الوصائل إلى الرسائل - ج ١٢

آية الله السيد محمد الشيرازي

الوصائل إلى الرسائل - ج ١٢

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة عاشوراء للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7263-12-0
ISBN الدورة:
964-7263-04-X

الصفحات: ٤٠٠

الأمر الثاني :

إنّه قد علم من تعريف الاستصحاب وأدلّته أنّ مورده الشك في البقاء ، وهو : وجود ما كان موجودا في الزمان السابق ، ويترتّب عليه عدم جريان الاستصحاب في نفس الزمان ،

______________________________________________________

الاستصحاب من باب الأخبار ، واما بناء على اعتباره من باب الظن فلا فرق فيه بين الأصل المثبت وغيره ، لأن الظن كالخبر الواحد ونحوه سواء كان ظنا خاصا أم ظنا عاما انسداديا يثبت مثبتاته : من اللازم والملزوم والملازم ، كما سيأتي الكلام في ذلك إن شاء الله تعالى.

(الأمر الثاني) من تنبيهات الاستصحاب ، وهو : (إنّه) هل يصح استصحاب الزمان والزمانيات ، أو ان دليل الاستصحاب لا يشملهما؟ فانه (قد علم من تعريف الاستصحاب) وهو «إبقاء ما كان» (وأدلّته) الدالة على حجية الاستصحاب مثل «لا ينقض اليقين بالشك» ونحوه : علم (أنّ مورده الشك في البقاء ، وهو : وجود ما كان موجودا في الزمان السابق) بان كان الشك في بقاء الموجود السابق بعينه ، لا ما إذا شك في شيء مغاير للموجود السابق.

(ويترتّب عليه) أي : على اشتراط الاستصحاب بكونه موجودا في الزمان السابق يعني : بان يكون من الامور المستقرة الثابتة عرفا مثل : الحياة والطهارة ، والوجوب والحرمة ، والشرط والجزء ، ونحوها ، فانه حسب هذا الشرط يترتب عليه (عدم جريان الاستصحاب في نفس الزمان) كالليل والنهار والشهر والاسبوع وما أشبه ذلك.

مثلا : اذا كان في نهار شهر رمضان فشك في أنه هل انقضى النهار حتى يجوز له الافطار ، أم لا حتى لا يجوز له ذلك؟ أو كان في الليل فشك في انه هل انقضى

٣٤١

ولا في الزمانيّ الذي لا استقرار لوجوده ، بل يتجدّد شيئا فشيئا على التدريج ، وكذا في المستقرّ الذي يؤخذ قيدا له.

إلّا أنّه يظهر من كلمات جماعة جريان الاستصحاب في الزمان ، فيجري في القسمين الأخيرين بطريق أولى ،

______________________________________________________

الليل حتى يحرم عليه الأكل أم لا حتى لا يحرم عليه؟ إلى غير ذلك من أمثلة الزمان فانه لا يجري الاستصحاب فيه.

(ولا) يجري الاستصحاب أيضا (في الزمانيّ الذي لا استقرار لوجوده ، بل يتجدّد شيئا فشيئا على التدريج) مثل : سيلان الدم في المرأة ، وسيلان النبع في الماء الذي إذا انقطع نبعه صار قليلا ، فان الدم السائل في اللحظة الثانية غير الدم في اللحظة الاولى ، وكذلك الماء النابع في اللحظة الثانية غير الماء الذي نبع في اللحظة الاولى ، وهكذا يكون التكلم والكتابة وما أشبه ذلك.

(وكذا) لا يجري الاستصحاب أيضا (في المستقرّ الذي يؤخذ) الزمان (قيدا له) مثل : وجوب الصوم مقيّدا بيوم الجمعة ، فإذا شك في وجوب الصوم عليه يوم السبت وعدم وجوبه ، لا يجري فيه الاستصحاب ، لوضوح : ان الصوم يوم الجمعة غير الصوم يوم السبت.

(إلّا أنّه يظهر من كلمات جماعة) من العلماء : (جريان الاستصحاب في الزمان ، فيجري) الاستصحاب (في القسمين الأخيرين) أي : ما كان زمانيا أو كان الزمان قيدا له (بطريق أولى) فان عدم الجريان فيهما تابع لعدم الجريان في نفس الزمان ، فإذا جرى في الزمان كان الجريان فيهما أولى بنظر العرف.

والحاصل : ان عدم الجريان في الزمان والزماني إنّما هو لانقطاع الوجود السابق والشك في تجدّد اللاحق ، فلا يصدق البقاء على المشكوك ، والجريان إنّما هو

٣٤٢

بل تقدّم من بعض الاخباريين : أنّ استصحاب الليل والنهار من الضروريات.

والتحقيق : أنّ هنا أقساما ثلاثة :

أمّا نفس الزمان ، فلا إشكال في عدم جريان الاستصحاب فيه ، لتشخيص كون الجزء المشكوك فيه من أجزاء الليل والنهار ، لأنّ نفس الجزء لم يتحقق في السابق ، فضلا عن وصف كونه نهارا أو ليلا.

______________________________________________________

من جهة الوحدة العرفية وقد عرفت : ان معيار الاستصحاب هو بقاء الموضوع عرفا (بل تقدّم من بعض الاخباريين : أنّ استصحاب الليل والنهار من الضروريات) فإذا جرى الاستصحاب في الليل والنهار ، جرى في الأمر المرتبط بهما بطريق أولى.

