الوصائل إلى الرسائل - ج ١٢

آية الله السيد محمد الشيرازي

الوصائل إلى الرسائل - ج ١٢

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة عاشوراء للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7263-12-0
ISBN الدورة:
964-7263-04-X

الصفحات: ٤٠٠

وما تمسّكوا لها ضعيف ، وغاية ما تمسّكوا فيها بما ورد في بعض الروايات الصحيحة : «أنّ اليقين لا ينقض بالشكّ» ، وعلى تقدير تسليم صحة الاحتجاج بالخبر في مثل هذا الأصل وعدم منعها ، بناء على أنّ هذا الحكم الظاهر أنّه من الاصول ، ويشكل التمسك بالخبر في الاصول ، إن سلّم التمسك به في الفروع ، نقول : أولا : إنّه لا يظهر شموله للامور الخارجيّة ، مثل رطوبة الثوب ونحوها ، إذ يبعد أن يكون مرادهم

______________________________________________________

وما تمسّكوا لها ضعيف ، وغاية ما تمسّكوا فيها) أي : في حجية الاستصحاب إنّما هو (بما ورد في بعض الروايات الصحيحة : «أنّ اليقين لا ينقض بالشكّ») كما عرفت ورود هذا النص في جملة من الروايات (١).

هذا (وعلى تقدير تسليم صحة الاحتجاج بالخبر في مثل هذا الأصل) وهو حجية الاستصحاب (وعدم منعها) أي : عدم منع صحة الاحتجاج بالخبر في مثله ، فان المنع فيه إنّما يكون (بناء على أنّ هذا الحكم الظاهر) في الاستصحاب (أنّه من الاصول) حيث يترتب عليه فروع كثيرة من أول الفقه إلى آخره ، وإذا كان من الاصول فلا يثبت بالخبر كما قال : (و) من المعلوم : انه (يشكل التمسك بالخبر في الاصول ، إن سلّم التمسك به في الفروع) فان التمسك بالخبر في الفروع أيضا محل نظر ، كما عن السيد المرتضى وابن إدريس وجماعة آخرين فكيف به في الاصول؟.

وكيف كان : فانه على فرض تسليم صحة الاحتجاج بالخبر لمثل الاستصحاب (نقول : أولا : إنّه لا يظهر شموله للامور الخارجيّة) التي ليست من الأحكام الشرعية (مثل رطوبة الثوب ونحوها) كحياة زيد وما أشبه ذلك.

وإنّما لا يظهر شموله لها (إذ يبعد أن يكون مرادهم) أي : مراد

__________________

(١) ـ كصحيحة زرارة الاولى والثانية والثالثة.

٢٤١

بيان الحكم في مثل هذه الامور التي ليست أحكاما شرعيّة ، وإن أمكن أن يصير منشأ لحكم شرعي ، وهذا ما يقال : من أنّ الاستصحاب في الامور الخارجية لا عبرة به.

ثم بعد تخصيصه بالأحكام الشرعية فنقول : الأمر على وجهين أحدهما أن يثبت حكم شرعي في مورد خاص باعتبار حال يعلم من الخارج أنّ زوال تلك الحالة لا يستلزم زوال ذلك الحكم ، والآخر أن يثبت باعتبار حال لا يعلم فيه ذلك.

______________________________________________________

المعصومين عليهم‌السلام (بيان الحكم في مثل هذه الامور التي ليست أحكاما شرعيّة ، وإن أمكن أن يصير منشأ لحكم شرعي) كما عرفت : من ان بقاء رطوبة الثوب يوجب تنجسه إذا لاقى المتنجس ، وبقاء حياة الزوج يوجب نفقة زوجته.

(وهذا) هو معنى (ما يقال : من أنّ الاستصحاب في الامور الخارجية لا عبرة به) لما مرّ : من ان شأنهم عليهم‌السلام هو : بيان الأحكام لا بيان الموضوعات.

(ثم بعد تخصيصه) أي : تخصيص الخبر الدال على الاستصحاب (بالأحكام الشرعية) دون الامور الخارجية (فنقول : الأمر على وجهين) كما يلي :

(أحدهما) : الشك في الرافع وهو : (أن يثبت حكم شرعي في مورد خاص باعتبار حال يعلم من الخارج أنّ زوال تلك الحالة لا يستلزم زوال ذلك الحكم) ويأتي ان شاء الله تعالى مثاله في كلامه قريبا.

(والآخر) : الشك في المقتضي وهو : (أن يثبت) حكم شرعي في مورد خاص (باعتبار حال لا يعلم فيه ذلك) أي : لا يعلم من الخارج ان زوال تلك الحالة ممّا يستلزم زوال ذلك الحكم أو لا يستلزمه؟.

٢٤٢

مثال الأوّل : إن ثبت نجاسة ثوب باعتبار ملاقاته للبول ، فانّه علم من إجماع أو ضرورة : أنّ النجاسة لا تزول بزوال الملاقاة.

ومثال الثاني : ما نحن فيه ، فانّه ثبت وجوب الاجتناب عن الاناء باعتبار أنّه شيء يعلم وقوع النجاسة فيه بعينه وكل شيء كذلك يجب الاجتناب عنه ولم يعلم بدليل من الخارج : أنّ زوال ذلك الوصف الذي يحصل باعتبار زوال المعلوميّة بعينه لا دخل له في زوال ذلك الحكم.

______________________________________________________

(مثال الأوّل : إن ثبت نجاسة ثوب باعتبار ملاقاته للبول ، فانّه علم من إجماع أو ضرورة : أنّ النجاسة لا تزول بزوال الملاقاة) بل ان مقتضى الروايات الدالة على بقاء النجاسة هو بقائها إلى ان يأتي المطهّر.

