أن يقال : إثبات الحكم في القسم الأوّل) وهو الموقّت (فيما بعد وقته من الاستصحاب) لوضوح بطلانه (فانّ هذا لم يقل به أحد ولا يجوز إجماعا) إذ ليس من الصحيح استصحاب الوجوب ـ مثلا ـ إلى ما بعد الوقت ، لفرض انه موقّت ، فاذا انتهى الوقت انتهى هو أيضا.

(وكذا الكلام في النهي) فان النهي كالأمر إذا تعلق بشيء فهو أيضا بين موقت ومطلق ، وفي كليهما لا يجري الاستصحاب (بل هو) أي : النهي يكون (الاولى بعدم توهّم الاستصحاب فيه).

٦١

لأنّ مطلقه يفيد التكرار ، والتخييري أيضا كذلك.

فالأحكام التكليفية الخمسة المجرّدة عن الأحكام الوضعيّة لا يتصوّر فيها الاستدلال بالاستصحاب.

وأمّا الأحكام الوضعية ، فاذا جعل الشارع شيئا سببا لحكم من الأحكام الخمسة ـ كالدلوك لوجوب الظهر ،

______________________________________________________

وإنّما يكون هو الأولى من الأمر بعدم هذا التوهّم (لأنّ مطلقه) أي : مطلق النهي (يفيد التكرار) فاذا قال : لا تشرب الخمر كان معناه : لا تشرب الخمر في أيّة ساعة ، ففي الساعة الثانية لا نحتاج إلى استصحاب الحرمة ، بل الدليل بنفسه يدلّ على الحرمة.

هذا بالنسبة إلى الأقسام الأربعة من الأحكام التكليفية (والتخييري أيضا كذلك) أي : ان الحكم التخييري الدال على الاباحة وهو القسم الخامس من الأحكام على ما ذكره الفاضل التوني هو أيضا كالأحكام الأربعة التكليفية ، لا يجري فيه الاستصحاب ، لا في موقّتة ولا في مطلقة.

إذن : (فالأحكام التكليفية الخمسة المجرّدة عن الأحكام الوضعيّة) لا الأحكام التكليفية التابعة للأحكام الوضعية (لا يتصوّر فيها الاستدلال بالاستصحاب) رأسا ، فلا مجال للاستصحاب في الأحكام التكليفية إطلاقا ، لا في موقّتها ولا في مطلقها.

(وأمّا الأحكام الوضعية) التي جعلها الفاضل المذكور سادس الأقسام فقد أشار إليها بقوله : (فاذا جعل الشارع شيئا سببا لحكم من الأحكام الخمسة كالدلوك لوجوب الظهر) حيث قال سبحانه : (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ

٦٢

والكسوف لوجوب صلاته ، والزلزلة لصلاتها ، والايجاب والقبول لاباحة التصرّفات والاستمتاعات في الملك والنكاح ، وفيه لتحريم أمّ الزوجة ، والحيض والنفاس لتحريم الصوم والصلاة ، إلى غير ذلك ـ فينبغي أن ينظر إلى كيفيّة سببيّة السبب : هل هي على الاطلاق ، كما في الايجاب والقبول ، فانّ سببيّته على نحو خاص ، وهو الدوام إلى أن يتحقق المزيل ،

______________________________________________________

اللَّيْلِ) (١) (والكسوف لوجوب صلاته) أي : سببا لوجوب صلاة الكسوف.

(والزلزلة لصلاتها) أي : سببا لوجوب صلاة الزلزلة.

(والايجاب والقبول لاباحة التصرّفات) بالنسبة إلى كل واحد مما انتقل اليه المال أو الثمن (والاستمتاعات في الملك والنكاح) وهذا من باب اللف والنشر المرتّب.

(و) الايجاب والقبول (فيه) أي : في النكاح (لتحريم أمّ الزوجة) وسائر المحرمات بسبب المصاهرة.

(والحيض والنفاس) اللذان هما سبب (لتحريم الصوم والصلاة ، إلى غير ذلك) من الأسباب المجعولة شرعا للمسبّبات العبادية أو المعاملية.

وعليه : (فينبغي أن ينظر إلى كيفيّة سببيّة السبب : هل هي على الاطلاق) حتى إذا حصل السبب حصل المسبب إلى الأبد ، وذلك (كما في الايجاب والقبول ، فانّ سببيّته على نحو خاص ، وهو الدوام إلى أن يتحقق المزيل) فاذا تحقق البيع ـ مثلا ـ صارت البضاعة ملكا للمشتري ، إلى ان يتحقق المزيل لملكه لها ببيع أو هبة أو ما أشبه ذلك.

__________________

(١) ـ سورة الاسراء : الآية ٧٨.

٦٣

وكذا الزلزلة ، أو في وقت معيّن ، كالدلوك ونحوه ممّا لم يكن السبب وقتا ، وكالكسوف والحيض ونحوهما ممّا يكون السبب وقتا للحكم ، فانّ السببيّة في هذه الأشياء على نحو آخر ، فانّها أسباب للحكم في أوقات معيّنة ، وجميع ذلك ليس من الاستصحاب في شيء ،

______________________________________________________

(وكذا الزلزلة) التي هي سبب لصلاة الآيات على الدوام حيث قد ذكر الفقهاء ان صلاة الآيات تجب فورا ففورا.

