الوصائل إلى الرسائل - ج ١٢

آية الله السيد محمد الشيرازي

الوصائل إلى الرسائل - ج ١٢

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة عاشوراء للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7263-12-0
ISBN الدورة:
964-7263-04-X

الصفحات: ٤٠٠

فإذا وجد الخلاف في الألفاظ التي يقع بها الطلاق ، فالمستدلّ على أنّ الطلاق لا يقع بها لو قال : «حلّ الوطي ثابت قبل النطق بها فكذا بعده» ، كان صحيحا فإنّ المقتضي للتحليل ـ وهو العقد ـ اقتضاه مطلقا ولا يعلم أنّ الألفاظ المذكورة رافعة لذلك الاقتضاء ، فيثبت الحكم عملا بالمقتضي.

لا يقال : إنّ المقتضي هو العقد ، ولم يثبت أنّه باق.

«لأنّا نقول :

______________________________________________________

بشيء ، فقد قال سبحانه : (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) (١) ونحو ذلك من الأدلة المطلقة لحل الوطي بسبب النكاح.

وعليه : (فإذا وجد الخلاف) بين العلماء (في الألفاظ التي يقع بها الطلاق) مثل لفظ خليّة ، وبريّة ، ونحوهما ممّا كان من باب الشبهة الحكمية (فالمستدلّ على أنّ الطلاق لا يقع بها) أي : بهذه الألفاظ (لو قال : «حلّ الوطي ثابت قبل النطق بها) أي : بهذه الألفاظ (فكذا بعده») أي : بعد النطق بها (كان) استدلاله (صحيحا).

وإنّما كان استدلاله صحيحا لأنه كما قال : (فإنّ المقتضي للتحليل ـ وهو العقد ـ اقتضاه مطلقا) أي : سواء جرت هذه الألفاظ أم لم تجر (ولا يعلم أنّ الألفاظ المذكورة رافعة لذلك الاقتضاء) المطلق (فيثبت الحكم) بحل الوطي (عملا بالمقتضي) الذي هو النكاح.

(لا يقال : إنّ المقتضي) لحلّ الوطي (هو العقد) بمعنى : العلقة الزوجية (ولم يثبت أنّه باق) بعد جريان هذه الألفاظ ، فيكون الشك فيه من الشك في المقتضي.

(«لأنّا نقول) : بل المقتضي لحل الوطي هو اللفظ لا العلقة الزوجية ،

__________________

(١) ـ سورة البقرة : الآية ٢٢٣.

١٨١

وقوع العقد اقتضى حلّ الوطي لا مقيّدا ، فيلزم دوام الحل ، نظرا إلى وقوع المقتضي لا دوامه ، فيجب أن يثبت الحلّ حتى يثبت الرافع. فان كان الخصم يعني بالاستصحاب ما أشرنا إليه ، لم يكن ذلك عملا بغير دليل ؛ وإن كان يعني أمرا آخر وراء هذا ، فنحن مضربون عنه» ، انتهى.

______________________________________________________

ومع (وقوع) لفظ (العقد ، اقتضى حلّ الوطي) اقتضاء مطلقا (لا مقيّدا) بعدم هذه الألفاظ المشكوكة.

وعليه : (فيلزم دوام الحل ، نظرا إلى وقوع المقتضي) وهو وقوع لفظ العقد (لا دوامه) أي : لا نظرا إلى دوام المقتضي حتى يقال : لم يثبت انه باق بعد هذه الألفاظ ، فيكون من الشك في المقتضي.

إذن : فإنا لا ندّعي دوام الحل حتى يقال : لو كنا نعلم دوام الحل لم نحتج إلى الاستصحاب ، ولا ندّعي دوام المقتضي حتى يقال : لم يثبت انه باق بعد هذه الألفاظ ، وإنّما نقول المقتضي قد وجد ولم نعلم بارتفاعه ، فاللازم القول ببقائه (فيجب أن يثبت الحلّ حتى يثبت الرافع) وثبوت الرافع إنّما هو بألفاظ الطلاق المعروفة لا بهذه الألفاظ.

وعليه : (فان كان الخصم يعني بالاستصحاب ما أشرنا إليه) : من شمول إطلاق الدليل للآن الثاني ، ويقول في ذلك : بأنه عمل من غير دليل ، فنقول له : بأنه (لم يكن ذلك عملا بغير دليل) وإنّما لدليل وهو الاطلاق.

(وإن كان يعني أمرا آخر وراء هذا ، فنحن مضربون عنه» (١)) ولا نقول به.

(انتهى) كلام المحقق في المعارج.

__________________

(١) ـ معارج الاصول : ص ٢٠٩.

١٨٢

وحاصل هذا الاستدلال يرجع إلى : كفاية وجود المقتضي ، وعدم العلم بالرافع لوجود المقتضي.

وفيه : أنّ الحكم بوجود الشيء لا يكون إلّا مع العلم بوجود علّته التامّة التي من أجزائها عدم الرافع ، فعدم العلم به يوجب عدم العلم بتحقق العلّة التامّة ، إلّا أن يثبت التعبّد من الشارع بالحكم بالعدم عند عدم العلم به ، وهو عين الكلام في اعتبار الاستصحاب.

