الوصائل إلى الرسائل - ج ١٢

آية الله السيد محمد الشيرازي

الوصائل إلى الرسائل - ج ١٢

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة عاشوراء للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7263-12-0
ISBN الدورة:
964-7263-04-X

الصفحات: ٤٠٠

فانّ الحاصل من النظر في كيفية شرطيّة الشرط أنّه قد يكون نفس الشيء شرطا لشيء على الاطلاق ، كالطهارة من الحدث الأصغر للمسّ ، ومن الأكبر للمكث في المساجد ، ومن الحيض للوطي ، ووجوب العبادة.

وقد يكون شرطا له في حال دون حال ، كاشتراط الطهارة من الخبث في الصلاة مع التمكين لا مع عدمه.

وقد يكون حدوثه في زمان ما شرطا للشيء ، فيبقى المشروط ولو بعد ارتفاع الشرط ، كالاستطاعة للحج.

______________________________________________________

الحكم في شيء من أجزاء الزمان الثابت فيه الحكم ، ليس تابعا للثبوت في جزء آخر ، بل نسبة السبب في محل اقتضاء الحكم في كل جزء نسبة واحدة.

وعليه : (فانّ الحاصل من النظر في كيفية شرطيّة الشرط) هو انقسام الشرط ، لكن لا بالاعتبار الذي ذكره الفاضل التوني في السبب ، بل بالاعتبار التالي كما قال :

أولا : (أنّه قد يكون نفس الشيء شرطا لشيء على الاطلاق ، كالطهارة من الحدث الأصغر للمسّ) أي مسّ كتابة القرآن (و) الطهارة (من) الحدث (الأكبر للمكث في المساجد ، و) الطهارة (من الحيض للوطي ، ووجوب العبادة) لأن المرأة إذا لم تطهر من الحيض لا يجوز لزوجها وطيها ولا تجب العبادة عليها ، وكل ذلك يجري الاستصحاب في نفس الشرط دون الشرطية.

ثانيا : (وقد يكون شرطا له في حال دون حال ، كاشتراط الطهارة من الخبث في الصلاة مع التمكين) من التطهير (لا مع عدمه) فانه إذا لم يتمكن المصلي من التطهير صلى مع الخبث ، فلا يكون هناك اشتراط الطهارة من الخبث.

ثالثا : (وقد يكون حدوثه في زمان ما) أي : حدوث الشرط في زمان ما (شرطا للشيء ، فيبقى المشروط ولو بعد ارتفاع الشرط ، كالاستطاعة للحج) فان الانسان

١٢١

وقد يكون تأثير الشرط بالنسبة إلى فعل دون فعل ، كالوضوء العذريّ المؤثر فيما يأتى به حال العذر.

فاذا شككنا في مسألة الحجّ في بقاء وجوبه بعد ارتفاع الاستطاعة ، فلا مانع من استصحابه.

______________________________________________________

إذا صار مستطيعا في زمان ما ولم يحج ، وجب عليه الحج في السنوات القادمة وان ذهبت استطاعته بعد ذلك.

رابعا : (وقد يكون تأثير الشرط بالنسبة إلى فعل دون فعل ، كالوضوء العذريّ المؤثر فيما يأتى به حال العذر) وكذلك الغسل العذري ، فان ما يأتي به من الأفعال المشروطة بالوضوء أو الغسل في حال العذر مع الوضوء أو الغسل العذريّين صحيح ، دون ما يأتي به في غير هذه الحال ، إذ لو ارتفع العذر وجب الوضوء والغسل التامان حتى يجوز الدخول في الصلاة ، ويصحّ الطواف ، وما أشبه ذلك.

وحيث كان الشرط كما عرفت على أقسام ، فاذا شككنا في ان الشرط في مكان هل هو من قبيل ما إذا ارتفع ارتفع المشروط ، أو من قبيل ما إذا ارتفع لم يرتفع المشروط؟ نستصحب المشروط ، لاحتمالنا بقاء وجوب المشروط ، وانه من قبيل الشرط الذي يكفي حدوثه في بقاء المشروط على وجوبه ولو بعد انعدام الشرط.

أما مثاله ، فقد مثّل لذلك المصنّف بقوله : (فاذا شككنا في مسألة الحجّ في بقاء وجوبه بعد ارتفاع الاستطاعة) بأن لم نعلم هل الاستطاعة من قبيل الشرط المطلق حتى إذا ارتفع ارتفع وجوب الحج ، أو من قبيل الشرط الذي يكفي حدوثه في بقاء وجوب الحج ولو بعد ارتفاع الشرط (فلا مانع من استصحابه) أي :

١٢٢

وكذا لو شككنا في اختصاص الاشتراط بحال التمكّن من الشرط ، كما إذا ارتفع التمكّن من إزالة النجاسة في أثناء الوقت ، فانّه لا مانع من استصحاب الوجوب.

______________________________________________________

استصحاب وجوب الحج حينئذ.

ومن ذلك ظهر : انه لا تهافت بين كلامي المصنّف حيث قال تارة : ان الاستطاعة حدوثها في زمان ما شرط فيبقى المشروط ولو بعد ارتفاع الشرط ، وقال اخرى : فاذا شككنا في بقاء وجوبه بعد ارتفاع الاستطاعة أي : بعد ارتفاع الشرط.

