الوصائل إلى الرسائل - ج ١٢

آية الله السيد محمد الشيرازي

الوصائل إلى الرسائل - ج ١٢

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة عاشوراء للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7263-12-0
ISBN الدورة:
964-7263-04-X

الصفحات: ٤٠٠

وإن أوهم اختصاص مورد كلامه بصورة دلالة المقتضي على تأبيد الحكم ، فلا يشمل ما لو كان الحكم موقتا ، حتى جعل بعض هذا من وجوه الفرق بين قول المحقق والمختار بعد ما ذكر وجوها أخر ضعيفة غير فارقة ، لكن مقتضى دليله شموله لذلك إذا كان الشك في رافعيّة شيء للحكم قبل مجيء الوقت.

______________________________________________________

من قوله : يقتضيه مطلقا (وإن أوهم اختصاص مورد كلامه بصورة دلالة المقتضي على تأبيد الحكم) وذلك بجريان الاستصحاب في هذه الصورة فقط (فلا يشمل) كلامه على ذلك (ما لو كان الحكم موقتا) إلّا انه ليس كذلك على ما عرفت.

ثم إن إيهام اختصاص كلامه بالمؤبّد كان بدرجة (حتى جعل بعض) كصاحب الفصول (هذا) الاختصاص بالمؤبّد وعدم شمول كلامه للموقت (من وجوه الفرق بين قول المحقق والمختار) أي : ما اختاره المصنّف من كونه أعم من التأبيد والموقت (بعد ما ذكر وجوها أخر ضعيفة غير فارقة) بين قول المحقق وبين المختار.

(لكن مقتضى دليله) أي : دليل المحقق (شموله) أي : شمول كلامه (لذلك) أي : لما كان الحكم موقتا أيضا (إذا كان الشك في رافعيّة شيء للحكم قبل مجيء الوقت) أي : قبل انتهاء الوقت ، كما ذكرناه من مثال الصوم.

قال في الفصول : فاعلم ان ما اختاره المحقق رحمه‌الله في الاستصحاب وان كان قريبا إلى مقالتنا ، إلّا انه يفارقها من وجوه :

الأوّل : انه لم يتعرّض لحكم الاستصحاب في غير الحكم الشرعي وإنّما ذكر التفصيل المذكور في الحكم الشرعي جريا للكلام على مقتضى المقام.

٢٠١

حجّة القول العاشر

ما حكي عن المحقق السبزواري في الذخيرة ، فانّه استدلّ على نجاسة الماء الكثير المطلق الذي سلب عنه الاطلاق بممازجته مع المضاف النجس بالاستصحاب ،

______________________________________________________

الثاني : انه يعبّر في سبب الحكم ان يكون مقتضيا لبقائه ما لم يمنع عنه مانع ، ليصح ان يكون دليلا على البقاء عند الشك ، ونحن إنّما اعتبرنا ذلك ليكون مورد الاستصحاب مشمولا لأخبار الباب.

الثالث : ان أدلة الاستصحاب عنده مختلفة على حسب اختلاف أسباب الحكم ، وقضية ذلك ان لا يكون الاستصحاب حجة في مؤدّاه ، وامّا على ما اخترناه فقاعدة الاستصحاب مستندة إلى دليل عام ، وهي حجة على الحكم بالبقاء في مواردها الخاصة.

الرابع : انه اعتبر في الاستصحاب ان لا يكون الدليل الذي يقتضيه موقتا ، وهذا إنّما يعتبر عندنا فيما إذا كان الشك في تعيين الوقت مفهوما أو مصداقا دون غيره ، انتهى.

(حجّة القول العاشر) وهو حجية الاستصحاب فيما لو كان الشك في وجود الرافع فقط ، لا في الشك في المقتضي ، ولا في سائر أقسام الرافع وهو : (ما حكي عن المحقق السبزواري في الذخيرة ، فانّه استدلّ على نجاسة الماء الكثير المطلق الذي سلب عنه الاطلاق بممازجته مع المضاف النجس) استدل على نجاسته (بالاستصحاب) لنجاسة المضاف.

مثلا : إذا كان كر من الماء المطلق ، ثم زال إطلاقه وصار مضافا بسبب مزجه بمضاف نجس فهل يتنجس ذلك الكثير أم لا؟ احتمالان :

٢٠٢

ثمّ ردّه بأنّ استمرار الحكم تابع لدلالة الدليل ، والاجماع إنّما دلّ على النجاسة قبل الممازجة.

ثمّ قال : لا يقال : قول أبي جعفر عليه‌السلام في صحيحة زرارة : «ليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبدا ، ولكن تنقضه بيقين آخر» ، يدل على استمرار

______________________________________________________

الأوّل : انه يتنجس ، لاستصحاب نجاسة المضاف حيث انه كان نجسا ولم نعلم زوال نجاسته بهذا الامتزاج ، وحيث صار الماءان ماء واحدا ، فلا يمكن ان يكون له حكمان بعضه طاهر وبعضه نجس ، فالكل نجس.

الثاني : ما ذكره بقوله : (ثمّ ردّه) أي : ردّ هذا الاستصحاب لنجاسة المضاف ، وذلك (بأنّ استمرار الحكم) السابق بالنجاسة إلى الزمان اللاحق (تابع لدلالة الدليل) عليه (والاجماع) الذي هو الدليل في المقام (إنّما دلّ على النجاسة) أي : نجاسة الماء المضاف (قبل الممازجة) بالكر ، ولم يدل على النجاسة بعد الممازجة بالكر ، فالماء طاهر ، لأنا لا نعلم بنجاسة الكر الذي كان مطلقا ثم سلب عنه الاطلاق ، فنقول بطهارته ، وحيث صار الماءان ماء واحدا ، فلا يمكن ان يكون له حكمان بعضه طاهر وبعضه نجس ، فالكل طاهر.

