الوصائل إلى الرسائل - ج ١٢

آية الله السيد محمد الشيرازي

الوصائل إلى الرسائل - ج ١٢

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة عاشوراء للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7263-12-0
ISBN الدورة:
964-7263-04-X

الصفحات: ٤٠٠

إنّما يحكم ببقائه لترتّبه على استصحاب عدم وجود الرافع ، لا لاستصحابه في نفسه ، فإنّ الشاك في بقاء الطهارة من جهة الشك في وجود الرافع يحكم بعدم الرافع ، فيحكم من أجله ببقاء الطهارة.

وحينئذ : فقوله عليه‌السلام : «وإلّا فإنّه على يقين من وضوئه ولا ينقض اليقين بالشك» ، وقوله : «لأنّك كنت على يقين من طهارتك فشككت وليس ينبغي لك أن تنقض اليقين» ، وغيرهما ، ممّا دلّ على أنّ اليقين

______________________________________________________

إنّما يحكم ببقائه) أي : بقاء الشيء المشكوك (لترتّبه على استصحاب عدم وجود الرافع ، لا لاستصحابه) أي : استصحاب بقاء الشيء المشكوك (في نفسه) فلا نستصحب الطهارة في نفسها بل نستصحب عدم الحدث فتثبت الطهارة.

وعليه : (فإنّ الشاك في بقاء الطهارة من جهة الشك في وجود الرافع) لا من جهة الشك في وجود المقتضي لبقاء الطهارة (يحكم بعدم الرافع) الذي هو الحدث (فيحكم من أجله ببقاء الطهارة) ويترتب على هذه الطهارة الباقية آثارها : من جواز الدخول في الصلاة والطواف ومسّ كتابة القرآن وما أشبه ذلك.

(وحينئذ) أي : حين استصحبنا عدم الحدث ورتبنا على ذلك آثار الطهارة (فقوله عليه‌السلام : «وإلّا فإنّه على يقين من وضوئه ولا ينقض اليقين بالشك» (١) ، وقوله : «لأنّك كنت على يقين من طهارتك فشككت وليس ينبغي لك أن تنقض اليقين» (٢) ، وغيرهما) من روايات (٣) الاستصحاب (ممّا دلّ على أنّ اليقين

__________________

(١) ـ تهذيب الاحكام : ج ١ ص ٨ ب ١ ح ١١ ، وسائل الشيعة : ج ١ ص ٢٤٥ ب ١ ح ٦٣١.

(٢) ـ تهذيب الاحكام : ج ١ ص ٤٢١ ب ٢١ ح ٨ ، الاستبصار : ج ١ ص ١٨٣ ب ١٠٩ ح ١٣ ، علل الشرائع : ج ٢ ص ٥٩ ح ١ ، وسائل الشيعة : ج ٣ ص ٤٨٢ ب ٢٤ ح ٤٢٣٦.

(٣) ـ كرواية زرارة عن أحدهما ، انظر الكافي (فروع) : ج ٣ ص ٣٥١ ح ٣ ، تهذيب الاحكام : ج ٢ ص ١٨٦ ب ٢٣ ح ٤١ ، الاستبصار : ج ١ ص ٣٧٣ ب ٢١٦ ح ٣ ، وسائل الشيعة : ج ٨ ص ٢١٧ ب ١٠ ح ١٠٤٦٢ وكرواية محمد بن مسلم في حديث الاربعمائة ، انظر الخصال : ص ٦١٩ ح ١٠ ـ

٢١

لا ينقض أو لا يدفع بالشك يراد منه أنّ احتمال طروّ الرافع لا يعتنى به ، ولا يترتّب عليه أثر النقض ، فيكون وجوده كالعدم ، فالحكم ببقاء الطهارة السابقة من جهة استصحاب العدم ، لا من جهة استصحابها.

والأصل في ذلك : أنّ الشك في بقاء الشيء إذا كان مسبّبا عن الشك في شيء آخر ، فلا يجتمع معه في الدخول تحت عموم «لا تنقض» ، سواء تعارض مقتضى اليقين السابق فيهما أم تعاضدا ،

______________________________________________________

لا ينقض ، أو لا يدفع بالشك يراد منه) المعنى التالي ، وهو كما قال :

(أنّ احتمال طروّ الرافع) الذي هو الحدث (لا يعتنى به ، ولا يترتّب عليه أثر النقض) وحيث لا يترتب أثر النقض على احتمال طروّ الحدث (فيكون وجوده) أي : وجود هذا الاحتمال بطروّ الحدث (كالعدم ، فالحكم ببقاء الطهارة السابقة) إنّما هو (من جهة استصحاب العدم ، لا من جهة استصحابها) أي : الطهارة نفسها.

(والأصل في ذلك) أي : في اعتبار الاستصحاب في العدمي دون الوجودي على ما قرّبناه هو : (أنّ الشك في بقاء الشيء إذا كان مسبّبا عن الشك في شيء آخر) أي : كان بينهما سبب ومسبّب (فلا يجتمع) الشك في بقاء الشيء (معه) أي : مع الشك في شيء آخر (في الدخول تحت عموم لا تنقض).

وإنّما لا يجتمع معه لأن الشك السببي والمسبّبي كليهما لا يدخلان تحت دليل واحد ، فكلّما دخل السببي خرج المسبّبي (سواء تعارض مقتضى اليقين السابق فيهما أم تعاضدا) أي : سواء كان السببي والمسبّبي أحدهما معارضا للآخر ، أم كان أحدهما موافقا للآخر ، فإنه إذا أجرينا الاستصحاب في الشك السببي ، لا يبقى مجال للشك المسبّبي.