وإنّما قلنا : لا تهافت ، لأن كلامه الأوّل في واقع شرط الاستطاعة المستفاد من الأدلة ، وكلامه الثاني على نحو القضية الفرضية بأن نفرض انه لم نستفد من الأدلة بأن اشتراط الحج بالاستطاعة هل هو من قبيل الشرط المطلق كالطهارة بالنسبة إلى مس كتابة القرآن ، أو من قبيل الشرط الذي يكفي حدوثه في بقاء وجوب الحج ، فانه حينئذ نستصحب وجوب الحج وان ارتفع الشرط الذي هو الاستطاعة؟.

(وكذا) لا مانع من الاستصحاب فيما (لو شككنا في) انّ الاشتراط مطلق ، أو ان (اختصاص الاشتراط بحال التمكّن من الشرط ، كما إذا ارتفع التمكّن من إزالة النجاسة في أثناء الوقت ، فانّه لا مانع من استصحاب الوجوب).

مثلا : إذا فرضنا انا لم نعلم هل ان إزالة الخبث شرط مطلق حتى إذا لم يتمكن المكلّف من إزالة الخبث عن بدنه أو ثوبه سقط وجوب الصلاة عنه ، أو انه شرط عند التمكن فقط ، حتى إذا كان أول الوقت قادرا على الصلاة مع الازالة ، ثم وسط الوقت سقطت قدرته ، فانا نستصحب وجوب الصلاة إلى ما بعد وقت زوال القدرة.

١٢٣

وكذا لو شككنا في أنّ الشرط في إباحة الوطي الطهارة بمعنى : النقاء من الحيض أو ارتفاع حدث الحيض. وكذا لو شككنا في بقاء إباحة الصلاة أو المسّ بعد الوضوء العذريّ إذا كان فعل المشروط به بعد زوال العذر.

وبالجملة : فلا أجد كيفيّة شرطيّة الشرط مانعة عن إجراء الاستصحاب في المشروط بل قد يوجب إجرائه فيه.

______________________________________________________

(وكذا لو شككنا في أنّ الشرط في إباحة الوطي الطهارة بمعنى : النقاء من الحيض) ولو لم تغتسل (أو ارتفاع حدث الحيض) بأن يجوز الوطي بعد اغتسالها ، فانا نستصحب إباحة الوطي التي كانت قبل الحيض ، حيث ان الشارع أباح الوطي مطلقا وأخرج من الاباحة حال الدم ، فاذا شككنا في الجواز وعدمه بعد تمام الدم قبل الغسل ، نستصحب الجواز السابق على الحيض.

هذا وقد يقال : هناك في تفسير هذه العبارة من المصنّف معنى آخر : وهو استصحاب حرمة الوطي بعد النقاء قبل الغسل ، لكنه خلاف ظاهر العبارة.

(وكذا لو شككنا في بقاء إباحة الصلاة أو) إباحة (المسّ) لكتابة القرآن (بعد الوضوء العذريّ إذا كان فعل المشروط به) من الصلاة والمسّ (بعد زوال العذر) بأن توضأ ـ مثلا ـ وضوء الجبيرة ، وبعد البرء أراد أن يصلي أو يمس كتابة القرآن بذلك الوضوء العذري ، فإنه يستصحب الاباحة السابقة.

(وبالجملة : فلا أجد كيفيّة شرطيّة الشرط مانعة عن إجراء الاستصحاب في المشروط) فإن الاستصحاب يجري في المشروط إذا شككنا في إن الشرط بكيفيّة مطلقة ، أو ان الشرط بكيفيّة خاصة على ما عرفت.

(بل قد يوجب إجرائه فيه) أي : في المشروط ، بمعنى : ان الشك في الكيفيّة يوجب إجراء الاستصحاب في المشروط ، ومعنى إيجابه هو : أن يكون دليل

١٢٤

قوله : «فظهر ممّا ذكرنا : أنّ الاستصحاب المختلف فيه لا يجري إلّا في الأحكام الوضعيّة ، أعني : الأسباب والشروط والموانع».

لا يخفى ما في هذا التفريع ، فإنّه لم يظهر من كلامه : جريان الاستصحاب في الأحكام الوضعيّة ، بمعنى نفس الأسباب والشروط ، ولا عدمه فيها بالمعنى المعروف.

______________________________________________________

الاستصحاب شاملا لهذا المورد الذي يشك في كيفية شرطه بأنه هل هو شرط مطلق أو شرط ليس بمطلق.

ومن موارد النظر في كلام الفاضل التوني : (قوله : «فظهر ممّا ذكرنا : أنّ الاستصحاب المختلف فيه) حيث يجريه جماعة ، ويمنعه جماعة (لا يجري إلّا في الأحكام الوضعيّة ، أعني : الأسباب والشروط والموانع») فقط.

فنقول أولا : (لا يخفى ما في هذا التفريع ، فإنّه لم يظهر من كلامه : جريان الاستصحاب في الأحكام الوضعيّة ، بمعنى نفس الأسباب والشروط ، ولا عدمه فيها بالمعنى المعروف) للاستصحاب ، ولذا قال الأوثق والآشتياني هنا واللفظ للأول ما حاصله :

ان قول الفاضل التوني مركّب من عقدي : الايجاب والسلب وهما : اعتبار الاستصحاب في متعلّقات أحكام الوضع ، وعدمه في غيرها ، وما يظهر من كلامه إلى قوله : فظهر ممّا ذكرنا هو : عدم اعتباره في الأحكام التكليفية ابتداء ، ولا في المسبّبات ، وكذا في أحكام الوضع.

