الوصائل إلى الرسائل - ج ١٢

آية الله السيد محمد الشيرازي

الوصائل إلى الرسائل - ج ١٢

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة عاشوراء للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7263-12-0
ISBN الدورة:
964-7263-04-X

الصفحات: ٤٠٠

كما في الاقتضائي ، أو قاعدة الاباحة والبراءة كما في الحكم التخييري ، ليس قولا بالاستصحاب المختلف فيه أصلا ، لأنّ مرجعه إلى أنّ إثبات الحكم في الزمان الثاني يحتاج إلى دليل يدلّ عليه ولو كان أصالة الاحتياط أو البراءة ، وهذا عين إنكار الاستصحاب ، لأنّ المنكر يرجع إلى اصول أخر.

فلا حاجة إلى تطويل الكلام وتغيير اسلوب كلام المنكرين في هذا المقام.

______________________________________________________

كما في الاقتضائي ، أو قاعدة الاباحة والبراءة كما في الحكم التخييري ، ليس قولا بالاستصحاب المختلف فيه أصلا ، لأنّ مرجعه) أي : ان مرجع إثبات الحكم في زمان الشك بقاعدة الاحتياط في الاقتضائي ، والبراءة في التخييري إنّما هو (إلى أنّ إثبات الحكم في الزمان الثاني يحتاج إلى دليل يدلّ عليه) أي : يدل على الاثبات.

وإنّما كان هذا مرجعه ، لأن إثبات الحكم بقاعدة الاحتياط صغرى جزئية ، والصغرى الجزئية يلزم ان تكون داخلة تحت كبرى كلية ، والكبرى الكلية في هذا المقام هو : ما ذكره بقوله : يحتاج إلى دليل يدل عليه.

وعليه : فاثبات الحكم يحتاج إلى دليل يدل عليه (ولو كان) ذلك الدليل (أصالة الاحتياط) كما في الاقتضائي (أو البراءة) كما في اللااقتضائي (وهذا عين إنكار الاستصحاب ، لأنّ المنكر يرجع إلى اصول أخر) غير الاستصحاب ، وأنتم أيضا رجعتم إلى اصول أخر غير الاستصحاب من الاحتياط والبراءة.

إذن : (فلا حاجة إلى تطويل الكلام) في الاستصحاب (وتغيير اسلوب كلام المنكرين في هذا المقام).

والحاصل : انه كان من اللازم على المحقق الخوانساري ان ينكر الاستصحاب رأسا لا ان يقول : اني قائل بالاستصحاب بمعنى آخر ، الذي هو خلاف

٢٦١

بقي الكلام :

في توجيه ما ذكره من أنّ الأمر في الحكم التخييري أظهر ، ولعلّ الوجه فيه : أنّ الحكم بالتخيير في زمان الشك في وجود الغاية مطابق لأصالة الاباحة الثابثة بالعقل والنقل.

كما أنّ الحكم بالبقاء في الحكم الاقتضائي ، كان مطابقا لأصالة الاحتياط الثابتة في المقام بالعقل والنقل.

______________________________________________________

المعنى المشهور.

(بقي الكلام في توجيه ما ذكره) المحقق الخوانساري : (من أنّ الأمر في الحكم التخييري أظهر) من الحكم الاقتضائي.

أقول : (ولعلّ الوجه فيه) أي : في أظهريته : (أنّ الحكم بالتخيير في زمان الشك في وجود الغاية) أي : فيما إذا شككنا بأن غاية التخيير تحققت أم لا (مطابق لأصالة الاباحة الثابتة بالعقل والنقل) فانا إذا شككنا ان التخيير ارتفع أم لا ، كان العقل والنقل متطابقين على وجوب التخيير ، حيث لا علم بحكم اقتضائي.

(كما أنّ الحكم بالبقاء) أي : ببقاء الوجوب أو الحرمة (في الحكم الاقتضائي ، كان مطابقا لأصالة الاحتياط الثابتة في المقام بالعقل والنقل) أيضا.

قال في الأوثق : ان غاية ما ذكره المصنّف هو : إثبات التسوية لا الأظهرية ، اللهم إلّا ان يقال : ان القول بأصالة البراءة عند الشك في وجود الغاية ، أو مصداقها الخارجي ، المندرجين في الشبهات الموضوعية فيما كان الشك فيه في المكلّف به غير الالزامي ، أظهر من القول بوجوب الاحتياط فيهما فيما كان الشك فيه في المكلّف به الالزامي ، وذلك لمخالفة جماعة من الاصوليين في الثاني ، بخلاف

٢٦٢

وقد وجّه المحقق القمّي قدس‌سره إلحاق الحكم التخييري بالاقتضائي بأنّ مقتضى التخيير إلى غاية وجوب الاعتقاد بثبوته في كلّ جزء ممّا قبل الغاية ، ولا يحصل اليقين بالبراءة من التكليف

______________________________________________________

الأوّل لعدم الخلاف فيه حتى من الاخباريين (١).

ثم انه إنّما كان الاحتياط في الحكم الاقتضائي مطابقا للعقل والنقل ، لأن اللازم العمل حسب الاقتضاء الوجوبي أو التحريمي من باب المقدمة العلمية ، والمقدمة العلمية ممّا تظافر العقل والنقل على وجوبها.