(ثمّ قال : لا يقال : قول أبي جعفر عليه‌السلام في صحيحة زرارة : «ليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبدا) (١) على ما في صحيحة زرارة الثانية (ولكن تنقضه بيقين آخر») (٢) على ما في صحيحته الاولى (يدل على استمرار

__________________

(١) ـ تهذيب الاحكام : ج ١ ص ٤٢١ ب ٢١ ح ٨ ، الاستبصار : ج ١ ص ١٨٣ ب ١٠٩ ح ١٣ ، علل الشرائع : ج ٢ ص ٥٩ ح ١ ، وسائل الشيعة : ج ٣ ص ٤٨٢ ب ٢٤ ح ٤٢٣٦.

(٢) ـ تهذيب الاحكام : ج ١ ص ٨ ب ١ ح ١١ ، وسائل الشيعة : ج ١ ص ٢٤٥ ب ١ ح ٦٣١.

٢٠٣

أحكام اليقين ما لم يثبت الرافع.

لأنّا نقول : التحقيق أنّ الحكم الشرعي الذي تعلّق به اليقين إمّا أن يكون مستمرا ، بمعنى : أنّ له دليلا دالا على الاستمرار بظاهره ، أم لا ، وعلى الأوّل فالشك في رفعه يكون على أقسام.

ثم ذكر الشك في وجود الرافع والشك في رافعيّة الشيء من جهة إجمال معنى ذلك الشيء

______________________________________________________

أحكام اليقين ما لم يثبت الرافع) فاللازم على ذلك ان نستصحب نجاسة المضاف النجس ، وإذا استصحبنا نجاسته كان معناه : ان كل الماء صار نجسا.

(لأنّا نقول) : ليس هذا مورد استصحاب نجاسة المضاف ، لأن الدليل لا يشمل مثل هذا الاستصحاب ، فان (التحقيق أنّ الحكم الشرعي الذي تعلّق به اليقين) يكون على أحد وجهين : (إمّا أن يكون مستمرا) ذلك الحكم الشرعي (بمعنى : أنّ له دليلا دالا على الاستمرار بظاهره) وذلك بأن يكون الشك في الرافع لا في المقتضي ، وإلّا فانّ الدليل دال على استمرار ذلك الحكم.

(أم لا) بأن لم يكن له دليل يدل على استمراره ، وذلك بأن يكون الشك في المقتضي.

(وعلى الأوّل) وهو ما كان للحكم الشرعي دليل يدل على استمراره (فالشك في رفعه) أي : رفع الحكم الشرعي (يكون على أقسام) أربعة (ثم ذكر) الأقسام بقوله : أولا : (الشك في وجود الرافع) وذلك كما إذا لم يعلم المتطهر بأنه أحدث أم لا؟.

ثانيا : (والشك في رافعيّة الشيء من جهة إجمال معنى ذلك الشيء) الذي باعتبار إجماله حصل الشك في رافعية هذا الشيء ، كما لو دلّ الدليل على ان قطع عضو المسلم حرام ، ثم دلّ دليل آخر على ان السرقة رافع لهذا الحكم ، ثم شك

٢٠٤

والشك في كون الشيء مصداقا للرافع المبيّن مفهوما ، والشك في كون الشيء رافعا مستقلا.

ثم قال : «إنّ الخبر المذكور إنّما يدلّ على النهي عن نقض اليقين بالشك ، وذلك إنّما يعقل في القسم الأوّل من تلك الأقسام الأربعة دون غيره

______________________________________________________

في ان الأخذ من الكيس رافع للحكم أم لا ، من جهة إجمال معنى السرقة ، وان الآخذ من الكيس سرقة أو ليس بسرقة ، وهذا القسم يكون من الشك في المفهوم.

ثالثا : (والشك في كون الشيء مصداقا للرافع المبيّن مفهوما) أي : انّ مفهوم الرافع مبيّن وإنّما الشك في ان هذا المصداق الخارجي هل هو من ذلك المفهوم أو ليس من ذلك المفهوم؟ كما إذا كان مفهوم البول الناقض للوضوء واضحا ، وإنّما شك في ان الذي خرج منه هل هو بول أو مذي؟.

رابعا : (والشك في كون الشيء رافعا مستقلا) كما إذا علم ان لفظ : طالق رافع لأحكام عقد النكاح ، لكن شك في ان الألفاظ المختلف فيها مثل : خلية وبرية ، هل هي رافعة لأحكام عقد النكاح أم لا؟.

ثم لا يخفى : ان هذا التقسيم الرباعي يكون هذا : فان الشك قد يكون في وجود الرافع ، وقد يكون في رافعية الموجود ، ثم ان الشك في رافعية الموجود : قد يكون من جهة الشبهة المفهومية ، وقد يكون من جهة الشبهة المصداقية ، فهذه ثلاثة أقسام ، والرابع : هو الشك بين الأقل والأكثر ، فالأقل مثل طالق فناقض قطعا ، والأكثر مثل خليّة فيشك في انه ناقض أم لا؟.