وأمّا متعلّقات أحكام الوضع ، فلم يظهر من كلامه جريانه ولا عدمه فيه بالمعنى المعروف ، أعني : إثبات الشيء في الزمان الثاني تعويلا على ثبوته في الزمان الأوّل ، فلا يصحّ التفريع حينئذ ، مع إن متعلّقاتها إن كانت من الموضوعات

١٢٥

نعم ، علم عدم الجريان أيضا في المسبّبات أيضا ، لزعمه انحصارها في المؤبّد ، والموقّت بوقت محدود معلوم.

فبقي أمران ، أحدهما : نفس الحكم الوضعي ، وهو : جعل الشيء سببا لشيء أو شرطا ، واللازم : عدم جريان الاستصحاب فيها ،

______________________________________________________

الخارجية ، فهي خارجة عن محل الكلام أعني : الأحكام الشرعية التي قسّمها إلى ستة أقسام ، وان كانت من الموضوعات الشرعية مثل الطهارة والنجاسة اللتين مثّل بهما ، فهي من قبيل المسبّبات التي صرّح بعدم جريان الاستصحاب فيها (١).

(نعم ، علم) من كلام الفاضل التوني (عدم الجريان أيضا) للاستصحاب (في المسبّبات أيضا ، لزعمه انحصارها) أي المسبّبات (في المؤبّد ، والموقّت بوقت محدود معلوم) وما كان مؤبّدا أو مؤقتا كان الحكم فيه في الزمان الثاني بنفس الدليل بالاستصحاب.

ونقول ثانيا : (فبقي) ممّا لم يذكره الفاضل التوني (أمران) على النحو التالي :

(أحدهما : نفس الحكم الوضعي وهو : جعل الشيء سببا لشيء ، أو شرطا) إذ قد تقدّم : إن هناك ذات الشرط كالوضوء ، والشرطية وهو اشتراط الصلاة بالوضوء ، وذات السبب كالدلوك ، والسببية وهو سببية الدلوك لوجوب الصلاة حيث قال عليه‌السلام : «إذا دخل الوقت وجب الطهور والصلاة» (٢) وهكذا في ذات المانع ، والمانعية (واللازم : عدم جريان الاستصحاب فيها) أي : في الشرطية

__________________

(١) ـ أوثق الوسائل : ص ٤٧٩ جريان الاستصحاب في الأسباب والموانع والشروط.

(٢) ـ تهذيب الاحكام : ج ٢ ص ١٤٠ ب ٢٣ ح ٤ ، من لا يحضره الفقيه : ج ١ ص ٣٣ ح ٦٧ ، وسائل الشيعة : ج ١ ص ٣٧٢ ب ٤ ح ٩٨١ وج ٢ ص ٢٠٣ ب ١٤ ح ١٩٢٩.

١٢٦

لعين ما ذكره في الأحكام التكليفية.

والثاني : نفس الأسباب والشروط.

ويرد عليه أنّ نفس السبب والشرط والمانع إن كان أمرا غير شرعي ، فظاهر كلامه ـ حيث جعل محلّ الكلام في الاستصحاب المختلف فيه هي الامور الشرعية ـ : خروج مثل هذا عنه ، كحياة زيد ورطوبة ثوبه ؛

______________________________________________________

والسببية والمانعية (لعين ما ذكره في الأحكام التكليفية) لأنه من القسم الدائم حتى يجيء رافع ، وقد عرفت : إنه لا استصحاب في الدائم ، فتتساوى الأحكام التكليفية والأحكام الوضعية من جهة عدم جريان الاستصحاب حسب نظر الفاضل التوني.

(والثاني : نفس الأسباب والشروط) كالدلوك والوضوء.

(ويرد عليه) أي : على الفاضل التوني فيما ذكره : من ان الاستصحاب المختلف فيه لا يجري إلّا في الأحكام الوضعية أعني : الأسباب والشروط والموانع ، فيرد عليه بعد إشكاله الأوّل وهو ما ذكره بقوله : لا يخفى ما في هذا التفريع ، وإشكاله الثاني وهو ما ذكره بقوله : فبقي أمران ، إشكال ثالث وهو ما أشار إليه بقوله : (أنّ نفس السبب والشرط والمانع إن كان أمرا غير شرعي ، فظاهر كلامه ـ حيث جعل محلّ الكلام في الاستصحاب المختلف فيه هي الامور الشرعية ـ : خروج مثل هذا عنه ، كحياة زيد ورطوبة ثوبه) ولا يخفى : ان قوله : «حيث جعل محل الكلام في الاستصحاب المختلف فيه هي الامور الشرعية» جملة معترضة بين المبتدأ وهو قوله : «فظاهر كلامه» ، وبين الخبر وهو قوله :

«خروج مثل هذا».

قال الآشتياني رحمه‌الله : «الوجه في ظهور كلامه في اختصاص البحث

١٢٧

وإن كان أمرا شرعيا كالطهارة والنجاسة فلا يخفى : أنّ هذه الامور الشرعية مسبّبة عن أسباب ، فانّ النجاسة التي مثّل بها في الماء المتغيّر مسبّبة عن التغيّر والطهارة التي مثّل بها في مسألة المتيمّم

______________________________________________________

بالاستصحاب في الحكم الشرعي على ما ذكره دام ظله شيئان :

أحدهما : عنوان الاستصحاب في الأدلة العقلية ، فإنه يقتضي تخصيص الكلام بالاستصحاب في الحكم الشرعي.