هذا (وقد وجّه المحقق القمّي قدس‌سره) عبارة المحقق الخوانساري قدس‌سره : «ان الأمر في الحكم التخييري أظهر» بما لا يخلو من تكلّف ، وذلك لأن كلمة : «أظهر» ، في نسخة المحقق القمي كانت مصحّفة بكلمة : «كذلك» ، فتصوّر القمي بسببها ان مراد الخوانساري هو : انه كما يجب الاحتياط في الحكم الالزامي كذلك يجب الاحتياط في الحكم التخييري ، وحيث انه لا يجب الاحتياط في الحكم التخييري اضطر المحقق القمي إلى تفسير وجوب الاحتياط بوجوب الاعتقاد بالحكم التخييري.

وكيف كان : فالمحقق القمي وجّه عبارة المحقق الخوانساري بقوله ما يلي :

ان (إلحاق) المحقق الخوانساري (الحكم التخييري بالاقتضائي) حيث قال : «ان الأمر في الحكم التخييري كذلك» وجّهه (بأنّ مقتضى التخيير إلى غاية) معيّنة هو : (وجوب الاعتقاد بثبوته) أي : ثبوت التخيير من باب الايمان بما جاء به الشارع (في كلّ جزء ممّا قبل الغاية ، ولا يحصل اليقين بالبراءة من التكليف

__________________

(١) ـ أوثق الوسائل : ص ٤٨٧ توجيه كلام المحقق الخوانساري.

٢٦٣

باعتقاد التخيير عند الشك في حدوث الغاية ، إلّا بالحكم بالاباحة واعتقادها في هذا الزمان أيضا.

وفيه : أنّه إن اريد وجوب الاعتقاد بكون الحكم المذكور ثابتا إلى الغاية المعيّنة ، فهذا الاعتقاد موجود ولو بعد القطع بتحقق الغاية فضلا عن صورة الشك فيه ، فانّ هذا اعتقاد بالحكم الشرعي الكلّي ، ووجوبه غير مغيّا بغاية ، فانّ الغاية غاية للمعتقد لا لوجوب الاعتقاد.

______________________________________________________

باعتقاد التخيير) وقوله : «باعتقاد» متعلق بالتكليف (عند الشك في حدوث الغاية ، إلّا بالحكم بالاباحة واعتقادها) أي اعتقاد الاباحة (في هذا الزمان أيضا) كالزمان السابق.

وعليه : فيكون حاصل توجيه المحقق القمي لكلام المحقق الخوانساري هو : انه كما يلزم الاحتياط في الزمان الثاني في الأحكام الاقتضائية ، كذلك يلزم الاحتياط بوجوب الاعتقاد بالتخيير في الزمان الثاني في الأحكام التخييرية.

(وفيه : أنّه ان اريد وجوب الاعتقاد) بأن يعتقد بالحكم الكلي ، فاللازم على المكلّف الاعتقاد (بكون الحكم المذكور ثابتا إلى الغاية المعيّنة) فان كان المراد من وجوب الاعتقاد هذا المعنى (فهذا الاعتقاد موجود) ولازم (ولو بعد القطع بتحقق الغاية فضلا عن صورة الشك فيه) أي : في تحقق الغاية ، فانه يلزم الاعتقاد بصحة أحكام الله تعالى قبل فعلية الحكم ، ومع فعلية الحكم ، وبعد فعلية الحكم ، فلا خصوصية لحالة الشك كما قال :

(فانّ هذا اعتقاد بالحكم الشرعي الكلّي ، ووجوبه) أي : وجوب هذا الاعتقاد (غير مغيّا بغاية ، فانّ الغاية غاية للمعتقد لا لوجوب الاعتقاد) والمعتقد هو : التخيير ، فان التخيير يدوم إلى الغاية ، وأمّا الاعتقاد بالحكم الكلي الالهي فواجب

٢٦٤

وإن اريد وجوب الاعتقاد بذلك الحكم التخييري في كلّ جزء من الزمان الذي يكون في الواقع ممّا قبل الغاية وإن لم يكن معلوما عندنا ، ففيه : أنّ وجوب الاعتقاد في هذا الجزء المشكوك بكون الحكم فيه هو الحكم الأولي

______________________________________________________

قبل الشك ، ومع الشك ، وبعد الشك.

(وإن اريد وجوب الاعتقاد بذلك الحكم التخييري في كلّ جزء من الزمان الذي يكون في الواقع ممّا قبل الغاية) بأن يجب الاعتقاد بالحكم التخييري في كل جزء جزء من زمان التخيير حتى (وإن لم يكن معلوما عندنا) ذلك الجزء الواقعي ، لعدم علمنا بانه متى تتحقق الغاية ـ مثلا ـ.

هذا ، ولا يخفى الفرق بين المعنيين ، فان الفرق بين قوله الأوّل : ان اريد وجوب الاعتقاد بكون الحكم المذكور ، وقوله الثاني : وان اريد وجوب الاعتقاد بذلك الحكم التخييري ، هو : ان الأوّل : عبارة عن الاعتقاد باستمرار التخيير إلى الغاية ، والثاني : عبارة عن الاعتقاد بالتخيير في كل جزء جزء ، فمثلهما مثل : الصوم بين الحدين ، والصوم في كل جزء جزء.