__________________

ـ ووسائل الشيعة : ج ١ ص ٢٤٧ ب ١ ح ٦٣٦.

٢٢

بل الداخل هو الشك السببي ، ومعنى عدم الاعتناء به زوال الشك المسبب به ، وسيجيء توضيح ذلك.

هذا ،

______________________________________________________

أما مثال التعارض : فكما إذا شككنا في طهارة الثوب النجس ، المغسول بالماء المشكوك بقاؤه على الكرية ، فإن مقتضى اليقين السابق في الماء المغسول به الثوب النجس هو : طهارة الثوب ، ومقتضى اليقين السابق في الثوب هو : نجاسته ، فالمقتضيان متعارضان ، لكن الشك السببي مقدّم على الشك المسببي.

وأمّا مثال التعاضد : فكما لو شك في بقاء الزوجية فشك من جهته في وجوب النفقة ، فإن استصحاب بقاء الزوجية واستصحاب وجوب النفقة متعاضدان ، لكن لما جرى الاستصحاب الأوّل الذي هو سببي لم يكن مجال للاستصحاب الثاني الذي هو مسببي.

وإنّما لم يبق مجال للثاني لأنه لو كانت الزوجية باقية لم نحتج الى استصحاب وجوب النفقة ، بل تجب النفقة تلقائيا ، لأن وجوب النفقة من آثار الزوجية.

وعليه : فلا يجتمع السببي والمسببي تحت الأدلة (بل الداخل) في الأدلة (هو الشك السببي) فقط.

هذا (ومعنى عدم الاعتناء به) أي : بالشك المسببي هو : (زوال الشك المسبب به) أي : بسبب الشك السببي ، فإذا استصحبنا كرّية الماء لم نشك في طهارة الثوب النجس المغسول به ، وكذلك إذا استصحبنا بقاء الزوجية لم نشك في وجوب النفقة.

(وسيجيء توضيح ذلك) إن شاء الله تعالى فيما يأتي من الشك السببي والمسببي ، وإنه كلما جرى الشك السببي لم يكن مجال للشك المسببي أصلا.

(هذا) تمام الكلام في تساوي التفصيلين : التفصيل المذكور ، والتفصيل الذي

٢٣

ولكن يرد عليه :

أنّه قد يكون الأمر الوجودي أمرا خارجيا ، كالرطوبة يترتّب عليها آثار شرعية ، فإذا شك في وجود الرافع لها لم يجز أن يثبت به الرطوبة حتى يترتّب عليه أحكامها ، لما سيجيء : من أنّ المستصحب لا يترتّب عليه إلّا آثاره الشرعية المترتبة عليه ، بلا واسطة أمر عقلي أو عادي ،

______________________________________________________

اخترناه نحن (ولكن يرد عليه) أي : على تساوي التفصيلين وعدم افتراق أحدهما عن الآخر : إن هنا نقطة افتراق بينهما وهي كما قال :

(أنّه قد يكون الأمر الوجودي أمرا خارجيا ، كالرطوبة) فإن الرطوبة ليست من الأمور الشرعية لكن (يترتّب عليها) أي : على الرطوبة (آثار شرعية) كالنجاسة ، فإذا علمنا برطوبة الثوب وملاقاته للنجس ، ترتّب عليه النجاسة ، لكن إذا شككنا في رطوبة الثوب ، للشك في هبوب ريح تجففها ، فليس لنا أن نستصحب عدم هبوب الريح لنثبت به الرطوبة حتى يترتّب عليها القول بنجاسة الثوب كما قال :

(فإذا شك في وجود الرافع لها) أي : لهذه الرطوبة بأنه هل هبّت ريح فجففتها أم لا؟ (لم يجز أن يثبت به) أي : بعدم هبوب الريح وجود (الرطوبة حتى يترتّب عليه أحكامها) أي : أحكام الرطوبة من السراية إذا وقع الثوب على أرض نجسة.

وإنّما لم يجز ذلك (لما سيجيء : من أنّ المستصحب) كعدم هبوب الريح في المثال (لا يترتّب عليه إلّا آثاره الشرعية المترتبة عليه ، بلا واسطة أمر عقلي أو عادي) أو عرفي ، ومعلوم : إن الرطوبة وعدمها ليس أثرا شرعيا لهبوب الريح وعدمه ، فلا يصح إثبات الرطوبة باستصحاب عدم هبوب الريح ، لأنه يكون حينئذ مثبت والاستصحاب المثبت ليس بحجة.

٢٤

فيتعين حينئذ استصحاب نفس الرطوبة.

وأصالة عدم الرافع : إن أريد بها أصالة عدم ذات الرافع ، كالريح المجفّف للرطوبة ـ مثلا ـ لم ينفع في الأحكام المترتبة شرعا على نفس الرطوبة ، بناء على عدم اعتبار الأصل المثبت ، كما سيجيء.

وإن أريد بها أصالة

______________________________________________________

وعليه : (فيتعين حينئذ) أي : حين لم نتمكن من استصحاب عدم الرافع (استصحاب نفس الرطوبة) لكنك قد عرفت : إن نفس الرطوبة لا تستصحب عند من يقول بعدم جريان الاستصحاب في الوجوديات.

(و) إن قلت : فما فائدة (أصالة عدم الرافع) حينئذ مع تسليم حجيتها؟.

قلت : أصالة العدم على قسمين :

الأوّل : أصالة عدم الرافع من حيث ذات الرافع ، كعدم هبوب الريح لاثبات الرطوبة كما في المثال ، فليس بحجة لأنه مثبت فلا ينفعنا هنا.