(والتحقيق : أنّ هنا أقساما ثلاثة) كالتالي :

الأوّل : (أمّا نفس الزمان ، فلا إشكال في عدم جريان الاستصحاب فيه لتشخيص كون الجزء المشكوك فيه من أجزاء الليل والنهار) فيما إذا شككنا في انه هل انقضى الليل أم لا؟ أو هل انقضى النهار أم لا؟.

وإنّما لا إشكال في عدم جريان الاستصحاب فيه (لأنّ نفس الجزء لم يتحقق في السابق فضلا عن وصف كونه نهارا أو ليلا) فإذا شك في ان هذا الآن هل هو من أجزاء الليل أم لا؟ وذلك فيما إذا كان السابق ليلا ، فلا يصح الاستصحاب في نفس هذا الآن بأن يقال : هذا الآن كان سابقا من الليل فهو ليل ، لوضوح : ان نفس هذا الآن لم يكن موجودا سابقا ، فكيف بوصف كونه ليلا؟ وهكذا بالنسبة إلى استصحاب الآنات في النهار.

٣٤٣

نعم ، لو اخذ المستصحب مجموع الليل أو النهار ولوحظ كونه أمرا خارجيا واحدا وجعل بقاؤه وارتفاعه عبارة عن عدم تحقق جزئه الأخير وتجدّده أو عن عدم تجدّد جزء مقابله وتجدّده ، لأنّ بقاء كلّ شيء في العرف بحسب ما يتصور العرف له من الوجود ، فيصدق : أنّ الشخص كان

______________________________________________________

(نعم ، لو اخذ المستصحب مجموع الليل أو النهار) لا خصوص الآن المشكوك ، وذلك بان لم نقسّم النهار أو الليل إلى آنات متعدّدة ، بل أخذنا الليل أو النهار وحدة واحدة (ولوحظ كونه) أي : كون هذا المجموع (أمرا خارجيا واحدا) فان العرف يرى النهار بجميع آناته المضيئة شيئا واحدا ، والليل بجميع آناته المظلمة شيئا واحدا ، لا إنه يراه متعدّدا.

هذا (وجعل بقاؤه) أي : بقاء الليل ـ مثلا ـ (وارتفاعه عبارة عن عدم تحقق جزئه الأخير) فما لم يتحقق الجزء الأخير من الليل يستصحب بقاء الليل (و) عند (تجدّده) أي : تجدّد الجزء الأخير من الليل بان يعلم بتجدّده يرتفع الليل ، فليس له ان يستصحب الليل.

(أو) جعل بقاء الليل ـ مثلا ـ عبارة (عن عدم تجدّد جزء مقابله) وهو النهار ، فما لم يتجدّد جزء النهار يستصحب بقاء الليل (و) عند (تجدّده) أي : تجدّد جزء النهار بان يعلم بتجدّده يرتفع الليل ، فليس له أن يستصحب الليل.

وإنّما يجعل بقاء الليل ـ مثلا ـ وارتفاعه عبارة عما قلناه (لأنّ بقاء كلّ شيء في العرف بحسب ما يتصور العرف له من الوجود) فالعرف يتصور مجموع النهار شيئا واحدا ، ومجموع ما يقابله من الليل شيئا واحدا.

والحاصل : انه إذا لوحظ الليل أو النهار كذلك (فيصدق : أنّ الشخص كان

٣٤٤

على يقين من وجود الليل فشك فيه ، فالعبرة بالشك في وجوده العلم بتحققه قبل زمان الشك وإن كان تحققه بنفس تحقّق زمان الشك ، وإنّما وقع التعبير بالبقاء في تعريف الاستصحاب بملاحظة هذا المعنى في الزمانيات ، حيث جعلوا الكلام

______________________________________________________

على يقين من وجود الليل فشك فيه) فيستصحب وجود الليل ، كما إنه يصدق عليه : بانه كان على يقين من عدم وجود النهار فيستصحب عدم وجود النهار.

وعلى هذا : (فالعبرة) في استصحاب الزمان كالليل أو النهار إنّما هو (بالشك في وجوده) أي : في وجود الزمان بعد (العلم بتحققه) أي : بتحقق ذلك الزمان واليقين بوجوده (قبل زمان الشك) فيه.

وعليه : فإذا علم ـ مثلا ـ بوجود الليل ، ثم شك في انه هل انقضى أم لا؟ فانه يكفي في استصحاب الليل مجرّد مثل هذا الشك ، لتمامية أركان الاستصحاب فيه حتى (وإن كان تحققه) أي : تحقق وجود الليل (بنفس تحقّق زمان الشك) لا شيء واقع في زمان الشك كما في الزمانيات.

مثلا : لو شك في نهار شهر رمضان في بقاء النهار ، فان وجود النهار في آن الشك يكون بنفس حدوث هذا الآن المشكوك كونه نهارا ، لا ببقاء الآن السابق المتيقن كونه نهارا ، فالشك في ان هذا الآن نهار أم لا وان كان بالدقة العقلية شكا في الحدوث ، إلّا انه بملاحظة كون المستصحب مجموع النهار وانه وحدة واحدة خارجا يكون شكا في البقاء عرفا ، ولذلك قال :

(وإنّما وقع التعبير بالبقاء في تعريف الاستصحاب بملاحظة هذا المعنى) المذكور للبقاء وهو انّ بقاء كل شيء بحسبه عرفا ، ومنه : معنى البقاء (في الزمانيات) ومعنى البقاء في الزمان أيضا ، وذلك (حيث جعلوا الكلام

٣٤٥

في استصحاب الحال أو لتعميم البقاء لمثل هذا مسامحة.