(ومثال الثاني : ما نحن فيه) من الاناء المشتبه (فانّه ثبت وجوب الاجتناب عن الاناء باعتبار أنّه شيء يعلم وقوع النجاسة فيه بعينه) أي : هو كما إذا علمنا بأن النجاسة وقعت في هذا الاناء الخاص (وكل شيء كذلك) أي : علم بعينه انه نجس (يجب الاجتناب عنه).

والحاصل : ان العلم بالنجاسة في إناء خاص بعينه موجب للاجتناب عنه قطعا (ولم يعلم بدليل من الخارج : أنّ زوال ذلك الوصف) : العلم بعينه (الذي يحصل باعتبار زوال المعلوميّة بعينه) أي : يحصل بما إذا لم يعلم بان النجاسة وقعت في هذا الاناء أو ذاك الاناء ، فانه لم يعلم من زوال الوصف انه (لا دخل له في زوال ذلك الحكم) المترتب على ذلك الوصف.

وإنّما لا يعلم بانّ زوال الوصف لا دخل له في زوال الحكم ، لاحتمال ان الشارع إنّما أوجب الاجتناب عن النجاسة المعلومة ، ولم يوجب الاجتناب عن النجاسة المشكوكة بين كونها في هذا الاناء أو في ذاك الاناء حيث انه يكون

٢٤٣

وعلى هذا شمول الخبر للقسم الأوّل ظاهر ، فيمكن التمسّك بالاستصحاب فيه ، وأمّا القسم الثاني : فالتمسك فيه مشكل.

فان قلت : بعد ما علم في القسم الأوّل ، أنّه لا يزول الحكم بزوال الوصف ، فأيّ حاجة الى التمسّك بالاستصحاب ، وأيّ فائدة فيما ورد في الأخبار : من أنّ اليقين لا ينقض بالشك؟.

______________________________________________________

من الشك في المقتضي.

مثلا : إذا وقعت نجاسة في إناء ثم اشتبه ذلك الاناء باناء آخر ممّا زال بسببه وصف العلم التفصيلي ، فهل النجاسة بعد هذا الاشتباه مقتض للبقاء أو ليس لها مقتض للبقاء؟ ولذا يكون الشك في النجاسة بعد الاشتباه من باب الشك في المقتضي.

(وعلى هذا) الذي ذكرناه : من ان الأمر في الاستصحاب على قسمين ، فان (شمول الخبر) الدال على الاستصحاب (للقسم الأوّل) وهو : الشك في الرافع (ظاهر ، فيمكن التمسّك بالاستصحاب فيه) فإذا كان شيء نجسا ، ثم شككنا في زوال النجاسة نستصحب بقائها.

(وأمّا القسم الثاني : فالتمسك فيه) بالاستصحاب (مشكل) فلا نتمكن ان نستصحب وجوب الاجتناب عن الاناء الذي اشتبه بإناء طاهر بعد اشتباهه ، لأنه كما عرفت من الشك في المقتضي.

(فان قلت : بعد ما علم في القسم الأوّل ، أنّه لا يزول الحكم) بالنجاسة مثلا (بزوال الوصف) أي : وصف الملاقاة للنجس بل لا بد من التطهير ، ومعه (فأيّ حاجة الى التمسّك بالاستصحاب؟ وأيّ فائدة فيما ورد في الأخبار : من أنّ اليقين لا ينقض بالشك؟) فانه مع فرض دوام الحكم بالنجاسة ـ مثلا ـ حتى يأتي

٢٤٤

قلت : القسم الأوّل على وجهين :

أحدهما أن يثبت أنّ الحكم أعني : النجاسة بعد الملاقاة ، حاصل ما لم يرد عليه الماء على الوجه المعتبر ، وحينئذ فائدته أنّ عند حصول الشك في ورود الماء لا يحكم بزوال النجاسة ، والآخر أن يعلم ثبوت الحكم في الجملة بعد زوال الوصف ، لكن لم يعلم أنّه ثابت دائما ، أو في بعض الأوقات إلى غاية معيّنة محدودة أم لا.

______________________________________________________

التطهير ، لا حاجة إلى الاستصحاب العقلي ، ولا إلى الاستصحاب الشرعي.

(قلت : القسم الأوّل على وجهين) بالنحو التالي :

(أحدهما) : الشك في وجود الرافع وهو : (أن يثبت أنّ الحكم أعني : النجاسة بعد الملاقاة حاصل ما لم يرد عليه الماء على الوجه المعتبر) في التطهير (وحينئذ) يكون (فائدته) أي : فائدة الاستصحاب العقلي والشرعي في هذا القسم وهو الشك في وجود الرافع : (أنّ عند حصول الشك في ورود الماء لا يحكم بزوال النجاسة) وهذا من الشبهة الموضوعية.

(والآخر) وهو الشك في رافعية الموجود بأن حصل شيء ، لكن لم يعلم هل انه رافع أو ليس برافع؟ وهذا من الشبهة الحكمية بمعنى : (أن يعلم ثبوت الحكم في الجملة بعد زوال الوصف ، لكن لم يعلم أنّه ثابت دائما ، أو في بعض الأوقات إلى غاية معيّنة محدودة أم لا)؟ فإذا تنجست اليد ـ مثلا ـ بالملاقاة مع الدم ، ثم زال وصف الملاقاة عن اليد ، وزال عنها جرم الدم وعينه أيضا ، ولم يعلم هل ان النجاسة باقية دائما إلى حصول التطهير بالماء ، أو انه يطهر بشيء آخر كزوال عين الدم ـ مثلا ـ؟ فالمستصحب هنا بقاء النجاسة إلى ان يطهر بالماء كما قال :

٢٤٥

وفائدته أنّه إذا ثبت الحكم في الجملة ، فيستصحب إلى أن يعلم المزيل.