______________________________________________________

(وحاصل هذا الاستدلال يرجع إلى : كفاية وجود المقتضي ، وعدم العلم بالرافع لوجود المقتضي) فما دام لا نعلم بأن هناك رافعا للمقتضي نحكم ببقاء المقتضي.

(وفيه : أنّ الحكم بوجود الشيء لا يكون إلّا مع العلم بوجود علّته التامّة التي من أجزائها عدم الرافع) وذلك بأن نعلم بأن المقتضي موجود وبأن الرافع مفقود أيضا ، فعلمنا بوجود المقتضي وحده لا يكفي لأن نقول ببقاء المعلول.

إذن : (فعدم العلم به) أي : بعدم الرافع الذي هو جزء العلة (يوجب عدم العلم بتحقق العلّة التامّة) فلا نتمكن من الحكم ببقاء المعلول (إلّا أن يثبت التعبد من الشارع بالحكم بالعدم) أي : الحكم بعدم الرافع (عند عدم العلم به) وذلك بأن يقول الشارع : إذا علمت بوجود المقتضي ولم تعلم بوجود الرافع ، فاحكم ببقاء الحكم الذي هو المعلول لذلك المقتضي.

(وهو) أي : ثبوت هذا التعبد من الشارع ، وعدم ثبوته (عين الكلام في اعتبار الاستصحاب) أي : أول الكلام ، فلا يمكن ان يتخذه المحقق دليلا على حجية الاستصحاب.

١٨٣

والأولى : الاستدلال له بما استظهرناه من الروايات السابقة ـ بعد نقلها ـ من أنّ النقض : رفع الأمر المستمر في نفسه ، وقطع الشيء المتصل كذلك ، فلا بد أن يكون متعلّقه ما يكون له استمرار واتصال وليس ذلك نفس اليقين ، لانتقاضه بغير اختيار المكلّف ، فلا يقع في حيّز التحريم ، ولا أحكام اليقين من حيث هو وصف من الأوصاف ، لارتفاعها بارتفاعه قطعا.

______________________________________________________

(و) عليه : فان (الأولى : الاستدلال له) أي : للقول التاسع وهو التفصيل بين الشك في الرافع فيجري فيه الاستصحاب ، وبين الشك في المقتضى فلا يجري فيه الاستصحاب ان يكون (بما استظهرناه من الروايات السابقة بعد نقلها) أي : بعد نقل تلك الروايات ، فانّ الظرف متعلق بالاستظهار يعني : نقلها الروايات أولا ، ثم استظهرنا منها ذلك المعنى.

أمّا ما استظهره منها فهو كما قال : (من أنّ النقض : رفع الأمر المستمر في نفسه ، وقطع الشيء المتصل كذلك) أي في نفسه (فلا بد أن يكون متعلّقه) أي : متعلق القطع أيضا (ما يكون له استمرار واتصال) في نفسه.

هذا (وليس ذلك) الشيء المستمر والمتصل (نفس اليقين ، لانتقاضه) أي : لانتقاض اليقين (بغير اختيار المكلّف) عند الشك ، فان اليقين ينتقض تلقائيا (فلا يقع في حيّز التحريم) حتى يقول الشارع : لا تنقض اليقين.

(ولا أحكام اليقين من حيث هو) أي : اليقين (وصف من الأوصاف) النفسية ، كما تقدّم فيما إذا نذر التصدق في كل يوم بدرهم ما دام كونه متيقنا ببقاء ولده ، فانه إذا شك في بقائه ذهبت صفته النفسية وذهبت معها وجوب التصدق.

وإنّما قال : لا احكام اليقين (لارتفاعها) أي : ارتفاع تلك الأحكام (بارتفاعه) أي : بارتفاع اليقين الذي هو صفة نفسيّة (قطعا) لتبدّله بالشك.

١٨٤

بل المراد به ، بدلالة الاقتضاء ، الأحكام الثابتة للمتيقّن بواسطة اليقين ، لأنّ نقض اليقين بعد ارتفاعه لا يعقل له معنى سوى هذا.

فحينئذ : لا بد أن يكون أحكام المتيقّن كنفسه ممّا يكون مستمرّا لو لا الناقض.

______________________________________________________

(بل المراد به) أي : بمتعلق لا تنقض (بدلالة الاقتضاء) وقد تقدّم معنى دلالة الاقتضاء ، وهو : ما يتوقف صدق الكلام ، أو صحته عليه ، إذ لو لا هذا المعنى الذي نذكره لقوله عليه‌السلام : لا تنقض اليقين ، لكان الكلام امّا غير صحيح ، وامّا غير صادق ، وكلاهما غير معقول في كلام العقلاء العاديين فكيف بكلامهم صلوات الله عليهم أجمعين؟.

إذن : فالمراد هو : عدم نقض (الأحكام الثابتة للمتيقّن بواسطة اليقين) فانه إذا تيقن بالوضوء ، فالوضوء متعلق اليقين ، فهو المتيقن ولهذا الوضوء الذي هو المتيقن أحكام مثل : دخول الصلاة ، وصحة الطواف ، ومسّ كتابة القرآن ، وما أشبه ذلك.

وإنّما يكون المراد منه : الأحكام الثابتة للمتيقن (لأنّ نقض اليقين بعد ارتفاعه) من نفسه بسبب الشك وزوال الصفة النفسية عن الانسان (لا يعقل له) أي : للنهي عن نقضه (معنى سوى هذا) الذي ذكرناه : من ان المراد منه هو : عدم نقض الأحكام الثابتة للمتيقن.