والحاصل : إنّ اللازم من وجوب الاعتقاد على المعنى الثاني هو : الاعتقاد بالتخيير في زمان الشك ، فاذا جاء زمان الشك : بان مضى من ليل شهر رمضان خمس ساعات ـ مثلا ـ فشك في انه هل طلع الفجر أم لا؟ فيكون شاكا في انه هل هو مخيّر في ان يأكل ويشرب أم ليس بمخيّر لاحتمال طلوع الفجر؟ فاللازم على المكلّف ان يعتقد بأن الشارع خيّره بين الأكل وعدم الأكل في هذا الزمان الذي هو زمان الشك.

وعليه : فان كان المراد من وجوب الاعتقاد المعنى الثاني (ففيه : أن وجوب الاعتقاد في هذا الجزء المشكوك بكون الحكم فيه هو الحكم الأولي

٢٦٥

أو غيره ، ممنوع جدّا.

بل الكلام في جوازه ، لأنّه معارض بوجوب الاعتقاد بالحكم الآخر ، الذي ثبت فيما بعد الغاية واقعا وإن لم يكن معلوما ، بل لا يعقل وجوب الاعتقاد مع الشك في الموضوع ، كما لا يخفى.

ولعلّ هذا الموجّه قدس‌سره ، قد وجد عبارة شرح الدروس في نسخته ، كما وجدته في بعض نسخ شرح الوافية ، وأمّا على الثاني : فالأمر كذلك ،

______________________________________________________

أو غيره ، ممنوع جدّا) أي : ممنوع أن يقال : انه يجب ان يعتقد بالتخيير بعد ما مضى من الليل خمس ساعات ، والحال انه لا يعلم هل بقي الليل أو صار الفجر؟.

(بل الكلام في جوازه) فان المحقق القمي يقول : بوجوب الاعتقاد ، ونحن نقول : بل الكلام في انه هل يجوز هذا الاعتقاد أم لا؟.

وإنّما يكون الكلام في جوازه (لأنّه معارض بوجوب الاعتقاد بالحكم الآخر ، الذي ثبت فيما بعد الغاية واقعا) فانه بعد تحقق الغاية لا تخيير ، بل يجب عليه الامساك (وإن لم يكن) حصول الغاية (معلوما) عنده لفرض انه شاك في انه هل حصلت الغاية أم لا؟.

هذا (بل لا يعقل وجوب الاعتقاد) الذي ذكره المحقق القمي (مع الشك في الموضوع) وانه هل تحققت الغاية أم لا؟ (كما لا يخفى) وذلك لأن المحمول تابع للموضوع ، فإذا لم يحرز الموضوع لا يعقل الحمل عليه والاعتقاد به.

(ولعلّ هذا الموجّه) وهو المحقق القمي (قدس‌سره ، قد وجد عبارة شرح الدروس في نسخته ، كما وجدته في بعض نسخ شرح الوافية) مصحّفا بالعبارة التالية : (وأمّا على الثاني : فالأمر كذلك) وهذا التصحيف في عبارة : «كذلك» سبّب

٢٦٦

كما لا يخفى ، لكنّي راجعت في بعض نسخ شرح الدروس فوجدت لفظ : «أظهر» بدل «كذلك» وحينئذ فظاهره : مقابلة وجه الحكم بالبقاء في التخيير ، بوجه الحكم بالبقاء في الاقتضاء فلا وجه لارجاع أحدهما بالآخر.

والعجب من بعض المعاصرين ، حيث أخذ التوجيه المذكور عن القوانين ، ونسبه إلى المحقق الخوانساري ،

______________________________________________________

هذا التوجيه من المحقق القمي (كما لا يخفى).

أقول : (لكنّي راجعت في بعض نسخ شرح الدروس فوجدت لفظ : «أظهر» بدل) لفظ : («كذلك») المصحّف.

(وحينئذ) أي : حين كان الصحيح من لفظ الخوانساري هو كلمة : «اظهر» ، لا كلمة : «كذلك» (فظاهره : مقابلة وجه الحكم بالبقاء في التخيير ، بوجه الحكم بالبقاء في الاقتضاء) فيكون معنى عبارة الخوانساري : ان الحكم الاقتضائي يبقى ، كما يبقى الحكم التخييري ، بل بقاء التخييري في مورد التخيير أظهر من بقاء الاقتضائي في مورد الاقتضائي ، وقد عرفت وجه الأظهرية في كلام الأوثق.

وعليه : (فلا وجه لارجاع أحدهما) وهو الحكم في التخييري (بالآخر) أي : بالحكم في الاقتضائي وإيجاب الاحتياط فيهما معا ، كما فعله المحقق القمي حيث اضطر لأجله إلى ذلك التوجيه المزبور.

هذا (والعجب من بعض المعاصرين) وهو صاحب الفصول (حيث أخذ التوجيه المذكور عن القوانين ، ونسبه إلى المحقق الخوانساري) مع ان التوجيه كما عرفت إنّما هو للقوانين موجّها به كلام المحقق الخوانساري وليس للخوانساري نفسه.

وعليه : فان صاحب الفصول نسب التوجيه المذكور للقوانين إلى المحقق

٢٦٧

فقال : «حجّة المحقق الخوانساري أمران : الأخبار ، وأصالة الاشتغال» ، ثم أخذ في إجراء أصالة الاشتغال في الحكم التخييري بما وجّهه في القوانين ، ثم أخذ في الطعن عليه وأنت خبير بأنّ الطعن في التوجيه ، لا في حجة المحقق. بل لا طعن في التوجيه أيضا ، لأنّ غلط النسخة ألجأه إليه.