ثم لا يخفى : أنّ الفرق الذي ذكرنا من إثبات مثل هذا بمجرّد الخبر مشكل مع انضمام أنّ الظهور في القسم الثاني لم يبلغ مبلغه في القسم الأوّل

______________________________________________________

(وفائدته) : أي : فائدة الاستصحاب في هذا القسم الذي هو من الشبهة الحكمية والشك في رافعية الموجود هو : (أنّه إذا ثبت الحكم في الجملة ، فيستصحب إلى أن يعلم المزيل) وهو التطهير بالماء على ما في المثال المذكور.

(ثم لا يخفى : أنّ الفرق الذي ذكرنا) يكون حاصله : ان الاستصحاب يجري مع الشك في وجود الغاية ، لا مع الشك في غائية الموجود : كالشك في ان المذي غاية للتطهّر أم لا؟ فالفرق المذكور : (من إثبات مثل هذا) الأصل وهو : الاستصحاب في الشبهة الحكمية (بمجرّد الخبر مشكل) وذلك لما يلي :

أولا : لأن الشبهة حكمية ، والشبهة الحكمية لا تثبت بالخبر الواحد ، لأن الشبهة الحكمية مسألة اصولية ، وخبر : «لا تنقض اليقين بالشك» (١) ليس ظاهرا في الشبهة الحكمية.

لا يخفى : ان قوله : «ان الفرق الذي ذكرناه» خبره سيأتي بعد أسطر ، وذلك عند قوله : «كأنه يصير قريبا».

ثانيا : (مع انضمام) أي : بأن ينضم إلى ما ذكرناه : من ان إثبات مثل هذا الأصل بمجرد الخبر مشكل ، ان ينضم إليه : (أنّ الظهور في القسم الثاني) وهو الشك في رافعية الموجود (لم يبلغ مبلغه في القسم الأوّل) الذي هو الشك في وجود الرافع ، وذلك لأن ظاهر الأخبار هو القسم الأوّل فقط.

__________________

(١) ـ الكافي (فروع) : ج ٣ ص ٣٥١ ح ٣ ، تهذيب الاحكام : ج ٢ ص ١٨٦ ب ٢٣ ح ٤١ ، الاستبصار : ج ١ ص ٣٧٣ ب ٢١٦ ح ٣ ، وسائل الشيعة : ج ٨ ص ٢١٧ ب ١٠ ح ١٠٤٦٢.

٢٤٦

وأنّ اليقين لا ينقض بالشك ـ قد يقال إنّ ظاهره : أن يكون اليقين حاصلا لو لا الشك باعتبار دليل دالّ على الحكم ، في غير صورة ما شك فيه.

إذ لو فرض عدم الدليل عليه لكان نقض اليقين حقيقة باعتبار عدم الدليل الذي هو دليل العدم ، لا الشك كأنّه يصير قريبا ،

______________________________________________________

(و) إنّما لم يبلغ ظهور الأخبار في القسم الثاني مبلغها في القسم الأوّل ، لأنه كما قال : (أنّ اليقين لا ينقض بالشك ـ قد يقال) بالنسبة إليه : (إنّ ظاهره : أن يكون اليقين حاصلا) أي : مستمر (لو لا الشك) فانه لو لا الشك لكان اظهر «لا ينقض» كون اليقين مستمرا (ب) سبب (اعتبار دليل دالّ على الحكم ، في غير صورة ما شك فيه).

وإنّما يكون اليقين مستمرا بسبب اعتبار الدليل (إذ لو فرض عدم الدليل عليه) أي : على الاستمرار (لكان نقض اليقين حقيقة ب) سبب (اعتبار عدم الدليل الذي هو) أي : عدم الدليل (دليل العدم ، لا) بسبب اعتبار (الشك).

إذن : فالفرق الذي ذكرناه بين القسمين من الاستصحاب (كأنّه يصير قريبا) بمعونة هذين الأمرين الذين ذكرهما بقوله : ان إثبات مثل هذا بمجرد الخبر مشكل ، وقوله : مع انضمام ان الظهور في القسم الثاني لم يبلغ مبلغه في القسم الأوّل.

وحاصل كلامه بلفظ بعض المحشين هو ما يلي :

انّ الفرق الذي ذكرناه في الأحكام الشرعية بعد إخراج الامور الخارجية فرقا بين الشك من جهة الرافع ، ومن جهة المقتضي ، باثبات دلالة ، الخبر على اعتبار الاستصحاب في القسم الأوّل ، وان التمسك به في القسم الثاني مشكل إذا ضممنا إليه : ان ظهور الخبر في القسم الثاني دون ظهوره في القسم الأوّل ، وانضمام

٢٤٧

ومع ذلك ينبغي رعاية الاحتياط في كلّ من القسمين ، بل في الامور الخارجية أيضا» ، انتهى كلامه رفع مقامه.

أقول : لقد أجاد فيما أفاد وجاء بما فوق المراد ،

______________________________________________________

ما يقال : من ان اليقين لا ينقض بالشك ظاهره : ان اليقين كان حاصلا لو لا الشك بدلالة الدليل الدال عليه ، فلا يشمل الشك في المقتضى ، كأن الفرق المذكور يصير قريبا بالاعتبار.