إلّا أنّ هذا المعنى

______________________________________________________

في استصحاب الحال) وحينئذ فالاستصحاب في الزمان والزماني يكون للمسامحة العرفية.

وعليه : فالتعبير بالبقاء في تعريف الاستصحاب بالنسبة إلى الزمان والزماني يكون اما لملاحظة المعنى المذكور للبقاء (أو لتعميم البقاء لمثل هذا) الذي هو ليس ببقاء في الحقيقة وذلك (مسامحة) فيكون البقاء في الزمان بقاء مسامحي ، لا بقاء حقيقي.

والحاصل : إنّ استصحاب الزمان يكون بأحد وجهين :

الأوّل : ان نلاحظ أجزاء الزمان شيئا واحدا ، لأن العرف يراه كذلك ، فالتسامح يكون في المستصحب لا في الاستصحاب.

الثاني : ان نلاحظ أجزاء الزمان آنات متعدّدة ، لأنه حقيقة كذلك ، فالتسامح يكون في البقاء ، حيث أطلق البقاء على ما ليس ببقاء حقيقة ، من قبيل تسمية بقاء الولد بانه بقاء للوالد ، فالتسامح على هذا الثاني في الاستصحاب لا في المستصحب.

هذا ولا يخفى : ان هناك احتمالا ثالثا ليس من التصرف ، لا في المستصحب ، ولا في الاستصحاب وهو : ان يطلق النهار ، أو الليل ، أو الأسبوع ، أو الشهر ، أو السنة ـ مثلا ـ على ما بين الحدّين مثل : ما بين الطلوع والغروب بالنسبة إلى النهار ، أو ما بين الغروب والطلوع بالنسبة إلى الليل ، أو ما بين أول الاسبوع وآخر الاسبوع بالنسبة إلى الاسبوع وهكذا فلا يحتاج الاستصحاب فيه إلى أحد التوجيهين المذكورين ، إذ لا تسامح في البين (إلّا أنّ هذا المعنى) الذي ذكره

٣٤٦

على تقدير صحته ، والاغماض عمّا فيه لا يكاد يجدي في إثبات كون الجزء المشكوك فيه متصفا بكونه من النهار أو من الليل حتى يصدق على الفعل الواقع فيه أنّه واقع في الليل أو النهار ، إلّا على القول بالأصل المثبت مطلقا أو على بعض الوجوه الآتية.

______________________________________________________

المصنّف : من التصرّف في المستصحب ، أو التصرّف في الاستصحاب (على تقدير صحته ، والاغماض عمّا فيه) من البعد لما عرفت : من ان الزمان آنات متعدّدة ، وان افراد الآنات مثل : افراد الانسان ، فانه على ذلك (لا يكاد يجدي في إثبات كون الجزء المشكوك فيه متصفا بكونه من النهار أو من الليل).

وعليه : فان استصحاب النهار مثلا لا يثبت كون هذا الآن المشكوك نهارا ، لأنه من قبيل استصحاب الكلي لاثبات الفرد وهو مع تبادل الافراد غير صحيح ، ولكن على فرض صحته بسبب التصرف في المستصحب أو في الاستصحاب فانه لا ينفعنا هنا (حتى يصدق على الفعل) من الأكل والشرب ـ مثلا ـ (الواقع فيه أنّه واقع في الليل أو النهار ، إلّا على القول بالأصل المثبت مطلقا) سواء كانت الواسطة جلية أم خفية (أو على بعض الوجوه الآتية) بأن تكون الواسطة خفية ـ مثلا ـ.

والحاصل : انه قد يقال : بحجية الأصل المثبت حتى مع وضوح الواسطة وجلائها ، وقد يقال : بحجيته بشرط خفاء الواسطة ، فان هناك بين استصحاب الكلي وبين إثبات الفرد واسطة ، وهي عبارة عن قياس خارجي عقلي ، وهو : انه كلّما كان الكلي موجودا كان الفرد موجودا ، وحيث نثبت بالاستصحاب وجود الكلي ، فلا بد ان يكون ذلك الكلي في ضمن فرد فيترتب على ذلك الفرد أحكامه.

وعليه : فلا محيص عند استصحاب الكلي لاثبات الفرد من واسطة ، سواء

٣٤٧

ولو بنينا على ذلك أغنانا عمّا ذكر من التوجيه استصحابات أخر ، وامورا متلازمة مع الزمان ، كطلوع الفجر

______________________________________________________

كانت جلية أم خفية ، ويمثلون للواسطة الجلية بمثل استصحاب حياة الولد الموجبة للتصدق ـ فيما لو غاب الولد وقد نذر الأب التصدق إذا نبتت لحية ولده ـ فان الواسطة بينهما هو نبات للحية ، لكن يراها العرف جلية ، لأنه يرى ان التصدق مترتب على نبات اللحية لا على نفس الحياة.

ويمثلون للواسطة الخفية بمثل : استصحاب الرطوبة في النجس الموجبة لتنجس الملاقي ، فان الواسطة بينهما هي السراية لكن يراها العرف خفية ، لأنه يرى ان التنجس مترتّب على نفس الرطوبة لا على السراية.