(أو) سببية السبب هي (في وقت معيّن كالدلوك) فانه سبب لوجوب صلاتي الظهر والعصر (ونحوه) أي : نحو الدلوك كالفجر سببا لوجوب صلاة الصبح (ممّا لم يكن السبب وقتا) فان الدلوك سبب لوجوب الظهر والعصر وليس وقتا لهما ، وإنّما وقت هاتين الصلاتين ما بين الدلوك إلى المغرب.

(وكالكسوف والحيض ونحوهما ممّا يكون السبب وقتا للحكم) فان الكسوف سبب لوجوب الصلاة ، والحيض سبب لترك الصوم والصلاة ونحو ذلك ، مع ان كل واحد وقت للواجب ، فالكسوف وقت لصلاة الآيات والحيض وقت لترك الصوم والصلاة ـ مثلا ـ.

وعليه : (فانّ السببيّة في هذه الأشياء) من الدلوك والكسوف والحيض ونحوها (على نحو آخر) غير النحو الأوّل الذي كان السبب فيه سببا دائما مثل : سببيّة العقد للملك الدائم ، وسببيّة الزلزلة لصلاة الآيات فورا ففورا وغير ذلك.

إذن : (فانّها) أي : الأسباب الخاصة المذكورة : من الدلوك ونحوها (أسباب للحكم في أوقات معيّنة) والأوقات المعيّنة هي أوقات لمتعلق الحكم ، فان الحكم هو الوجوب ، ومتعلق الحكم هي الصلاة ـ مثلا ـ (وجميع ذلك) الذي ذكرناه من الأسباب (ليس من الاستصحاب في شيء).

٦٤

فانّ ثبوت الحكم في شيء من أجزاء الزمان الثابت فيه الحكم ليس تابعا للثبوت في جزء آخر ، بل نسبة السبب في محلّ اقتضاء الحكم في كلّ جزء نسبة واحدة ، وكذلك الكلام في الشرط والمانع.

فظهر ممّا ذكرناه : أنّ الاستصحاب المختلف فيها لا يكون إلّا في الأحكام الوضعيّة ، أعني : الأسباب والشرائط والموانع

______________________________________________________

وإنّما لم يكن من الاستصحاب في شيء ، لأنه كما قال : (فانّ ثبوت الحكم في شيء من أجزاء الزمان الثابت فيه الحكم ، ليس تابعا للثبوت في جزء آخر) قبله حتى نسحب الحكم من الجزء السابق إلى الجزء اللاحق ، فيكون استصحابا (بل نسبة السبب في محلّ اقتضاء الحكم في كلّ جزء نسبة واحدة) فالسبب بنفسه يشمل الجميع من دون حاجة إلى الاستصحاب.

(وكذلك الكلام في الشرط والمانع) فكما لا يستصحب في السبب ، فكذلك لا يستصحب في الشرط والمانع ، لأن أجزاء الزمان الثابت فيه الحكم بسبب الشرط ، أو الفاقد فيه الحكم بسبب المانع ، ليست تابعة للثبوت أو عدم الثبوت في جزء سابق من الزمان ، بل دليل الشرط والمانع يشمل كل الأزمنة.

إذن : (فظهر ممّا ذكرناه : أنّ الاستصحاب المختلف فيها) وتأنيث الضمير باعتبار قاعدة الاستصحاب (لا يكون إلّا في الأحكام الوضعيّة) لا الأحكام التكليفية (أعني : الأسباب والشرائط والموانع) وما أشبهها.

وحيث إنّ المصنّف يستشكل على هذا الظهور فيما يأتي من قوله : ولا يخفى ما في هذا التفريع ، نؤجل المناقشة فيه إلى ما يأتي ان شاء الله تعالى ، فلا حاجة هنا إلى التفصيل في كلام الفاضل التوني وانه كيف ظهر من كلامه السابق ما فرّعه عليه؟.

٦٥

للأحكام الخمسة من حيث أنّها كذلك ، ووقوعه في الأحكام الخمسة إنّما هو بتبعيّتها.

وكما يقال في الماء الكرّ المتغيّر بالنجاسة إذا زال تغيّره من قبل نفسه ، فانّه يجب الاجتناب عنه في الصلاة ، لوجوبه قبل زوال تغيّره ، فانّ مرجعه إلى أنّ النجاسة كانت ثابتة قبل زوال تغيّره ، فكذلك يكون بعده.

______________________________________________________

وكيف كان : فالاستصحاب المختلف فيه إنّما هو في الأحكام الوضعية المستتبعة (للأحكام الخمسة) التكليفية (من حيث أنّها كذلك) أي : أحكاما وضعية (ووقوعه) أي : وقوع الاستصحاب (في الأحكام الخمسة إنّما هو بتبعيّتها) أي : بتبعيّة الأحكام التكليفية للأحكام الوضعية ، فالاستصحاب أولا وبالذات يقع في الأحكام الوضعية ، وبتبع الأحكام الوضعية يقع في الأحكام التكليفية.

(وكما يقال في الماء الكرّ المتغيّر بالنجاسة إذا زال تغيّره من قبل نفسه) وذلك عند الشك في انه هل بقي على النجاسة أو صار طاهرا بزوال التغير؟ (فانّه يجب الاجتناب عنه في الصلاة) فلا يجوز للمكلف أن يصلّي والحال ان ثوبه أو بدنه قد لاقى هذا الماء المتغيّر بالنجاسة بعد زوال تغيره.