(فحينئذ) أي : حين أراد من قوله : لا تنقض اليقين : لا تنقض الأحكام الثابتة للمتيقن (لا بد أن يكون أحكام المتيقّن كنفسه) أي : كنفس اليقين (ممّا يكون مستمرّا) في نفسه (لو لا الناقض).

وإلّا لم يصدق عليه النقض ، فإنّ الطهارة في المثال أمر مستمر لو لا الناقض ،

١٨٥

هذا ، ولكن لا بدّ من التأمّل في أنّ هذا المعنى جار في المستصحب العدمي أم لا ، ولا يبعد تحقّقه ، فتأمل.

ثم إنّ نسبة القول المذكور إلى المحقق ،

______________________________________________________

بينما عند الشك في المقتضي لا يكون الأمر هكذا ، فيختص دليل الاستصحاب بما إذا كان الشك في الرافع.

(هذا ، ولكن لا بدّ من التأمّل في أن هذا المعنى) الذي ذكرناه للنقض ولزوم ان يكون متعلقه أيضا وهو المتيقن أمرا مستحكما يقتضي الاستمرار ممّا يخصّص الاستصحاب بالشك في الواقع ، هذا المعنى هل هو (جار في المستصحب العدمي أم لا) حيث يظهر : ان العدم ليس أمرا مستحكما حتى يصدق عليه النقض؟ (و) لكن (لا يبعد تحقّقه) أي : تحقق المعنى المذكور وجريانه في العدميات أيضا ، وذلك من جهة ان عدم العلة علة للعدم وهي مستمرة.

(فتأمل) ولعله إشارة إلى ان الشك في العدمي يرجع إلى الشك في علته ، وانها هل تقتضي البقاء إلى زمن الشك أم لا؟ فيكون الشك في المقتضي ولا يجري فيه الاستصحاب.

أو لعله إشارة إلى التأمل في أصل المطلب وهو : ان قوله عليه‌السلام : لا تنقض اليقين مطلق يشمل الشك في المقتضي والشك في الرافع عرفا ، والعرف هو المحكّم في أمثال هذه الامور ، لأنهم هم الذين القي إليهم الكلام ، فالقول بالتفصيل بين الاستصحاب في الشك في الرافع فيجري ، والشك في المقتضي فلا يجري ، خلاف ظاهر الدليل.

(ثم إنّ نسبة القول المذكور) من التفصيل بين الشك في المقتضي فلا يجري الاستصحاب فيه ، والشك في الرافع فيجري فيه الاستصحاب (إلى المحقق ،

١٨٦

مبنيّ على أنّ مراده من دليل الحكم في كلامه بقرينة تمثيله بعقد النكاح في المثال المذكور : هو المقتضي ،

______________________________________________________

مبنيّ على أنّ مراده من دليل الحكم في كلامه) المتقدم حيث قال : والذي نختاره ان ننظر في دليل الحكم ، وذلك (بقرينة تمثيله بعقد النكاح في المثال المذكور : هو المقتضي) للحكم ، لا عموم النص أو إطلاقه.

وإلّا فمع قطع النظر عن تمثيل المحقق بعقد النكاح الدال على انه أراد من دليل الحكم : المقتضي للحكم ، لكان الظاهر : انه أراد من دليل الحكم : عموم النص أو إطلاقه ـ مثلا ـ الشامل للحكم في الزمان الثاني بنفسه ، لا بالاستصحاب ، فيكون المحقق على ذلك من المنكرين للاستصحاب مطلقا ، سواء كان الشك في المقتضي أم في الرافع ، لكن تمثيله بالنكاح نفى عنه هذا الاحتمال.

والحاصل : ان في كلام المحقق نوع إجمال ، لأن قوله : والذي نختاره ان ننظر في دليل ذلك الحكم إلى آخره ظاهر في معنيين :

أولا : ربما يظهر منه : انه من المفصلين بين استصحاب عموم النص وغيره ، باعتبار الاستصحاب في الأوّل دون الثاني ، وهذا هو الذي فهمه صاحب المعالم ، فيكون المحقق على هذا المعنى من النافين مطلقا ، لخروج استصحاب عموم النص عن محل النزاع ، بل لخروجه من حقيقة الاستصحاب ، كما صرّح به المصنّف في مواضع متعددة.

ثانيا : وربما يظهر منه بقرينة تمثيله بعقد النكاح : انه من المفصلين في الاستصحاب بين ما إذا كان الشك في الرافع فحجة ، وبين ما إذا كان الشك في المقتضي فليس بحجة ، وهذا هو الذي فهمه المصنّف ، فيكون المحقق على هذا المعنى من القائلين بالتفصيل الذي هو مختار المصنّف أيضا.

١٨٧

وعلى أن يكون حكم الشك في وجود الرافع حكم الشك في رافعية الشيء ، إمّا لدلالة دليله المذكور على ذلك ،

______________________________________________________

وعليه : فنسبة هذا التفصيل ، إلى المحقق مبني على المعنى الثاني الذي فهمه المصنّف (وعلى أن يكون حكم الشك في وجود الرافع) مساويا مع (حكم الشك في رافعية الشيء) الموجود.