(ومع ذلك) الذي فصّلناه في الاستصحاب من تفصيلين : تفصيل بين المقتضي والرافع ، وتفصيل بين الشك في وجود الرافع ورافعية الموجود (ينبغي رعاية الاحتياط في كلّ من القسمين) الذين ذكرهما بقوله : أحدهما : ان يثبت حكم شرعي باعتبار حال يعلم زوال الحكم بزوالها ، والآخر : ان يثبت باعتبار حال لا يعلم فيه ذلك.

(بل) ينبغي عليه الاحتياط (في الامور الخارجية أيضا» (١) ، انتهى كلامه رفع مقامه) وزيد في علوّ درجاته.

(أقول : لقد أجاد فيما أفاد وجاء بما فوق المراد) قال الآشتياني : أي أجاد في فهم اختصاص دلالة الروايات بالشك في الرافع ، وعدم شمولها للشك في المقتضي ، إلّا انه ما أجاد في تخصيصها ببعض أقسام الشك في الرافع ، كما ستقف عليه إن شاء الله ، هذا كله بناء على كون الغاية من قبيل الرافع أو ملحقة به حكما ، وإلّا فما أجاد في التفصيل المذكور أصلا ، إلّا انك قد عرفت : ان الغاية وإن لم تكن من الرافع موضوعا ، إلّا انها ملحقة به في الحكم.

أقول : وإنّما قال المصنّف بالنسبة إلى كلام المحقق الخوانساري : بأنه جاء

__________________

(١) ـ شرح الوافية : مخطوط.

٢٤٨

إلّا أنّ في كلامه مواقع للتأمّل ، فلنذكر مواقعه ونشير إلى وجهه فنقول :

قوله : «وبعضهم ذهب إلى حجيته في القسم الأوّل».

ظاهره كصريح ما تقدّم منه في حاشيته الاخرى وجود القائل بحجّية الاستصحاب في الأحكام الشرعية الجزئية : كطهارة مثل الثوب ، والكلّية : كنجاسة المتغيّر بعد زوال التغيّر ؛ وعدم الحجّية في الامور الخارجية : كرطوبة الثوب ، وحياة زيد.

وفيه نظر ، يعرف بالتتبع في كلمات القائلين بحجّية الاستصحاب وعدمها ، والنظر في أدلّتهم.

______________________________________________________

بما فوق المراد ، لأن مراد المصنّف هو : التفصيل بين الاستصحاب في المقتضي فلا يجري ، وبين الاستصحاب في الرافع فيجري ، والخوانساري أضاف إلى ذلك موضوع الشك في الغاية وغيره ممّا عرفت.

ثم قال المصنّف : (إلّا أنّ في كلامه مواقع للتأمّل ، فلنذكر مواقعه ونشير إلى وجهه) أي : وجه التأمل (فنقول : قوله : «وبعضهم ذهب إلى حجيته) أي : حجية الاستصحاب (في القسم الأوّل») أي : في الأحكام الشرعية الجزئية مثل : ما إذا ثبت نجاسة ثوب أو بدن في زمان ، فيحكمون بعد ذلك بنجاسته إذا لم يحصل العلم برفعها ، فان (ظاهره) أي : ظاهر قول المحقق الخوانساري هذا (كصريح ما تقدّم منه في حاشيته الاخرى) هو : (وجود القائل بحجّية الاستصحاب في الأحكام الشرعية الجزئية : كطهارة مثل الثوب ، والكلّية : كنجاسة المتغيّر بعد زوال التغيّر ، وعدم الحجية في الامور الخارجية : كرطوبة الثوب ، وحياة زيد) ـ مثلا ـ.

(وفيه نظر) لعدم وجود مثل هذا القائل ، وذلك (يعرف بالتتبع في كلمات القائلين بحجّية الاستصحاب وعدمها ، والنظر في أدلّتهم) فانّه لا يظهر

٢٤٩

مع أنّ ما ذكره في الحاشية الأخيرة دليلا لعدم الجريان في الموضوع جار في الحكم الجزئي ، فانّ بيان وصول النجاسة إلى هذا الثوب الخاص واقعا وعدم وصولها ، وبيان نجاسته المسبّبة عن هذا الوصول وعدمها لعدم الوصول ، كلاهما خارج عن شأن الشارع.

______________________________________________________

من كلماتهم وأدلتهم مثل : هذا التفصيل المذكور.

لكن قال الأوثق : لا يخفى ان إنكار وجود قائل بهذا القول ، لا يناسب عدّه من جملة أقوال المسألة وجعلها به أحد عشر قولا ، كما صنعه المصنّف عند تعدادها ، فالأولى ترك هذا القول في جملتها وجعلها عشرة كاملة (١).

أقول : لعل المصنّف عدّ هذا التفصيل هناك قولا حادي عشر باعتبار استفادته من كلام المحقق الخوانساري ، ولكن هنا حيث انه بنفسه لم يجد هذا القول في كلمات الفقهاء والاصوليين الذين تتبع كلماتهم تنظّر فيه.

هذا (مع أنّ ما ذكره في الحاشية الأخيرة دليلا لعدم الجريان في الموضوع) حيث قال : نقول ، أولا : انه لا يظهر شموله للامور الخارجية مثل : رطوبة الثوب ونحوها ، إذ يبعد ان يكون مرادهم عليهم‌السلام بيان الحكم في مثل هذه الامور التي ليست أحكاما شرعية ، فان ما ذكره دليلا لعدم جريان الاستصحاب في الموضوع (جار في الحكم الجزئي) أيضا.