(و) كيف كان : فانه (لو بنينا على ذلك) أي : على القول بالأصل المثبت سواء أصلا مثبتا مطلقا ، أم أصلا مثبتا في صورة خفاء الواسطة ، فقد (أغنانا) هذا البناء (عمّا ذكر من التوجيه) في صحة استصحاب الزمان والزماني بأحد التوجيهين :

من التصرف في المستصحب ، أو التصرف في الاستصحاب ، فانه يغنينا عن ذلك (استصحابات أخر ، وامورا متلازمة مع الزمان).

والحاصل : ان استصحاب الليل أو النهار أو ما أشبه ذلك من الزمان والزماني إذا احتاج إلى التصرف في المستصحب أو الاستصحاب ، وكان مع ذلك متوقفا على حجية الأصل المثبت وقلنا بحجيته ، فلا داعي إلى مثل هذا الاستصحاب المستلزم للتصرف فيه.

وإنّما لا داعي إلى مثل هذا الاستصحاب ، لأن هناك استصحابات أخر مثبتة ولا تحتاج إلى التصرف في المستصحب أو الاستصحاب (كطلوع الفجر) فانه إذا شك في الليل بانه هل طلع الفجر حتى يحرم عليه الأكل والشرب ، أو لم يطلع

٣٤٨

وغروب الشمس ، وذهاب الحمرة وعدم وصول القمر إلى درجة يمكن رؤيته فيها.

فالأولى التمسك في هذا المقام

______________________________________________________

حتى يحلّ عليه؟ فانه يستصحب عدم طلوع الفجر ، ولازمه بقاء الليل وجواز الاتيان بالمفطرات.

(و) مثل (غروب الشمس ، وذهاب الحمرة) فانه إذا شك في النهار بانه هل غربت الشمس وذلك إذا قلنا بان غروب الشمس هو ميزان الافطار والصلاة ، أو انه هل ذهبت الحمرة وذلك إذا قلنا بان ذهاب الحمرة هو الميزان كما هو المشهور عند الشيعة؟ فانه يستصحب عدم الغروب ، وعدم ذهاب الحمرة ، ويلزمه بقاء النهار وحرمة الاتيان بالمفطرات.

(و) مثل (عدم وصول القمر إلى درجة يمكن رؤيته فيها) فان القمر إذا ابتعد عن الشمس زهاء اثنتي عشرة درجة وقع فيه النور وصار قابلا للرؤية وبه يدخل الشهر الجديد ، فإذا شككنا في انه هل وصل القمر إلى هذه الدرجة أم لا؟ فالأصل عدم وصوله إليها ، مما لازمه بقاء الشهر السابق وعدم دخول الشهر اللاحق ، وهذا يجري في كل الشهور ، لا خصوص شهر رمضان وشوال وذي الحجة.

وكذلك لو شككنا في ان القمر هل وصل إلى درجة المحاق ، حيث يكره الزواج فيه ، أم لا حتى لا يكون الزواج مكروها؟.

هذا ، وقد تقدّم من المصنّف في التنبيه السابق : ان استصحاب الأمر العدمي المقارن للوجودات المتعاقبة المتجدّدة خال عن الاشكال.

وكيف كان : فبعد كون استصحاب الزمان يحتاج إلى التوجيه وانه مثبت على ما عرفت (فالأولى التمسك في هذا المقام) أي : مقام ترتيب الأحكام السابقة

٣٤٩

باستصحاب الحكم المرتّب على الزمان لو كان جاريا فيه ، كعدم تحقق حكم الصوم والافطار عند الشك في هلال رمضان أو شوّال ، ولعلّه المراد بقوله عليه‌السلام في المكاتبة المتقدّمة في أدلّة الاستصحاب : «اليقين لا يدخله الشك ، صم للرؤية ، وأفطر للرؤية» ،

______________________________________________________

بالنسبة إلى الزمان والزماني (باستصحاب) ثالث وهو : استصحاب (الحكم المرتّب على الزمان لو كان) الاستصحاب (جاريا فيه) أي : في الزمان.

وعليه : فلا يستصحب الزمان لما عرفت : من انه مثبت ومحتاج إلى التوجيه ، وإنّما يستصحب نفس الحكم المترتب على الزمان ، لأن استصحاب الحكم لا يحتاج إلى التوجيه السابق ، كما لم يكن مثبتا ، وذلك (كعدم تحقق حكم الصوم) فيما إذا شك في انه هل صار شهر رمضان أم لا؟ (و) عدم تحقق حكم (الافطار) فيما إذا شك في انه هل صار شهر شوال أم لا؟.

إذن : فاستصحاب الحكمين المذكورين (عند الشك في هلال رمضان أو شوّال) خال عن المحذور.

وهكذا استصحاب عدم استحباب ما ورد في شهر ذي الحجة وما ورد في شهر رجب ، إلى غير ذلك.

(ولعلّه) أي : لعل الاستصحاب الحكمي هو (المراد بقوله عليه‌السلام في المكاتبة المتقدّمة في أدلّة الاستصحاب : «اليقين لا يدخله الشك ، صم للرؤية ، وأفطر للرؤية» (١)).

والحاصل : انّه يمكن ان يكون مراده عليه‌السلام في المكاتبة : استصحاب

__________________

(١) ـ تهذيب الاحكام : ج ٤ ص ١٥٩ ب ١ ح ١٧ ، الاستبصار : ج ٢ ص ٦٤ ب ٣٣ ح ١٢ ، وسائل الشيعة : ج ١٠ ص ٢٥٦ ب ٣ ح ١٣٣٥١.