(ثم قال : «إنّ الخبر المذكور) الذي ينهى فيه عن نقض اليقين بالشك (إنّما يدلّ على النهي عن نقض اليقين بالشك. وذلك إنّما يعقل في القسم الأوّل من تلك الأقسام الأربعة) وهو : الشك في وجود الرافع (دون غيره) من الأقسام الأخر.

٢٠٥

لأنّ غيره ، لو نقض الحكم بوجود الأمر الذي شك في كونه رافعا ، لم يكن النقض بالشك ، بل إنّما يحصل النقض باليقين بوجود ما شكّ في كونه رافعا أو باليقين بوجود ما يشك في استمرار الحكم معه ، لا بالشك ، فإنّ الشك في تلك الصور كان حاصلا من قبل ولم يكن بسببه نقض ، وإنّما يعقل النقض حين اليقين بوجود ما يشك في كونه رافعا للحكم بسببه ،

______________________________________________________

وإنّما يعقل في القسم الأوّل دون غيره (لأنّ غيره ، لو نقض الحكم بوجود الأمر الذي شك في كونه رافعا ، لم يكن النقض بالشك ، بل إنّما يحصل النقض باليقين بوجود ما) أي : بوجود لفظ خليّة مثلا الذي تلفّظه ثم (شكّ في كونه رافعا) أم لا ، فلفظ خلية متيقّن الوجود.

(أو) يحصل النقض (باليقين بوجود ما يشك في استمرار الحكم معه) أي : مع لفظ خليّة ـ مثلا ـ بعد التلفظ به وهو أيضا متيقن الوجود.

إذن : فالنقض في غير القسم الأوّل من أقسام الشك في رفع الحكم الشرعي يكون نقضا لليقين باليقين (لا) انه يكون نقضا لليقين (بالشك).

وإنّما لا يكون نقضا لليقين بالشك في غير القسم الأوّل ، لأنه كما قال (فإنّ الشك في تلك الصور) الثلاث غير القسم الأوّل (كان حاصلا من قبل) أي : من قبل اليقين بحصول مثل لفظ خليّة ، أو من قبل اليقين المنقوض بمثل لفظ خليّة.

هذا (ولم يكن بسببه) أي : بسبب هذا الشك في رافعية الموجود (نقض) لليقين في صورة الثلاث (وإنّما يعقل النقض) في الصور الثلاث للشك في رافعية الموجود (حين اليقين بوجود ما) أي : لفظ خليّة بعد التلفظ به حيث (يشك في كونه) أي : هذا اللفظ مثل : خليّة (رافعا للحكم بسببه) أم لا؟.

وعليه : فان الشك في الصور الثلاث ، كان حاصلا قبل اليقين بوجود الشيء

٢٠٦

لأنّ الشيء إنّما يستند إلى العلّة التامّة أو الجزء الأخير منها ، فلا يكون في تلك الصور نقض اليقين بالشك ، وإنّما يكون ذلك في صورة خاصة دون غيرها» ،

______________________________________________________

المشكوك رفعه ، فلا يستند نقض اليقين إليه ، لامتناع حصول اليقين مع وجود العلة التامة لعدم اليقين ، وإنّما يعقل نقض اليقين حين اليقين بوجود ما يشك في كونه رافعا بسبب اليقين بوجوده لا بسبب الشك.

وعلى ذلك : فان الشيء يستند إلى العلة التامة أو الجزء الأخير منها إذا كانت مركبة ، واليقين بالوجود هو الجزء الأخير للعلة التامة للنقض ، فلا يكون في الصور الثلاث نقض اليقين بالشك بل باليقين ، وإنّما يكون نقض اليقين بالشك في صورة واحدة وهو : الشك في وجود الرافع ، فإنه يحصل به.

هذا ما ذكره بعض المحشين توضيحا لكلام المصنّف حيث قال : (لأنّ الشيء إنّما يستند إلى العلّة التامة أو الجزء الأخير منها) واليقين بوجود ما يشك في كونه رافعا في الصور الثلاث جزء أخير للعلة التامة للنقض فيها (فلا يكون في تلك الصور نقض اليقين بالشك) بل نقض اليقين باليقين.

مثلا : هبوب الرياح العواصف فانه يقال : ان علة السقوط هبوب الرياح العواصف ، وإذا كانت العلة التامة لسقوطه مجموع امور : من وهنه لقدمه ، وصب الماء عليه ، وضربه بالمعول ، فانه يقال : ان علة سقوطه هو ضربه بالمعول.

إذن : فنقض اليقين في الصور الثلاث لم يكن بالشك بل باليقين (وإنّما يكون ذلك) أي : نقض اليقين بالشك (في صورة خاصة) وهي : الصورة الاولى يعني : الشك في وجود الرافع (دون غيرها» (١)) من الصور الثلاث الأخيرة التي هي :

__________________

(١) ـ ذخيرة المعاد : ص ١١٥.

٢٠٧

انتهى كلامه رفع مقامه.

أقول : ظاهره : تسليم صدق النقض في صورة الشك في استمرار الحكم فيما عدا القسم الأوّل ، وإنّما المانع عدم صدق النقض بالشك فيها.

ويرد عليه : أوّلا ،

______________________________________________________

الشك في رافعية الموجود.

(انتهى كلامه رفع مقامه) وحاصله : انا إذا حكمنا بنجاسة الكثير في مثال الممازجة السابق ، كان من نقض اليقين باليقين ، لا نقض اليقين بالشك ، لأن المتيقن هو نجاسة المضاف قبل الممازجة ، امّا بعد الممازجة فلا نعلم بنجاسة ، فان الناقض لنجاسته لا يكون الشك ، بل هو اليقين بالممازجة.