وإنّما يجري ذلك الدليل في الحكم الجزئي أيضا لأنه كما قال : (فانّ بيان وصول النجاسة إلى هذا الثوب الخاص واقعا وعدم وصولها) إلى الثوب (وبيان نجاسته المسببة عن هذا الوصول وعدمها) أي : عدم النجاسة (لعدم الوصول ، كلاهما خارج عن شأن الشارع).

__________________

(١) ـ أوثق الوسائل : ص ٤٨٦ ما أفاده المحقق الخوانساري من التفصيل.

٢٥٠

كما أنّ بيان طهارة الثوب المذكور ظاهرا ، وبيان عدم وصول النجاسة إليه ظاهرا الراجع في الحقيقة إلى الحكم بالطهارة ظاهرا ، ليس إلّا شأن الشارع ، كما نبّهنا عليه فيما تقدّم.

______________________________________________________

وإنّما يكون خارجا عن شأن الشارع ، لأن شأن الشارع هو : بيان الأحكام الكلية الشرعية ، لا الأحكام غير الشرعية ولا الأحكام الشرعية الجزئية ، وقد روي عنهم عليه‌السلام إنهم قالوا : علينا الاصول وعليكم التفريع (١).

(كما أنّ بيان طهارة الثوب المذكور ظاهرا ، وبيان عدم وصول النجاسة إليه ظاهرا) إذ قد يقول الشارع : الثوب طاهر ، وقد يقول : النجاسة لم تصل إليه ، فبيان عدم وصول النجاسة (الراجع في الحقيقة إلى الحكم بالطهارة) ليس أمرا خارجيا ، بل كما قال : يرجع إلى بيان الحكم وهو الطهارة لكن (ظاهرا) وهو (ليس إلّا شأن الشارع ، كما نبّهنا عليه فيما تقدّم).

والحاصل : انا لو سألنا من الشارع هل وصلت النجاسة إلى الثوب أم لا؟ أو سألنا منه هل هو طاهر أم لا؟ أجاب : بانه لا ربط له بهذين ، لأن الأوّل أمر خارجي يستطرق فيه باب العرف ، والثاني : أمر جزئي وقد أشار إلى كليّة وعليّة الكليات لا الجزئيات.

أمّا لو سألنا من الشارع عن الشيء الجزئي المشكوك طهارته ونجاسته بعد ان كان طاهرا : ما حكمه الظاهري؟ وكذا لو سألناه عن الشيء كان رطبا ، ثم وقع على أرض نجسة وشككنا في طهارته ونجاسته ؛ ما هو حكمه الظاهري؟ أجاب الشارع عن كلا السؤالين : بلزوم الاستصحاب.

وعلى أيّ حال : فالأوّلان ليسا من شأن الشارع ، بينما التاليان من شأنه ، فإطلاق

__________________

(١) ـ راجع وسائل الشيعة : ج ٢٧ ص ٦١ ب ٦ ح ٣٣٢٠١ وص ٦٢ ب ٦ ح ٣٣٢٠٢.

٢٥١

قوله : «والظاهر حجّية الاستصحاب بمعنى آخر ، إلى آخره» ، وجه مغايرة ما ذكره لما ذكره المشهور ، هو : أنّ الاعتماد في البقاء عند المشهور على الوجود السابق ، كما هو ظاهر قوله : «لوجوده في زمان سابق عليه».

وصريح قول شيخنا البهائي إثبات الحكم في الزمان الثاني تعويلا على ثبوته في الزمن الأوّل. وليس الأمر كذلك على طريقة شارح الدروس.

قوله قدس‌سره : «إنّ الحكم الفلاني بعد تحققه ثابت

______________________________________________________

قول المحقق الخوانساري بأنهما ليسا من شأن الشارع محل تأمل.

ومن مواقع التأمل في كلام المحقق الخوانساري (قوله : «والظاهر حجّية الاستصحاب بمعنى آخر ، إلى آخره») فان (وجه مغايرة ما ذكره) المحقق الخوانساري (لما ذكره المشهور) من معنى الاستصحاب (هو : أنّ الاعتماد في البقاء عند المشهور على الوجود السابق ، كما هو ظاهر قوله) أي : قول المحقق الخوانساري عند بيان قول المشهور في بقاء الشيء بانه («لوجوده في زمان سابق عليه» ، وصريح قول شيخنا البهائي) في معنى الاستصحاب : من انه (إثبات الحكم في الزمان الثاني تعويلا على ثبوته في الزمن الأوّل) وهكذا غيرهما ممن ذكر الاستصحاب.

هذا (وليس الأمر كذلك على طريقة شارح الدروس) أي : المحقق الخوانساري ، فان اعتماده في الاستصحاب إنّما هو على دليل الحكم ، فيكون الاستصحاب تابعا للدليل ضيقا وسعة ، ولذا كان الاستصحاب عند المحقق الخوانساري غير الاستصحاب عند المشهور.

ومن مواقع التأمل في كلامه (قوله قدس‌سره : «إنّ الحكم الفلاني بعد تحققه ثابت

٢٥٢

إلى حدوث حال كذا أو وقت كذا ، إلى آخره».

أقول : بقاء الحكم إلى زمان كذا يتصوّر على وجهين :

الأوّل : أن يلاحظ الفعل إلى زمان كذا موضوعا واحدا تعلّق به الحكم الواحد ، كأن يلاحظ الجلوس في المسجد إلى وقت الزوال فعلا واحدا تعلّق به أحد الأحكام الخمسة ، ومن أمثلته الامساك المستمرّ إلى الليل ، حيث انّه ملحوظ فعلا واحدا تعلّق به الوجوب ، أو الندب ، أو غيرهما من أحكام الصوم.