٣٥٠

إلّا أنّ جواز الافطار للرؤية لا يتفرّع على الاستصحاب الحكمي ، إلّا بناء على جريان استصحاب الاشتغال والتكليف بصوم رمضان ، مع أنّ

______________________________________________________

الموضوع ، فيكون المعنى حينئذ : اليقين بوجود شعبان لا يدخله الشك في مجيء رمضان فلا يصام قبل الرؤية ، كما ان اليقين بوجود رمضان لا يدخله الشك في دخول شوال فلا يفطر قبل الرؤية.

ويمكن ان يكون مراده عليه‌السلام في المكاتبة : استصحاب الحكم على ما ذكرناه من قولنا : فالأولى التمسك في هذا المقام باستصحاب الحكم المرتب على الزمان ، فيكون المعنى حينئذ : اليقين بعدم وجوب الصوم لا يدخله الشك في الوجوب ، فلا يصام بدون الرؤية ، كما ان اليقين بحرمة الافطار لا يدخله الشك في عدم الحرمة ، فلا يفطر دون الرؤية.

وعليه : فالرواية محتملة للاستصحاب الموضوعي ، كما انها محتملة للاستصحاب الحكمي أيضا (إلّا أنّ) تفريع جواز الافطار للرؤية على الاستصحاب الحكمي أعني : الوجوب ، لا يخلو من إشكال.

وإنّما قلنا انه لا يخلو من إشكال ، لأن الشك في خروج شهر رمضان ، شك في وجوب الزائد ، والزائد مجري للبراءة ، فلا يصح استصحاب الوجوب والاشتغال حتى يتفرع عليه : أفطر للرؤية ، فان الانسان إذا شك في ان الواجب عليه صوم ثلاثين يوما أو تسعة وعشرين ، فالأصل عدم وجوب الزائد ، لأنه من الأقل والأكثر غير الارتباطيين وقد تقدّم انه مجرى للبراءة كما قال :

فان (جواز الافطار للرؤية لا يتفرّع على الاستصحاب الحكمي ، إلّا بناء على جريان استصحاب الاشتغال و) استصحاب (التكليف بصوم رمضان ، مع أنّ

٣٥١

الحقّ في مثله التمسك بالبراءة لكون صوم كلّ يوم واجبا مستقلا.

وأمّا القسم الثاني : أعني : الامور التدريجيّة غير القارّة ، كالتكلّم ، والكتابة ، والمشي ، ونبع الماء من العين ، وسيلان دم الحيض من الرحم ، فالظاهر : جواز إجراء الاستصحاب فيما يمكن أن يفرض فيها أمرا واحدا مستمرّا

______________________________________________________

الحقّ في مثله) من الشك في الأقل والأكثر الاستقلاليين (التمسك بالبراءة) لا بالاشتغال والاحتياط.

وإنّما كان الحق هنا التمسك بالبراءة لا بالاشتغال (لكون صوم كلّ يوم واجبا مستقلا) غير مرتبط ببقية الأفراد ، ولهذا إذا صام كل شهر رمضان إلّا يوما واحدا لم يصمه عصيانا ، كان صيامه لباقي الأيام صحيحا غير مرتبط بهذا الافطار العمدي في اليوم الواحد ، إلى غير ذلك مما تقدّم في مسألة الأقل والأكثر غير الارتباطيين.

هذا تمام الكلام في القسم الأوّل من الامور التدريجية غير القارة الذي هو الزمان.

(وأمّا القسم الثاني : أعني : الامور التدريجيّة غير القارّة) التي تسمّى بالزمانيات (كالتكلّم ، والكتابة ، والمشي ، ونبع الماء من العين ، وسيلان دم الحيض من الرحم) وغيرها من الزمانيات فما هو حكم الاستصحاب فيها؟.

مثلا : إذا قال المولى لعبده : ابق في الدار ما دام الخطيب يتكلم ، أو ما دام فلان يكتب ، أو ما دام يمشي ، أو ما دام ينجر الخشب ، أو يبني الدار ، أو ما أشبه ذلك من الامور التدريجية الزمانية (فالظاهر : جواز إجراء الاستصحاب فيما يمكن أن يفرض فيها أمرا واحدا مستمرّا) عرفا.

وعليه : فما كان من الزمانيات بنظر العرف أمرا واحدا جرى فيه الاستصحاب

٣٥٢

نظير ما ذكرناه في نفس الزمان فيفرض التكلّم ـ مثلا ـ مجموع أجزائه أمرا واحدا ، والشك في بقائه لأجل الشك في قلّة أجزاء ذلك الفرد الموجود منه في الخارج وكثرتها ، فيستصحب القدر المشترك المردّد بين قليل الأجزاء وكثيرها.

______________________________________________________

مثل تكلم الخطيب في مجلس واحد فان مجموعه يعدّ عرفا أمرا واحدا وفردا من افراد كلي التكلم الصادق على هذا الفرد من التكلم وعلى غيره ، سواء كان تكلما من هذا الخطيب نفسه أم من سائر الخطباء.

وهكذا يكون بنظر العرف حال الكتابة والمشي ونجر الخشب والاشتغال بالبناء وغير ذلك.