وإنّما يجب الاجتناب عنه في الصلاة (لوجوبه) أي : وجوب الاجتناب (قبل زوال تغيّره) أي : تغيّر الماء ، فكما انه لا تصح الصلاة ببدن أو ثوب لاقى هذا الماء المتغيّر بالنجاسة في وقت تغيّره ، كذلك لا تجوز الصلاة ببدن أو ثوب لاقى هذا الماء المتغيّر بعد زوال تغيّره.

وعليه : (فانّ مرجعه) أي مرجع هذا الاستصحاب (إلى أنّ النجاسة كانت ثابتة قبل زوال تغيّره ، فكذلك يكون بعده) أي : بعد زوال تغيّره ، فالحكم التكليفي

٦٦

ويقال في المتيمّم : إذا وجد الماء في أثناء الصلاة : إنّ صلاته كانت صحيحة قبل الوجدان. فكذا بعده أي : كان مكلّفا ومأمورا بالصلاة بتيمّمه قبله ، فكذا بعده ، فانّ مرجعه إلى أنّه كان متطهّرا قبل وجدان الماء ، فكذا بعده ، والطهارة من الشروط.

فالحقّ مع قطع النظر عن الروايات

______________________________________________________

وهو وجوب الاجتناب يستصحب فيه ، باعتبار ان هذا الحكم الذي هو الوجوب تابع للحكم الوضعي الذي هو النجاسة.

(و) كما (يقال في المتيمّم : إذا وجد الماء في أثناء الصلاة) وذلك عند الشك في انه هل بطل تيممه حتى تبطل صلاته ، أو لم يبطل تيممه حتى يمضي في صلاته؟ فيقال : (إنّ صلاته كانت صحيحة قبل الوجدان) للماء (فكذا بعده) أي : بعد الوجدان له (أي : كان مكلّفا ومأمورا بالصلاة بتيمّمه قبله ، فكذا بعده).

وعليه : (فانّ مرجعه) أي : مرجع هذا الاستصحاب التكليفي أولا وبالذات إلى الحكم الوضعي ، وبتبع الحكم الوضعي يجري الاستصحاب في الحكم التكليفي.

وبعبارة اخرى : ان مرجع هذا الاستصحاب (إلى أنّه كان متطهرا قبل وجدان الماء ، فكذا بعده ، و) من المعلوم : ان (الطهارة) من الحدث في الصلاة (من الشروط) وهو حكم وضعي ، كما ان النجاسة في الماء المتغير من الموانع وهو حكم وضعي ، وبتبع هذا الحكم الوضعي الذي هو التطهر يجب المضي في الصلاة الذي هو حكم تكليفي.

وعلى ما ذكرناه : من عدم جريان الاستصحاب في الأحكام التكليفية إلّا تبعا للأحكام الوضعية نقول : (فالحقّ مع قطع النظر عن الروايات) الدالة على حجية

٦٧

عدم حجيّة الاستصحاب ، لأنّ العلم بوجود السبب أو الشرط أو المانع في وقت لا يقتضي العلم بل ولا الظنّ بوجوده في غير ذلك الوقت ، كما لا يخفى ، فكيف يكون الحكم المعلّق عليه ثابتا في غير ذلك الوقت؟.

فالذي يقتضيه النظر دون ملاحظة الروايات : أنّه إذا علم تحقّق العلامة الوضعيّة تعلّق الحكم بالمكلّف ، وإذا زال ذلك العلم بطروّ الشك يتوقف عن الحكم بثبوت ذلك الحكم الثابت أولا ، إلّا أنّ الظاهر

______________________________________________________

الاستصحاب (عدم حجيّة الاستصحاب) وذلك (لأنّ العلم بوجود السبب أو الشرط أو المانع في وقت ، لا يقتضي العلم ، بل ولا الظنّ بوجوده في غير ذلك الوقت ، كما لا يخفى) على أحد.

وعليه : فاذا لم يجر الاستصحاب في الأحكام الوضعية من السبب والشرط والمانع (فكيف يكون الحكم المعلّق عليه) من الأحكام الخمسة المعلقة على شرط أو سبب أو مانع (ثابتا في غير ذلك الوقت؟) فانه إذا لم يجر الاستصحاب في الأصل الذي هو الحكم الوضعي ، لا يجري في الفرع الذي هو الحكم التكليفي بطريق أولى.

إذن : (فالذي يقتضيه النظر دون ملاحظة الروايات : أنّه إذا علم تحقّق العلامة الوضعيّة) من سبب أو شرط أو مانع (تعلّق الحكم بالمكلّف) لأن الحكم التكليفي تابع للحكم الوضعي على ما عرفت (وإذا زال ذلك العلم) بالحكم الوضعي زوالا (بطروّ الشك) فيه ، فانه حينئذ (يتوقف عن الحكم بثبوت ذلك الحكم الثابت أولا) ولا يجري فيه الاستصحاب.

هذا ما يقتضيه النظر بالنسبة إلى القاعدة الأولية في الاستصحاب.