هذا ، وقد أورد عليه السيد الشارح بجريان ما ذكره من قاعدة وجوب تحصيل الامتثال في استصحاب القوم

______________________________________________________

الخوانساري ثم علّق عليه (فقال : «حجّة المحقق الخوانساري) في إلحاق الحكم التخييري بالاقتضائي ، (أمران : الأخبار ، وأصالة الاشتغال» ، ثم أخذ) صاحب الفصول (في إجراء أصالة الاشتغال في الحكم التخييري) وانه كيف يمكن القول بأصل الاشتغال مع كون الحكم تخييريا؟ فوجّه ذلك (بما وجّهه في القوانين) بأن مقتضى التخيير إلى غاية : وجوب الاعتقاد بثبوته في كل جزء ممّا قبل الغاية (ثم أخذ) صاحب الفصول (في الطعن عليه) أي : على ما احتج به المحقق الخوانساري.

ثم قال المصنّف بعد ذلك : (وأنت خبير بأنّ الطعن) إنّما هو (في التوجيه) الذي ذكره المحقق القمي (لا في حجة المحقق) الخوانساري الذي احتج به (بل لا طعن في التوجيه أيضا ، لأنّ غلط النسخة ألجأه) أي : ألجأ المحقق القمي (إليه) أي : إلى ذلك التوجيه.

(هذا ، وقد أورد عليه) أي : على المحقق الخوانساري (السيد الشارح) للوافية ، وهو السيد الصدر (بجريان ما ذكره) المحقق الخوانساري : (من قاعدة وجوب تحصيل الامتثال) لقاعدة الاشتغال (في استصحاب القوم) القائلين بالاستصحاب عند الشك في المقتضي أيضا ومعه كيف ينكر المحقق

٢٦٨

قال : «بيانه : أنّا كما نجزم في الصورة التي فرضها بتحقق الحكم في قطعة من الزمان.

ونشك أيضا حين القطع في تحققه في زمان يكون حدوث الغاية فيه وعدمه متساويين عندنا ، فكذلك نجزم بتحقق الحكم في زمان لا يمكن تحققه إلّا فيه ، ونشك حين القطع في تحققه في زمان متصل بذلك الزمان لاحتمال وجود رافع لجزء من أجزاء علّة الوجود ،

______________________________________________________

الخوانساري استصحاب القوم؟.

(قال) السيد الصدر : («بيانه : أنّا كما نجزم في الصورة التي فرضها) المحقق الخوانساري من الشك في الرافع (بتحقق الحكم) من الدليل (في قطعة من الزمان ، ونشك أيضا حين القطع في تحققه) أي : نشك في تحقق ذلك الحكم السابق (في زمان يكون حدوث الغاية فيه وعدمه متساويين عندنا) لاحتمال ان يراد من الدليل : وجود الحكم في زمان الشك ، وان يراد عدم وجوده ، فكذلك نجزم في صورة الشك في المقتضي.

وعليه : فانا كما نجزم بتحقق الحكم في الزمان الثاني إذا كان الشك في الرافع (فكذلك نجزم بتحقق الحكم في زمان لا يمكن تحققه إلّا فيه ، ونشك حين القطع في تحققه) أي : يشك في تحقق ذلك الحكم السابق (في زمان متصل بذلك الزمان) لأنه من الشك في المقتضي (لاحتمال وجود رافع لجزء من أجزاء علّة الوجود) بمعنى : ان المقتضي كان خاصا ، لا ان له امتدادا.

والحاصل : ان الشك في المقتضي الذي ذكر القوم انه مجرى الاستصحاب ، هو مثل الشك في الرافع الذي ذكر المحقق الخوانساري انه مجرى الاستصحاب ، فلما ذا يجري المحقق الخوانساري الخوانساري الاستصحاب في الشك في الرافع دون

٢٦٩

وكما أنّ في الصورة الاولى يكون الدليل محتملا لأن يراد منه وجود الحكم في زمان الشك ، وأن يراد عدم وجوده ، فكذلك الدليل في الصورة التي فرضناها ، وحينئذ فنقول : لو لم يمتثل المكلّف لم يحصل الظنّ بالامتثال ، إلى آخر ما ذكره» ، انتهى.

أقول : وهذا الايراد ساقط عن المحقق ، لعدم جريان قاعدة الاشتغال في غير الصورة التي فرضها المحقق.

______________________________________________________

الشك في المقتضي؟.

(وكما أنّ في الصورة الاولى) وهي صورة الشك في الرافع (يكون الدليل محتملا ، لأن يراد منه وجود الحكم في زمان الشك ، وأن يراد عدم وجوده ، فكذلك الدليل في الصورة التي فرضناها) وهي الصورة الثانية : صورة الشك في المقتضي ، أشار إليها قبل قليل بقوله : فكذلك نجزم بتحقق الحكم في زمان لا يمكن تحققه إلّا فيه.

(وحينئذ) أي : حين كانت الصورة الثانية مثل الصورة الاولى في جريان الاستصحاب (فنقول : لو لم يمتثل المكلّف) في الزمان الثاني ، وذلك لامتداد الحكم السابق إلى زمان الشك (لم يحصل الظنّ بالامتثال ، إلى آخر ما ذكره» (١)) السيد الصدر هناك (انتهى) ما أردنا من نقل كلام السيد الصدر هنا.

