الوصائل إلى الرسائل - ج ١٢

آية الله السيد محمد الشيرازي

الوصائل إلى الرسائل - ج ١٢

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة عاشوراء للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7263-12-0
ISBN الدورة:
964-7263-04-X

الصفحات: ٤٠٠

وأمّا القول الخامس

وهو : التفصيل بين الحكم الشرعي الكلّي ، وبين غيره ، فلا يعتبر في الأوّل ، فهو المصرّح به في كلام المحدّث الاسترابادي ، لكنّه صرّح باستثناء استصحاب عدم النسخ مدّعيا للاجماع ، بل للضرورة على اعتباره.

قال في محكيّ فوائده المكّية ـ بعد ذكر أخبار الاستصحاب ـ ما لفظه :

______________________________________________________

لكن هذا الاستصحاب إنّما يتم بالمسامحة العرفية ، إذ موضوع جواز الدخول في الفريضة وان كانت هي المرأة بوصف الخلوّ من الحيض ، إلّا ان أهل العرف يزعمون ثبوت هذا الحكم بشخص المرأة من حيث هي ، ويتخيّلون تبدّل حالة الخلوّ من الحيض إلى حالة الحيض من قبيل تبدل حالات الموضوع ، لا من قبيل تغيّر نفس الموضوع.

(وأمّا القول الخامس) في الاستصحاب (وهو : التفصيل بين الحكم الشرعي الكلّي ، وبين غيره) من الامور الجزئية (فلا يعتبر في الأوّل) وإنّما يعتبر في الثاني (فهو المصرّح به في كلام المحدّث الاسترابادي ، لكنّه صرّح باستثناء استصحاب عدم النسخ) مع انه حكم كلي.

وعليه : فنظر المحدث الاسترابادي هو : ان الحكم الشرعي لا استصحاب فيه إلّا ما كان من قبيل استصحاب عدم النسخ (مدّعيا للاجماع ، بل للضرورة على اعتباره) أي : اعتبار الاستصحاب في عدم النسخ.

(قال في محكيّ فوائده المكّية ، بعد ذكر أخبار الاستصحاب ـ ما لفظه :

٤١

«لا يقال : هذه القاعدة تقتضي جواز العمل بالاستصحاب في أحكام الله تعالى ، كما ذهب اليه المفيد والعلامة من أصحابنا والشافعيّة قاطبة ، ويقتضي بطلان قول أكثر علمائنا والحنفيّة بعدم جواز العمل به.

لأنّا نقول : هذه شبهة عجز عن جوابها كثير من فحول الاصوليين والفقهاء ، وقد أجبنا عنها في الفوائد المدنيّة تارة بما ملخّصه : إنّ صور الاستصحاب المختلف فيها عند نظر التدقيق والتحقيق راجعة إلى أنّه إذا ثبت حكم بخطاب شرعي في موضوع في حال من حالاته

______________________________________________________

«لا يقال : هذه القاعدة) أي : قاعدة البناء على اليقين السابق (تقتضي جواز العمل بالاستصحاب في أحكام الله تعالى ، كما ذهب اليه المفيد والعلامة من أصحابنا والشافعيّة قاطبة ، ويقتضي بطلان قول أكثر علمائنا والحنفيّة بعدم جواز العمل به) أي : بالاستصحاب علما بأن عدم الجواز هو الذي نذهب اليه نحن الاسترابادي.

وإنّما لا يقال ذلك (لأنّا نقول : هذه شبهة عجز عن جوابها كثير من فحول الاصوليين والفقهاء ، وقد أجبنا عنها في الفوائد المدنيّة تارة) : بأنه لا مجال للاستصحاب بعد تبدّل الموضوع ، واخرى : بانه وان كان للاستصحاب مجال إلّا ان الشارع منع عنه.

أمّا الجواب الأوّل فنقول (بما ملخّصه : إنّ صور الاستصحاب المختلف فيها عند نظر التدقيق والتحقيق) وقوله : التحقيق : عبارة عن تحصيل الحق ، وان لم يكن فيه دقة ، والتدقيق : ما يحتاج في تحصيله إلى الدقة.