الثاني : أصالة عدم الرافع من حيث وصف الرافعية ومرجعها الى أصالة عدم ارتفاع الرطوبة في المثال وهو حجة لكنه لا ينفعنا هنا أيضا.

والى القسم الأوّل أشار المصنّف حيث قال : فإنه (إن أريد بها) أي : بأصالة عدم الرافع : (أصالة عدم ذات الرافع ، كالريح المجفّف للرطوبة ـ مثلا ـ لم ينفع في الأحكام المترتبة شرعا على نفس الرطوبة) كالنجاسة فيما إذا كان الثوب رطبا ولاقى نجسا ، فإنها لا تثبت ، وذلك (بناء على عدم اعتبار الأصل المثبت ، كما سيجيء) الكلام عنه إن شاء الله تعالى.

والى القسم الثاني أشار بقوله : (وإن أريد بها) أي : بأصالة عدم الرافع : (أصالة

٢٥

عدمه من حيث وصفه الرافعيّة ، ومرجعها الى أصالة عدم ارتفاع الرطوبة ، فهي وإن لم يكن يترتّب عليه الأحكام الشرعية للرطوبة ، لكنّها عبارة أخرى عن استصحاب نفس الرطوبة.

فالانصاف : افتراق القولين في هذا القسم.

______________________________________________________

عدمه من حيث وصفه الرافعيّة ، ومرجعها الى أصالة عدم ارتفاع الرطوبة) كما في المثال ، فإن كان هذا هو المراد بها (فهي وإن لم يكن يترتّب عليه الأحكام الشرعية للرطوبة ، لكنّها عبارة أخرى عن استصحاب نفس الرطوبة) وقد تقدّم : إن المفصّل لا يجري الاستصحاب في الوجوديات.

إذن : (فالانصاف : افتراق القولين) : قولنا ، وقول المفصّل بين العدمي والوجودي (في هذا القسم) وهو القسم الثاني من أصالة عدم الرافع ، فيجري فيه الاستصحاب على مختارنا دون التفصيل المذكور ، وذلك بالتوجيه المتقدّم وهو : أن يكون اعتبار الاستصحاب من باب التعبّد ، وأن يكون المترتب على المستصحب هو آثاره الشرعية بلا واسطة ، دون العقلية والعادية والشرعية.

وعليه : فالأثر قد يكون أثرا شرعيا بلا واسطة ، وهذا هو الذي يترتب على الاستصحاب بناء على حجيته من باب التعبد بالاخبار.

وقد يكون أثرا شرعيا مع الواسطة ، أو يكون أثرا غير شرعي ، وكلاهما لا يترتبان على الاستصحاب بناء على حجيته من باب التعبد بالأخبار.

إذن : فتحصل من كلام المصنّف ما يلي : ـ

أولا : تساوي التفصيلين وإن التفصيل المذكور بين الوجودي والعدمي هو التفصيل الذي اختاره المصنّف بين المقتضي والمانع.

ثانيا : عدم تساوي التفصيلين في بعض المواضع ، حيث يجري الاستصحاب

٢٦

حجّة من أنكر اعتباره في الأمور الخارجية

ما حكاه المحقق الخوانساري في شرح الدروس ، وحكاه في حاشية له عند كلام الشهيد : «ويحرم استعمال الماء النجس والمشتبه» على ما حكاه شارح الوافية واستظهره المحقق القمّي قدس‌سره من السبزواري من : «أنّ الاخبار لا يظهر شمولها للأمور الخارجية ، مثل : رطوبة الثوب ونحوها ،

______________________________________________________

فيه على مختار المصنّف دون التفصيل المذكور بين الوجودي والعدمي ، وذلك بناء على حجية الاستصحاب من باب التعبد بالاخبار.

(حجّة) القول الرابع وهو : قول (من أنكر اعتباره) أي : اعتبار الاستصحاب (في الامور الخارجية) أي : في الموضوعات وقال بحجيته في الأحكام الشرعية : (ما حكاه المحقق الخوانساري في شرح الدروس ، وحكاه في حاشية له عند كلام الشهيد) فإن الشهيد قال : (: «ويحرم استعمال الماء النجس والمشتبه») كما في مورد العلم الاجمالي بنجاسة أحد الإناءين ، وذلك (على ما حكاه شارح الوافية).

وعليه : فإن السيد الصدر في شرحه للوافية ، حكى هذا القول عن المحقق الخوانساري في شرح الدروس (واستظهره المحقق القمّي قدس‌سره من السبزواري) أيضا ، فالمحققان : الخوانساري والسبزواري يقولان بهذا التفصيل.

وأما حجة من حكي عنهم هذا التفصيل فهو ما أشار اليه المصنّف بقوله : (من «أنّ الاخبار لا يظهر شمولها للأمور الخارجية) أي : الموضوعات (مثل : رطوبة الثوب ونحوها) فلا يستصحب رطوبة الثوب إذا كان للرطوبة أثر مثل نجاسته بسبب الملاقاة للنجس.

٢٧

إذ يبعد أن يكون مرادهم بيان الحكم في مثل هذه الأمور الذي ليس حكما شرعيا وإن كان يمكن أن يصير منشأ لحكم شرعي ، وهذا ما يقال : إنّ الاستصحاب في الأمور الخارجية لا عبرة به» ، انتهى.