(أقول : وهذا الايراد) من السيد الصدر (ساقط عن المحقق) الخوانساري ، وذلك (لعدم جريان قاعدة الاشتغال في غير الصورة التي فرضها المحقق) الخوانساري ، فان في غير تلك الصورة وهي صورة الشك في المقتضي تجري البراءة لا الاشتغال.

__________________

(١) ـ شرح الوافية : مخطوط.

٢٧٠

مثلا : إذا ثبت وجوب الصوم في الجملة وشككنا في أنّ غايته سقوط القرص ، أو ميل الحمرة المشرقيّة؟ فاللازم حينئذ ، على ما صرّح به المحقق المذكور في عدّة مواضع من كلماته : الرجوع في نفي الزائد ـ وهو وجوب الامساك بعد سقوط القرص ـ إلى أصالة البراءة لعدم ثبوت التكليف بامساك أزيد من المقدار المعلوم ، فيرجع إلى مسألة الشك في الجزئيّة.

فلا يمكن أن يقال : إنّه لو لم يمتثل التكليف لم يحصل الظنّ بالامتثال ، لأنّه إن اريد : امتثال التكليف المعلوم ، فقد حصل قطعا ، وإن اريد :

______________________________________________________

(مثلا : إذا ثبت وجوب الصوم في الجملة وشككنا في أنّ غايته سقوط القرص ، أو ميل الحمرة المشرقية؟ فاللازم حينئذ) أي : حين كون الشك في ان الغاية هذا أو ذاك (على ما صرّح به المحقق المذكور في عدّة مواضع من كلماته : الرجوع في نفي الزائد ـ وهو وجوب الامساك بعد سقوط القرص ـ إلى أصالة البراءة) لا الاشتغال.

وإنّما يرجع فيه إلى البراءة (لعدم ثبوت التكليف بامساك أزيد من المقدار المعلوم) والمقدار المعلوم هنا هو : من الفجر إلى سقوط القرص (فيرجع إلى مسألة الشك في الجزئيّة) حيث لا نعلم هل ان هذا المقدار من الزمان المتوسط بين سقوط القرص إلى ميل الحمرة جزء الصوم أم لا؟ فيجري فيه البراءة.

وعليه : (فلا يمكن أن يقال : إنّه لو لم يمتثل التكليف) في هذا المقدار من الزمان المتوسط بين سقوط القرص إلى ميل الحمرة (لم يحصل الظنّ بالامتثال).

وإنّما لا يمكن ان يقال ذلك (لأنّه إن اريد : امتثال التكليف المعلوم ، فقد حصل قطعا) لأن علمه لم يكن أكثر ممّا بين الفجر وسقوط القرص (وإن اريد :

٢٧١

امتثال التكليف المحتمل ، فتحصيله غير لازم.

وهذا بخلاف فرض المحقق ، فان التكليف بالامساك إلى السقوط على القول به ، أو ميل الحمرة على القول الآخر ، معلوم مبيّن ، وإنّما الشك في الاتيان به عند الشك في حدوث الغاية ، فالفرق بين مورد استصحابه ومورد استصحاب القوم كالفرق بين الشك في إتيان الجزء المعلوم الجزئية والشك في جزئية شيء ، وقد تقرّر في محلّه : جريان أصالة الاحتياط في الأوّل دون الثاني

______________________________________________________

امتثال التكليف المحتمل ، فتحصيله غير لازم) لأنه من الشك في التكليف ، والشك في التكليف مجرى البراءة.

ثم قال المصنّف : (وهذا بخلاف فرض المحقق) الخوانساري من الشك في الرافع (فان التكليف بالامساك إلى السقوط على القول به ، أو ميل الحمرة على القول الآخر ، معلوم مبيّن ، وإنّما الشك في الاتيان به عند الشك في حدوث الغاية) فانا نعلم ان الواجب في مذهب الشيعة الصيام إلى ميل الحمرة ، لكنه يشك هل مالت الحمرة أم لا؟ فاللازم ان يقال : بالاشتغال حتى يعلم ميل الحمرة.

إذن (فالفرق بين مورد استصحابه) أي : استصحاب المحقق الخوانساري وهو الشك في الرافع (ومورد استصحاب القوم) الذي يشمل الشك في المقتضي أيضا (كالفرق بين الشك في إتيان الجزء المعلوم الجزئية) حيث انه من الشك في المكلّف به ، فيلزم الاتيان به (والشك في جزئية شيء) لم يعلم هل انه جزء أم لا؟ حيث تجرى فيه البراءة.

(وقد تقرّر في محلّه : جريان أصالة الاحتياط في الأوّل) لما عرفت : من انه من الشك في المكلّف به بعد العلم بالتكليف (دون الثاني) لأنه من الشك

٢٧٢

وقس على ذلك سائر موارد استصحاب القوم ، كما لو ثبت أنّ للحكم غاية وشككنا في كون شيء آخر أيضا غاية له ، فانّ المرجع في الشك في ثبوت الحكم بعد تحقق ما شك في كونه غاية عند المحقق الخوانساري قدس‌سره هي : أصالة البراءة دون الاحتياط.