ثانيهما : تخصيصه تقسيم المستصحب بالحكم الشرعي ، فلو كان المراد هو الأعم لجعل التقسيم أيضا أعم من الحكم الشرعي.

وأيضا كلامه في الاستصحاب المختلف فيه وحجية الاستصحاب ممّا لا خلاف فيه عند الاخباريين ، فالحكم بجريان الاستصحاب المختلف فيه في الشبهة الموضوعية ممّا لا معنى له ، انتهى كلام الآشتياني قدس‌سره.

أقول : فالمعنى : انه كما ان حياة زيد ورطوبة ثوبه خارج عن الاستصحاب ، كذلك يخرج عن الاستصحاب نفس السبب والشرط والمانع ، لأنها أمور غير شرعية.

(وإن كان) السبب والشرط والمانع (أمرا شرعيا كالطهارة والنجاسة) فإن الطهارة شرط في الصلاة ، والنجاسة مانعة عنها (فلا يخفى : أنّ هذه الامور الشرعية مسبّبة عن أسباب) فتكون هذه الامور الشرعية مسبّبات ، وقد منع سابقا عن جريان الاستصحاب في المسبّبات ، فيلزم التهافت بين كلامي الفاضل المذكور.

وعليه : (فانّ النجاسة التي مثّل بها في الماء المتغيّر) هذه النجاسة (مسبّبة عن التغيّر) بالنجس (والطهارة التي مثّل بها في مسألة المتيمّم) فيما إذا وجد المتيمّم

١٢٨

مسبّبة عن التيمّم ، فالشك في بقائها لا يكون إلّا للشك في كيفيّة سببيّة السبب الموجب لاجراء الاستصحاب في المسبّب ، أعني : النجاسة والطهارة ، وقد سبق منه المنع عن جريان الاستصحاب في المسبّب.

ودعوى : «أنّ الممنوع في كلامه جريان الاستصحاب في الحكم التكليفي المسبّب عن الأسباب إلّا تبعا لجريانه في نفس الأسباب».

______________________________________________________

ماء في وسط الصلاة (مسبّبة عن التيمّم) فإن التيمم سبب الطهارة ، كما ان التغيّر سبب النجاسة.

إذن : (فالشك في بقائها) أي : في بقاء النجاسة والطهارة (لا يكون إلّا للشك في كيفيّة سببيّة السبب الموجب لاجراء الاستصحاب في المسبّب ، أعني :

النجاسة والطهارة) حيث لا نعلم هل ان التغيّر سبب مطلق للنجاسة حتى بعد زواله ، أو انه سبب ما دام التغيّر موجودا؟.

وكذلك لا نعلم هل ان التيمم سبب لمطلق الطهارة حتى بعد وجدان الماء في أثناء الصلاة ، أو سبب ما دام لم يجد الماء؟.

هذا (وقد سبق منه) أي : من الفاضل التوني (المنع عن جريان الاستصحاب في المسبّب) فكيف يجري الاستصحاب في الطهارة والنجاسة ، والحال إنهما مسبّبان عن التغيّر والتيمّم؟.

(ودعوى : «أنّ الممنوع في كلامه) إنّما هو (جريان الاستصحاب في الحكم التكليفي المسبّب عن الأسباب) فإنه لا يجري فيه الاستصحاب (إلّا تبعا لجريانه في نفس الأسباب») دون الوضعي إذ ليس الممنوع جريان الاستصحاب في الحكم الوضعي إذا كان مسبّبا كما نحن فيه من الطهارة والنجاسة.

والحاصل : ان المصنّف أشكل على الفاضل التوني : بأنه كيف يجري

١٢٩

مدفوعة : بأنّ النجاسة ، كما حكاه المفصّل عن الشهيد ليست إلّا عبارة عن وجوب الاجتناب ، والتطهير الحاصل من التيمّم ليس إلّا إباحة الدخول في الصلاة المستلزمة لوجوب المضي فيها بعد الدخول ، فهما اعتباران منتزعان من الحكم التكليفي.

______________________________________________________

الاستصحاب في الطهارة والنجاسة وهما مسبّبان عن التيمّم والتغيّر مع ان الفاضل التوني يقول : بأن الاستصحاب لا يجري في المسبّبات؟.

فادعى المدّعي : عدم ورود هذا الاشكال على الفاضل التوني ، وذلك لأنه قال بعدم جريان الاستصحاب في الحكم التكليفي ، إذا كان مسبّبا ولم يقل بعدم جريانه في الحكم الوضعي إذا كان مسببا ، والطهارة والنجاسة حكم وضعي مسبّب ، فلا تناقض بين كلاميه.

هذه الدعوى (مدفوعة : بأنّ) الطهارة والنجاسة حكمان تكليفيان لا حكمان وضعيان ، وذلك لأنّ (النجاسة كما حكاه المفصّل) وهو الفاضل التوني (عن الشهيد) الأوّل رحمه‌الله (ليست إلّا عبارة عن وجوب الاجتناب) ووجوب الاجتناب حكم تكليفي (والتطهير الحاصل من التيمّم ليس إلّا إباحة الدخول في الصلاة المستلزمة) هذه الاباحة (لوجوب المضي فيها بعد الدخول) فاذا دخل في الصلاة بالتيمم ، ثم وجد الماء في الأثناء وجب عليه المضي فيما بقي من الصلاة ، ووجوب المضي في الصلاة حكم تكليفي.