وان شئت قلت : المضاف النجس يبقى نجسا إذا شك في انه هل امتزج بشيء أم لا؟ والحال انا نعلم بأنه امتزج بالكثير المضاف ، فإذا قلنا ببقاء نجاسته ، كان من نقض اليقين بالنجاسة باليقين بالممازجة ، والرواية إنّما تقول : لا تنقض اليقين بالشك بالممازجة ، لا انها تقول : لا تنقض اليقين باليقين بالممازجة.

(أقول : ظاهره : تسليم صدق النقض في صورة الشك في استمرار الحكم فيما عدا القسم الأوّل) لأنه قال : لأن غير القسم الأوّل لو نقض الحكم بوجود الأمر الذي شك في كونه رافعا ، لم يكن النقض بالشك ، بل إنّما يحصل النقض باليقين.

إذن : فهو يسلّم صدق النقض في الصور الثلاث (وإنّما المانع) عنده رحمه‌الله : (عدم صدق النقض بالشك فيها) أي : في هذه الصور الثلاث وان النقض عنده فيها باليقين.

(ويرد عليه : أولا) : ان كلام السبزواري خلاف ظاهر الرواية ، لأنه جعل الشك واليقين فيها تقديريّين ، بينما ظاهر الرواية إنهما فعليّان ، فإذا كانا فعليين شملت

٢٠٨

أنّ الشك واليقين قد يلاحظان بالنسبة إلى الطهارة مقيّدة بكونها قبل حدوث ما يشك في كونه رافعا وبكونها بعده ، فيتعلّق اليقين بالاولى والشك بالثانية ، واليقين والشك بهذه الملاحظة يجتمعان في زمان واحد ، سواء كان قبل حدوث ذلك الشيء أو بعد ، فهذا الشك كان حاصلا من قبل ، كما أنّ اليقين باق من بعد ،

______________________________________________________

الرواية جميع الصور الأربع ، امّا إذا كانا تقديريّين فلم تشمل الرواية إلّا الصورة الاولى يعني : الشك في وجود الرافع فقط.

وإلى هذا المعنى أشار المصنّف قائلا : (أنّ الشك واليقين قد يلاحظان بالنسبة إلى الطهارة مقيّدة) تلك الطهارة (بكونها قبل حدوث ما) أي : شيء مشتبه (يشك في كونه رافعا) لتلك الطهارة.

(و) قد يلاحظان بالنسبة إلى الطهارة مقيدة (بكونها بعده) أي : بعد حدوث ما يشك في كونه رافعا.

والحاصل : الطهارة المقيّدة بكونها قبل حدوث ما يشك في رافعيته ، والطهارة المقيّدة بكونها بعد حدوث ما يشك في رافعيته (فيتعلّق اليقين بالاولى) أي : بالطهارة المقيدة بقبل الحدوث (والشك بالثانية) أي بالطهارة المقيدة ببعد الحدوث (و) من المعلوم : ان (اليقين والشك بهذه الملاحظة يجتمعان في زمان واحد) فان الطهارة قبل حدوث ما يشك في كونه رافعا لها متيقنة في أيّ زمان لوحظ ، وبعده مشكوكة في أيّ زمان لوحظ (سواء كان قبل حدوث ذلك الشيء) المشكوك كونه رافعا (أو بعد) حدوثه.

وعليه : (فهذا الشك) التقديري (كان حاصلا من قبل) أي : قبل حدوث ما يشك في كونه رافعا (كما أنّ اليقين) التقديري (باق من بعد) أي : بعد حدوث

٢٠٩

وقد يلاحظان بالنسبة إلى الطهارة المطلقة.

وهما بهذا الاعتبار لا يجتمعان في زمان واحد ، بل الشك متأخّر عن اليقين.

ولا ريب أنّ المراد باليقين والشك في قوله عليه‌السلام في صدر الصحيحة المذكورة : «لأنّك كنت على يقين من طهارتك فشككت» ، وغيرها من أخبار الاستصحاب ، هو اليقين والشك

______________________________________________________

ما يشك في كونه رافعا.

مثلا : الشك التقديري في الطهارة حاصل قبل حدوث الامذاء ، كما ان اليقين التقديري بالطهارة حاصل بعد حدوث الامذاء ، فالمكلف ان يقول : انا قبل الامذاء متيقن الطهارة ، وانا بعد الامذاء مشكوك الطهارة ، وهذا اليقين والشك كلاهما يكونان قبل الامذاء كما يكونان بعد الامذاء أيضا.

(وقد يلاحظان) : الشك واليقين (بالنسبة إلى الطهارة المطلقة) أي : الطهارة الفعلية من غير تقييد بما ذكر (وهما بهذا الاعتبار) أي : اعتبار الفعلية والاطلاق (لا يجتمعان في زمان واحد ، بل الشك متأخّر عن اليقين).

مثلا : قول المكلّف : اني فعلا متيقن بالطهارة ، لا يجتمع مع قوله : اني فعلا شاك في الطهارة ، لأن اليقين بالطهارة والشك في الطهارة ممّا لا يجتمعان في زمان واحد.