مثلا : قد نشك في انه هل أجرى ما هو مبطل للنكاح أم لا؟ وهذا شك في وجود الرافع ، وقد نعلم انه أجرى شيئا ، لكن لا نعلم هل ان هذا الذي أجراه مبطل للنكاح أم لا؟ وهذا شك في رافعية الموجود.

وإنّما قال المصنّف : وعلى ان يكون حكم الشك في وجود الرافع حكم الشك في رافعية الموجود ، لأنه أراد إثبات ان المحقق يقول بحجية الاستصحاب عند الشك في وجود الرافع مع ان مثال المحقق هو الشك في رافعية الموجود.

وعليه : فإذا أراد المصنّف إثبات ان المحقق مفصّل بين الشك في المقتضي والشك في الرافع ، فيلزم عليه إثبات ما يلي :

أولا : ان مراده من دليل الحكم هو المقتضي للحكم.

ثانيا : ان يكون الشك في وجود الرافع والشك في رافعية الموجود عنده متساويين من حيث جريان الاستصحاب فيهما.

اما إثبات ان مراده من دليل الحكم هو : المقتضي ، فبقرينة تمثيله بعقد النكاح. واما إثبات ان الأمرين متساويان عنده من حيث الاستصحاب فبما قال :

(إمّا لدلالة دليله المذكور على ذلك) أي : على التسوية ، لأن دليل المحقق كما يجري في الشك في رافعية الموجود ـ على ما مثّل له ـ يجري في الشك في وجود الرافع أيضا فهما متساويان.

١٨٨

وإمّا لعدم القول بالاثبات في الشك في الرافعيّة ، والانكار في الشك في وجود الرافع وإن كان العكس موجودا ، كما سيجيء من المحقق السبزواري.

لكن في كلا الوجهين نظر :

أمّا الأوّل ، فلا مكان الفرق في الدليل الذي ذكره ، لأنّ مرجع ما ذكره في الاستدلال إلى جعل المقتضي والرافع من قبيل العام والمخصّص.

فإذا ثبت عموم المقتضي ـ وهو عقد النكاح لحلّ الوطي في جميع

______________________________________________________

(وإمّا لعدم) القول بالفصل بين (القول بالاثبات) للاستصحاب (في الشك في الرافعيّة ، والانكار) للاستصحاب (في الشك في وجود الرافع).

وعليه : فكل من قال بالاستصحاب في الشك في رافعية الموجود ، قال بالاستصحاب في الشك في وجود الرافع (وإن كان) التفصيل في (العكس موجودا) بين الأقوال ، فان هناك من يقول باثبات الاستصحاب في الشك في وجود الرافع ، وبانكاره في الشك في رافعية الموجود (كما سيجيء) هذا التفصيل (من المحقق السبزواري) قدس‌سره.

(لكن في كلا الوجهين) المذكورين للدلالة على ان حكم الشك في وجود الرافع هو حكم الشك في رافعية الموجود (نظر :) على ما يلي :

(أمّا الأوّل) : وهو ما ذكره بقوله : «امّا لدلالة دليله المذكور على ذلك يعني :

على التسوية (فلامكان الفرق في الدليل الذي ذكره) المحقق للتساوي بينهما من وحدة المناط ، وذلك (لأنّ مرجع ما ذكره في الاستدلال) إنّما هو (إلى جعل المقتضي والرافع من قبيل العام والمخصّص).

وعليه : (فإذا ثبت عموم المقتضي ـ وهو عقد النكاح لحلّ الوطي في جميع

١٨٩

الأوقات ـ فلا يجوز رفع اليد عنه بالألفاظ التي وقع الشك في كونها مزيلة لقيد النكاح ، إذ من المعلوم أنّ العموم لا يرفع اليد عنه بمجرد الشك في التخصيص.

______________________________________________________

الأوقات ـ) والأزمان (فلا يجوز رفع اليد عنه) أي : عن مقتضى عقد النكاح (بالألفاظ التي وقع الشك في كونها مزيلة لقيد النكاح) أو غير مزيلة له مثل : خلية وبرية.

وإنّما لا يجوز رفع اليد عنه (إذ من المعلوم أنّ العموم لا يرفع اليد عنه بمجرد الشك في التخصيص) وذلك لأن الشك في المخصّص على ثلاثة أقسام :

الأوّل : الشك في أصل المخصص وذلك بالشك في انه هل وجد المخصّص أم لا؟.

الثاني : الشك في مخصّصيّة الموجود وذلك بأن علم بوجود شيء ، لكن شك في ان هذا الشيء هل هو مخصّص للعام أم لا؟.

الثالث : الشك في مصداق المخصّص بعد العلم بتخصيص العام ، وذلك كما لو قال المولى : اكرم العلماء ثم قال : ولا تكرم الفساق منهم ، فشك في ان زيدا العالم هل هو فاسق أم لا؟.

اما في القسمين الأولين فيلزم العمل بالعام ، وذلك للشك في التخصيص ، فيكون ظهور العام محكّما.

وامّا في القسم الثالث ، وهو العلم بالتخصيص والشك في مصداقه خارجا ، فيلزم الرجوع في إزالة الشبهة إلى الأدلة الخارجية مثل : استصحاب عدالة زيد أو فسقه أو ما أشبه ذلك.

