الوصائل إلى الرسائل - ج ١٢

آية الله السيد محمد الشيرازي

الوصائل إلى الرسائل - ج ١٢

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة عاشوراء للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7263-12-0
ISBN الدورة:
964-7263-04-X

الصفحات: ٤٠٠

يتمسّك بعموم الدليل لا بالاستصحاب وأمّا مع اليقين بالتخصيص والشك في تحقق المخصص المتيقن ، كما فيما نحن فيه فلا مقتضي للحكم العام حتى يتصوّر نقضه ، لأنّ العام المخصّص لا اقتضاء فيه لثبوت الحكم في مورد الشك في تحقق المخصص ، خصوصا في مثل التخصيص بالغاية.

والحاصل :

______________________________________________________

الاحتمال (يتمسّك بعموم الدليل لا بالاستصحاب) وهذا ليس محل كلامنا.

(وأمّا مع اليقين بالتخصيص والشك في تحقق المخصص المتيقن ، كما فيما نحن فيه) فانا نعلم بوجوب الصيام إلى الغاية ، وانه بعد الغاية لا صوم ، ولكن نشك في انه حصلت الغاية أم لا؟ (فلا مقتضي للحكم العام حتى يتصور نقضه).

وإنّما لا مقتضي (لأنّ العام المخصّص لا اقتضاء فيه لثبوت الحكم في مورد الشك في تحقق المخصص ، خصوصا في مثل التخصيص بالغاية) حيث يرتفع الحكم عما بعد الغاية بالمرّة.

قال الأوثق : ان قلنا بكون العام في الشمول لأفراده من قبيل المقتضي ، والتخصيص من قبيل المانع ، فلا ريب ان التخصيص بالغاية ليس كذلك ، لما عرفت : من ان العموم بحسب الأحوال إنّما هو لأجل دليل الحكمة ، وهو إنّما يجري في موارده مع عدم بيان الشارع لمطلوبية الحكم في بعض الأحوال دون بعض ، فالتخصيص بالغاية من باب رفع المقتضي لا إثبات المانع (١).

(والحاصل) : انه إذا شك في انه هل هناك تخصيص أم لا؟ فالعام يشمله ، والخاص لا يشمله ، فيحكم حسب العام امّا إذا علمنا بالعام ، وعلمنا بالخاص

__________________

(١) ـ أوثق الوسائل : ص ٤٨٩ بيان معنى المقتضي والمانع.

٢٨١

أنّ المقتضي والمانع في باب العام والخاص هو لفظ العام والمخصّص ، فإذا احرز المقتضي وشك في وجود المخصّص يحكم بعدمه عملا بظاهر العام ، وإذا علم بالتخصيص وخروج اللفظ عن ظاهر العموم ، ثم شك في صدق المخصّص على شيء ، فنسبة دليل العموم والتخصيص إليه على السواء من حيث الاقتضاء.

هذا كلّه ، مع أنّ ما ذكره في معنى النقض لا يستقيم في قوله عليه‌السلام في ذيل الصحيحة : «ولكن تنقضه بيقين

______________________________________________________

وشككنا في فرد انه من العام أو من الخاص ، فان نسبة كل من العام والخاص إلى ذلك الفرد على حد سواء.

وعليه : فلا يمكن ان يقال : يشمله العام ولا يشمله الخاص ، كما فعله المحقق الخوانساري حيث قال : (أنّ المقتضي والمانع في باب العام والخاص هو لفظ العام و) هو المقتضي ولفظ (المخصّص) وهو المانع (فإذا احرز المقتضي وشك في وجود المخصّص يحكم بعدمه) أي : بعدم المخصص وذلك (عملا بظاهر العام) ولا استصحاب هنا.

(وإذا علم بالتخصيص وخروج اللفظ عن ظاهر العموم ، ثم شك في صدق المخصّص على شيء ، فنسبة دليل العموم والتخصيص إليه) أي : إلى ذلك الشيء (على السواء من حيث الاقتضاء) العام فلا استصحاب أيضا.

(هذا كلّه ، مع أنّ ما ذكره في معنى النقض) : من انه نقض دليل اليقين بسبب الشك (لا يستقيم في قوله عليه‌السلام في ذيل الصحيحة : «ولكن ينقضه بيقين

٢٨٢

آخر» ، وقوله عليه‌السلام في الصحيحة المتقدّمة الواردة في الشك بين الثلاث والأربع : «ولكن ينقض الشك باليقين» ، بل ولا في صدرها المصرّح بعدم نقض اليقين بالشك ، فانّ المستصحب في موردها إمّا عدم فعل الزائد وإمّا عدم براءة الذمّة من الصلاة ، كما تقدّم ، ومن المعلوم : إنّه ليس في شيء منهما دليل يوجب اليقين لو لا الشك.

قوله في جواب السؤال :

______________________________________________________

آخر» (١) ، وقوله عليه‌السلام في الصحيحة المتقدمة الواردة في الشك بين الثلاث والأربع : «ولكنه ينقض الشك باليقين» (٢) ، بل ولا في صدرها المصرّح بعدم نقض اليقين بالشك).

وإنّما لا يستقيم لأنه كما قال : (فانّ المستصحب في موردها) أي : مورد الصحيحة هو : (إمّا عدم فعل الزائد) وهي الركعة المشكوكة (وإمّا عدم براءة الذمّة من الصلاة) وكل من استصحاب العدمين ليس دليلا ، لأنه أصل العدم والأصل ليس بدليل ، وذلك (كما تقدّم).