قوله : «الظاهر من عدم نقض اليقين بالشك : أنّه عند التعارض لا ينقض ، ومعنى التعارض : أن يكون شيء يوجب اليقين لو لا الشك».

أقول :

______________________________________________________

في التكليف.

(وقس على ذلك سائر موارد استصحاب القوم) كالشك في غائية الرافع المستقل ، وغيره ممّا يثبت القوم الاستصحاب فيه ، والمحقق ينكره.

أمّا مثاله فهو : (كما لو ثبت أنّ للحكم غاية وشككنا في كون شيء آخر أيضا غاية له) أم لا؟ كما إذا علمنا بان خروج البول غاية للطهارة ، وشككنا بان خروج المذي غاية أم لا (فانّ المرجع في الشك في ثبوت الحكم بعد تحقق ما شك في كونه غاية عند المحقق الخوانساري قدس‌سره هي : أصالة البراءة) لأنه من الشك في المقتضي (دون الاحتياط) لعدم العلم الاجمالي.

ومن مواقع التأمل في كلامه (قوله) في دليله الثاني على حجية الاستصحاب بالمعنى الآخر : («الظاهر من عدم نقض اليقين بالشك : أنّه عند التعارض لا ينقض ، ومعنى التعارض : أن يكون شيء يوجب اليقين لو لا الشك») أي : بان يكون دليل يوجب اليقين ، فإذا أراد الشك إزالة حكم ذلك اليقين لا يزول حكمه ، بل يبقى مستمرا.

(أقول) : قد عرفت إنّ القول الحادي عشر كما هو ظاهر كلام المحقق

٢٧٣

ظاهر هذا الكلام جعل تعارض اليقين والشك ، باعتبار تعارض المقتضي لليقين ونفس الشك على أن يكون الشك مانعا عن اليقين ، فيكون من قبيل تعارض المقتضي للشيء والمانع عنه.

والظاهر أنّ المراد بالموجب في كلامه

______________________________________________________

الخوانساري هو : التفصيل بين ما ثبت استمراره بالدليل الشرعي وشك في وجود الغاية الرافعة لا رافعية الموجود ، أو شك في مصداق الغاية الرافعة لا مفهومها ، فالاستصحاب حجة فيهما ، وبين غيرهما : من الشك في المقتضي والشك في بقية أقسام الرافع فليس بحجة ، لكن عند التدقيق في كلامه يظهر : القول بتفصيل غير التفصيل المذكور ، لدخول بقية أقسام الشك في الرافع وبعض أقسام الشك في المقتضي في هذا التفصيل الجديد ، وقد أراد المصنّف بهذا الكلام بيان الفرق بين رأي المحقق ورأيه وانه لا يصح رأي المحقق في حجية الاستصحاب بالنسبة إلى الشك في المقتضي أصلا ، ولذا قال في آخر كلامه : وبين هذا المعنى وما ذكره المحقق تباين جزئي في ضمن العموم والخصوص المطلق ، كما سيأتي توضيحه إن شاء الله تعالى.

وعليه : فان (ظاهر هذا الكلام) من المحقق الخوانساري : (جعل تعارض اليقين والشك ، باعتبار تعارض المقتضي لليقين) وهو الدليل مثل صم إلى المغرب (ونفس الشك) وذلك بهذه الكيفية التي أشار إليها بقوله : (على أن يكون الشك مانعا عن اليقين ، فيكون من قبيل تعارض المقتضي للشيء والمانع عنه) فالدليل يقتضي اليقين ، والشك يمنع عنه.

(والظاهر) أيضا (أنّ المراد بالموجب في كلامه) أي : كلام المحقق الخوانساري حيث قال : «ان يكون شيء يوجب اليقين لو لا الشك» ان الموجب

٢٧٤

دليل اليقين السابق وهو الدالّ على استمرار حكم إلى غاية معيّنة.

وحينئذ : فيرد عليه مضافا إلى أنّ التعارض الذي استظهره من لفظ النقض لا بدّ أن يلاحظ بالنسبة إلى الناقض ونفس المنقوض ، لا مقتضيه الموجب له لو لا الناقض ـ أنّ نقض اليقين بالشك بعد صرفه عن ظاهره ، وهو : نقض صفة اليقين

______________________________________________________

هو : (دليل اليقين السابق) أي : السابق على الشك (و) ذلك الموجب لليقين (والدالّ على استمرار حكم إلى غاية معيّنة) بحسبه.

(وحينئذ) أي : حين جعل المحقق الخوانساري الشك في مقابل دليل اليقين ، لا في مقابل نفس اليقين (فيرد عليه) ما يلي :

أولا : (مضافا إلى أنّ التعارض الذي استظهره من لفظ النقض لا بدّ أن يلاحظ بالنسبة إلى الناقض) وهو الشك (ونفس المنقوض) وهو اليقين (لا) بين الناقض وبين (مقتضيه) أي : مقتضي المنقوض (الموجب له) أي : الموجب للمنقوض الذي هو عبارة عن اليقين (لو لا الناقض) وهذا استثناء من الموجب.

هذا هو الاشكال الأوّل على المحقق الخوانساري وخلاصته : ان الشك إنّما هو في قبال نفس اليقين لا في قبال الموجب لليقين الذي هو الدليل.