وعلى هذا : فإذا فرضنا كون المقتضي والمانع نظير العام والخاص ، وذلك

١٩٠

أمّا لو ثبت تخصيص العام ـ وهو المقتضي لحلّ الوطي ، أعني : عقد النكاح ـ بمخصّص ، وهو اللفظ الذي اتفق على كونه مزيلا لقيد النكاح ، فإذا شك في تحققه وعدمه ، فيمكن منع التمسك بالعموم حينئذ إذ الشك ليس في طروّ التخصيص على العام ، بل في وجود ما خصّص العام به يقينا ، فيحتاج إثبات عدمه المتمّم للتمسك بالعام إلى إجراء الاستصحاب ،

______________________________________________________

بأن كان المقتضي نظير العام ، والمانع نظير الخاص ، فلا بدّ ان يكون المقتضي مؤثرا مع الشك في مانعية الموجود ، لا مع الشك في وجود المانع.

(أمّا لو ثبت تخصيص العام ـ و) ذلك العام هنا (هو المقتضي لحلّ الوطي) وفسّر المصنّف المقتضي بقوله : (أعني : عقد النكاح ـ) لو ثبت تخصيصه (بمخصّص ، و) ذلك المخصّص (هو اللفظ الذي اتفق على كونه مزيلا لقيد النكاح) مثل : طالق (فإذا شك في تحققه) أي : تحقق ذلك المخصّص بأن كان الشك في تحقق الرافع (وعدمه ، فيمكن منع التمسك بالعموم حينئذ) أي : حين كان الشك في تحقق الرافع.

وإنّما يمكن منع التمسك بالعموم عند الشك في تحقق الرافع (إذ الشك ليس في طروّ التخصيص على العام ، بل في وجود ما خصّص العام به يقينا) فيكون التمسك بالعام النفي المخصّص من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.

وعليه : (فيحتاج إثبات عدمه) أي : عدم وجود المخصّص (المتمّم) ذلك العدم (للتمسك بالعام) لأن التمسك بالعام يحتاج إلى رفع المانع حتى يؤثر المقتضي أثره ، فيحتاج حينئذ لاثبات عدمه (إلى إجراء الاستصحاب).

والحاصل : إنّ العام موجود ، فإذا انضم إليه دليل يدل على عدم وجود المخصص الرافع لأثر العام ، أثّر العام أثره ، وإثبات عدم وجود المخصّص الرافع ،

١٩١

بخلاف ما لو شك في أصل التخصيص ، فإنّ العامّ يكفي لاثبات حكمه في مورد الشك.

وبالجملة : فالفرق بينهما : أنّ الشك في الرافعيّة من قبيل الشك في تخصيص العام زائدا على ما علم تخصيصه ، نظير ما إذا ثبت تخصيص العلماء في : «أكرم العلماء» بمرتكبي الكبائر وشك في تخصيصه بمرتكب الصغائر ، فانّه يجب التمسك بالعموم.

______________________________________________________

يحتاج إلى إجراء الاستصحاب.

وهذا لما عرفت (بخلاف ما لو شك في أصل التخصيص) بمثل خلية وبرية حيث يشك في إنها هل خصّصت العام أم لا؟ (فإنّ العامّ يكفي لاثبات حكمه في مورد الشك) إذ ليس التمسك بالعام هنا من التمسك به في الشبهة المصداقية.

وإنّما يكفي العام هنا لاثبات حكمه في مورد الشك لوضوح : ان أصالة الحقيقة في العام قاضية بأن حكم مورد الشك هو حكم سائر أفراد العام داخل في العام ، فيجب العمل بالعام في المورد المشكوك ، فان أصالة الحقيقة في العام عين عموم العام لكل الأفراد ، سواء شككنا بأنه خرج أم لا؟.

(وبالجملة : فالفرق بينهما) أي : بين الشك في رافعية الموجود ، والشك في وجود الرافع هو : (أنّ الشك في الرافعيّة) للموجود (من قبيل الشك في تخصيص العام زائدا على ما علم تخصيصه) به.

وعليه : فيكون (نظير ما إذا ثبت تخصيص العلماء في : «أكرم العلماء» بمرتكبي الكبائر) بأن قال المولى : اكرم العلماء ولا تكرم العصاة (وشك في تخصيصه بمرتكب الصغائر) زائدا على تخصيصه بمرتكبي الكبائر (فانّه يجب التمسك بالعموم) لما ذكرناه : من أصالة الحقيقة ، فلا نكرم مرتكبي الكبائر ،

١٩٢

والشك في وجود الرافع شك في وجود ما خصّص العام به يقينا ، نظير ما إذا علم تخصيصه بمرتكبي الكبائر وشك في تحقق الارتكاب وعدمه ، فانّه لو لا إحراز عدم الارتكاب بأصالة العدم التي مرجعها إلى الاستصحاب المختلف فيه لم ينفع العام في إيجاب إكرام ذلك المشكوك.

______________________________________________________

ويجب علينا إكرام مرتكبي الصغائر من العلماء أيضا.

(والشك في وجود الرافع) إنّما هو (شك في وجود ما خصّص العام به يقينا) فنحتاج في نفيه إلى أصالة العدم.