هذا (ولا ريب أنّ المراد باليقين والشك في قوله عليه‌السلام في صدر الصحيحة المذكورة : «لأنّك كنت على يقين من طهارتك فشككت» (١) ، وغيرها من أخبار الاستصحاب) التي ذكر فيها اليقين والشك (هو اليقين والشك) الفعليان

__________________

(١) ـ تهذيب الاحكام : ج ١ ص ٤٢١ ب ٢١ ح ٨ ، الاستبصار : ج ١ ص ١٨٣ ب ١٠٩ ح ١٣ ، علل الشرائع : ج ٢ ص ٥٩ ح ١ ، وسائل الشيعة : ج ٣ ص ٤٨٢ ب ٢٤ ح ٤٢٣٦.

٢١٠

المتعلّقان بشيء واحد ، أعني : الطهارة المطلقة.

وحينئذ : فالنقض المنهيّ عنه هو نقض اليقين بالطهارة بهذا الشك المتأخّر المتعلّق بنفس ما تعلّق به اليقين.

______________________________________________________

(المتعلّقان بشيء واحد ، أعني : الطهارة المطلقة) لا المتعلقان بشيئين : الطهارة المقيّدة بقبل المذي ، والطهارة المقيّدة ببعد المذي.

مضافا إلى ان الطهارة المطلقة فعلية ، والطهارة المقيدة تقديرية ، وقد عرفت : ان ظاهر الرواية هو : الفعلية لا التقديرية.

(وحينئذ) أي : حين كان اليقين والشك متعلقين بشيء واحد أعني : الطهارة المطلقة (فالنقض المنهيّ عنه) في الرواية (هو نقض اليقين بالطهارة) نقضا (بهذا الشك المتأخّر) عن اليقين ، وكذلك (المتعلّق بنفس ما تعلّق به اليقين) فقوله : المتأخر ، وكذا المتعلق صفة للشك.

وعليه : فالمفروض في الرواية هو طهارة الماء الكثير الذي انقلب مضافا بالممازجة كما في المثال ، واما المفروض في كلام المحقق السبزواري فهو نجاسته.

ثم إنّ حاصل ما أورده المصنّف على السبزواري بلفظ الأوثق هو ما يلي :

ان اجتماع اليقين والشك في زمان واحد إنّما هو فيما كان متعلّقهما مقيّدين ، وحينئذ يكون الشك فيه في زمان اليقين به تقديريا معلّقا على وجود ما يشك في رافعيته ، إذ لا نعلم بالشك الفعلي قبل وجود ما علّق عليه ، وامّا إذا كان متعلّقهما مطلقين كالطهارة المطلقة ، فلا يعقل حصول الشك الفعلي فيه حين اليقين به.

ثم قال الأوثق : نعم ، استظهر صاحب الفصول كون المراد باليقين والشك هو الفعليان من لفظهما ، واستظهره المصنّف من قوله عليه‌السلام : لأنك كنت على يقين

٢١١

.................................................................................................

______________________________________________________

فشككت ، لأن ظاهره : اعتبار تعلق الشك بنفس ما تعلق به اليقين ، لا بشيء آخر ، وهو لا يتم إلّا باعتبار كون الشك فعليا متأخرا عن اليقين ، ولكل وجه (١).

وهنا لا بأس بنقل عبارة الفقيه الهمداني في بيان ما أورده المصنّف أولا على المحقق السبزواري ، ليتضح إيراد المصنّف أكثر فأكثر.

قال قدس‌سره : توضيحه : ان اليقين والشك لا يعقل ان يتعلّقا بشيء واحد في زمان واحد ، فلا بد من اختلاف : امّا في متعلق اليقين والشك ، أو في زمان نفس الوصفين ، كما في قاعدة اليقين والشك على ما تسمعه في محله.

وستعرف : ان متعلق اليقين والشك في باب الاستصحاب مختلف ، فان متعلق اليقين ـ مثلا ـ : عدالة زيد يوم الجمعة ، أو طهارته قبل خروج المذي ، أو مضيّ زمان يشك في خروج ناقض منه ، ومتعلق الشك : عدالته يوم السبت ، وطهارته بعد خروج المذي ، أو بعد مضيّ زمان يزول يقينه بالبقاء.

فحينئذ : ان لوحظ الزمان قيدا في متعلقهما ، اجتمع الوصفان في زمان ، لصحة كون هذا المتوضئ ما لم يخرج منه بول أو مذي متطهرا يقينا ، وبعد خروج البول محدث يقينا ، وعند خروج المذي مشكوك الطهارة.

ومن الواضح : ان أدلة الاستصحاب لا تعمّ مواردها بهذه الملاحظة ، وإنّما تعمّها بعد فرض : وحدة متعلق اليقين والشك ، وعدم أخذ الزمان قيدا فيه ، بمعنى : ملاحظته من حيث هو ، وبهذه الملاحظة يمتنع ان يتعلق به اليقين والشك في زمان واحد.

فما دام متيقنا بطهارة زيد امتنع ان يشك فيها ، فهو قبل خروج المذي منه

__________________

(١) ـ أوثق الوسائل : ص ٤٨٤ الاستصحاب أو البناء على اليقين السابق.

٢١٢

وأمّا وجود الشيء المشكوك الرافعيّة ، فهو بوصف الشك في كونه رافعا الحاصل من قبل ، سبب لهذا الشك.

فانّ كلّ شك لا بدّ له من سبب متيقّن الوجود ، حتى الشك في وجود الرافع ،

______________________________________________________

كان على يقين من طهارته ، وبعد خروجه صار شاكا فيها ، وهذا الشك لم يكن حاصلا من قبل جزما ، والذي كان حاصلا من قبل كان شكا تقديريا متعلقا بخروج المذي.