وامّا ما يقتضيه النظر مع ملاحظة الروايات ، فكما قال : (إلّا أنّ الظاهر

٦٨

من الأخبار : أنّه إذا علم وجود شيء ، فانّه يحكم به حتى يعلم زواله» ، انتهى كلامه رفع مقامه.

وفي كلامه أنظار يتوقّف بيانها على ذكر كلّ فقرة هي مورد للنظر ، ثم توضيح النظر فيه بما يخطر في الذهن القاصر ، فنقول :

قوله أوّلا : «والمضايقة بمنع أنّ الخطاب الوضعي ، داخل في الحكم الشرعي ، لا يضرّ فيما نحن بصدده».

فيه :

______________________________________________________

من الأخبار : أنّه إذا علم وجود شيء ، فانّه يحكم به حتى يعلم زواله» (١) ، انتهى كلامه رفع مقامه).

ولا يخفى : انا فسرنا كلامه ؛ حسب ظاهره مع قطع النظر عن إشكالات المصنّف عليه كما سيأتي ان شاء الله تعالى.

قال المصنّف : (وفي كلامه أنظار) أي : اشكالات (يتوقّف بيانها) أي : بيان تلك الانظار (على ذكر كلّ فقرة هي مورد للنظر ، ثم توضيح النظر فيه بما يخطر في الذهن القاصر) حتى يتبيّن ان كلامه مضافا إلى انه لا يفيد التفصيل في مسألة الاستصحاب ، محل نظر في نفسه أيضا.

(فنقول :) ان من موارد النظر (قوله أوّلا : «والمضايقة بمنع أنّ الخطاب الوضعي ، داخل في الحكم الشرعي ، لا يضرّ فيما نحن بصدده») هذا الكلام من الفاضل التوني (فيه) أي : يرد عليه : ان هذه المضايقة تضرّ بالتفصيل الذي هو بصدده ، وحاصل هذا الايراد على ما بيّنه الأوثق بتوضيح منّا هو ما يلي :

إن صدر كلام الفاضل التوني وذيله مختلفان في المؤدى ، فمقتضى صدره :

__________________

(١) ـ الوافية : مخطوط.

٦٩

أنّ المنع المذكور لا يضرّ فيما يلزم من تحقيقه الذي ذكره ، وهو : اعتبار الاستصحاب في موضوعات الأحكام الوضعية ، أعني : نفس السبب والشرط والمانع ، لا في التفصيل بين الأحكام الوضعية ، أعني : سببيّة السبب ، وشرطيّة الشرط والأحكام التكليفية.

______________________________________________________

كونه مفصّلا بين الأحكام الوضعية وغيرها بتسليم صحة الاستصحاب في الاولى دون غيرها ، ومقتضى ذيله : كونه مفصّلا بين متعلّقات الأحكام الوضعية أعني : الأسباب والشروط والموانع ، فان الوضوء شرط والحدث مانع.

وعليه : فالوضوء والحدث متعلق الحكم الوضعي ، إذ الحكم الوضعي هو شرط ومانع وما أشبه ذلك ، وبين مطلق الأحكام وغير الأحكام ، بالتسليم للاستصحاب في الاولى دون غيرها.

هذا ومنع اضرار عدم دخول خطاب الوضع في الحكم الشرعي إنّما يسلم على الثاني الذي هو مقتضى ذيل كلامه ، دون الأوّل الذي هو مقتضى صدر كلامه ، وذلك كما قال :

(أنّ المنع المذكور) أي : منع كون الخطاب الوضعي داخلا في الحكم الشرعي إنّما (لا يضرّ فيما يلزم من تحقيقه الذي ذكره) الفاضل التوني في ذيل كلامه.

(وهو : اعتبار الاستصحاب في موضوعات الأحكام الوضعية أعني : نفس السبب والشرط والمانع).

وأمّا التفصيل الذي ذكره في صدر كلامه فانه يضرّه المنع المذكور ، وذلك كما قال : (لا في التفصيل بين الأحكام الوضعية أعني : سببيّة السبب ، وشرطيّة الشرط) ومانعية المانع ، وجزئية الجزء وما أشبه ذلك (و) بين (الأحكام التكليفية) فان المنع المذكور يضره.

٧٠

وكيف لا يضرّ في هذا التفصيل منع كون الحكم الوضعي حكما مستقلا؟ وتسليم ، وتسليم أنّه أمر اعتباري منتزع من التكليف تابع له حدوثا وبقاء؟.

وهل يعقل التفصيل مع هذا المنع؟.

______________________________________________________

ولا يخفى : ان هناك شرطية الشرط ، وسببية السبب ، ومانعية المانع ـ مثلا ـ وهناك ذات الشرط ، وذات السبب ، وذات المانع ـ مثلا ـ فذات الشرط هو الوضوء ، وشرطية الشرط يعني : وصف الشرط وهو الشرطية ، بمعنى : كون الصلاة مشروطة بالوضوء ، وهكذا بالنسبة إلى سائر الأمثلة من الأحكام الوضعية والمنع لا يضر لو أراد ذات السبب ، ويضر لو أراد سببية السبب ، كما قال :

(وكيف لا يضرّ في هذا التفصيل منع كون الحكم الوضعي حكما مستقلا؟ وتسليم) وهذا عطف على منع يعني : وكيف لا يضر بالتفصيل (وتسليم أنّه أمر اعتباري منتزع من التكليف تابع له) أي : للتكليف (حدوثا وبقاء؟) بحيث كلما حدث الحكم التكليفي حدث تبعا له الحكم الوضعي ، وكلما بقي الحكم التكليفي بقي تبعا له الحكم الوضعي؟.