وعليه : فيكون (نظير ما إذا علم تخصيصه بمرتكبي الكبائر وشك في تحقق الارتكاب وعدمه) في عالم كزيد ، حيث لا نعلم هل انه ارتكب الكبيرة أم لا؟

(فانّه لو لا إحراز عدم الارتكاب بأصالة العدم التي مرجعها) أي : مرجع هذه الأصالة (إلى الاستصحاب المختلف فيه) والمتنازع عليه (لم ينفع العام في إيجاب إكرام ذلك) الفرد (المشكوك) في انه هل ارتكب المعصية أم لا؟.

والحاصل : ان ما ذكرناه ـ عن الشيخ ـ قبل أسطر : من ان نسبة التفصيل بين المقتضي والرافع إلى المحقق ، مبني على ان يكون حكم الشك في وجود الرافع هو حكم الشك في رافعية الموجود ، وذلك بأن لم يكن فرق بينهما ، فإن هذا الذي ذكرناه هناك غير صحيح.

وإنّما لم يكن صحيحا لأنّا قد ذكرنا بعد ذلك عند قولنا : وبالجملة ذكرنا : ان بينهما فرقا ، وذلك لأن كلام المحقق إنّما هو في رافعية الموجود في مثل : لفظ خلية وبرية ، لا في وجود الرافع ، وقد عرفت بعد توضيح الفرق بينهما : انه لا تساوي بينهما حتى يكون المحقق ممّن يقول بأن الشك إذا كان في الرافع ، فهو مجرى الاستصحاب.

١٩٣

هذا ، ولكن يمكن أن يقال : إنّ مبنى كلام المحقق قدس‌سره لمّا كان على وجود المقتضي حال الشك وكفاية ذلك في الحكم بالمقتضي ، فلا فرق في كون الشك في وجود الرافع ، أو رافعيّة الموجود.

والفرق بين الشك في الخروج والشك في تحقق

______________________________________________________

(هذا ، ولكن يمكن أن يقال) في عدم الفرق بين الشك في وجود الرافع والشك في رافعية الموجود ، حتى يتم عليه كون المحقق مفصّلا بين الشك في المقتضي والشك في الرافع ما يلي :

(إنّ مبنى كلام المحقق قدس‌سره لمّا كان على وجود المقتضي) للحكم بدليل تمثيله بعقد النكاح الموجب إجراء لفظه لحل الوطي مطلقا ، فإذا شك في ارتفاع الحل بمثل لفظ خليّة وبريّة وعدم ارتفاعه بها ، فالمقتضي للحل وهو اللفظ قد وجد ولم نعلم بارتفاعه ، فنحكم بوجوده (حال الشك) أيضا (وكفاية ذلك) أي : وجود المقتضي يكون كافيا (في الحكم بالمقتضي) ـ بالفتح ـ.

وعليه : (فلا فرق في كون الشك في وجود الرافع ، أو رافعيّة الموجود).

إن قلت : انكم ذكرتم الفرق بين ما لو شك في انه هل وجد المخصّص أم لا ، حيث يعمل بالعام؟ وبين ما لو شك في ان الذي وجد هل كان مخصّصا أم لا حيث لا يعمل بالعام؟ ثم قستم ذلك بما نحن فيه : من انه لو شك في ان الزوج هل طلق أم لا فيتمسك ببقاء الزوجية لمكان العام؟ ولو شك في ان اللفظ الذي أجراه هل كان من ألفاظ الطلاق أم لا ، فلا يتمسك ببقاء الزوجية ، لأن العام لا يشمله إلّا بالاستصحاب ونحوه؟.

قلت : (والفرق بين الشك في الخروج) أي : وجود الرافع (والشك في تحقق

١٩٤

الخارج في مثال العموم والخصوص من جهة إحراز المقتضي للحكم بالعموم ظاهرا في المثال الأوّل من جهة أصالة الحقيقة ، وعدم إحرازه في الثاني لعدم جريان ذلك الأصل ،

______________________________________________________

الخارج) أي : رافعية الموجود (في مثال العموم والخصوص) هو كما إذا قال المولى اكرم العلماء ولا تكرم الفساق ، فانه قد يكون الشك في التخصيص كالشك في ان الفساق هل يشمل مرتكبي الصغائر أم لا؟ فنعمل بالعام في مرتكب الصغيرة.

وقد يكون الشك في المصداق بعد العلم بالتخصيص كالشك في ان زيدا العالم هل هو فاسق أم لا؟ فلا يتمسك بالعام إلّا باستصحاب عدم فسق زيد أو نحو الاستصحاب.

وعليه : فهذا الفرق بين الشك في الخروج ، والشك في تحقق الخارج إنّما هو (من جهة إحراز المقتضي للحكم بالعموم ظاهرا في المثال الأوّل) وهو : الشك في الخروج فان إحراز المقتضي فيه إنّما هو (من جهة أصالة الحقيقة) في العام الشامل لهذا الفرد المشكوك الخروج من جهة الشك في الرافع.

(وعدم إحرازه) أي : عدم إحراز المقتضي للحكم بالعموم (في) المثال (الثاني) وهو : الشك في تحقق الخارج ، فان عدم إحرازه إنّما هو (لعدم جريان ذلك الأصل) فيه.