وكيف كان : فان صور الاستصحاب المختلف فيها (راجعة إلى أنّه إذا ثبت حكم بخطاب شرعي في موضوع في حال من حالاته) أي : حال من حالات ذلك

٤٢

نجريه في ذلك الموضوع عند زوال الحالة القديمة وحدوث نقيضها فيه.

ومن المعلوم : أنّه إذا تبدّل قيد موضوع المسألة بنقيض ذلك القيد ، اختلف موضوع المسألتين ، فالذي سمّوه استصحابا راجع في الحقيقة إلى اسراء حكم موضوع إلى موضوع آخر متّحد معه في الذات ، مختلف معه في الصفات.

ومن المعلوم عند الحكيم : أنّ هذا المعنى غير معتبر شرعا وأنّ القاعدة

______________________________________________________

الموضوع (نجريه) أي : نجري ذلك الحكم (في ذلك الموضوع عند زوال الحالة القديمة وحدوث نقيضها) أي : نقيض تلك الحال (فيه) أي : في ذلك الموضوع.

(ومن المعلوم : أنّه إذا تبدّل قيد موضوع المسألة بنقيض ذلك القيد ، اختلف موضوع المسألتين) فموضوع بقيد ، وموضوع بقيد على خلاف ذلك القيد.

وعليه : (فالذي سمّوه استصحابا راجع في الحقيقة إلى اسراء حكم موضوع إلى موضوع آخر) بحيث يكون الموضوع الثاني (متّحد معه) أي : مع الموضوع الأوّل (في الذات ، مختلف معه في الصفات).

مثلا : إذا تبدّل الماء المتغيّر إلى الماء غير المتغير ، فاذا أجرينا الحكم وهو النجاسة الذي كان في الماء المتغير إلى الماء غير المتغيّر كان معناه : اسراء حكم موضوع إلى موضوع آخر ، فانه وان كان ذات الماء متحدا في كليهما إلّا ان الصفات مختلفة ، حيث ان الصفة في الماء الأوّل : التغيّر ، وفي الماء الثاني : نقيض ذلك لزوال التغيّر.

(ومن المعلوم عند الحكيم : أنّ هذا المعنى) وهو : اسراء حكم موضوع إلى موضوع آخر (غير معتبر شرعا) لأنه قياس وليس باستصحاب (وأنّ القاعدة

٤٣

الشريفة المذكورة غير شاملة له.

وتارة : بأنّ استصحاب الحكم الشرعي ، وكذا الأصل ـ أي الحالة التي إذا خلّي الشيء ونفسه كان عليها ـ إنّما يعمل بهما ما لم يظهر مخرج عنهما ، وقد ظهر في محل النزاع لتواتر الأخبار : بأنّ كلّ ما يحتاج اليه الامّة ورد فيه خطاب وحكم حتى أرش الخدش ،

______________________________________________________

الشريفة المذكورة) وهي قاعدة الاستصحاب (غير شاملة له) أي : لما كان من اسراء حكم من موضوع إلى موضوع آخر.

هذا هو الجواب الأوّل ، وامّا الجواب الثاني الذي ذكره الاسترابادي فهو : انه وان كان للاستصحاب مجال ، إلّا أن الشارع منع عنه كما قال : (وتارة : بأنّ استصحاب الحكم الشرعي ، وكذا الأصل) أي : أصل البراءة وفسّر الاسترابادي الأصل بقوله : (ـ أي الحالة التي إذا خلّي الشيء ونفسه كان عليها ـ) وتلك الحالة هي البراءة الأصلية ، لأن الانسان بريء ما لم يثبت عليه تكليف.

ثم قال : فان الاستصحاب والبراءة (إنّما يعمل بهما ما لم يظهر مخرج عنهما ، و) الحال (قد ظهر في محل النزاع) المخرج عن كلي الاستصحاب وأصل البراءة (لتواتر الأخبار : بأنّ كلّ ما يحتاج اليه الامّة ورد فيه خطاب وحكم) شرعي (حتى أرش الخدش) (١) فما يراد استصحابه ، أو اجراء الأصل فيه ، محكوم شرعا بحكم ، فلا يصح الاستصحاب والتمسك بالأصل في شيء من الأحكام.