وإلى بيان هذا المعنى قال المصنّف : (ومن المعلوم : إنّه ليس في شيء منهما دليل بوجوب اليقين لو لا الشك) فكيف يوقع المحقق المذكور التعارض بين الشك ودليل اليقين؟ وهذا بخلاف ما ذكره المصنّف في معنى النقض من اعتبار وجود المقتضي للحكم ، وكون المراد بنقضه رفع اليد عما يقتضيه من استمرار الحكم.

ومن مواقع التأمل في كلام المحقق الخوانساري (قوله في جواب السؤال :

__________________

(١) ـ تهذيب الاحكام : ج ١ ص ٨ ب ١ ح ١١ ، وسائل الشيعة : ج ١ ص ٢٤٥ ب ١ ح ٦٣١.

(٢) ـ الكافي (فروع) : ج ٣ ص ٣٥١ ح ٣ ، تهذيب الاحكام : ج ٢ ص ١٨٦ ب ٢٣ ح ٤١ ، الاستبصار : ج ١ ص ٣٧٣ ب ٢١٦ ح ٣ ، وسائل الشيعة : ج ٨ ص ٢١٧ ب ١٠ ح ١٠٤٦٢.

٢٨٣

«قلت : فيه تفصيل ، إلى آخر الجواب».

أقول : إنّ النجاسة فيما ذكره من الفرض أعني : موضع الغائط مستمرة وثبت أنّ التمسّح بثلاثة أحجار مزيل لها ، وشك أنّ التمسّح بالحجر الواحد ذي الجهات مزيل أيضا أم لا ، فإذا ثبت وجوب إزالة النجاسة ، والمفروض : الشك في تحقق الازالة بالتمسّح بالحجر الواحد ذي الجهات ، فمقتضى دليله هو : وجوب تحصيل اليقين أو الظنّ المعتبر بالزوال ،

______________________________________________________

«قلت : فيه تفصيل ، إلى آخر الجواب») الذي مرّ في ثاني الأمرين من الاستدلال على حجية الاستصحاب بالمعنى الآخر.

(أقول) : إنّ المحقّق الخوانساري جعل الأصل هو البراءة في صورة الشك في انه هل يكفي الحجر الواحد ذو الجهات الثلاث أو يلزم أحجار ثلاثة؟ فقال بكفاية أحدهما ، وهذا غير تام بعد علمنا بحصول النجاسة وشكنا في انها هل ترتفع بالحجر ذي الجهات الثلاث أم لا؟ فان الأصل هنا هو الاشتغال لا البراءة.

وإنّما يكون الأصل هنا الاشتغال ، لأنه كما قال : (إنّ النجاسة فيما ذكره من الفرض أعني : موضع الغائط) هذه النجاسة (مستمرة) إلى ان يثبت المزيل (و) قد (ثبت أنّ التمسّح بثلاثة أحجار مزيل لها ، وشك أنّ التمسّح بالحجر الواحد ذي الجهات مزيل أيضا أم لا) أي : غير مزيل فتستصحب النجاسة لليقين السابق بالنجاسة والشك اللاحق في زوالها ، فيكون موردا للاحتياط.

وعليه : (فإذا ثبت وجوب إزالة النجاسة ، والمفروض : الشك في تحقق الازالة بالتمسّح بالحجر الواحد ذي الجهات ، فمقتضى دليله) أي : دليل وجوب الازالة (هو : وجوب تحصيل اليقين) أي : القطع الذي هو صفة نفسية (أو الظنّ المعتبر) بسبب خبر الواحد أو ما أشبه ذلك (بالزوال) أي : بزوال النجاسة.

٢٨٤

وفي مثل هذا المقام لا يجري أصالة البراءة ولا أدلّتها ، لعدم وجود القدر المتيقن في المأمور به ، وهي الازالة وإن كان ما يتحقق به مردّدا بين الأقل والأكثر ، لكن هذا الترديد ليس في نفس المأمور به ، كما لا يخفى.

نعم ، لو فرض أنّه لم يثبت الأمر بنفس الازالة ، وإنّما ثبت بالتمسّح بثلاثة أحجار أو بالأعمّ منه ومن التمسّح بذي الجهات ، أمكن بل لم يبعد إجراء أصالة البراءة عمّا عدا الأعمّ.

______________________________________________________

(و) عليه : فان (في مثل هذا المقام) المحتاج إلى الدليل على الزوال (لا يجري أصالة البراءة ولا أدلّتها) وقوله : «ولا أدلتها» ، عطف بيان إذ المعنى : ان دليل البراءة لا يجري فلا تجري البراءة.

وإنّما لا تجري البراءة ، لان الشك في المكلّف به لا في التكليف ، حيث ان الشارع يريد الطهارة ، ولا نعلم بحصول الطهارة بدون ثلاثة أحجار ، لا أن الشارع يريد المسح ونشك بين الأقل والأكثر حتى يكون الأصل كفاية الأقل ، وجريان البراءة عن الأكثر.

وعليه : ففي مثل المقام لا يجري البراءة (لعدم وجود القدر المتيقن في المأمور به ، وهي) أي : المأمور به هنا : (الازالة وإن كان ما يتحقق به) المأمور به ـ والضمير في : به عائد إلى : ما ، ومصداقه الحجر ـ (مردّدا بين الأقل والأكثر ، لكن هذا الترديد ليس في نفس المأمور به) الذي هو الازالة (كما لا يخفى) بل الترديد في محصّل المأمور به كما مثّلنا.