ثم قال الفقيه الهمداني : والأولى ان يقال في تقريب الايراد : بأن الشك الذي كان حاصلا من قبل ، هو الشك في الحكم الشرعي الكلي ، وهو : ان المذي هل هو ناقض في الشريعة أم لا؟ وهذا الشك ليس له حالة سابقة معلومة حتى يجري فيه الاستصحاب ، والشك في بقاء طهارته بعد خروج المذي منه شك في حكم شرعي جزئي ، نشأ ذلك من الجهل بالحكم الكلي ، وهذا الشك المتعلق بطهارته المتيقنة يمتنع اجتماعه مع اليقين بها.

إذن : فما زعمه المحقق المزبور نظير المناقشة المتقدّمة عند توجيه مذهب المحقق رحمه‌الله ناشئ من الخلط بين المفاهيم الكلية ومصاديقها.

هذا كل الكلام في المراد من الشك واليقين ردا على السبزواري فيما كان الشك في وجود الرافع (وأمّا وجود الشيء المشكوك الرافعيّة) للحكم كالمذي (فهو بوصف الشك في كونه رافعا ، الحاصل) ذلك الشك التقديري (من قبل) خروج المذي فهو (سبب لهذا الشك) الفعلي الحاصل بعد خروج المذي (فانّ كلّ شك لا بدّ له من سبب متيقّن الوجود ، حتى الشك في وجود الرافع) لوضوح : ان كل شيء محتاج إلى سبب.

٢١٣

فوجود الشيء المشكوك في رافعيّته جزء أخير للعلّة التامّة للشك المتأخر الناقض ، لا للنقض.

وثانيا : أنّ رفع اليد عن أحكام اليقين عند الشك في بقائه وارتفاعه ، لا يعقل إلّا أن يكون مسببا عن نفس الشك ، لأنّ التوقّف في الزمان اللاحق عن الحكم السابق ، أو العمل بالاصول المخالفة له لا يكون إلّا لأجل الشك.

غاية الأمر : كون الشيء المشكوك كونه رافعا منشئا للشك.

والفرق بين الوجهين

______________________________________________________

وعليه : (فوجود الشيء المشكوك في رافعيّته جزء أخير للعلّة التامّة) الموجب (للشك المتأخر) أي : الشك الفعلي (الناقض ، لا) ان وجود الشيء المشكوك علة (للنقض) كما يدّعيه السبزواري ، فان الشك في رافعيته الحاصل قبل وجوده جزء للعلة التامة للشك المتأخر الناقض ، ووجوده جزء أخير لها ، فالشك هو الناقض لليقين ، لا اليقين.

(وثانيا : أنّ) النقض بمعنى : (رفع اليد عن أحكام اليقين عند الشك في بقائه) أي : في بقاء المتيقن (وارتفاعه ، لا يعقل إلّا أن يكون مسببا عن نفس الشك) الفعلي المتأخر.

وإنّما لا يعقل النقض إلّا ان يكون مسببا عن نفس الشك المتأخر (لأنّ التوقّف في الزمان اللاحق عن الحكم السابق ، أو العمل بالاصول المخالفة له) أي : للحكم السابق (لا يكون إلّا لأجل الشك) وإلّا لم يكن معنى للتوقف.

(غاية الأمر : كون الشيء المشكوك كونه رافعا) للحكم كالمذي هو الذي كان هنا (منشئا للشك) وسببا له.

هذا (والفرق بين الوجهين) أي : بين ما ذكره المصنّف فيما أورده

٢١٤

أنّ الأوّل ناظر إلى عدم الوقوع والثاني إلى عدم الامكان.

وثالثا : سلّمنا أنّ النقض في هذه الصور ليس بالشك ،

______________________________________________________

على السبزواري أولا ، وما أورده عليه ثانيا هو : (أنّ الأوّل ناظر إلى عدم الوقوع) أي : عدم وقوع النقض باليقين ، بل بالشك (والثاني إلى عدم الامكان) أي : عدم إمكان وقوع النقض باليقين ، بل بالشك لعدم تعقّله.

إذن : فمرجع هذا الايراد وسابقه إنّما هو إلى : ان النقض فيما عدا الصورة الاولى من صور الشك في الرافع ، لم يكن نقضا باليقين ـ كما ادّعاه المحقق السبزواري ـ بل نقضا بالشك ، غير انهما يفترقان فيما يلي :

الأوّل يقول : ان النقض لم يقع بسبب اليقين ، بل بسبب الشك.

الثاني يقول : ان النقض لا يمكن ان يقع بسبب اليقين ، بل بسبب الشك قطعا ، لعدم تعقله.

وحاصله : بلفظ الأوثق : «ان المراد من نقض اليقين بالشك في الأخبار : رفع اليد عن الآثار المرتبة في حال اليقين بترتيب آثار الشك : من التوقف ، أو العمل بأصالة البراءة ، أو الاشتغال ، بحسب الموارد ، ولا ريب : ان النقض في صورة الشك في مانعية ما يشك في مانعيّته كالمذي ، إنّما هو بهذا الاعتبار ، ولا يعقل حينئذ كون النقض فيها مستند إلى اليقين بوجود ما يشك في مانعيّته لعدم كون التوقف أو العمل بالاصول من آثار اليقين بوجوده ، بل من آثار الشك في بقاء المتيقن السابق» (١).

(وثالثا : سلّمنا أنّ النقض في هذه الصور) الثلاث (ليس بالشك) أي :

__________________

(١) ـ أوثق الوسائل : ص ٤٨٤ الاستصحاب أو البناء على اليقين السابق.

٢١٥

لكنّه ليس نقضا باليقين بالخلاف.