__________________

(١) ـ الكافي (اصول) : ج ١ ص ٥٩ ح ٣ وج ٧ ص ١٥٧ ح ٩ ، بصائر الدرجات : ص ١٤٢ ح ٣ ، الاحتجاج : ص ١٥٣ ، المحاسن : ص ٢٧٣ ، نوادر القمّي : ص ١٦١ ، بحار الانوار : ج ٢ ص ١٧٠ ب ٢٢ ح ٨ ، ج ٢٦ ص ٢٢ ب ١ ح ١٠.

٤٤

وكثير ممّا ورد مخزون عند أهل الذكر عليهم‌السلام فعلم أنّه ورد في محل النزاع أحكام لا نعلمها بعينها وتواتر الأخبار بحصر المسائل في ثلاث : بيّن رشده ، وبيّن غيّه ، أي : مقطوع فيه ذلك لا ريب فيه ، وما ليس هذا ولا ذاك ، وبوجوب التوقّف في الثالث» انتهى.

وما ذكره أوّلا

______________________________________________________

(و) ان قلت : انا لا نجد في كثير من الامور حكما ، فنضطر إلى الاستصحاب ، أو العمل بالأصل.

قلت : (كثير ممّا ورد) من الشارع من الأحكام (مخزون عند أهل الذكر عليهم‌السلام) فعدم وجداننا لا يدل على عدم الوجود في الواقع.

إذن : (فعلم أنّه ورد في محل النزاع) أي : مورد الاستصحاب (أحكام لا نعلمها بعينها) وحيث لا نتمكن من إجراء الاستصحاب والبراءة ولا نجد الحكم الوارد عنهم عليهم‌السلام ، فلا بد من الاحتياط.

(و) كذلك يدلّ على انه لا يصح لنا العمل بالاستصحاب وأصل البراءة (تواتر الأخبار بحصر المسائل في ثلاث : بيّن رشده ، وبيّن غيّه ، أي : مقطوع فيه) أي :

في تلك المسائل (ذلك) الرشد أو الغني بحيث انه (لا ريب فيه) أي : في ذلك الرشد أو في ذلك الغيّ (وما ليس هذا ولا ذاك ، و) هو القسم الثالث يعني : لا بيّن الرشد ، ولا بيّن الغي ، حيث أمروا (بوجوب التوقّف في الثالث) (١) فلا يعمل فيه لا بالاستصحاب ولا بالأصل ، وإنّما يجب فيه التوقف والاحتياط.

(انتهى) كلام الأمين الاسترابادي (و) لكن يرد على (ما ذكره أوّلا) عند قوله :

تارة بما ملخّصه ، ما يلي : ان الأصحاب أجابوا بهذا الجواب ، بل بأكثر منه ، حيث

__________________

(١) ـ الفوائد المكّية : مخطوط.

٤٥

قد استدلّ به كلّ من نفى الاستصحاب من أصحابنا وأوضحوا ذلك غاية الايضاح ، كما يظهر لمن راجع الذريعة والعدّة والغنية وغيرها.

إلّا أنّهم منعوا عن اثبات الحكم الثابت لموضوع في زمان له بعينه في زمان آخر من دون تغيّر واختلاف في صفة الموضوع سابقا ولا حقا ، كما يشهد له تمثيلهم بعدم الاعتماد على حياة زيد أو بقاء البلد على ساحل البحر بعد الغيبة عنهما.

______________________________________________________

إن الاسترابادي يمنع الاستصحاب في الشك في المقتضي ، والأصحاب المانعون عن الاستصحاب يمنعونه حتى في الشك في الرافع ، وذلك كما قال :

انه (قد استدلّ به) أي : بما أجاب المحدث الاسترابادي (كلّ من نفى الاستصحاب من أصحابنا وأوضحوا ذلك غاية الايضاح ، كما يظهر لمن راجع الذريعة) للسيد المرتضى (والعدّة) لشيخ الطائفة (والغنية) لابن زهرة (وغيرها) من الكتب ، فانهم قالوا بعدم جريان الاستصحاب إلى الحالة اللاحقة من الحالة السابقة.