(نعم ، لو فرض أنّه لم يثبت الأمر بنفس الازالة ، وإنّما ثبت بالتمسّح بثلاثة أحجار أو بالأعم منه) أي : من الأحجار الثلاثة (ومن التمسّح بذي الجهات) الثلاث (أمكن بل لم يبعد إجراء أصالة البراءة عمّا عدا الأعمّ) لأن الأعم لازم

٢٨٥

والحاصل : أنّه فرق بين الأمر بازالة النجاسة من الثوب المردّدة بين غسله مرّة أو مرّتين وبين الأمر بنفس الغسل المردّد بين المرّة والمرّتين.

والذي يعيّن كون مسألة التمسّح من قبيل الأوّل دون الثاني هو ما أستفيد من أدلّة وجوب إزالة النجاسة للصلاة ، مثل قوله : (وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ) وقوله عليه‌السلام في صحيحة زرارة : «لا صلاة إلّا بطهور» ،

______________________________________________________

مطلقا ، والزائد مشكوك فيه ، فالأصل عدمه ، لكن هذا الامكان غير تام في المقام لما عرفت.

(والحاصل : أنّه فرق بين الأمر بازالة النجاسة من الثوب المردّدة) تلك الإزالة (بين غسله مرّة أو مرّتين) حيث يلزم فيه الاحتياط ، إذ لم يعلم حصول الازالة بالغسل مرّة.

(وبين الأمر بنفس الغسل المردّد) ذلك الغسل (بين المرّة والمرّتين) حيث يجري فيه البراءة ، لأن الشك حينئذ في التكليف الزائد وهو مجرى البراءة.

(والذي يعيّن كون مسألة التمسّح من قبيل الأوّل) الذي هو الأمر بازالة النجاسة فيجب فيه الاحتياط (دون الثاني) الذي هو الأمر بنفس الغسل فيكون مجرى البراءة (هو : ما استفيد من أدلّة وجوب إزالة النجاسة للصلاة ، مثل قوله : (وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ) (١) وقوله عليه‌السلام في صحيحة زرارة : «لا صلاة إلّا بطهور» (٢)) فان هذه الأدلة ظاهرة في ان مطلوب الشارع هو الطهارة ، وحيث لا نعلم ان هذا

__________________

(١) ـ سورة المدثر : الآية ٤.

(٢) ـ الامالي للصدوق : ص ٦٤٥ ، مفتاح الفلاح : ص ٢٠٢ ، من لا يحضره الفقيه : ج ١ ص ٣٣ ح ٦٧ وص ٥٨ ح ١٢٩ ، تهذيب الاحكام : ج ١ ص ٤٩ ب ٣ ح ٨٣ وص ٢٠٩ ب ٩ ح ٨ وج ٢ ص ١٤٠ ب ٢٣ ح ٣ و ٤ ، الاستبصار : ج ١ ص ٥٥ ب ٣١ ح ١٥ و ١٦ ، غوالي اللئالي : ج ٣ ص ٨ ح ١ ، وسائل الشيعة : ج ١ ص ٣١٥ ب ٩ ح ٨٢٩.

٢٨٦

بناء على شمول الطهور ـ ولو بقرينة ذيله الدالّ على كفاية الأحجار من الاستنجاء ـ للطهارة الخبثيّة ـ ومثل الاجماعات المنقولة على وجوب إزالة النجاسة عن الثوب والبدن للصلاة.

وهذا المعنى وإن لم يدلّ عليه دليل صحيح السند والدلالة على وجه يرتضيه المحقق المذكور ، بل ظاهر أكثر الأخبار الأمر بنفس الغسل ،

______________________________________________________

المطلوب يحصل بالحجر ذي الجهات ، فاللازم ان نأتي بما نقطع معه بحصول مطلوب الشارع.

وإنّما يستفاد من أدلة وجوب إزالة النجاسة للصلاة تعيين كون مسألة التمسّح من قبيل الأوّل (بناء على شمول الطهور ـ ولو بقرينة ذيله الدالّ على كفاية الأحجار من الاستنجاء ـ للطهارة الخبثيّة ـ) أيضا ، لا بناء على انّ «لا صلاة إلّا بطهور» خاص بالطهارة الحدثية حتى لا يكون له ربط بالمقام.

(و) كذا يستفاد التعيين من (مثل الاجماعات المنقولة على وجوب إزالة النجاسة عن الثوب والبدن للصلاة) فيكون المكلّف به هو : الازالة والتطهير لا الغسل المحقق لهما.

(وهذا المعنى) وهو : كون المأمور به نفس الازالة ونفس التطهير وهو مورد الاحتياط لا ما يتحقق به الازالة أو يحقق التطهير حتى يكون موردا للشك في التكليف المردّد بين الأقل والأكثر ، فان هذا المعنى (وإن لم يدلّ عليه دليل صحيح السند والدلالة) بأن يكون حجة من حيث السند ، ومن حيث الدلالة (على وجه يرتضيه المحقق المذكور) الخوانساري (بل ظاهر أكثر الأخبار الأمر بنفس الغسل) فيكون الشك فيه بين الأقل والأكثر وهو مجرى البراءة لا الاشتغال.

٢٨٧

إلّا أنّ الانصاف وجود الدليل على وجوب نفس الازالة ، وأنّ الأمر بالغسل في الأخبار ليس لاعتباره بنفسه في الصلاة ، وإنّما هو أمر مقدّمي لازالة النجاسة ، مع أنّ كلام المحقق المذكور لا يختصّ بالمثال الذي ذكره حتى يناقش فيه.