______________________________________________________

إلى حدوث حال كذا أو وقت كذا ، إلى آخره»).

(أقول) : وخلاصة ما ذكره المصنّف هنا في شرح هذا الكلام هو اعتراض على المحقق الخوانساري في تمسكه بقاعدة الاشتغال أو البراءة في إثبات اعتبار الاستصحاب ، فان (بقاء الحكم إلى زمان كذا) أو إلى حدوث حال كذا (يتصوّر على وجهين) بالنحو التالي :

الوجه (الأوّل : أن يلاحظ الفعل إلى زمان كذا موضوعا واحدا تعلّق به الحكم الواحد) فالموضوع واحد والحكم واحد ويسمّى بالكل المجموعي (كأن يلاحظ الجلوس في المسجد إلى وقت الزوال فعلا واحدا تعلّق به أحد الأحكام الخمسة) من الوجوب فيما إذا كان بقائه واجبا في المسجد ، أو الحرمة فيما إذا كان جنبا ، إلى غير ذلك.

(ومن أمثلته) أي : أمثلة الموضوع الواحد والحكم الواحد (الامساك) في الصوم (المستمرّ إلى الليل ، حيث انّه ملحوظ فعلا واحدا تعلّق به الوجوب ، أو الندب ، أو غيرهما من أحكام الصوم) فان الصوم قد يكون حراما كما هو واضح ، أو مكروها بمعنى : قلّة الثواب أو الحزازة ، كما قاله الآخوند ، إلى غير ذلك.

٢٥٣

الثاني : أن يلاحظ الفعل في كلّ جزء يسعه من الزمان المغيّى موضوعا مستقلا تعلّق به حكم فيحدث في المقام أحكام متعدّدة لموضوعات متعدّدة ، ومن أمثلته : وجوب الصوم عند رؤية هلال رمضان إلى أن يرى هلال شوال ، فانّ صوم كل يوم إلى انقضاء الشهر فعل مستقلّ تعلّق به حكم مستقلّ.

أمّا الأوّل ، فالحكم التكليفي : إمّا أمر ، وإمّا نهي وإمّا تخيير :

فان كان أمرا ، كان اللازم عند الشك في وجود الغاية ما ذكره :

______________________________________________________

الوجه (الثاني : أن يلاحظ الفعل في كلّ جزء يسعه) أي : يسع ذلك الفعل (من الزمان المغيّى موضوعا مستقلا تعلّق به حكم) ولا يعني بذلك كل جزء جزء ، وإنّما الأجزاء التي اعتبرها الشارع أجزاء (فيحدث في المقام أحكام متعدّدة لموضوعات متعدّدة) ويسمى بالكل الافرادي.

(ومن أمثلته : وجوب الصوم عند رؤية هلال رمضان إلى أن يرى هلال شوال) ويرى بصيغة المجهول (فانّ صوم كل يوم إلى انقضاء الشهر فعل مستقلّ تعلّق به حكم مستقلّ) فهنا موضوعات متعدّدة لأحكام متعدّدة.

(أمّا الأوّل) : وهو ان يلاحظ الفعل إلى زمان كذا أو حال كذا موضوعا واحدا تعلق به حكم واحد (فالحكم التكليفي : إمّا أمر ، وإمّا نهي وإمّا تخيير) فالأمر : هو الذي يمنع من النقيض ، والنهي : هو الذي يمنع من النقيض أيضا ، والتخيير : إنّما يكون بين الفعل والترك بلا إلزام في أحد الجانبين ، فيشمل التخيير الأحكام الثلاثة التي لا تقتضي إلزاما ، سواء كان في أحد الجانبين ترجيح كالاستحباب والكراهة ، أم لم يكن كالاباحة.

وعليه : (فان كان أمرا ، كان اللازم عند الشك في وجود الغاية ما ذكره :

٢٥٤

من وجوب الاتيان بالفعل تحصيلا لليقين بالبراءة من التكليف المعلوم ، لكن يجب تقييده بما إذا لم يعارضه تكليف آخر محدود بما بعد الغاية ، كما إذا وجب الجلوس في المسجد إلى الزوال ووجب الخروج منه من الزوال إلى الغروب ، فانّ وجوب الاحتياط للتكليف بالجلوس عند الشك في الزوال معارض بوجوب الاحتياط للتكليف بالخروج بعد الزوال.

فلا بد من الرجوع في وجوب الجلوس ـ عند الشك في الزوال ـ إلى أصل آخر غير الاحتياط ، مثل : أصالة عدم الزوال أو عدم الخروج عن عهدة التكليف بالجلوس

______________________________________________________

من وجوب الاتيان بالفعل تحصيلا لليقين بالبراءة من التكليف المعلوم) لأنه من الشك في المكلّف به بعد علمه بالتكليف (لكن يجب تقييده بما إذا لم يعارضه تكليف آخر محدود بما بعد الغاية) حتى يتعارض التكليفان : قبل الغاية وبعد الغاية.

أما مثاله فهو : (كما إذا وجب الجلوس في المسجد إلى الزوال ووجب الخروج منه من الزوال إلى الغروب ، فانّ وجوب الاحتياط للتكليف بالجلوس عند الشك في الزوال معارض بوجوب الاحتياط للتكليف بالخروج بعد الزوال) فلا مجال للاحتياط المستلزم للجلوس ، أو الاحتياط المستلزم لعدم الجلوس.