(و) عليه : فانه (هل يعقل التفصيل مع هذا المنع؟) الذي صرّح به الفاضل التوني بقوله : ولا نضايق بمنع ان الخطاب الوضعي داخل في الحكم الشرعي؟.

وإنّما لا يعقل التفصيل معه لأنه إذا كان الوضع داخلا في التكليف لا يمكن التفصيل بين الوضع والتكليف ، وذلك لأنه كلّما كان الوضع ، وكلما لم يكن تكليف لم يكن وضع ، فانه يكون من قبيل التفصيل بين الأعداد التي هي زوج بين الزوجية ، مع وضوح : ان الزوجية لا تكون إلّا تابعة للأعداد التي هي زوج.

٧١

ثم إنّه لا بأس بصرف الكلام إلى بيان أنّ الحكم الوضعي حكم مستقل مجعول كما اشتهر في ألسنة جماعة ، أو لا ، وإنّما مرجعه إلى الحكم التكليفي ، فنقول :

المشهور كما في شرح الزبدة ، بل الذي استقرّ عليه رأي المحققين ، كما في شرح الوافية للسيد صدر الدين : أنّ الخطاب الوضعي مرجعه إلى الخطاب الشرعي وأنّ كون الشيء سببا لواجب هو الحكم بوجوب ذلك الواجب عند حصول ذلك الشيء. فمعنى قولنا : «إتلاف الصبي سبب لضمانه» : أنّه يجب عليه غرامة المثل والقيمة إذا اجتمع فيه شرائط التكليف : من البلوغ والعقل واليسار وغيرها.

______________________________________________________

(ثم إنّه لا بأس بصرف الكلام إلى بيان أنّ الحكم الوضعي حكم مستقل مجعول) بجعل الشارع (كما اشتهر في ألسنة جماعة ، أو لا ، وإنّما مرجعه إلى الحكم التكليفي) فليس للشارع حكمان : حكم وضعي ، وحكم تكليفي ، وإنّما له حكم تكليفي يتبعه الوضع في بعض الأماكن؟.

(فنقول : المشهور كما في شرح الزبدة) للفاضل الجواد (بل الذي استقرّ عليه رأي المحققين ، كما في شرح الوافية للسيد صدر الدين : أنّ الخطاب الوضعي مرجعه إلى الخطاب الشرعي) التكليفي (وأنّ كون الشيء سببا لواجب هو الحكم بوجوب ذلك الواجب عند حصول ذلك الشيء) فهناك حكم تكليفي فقط يتبعه الوضع.

إذن : (فمعنى قولنا : «إتلاف الصبي سبب لضمانه» : أنّه يجب عليه غرامة المثل والقيمة إذا اجتمع فيه شرائط التكليف : من البلوغ والعقل واليسار وغيرها) كالقدرة ـ مثلا ـ إذ لا تكليف بغير المقدور ، وذلك كما إذا كان بعيدا لا يتمكن

٧٢

فاذا خاطب الشارع البالغ العاقل الموسر بقوله : «أغرم ما أتلفته في حال صغرك» ، انتزع من هذا الخطاب معنى يعبّر عنه : بسببيّة الاتلاف للضمان ، ويقال : إنّه ضامن ، بمعنى : أنّه يجب عليه الغرامة عند اجتماع شرائط التكليف ، ولم يدّع أحد إرجاع الحكم الوضعي إلى التكليف المنجّز حال استناد الحكم الوضعي إلى الشخص ، حتى يدفع ذلك ، بما ذكره بعض من غفل عن مراد النافين ، من أنّه قد يتحقق الحكم الوضعي في مورد غير قابل للحكم التكليفي ، كالصبي والنائم وشبههما.

______________________________________________________

من الوصول إلى المالك.

وعليه : (فاذا خاطب الشارع البالغ العاقل الموسر) القادر (بقوله : «أغرم ما أتلفته في حال صغرك») الذي هو حكم تكليفي (انتزع من هذا الخطاب معنى يعبّر عنه : بسببيّة الاتلاف للضمان) الذي هو الحكم الوضعي (ويقال : إنّه ضامن ، بمعنى : أنّه يجب عليه الغرامة عند اجتماع شرائط التكليف) لا بمعنى : انه مكلف في حال الصغر بذلك.

هذا (ولم يدّع أحد إرجاع الحكم الوضعي إلى التكليف المنجّز) تنجيزا (حال استناد الحكم الوضعي إلى الشخص) فليس معناه : ان الصبي ضامن الآن (حتى يدفع ذلك ، بما ذكره بعض من غفل عن مراد النافين) للحكم الوضعي : (من أنّه قد يتحقق الحكم الوضعي في مورد غير قابل للحكم التكليفي كالصبي والنائم وشبههما) كالمجنون ـ مثلا ـ.

والحاصل : انه لا يقال : ان الحكم الوضعي لو كان تابعا للحكم التكليفي لزم تكليف الصبي بالغرامة ، لأنه على الصبي الوضع ، فاذا كان على الصبي الوضع ولم يكن عليه التكليف تبيّن ان الوضع غير التكليف.