وبما ذكرنا يظهر ما في قوله في جواب الاعتراض الثاني : بأنّ مسألة الاستنجاء من قبيل ما نحن فيه ما لفظه : «غاية ما أجمعوا عليه أنّ التغوّط

______________________________________________________

(إلّا أنّ الانصاف وجود الدليل على وجوب نفس الازالة) والطهارة (وأنّ الأمر بالغسل في الأخبار ليس لاعتباره بنفسه في الصلاة ، وإنّما هو أمر مقدّمي لازالة النجاسة) والتحقيق الطهارة.

هذا (مع أنّ كلام المحقق المذكور) الخوانساري (لا يختصّ بالمثال الذي ذكره حتى يناقش فيه) أي : في المثال ، بل ان كلامه في كليّ ما كان من هذا القبيل وانه هل يجري فيه الاستصحاب أم لا ، لا في خصوص النجاسة والأحجار أو الحجر الواحد حتى يناقش في مثاله بانه يجب فيه التمسّح لا الازالة والطهارة.

(وبما ذكرنا) من ان الأمر في مسألة الاستنجاء متعلق بازالة النجاسة وبالطهارة ، لا بالغسل المردّد بين المرة والمرتين ، ولا بالمسحات الثلاث المردّدة بين المسح بثلاثة أحجار ، أو حجر ذي شعب ثلاث ، فالمسألة على ذلك من الاشتغال لا من البراءة (يظهر ما في قوله) أي : قول المحقق الخوانساري (في جواب الاعتراض الثاني : بأنّ مسألة الاستنجاء من قبيل ما نحن فيه) أي : ممّا يجري فيه البراءة لا الاشتغال (ما لفظه) كالتالي :

(«غاية ما أجمعوا عليه) هو العقد السلبي ، لا الايجابي ، أي : (أنّ التغوّط

٢٨٨

متى حصل ، لا يصح الصلاة بدون الماء والتمسّح رأسا ، لا بالثلاث ولا بشعب الحجر الواحد.

وهذا لا يستلزم الاجماع على ثبوت النجاسة حتى يحصل شيء معيّن في الواقع مجهول عندنا قد اعتبره الشارع مطهّرا ، إلى آخره».

ويظهر ما في قوله جوابا عن الاعتراض الأخير : «أنّه لم يثبت الاجماع على وجوب شيء معيّن بحيث لو لم يأت بذلك الشيء لاستحقّ العقاب ، إلى آخره».

وما في كلامه المحكي في حاشية شرحه على قول الشهيد قدس‌سره : «ويحرم استعمال الماء النجس والمشتبه

______________________________________________________

متى حصل ، لا يصح الصلاة بدون الماء والتمسّح رأسا لا بالثلاث ولا بشعب الحجر الواحد) فانه بدون شيء من هذه الامور لا تصح الصلاة (وهذا لا يستلزم الاجماع على ثبوت النجاسة حتى يحصل شيء معيّن في الواقع مجهول عندنا قد اعتبره الشارع مطهّرا ، إلى آخره» (١)) حتى يكون المورد من قاعدة الاشتغال ، لا قاعدة البراءة.

(ويظهر) بما ذكرنا أيضا (ما في قوله جوابا عن الاعتراض الأخير) حيث قال : («أنّه لم يثبت الاجماع على وجوب شيء معيّن بحيث لو لم يأت بذلك الشيء لاستحقّ العقاب ، إلى آخره») فانه إذا لم يثبت ذلك جرى فيه البراءة عن الزائد على القدر المتيقن.

(و) كذا يظهر ، بما ذكرنا أيضا (ما في كلامه المحكي في حاشية شرحه على قول الشهيد قدس‌سره : «ويحرم استعمال الماء النجس والمشتبه) حيث قال هناك :

__________________

(١) ـ مشارق الشموس في شرح الدروس : ص ٧٦.

٢٨٩

إلى آخره».

وأنت إذا أحطت خبرا بما ذكرنا في أدلّة الأقوال ، علمت أنّ الأقوى منها : القول التاسع ، وبعده القول المشهور ، والله العالم بحقائق الامور.

______________________________________________________

وتوضيح الكلام : ان الاستصحاب لا دليل على حجيته (إلى آخره»).

والحاصل : ان الاجماع قد ثبت على وجوب إزالة النجاسة للصلاة ، كما ثبت على وجوب التطهير لها ، فيلزم الأحجار الثلاثة تحصيلا لليقين بالازالة التي هي شرط صحة الصلاة.

هذا (وأنت إذا أحطت خبرا بما ذكرنا في أدلّة الأقوال ، علمت أنّ الأقوى منها : القول التاسع) القائل بالتفصيل بين الشك في المقتضي والشك في الرافع ، وذلك بعدم حجية الاستصحاب في الأوّل وحجيّة في الثاني.

(وبعده) أي : بعد القول التاسع قوة هو : (القول المشهور) القائل بحجية الاستصحاب مطلقا.

امّا القائلين بنفي حجية الاستصحاب مطلقا ، وكذا سائر المفصلين ، فأدلتهم غير تامة (والله العالم بحقائق الامور).

ثم أنّه قد عرفت : إنّ مختارنا (١) هو : القول المشهور ، لأنه هو المستفاد من الأدلة ، وهو يقتضي حجية الاستصحاب مطلقا ، سواء كان الشك في المقتضي أم في المانع ، وسواء كان من الامور الخارجية أم من الأحكام الكلية أم من الأحكام الجزئية؟.