وعليه : فحيث يتعارض الاحتياطان (فلا بد من الرجوع في وجوب الجلوس ـ عند الشك في الزوال ـ إلى أصل آخر غير الاحتياط ، مثل : أصالة عدم الزوال) وهو أصل موضوعي حيث انه إذا أجرينا أصالة عدم تحقق الزوال يتبعه وجوب الجلوس لتحقق الحكم بتحقق موضوعه.

(أو) مثل أصالة : (عدم الخروج عن عهدة التكليف بالجلوس) وهو أصل

٢٥٥

أو عدم حدوث التكليف بالخروج ، أو غير ذلك.

وإن كان نهيا ، كما إذا حرّم الامساك المحدود بالغاية المذكورة أو الجلوس المذكور ، فان قلنا بتحريم الاشتغال ، كما هو الظاهر ، كان المتيقّن التحريم قبل الشك في وجود الغاية.

وأمّا الحرمة بعده

______________________________________________________

حكمي حيث انه كان مكلّفا بالجلوس ، فإذا خرج قبل علمه باتيانه بالتكليف كاملا ، كان الأصل عدم خروجه عن عهدة التكليف.

(أو) مثل أصالة : (عدم حدوث التكليف بالخروج ، أو غير ذلك) من سائر الاصول الحكمية الاخرى مثل أصالة : عدم انقلاب التكليف وما أشبه.

(وإن كان نهيا) أي : ان كان الحكم التكليفي المتعلق بالفعل المغيّى إلى زمان كذا أو حال كذا ، والذي فرضنا كونه موضوعا واحدا تعلق به حكم واحد نهيا (كما إذا حرم الامساك المحدود بالغاية المذكورة) أي : المستمر إلى الليل مثل : ما إذا كان الصوم حراما في يوم العيد.

(أو الجلوس المذكور) بأن كان الجلوس في المسجد إلى الزوال حراما.

وعليه : (فان قلنا بتحريم الاشتغال) بالامساك أو الجلوس المحرّم (كما هو الظاهر) من النهي ، فانّه إذا قال المولى : لا تصم يوم الفطر ، كان معناه : ان اشتغالك بالصوم حرام ، فانه ليس المحقّق للحرام هو فقط الامساك التام من الفجر إلى الغروب بل الاشتغال بالامساك محقّق للحرام أيضا ، ففي هذه الصورة (كان المتيقّن) هو : (التحريم قبل الشك في وجود الغاية) للامساك أو الجلوس.

إذن : فالامساك ـ مثلا ـ إنّما يحرم في هذه الصورة ما دام لم يشك في وجود الغاية وإنه هل صار المغرب أم لا؟ (وأمّا الحرمة بعده) أي : حرمة الامساك

٢٥٦

فلا يثبت بما ذكر في الأمر ، بل يحتاج إلى الاستصحاب المشهور ، وإلّا فالأصل : الاباحة في صورة الشك ، وإن قلنا : إنّه لا يتحقق الحرام ، ولا استحقاق العقاب إلّا بعد تمام الامساك والجلوس المذكورين ، فيرجع إلى مقتضى أصالة عدم استحقاق العقاب وعدم تحقق المعصية ، ولا دخل له

______________________________________________________

ـ مثلا ـ بعد حدوث الشك في وجود الغاية وانه هل صار المغرب أم لا؟ (فلا يثبت بما ذكر) المحقق الخوانساري (في الأمر) من الاحتياط اعتمادا على دليل الحكم.

وإنّما لا يكون الحكم هنا كما ذكره من الحكم هناك في الأمر ، إذ لا دليل هنا على الحرمة (بل يحتاج) إثبات الحرمة بعد الشك (إلى الاستصحاب المشهور) وهو سحب الحالة السابقة إلى الحالة اللاحقة (وإلّا) بأن لم يكن استصحاب (فالأصل : الاباحة في صورة الشك) إذ لا دليل على الحرمة ، ولا استصحاب حتى تثبت الحرمة.

هذا (وإن قلنا : إنّه لا يتحقق الحرام ، ولا استحقاق العقاب) بصرف الاشتغال (إلّا بعد تمام الامساك والجلوس المذكورين) إلى الغاية ، وهذا المعنى ـ كما هو المعلوم ـ ليس ظاهرا من النهي ، لكن قد يكون مورد قصد المولى ، كما لو أراد الظالم ان يأخذ مالا من عبد المولى إذا كان العبد من الصباح إلى الليل في الدار ، فنهاه المولى عن الكون في الدار بين الحدين ، فان الحرام يتحقق بتمام الكون لا بالشروع في الكون.

وعليه : ففي هذا الفرض إذا شك في وجود الغاية (فيرجع إلى مقتضى أصالة عدم استحقاق العقاب وعدم تحقق المعصية ، ولا دخل له) أي : لهذا الفرض

٢٥٧

بما ذكره في الأمر.

وإن كان تخييرا ، فالأصل فيه وإن اقتضى عدم حدوث حكم ما بعد الغاية للفعل عند الشك فيها ، إلّا أنّه قد يكون حكم ما بعد الغاية تكليفا منجّزا يجب فيه الاحتياط.

كما إذا أباح الأكل إلى طلوع الفجر ، مع تنجّز وجوب الامساك من طلوع الفجر إلى الغروب عليه ، فانّ الظاهر لزوم الكفّ من الأكل عند الشك.

______________________________________________________

(بما ذكره) المحقق الخوانساري (في الأمر) من الاحتياط اعتمادا على دليل الحكم ، وذلك لأن هنا محل استصحاب عدم الاستحقاق أيضا ، وهو الذي ذكره المشهور لا ما ذكره المحقق الخوانساري.