وفيه : أمّا أولا : فبالنقض بالأحكام الجزئية ، مثل : طهارة الثوب من حيث عدم ملاقاته للنجاسة ونجاسته من حيث ملاقاته لها ، فإنّ بيانها أيضا ليس من وظيفة الإمام عليه‌السلام ،

______________________________________________________

وإنّما لا يظهر من الاخبار شمولها لمثل هذه الأمور الخارجية (إذ يبعد أن يكون مرادهم) أي : مراد المعصومين عليهم‌السلام (بيان الحكم في مثل هذه الأمور الذي ليس حكما شرعيا) لأن شأن الشارع بيان الأحكام لا بيان الموضوعات (وإن كان يمكن أن يصير منشأ لحكم شرعي) فإن استصحاب الرطوبة منشأ لحكم شرعي وهو : نجاسة الثوب الرطب الملاقي للنجس.

(وهذا ما يقال : إنّ الاستصحاب في الأمور الخارجية لا عبرة به» (١) انتهى) ما حكاه المحقق الخوانساري رحمه‌الله.

(وفيه : أمّا أولا : فبالنقض بالأحكام الجزئية) فإنه لا شك في جريان الاستصحاب في الأحكام الجزئية (مثل : طهارة الثوب من حيث عدم ملاقاته للنجاسة) فإذا شككنا في إنه هل لاقى النجاسة أم لا ، نستصحب طهارته؟.

(و) كذا مثل (نجاسته من حيث ملاقاته لها) أي : للنجاسة فإذا شككنا في إن الثوب النجس طهّرناه أم لا ، نستصحب نجاسته ، وهكذا سائر الأحكام الجزئية.

وعليه : (فإنّ بيانها) أي : بيان هذه الأحكام الجزئية (أيضا) كالأمور الخارجية مثل استصحاب بقاء زيد ونحو ذلك (ليس من وظيفة الإمام عليه‌السلام)

__________________

(١) ـ القوانين المحكمة : ج ٢ ص ٦٦ ، مشارق الشموس في شرح الدروس : ص ٢٨١.

٢٨

كما أنّه ليس وظيفة المجتهد ولا يجوز التقليد فيها ، وإنّما وظيفته من حيث كونه مبيّنا للشرع : بيان الأحكام الكلّية المشتبهة على الرعيّة.

وأمّا ثانيا : فبالحل ، توضيحه أنّ بيان الحكم الجزئي في المشتبهات الخارجيّة ليس وظيفة للشارع ، ولا لأحد من قبله.

______________________________________________________

لكن الإمام عليه‌السلام بيّنها.

(كما أنّه ليس وظيفة المجتهد) ذلك أيضا (ولا يجوز التقليد فيها) بأن نقلّد في إن الثوب هل لاقى النجس أم لا؟ وأن الثوب النجس هل طهّرناه أم لا؟ (وإنّما وظيفته من حيث كونه مبيّنا للشرع : بيان الأحكام الكلّية المشتبهة على الرعيّة) مثل كل مسكر حرام ، وكل مسكر مائع بالأصالة ، فهو نجس ، وما أشبه ذلك.

إذن : فالذي تقولون به بالنسبة الى هذه الأحكام الجزئية مع إن الشارع بيّنها يلزم أن تقولوا به بالنسبة الى الأمور الخارجية أيضا ، وذلك لعدم الفرق بينهما من الجهة التي ذكرناها.

(وأمّا ثانيا : فبالحل) وذلك بأن الشارع إنّما عليه بيان الحكم الكلي ، لكن الحكم الكلي كما ينطبق على الجزئيات الشرعية ، ينطبق على الجزئيات الخارجية أيضا ، فإن الشارع يقول مثلا : «لا تنقض اليقين بالشك» (١) فإذا شك الانسان في أن شخصا مات أو لم يمت يستصحب حياته ، وإذا شك الانسان في أن شيئا لاقى النجس أو لم يلاق النجس يستصحب طهارته ، وهكذا.

وأما (توضيحه) فهو كما قال : (أنّ بيان الحكم الجزئي في المشتبهات الخارجيّة ليس وظيفة للشارع ، ولا لأحد من قبله) أي : من قبل الشارع كالمجتهد

__________________

(١) ـ الكافي (فروع) : ج ٣ ص ٣٥١ ح ٣ ، تهذيب الاحكام : ج ٢ ص ١٨٦ ب ٢٣ ح ٤١ ، الاستبصار : ج ١ ص ٣٧٣ ب ٢١٦ ح ٣ ، وسائل الشيعة : ج ٨ ص ٢١٧ ب ١٠ ح ١٠٤٦٢.

٢٩

نعم ، حكم المشتبه حكمه الجزئي ، كمشكوك النجاسة أو الحرمة ، حكم شرعي كلّي ليس بيانه إلّا وظيفة للشارع ، وكذلك الموضوع الخارجي كرطوبة الثوب ، فإنّ بيان ثبوتها وانتفائها في الواقع ليس وظيفة للشارع.

نعم ، حكم الموضوع المشتبه في الخارج ، كالمائع المردّد بين الخل والخمر حكم كلّي ليس بيانه وظيفة إلّا للشارع ، وقد قال الصادق عليه‌السلام :

______________________________________________________

بما هو حكم جزئي.

(نعم ، حكم) ذلك (المشتبه حكمه الجزئي) فحكمه : فاعل المشتبه ، والجزئي : صفة حكمه (كمشكوك النجاسة أو الحرمة) بما هو حكم كلي ، فإنه (حكم شرعي كلّي ليس بيانه إلّا وظيفة للشارع) حيث قال سبحانه : (يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ، وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ) (١).

(وكذلك الموضوع الخارجي كرطوبة الثوب ، فإنّ بيان ثبوتها) أي : الرطوبة (وانتفائها في الواقع) أي : إنه خارجا هل هو رطب أو ليس برطب فإن هذا بما هو (ليس وظيفة للشارع) وإنّما هو وظيفة الانسان بنفسه.