__________________

(١) ـ أي مختار السيد الشارح «دام ظلّه».

٢٩٠

وينبغي التنبيه على امور :

وهي بين ما يتعلّق بالمتيقن السابق ، وما يتعلّق بدليله الدالّ عليه ، وما يتعلّق بالشك اللاحق في بقائه.

الأوّل :

أنّ المتيقن السابق إذا كان كلّيا في ضمن فرده وشك في بقائه ،

______________________________________________________

هذا (وينبغي التنبيه على امور) تبلغ اثنى عشر أمرا (وهي بين ما يتعلّق بالمتيقن السابق) فانه قد يكون المتيقن السابق حكما كليا ، وقد يكون حكما جزئيا ، وما أشبه ذلك.

(وما يتعلّق بدليله الدالّ عليه) أي : على المتيقن فانه قد يكون الدليل الدال على المتيقن في الزمان السابق مطلقا يشمل كل الأزمنة ، أو مهملا ، أو مجملا.

(وما يتعلّق بالشك اللاحق في بقائه) أي : في بقاء ذلك المتيقن فانه قد يكون الشك في البقاء والانتفاء مساوي الطرفين ، وقد يكون راجح البقاء ، أو راجح الانتفاء.

أما الأمر (الأوّل) من تلك الامور الاثني عشر فهو : (أنّ المتيقن السابق) قد يكون جزئيا كحياة زيد ، حيث نستصحبه لايجاب النفقة على زوجته ، أو تحريم تقسيم أمواله ، أو ما أشبه ذلك ، وقد يكون كليا مثل : حدوث الحدث المترتب عليه حرمة الدخول في الصلاة من غير فرق بين افراد الحدث ، فان مطلق الحدث الكلي محكوم بهذا الحكم.

وعليه : فالمتيقّن (إذا كان كلّيا في ضمن فرده وشك في بقائه) أي : بقاء ذلك الكلي ، فهو على ثلاثة أقسام :

٢٩١

فأمّا أن يكون الشك من جهة الشك في بقاء ذلك الفرد ، وإمّا أن يكون من جهة الشك في تعيين ذلك الفرد وتردّده بين ما هو باق جزما ، وبين ما هو مرتفع جزما ، وإمّا أن يكون من جهة الشك في وجود فرد آخر مع الجزم بارتفاع ذلك الفرد.

أمّا الأوّل : فلا إشكال في جواز استصحاب الكلّي ، ونفس الفرد وترتيب أحكام كلّ منهما عليه.

______________________________________________________

القسم الأوّل : (فامّا أن يكون الشك) في بقاء الكلي المستند إلى الفرد المعيّن (من جهة الشك في بقاء ذلك الفرد) بحيث لو علمنا ارتفاع ذلك الفرد علمنا بارتفاع الكلي ، كما إذا علمنا بحدوث الجنابة ، وشككنا في بقاء الحدث للشك في بقاء الجنابة ، فان الحدث كلي والجنابة فرد منه.

القسم الثاني : (وإمّا أن يكون من جهة الشك في تعيين ذلك الفرد وتردّده) أي : تردّد ذلك الفرد (بين ما هو باق جزما ، وبين ما هو مرتفع جزما) كما إذا علم بالنكاح وشك في انه هل كان متعة لمدة شهر ، أو عقد دوام ، فان كان الأوّل : فقد ارتفع جزما حيث انقضى الشهر ، وان كان الثاني : فهو باق جزما؟.

القسم الثالث : (وإمّا أن يكون من جهة الشك في وجود فرد آخر مع الجزم بارتفاع ذلك الفرد) الأوّل ، كما إذا قال المولى : ابق في الدار ما دام فيها إنسان ، فدخل زيد وقد خرج قطعا ، لكن العبد يشك في انّ بعد خروج زيد هل دخل عمرو حتى يجب عليه البقاء في الدار ، وانه لم يدخل حتى ينصرف ، فهو شك في وجود فرد آخر من الكلي مع الجزم بارتفاع ذلك الفرد السابق.

(أمّا الأوّل : فلا إشكال في جواز استصحاب الكلّي ، ونفس الفرد ، وترتيب أحكام كلّ منهما عليه) أي : على كل منهما ، ففي المثال الذي ذكرناه يجوز

٢٩٢

وأمّا الثاني : فالظاهر جواز الاستصحاب في الكلّي مطلقا على المشهور.

نعم ، لا يتعيّن بذلك أحكام الفرد الباقي ، سواء كان الشك من جهة الرافع ، كما إذا علم بحدوث البول أو المني ولم يعلم الحالة السابقة

______________________________________________________

استصحاب الجنابة ، لاثبات وجوب الغسل ، وحرمة المكث في المسجد ، وما أشبه ذلك من الأحكام الثابتة لنفس الجنابة بما هي جنابة ، كما يجوز استصحاب الحدث الجامع بين الجنابة وغيرها ، لاثبات حرمة الصلاة ، ومس كتابة القرآن ، وما أشبه ذلك ، لأن هذه الآثار آثار مطلق الحدث ، سواء كانت جنابة ، أم غيرها.

(وأمّا الثاني : فالظاهر جواز الاستصحاب في الكلّي مطلقا) سواء في الرافع كان الشك ، أم في المقتضي ، وذلك (على المشهور) فان المشهور لا يفرّقون في جريان الاستصحاب بين الشك في المقتضي والشك في الرافع ، فيستصحبون بقاء الزوجية في المثال الذي ذكرناه.