٧٣

وكذا الكلام في غير السبب فانّ شرطية الطهارة للصلاة ، ليست مجعولة بجعل مغاير لانشاء وجوب الصلاة الواقعة حال الطهارة.

وكذا مانعيّة النجاسة ليست إلّا منتزعة من المنع عن الصلاة في النجس ، وكذا الجزئية منتزعة من الأمر بالمركب.

______________________________________________________

لأنه يقال : ان الصبي عليه التكليف إذا بلغ ، ومن هذا التكليف المستقبلي ينتزع الوضع الحالي ، كما انه ينتزع المشروطية الفعلية من الشرط المتأخر ، فيقال ، مثلا : صحة الايجاب مشروط بالقبول المتأخّر عن الايجاب ، وصحة الصيام بالنسبة للمستحاضة مشروط بالغسل بعد دخول الليل ، إلى غير ذلك.

إذن : فالانتزاع يمكن أن يكون من الأمر السابق ، ويمكن ان يكون من الأمر المقارن ، ويمكن ان يكون من الأمر اللاحق على ما بيّنوه في مسألة الشرط المتأخّر.

(وكذا الكلام في غير السبب) كالشرط ـ مثلا ـ (فانّ شرطية الطهارة للصلاة ، ليست مجعولة بجعل مغاير لانشاء وجوب الصلاة الواقعة حال الطهارة) فان الشارع قال : تجب الصلاة حال الطهارة ، ومن هذا الحكم التكليفي انتزع الحكم الوضعي الذي هو عبارة عن شرطية الطهارة للصلاة.

(وكذا مانعيّة النجاسة) إذا كانت في بدن المصلي أو ثوبه فانها (ليست إلّا منتزعة من المنع عن الصلاة في النجس) وذلك حيث قال الشارع : لا تصلّ في النجس ، فانتزع من هذا الحكم التكليفي مانعيّة النجاسة.

(وكذا الجزئية منتزعة من الأمر بالمركب) فاذا قال الشارع : صلّ صلاة أولها التكبير وآخرها التسليم ، انتزع من هذا الأمر جزئية التكبير ، والتسليم ، وغيرهما من أجزاء الصلاة.

٧٤

والعجب ممّن ادّعى بداهة بطلان ما ذكرنا مع ما عرفت : من أنّه المشهور والذي استقرّ عليه رأي المحقّقين ، فقال قدس‌سره في شرحه على الوافية ، تعريضا على السيّد الصدر : وأمّا من زعم أنّ الحكم الوضعي عين الحكم التكليفي ، على ما هو ظاهر قولهم : «إنّ كون الشيء سببا لواجب هو الحكم بوجوب الواجب عند حصول ذلك الشيء» ، فبطلانه غني عن البيان ، إذ الفرق بين الوضع والتكليف مما لا يخفى على من له أدنى مسكة ، والتكاليف المبنيّة على الوضع غير الوضع.

والكلام إنّما هو في نفس الوضع والجعل والتقرير.

______________________________________________________

هذا (والعجب ممّن ادّعى بداهة بطلان ما ذكرنا) وهو المحقق الكاظمي ، فانه ادّعى بداهة بطلان كون الأحكام الوضعية تابعة للأحكام التكليفية ، وذلك (مع ما عرفت : من أنّه المشهور والذي استقرّ عليه رأي المحقّقين) فان ادعاءه هذا مثار للتعجب ، لأنه كيف يذهب المشهور والمحققون إلى ما هو بديهي البطلان طبعا مع قطع النظر عن الاشكال الوارد على كلام هذا المحقق؟.

(فقال قدس‌سره في شرحه على الوافية تعريضا على السيّد الصدر) الذي يرى الأحكام الوضعية تابعة للأحكام التكليفية : (وأمّا من زعم أنّ الحكم الوضعي عين الحكم التكليفي ، على ما هو ظاهر قولهم : «إنّ كون الشيء سببا لواجب هو الحكم بوجوب الواجب عند حصول ذلك الشيء») وكذلك بالنسبة إلى الشرط والمانع والجزء وغيرها (فبطلانه غني عن البيان).

وإنّما يكون واضح البطلان (إذ الفرق بين الوضع والتكليف مما لا يخفى على من له أدنى مسكة) في عقله (و) ذلك لأن (التكاليف المبنيّة على الوضع غير الوضع) فهما أمران : تكليف ووضع (والكلام إنّما هو في نفس الوضع والجعل والتقرير)

٧٥

وبالجملة : فقول الشارع : «دلوك الشمس سبب لوجوب الصلاة ، والحيض مانع منها» ، خطاب وضعي وإن استتبع تكليفا وهو ايجاب الصلاة عند الزوال ، وتحريمها عند الحيض كما أنّ قوله تعالى : (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ) و ـ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ : «دعي الصلاة أيام اقرائك» خطاب تكليفي ، وإن استتبع وضعا ، وهو كون الدلوك سببا والاقراء مانعا.

والحاصل : أنّ هناك أمرين متباينين ، كلّ منهما فرد للحكم ، فلا يغني استتباع أحدهما للآخر عن مراعاته واحتسابه في عداد الأحكام» ،

______________________________________________________

لا في التكاليف المبنيّة عليها.