(نعم ، حكم) ذلك (الموضوع المشتبه في الخارج كالمائع المردّد بين الخل والخمر) بما هو حكم كلّي ، فإنه (حكم كلّي ليس بيانه وظيفة إلّا للشارع).

وكذلك بقية الموضوعات المشتبهة في الخارج ، كرطوبة الثوب وعدمها الثوب نجسا ، فإنه يلزم استطراق باب الشارع لنظر ما بيّنه من حكم كلي لهذه الجزئيات ، فنطبّق ذلك الكلي على هذه الجزئيات الخارجية.

هذا (وقد قال الصادق عليه‌السلام) في بيان الحكم الكلي لأمثال هذه الجزئيات :

__________________

(١) ـ سورة الاعراف : الآية ١٥٧.

٣٠

«كلّ شيء لك حلال حتى تعلم أنّه حرام ، وذلك مثل الثّوب يكون عليك» الى آخره ، وقوله في خبر آخر : «سأخبرك عن الجبنّ» ، وغيره.

ولعلّ التوهّم نشأ من تخيّل أنّ ظاهر «لا تنقض» : إبقاء نفس المتيقن السابق ، وليس إبقاء الرطوبة ممّا يقبل حكم الشارع بوجوبه.

ويدفعه بعد النقض بالطهارة المتيقنة سابقا ، فإنّ إبقاءها ليس من الأفعال الاختياريّة القابلة للايجاب :

______________________________________________________

(«كلّ شيء لك حلال حتى تعلم أنّه حرام ، وذلك مثل الثّوب يكون عليك» (١) الى آخره ، وقوله) عليه‌السلام : (في خبر آخر : «سأخبرك عن الجبنّ» (٢) ، وغيره (٣)) فبيّن الإمام الحكم الكلي ونحن نطبّقه على الجزئي الخارجي.

(ولعلّ التوهّم) بأن بيان حكم الجزئي ليس من وظيفة الشارع (نشأ من تخيّل أنّ ظاهر «لا تنقض» : إبقاء نفس المتيقن السابق ، و) معلوم : إنه (ليس إبقاء الرطوبة ممّا يقبل حكم الشارع بوجوبه) فإنّ الموضوع الخارجي من الأمور التكوينية وليس من الأمور التشريعية حتى يثبت أو يسقط بالتشريع.

(ويدفعه بعد النقض بالطهارة المتيقنة سابقا ، فإنّ إبقاءها) أي : الطهارة السابقة (ليس من الأفعال الاختياريّة القابلة للايجاب) أي القابلة لايجاب البقاء ، فإن الاختيار فيما يصلح للاختيار إنّما هو بالنسبة الى المستقبل ، وأمّا فيما مضى فقد خرج عن الاختيار ولا يوصف به.

__________________

(١) ـ الكافي (فروع) : ج ٥ ص ٣١٣ ح ٤٠ ، تهذيب الاحكام : ج ٧ ص ٢٢٦ ب ٢١ ح ٩ ، وسائل الشيعة : ج ١٧ ص ٨٩ ب ٤ ح ٢٢٠٥٣ ، بحار الانوار : ج ٢ ص ٢٧٣ ب ٣٣ ح ١٢.

(٢) ـ انظر الكافي (فروع) : ج ٦ ص ٣٣٩ ح ٢ ، وسائل الشيعة : ج ٢٥ ص ١١٨ ب ٦١ ح ٣١٣٧٧ ، بحار الانوار : ج ٦٥ ص ١٥٦ ح ٣٠.

(٣) ـ كرواية اللحم المشترى من السوق ، راجع الاستبصار : ج ٤ ص ٧٥ ب ٤٨ ح ١ ، وسائل الشيعة : ج ٢٤ ص ٧٠ ب ٢٩ ح ٣٠٠٢٣ (بالمعنى).

٣١

أنّ المراد من الابقاء وعدم النقض هو : ترتيب الآثار الشرعية المترتّبة على المتيقن. فمعنى استصحاب الرطوبة ترتيب آثارها الشرعية في زمان الشك ، نظير استصحاب الطهارة. فطهارة الثوب ورطوبته سيّان في عدم قابلية الحكم بإبقائهما عند الشك وفي قابلية الحكم بترتب آثارهما الشرعية في زمان الشك.

______________________________________________________

وإنّما خرج ما مضى عن الاختيار لأن الفعل الاختياري ما كان كل من الفعل والترك فيه مقدورا للمكلف ، ومن المعلوم : إن الطهارة المتيقنة بالنسبة الى سابق الشك إن نقضت فالابقاء غير مقدور ، وإن لم تنقض فترك الابقاء غير مقدور.

وعليه : فإنه يدفع التوهم المذكور بعد النقض المزبور يدفعه : (أنّ المراد من الابقاء وعدم النقض هو : ترتيب الآثار الشرعية المترتّبة على المتيقن) لا إبقاء نفس المتيقن ، ومن المعلوم : إن ترتيب الآثار وعدم ترتيب الآثار هو من الأمور الاختيارية.

إذن : (فمعنى استصحاب الرطوبة) الذي هو أمر خارجي : (ترتيب آثارها الشرعية في زمان الشك) كما إنه لو لم نقل باستصحاب الرطوبة كان معناه : عدم ترتيب آثارها الشرعية ، فاستصحاب الرطوبة إذن هو (نظير استصحاب الطهارة) الذي هو أمر شرعي من حيث ترتيب الآثار الشرعية أو عدم ترتيبها.

وعليه : (فطهارة الثوب) الذي هو أمر شرعي (ورطوبته) الذي هو أمر خارجي (سيّان في عدم قابلية الحكم بإبقائهما عند الشك) فإن الأمر التكويني ، كما ذكرنا غير قابل للابقاء وعدم الابقاء.