(نعم ، لا يتعيّن بذلك أحكام الفرد الباقي) الذي هو الدوام في المثال ، فيجوز للزوج في المثال الزواج بالخامسة ، كما لا يجب عليه النفقة لها ، وذلك لأن حرمة الزواج بالخامسة إنّما هو فيما إذا كان العقد الأوّل دواما حتى تتم له أربع زوجات ، والمفروض انه مشكوك كون العقد الأوّل دواما ، كما ان النفقة تجب للدائمة وهي مشكوكة.

وكيف كان : فالاستصحاب في القسم الثاني من الكلي يجري مطلقا (سواء كان الشك من جهة الرافع) مع علمه باقتضاء المقتضي للدوام وذلك (كما إذا علم) إجمالا (بحدوث البول أو المني ولم يعلم الحالة السابقة).

وإنّما قيّده بكونه لم يعلم الحالة السابقة ، لأنه لو كان عالما بالحالة السابقة ، كان علمه الاجمالي بلا أثر فيما إذا كانت الحالة السابقة الجنابة أو الحدث الأصغر.

٢٩٣

في الجمع بين الطهارتين ، فإذا فعل إحداهما وشك في رفع الحدث ، فالأصل بقاؤه وإن كان الأصل عدم تحقق الجنابة ، فيجوز له ما يحرم على الجنب ،

______________________________________________________

مثلا : لو كان عالما بسبق الحدث الأصغر ، وجب عليه الوضوء فقط ، لأن هذا الخارج على فرض كونه حدثا أصغر ، لا أثر له واحتمال كونه منيا يدفع بالأصل ، فيكون كما إذا كان هناك إناءان أحدهما نجس فوقعت قطرة دم في أحدهما ، حيث ان هذا العلم الاجمالي لا أثر له ، لأنه يشك في توجه تكليف جديد عليه.

وكذا لو كان عالما بسبق الحدث الأكبر وجب عليه الغسل فقط ، لأن هذا الخارج لا أثر له بولا كان أو منيا على ما عرفت وجهه.

نعم ، إذا لم يكن عالما بحالته السابقة إطلاقا ، أو كان عالما بتبادل الحالتين عليه ، فانه (في) هذه الصورة يجب عليه (الجمع بين الطهارتين) وذلك من جهة علمه الاجمالي ، لأن استصحاب الحدث يثبت حرمة ما يحرم على المحدث ، فيحكم العقل بلزوم جمعه بين الطهارتين ، حتى يحرز حلّية تلك الامور.

هذا ، ولا يخفى : انه لو كان عالما بسبق الطهارة ، ثم خرج منه شيء لم يعلم انه بول أو مني ، كان الحكم كذلك يعني : وجوب الجمع بين الطهارتين.

وعليه : (فإذا فعل إحداهما) أي : إحدى الطهارتين (وشك في رفع الحدث ، فالأصل بقاؤه) أي : بقاء الحدث الكلي حتى يأتي بالطهارة الثانية أيضا.

هذا بالنسبة إلى الأثر المشترك بين البول والجنابة ، واما الأثر المختص بالجنابة ـ مثلا ـ فلا يترتب باستصحاب كلي الحدث كما قال : (وإن كان الأصل عدم تحقق الجنابة ، فيجوز له ما يحرم على الجنب) من الأحكام المختصة به.

إذن : فوجوب الجمع بين الطهارتين ، إنّما هو للآثار المشتركة بين البول

٢٩٤

أم كان الشك من جهة المقتضي ، كما لو تردّد من في الدار بين كونه حيوانا لا يعيش إلّا سنة ، وكونه حيوانا يعيش مائة سنة ، فيجوز بعد السنة الاولى استصحاب الكلّي المشترك بين الحيوانين ويترتّب عليه آثاره الشرعية الثابتة ،

______________________________________________________

والجنابة ، واما الآثار المختصة بالجنابة فتنفى بأصالة عدم الجنابة ، لوضوح : ان هناك آثارا مشتركة بين الحدث الأصغر والأكبر مثل : حرمة الصلاة ، وحرمة مس كتابة القرآن ، وآثارا مختصة بالجنابة فقط مثل : حرمة المكث في المسجد ، ووضع شيء فيه ، واستصحاب كلي الحدث إنّما يثبت الآثار المشتركة ، لا الآثار الخاصة.

وعلى أي حال : فالشك فيما نحن فيه شك في الرافع ، لأن الحدث سواء كان حدثا أكبر أم أصغر فانه إذا ثبت دام إلّا برافع.

إذن : فالاستصحاب يجري في القسم الثاني من الكلي سواء كان الشك من جهة الرافع وقد عرفت مثاله (أم كان الشك من جهة المقتضي) بان لم يعلم هل المقتضي طويل أو قصير؟.

(كما لو تردّد من في الدار بين كونه حيوانا لا يعيش إلّا سنة) كالعصفور ـ مثلا ـ (وكونه حيوانا يعيش مائة سنة) كالغراب ـ مثلا ـ (فيجوز بعد السنة الاولى استصحاب الكلّي) أي : كلي الحيوان (المشترك بين الحيوانين) العصفور والغراب في المثال (ويترتّب عليه آثاره الشرعية الثابتة) للكلي.