(وبالجملة : فقول الشارع : «دلوك الشمس سبب لوجوب الصلاة ، والحيض مانع منها» ، خطاب وضعي وإن استتبع تكليفا وهو) أي : ذلك التكليف الذي تبع الحكم الوضعي : (ايجاب الصلاة عند الزوال ، وتحريمها عند الحيض) وبذلك تبيّن : ان الوضع شيء ، والتكليف شيء آخر ، لا ان الوضع تابع للتكليف.

(كما أنّ قوله تعالى : (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ) (١)) بالنسبة إلى سببيّة الدلوك للصلاة (و) قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : («دعي الصلاة أيام اقرائك» (٢)) أي : حيضك (خطاب تكليفي ، وإن استتبع وضعا ، وهو كون الدلوك سببا والاقراء مانعا).

ثم قال رحمه‌الله : (والحاصل : أنّ هناك أمرين متباينين) لا ربط لأحدهما بالآخر ، إذ (كلّ منهما فرد للحكم) الذي حكم به الشارع (فلا يغني استتباع أحدهما للآخر عن مراعاته واحتسابه في عداد الأحكام) (٣) فان تبعيّة الوضع للتكليف لا يمنع

__________________

(١) ـ سورة الاسراء : الآية ٧٨.

(٢) ـ الكافي (فروع) : ج ٣ ص ٨٨ ح ١ ، تهذيب الاحكام : ج ١ ص ٣٨٤ ب ١٩ ح ٦ ، فقه القرآن : ج ٢ ص ١٥٧ ، غوالي اللئالي : ج ٢ ص ٢٠٧.

(٣) ـ شرح الوافية : مخطوط.

٧٦

انتهى كلامه رفع مقامه.

أقول : لو فرض نفسه حاكما بحكم تكليفي ووضعي بالنسبة إلى عبده ، لوجد من نفسه صدق ما ذكرنا فانّه إذا قال لعبده : «أكرم زيدا إن جاءك» ، فهل يجد المولى من نفسه أنّه أنشأ إنشاءين وجعل أمرين ، أحدهما : وجوب إكرام زيد عند مجيئه والآخر : كون مجيئه سببا لوجوب اكرامه ، أو أنّ الثاني مفهوم منتزع من الأوّل لا يحتاج إلى جعل مغاير لجعله ولا إلى بيان مخالف لبيانه.

______________________________________________________

من ان يكون الوضع حكما كما ان التكليف هو حكم أيضا.

(انتهى كلامه رفع مقامه) ولكن حيث ان المحقق المذكور جعل المغايرة بين التكليفي والوضعي بديهية ، أراد المصنّف ان يمثّل مثالا ليظهر به بداهة عدم المغايرة ، وإنهما شيء واحد أحدهما تابع للآخر فقال :

(أقول : لو فرض) الفاضل التوني (نفسه حاكما بحكم تكليفي ووضعي بالنسبة إلى عبده ، لوجد من نفسه صدق ما ذكرنا) : من انه ليس هناك حكمان ، وإنّما هو حكم واحد (فانّه إذا قال لعبده : «أكرم زيدا إن جاءك» ، فهل يجد المولى من نفسه أنّه أنشأ إنشاءين وجعل أمرين) على عبده وذلك على النحو التالي :

(أحدهما : وجوب إكرام زيد عنه مجيئه) وهو حكم تكليفي.

(والآخر : كون مجيئه سببا لوجوب اكرامه) وهو حكم وضعي؟.

(أو أنّ الثاني) : وهو كون مجيئه سببا لوجوب اكرامه (مفهوم منتزع من الأوّل) وهو وجوب اكرام زيد عنه مجيئه ، بحيث (لا يحتاج) هذا الثاني (إلى جعل مغاير لجعله) الأوّل (ولا إلى بيان مخالف لبيانه) الأوّل؟.

٧٧

ولهذا اشتهر في ألسنة الفقهاء سببيّة الدلوك ومانعيّة الحيض ، ولم يرد من الشارع إلّا إنشاء طلب الصلاة عند الأوّل وطلب تركها عند الثاني.

فان أراد تباينهما مفهوما فهو أظهر من أن يخفى ، كيف وهما محمولان مختلفا الموضوع ، وإن أراد كونهما مجعولين بجعلين فالحوالة على الوجدان لا البرهان ، وكذا لو أراد كونهما مجعولين بجعل واحد ،

______________________________________________________

(ولهذا) أي : لأن الثاني منتزع من الأوّل ، وليس في مقابل الأوّل (اشتهر في ألسنة الفقهاء سببيّة الدلوك ومانعيّة الحيض ، و) الحال انه (لم يرد من الشارع إلّا إنشاء طلب الصلاة عند الأوّل) أي : الدلوك (وطلب تركها عند الثاني) أي : الحيض ، مما يدل على انه حكم واحد وان السببية والمانعية للدلوك والحيض أمران منتزعان من التكليف الواحد.

وعليه : (فان أراد) الفاضل التوني (تباينهما) أي : الحكم التكليفي والوضعي (مفهوما) بأن يكون لهذا مفهوم ولذاك مفهوم (فهو أظهر من أن يخفى) على أحد ، ولا معنى للاختلاف فيه.