إذن : فما ذكرناه من فرض الوحدة في الزمانيات يكون (نظير ما ذكرناه) من فرض الوحدة (في نفس الزمان) حيث ذكرنا : ان الزمان شيء واحد عرفا وان كان له أجزاء تدريجية دقة ، لكن عرفت : ان النظرة الدقية ليست مناطا في باب الاستصحاب ، وإنّما المناط هو النظر العرفي ، واستصحاب كل شيء إنّما هو بحسبه ، كما تقدّم ذلك في الزمان.

وعليه : (فيفرض التكلّم ـ مثلا ـ مجموع أجزائه) الحاصلة في مجلس واحد من خطيب واحد (أمرا واحدا ، والشك في بقائه) يكون حينئذ (لأجل الشك في قلّة أجزاء ذلك الفرد الموجود منه) أي : من التكلم (في الخارج وكثرتها) أي : كثرة الأجزاء ، فيكون من قبيل الشك في ان الفرد الموجود من الحيوان في حديقة الحيوانات هل هو الفرد الذي يعيش قصيرا ـ مثلا ـ أو يعيش طويلا؟.

وهنا نستصحب كليّ التكلّم كما قال : (فيستصحب القدر المشترك) من التكلم (المردّد بين قليل الأجزاء وكثيرها) كما نستصحب كلي الحيوان المردّد

٣٥٣

ودعوى : «أنّ الشك في بقاء القدر المشترك ناش عن حدوث جزء آخر من الكلام والأصل عدمه المستلزم لارتفاع القدر المشترك ، فهو من قبيل القسم الثالث من الأقسام الثلاثة المذكورة في الأمر السابق» ،

______________________________________________________

بين الطويل والقصير ، فيلزم على العبد البقاء في الدار ، ما دام لم يعلم انتهاء الخطبة ، أو لم يقم دليل شرعي على الانتهاء.

وهكذا يكون حال استصحاب نبع الماء من العين حتى يكون مطهّرا لأنه جار.

وكذا يكون استصحاب سيلان الدم من الرحم حتى تكون المرأة في حيض أو نفاس أو استحاضة.

(و) ان قلت : لا يصح مثل هذا الاستصحاب ، وذلك لأجل (دعوى : «أنّ الشك في بقاء القدر المشترك) من التكلم ، أو الدم ، أو نبع الماء ، أو ما أشبه ذلك (ناش عن حدوث جزء آخر من الكلام) غير الجزء المتيقن سابقا (والأصل عدمه المستلزم) هذا العدم (لارتفاع القدر المشترك).

وإنّما يستلزم ذلك ارتفاع القدر المشترك ، لأن الفرد الذي حصل الكلي في ضمنه سابقا قد زال قطعا ، والفرد الذي يحتمل حصول الآن في ضمنه لم يكن متحققا ، والأصل عدمه ، فكيف يمكن استصحاب الكلي مع انه من قبيل مثال خروج زيد والشك في دخول عمرو مقارنا لخروجه؟.

إذن : (فهو) أي : استصحاب كلي التكلم والدم ، ونبع الماء ، وما أشبه ذلك من الزمانيات (من قبيل) استصحاب الكلي (القسم الثالث من الأقسام الثلاثة المذكورة في الأمر السابق») أي : مثل خروج زيد ودخول عمرو ، وقد قلنا بعدم استصحاب كلي الانسان فيه.

٣٥٤

مدفوعة : بأنّ الظاهر كونه من قبيل الأوّل من تلك الأقسام الثلاثة ، لأنّ المفروض في توجيه الاستصحاب جعل كلّ فرد من التكلّم مجموع ما يقع في الخارج من الأجزاء التي يجمعها رابطة يوجب عدّها شيئا واحدا ، وفردا من الطبيعة ، لا جعل كلّ قطعة من الكلام الواحد فردا واحدا حتى يكون بقاء الطبيعة بتبادل افراده غاية الأمر كون المراد بالبقاء هنا

______________________________________________________

إن قلت ذلك ، قلت : ان هذه الدعوى (مدفوعة : بأنّ الظاهر كونه من قبيل) استصحاب الكلي القسم (الأوّل من تلك الأقسام الثلاثة).

وإنّما يكون من القسم الأوّل من الأقسام الثلاثة (لأنّ المفروض في توجيه الاستصحاب) في المقام : (جعل كلّ فرد من التكلّم مجموع ما يقع في الخارج من الأجزاء التي يجمعها رابطة يوجب عدّها شيئا واحدا ، وفردا من الطبيعة) لا أن التكلم السابق فرد والتكلم اللاحق فرد ، حتى يكون من قبيل خروج زيد ودخول عمرو.

وعليه : فليس المقام من قبيل استصحاب الكلي مع تبادل الأفراد ، بل هو من استصحاب الكلي القسم الأوّل وهو ما كان الشك في الكلي من جهة الشك في بقاء الفرد المتحقق هو في ضمنه.

إذن : فالمفروض هو جعل مجموع الكلام الواحد في المثال شيئا واحدا (لا جعل كلّ قطعة من الكلام الواحد فردا واحدا حتى يكون بقاء الطبيعة) أي : الكلي (بتبادل افراده).

نعم (غاية الأمر) ان نقول في توجيه الاستصحاب في الزماني : بانه مثل الاستصحاب في نفس الزمان على ما ذكرناه سابقا : من (كون المراد بالبقاء هنا

٣٥٥

وجود المجموع في الزمان الأوّل بوجود جزء منه ، ووجوده في الزمان الثاني بوجود جزء آخر منه.