ولا يخفى : أنّ ظاهر ما ذكره في ذيل الصحيحة : «ولكن تنقضه بيقين آخر» ، حصر الناقض لليقين السابق باليقين بخلافه ، وحرمة النقض بغيره شكّا كان أم يقينا ، بوجود ما شك في كونه رافعا.

ألا ترى أنّه لو قيل في صورة الشك في وجود الرافع أنّ النقض بما هو متيقّن من سبب الشك لا بنفسه

______________________________________________________

ان اليقين في هذه الصور لم ينقض بالشك (لكنّه ليس نقضا باليقين بالخلاف) فانه لم يكن يقين بالخلاف حتى يرفع اليقين السابق.

هذا (ولا يخفى : أنّ ظاهر ما ذكره) عليه‌السلام (في ذيل الصحيحة) المتقدمة : («ولكن تنقضه بيقين آخر» (١) ، حصر الناقض لليقين السابق باليقين بخلافه ، وحرمة النقض بغيره) أي : بغير اليقين بالخلاف (شكّا كان أم يقينا ، بوجود ما شك في كونه رافعا).

إذن : فاليقين اللاحق بخلاف اليقين السابق هو الذي يرفع اليقين السابق ، امّا غير اليقين اللاحق سواء كان ذلك الغير شكا أم كان يقينا ولكنه لم يكن بالخلاف ، لم يرفع اليقين السابق.

(ألا ترى) وهذا إيراد رابع في بيان انه لا يعتبر في النقض منشأ الشك ، المنشأ الذي هو يقيني ، وإنّما يعتبر نفس الشك كما قال :

(أنّه لو قيل في صورة الشك في وجود الرافع) وهي الصورة الاولى من الصور الأربع : (أنّ النقض) فيها (بما هو متيقّن من سبب الشك) أي : ان منشأ الشك فيها كالمذي المتحقق الوجود ، هو الناقض للحالة السابقة (لا بنفسه) أي :

__________________

(١) ـ تهذيب الاحكام : ج ١ ص ٨ ب ١ ح ١١ ، وسائل الشيعة : ج ١ ص ٢٤٥ ب ١ ح ٦٣١.

٢١٦

لا يسمع.

وبالجملة : فهذا القول ضعيف في الغاية ، بل يمكن دعوى الاجماع المركّب ، بل البسيط على خلافه.

وقد يتوهّم

______________________________________________________

لا بنفس الشك فانه لو قيل هذا (لا يسمع) منه.

وعليه : فانه كما لو قيل بأن سبب الشك ، السبب الذي هو يقيني ، يرفع اليقين السابق ، لم يكن صحيحا في الصورة الاولى يعني : صورة الشك في وجود الرافع ، فكذلك لم يكن صحيحا هذا الكلام الذي ادّعاه المحقق السبزواري في الصور الثلاث الباقية أيضا.

(وبالجملة) وهذا إيراد خامس (فهذا القول) الذي ذكره السبزواري في الفرق بين الصورة الاولى وبين الصور الثلاث من صور الشك في الرافع (ضعيف في الغاية ، بل يمكن دعوى الاجماع المركّب ، بل البسيط على خلافه).

أمّا الاجماع المركب : فان من قال باعتبار الاستصحاب في الشك في وجود الرافع ، قال باعتبار الاستصحاب في الشك في رافعية الموجود ، وكلّ من نفاه في الصورة الثانية نفاه في الصورة الاولى أيضا ، فالفصل بينهما باعتباره في الصورة الاولى ، وعدم اعتباره في الصورة الثانية خرق للاجماع المركب.

بل يمكن دعوى الاجماع البسيط على خلافه وذلك بتقريب : ان الاستصحاب المختلف فيه هو غير صورة الشك في الرافع ، فالشك في الرافع خارج عن محل النزاع ، مجمع على اعتبار الاستصحاب فيه ، فالقول بعدم الاستصحاب في بعض صوره خرق للاجماع البسيط.

(وقد يتوهّم) والمتوهم ـ على ما قيل ـ هو السيد إبراهيم القزويني صاحب

٢١٧

أنّ مورد صحيحة زرارة الاولى ممّا أنكر المحقق المذكور الاستصحاب فيه ، لأنّ السؤال فيها عن الخفقة والخفقتين من نقضهما للوضوء.

وفيه : ما لا يخفى : فانّ حكم الخفقة والخفقتين قد علم من قوله عليه‌السلام : «قد تنام العين ولا ينام القلب والاذن» ، وإنّما سئل فيها بعد ذلك عن حكم ما إذا وجدت أمارة على النوم ، مثل : تحريك شيء إلى جنبه وهو لا يعلم ،

______________________________________________________

الضوابط في الاصول حيث قال : (أنّ مورد صحيحة زرارة الاولى) (١) هو (ممّا أنكر المحقق المذكور الاستصحاب فيه) أي : ان المحقق السبزواري قد أنكر الاستصحاب في مورد صحيحة زرارة في جملة ما أنكره من موارد الاستصحاب.

ثم علّل صاحب الضوابط إنكار المحقق السبزواري للاستصحاب في مورد الصحيحة بقوله : (لأنّ السؤال فيها عن الخفقة والخفقتين) يعرضان المتوضئ ، فسئل الإمام عليه‌السلام (من نقضهما للوضوء) ومعلوم : ان الشك في نقضهما شك في كون الشيء الموجود وهو : الخفقة والخفقتان هل هو مصداق للرافع المبيّن مفهوما وهو النوم أم لا؟ والمحقق لا يرى الاستصحاب فيه ، بل ينكره.