وعلى هذا نقول في رد الفاضل التوني : (فهما) أي : الطهارة والنجاسة (اعتباران منتزعان من الحكم التكليفي) ومسبّبان عنه ، وقد عرفت : ان الفاضل التوني لا يوجب الاستصحاب في المسبّب الذي هو حكم تكليفي.

١٣٠

قوله : «ووقوعه في الأحكام الخمسة إنّما هو بتبعيّتها ، إلى آخره».

قد عرفت وستعرف أيضا : أنّه لا خفاء في أنّ استصحاب النجاسة لا يعقل لها معنى إلّا ترتيب أثرها ، أعني : وجوب الاجتناب في الصلاة والأكل والشرب.

فليس هنا استصحاب للحكم التكليفي ، لا ابتداء ولا تبعا ، وهذا كاستصحاب حياة زيد ، فإنّ حقيقة ذلك هو : الحكم بتحريم عقد

______________________________________________________

ومن موارد النظر في كلام الفاضل التوني : (قوله : «ووقوعه) أي : الاستصحاب (في الأحكام الخمسة) التكليفية (إنّما هو بتبعيّتها) أي : بتبعيّة الأحكام الوضعية (إلى آخره»).

فنقول : (قد عرفت وستعرف أيضا : أنّه لا خفاء في أنّ استصحاب النجاسة لا يعقل لها معنى إلّا ترتيب أثرها) وترتيب الأثر (أعني : وجوب الاجتناب في الصلاة والأكل والشرب) وما أشبه ذلك.

إذن : فحاصل إشكال المصنّف على الفاضل التوني هو : إنه لا استصحاب في الحكم التكليفي إطلاقا ، وذلك كما قال :

(فليس هنا استصحاب للحكم التكليفي ، لا ابتداء) حتى نستصحب حرمة الأكل والشرب ، وبطلان الصلاة ، وما أشبه ذلك (ولا تبعا) للحكم الوضعي ، بأن نستصحب النجاسة ، وتبعا لاستصحاب النجاسة نستصحب حرمة الأكل والشرب ، وبطلان الصلاة ، وما أشبه ذلك (و) إنّما يكون (هذا كاستصحاب حياة زيد) الذي يترتب عليه الأثر تلقائيا بلا استصحاب في الأثر ، لا استقلالا ولا تبعا كما قال : (فإنّ حقيقة ذلك) أي : استصحاب حياة زيد (هو : الحكم بتحريم عقد

١٣١

زوجته والتصرّف في ماله.

وليس هذا استصحابا لهذا التحريم ، بل التحقيق ـ كما سيجيء ـ عدم جواز إجراء الاستصحاب في الأحكام التي يستصحب موضوعاتها ، لأنّ استصحاب وجوب الاجتناب ـ مثلا ـ إن كان بملاحظة استصحاب النجاسة ، فقد عرفت : أنّه لا يبقى بهذه الملاحظة شك في وجوب الاجتناب لما عرفت : من أنّ حقيقة حكم الشارع باستصحاب النجاسة هو : حكمه بوجوب الاجتناب حتى يحصل اليقين بالطهارة.

______________________________________________________

زوجته والتصرّف في ماله) وما أشبه ذلك (وليس هذا) أي : الحكم بتحريم عقد زوجته (استصحابا لهذا التحريم) وإنّما يترتّب التحريم تلقائيا على استصحاب حياته.

إلى هنا أثبت المصنّف إنه لا يستصحب الحكم التكليفي إطلاقا ، ثم ترقّى عن ذلك وقال : ان دليل الاستصحاب لا يشمل استصحاب الحكم التكليفي رأسا ، ولذلك قال : (بل التحقيق كما سيجيء : عدم جواز إجراء الاستصحاب في الأحكام التي يستصحب موضوعاتها) وعدم الجواز هنا يعني : عدم صحته عقلا ولا نقلا ، فانه لا استصحاب في المسبّب ما دام يمكن الاستصحاب في السبب.

وإنّما لا يجوز الاستصحاب في الحكم مع جريانه في الموضوع (لأنّ استصحاب وجوب الاجتناب ـ مثلا ـ إن كان بملاحظة استصحاب النجاسة) بأن نستصحب وجوب الاجتناب تبعا لاستصحاب النجاسة (فقد عرفت : أنّه لا يبقى بهذه الملاحظة شك في وجوب الاجتناب) وإذا لم يبق شك فيه فلا مجال لاستصحابه ، وذلك (لما عرفت : من أنّ حقيقة حكم الشارع باستصحاب النجاسة هو : حكمه بوجوب الاجتناب حتى يحصل اليقين بالطهارة)

١٣٢

وإن كان مع قطع النظر عن استصحابها ، فلا يجوز الاستصحاب ، لأنّ وجوب الاجتناب سابقا عن الماء المذكور إنّما كان من حيث كونه نجسا ، لأنّ النجس هو الموضوع لوجوب الاجتناب ، فما لم يحرز الموضوع في حال الشك لم يجر الاستصحاب ، كما سيجيء في مسألة اشتراط القطع ببقاء الموضوع في الاستصحاب.

ثمّ اعلم أنّه بقي هنا شبهة اخرى

______________________________________________________

فإن الأحكام الوضعية تنتزع من الأحكام التكليفية لا ان التكليفية شيء في قبال الوضعية حتى نستصحب مستقلة.