والحاصل : أنّ المفروض كون كلّ قطعة جزءا من الكلّ ، لا جزئيّا من الكلّي.

هذا ،

______________________________________________________

وجود المجموع في الزمان الأوّل) من حيث المجموع (بوجود جزء منه ، ووجوده في الزمان الثاني بوجود جزء آخر منه) وقد تقدّم : ان الجزء الثاني والجزء الأوّل حسب المسامحة العرفية بالتصرف في المستصحب أو الاستصحاب مما يشمله دليل الاستصحاب.

(والحاصل : أنّ المفروض كون كلّ قطعة جزءا من الكلّ ، لا جزئيّا من الكلّي) فاذا فرضناه جزءا من الكل كان للكل وحدة واحدة فتكون قابلة للاستصحاب ، بينما إذا فرضناه جزئيا من الكلي مثل : افراد الانسان التي هي جزئيات من كلي الانسان لم تكن للافراد وحدة واحدة ، فلا تكون قابلة للاستصحاب ، ولذا قلنا : بعدم جريان الاستصحاب إذا علم بخروج زيد وشك في دخول عمرو مقارنا لخروج زيد.

والحاصل : انه إذا فرضنا مجموع كلمات الخطيب وحدة واحدة كان من القسم الأوّل ، وإذا فرضنا كل جملة من كلمات الخطيب فردا لكلي الكلام كان من القسم الثالث ، وهكذا بالنسبة إلى قطرات الدم ، وقطرات الماء ، وغيرها من الامور التدريجية.

(هذا) هو توجيه من توجيهات الاستصحاب في التدريجيات ، ويمكن أيضا توجيه الاستصحاب فيها بوجه آخر وهو : ملاحظة ان العرف يرى الفرد اللاحق

٣٥٦

مع ما عرفت في الأمر السابق : من جريان الاستصحاب فيما كان من القسم الثالث ، فيما إذا لم يعدّ الفرد اللاحق على تقدير وجوده موجودا آخر مغايرا للموجود الأوّل كما في السواد الضعيف الباقي بعد ارتفاع القويّ ، وما نحن فيه من هذا القبيل ، فافهم.

______________________________________________________

هو عين الفرد السابق حتى كأنه هو الفرد الأوّل قد بقي مستمرا ، فيكون حينئذ من الموارد الجائزة الاستصحاب من أقسام الكلي القسم الثالث كما قال :

(مع ما عرفت في الأمر السابق : من جريان الاستصحاب فيما كان من القسم الثالث ، فيما إذا لم يعدّ الفرد اللاحق على تقدير وجوده موجودا آخر مغايرا للموجود الأوّل كما) مثّلنا له (في السواد الضعيف الباقي بعد ارتفاع القويّ) من السواد (وما نحن فيه من هذا القبيل).

وعليه : فالكلام الطويل بنظر العرف فرد ضعيف ، والكلام القصير فرد شديد ، فإذا زال الكلام القصير الذي هو فرد شديد وشك في بقاء الفرد الضعيف ، استصحب كلي الكلام الشامل لهما ، كاستصحاب كلي السواد الشامل للقوي والضعيف.

وإنّما يفرض الكلام القصير فردا شديدا ، والطويل فردا ضعيفا ، لضعف استعداد المتكلّم للكلام الطويل ، بالنسبة إلى استعداده للتكلم بالكلام القصير ، وهكذا بالنسبة إلى أول الماء وآخر الماء المشكوك وجوده وعدمه ، وأول الدم وآخر الدم ، إلى غير ذلك من الأمثلة.

(فافهم) ولعله إشارة إلى ان الجزء الثاني من الأمر التدريجي ليس بنظر العرف ضعيفا والجزء الأوّل شديدا ، حتى يقاس ما نحن فيه بالسواد الشديد والضعيف ، أو لعله إشارة إلى الفرق بين التوجيهين فانه دقيق.

٣٥٧

ثم إنّ الرابطة الموجبة لعدّ المجموع أمرا واحدا موكولة إلى العرف ، فانّ المشتغل بقراءة القرآن لداع يعدّ جميع ما يحصل منه في الخارج بذلك الداعي أمرا واحدا ، فإذا شك في بقاء اشتغاله بها في زمان لأجل الشك في حدوث الصارف أو لأجل الشك في مقدار اقتضاء الدّاعي ، فالأصل بقاؤه.

______________________________________________________

(ثم إنّ الرابطة الموجبة لعدّ المجموع أمرا واحدا) بعد أن كان في الحقيقة افرادا متعددة ، لأن كل جزء من التدريجي فرد غير الفرد الآخر ، فاللازم وجود الكلي الرابط بين الافراد ، وهذه الرابطة (موكولة إلى العرف ، فانّ) العرف هو المعيار في بقاء الشيء السابق وعدم بقائه.

مثلا : (المشتغل بقراءة القرآن لداع) خاص كمجلس ديني ، أو حفل تعليمي ، فانه (يعدّ جميع ما يحصل منه في الخارج بذلك الداعي أمرا واحدا) عرفا (فإذا شك في بقاء اشتغاله بها في زمان) لا حق فانّ شكه يكون على أحد وجهين :

إمّا (لأجل الشك في حدوث الصارف) وذلك فيما إذا أحرز المقتضي للاستمرار ، ثم احتمل طروّ المانع والصارف عنه ، بان علم ـ مثلا ـ انه كان يريد قراءة القرآن إلى الظهر ، ثم شك قبل ساعة من الظهر في انه هل انصرف لأجل مجيء ضيف له أم لا؟.