(وإن كان تخييرا) بالمعنى الأعم الشامل للاباحة والكراهة والاستحباب (فالأصل فيه وإن اقتضى عدم حدوث حكم ما بعد الغاية للفعل) المخيّر فيه (عند الشك فيها) أي : في الغاية (إلّا أنّه قد يكون حكم ما بعد الغاية تكليفا منجّزا يجب فيه الاحتياط).

ففي هذه الصورة لا مجال للاستصحاب كما لا مجال للبراءة التي حكم بها المحقق الخوانساري هنا اعتمادا على دليل الحكم ، بل الحكم هنا هو وجوب الاحتياط.

أمّا مثاله فقد أشار إليه بقوله : (كما إذا أباح الأكل إلى طلوع الفجر ، مع تنجّز وجوب الامساك من طلوع الفجر إلى الغروب عليه) الجار والمجرور متعلق بتنجز (فانّ الظاهر) في مثل هذا المثال (لزوم الكفّ من الأكل) وسائر المفطرات (عند الشك) في انه هل طلع الفجر أم لا؟.

وإنّما يجب الاحتياط هنا لا استصحاب جواز الأكل ونحوه ، لأنّ الاحتياط

٢٥٨

هذا كلّه إذا لوحظ الفعل المحكوم عليه بالحكم الاقتضائي أو التخييري أمرا واحدا مستمرا.

وأمّا الثاني ، وهو ما لوحظ فيه الفعل امورا متعدّدة ، كل واحد منها متصف بذلك الحكم غير مربوط بالآخر. فان كان أمرا أو نهيا ، فأصالة الاباحة والبراءة قاضية بعدم الوجوب والحرمة في زمان الشك ،

______________________________________________________

هو طريق العقلاء في أمثال هذه الامور ، كما سبق ذلك في مثال ما إذا لم يعلم هل ان ماله بلغ النصاب في الزكاة أم لا؟ أو هل زاد ماله عن مئونة السنة في الخمس أم لا؟ أو هل انه استطاع مالا ، أو بدنا ، أو طريقا في الحج أم لا؟ إلى غيرها من الأمثلة.

(هذا كلّه إذا لوحظ الفعل المحكوم عليه بالحكم الاقتضائي) وهو الشامل للوجوب والتحريم (أو التخييري) وهو الشامل للأحكام الثلاثة الأخر (أمرا واحدا مستمرا) وهو الكل المجموعي الذي ذكره المصنّف قبل قليل بقوله : الأوّل : أن يلاحظ الفعل إلى زمان كذا موضوعا واحدا تعلق به الحكم الواحد.

(وأمّا الثاني وهو) الكل الافرادي الذي ذكره المصنّف بقوله : الثاني ان يلاحظ الفعل في كل جزء يسعه من الزمان المغيّى موضوعا مستقلا ، يعني : (ما لوحظ فيه الفعل امورا متعدّدة كل واحد منها متصف بذلك الحكم غير مربوط بالآخر) أي : بأن كان هناك إطاعات ومعاصي متعدّدة ، كمن يصوم بعض أيام شهر رمضان ولا يصوم بعضها الآخر.

وعلى هذا الثاني : (فان كان أمرا أو نهيا) ممّا فيه الاقتضاء المانع من النقيض (فأصالة الاباحة والبراءة قاضية بعدم الوجوب والحرمة في زمان الشك) فاذا شك في ان هذا اليوم أيضا محكوم بالحكم الاقتضائي أم لا ، وجوبا أو تحريما ،

٢٥٩

وكذلك أصالة الاباحة في الحكم التخييري إلّا إذا كان الحكم فيما بعد الغاية تكليفا منجّزا يجب الاحتياط فيه.

فعلم ممّا ذكرنا : أنّ ما ذكره من الوجه الأوّل الراجع إلى وجوب تحصيل الامتثال لا يجري إلّا في قليل من الصور المتصوّرة في المسألة.

ومع ذلك فلا يخفى : أنّ إثبات الحكم في زمان الشك ، بقاعدة الاحتياط

______________________________________________________

فهو من الشك في التكليف ، والأصل البراءة في مثل هذا الشك.

(وكذلك) حال (أصالة الاباحة في الحكم التخييري) فان الأصل بالنسبة إلى الفرد المشكوك في انه مستحب أو مكروه أو مباح هو : البراءة.

ثم ان الفرق بين البراءة والاباحة هو : ان الاباحة حكم واقعي بالتخيير ، امّا البراءة فهو حكم ظاهري به.

(إلّا إذا كان الحكم فيما) أي : في الحكم التخييري المباح (بعد الغاية تكليفا منجّزا ، يجب الاحتياط فيه) مثل : كون الصيام في أيام ذي الحجة مستحبا إلى اليوم الأضحى ، حيث يحرم الصوم فيه ، فإذا شك في صيرورته يوم الأضحى أم لا ، فاللازم الاحتياط لما ذكرناه : من انه طريق الطاعة.

إذن : (فعلم ممّا ذكرنا : أنّ ما ذكره) المحقق الخوانساري : (من الوجه الأوّل الراجع إلى وجوب تحصيل الامتثال) قد ورد عليه ما يلي :

أولا : انه (لا يجري إلّا في قليل من الصور المتصوّرة في المسألة) على ما عرفت.

ثانيا : (ومع ذلك) أي : مع ورود الايراد الأوّل عليه ، يرد عليه إيراد ثان وهو ما أشار إليه بقوله : (فلا يخفى : أنّ إثبات الحكم في زمان الشك ، بقاعدة الاحتياط

٢٦٠