إذن : فأصالة الحقيقة إنّما تنفي خروج الفرد المشكوك الخروج ، وهو الشك في وجود الرافع ، ولا تنفي خروج الفرد الخارج وهو الشك في رافعية الوجود ، وذلك لأن أصالة الحقيقة لا ربط لها بتعيين المصداق الخارجي ، بل هي لتعيين إرادة المتكلم فقط.

١٩٥

لا لاحراز المقتضي لنفس الحكم ، وهو وجوب الاكرام في الأوّل دون الثاني ، فظهر الفرق بين ما نحن فيه وبين المثالين.

وأمّا دعوى عدم الفصل بين الشكّين على الوجه المذكور فهو ممّا لم يثبت.

______________________________________________________

وعليه : فالفرق بين المثالين إنّما هو من جهة : إحراز المقتضي للحكم بالعموم في المثال الأوّل ، وعدم إحرازه في المثال الثاني (لا : لاحراز) أي : لا من جهة إحراز (المقتضي لنفس الحكم وهو) أي : نفس الحكم : (وجوب الاكرام في الأوّل) وهو الشك في الخروج يعني : في وجود الرافع (دون الثاني) وهو الشك في تحقق الخارج يعني : في رافعية الموجود.

وإنّما قال : لا لاحراز لأن المقتضي لنفس الحكم موجود في الثاني أيضا.

إذن : (فظهر الفرق بين ما نحن فيه) وهو : الشك في رافعية الموجود ووجود الرافع حيث قد تبيّن إنهما متساويان من جهة وجود المقتضي في كل منهما حال الشك (وبين المثالين) في العام والخاص أو هما : الشك في الخروج ووجود الخارج حيث قد عرفت وجود الفرق بينهما من جهة جريان أصالة الحقيقة في المثال الأوّل يعني في الشك في الخروج ، وعدم جريانها في المثال الثاني يعني : في الشك في وجود الخارج.

وعليه : فلا يقاس ما نحن فيه من قسمي المقتضي بمثالي العام والخاص.

(وأمّا) عدم التفريق بينهما لأجل (دعوى عدم الفصل بين الشكّين) : الشك في رافعية الموجود ، ووجود الرافع (على الوجه المذكور) في كلام المصنّف (فهو ممّا لم يثبت) عند المصنّف شيئا عنه ، وذلك على ما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.

١٩٦

نعم ،

______________________________________________________

هذا ، ولا يخفى : ان قوله : وامّا دعوى ، عطف على قوله : امّا الأوّل ، فان المصنّف قبل عدة صفحات قال : على ان يكون حكم الشك في وجود الرافع حكم الشك في رافعية الشيء ، امّا لدلالة دليله المذكور على ذلك ، وامّا لعدم القول بالاثبات في الشك في الرافعية والانكار في الشك في وجود الرافع ، ثم قال : لكن في كلا الوجهين نظر : أما الأوّل : فلا مكان الفرق في الدليل الذي ذكره ، إلى آخره ، ثم قال هنا : وامّا دعوى.

إذن : فقوله هنا : وامّا دعوى بمنزلة قوله : وامّا الثاني.

ثم انّ الأوثق قال في توضيح قول المصنّف : فهو ممّا لم يثبت ، ما يلي :

«امّا لعدم الاحاطة بجميع أقوال المسألة ، وامّا لوجود القول بالفصل مثل : القول باعتبار الاستصحاب في الأحكام الشرعية دون الامور الخارجية ، لكون الشك في وجود المانع من قبيل الثاني ، لعدم تحققه في الأحكام سوى استصحاب عدم النسخ الخارج من محل النزاع ، وفي مانعية الشيء الموجود من قبيل الأوّل.

وامّا لأنّ المسألة اصولية ولا يعتدّ بدعوى الاجماع فيها.

وامّا لأن عدم الفصل والاجماع المركب إنّما يعتبران مع ضم إجماع بسيط إليهما ، وهو في المقام غير ثابت» (١) ، انتهى كلام الأوثق.

(نعم) وهذا رجوع من المصنّف إلى القول : بأن المحقق يسوّي بين الشك في وجود الرافع ، وبين الشك في رافعية الموجود ، وذلك بعد قوله قبل عدة أسطر : وفي كلا الوجهين نظر ، حيث هناك فرّق بين وجود الرافع وبين رافعية الموجود ،

__________________

(١) ـ أوثق الوسائل : ص ٤٨٣ القول التاسع ، التفصيل المنسوب الى المحقق.

١٩٧

يمكن أن يقال : أنّ المحقق قدس‌سره لم يتعرّض لحكم الشك في وجود الرافع ، لأنّ ما كان من الشبهة الحكمية من هذا القبيل ليس إلّا النسخ ، وإجراء الاستصحاب فيه إجماعي ، بل ضروري ، كما تقدّم.

وأمّا الشبهة الموضوعية ، فقد تقدّم خروجها في كلام القدماء عن معقد مسألة الاستصحاب المعدود في أدلّة الأحكام.

فالتكلّم فيها إنّما يقع تبعا للشبهة الحكميّة

______________________________________________________

فتداركه هنا بقوله :

نعم (يمكن أن يقال : أنّ المحقق قدس‌سره لم يتعرّض لحكم الشك في وجود الرافع) متعمدا ، بل تكلم في رافعية الموجود مثل التلفظ : بخليّة وبريّة ونحوهما.