(و) كذا سيّان أيضا (في قابلية الحكم بترتب آثارهما الشرعية في زمان الشك) لأن الأمر الاعتباري المستقبلي يمكن ترتيبه ، كما يمكن عدم ترتيبه.

٣٢

فالتفصيل بين كون المستصحب من قبيل رطوبة الثوب وكونه من قبيل طهارته ، لعدم شمول أدلّة «لا تنقض» للأول ، في غاية الضعف.

نعم ، يبقى في المقام : أنّ استصحاب الامور الخارجية إذا كان معناه : ترتيب آثارها الشرعية لا يظهر له فائدة ، لأنّ تلك الآثار المترتّبة عليه كانت مشاركة معه في اليقين السابق ، فاستصحابها يغني عن استصحاب نفس الموضوع ،

______________________________________________________

إذن : (فالتفصيل بين كون المستصحب من قبيل رطوبة الثوب) وحياة زيد (وكونه من قبيل طهارته) ونجاسته (لعدم شمول أدلّة «لا تنقض» للأول) وشموله للثاني (في غاية الضعف) على ما عرفت ، فمقتضى القاعدة : جريان الاستصحاب فيهما معا.

(نعم ، يبقى في المقام : أنّ استصحاب الامور الخارجية إذا كان معناه : ترتيب آثارها الشرعية) على كما ذكرنا : من إن معنى الاستصحاب ذلك ، فإنه (لا يظهر له) أي : لهذا الاستصحاب (فائدة).

وإنّما لا يظهر له فائدة (لأنّ تلك الآثار المترتّبة عليه كانت مشاركة معه) أي : مع تلك الأمور الخارجية (في اليقين السابق) فكان زيد وكان معه حرمة ماله ومعه حرمة زوجته (فاستصحابها) أي : استصحاب تلك الآثار الشرعية (يغني عن استصحاب نفس الموضوع).

والحاصل : إن هنا موضوعا : هو زيد ، وحكما : هو حرمة ماله ، حيث إنه إذا مات حلّ ماله لوارثه ، والمقصود : استصحاب الحكم وهو : حرمة ماله فلما ذا تستصحبون الموضوع وهو : بقاء زيد ، والحال إن استصحاب الحكم مغن عن بقاء الموضوع؟.

٣٣

فإنّ استصحاب حرمة مال زيد الغائب وزوجته يغني عن استصحاب حياته إذا فرض أنّ معنى إبقاء الحياة : ترتب آثارها الشرعية.

نعم ، قد يحتاج إجراء الاستصحاب في آثاره إلى أدنى تدبّر ، كما في الآثار غير المشاركة معه في اليقين السابق ، مثل توريث الغائب من قريبه المتوفّى في زمان الشك في حياة الغائب ، فانّ التوريث غير متحقّق حال اليقين بحياة الغائب ، لعدم موت قريبه بعد.

______________________________________________________

وعليه : (فإنّ استصحاب حرمة مال زيد الغائب) فيما إذا شككنا في انه مات أم لا ، للمنع من التصرف فيه ، (و) استصحاب حرمة (زوجته) للمنع من تزوجها (يغني عن استصحاب حياته إذا فرض أنّ معنى إبقاء الحياة : ترتب آثارها الشرعية) على ما ذكرتم : من إن استصحاب الحياة إنّما يفيد ترتيب الآثار الشرعية.

(نعم) وهذا استثناء من قوله قبل قليل : «نعم يبقى في المقام» ، فانه (قد يحتاج إجراء الاستصحاب في آثاره إلى أدنى تدبّر) وهو فيما إذا لم يمكن استصحاب الآثار استصحابا مطلقا ، بل استصحابا تعليقيا ، وذلك (كما في الآثار غير المشاركة معه في اليقين السابق) فانه لا يمكن الاستصحاب فيها إلّا على نحو التعليق وذلك (مثل توريث الغائب من قريبه المتوفّى في زمان الشك في حياة الغائب) حيث يكون زيد الغائب ، ولم يكن معه توريثه من قريبه المتوفى الآن ـ مثلا ـ.

وعليه : (فانّ التوريث غير متحقّق حال اليقين بحياة الغائب ، لعدم موت قريبه بعد) أي : في حال اليقين بحياة الغائب ، والمتوهم بقوله : «نعم يبقى في المقام» ، يتوهم ان هنا يستصحب الحكم أيضا ، وهو عدم التوريث ، لأن الغائب لم يكن

٣٤

لكن مقتضى التدبّر اجراء الاستصحاب على وجه التعليق ، بأن يقال : لو مات قريبه قبل الشك في حياته لورث منه.

وبعبارة اخرى : موت قريبه قبل ذلك كان ملازما لارثه منه ، ولم يعلم انتفاء الملازمة فيستصحب.

وبالجملة : الآثار المترتبة

______________________________________________________

وارثا حال حياة أبيه ، فاذا شككنا في موت الغائب نستصحب عدم ارثه (لكن مقتضى التدبّر اجراء الاستصحاب) هنا أيضا ، لأن الحكم والموضوع كليهما كانا سابقا ولكن مع فارق وهو : ان الحكم كان سابقا في استصحاب حرمة مال زيد على وجه التحقيق ، وهنا على وجه التعليق.

إذن : فالاستصحاب يجري هنا (على وجه التعليق ، بأن يقال : لو مات قريبه قبل الشك في حياته لورث منه) فكان الموضوع وهو الغائب ، وكان الحكم التعليقي وهو التوريث.