أم (كيف) لا يكون مفهومهما مختلفا (وهما محمولان مختلفا الموضوع) فانه يقال : الصلاة واجبة ، والدلوك سبب ، أو يقال : الصلاة واجبة ، والحيض مانع.

هذا (وإن أراد كونهما مجعولين بجعلين) بأن يكون للمولى جعل تكليفي ، وجعل وضعي (فالحوالة على الوجدان لا البرهان) لأن الامور الوجدانية لا تدخل تحت البرهان ، مثل ضياء الشمس وحرارة النار.

(وكذا لو أراد كونهما مجعولين بجعل واحد) بأن يكون للمولى مجعولان : تكليف ووضع ، لكن لا بجعلين ، بل بجعل واحد ، فالحوالة أيضا على الوجدان.

٧٨

فانّ الوجدان شاهد على أنّ السببية والمانعية في المثالين اعتباران منتزعان ، كالمسببية والمشروطية والممنوعية ، مع أنّ قول الشارع : «دلوك الشمس سبب لوجوب الصلاة» ، ليس جعلا للايجاب استتباعا ، كما ذكره ، بل هو إخبار عن تحقّق الوجوب عند الدلوك.

هذا كلّه ،

______________________________________________________

وعليه : فاذا كانت الحوالة في معرفتهما على الوجدان (فانّ الوجدان شاهد على أنّ السببية) للدلوك (والمانعية) للحيض (في المثالين) الذين ذكرناهما للسبب والمانع (اعتباران منتزعان ، كالمسببية والمشروطية والممنوعية).

إذن : فالصلاة مسببية عن الدلوك ، ومشروطة بالطهارة ، وممنوعة بالحيض ، وما ذلك إلّا لانشاء طلب الصلاة عند الدلوك ، أو مع الطهارة ، وإنشاء طلب تركها عند الحيض ، أو النفاس ، فهو شيء واحد له انتزاعات مختلفة مثل : ذات زيد الذي يطلق عليه : أبو عمرو ، وابن بكر ، وأخو خالد ، وغيرها من سائر الانتزاعات ، وهكذا يكون الكلام في سائر الامور المنتزعة.

(مع أنّ قول الشارع : «دلوك الشمس سبب لوجوب الصلاة» ، ليس جعلا للايجاب استتباعا) للوضع ، فان الحكم الوضعي لا يستتبع الحكم التكليفي (كما ذكره) الفاضل التوني في كلامه المتقدّم حيث قال : «ان الاستصحاب المختلف فيها لا يكون إلّا في الأحكام الوضعية أعني : الأسباب والشرائط والموانع للأحكام الخمسة من حيث انها كذلك ، ووقوعه في الأحكام الخمسة إنّما هو بتبعيّتها».

(بل هو إخبار عن تحقّق الوجوب عند الدلوك) فكأن الشارع قال : أقم الصلاة ، واعلم ان هذه الصلاة يتحقق وجوبها عليك عند الدلوك.

(هذا كلّه) بيان لكون الحكم الوضعي تابعا للحكم التكليفي وليس مقابلا له.

٧٩

مضافا إلى أنّه لا معنى لكون السببية مجعولة فيما نحن فيه حتى يتكلّم أنّه بجعل مستقل ، أو لا. فأنّا لا نعقل من جعل الدلوك سببا للوجوب ـ خصوصا عند من لا يرى كالأشاعرة ، الأحكام منوطة بالمصالح والمفاسد الموجودة في الأفعال ـ إلّا انشاء الوجوب عند الدلوك.

وإلّا فالسببية القائمة بالدلوك ليست من لوازم ذاته ، بأن يكون

______________________________________________________

(مضافا إلى أنّه لا معنى لكون السببية مجعولة فيما نحن فيه) أي : ان السببية في باب دلوك الشمس لوجوب الصلاة ـ مثلا ـ ليست مجعولة أصلا لا مستقلا ولا تبعا (حتى يتكلّم أنّه بجعل مستقل ، أو لا) أي : ليس بجعل مستقل بل هو بجعل تبعي؟.

وعليه : (فأنّا لا نعقل من جعل الدلوك سببا للوجوب ـ خصوصا عند من لا يرى كالأشاعرة ، الأحكام منوطة بالمصالح والمفاسد الموجودة في الأفعال ـ إلّا انشاء الوجوب عند الدلوك).

وإنّما قال : خصوصا ، لأن الحسن والقبح عند الأشاعرة ما أمر الشارع به أو نهى عنه من دون أن يكون ذلك ناشئا من مصلحة أو مفسدة كامنة في ذات الشيء ، وقيد الخصوصية حينئذ واضح ، لأنه لا نعلم سببية الدلوك إلّا من الأمر بالصلاة عند تحقق الدلوك.

بخلافه على مذهب الامامية والمعتزلة القائلين بالعدل ، وبالحسن والقبح العقليين ، إذ لمتوهم ان يتوهم حينئذ : كون نفس المصلحة معنى السببية ، وكون نفس المفسدة معنى المانعية.

(وإلّا) بان لم نقل ان جعل الدلوك سببا معناه : انشاء الوجوب عند الدلوك (فالسببية القائمة بالدلوك ليست من لوازم ذاته) أي : ذات الدلوك (بأن يكون

٨٠