(وإن كان) استصحاب وجوب الاجتناب (مع قطع النظر عن استصحابها) أي : عن استصحاب النجاسة (فلا يجوز الاستصحاب).

وإنّما لا يجوز الاستصحاب (لأنّ وجوب الاجتناب سابقا عن الماء المذكور) الذي كان متغيّرا ثم زال تغيّره من نفسه (إنّما كان من حيث كونه نجسا ، لأنّ النجس هو الموضوع لوجوب الاجتناب ، فما لم يحرز الموضوع في حال الشك) في إنه باق على نجاسته بعد زوال التغيّر أم لا (لم يجر الاستصحاب ، كما سيجيء في مسألة اشتراط القطع ببقاء الموضوع في الاستصحاب) ان شاء الله تعالى.

وإنّما لم يجر الاستصحاب مع الشك في بقاء الموضوع ، لأن الاستصحاب معناه : إن الموضوع ثابت في حالي اليقين والشك ، وإنّما نشك فيما يترتّب على الموضوع فنستصحبه ، فاللازم : بقاء الموضوع في الحالين ، وإلّا كان من إسراء الحكم من موضوع إلى موضوع آخر ، انتهى مناقشة كلام الفاضل التوني قدس‌سره.

(ثمّ اعلم أنّه بقي هنا) في باب استصحاب الأحكام التكليفية (شبهة اخرى

١٣٣

في منع جريان الاستصحاب في الأحكام التكليفية مطلقا ، وهي : أنّ الموضوع للحكم التكليفي ليس إلّا فعل المكلّف.

ولا ريب أنّ الشارع ، بل كلّ حاكم

______________________________________________________

في منع جريان الاستصحاب في الأحكام التكليفية مطلقا) أي : سواء كانت أصلية أم تبعية ، وسواء كانت من التكاليف الالزامية أم غير الالزامية ، فإنه لا يجري الاستصحاب على ذلك في الأحكام التكليفية الخمسة إطلاقا.

هذا وسيأتي من المصنّف بعد صفحات ما يوجب عموم هذه الشبهة للأحكام الوضعية أيضا فلا يجري الاستصحاب حينئذ مطلقا ، لا في الأحكام التكليفية ولا في الأحكام الوضعية ، وتكون هذه الشبهة دليلا للقائلين بنفي حجية الاستصحاب مطلقا.

أما الشبهة ، فحاصلها هو : ان الموضوع إن كان باقيا فالحكم باق تلقائيا ، لأن الموضوع علة الحكم ، وكل ما كانت العلة كان المعلول ، وان لم يكن باقيا فلا حكم تلقائيا ، لأنه بذهاب العلة يذهب المعلول أيضا ، فأين محل الاستصحاب؟.

وأما الجواب الذي يجيب به المصنّف عن هذه الشبهة ، فحاصله هو : ان الموضوع العرفي باق دون الموضوع الدقّي ، فانه لو كان الموضوع الدقّي باقيا لم يكن مجال للاستصحاب ، كما ان الموضوع العرفي لو كان زائلا لم يكن مجال للاستصحاب أيضا ، لكن إذا كان الموضوع الدقي زائلا ، والعرفي باقيا ، فهو مجال للاستصحاب.

(و) عليه : فان الشبهة حسب بيان المصنّف (هي : أنّ الموضوع للحكم التكليفي ليس إلّا فعل المكلّف) لأن فعل المكلّف هو معرض الوجوب والاستحباب والحرمة والكراهة والاباحة (ولا ريب أنّ الشارع ، بل كلّ حاكم

١٣٤

إنّما يلاحظ الموضوع بجميع مشخّصاته التي لها دخل في ذلك الحكم ، ثمّ يحكم عليه.

وحينئذ : فإذا أمر الشارع بفعل ـ كالجلوس في المسجد مثلا ـ فان كان الموضوع فيه هو مطلق الجلوس فيه غير المقيّد بشيء أصلا ، فلا إشكال في عدم ارتفاع وجوبه إلّا بالاتيان به ، إذ لو ارتفع الوجوب بغيره كان ذلك الرافع من قيود الفعل وكان الفعل المطلوب مقيدا بعدم هذا القيد

______________________________________________________

إنّما يلاحظ الموضوع بجميع مشخّصاته التي لها) أي : لتلك المشخصات (دخل في ذلك الحكم ، ثمّ) انّه إذا لاحظه بجميع مشخّصاته (يحكم عليه) ، وإلّا ، لزم إثبات المعلول مع علته الناقصة وهو محال.

هذا في عالم الثبوت (وحينئذ) أي حين تمّ ما ذكرناه في عالم الثبوت نقول : (فإذا أمر الشارع بفعل ـ كالجلوس في المسجد مثلا ـ) فان موضوع هذا الأمر الذي هو الجلوس يتصوّر على وجهين :

أولا : (فان كان الموضوع فيه هو مطلق الجلوس فيه غير المقيّد بشيء أصلا) لا بقيد زماني كالجلوس إلى الظهر ـ مثلا ـ ولا بقيد أحوالي كالسلامة من المرض ـ مثلا ـ فإذا كان كذلك (فلا إشكال في عدم ارتفاع وجوبه) أي : وجوب الجلوس (إلّا بالاتيان) أي : باتيان ذلك الجلوس الذي أمر (به) الشارع.