(وبعبارة اخرى : موت قريبه قبل ذلك) أي : قبل زمان الشك (كان ملازما لارثه منه ، ولم يعلم انتفاء الملازمة فيستصحب) بقاء الملازمة ، فالأثر مشارك معه في اليقين السابق أيضا.

والحاصل من قوله نعم يبقى في المقام إلى هنا هو : ان المستشكل يقول لا حاجة إلى استصحاب الموضوع لترتيب الآثار ، بل نستصحب نفس الآثار ، سواء كان حكما تنجيزيّا مثل : حرمة مال الغائب إذا شككنا في انه مات أو لم يمت ، أم حكما تعليقيا مثل : ارث الغائب عن أبيه إذا مات أبوه ، ولا نعلم هل ان الغائب حي أو ميت؟.

(وبالجملة) : لا فرق بين الآثار التنجيزية ، والآثار التعليقية ، إذ (الآثار المترتبة

٣٥

على الموضوع الخارجي منها : ما يجتمع معه في زمان اليقين به ، ومنها : ما لا يجتمع معه في ذلك الزمان.

لكن عدم الترتب فعلا في ذلك الزمان ، مع فرض كونه من آثاره شرعا ، ليس إلّا لمانع في ذلك الزمان ، أو لعدم شرط ، فيصدق في ذلك الزمان أنّه لو لا ذلك المانع أو عدم الشرط لترتب الآثار ، فاذا فقد المانع الموجود ، أو وجد الشرط المفقود ، وشك في ترتّبه من جهة الشك في بقاء ذلك الأمر الخارجي ،

______________________________________________________

على الموضوع الخارجي) كحياة زيد الغائب الذي نشك في انه حي أو ليس بحي تكون على قسمين :

(منها : ما يجتمع معه في زمان اليقين به) أي : اليقين بالموضوع وهو زيد.

(ومنها : ما لا يجتمع معه في ذلك الزمان) أي : زمان اليقين.

(لكن عدم الترتب فعلا في ذلك الزمان) ترتبا تنجيزيا (مع فرض كونه من آثاره شرعا ، ليس إلّا لمانع في ذلك الزمان ، أو لعدم شرط) أي : ان الحكم إذا لم يترتّب في الزمان السابق ، فلوجود مانع عن ترتب الحكم ، أو فقد شرط للحكم.

وعليه : (فيصدق في ذلك الزمان) أي : زمان اليقين وهو الزمان السابق (أنّه لو لا ذلك المانع ، أو) لو لا (عدم الشرط ، لترتب الآثار) عليه وهو الحكم.

مثلا : حياة الأب الذي هو مورث الابن الغائب في المثال السابق مانع عن الارث ، وموته شرط للارث (فاذا فقد المانع الموجود ، أو وجد الشرط المفقود ، وشك في ترتّبه) أي : ترتب الحكم وهو الارث في المثال (من جهة الشك في بقاء ذلك الأمر الخارجي) كحياة الابن الغائب الذي شككنا في انه هل بقي حيا حتى يرث من أبيه ، أو لم يبق حيا حتى لا يرثه؟.

٣٦

حكم باستصحاب ذلك الترتّب الشأني ، وسيأتي لذلك مزيد توضيح في بعض التنبيهات الآتية.

هذا ، ولكنّ التحقيق أنّ في مورد جريان الاستصحاب في الأمر الخارجي لا يجري استصحاب الأثر المترتّب عليه.

فاذا شكّ في بقاء حياة زيد ، فلا سبيل إلى إثبات آثار حياته إلّا بحكم

______________________________________________________

فان الشك في ترتب الحكم من هذه الجهة (حكم باستصحاب ذلك الترتّب الشأني) فنقول : ان الأب لو مات في السابق ، كان الابن يرثه ، والآن نستصحب ذلك الارث الشأني بعد ان وجد شرط الارث وهو : موت أب الغائب.

هذا (وسيأتي لذلك) الاستصحاب التعليقي (مزيد توضيح في بعض التنبيهات الآتية) إن شاء الله تعالى.

ثم لا يخفى : ان (هذا) الذي ذكرناه من الاشكال بقولنا : «نعم يبقى في المقام» ممّا كان حاصله : ان المتوهم يقول : بأنّا نستصحب الحكم فلا حاجة إلى استصحاب الموضوع ، سواء كان الحكم تنجيزيا ، أم تعليقيا ، غير تام كما قال :

(ولكنّ التحقيق) ان الاشكال بقوله : «نعم يبقى في المقام» ، غير تام ، إذ استصحاب الموضوع سببي ، واستصحاب الحكم مسببي ، وكلما أمكن الاستصحاب السببي لم يبق مجال للاستصحاب المسببي ، فاللازم ان نستصحب حياة زيد الغائب ، لا ان نستصحب حرمة ماله أو ان نستصحب حرمة زوجته كما قال : (أنّ في مورد جريان الاستصحاب في الأمر الخارجي لا يجري استصحاب الأثر المترتّب عليه) لأن استصحاب الأمر الخارجي سببي واستصحاب الأثر مسببي.

وعليه : (فاذا شك في بقاء حياة زيد ، فلا سبيل إلى إثبات آثار حياته إلّا بحكم

٣٧

الشارع بعدم جواز نقض حياته بمعنى : وجوب ترتيب الآثار الشرعية المترتبة على الشخص الحي ، ولا يغني عن ذلك اجراء الاستصحاب في نفس الآثار ، بأن يقال بأنّ حرمة ماله وزوجته كانت متيقنة فيحرم نقض اليقين بالشك ، لأنّ حرمة المال والزوجة إنّما يترتّبان في السابق على الشخص الحي بوصف أنّه حي ، فالحياة داخل في موضوع المستصحب ، وهي مشكوكة في الزمن اللاحق ،

______________________________________________________

الشارع بعدم جواز نقض حياته) أي : يلزم علينا ان نستصحب وجود زيد ، لا ان نستصحب آثار حياته من حرمة زوجته وحرمة ماله وما أشبه ذلك.