ثانيا : (أنّ نقض اليقين بالشك بعد صرفه عن ظاهره) أي : عن ظاهر نقض اليقين ، فان في لا تنقض اليقين احتمالات ثلاثة :

الأوّل : ان يراد به ظاهره (وهو : نقض صفة اليقين) وهذا لا يمكن ، لأن صفة اليقين بنفسها قد ارتفعت ، بسبب الشك ، فليس بيد الشاك نقضه حتى ينهى عنه.

الثاني : ان يراد به نقض أحكام اليقين التابعة لهذه الصفة النفسيّة ، كما قال :

٢٧٥

أو أحكامها الثابتة لها من حيث هي صفة من الصفات لارتفاع اليقين ، وأحكامه الثابتة له من حيث هو ، حين الشك قطعا ظاهر في نقض أحكام اليقين ، يعني ، الأحكام الثابتة باعتباره للمتيقن ، أعني : المستصحب ، فيلاحظ التعارض حينئذ بين المنقوض والناقض.

______________________________________________________

(أو أحكامها الثابتة لها من حيث هي صفة من الصفات) وذلك كما إذا نذر أن يعطي كل يوم درهما ، ما دام له صفة اليقين بحياة ولده ، فإذا شك في حياة ولده فقد ارتفعت صفة اليقين بنفسها بسبب الشك ، فيرتفع بتبعه وجوب إعطاء الدرهم ، وهذا أيضا لا يمكن ان يكون المراد من لا تنقض اليقين لأنه ليس بيد الشاك نقضه حتى ينهى عنه.

الثالث : ان يراد به نقض الحكم التابع لمتعلق اليقين ، كالحكم بجواز الدخول في الصلاة الذي هو حكم للطهارة التي هي متعلق اليقين وهذا لا ينتقض من نفسه بسبب الشك فيصح النهي عن نقضه فيكون هو المستفاد من الرواية.

ثم إنّ المصنّف علل لزوم صرف لا تنقض اليقين عن ظاهره إلى المعنى الثالث بقوله : (لارتفاع اليقين ، و) ارتفاع (أحكامه الثابتة له من حيث هو ، حين الشك قطعا) فلا يقين كما لا حكم بإعطاء الدرهم ، فلا يمكن ان ينهى الشارع عنه بقوله : لا تنقض.

وعليه : فإذا سقط الاحتمالان الأولان ، فنقض اليقين بالشك في الرواية (ظاهر في نقض أحكام اليقين يعني : الأحكام الثابتة باعتباره للمتيقن ، أعني : المستصحب) وهو المعنى الثالث الذي ذكرناه (فيلاحظ التعارض حينئذ بين المنقوض) وهو المتيقن كالطهارة بما لها من الأحكام الثابتة لها (والناقض) وهو الشك.

٢٧٦

واللازم من ذلك اختصاص الأخبار بما يكون المتيقن وأحكامه ممّا يقتضي بنفسه الاستمرار لو لا الرافع.

فلا ينقض تلك الأحكام بمجرّد الشك في الرافع سواء كان الشك في وجود الرافع أو في رافعية الموجود. وبين هذا وما ذكره المحقق تباين جزئيّ.

______________________________________________________

(و) عليه : فيكون (اللازم من ذلك) الذي ذكرناه في صرف لا تنقض اليقين عن ظاهره إلى المعنى الثالث : (اختصاص الأخبار) الواردة في عدم جواز نقض اليقين بالشك (بما يكون المتيقن وأحكامه ممّا يقتضي بنفسه الاستمرار لو لا الرافع) بمعنى ان يكون الشك في الرافع لا في المقتضي.

وعليه : فإذا شك في الرافع بعد العلم بأن المتيقن وأحكامه ممّا يقتضي البقاء (فلا ينقض تلك الأحكام) الثابتة للمتيقن كالطهارة ـ مثلا ـ (بمجرّد الشك في الرافع) أي : الحدث فان الطهارة مقتضية للبقاء لو لا الحدث ، وذلك (سواء كان الشك في وجود الرافع) بأن لم يعلم هل أحدث أم لا؟ (أو في رافعية الموجود) بأن خرج منه ما لم يعلم انه بول أو مذي؟.

(و) من المعلوم : ان (بين هذا) الذي ذكرناه (وما ذكره المحقق) الخوانساري في مورد الاستصحاب بالمعنى الآخر (تباين جزئيّ).

قال الفقيه الهمداني هنا : ان المحقق الخوانساري خصّص الحجية بالشك في وجود الرافع وعمّمها بالنسبة إلى بعض صور الشك في المقتضي ، وهو : ما إذا دل الدليل على استمرار الحكم إلى غاية معيّنة في الواقع وشك في تحققها ، فانه ربما لا يكون الغاية من قبيل الرافع ، بل ينقضي عندها ما يقتضي الحكم كاستصحاب وجوب الصوم عند الشك في تحقق الغروب.

٢٧٧

ثم إنّ تعارض المقتضي لليقين ونفس الشك ، لم يكد يتصوّر فيما نحن فيه ، لأنّ اليقين بالمستصحب ، كوجوب الامساك في الزمان السابق ، كان حاصلا من اليقين بمقدّمتين صغرى وجدانيّة ، وهي : أنّ هذا الآن لم يدخل الليل ، وكبرى مستفادة من دليل استمرار الحكم إلى غاية معيّنة ، وهي : وجوب الامساك قبل أن يدخل الليل.