(وفيه) : أي : في هذا التوهم (ما لا يخفى : فانّ حكم الخفقة والخفقتين قد علم من قوله عليه‌السلام : «قد تنام العين ولا ينام القلب والاذن» (٢)).

إذن : فليس السؤال عن الخفقة والخفقتين (وإنّما سئل فيها بعد ذلك عن حكم ما إذا وجدت أمارة على النوم مثل : تحريك شيء إلى جنبه وهو لا يعلم) فان الراوي سأل من الإمام عليه‌السلام عن مثل هذا النوم بانه هل يبطل الوضوء أم لا؟.

__________________

(١) ـ تهذيب الاحكام : ج ١ ص ٨ ب ١ ح ١١ ، وسائل الشيعة : ج ١ ص ٢٤٥ ب ١ ح ٦٣١.

(٢) ـ تهذيب الاحكام : ج ١ ص ٨ ب ١ ح ١١ ، وسائل الشيعة : ج ١ ص ٢٤٥ ب ١ ح ٦٣١.

٢١٨

فأجاب بعدم اعتبار ما عدا اليقين بقوله عليه‌السلام : «لا ، حتى يستيقن أنّه قد نام ، حتى يجيء من ذلك أمر بيّن ، وإلّا فانّه على يقين ، الخ» نعم ، يمكن أن يلزم المحقق المذكور ، كما ذكرنا سابقا ، بأنّ الشك في أصل النوم في مورد الرواية ، مسبّب عن وجود ما يوجب الشك في تحقّق النوم ، فالنقض به ، لا بالشك ، فتأمّل.

______________________________________________________

(فأجاب) عليه‌السلام : (بعدم اعتبار ما عدا اليقين بقوله عليه‌السلام : «لا ، حتى يستيقن أنّه قد نام ، حتى يجيء من ذلك) النوم (أمر بيّن ، وإلّا) بأن لم يجيء أمر بيّن على انه قد نام فلا يبطل وضوئه (فانّه على يقين ، الخ») من وضوئه.

(نعم ، يمكن أن يلزم المحقق المذكور) لكن لا بما ذكره المتوهّم ، بل (كما ذكرنا سابقا) عند قولنا : ألا ترى (بأنّ الشك في أصل النوم في مورد الرواية ، مسبّب عن وجود ما يوجب الشك في تحقّق النوم) وهو الخفقة والخفقتان فصار من الشك في رافعية الموجود.

وعليه : (فالنقض به) أي : بما يوجب الشك (لا بالشك) نفسه (فتأمّل).

قال في الأوثق : «لعل الأمر بالتأمل ، إشارة إلى قول المحقق السبزواري : لكون النقض ـ فيما عدا صورة الشك في وجود المانع ـ باليقين بوجود ما يشك في مانعيته ، لا بالشك مبنيّ على انه لو كان بالشك لم يكن الشك مجتمعا مع اليقين في زمان واحد ، وهذا المبنى مفقود على زعمه في صورة الشك في وجود المانع ، لتأخر الشك فيها عن اليقين كما أشار إليه بقوله : فان الشك في تلك الصور يعني : ما عدا صورة الشك في وجود المانع ، كان حاصلا من قبل إلى آخره ، فلا يصح الزام المحقق المذكور به» (١).

__________________

(١) ـ أوثق الوسائل : ص ٤٨٥ ما أفاده المحقق الخوانساري من التفصيل.

٢١٩

حجّة القول الحادي عشر

ما ذكره المحقق الخوانساري قدس‌سره في شرح الدروس ، قال عند قول الشهيد قدس‌سره : «ويجزي ذو الجهات الثلاث» ما لفظه :

«حجّة القول بعدم الاجزاء الروايات الواردة بالمسح بثلاثة أحجار ، والحجر الواحد لا يسمى بذلك ، وباستصحاب حكم النجاسة حتى يعلم لها مطهّر شرعي ، وبدون الثلاثة لا يعلم المطهّر الشرعي.

وحسنة ابن المغيرة

______________________________________________________

(حجّة القول الحادي عشر) وهو القول : بأن المستصحب ان كان ممّا ثبت استمراره فشك في وجود الغاية الرافعة لا رافعية الموجود ، أو شك في مصداق الغاية الرافعة لا مفهومها ، فالاستصحاب حجة فيهما ، وبين غيرهما ، فليس الاستصحاب حجة فيه.

وعليه : فحجة هذا القول هو : (ما ذكره المحقق الخوانساري قدس‌سره في شرح الدروس قال عند قول الشهيد قدس‌سره) في كتاب الدروس : («ويجزي ذو الجهات الثلاث») من الحجر عند الاستنجاء ، فلا يلزم ان يكون ثلاثة أحجار (ما لفظه) كالتالي :

(حجّة القول بعدم الاجزاء) في الاستنجاء ، بذي الجهات الثلاث امور :

الأوّل : (الروايات الواردة بالمسح بثلاثة أحجار ، والحجر الواحد لا يسمى بذلك) أي : لا يسمى بثلاثة أحجار.

الثاني : (وباستصحاب حكم النجاسة) في المحل ، للعلم بنجاسته (حتى يعلم لها مطهّر شرعي ، وبدون) الأحجار (الثلاثة لا يعلم المطهّر الشرعي).

الثالث : (وحسنة ابن المغيرة) حيث فيها بعد السؤال عن انه هل للاستنجاء

٢٢٠