(أو لأجل الشك في مقدار اقتضاء الدّاعي) بان كان الشك في المقتضي ومقدار الاستعداد ، كما إذا شك بانه هل كان يريد قراءة أمّن يجيب ألف مرة أو عشرة آلاف مرة ـ مثلا ـ؟.

وعليه : فإذا شك في بقاء اشتغاله بقراءة القرآن سواء كان في المقتضي أم في الرافع (فالأصل بقاؤه) أي : بقاء اشتغاله بقراءة القرآن عند من يرى حجية الاستصحاب في الشك في الرافع والشك في المقتضي معا ، امّا من لا يرى حجية

٣٥٨

أمّا لو تكلم لداع أو لدواع ثمّ شك في بقائه على صفة التكلّم لداع آخر ، فالأصل عدم حدوث الزائد على المتيقن.

وكذا لو شك بعد انقطاع دم الحيض في عوده في زمان يحكم عليه بالحيضيّة أم لا ، فيمكن إجراء الاستصحاب

______________________________________________________

الاستصحاب في الشك المقتضي ، فلا يجري الاستصحاب في الأمر الثاني الذي ذكره المصنّف بقوله : أو لأجل الشك في مقدار اقتضاء الدّاعي.

و (أمّا لو تكلم لداع) خاص في مجلس (أو لدواع) متعددة في مجالس متعددة (ثمّ شك في بقائه على صفة التكلّم لداع آخر) في نفس المجلس أو مجلس آخر بان كان ـ مثلا ـ داعيه الأوّل الوعظ والارشاد ، وكان داعيه الثاني الابكاء لأجل مصيبة الامام الحسين عليه‌السلام (فالأصل عدم حدوث الزائد على المتيقن) فلا يستصحب بالنسبة إلى المجلس الثاني ، كما لا يستصحب بالنسبة إلى المجلس الأوّل لداع آخر في المتعدّد الدّواعي.

(وكذا لو شك بعد انقطاع دم الحيض في عوده في زمان يحكم عليه بالحيضيّة) وذلك قبل تجاوز العشرة فانهم ذكروا : ان دم الحيض يمكن ان يمتد إلى عشرة أيام (أم لا) بان لم يعد في العشرة ، فإذا شك في ذلك (فيمكن إجراء الاستصحاب) واعتداد ما بقي إلى العشرة حيضا.

مثلا : إذا علم بانقطاع السيلان في اليوم الخامس واحتمل عوده في اليوم السابع ولم يتجاوز العشرة حسب الفرض ، فيمكن استصحاب الحيض ، لأن سيلان الدم ثانيا وان كان شكا في مقدار اقتضاء الطبيعة لذلك إلّا انه يعدّ مع سيلانه الأوّل أمرا واحدا عرفا ، فيكون من قبيل الشك في مقدار اقتضاء الحيوان للبقاء في الفرد القصير والطويل حيث يستصحب بقاء الحيوان ، فكذلك يستصحب بقاء الحيض.

٣٥٩

نظرا إلى أنّ الشك في اقتضاء طبيعتها لقذف الرحم الدم في أيّ مقدار من الزمان ، فالأصل عدم انقطاعه.

وكذا لو شك في اليأس فرأت الدم ، فانّه قد يقال : باستصحاب الحيض ، نظرا إلى كون الشك في انقضاء ما اقتضته الطبيعة من قذف الحيض في كلّ شهر.

وحاصل وجه الاستصحاب ملاحظة كون الشك في استمرار الأمر الواحد

______________________________________________________

وإنّما يمكن إجراء استصحاب الحيض (نظرا إلى أنّ الشك في اقتضاء طبيعتها لقذف الرحم الدم في أيّ مقدار من الزمان) هل هو خمسة أيام أو أكثر من ذلك؟ (فالأصل عدم انقطاعه) أي : عدم انقطاع الدم.

(وكذا لو شك في اليأس فرأت الدم) فشك في انه حيض أو ليس بحيض (فانّه قد يقال : باستصحاب الحيض ، نظرا إلى كون الشك في انقضاء ما اقتضته الطبيعة من قذف الحيض في كلّ شهر) والأصل عدم انقضائه ، فهو حيض وذلك لأن العرف يعدّ المجموع أمرا واحدا.

مثلا : إذا لاحظنا مجموع ما تراه المرأة من الحيض في كل شهر إلى مدة خمسين سنة ـ وهو سن اليأس في غير القرشية ، أو إلى ستين سنة في القرشية ـ أمرا واحدا ، لوحدة المنشأ الذي هو اقتضاء الطبيعة للحيض في مدة من العمر ، فيكون الشك في حيضية الدم ناشئا عن الشك في مقدار الاقتضاء ، فيكون حال المقام حال الفرد الطويل والقصير في الحيوان ، وقد عرفت : جريان الاستصحاب في مثله.

(وحاصل وجه الاستصحاب) فيما ذكرناه هو : (ملاحظة كون الشك) إنّما هو (في استمرار الأمر الواحد) عرفا ، مثل الحيض في أيام معدودة وذلك فيما إذا

٣٦٠