______________________________________________________

(ثم) ان المصنّف لمّا قال : ان نقض اليقين بالشك في الرواية ظاهر في ان الذي يعارضه الشك هو : أحكام اليقين الثابتة للمتيقن أعني : المستصحب باعتبار اليقين ، تعرض للاشكال على كلام المحقق المذكور الذي جعل التعارض بين الشك ودليل اليقين وقال : ان هذا خلاف الظاهر من الرواية بل (إنّ تعارض المقتضي لليقين) أي : دليل اليقين (ونفس الشك ، لم يكد يتصوّر فيما نحن فيه) الذي هو عبارة عن الشك في دخول الليل وعدمه.

وإنّما قال : لم يكد يتصور هنا (لأنّ اليقين بالمستصحب كوجوب الامساك في الزمان السابق كان حاصلا من اليقين بمقدّمتين) :

المقدمة الاولى : إنّ الليل لم يدخل.

المقدمة الثانية : انه يجب الامساك قبل دخول الليل.

أشار المصنّف إلى المقدمة الاولى بقوله : (صغرى وجدانيّة ، وهي : أنّ هذا الآن لم يدخل الليل) لوضوح : ان في الزمان الأوّل السابق على الشك لم يكن الليل داخلا.

وأشار إلى المقدمة الثانية بقوله : (وكبرى مستفادة من دليل استمرار الحكم إلى غاية معيّنة ، وهي : وجوب الامساك قبل أن يدخل الليل) حيث قال سبحانه :

٢٧٨

والمراد بالشك زوال اليقين بالصغرى. وهو ليس من قبيل المانع عن اليقين والكبرى من قبيل المقتضي له حتى يكونا من قبيل المتعارضين ، بل نسبة اليقين إلى المقدّمتين على نهج سواء ، كلّ منهما من قبيل جزء المقتضي له.

والحاصل : أنّ ملاحظة النقض بالنسبة إلى الشك وأحكام المتيقن الثابتة لأجل اليقين

______________________________________________________

(ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ) (١).

هذا (و) من المعلوم : ان (المراد بالشك) المنهي عن نقض اليقين به هو : (زوال اليقين بالصغرى. وهو) أي : زوال اليقين بالصغرى : (ليس من قبيل المانع عن اليقين) بالحكم في زمان الشك (و) كذا ليس (الكبرى من قبيل المقتضي له) أي : لليقين بالحكم (حتى يكونا من قبيل المتعارضين) على ما قاله المحقق الخوانساري.

وإنّما لم يكن كذلك ، لأن الامساك قبل دخول الليل لا يطارده الشك في انه هل دخل الليل أم لا؟ فليس الشك المذكور من قبيل الرطوبة التي تطارد النار ، حيث تمنع من تأثير النار في الاحراق (بل نسبة اليقين) بالحكم في زمان الشك (إلى المقدمتين) : الصغرى والكبرى (على نهج سواء ، كلّ منهما من قبيل جزء المقتضي له) أي : لليقين.

(والحاصل :) ان ما ذكره المحقق الخوانساري من التعارض بين الشك ومقتضي اليقين غير تام ، وذلك (أنّ ملاحظة النقض بالنسبة إلى الشك وأحكام المتيقن الثابتة) تلك الأحكام (لأجل اليقين) مثل : جواز الدخول في الصلاة

__________________

(١) ـ سورة البقرة : الآية ١٨٧.

٢٧٩

أولى من ملاحظته بالنسبة إلى الشك ودليل اليقين.

وأمّا توجيه كلام المحقق ب «أن يراد من موجب اليقين : دليل المستصحب وهو عموم الحكم المغيّى ومن الشك : احتمال الغاية التي من مخصصات العام.

فالمراد عدم نقض عموم دليل المستصحب بمجرّد الشك في المخصّص» ، مدفوع : بأنّ نقض العام باحتمال التخصيص إنّما يتصور في الشك في أصل التخصيص ، ومعه

______________________________________________________

يكون (أولى من ملاحظته) أي : ملاحظة النقض (بالنسبة إلى الشك ودليل اليقين) ولذا قال المصنّف قبل أسطر : ان التعارض الذي استظهره من لفظ النقض لا بد ان يلاحظ بالنسبة إلى الناقض ونفس المنقوض لا مقتضيه.

(وأمّا توجيه كلام المحقق) الخوانساري ، حيث جعل التعارض بين الشك ودليل اليقين (ب «أن يراد من موجب اليقين : دليل المستصحب وهو عموم الحكم المغيّى) مثل : (أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ) (١) (و) ان يراد (من الشك : احتمال الغاية التي من مخصصات العام) فان المغيّى يرتفع بالغاية ، كما يرتفع العام بسبب المخصص.

وعليه : (فالمراد) أي : مراد المحقق المذكور هو : (عدم نقض عموم دليل المستصحب بمجرّد الشك في المخصّص») أي : إذا شككنا في ان الغاية هل حصلت أم لا ، فلا نرفع اليد عن المغيّى؟.

إذن : فمن قال فهذا التوجيه قلنا له : انه (مدفوع : بأنّ نقض العام باحتمال التخصيص إنّما يتصور في الشك في أصل التخصيص ، ومعه) أي : مع هذا

__________________

(١) ـ سورة البقرة : الآية ١٨٧.

٢٨٠