وإنّما لم يتعرّض لحكم الشك في وجود الرافع (لأنّ ما كان من الشبهة الحكمية من هذا القبيل) أي : من قبيل وجود الرافع ، فهو (ليس إلّا النسخ ، وإجراء الاستصحاب فيه) أي : في عدم النسخ (إجماعي ، بل ضروري كما تقدّم) فلم يحتج المحقق حينئذ إلى البحث والتكلم فيه.

(وأمّا الشبهة الموضوعية) كالبلد على ساحل البحر (فقد تقدّم خروجها في كلام القدماء عن معقد مسألة الاستصحاب المعدود في أدلّة الأحكام) لأن القدماء كانوا بصدد إثبات أو نفي ان الاستصحاب هل يثبت الحكم أم لا؟ امّا الشبهة الموضوعية ، فليست مربوطة بالحكم ابتداء.

وعليه : (فالتكلّم فيها) أي : في الشبهة الموضوعية (إنّما يقع تبعا للشبهة الحكميّة) فمن قال بجريان الاستصحاب في الشبهة الحكمية ، يقول بجريانه في الشبهة الموضوعية ، ومن لا يقول بجريان الاستصحاب في الشبهة الحكمية ، لا يقول بجريانه في الشبهة الموضوعية.

١٩٨

ومن باب تمثيل جريان الاستصحاب في الاحكام وعدم جريانه بالاستصحاب في الموضوعات الخارجيّة.

فترى المنكرين يمثّلون

______________________________________________________

(و) حينئذ يكون تكلمهم في الشبهة الموضوعية (من باب تمثيل جريان الاستصحاب في الاحكام وعدم جريانه) في الأحكام ، فان تمثيلهم لذلك يكون (بالاستصحاب في الموضوعات الخارجيّة).

والحاصل : انه لما كان كلام القدماء في الاستصحاب المعدود من أدلة الأحكام ، فالتكلم في الشبهة الموضوعية يقع تبعا للشبهة الحكمية ، فيكون تمثيلهم بالشبهة الموضوعية من باب مجرد المثال.

إذن : فالكلام في الشبهة الموضوعية إنّما هو تمثيل المثبت لجريان الاستصحاب في الأحكام بالاستصحاب في الموضوعات الخارجية ، وتمثيل المنكر لعدم جريان الاستصحاب في الشبهة الحكمية أيضا بالاستصحاب في الموضوعات الخارجية ، فالمنكرون يمثّلون بالبلد الواقع على ساحل البحر وهو من الموضوعات ، والمثبتون يمثلون بزيد الغائب عن أهله وهو أيضا من الموضوعات.

وكيف كان : فقول المصنّف في بيان المحقق يسوّي بين الشك في وجود الرافع وبين رافعية الموجود حيث قال : ومن باب تمثيل جريان الاستصحاب في الأحكام وعدمه ، إما هو بيان لقوله : فالتكلم فيها إنّما يقع تبعا للشبهة الحكمية وإما هو بيان لوجه آخر.

وعليه : (فترى المنكرين) للاستصحاب في الأحكام (يمثّلون)

١٩٩

بما إذا غبنا عن بلد في ساحل البحر لم يجر العادة ببقائه ، فانّه لا يحكم ببقائه بمجرّد احتماله ، والمثبتين بما إذا غاب زيد عن أهله وماله ، فانّه يحرم التصرّف فيهما بمجرّد احتمال الموت.

ثمّ إنّ ظاهر عبارة المحقق

______________________________________________________

للاستصحاب (بما إذا غبنا عن بلد في ساحل البحر لم يجر العادة ببقائه) مدّة مديدة (فانّه لا يحكم ببقائه بمجرّد احتماله) أي : احتمال البقاء.

(و) ترى (المثبتين) للاستصحاب في الأحكام يمثلون للاستصحاب (بما إذا غاب زيد عن أهله وماله) مدة يشك معها في موته (فانّه يحرم التصرّف فيهما) من الزواج بزوجته ، وتقسيم ماله إرثا (بمجرّد احتمال الموت).

وبهذا كله تبيّن : ان المحقق لا يفرّق بين الشك في وجود الرافع ، والشك في رافعية الموجود ، وان عدم ذكره للشك في وجود الرافع ليس لأنه يفرّق بين الشكّين وإنّما هو لأن الشك في وجود الرافع بين مقطوع الاستصحاب كما في النسخ ، وبين ما هو خارج عن كلام القدماء كالشبهة الموضوعية.

(ثمّ) انه لا فرق في جريان الاستصحاب في الزمان الثاني ، بين ما كان الحكم أبديا وشك في نقضه برافعية الموجود ، كما تلفّظ بخليّة وبريّة ونحوهما بعد إجراء لفظ النكاح ، وبين ما كان الحكم موقتا وشك في إنه قبل انتهاء الوقت ارتفع أو لم يرتفع ، كما لو تمرّض في أثناء شهر رمضان بما لم يعلم هل سقط عنه وجوب الصوم أم لا؟ فيستصحب الحكم السابق في الصورتين.

إذن : فليس كلام المحقق في الشك في رافعية الموجود خاصا بالحكم الأبدي ، بل يشمل الموقت أيضا.

وإلى هذا المعنى أشار المصنّف حيث قال : (إنّ ظاهر عبارة المحقق)

٢٠٠