وإنّما لا يرتفع وجوب الجلوس إلّا باتيانه (إذ لو ارتفع الوجوب بغيره) أي : بغير الاتيان من انقضاء الوقت أو فقدان السلامة ـ مثلا ـ (كان ذلك الرافع من قيود الفعل) أي : من قيود الجلوس.

(و) عليه : فإذا كان ذلك الرافع غير الاتيان به من قيود الجلوس (كان الفعل المطلوب) الذي هو الجلوس حينئذ (مقيدا بعدم هذا القيد) أي : مقيدا بعدم

١٣٥

من أول الأمر ، والمفروض خلافه.

وإن كان الموضوع فيه هو الجلوس المقيّد بقيد ، كان عدم ذلك القيد موجبا لانعدام الموضوع ، فعدم مطلوبيته ليس بارتفاع الطلب عنه ، بل لم يكن مطلوبا من أول الأمر.

وحينئذ : فإذا شك في الزمان المتأخّر في وجوب الجلوس يرجع الشك إلى الشك في كون الموضوع للوجوب هو الفعل المقيّد

______________________________________________________

انقضاء الوقت ، أو عدم فقدان السلامة ـ مثلا ـ (من أول الأمر) أي : من حين أمر المولى بالجلوس (والمفروض خلافه) أي : خلاف ذلك ، فإن المولى لم يقيّد الجلوس لا بقيد زماني ، ولا بقيد أحوالي.

ثانيا : (وإن كان الموضوع فيه) أي : في حكم الشارع (هو الجلوس المقيّد بقيد ، كان عدم ذلك القيد) وفقدانه (موجبا لانعدام الموضوع) إذ المطلوب هو المقيّد حسب الفرض ، فإذا صار الظهر ارتفع وجوب الجلوس ، أو إذا أصبح مريضا ارتفع أيضا وجوب الجلوس.

وعليه : (فعدم مطلوبيته) أي : مطلوبية الجلوس بعد حصول الظهر أو بعد حدوث المرض (ليس بارتفاع الطلب عنه) أي : عن الجلوس الواجب (بل لم يكن) الجلوس (مطلوبا من أول الأمر) أي : من حين أمر المولى بالجلوس.

(وحينئذ) أي : حين كان الموضوع من الأوّل يتصوّر على وجهين : اما مطلقا أو مقيدا (فإذا شك في الزمان المتأخّر) أي : الزمان الثاني (في وجوب الجلوس) حيث يراد استصحاب الوجوب ، فإنه (يرجع الشك إلى الشك في كون الموضوع للوجوب هو الفعل المقيّد) بعدم حصول الظهر ، أو بعدم حدوث المرض ـ مثلا ـ

١٣٦

أو الفعل المعرّى عن هذا القيد؟.

ومن المعلوم : عدم جريان الاستصحاب هنا ، لأنّ معناه إثبات حكم كان متيقّنا لموضوع معيّن عند الشك في ارتفاعه عن ذلك الموضوع ، وهذا غير متحقق فيما نحن فيه.

وكذا الكلام في غير الوجوب من الأحكام الأربعة الأخر لاشتراك الجميع في كون الموضوع لها هو فعل المكلّف الملحوظ للحاكم ، خصوصا الحكيم

______________________________________________________

(أو الفعل المعرّى عن هذا القيد؟).

وعليه : فيكون مرجع الشك في الحالة الثانية إلى الشك في الموضوع (ومن المعلوم : عدم جريان الاستصحاب هنا) أي : عند الشك في الموضوع ، وذلك (لأنّ معناه) أي : معنى الاستصحاب (إثبات حكم) كالوجوب ـ مثلا ـ (كان متيقّنا لموضوع معيّن) كالجلوس ـ مثلا ـ (عند الشك في ارتفاعه) أي : ارتفاع ذلك الحكم (عن ذلك الموضوع) الذي هو الجلوس (وهذا غير متحقق فيما نحن فيه).

وإنّما لم يكن متحققا فيما نحن فيه لأن الموضوع وهو الجلوس مشكوك من الأوّل فلا نعلم هل هو الجلوس المطلق أو المقيد؟ فإن كان هو المطلق ، كان الدليل دالا على الحكم في الزمان الثاني بلا حاجة للاستصحاب ، وإن كان هو المقيّد ، ارتفع الحكم في الآن الثاني تلقائيا لانتفاء المقيّد بانتفاء قيده.

(وكذا الكلام في غير الوجوب من الأحكام الأربعة الأخر) التكليفية (لاشتراك الجميع) أي : جميع الأحكام (في كون الموضوع لها هو فعل المكلّف الملحوظ للحاكم) حين حكمه بتلك الأحكام (خصوصا الحكيم) وهو الله سبحانه وتعالى

١٣٧

بجميع مشخّصاته ، خصوصا عند القائل بالتحسين والتقبيح ، لمدخليّة المشخّصات في الحسن والقبح حتى الزمان.

وبه يندفع ما يقال : «إنّه كما يمكن أن يجعل الزمان ظرفا للفعل ، بأن يقال : التبريد في زمان الصيف مطلوب ، فلا يجري الاستصحاب إذا شك في مطلوبيّته في زمان آخر ، أمكن أن يقال : إنّ التبريد مطلوب في زمان الصيف على أن يكون الموضوع نفس التبريد والزمان قيدا للطلب ، وحينئذ فيجوز استصحاب الطلب إذا شك في بقائه بعد الصيف ،

______________________________________________________

فإنه يلاحظه (بجميع مشخّصاته) وذلك (خصوصا عند القائل بالتحسين والتقبيح ، لمدخليّة المشخّصات في الحسن والقبح حتى الزمان).