وإنّما لا سبيل إلى الآثار الشرعية إلّا باثبات موضوعها وهي الحياة هنا ، لأن حكم الشارع بعدم جواز نقض الحياة إنّما هو (بمعنى : وجوب ترتيب الآثار الشرعية المترتبة على) الموضوع الخارجي وهو (الشخص الحي) كزيد مثلا ، فلا بد من إثباته لترتب آثاره عليه.

(و) من المعلوم : انه ما لم يثبت الموضوع لم يترتب عليه آثاره ، ولذا (لا يغني عن ذلك) أي : عن استصحاب الموضوع (اجراء الاستصحاب في نفس الآثار ، بأن يقال) في استصحاب نفس الآثار : (بأنّ حرمة ماله وزوجته كانت متيقنة) في الزمان السابق (فيحرم نقض اليقين بالشك).

وإنّما نقول : لا يغني ذلك عن استصحاب الموضوع (لأنّ حرمة المال والزوجة إنّما يترتّبان في السابق على الشخص الحي بوصف أنّه حي ، فالحياة داخل في موضوع المستصحب) فالمستصحب إذن هو الشخص الحي (وهي) أي الحياة (مشكوكة في الزمن اللاحق) وما دامت مشكوكة لم نقطع ببقاء الموضوع ، فلم يترتب عليه آثاره إلّا إذا استصحبنا نفس الحياة وقطعنا

٣٨

وسيجيء اشتراط القطع ببقاء الموضوع في الاستصحاب ، واستصحاب الحياة لاحراز الموضوع في استصحاب الآثار غلط ، لأنّ معنى استصحاب الموضوع : ترتيب آثاره الشرعية.

فتحقّق أنّ استصحاب الآثار نفسها غير صحيح ، لعدم إحراز الموضوع ، واستصحاب الموضوع كاف في إثبات الآثار.

وقد مرّ في مستند التفصيل السابق وسيجيء

______________________________________________________

ببقاء الموضوع.

(وسيجيء اشتراط القطع ببقاء الموضوع في الاستصحاب) فكيف يمكن استصحاب حرمة ماله وحرمة زوجته بدون القطع ببقاء حياته؟.

(و) ان قلت : سلّمنا : فانا نستصحب حياة زيد ، لكن بعد ان استصحبنا حياته نستصحب حرمة ماله وزوجته.

قلت : (استصحاب الحياة لاحراز الموضوع في استصحاب الآثار) كحرمة ماله وزوجته (غلط) إذ لا حاجة إلى استصحاب الآثار ، لأنه مسبّبي بعد استصحاب الموضوع الذي هو سببي ، فالسببي لا يدع مجالا للمسببي (لأنّ معنى استصحاب الموضوع : ترتيب آثاره الشرعية) فلا حاجة إلى استصحاب الآثار.

إذن : (فتحقّق : أنّ استصحاب الآثار نفسها غير صحيح ، لعدم احراز الموضوع ، واستصحاب الموضوع كاف في إثبات الآثار) فلا حاجة بعده إلى استصحاب الآثار ، وعلى هذا فقول المستشكل : «نعم يبقى في المقام» ، لا مورد له.

هذا (وقد مرّ في مستند التفصيل السابق) بين الوجودي والعدمي (وسيجيء)

٣٩

في اشتراط بقاء الموضوع وفي تعارض الاستصحابين أنّ الشك المسبّب عن شك آخر لا يجامع معه في الدخول تحت عموم «لا تنقض» ، بل الداخل هو الشك السببي ، ومعنى عدم الاعتناء به وعدم جعله ناقضا لليقين زوال الشك المسبّب به ، فافهم.

______________________________________________________

ان شاء الله تعالى (في اشتراط بقاء الموضوع ، وفي تعارض الاستصحابين) هذا المطلب أيضا وهو : (أنّ الشك المسبّب عن شك آخر لا يجامع) المسبّب (معه) أي : مع السبب (في الدخول تحت عموم «لا تنقض») بلا فرق بين ان يكون السببي والمسببي متعاضدين أو متخالفين على ما تقدّم (بل الداخل) تحت الأدلة (هو الشك السببي) فقط لا المسببي.

(ومعنى عدم الاعتناء به) أي : بالشك السببي (وعدم جعله) أي : جعل الشك السببي (ناقضا لليقين) السابق معناه : (زوال الشك المسبّب به) أي : بالشك السببي حتى يكون الشك المسببي في حكم العدم.

(فافهم) ولعله إشارة إلى انه قد لا يمكن استصحاب الموضوع ، لأن العرف يرون عدم الموضوع السابق إلّا بالمسامحة ، مما نضطر إلى استصحاب الحكم ، كما مثّل لذلك صاحب الرياض في المنقول عنه بما يلي :

لو رأت المرأة الدم في أول وقت الفريضة ، وتردد دمها بين الحيض والاستحاضة ، فيقال : انه قد جاز لها الدخول في الفريضة قبل رؤية الدم ، إلّا انّ فقد الشرط وهو دخول الوقت قد منع من ثبوت هذا الحكم لها قبل الرؤية ، لكن مع تحقق الشرط يشك في ترتب هذا الحكم عليها من جهة الشك في بقاء الموضوع على الصفة التي كان معها موضوعا له ، وهو صفة الخلو من الحيض ، فتستصحب الملازمة الثابتة قبل الرؤية إلى ما بعدها.

٤٠