مثلا : إذا قال المولى لعبده : ابق في حديقة الحيوانات ما دام فيها حيوان ، فانه بعد انقضاء السنة يلزم على العبد البقاء أيضا ، لعلمه بأن الحيوان قد وجده ، وشكه في فقده بعد السنة ، لاحتمال ان يكون الحيوان الذي وجد في الحديقة كان غرابا

٢٩٥

دون آثار شيء من الخصوصيتين ، بل يحكم بعدم كل منهما لو لم يكن مانع عن إجراء الأصلين ،

______________________________________________________

فهو باق ، وهذا من الشك في المقتضي.

وعليه : فيترتب على الكلي المستصحب آثاره المشتركة (دون آثار شيء من الخصوصيتين) فلا يثبت بالاستصحاب كونه عصفورا ، ولا كونه غرابا كما لا يثبت به شيء من الآثار الخاصة بكل منهما فإذا كان للعصفور حكم خاص بأن يشتري له كل يوم بعض الحبوب ، وللغراب حكم خاص بان يشتري له كل يوم بعض اللحوم ، لم يجب شيء منهما وإنّما يجب ان لا يقطع مطلق الأكل والشرب عنه.

إذن : فلا يترتب شيء من الآثار الخاصة بكل منهما (بل يحكم بعدم كل منهما لو لم يكن مانع عن إجراء الأصلين) امّا إذا تعارض الأصلان فلا يجوز له عدم ترتيب الأثرين ، لأن العلم الاجمالي قاض باتيانه الأثر الذي هو مترتب عليهما.

مثلا : إذا نذر بان يصلي كل يوم ركعتين إذا كان في الحديقة عصفور ، ونذر نذرا ثانيا بان يصلي كل يوم ركعتين ، إذا كان في الحديقة غراب ، فانه بعد السنة يجب عليه الاتيان بالركعتين كل يوم ، لأنه يعلم بوجوب هذا النذر عليه على كل حال.

بخلاف ما لو صدر النذران من نفرين ، كما لو نذر زيد بان يصلي كل يوم ركعتين إذا كان في الحديقة عصفور ، ونذر عمرو بان يصلي كل يوم ركعتين إذا كان في الحديقة غراب ، فانه بعد السنة لا يجب عليهما شيء ، لأن كلا منهما يشك في وجوب الصلاة عليه ، فينفيه بأصل العدم ، كما هو الحال في واجدي المني في الثوب المشترك.

٢٩٦

كما في الشبهة المحصورة.

وتوهّم : «عدم جريان الأصل في القدر المشترك من حيث دورانه بين ما هو مقطوع الانتفاء وما هو مشكوك الحدوث ، وهو محكوم بالانتفاء بحكم الأصل» ، مدفوع ،

______________________________________________________

ولذا قال المصنّف : (كما في الشبهة المحصورة) فان في الشبهة المحصورة بالنسبة إلى الشخص الواحد يوجد مانع عن إجراء الأصلين وهو : لزوم المخالفة العملية ، بخلاف الشخصين حيث يجري كل واحد منهما الأصل بالنسبة إلى نفسه دون ان يكون معارضا بأصل صديقه.

(و) ربّما يتوهم : انه لا يصح استصحاب الكلي المردّد بين القصير والطويل كالعصفور والغراب ، وذلك لأن الكلي المتيقن وجوبه في السابق ، كان مردّدا بين فردين كلاهما محكوم بالعدم ، فانّ العصفور منتف بعد السنة بالقطع ، والغراب منتف بالأصل لأنه لا يعلم هل وجد في الحديقة غراب أم لا؟ فالأصل عدمه ، ومعه كيف يجوز استصحاب الكلي؟.

وإلى هذا أشار المصنّف بقوله : و (توهّم «عدم جريان الأصل في القدر المشترك) وهو هنا : كلي الحيوان ، وذلك (من حيث دورانه بين ما هو مقطوع الانتفاء) وهو الفرد القصير فانه منتف بالقطع (وما هو مشكوك الحدوث ، وهو) الفرد الطويل فان الفرد الطويل (محكوم بالانتفاء بحكم الأصل») لأنه لا يعلم هل وجد الغراب في الحديقة أم لا؟ فالأصل عدمه.

وعليه : فإنّ هذا التوهم (مدفوع) وذلك لأن ما ذكره المتوهم إنّما يمنع من استصحاب نفس الفردين : من العصفور والغراب ، لا الكلي ، لوضوح : ان الكلي وهو الحيوان بما هو حيوان يقيني الحصول في السابق مشكوك البقاء في اللاحق ،

٢٩٧

بأنّه لا يقدح ذلك في استصحابه بعد فرض الشك في بقائه وارتفاعه ، كاندفاع توهّم كون الشك في بقائه مسبّبا عن الشك في حدوث ذلك المشكوك الحدوث ، فإذا حكم بأصالة عدم حدوثه لزمه ارتفاع القدر المشترك ، لأنّه من آثاره

______________________________________________________

فأركان الاستصحاب تامة بالنسبة إليه ، فيجري الاستصحاب فيه.

ولذا قال المصنّف في دفعه : (بأنّه لا يقدح ذلك) أي : ارتفاع فرد قطعا ، وعدم القطع بوجود فرد آخر (في استصحابه) أي : استصحاب الكلي (بعد فرض) تمامية أركان الاستصحاب وهو : (الشك في بقائه) أي : بقاء الكلي (وارتفاعه) بعد إحرازه فيصدق عليه حينئذ : «لا تنقض اليقين بالشك».