وإنّما قال : حتى الزمان لأن الشيء ربما يكون حسنا في زمان ويكون نفسه غير حسن في زمان آخر ، وكذا قد يكون الشيء قبيحا في زمان ويكون نفسه غير قبيح في زمان آخر.

(وبه) أي : بما ذكرناه : من إن كل قيد فهو راجع إلى القيد في الموضوع (يندفع ما يقال : «إنّه كما يمكن أن يجعل الزمان ظرفا للفعل) حتى يكون الفعل مقيّدا بالظرف ، وذلك (بأن يقال : التبريد في زمان الصيف مطلوب ، فلا يجري الاستصحاب إذا شك في مطلوبيّته) أي التبريد (في زمان آخر) غير زمان الصيف وذلك للشك في الموضوع.

وعليه : فإنه كما أمكن أن يقال ذلك ، أيضا (أمكن أن يقال : إنّ التبريد مطلوب في زمان الصيف) فلا يكون الزمان قيدا للتبريد ، بل (على أن يكون الموضوع نفس التبريد والزمان قيدا للطلب ، وحينئذ) أي : حين كان الموضوع مجرّدا عن القيد وإنّما كان الحكم هو المقيّد (فيجوز استصحاب الطلب إذا شك في بقائه بعد الصيف).

١٣٨

إذ الموضوع باق على حاله في الحالتين».

توضيح الاندفاع : أنّ القيد في الحقيقة راجع إلى الموضوع وتقييد الطلب به أحيانا في الكلام مسامحة في التعبير ، كما لا يخفى ، فافهم.

______________________________________________________

وإنّما يجوز الاستصحاب حينئذ لأنه كما قال : (إذ الموضوع باق على حاله) وهو التبريد (في الحالتين»).

والحاصل : ان القيد قد يكون قيدا للموضوع فيتمّ فيه ما ذكرتم ، وقد يكون قيدا للحكم ، وهنا محل الاستصحاب ، إذ قد يكون المولى : التبريد في الصيف مطلوب ، فيكون الظرف قيدا للتبريد ، ولا مجال للاستصحاب بعد انسلاخ الصيف ، وقد يقول ، التبريد مطلوب في الصيف ، فيكون الظرف قيدا للحكم ، وهنا يصح الاستصحاب لمطلوبيّة التبريد بعد انسلاخ الصيف ، لأن الموضوع لم يكن مقيّدا.

(توضيح الاندفاع : أنّ القيد في الحقيقة راجع إلى الموضوع) من غير فرق بين أن يكون في صورته قيدا للموضوع أو قيدا للحكم (وتقييد الطلب به) أي : بهذا القيد (أحيانا في الكلام مسامحة في التعبير ، كما لا يخفى) فيكون الظرف : في الصيف على كلا الحالين قيدا للتبريد وان جاء في صورة : قيدا للتبريد ، وفي صورة : قيدا للمطلوب.

(فافهم) ولعله إشارة إلى ما ذكره الأوثق : من منع كون الشك في بقاء الحكم دائما ناشئا من الشك في بعض قيود موضوعه ، لوضوح : عدم كون عدم المانع ابتداء ، أو استدامة ، داخلا في الموضوع لأنه من قيود ثبوت المحمول على موضوعه في كل زمان ، فالموضوع عند العقل هو المقتضي للحكم لا إنه

١٣٩

وبالجملة : فينحصر مجرى الاستصحاب في الامور القابلة للاستمرار في موضوع ، وللارتفاع عن ذلك الموضوع بعينه ، كالطهارة والحدث والنجاسة والملكية والزوجية والرطوبة واليبوسة ونحو ذلك.

ومن ذلك يظهر : عدم جريان الاستصحاب في الحكم الوضعي أيضا

______________________________________________________

علته التامة (١).

هذا ، وقياس ما نحن فيه على الأحكام العقلية فاسد ، لأن عدم جريان الاستصحاب فيها إنّما هو من جهة ان حكم العقل بشيء لا يعقل إلّا بعد إحراز علته التامة ، فلا يحصل الشك في حكمه في آن حتى يجري فيه الاستصحاب ، والعلة التامة غير معلومة غالبا في الأحكام الشرعية ، وقد عرفت : عدم ملازمة وجود الموضوع لوجود العلة التامة حتى يقال : ان العلم ببقائه كما هو الشرط في جريان الاستصحاب مستلزم للعلم بالعلة التامة.

(وبالجملة : ف) إنه بعد بيان الشبهة المتقدّمة الدالة على انه لا يجري الاستصحاب في عامة الأحكام التكليفية الخمسة (ينحصر مجرى الاستصحاب في الامور القابلة للاستمرار في موضوع ، وللارتفاع عن ذلك الموضوع بعينه) بأن يكون هناك موضوع قابل للاستمرار وعدم الاستمرار (كالطهارة والحدث والنجاسة والملكية والزوجية والرطوبة واليبوسة ونحو ذلك) من سائر الأحكام الوضعية.

(ومن ذلك) أي : من الشبهة المتقدمة التي أوردناها على جريان الاستصحاب في الحكم التكليفي (يظهر : عدم جريان الاستصحاب في الحكم الوضعي أيضا

__________________

(١) ـ أوثق الوسائل : ص ٤٨٠ الاستصحاب أو البناء على اليقين السابق.

١٤٠