وعليه : فهذا التوهم مندفع (كاندفاع توهّم) عدم جريان الاستصحاب الكلي فيما نحن فيه ، بسبب ان الحيوان ، وهو الكلي الذي نريد استصحابه يدور بقائه وارتفاعه مدار حدوث الغراب ، وعدمه ، وحيث كان الأصل عدم حدوث الغراب فيترتب عليه ارتفاع الحيوان ، فلا كلي حتى يستصحب بقائه.

وإنّما يتوهم عدم جريان استصحاب الكلي فيما نحن فيه ، لأن (كون الشك في بقائه) أي : بقاء الكلي (مسبّبا عن الشك في حدوث ذلك المشكوك الحدوث) وهو الفرد الطويل كالغراب في المثال (فإذا حكم بأصالة عدم حدوثه) لأن حدوث الغراب مشكوك ، فالأصل عدمه (لزمه ارتفاع القدر المشترك) وهو الكلي (لأنّه) أي : القدر المشترك (من آثاره) أي : من آثار الفرد الطويل.

والجواب : ان الشك في البقاء ليس مسبّبا عن ذلك ، بل عن احتمال حدوث العصفور ، والقول : بانه لم يحدث الغراب فحدث العصفور والعصفور مرتفع ، غير صحيح ، لأن إثبات حدوث العصفور بأصل عدم حدوث الغراب مثبت.

٢٩٨

فانّ ارتفاع القدر المشترك من لوازم كون الحادث ذلك الأمر المقطوع الارتفاع ، لا من لوازم عدم حدوث الأمر الآخر.

نعم ، اللازم من عدم حدوثه هو عدم وجود ما هو في ضمنه من القدر المشترك في الزمان الثاني ، لا ارتفاع القدر المشترك بين الأمرين ، وبينهما فرق واضح ،

______________________________________________________

وعليه : (فانّ ارتفاع القدر المشترك) أي : عدم كلي الحيوان المشترك بين الغراب والعصفور إنّما هو (من لوازم كون الحادث ذلك الأمر المقطوع الارتفاع) وهو العصفور (لا من لوازم عدم حدوث الأمر الآخر) وهو الغراب.

إذن : فاحتمال ارتفاع الكلي ، مسبّب عن احتمال حدوث العصفور ، لا عن احتمال عدم حدوث الغراب حتى ينتج أصالة عدم حدوث الغراب ارتفاع الحيوان.

(نعم ، اللازم من عدم حدوثه) أي : عدم حدوث الأمر الآخر يعني الغراب ـ مثلا ـ (هو عدم وجود ما هو في ضمنه) أي : ضمن الغراب (من القدر المشترك) من الحيوانية فانه إذا لم يكن الغراب قد وجد ، كان معناه : ان الحيوان الذي هو في ضمن الغراب لم يوجد (في الزمان الثاني ، لا) ان اللازم من عدم حدوثه : (ارتفاع القدر المشترك) أي : ارتفاع كلي الحيوان (بين الأمرين) العصفور والغراب.

هذا (وبينهما فرق واضح) إذ قد يقال : ان كلي الحيوان الذي هو في ضمن الغراب لم يوجد ، وقد يقال : ان كلي الحيوان الأعم من الغراب والعصفور لم يوجد ، وهكذا يقال في الأحكام الشرعية : فان عدم وجود الحدث في ضمن الجنابة يرفع الأثر الخاص مثل حرمة مكث المحدث في المسجد ، وامّا عدم وجود كلي الحدث الأعم من الجنابة والوضوء ، فهو يرفع الأثر المشترك مثل :

٢٩٩

ولذا ذكرنا : أنّه تترتّب عليه أحكام عدم وجود الجنابة في المثال المتقدّم.

ويظهر من المحقق القمي رحمه‌الله في القوانين مع قوله بحجّية الاستصحاب على الاطلاق ، عدم جواز إجراء الاستصحاب في هذا القسم.

ولم أتحقق وجهه ،

______________________________________________________

حرمة مسّ كتابة القرآن وما أشبه ذلك.

(ولذا) أي : لأجل ما ذكر : من ان المترتب على أصالة عدم حدوث الفرد الطويل ، هو : عدم حدوث القدر المشترك من الكلي في ضمن هذا الفرد الطويل ، وعدم ترتيب الآثار المختصة بالفرد الطويل ، لا عدم وجود أصل الكلي الأعم من الفرد الطويل أو القصير ، فانه لأجل ذلك (ذكرنا : أنّه) قد (تترتّب عليه) أي :

على أصالة عدم حدوث الفرد الطويل (أحكام عدم وجود الجنابة في المثال المتقدّم).

وعليه : فأصالة عدم حدوث الجنابة يترتب عليه عدم حرمة المكث في المسجد لا عدم حرمة مس كتابة القرآن ، فان حرمة مس كتابة القرآن مترتبة على كلي الحدث الجامع بين الجنابة والبول.

(ويظهر من المحقق القمي رحمه‌الله في القوانين مع قوله بحجّية الاستصحاب على الاطلاق) أي : سواء كان من الشك في المقتضي ، أم من الشك في الرافع (عدم جواز إجراء الاستصحاب في هذا القسم) من الكلي ، فيما إذا شك في بقاء الكلي من جهة تردده بين الفرد الطويل والفرد القصير كالعصفور والغراب.

هذا (ولم أتحقق وجهه) أي : وجه منع المحقق القمي عن جريان الاستصحاب هنا إلّا لكونه من الشك في المقتضي ، والمحقق القمي يرى : جريان الاستصحاب في الشك في المقتضي.

٣٠٠