(إلّا أنّهم منعوا عن اثبات الحكم الثابت لموضوع في زمان له بعينه) الضميران في : «له» «وبعينه» ، راجعان إلى الموضوع فانهم منعوا من إثباته له (في زمان آخر) حتى وان كان (من دون تغيّر واختلاف في صفة الموضوع سابقا ولا حقا).

إذن : فالأسترآبادي يقول : ان الاستصحاب لا يجري لتغيّر الموضوع ، وهؤلاء الأصحاب يقولون : ان الاستصحاب لا يجري لتبدل الزمان ، وان كان الموضوع بعينه وصفته باقيا (كما يشهد له) أي : لبنائهم على عدم جريان الاستصحاب بسبب تغيّر الزمان فقط (تمثيلهم بعدم الاعتماد على حياة زيد أو بقاء البلد على ساحل البحر بعد الغيبة عنهما) مع وضوح : ان المتبدل فيهما هو الزمان فقط ،

٤٦

وأهملوا قاعدة البناء على اليقين السابق ، لعدم دلالة العقل عليه ولا النقل ، بناء على عدم التفاتهم إلى الأخبار المذكورة ، لقصور دلالتها عندهم ببعض ما أشرنا اليه سابقا ، أو لغفلتهم عنها على أبعد الاحتمالات عن ساحة من هو دونهم في الفضل.

وهذا المحدّث ، قد سلّم دلالة الأخبار على وجوب البناء على اليقين السابق وحرمة نقضه مع اتحاد الموضوع.

______________________________________________________

فلا يكون الموضوع من حيث الصفة في السابق وهو زمان اليقين ، مخالفا له من حيث الصفة في اللاحق وهو زمان الشك ، وإنّما الاختلاف هو بتغير الزمان فقط.

هذا (وأهملوا قاعدة البناء على اليقين السابق) أي : قالوا بعدم الاستصحاب ، وذلك (لعدم دلالة العقل عليه) أي : على هذه القاعدة (ولا النقل ، بناء على عدم التفاتهم إلى الأخبار المذكورة) في البناء على اليقين السابق.

وإنّما لم يلتفتوا إلى هذه الأخبار الدالة على الاستصحاب (لقصور دلالتها) أي : هذه الأخبار (عندهم ببعض ما أشرنا اليه سابقا) حيث ناقشنا في دلالة الأخبار المذكورة من جهة السند ، أو الدلالة (أو لغفلتهم عنها) أي : عن هذه الأخبار (على أبعد الاحتمالات عن ساحة من هو دونهم في الفضل) فكيف بهم رضوان الله تعالى عليهم؟.

(وهذا المحدّث ، قد سلّم دلالة الأخبار على وجوب البناء على اليقين السابق وحرمة نقضه مع اتحاد الموضوع) فهو يسلّم الكبرى : حجية الاستصحاب مع اتحاد الموضوع ، لكن لا يرى الاستصحاب في الأحكام صغرى لهذه الكبرى ، وذلك لادّعائه تبدل الموضوع فيها ، ورؤيته بأنها من اسراء الحكم من موضوع إلى موضوع آخر ، بينما هؤلاء لا يسلّمون الكبرى ويقولون بعدم الحجية مطلقا

٤٧

إلّا أنّه ادّعى تغاير موضوع المسألة المتيقنة والمسألة المشكوكة ، فالحكم فيها بالحكم السابق ليس بناء على اليقين السابق ، وعدم الحكم به ليس نقضا له.

فيرد عليه ، أولا : النقض بالموارد التي ادّعى الاجماع والضرورة على اعتبار الاستصحاب فيها ، كما حكيناها عنها سابقا ،

______________________________________________________

حتى فيما لم يكن تبدّل الموضوع ، بل كان تبدّل الزمان فقط مما معناه بقاء الموضوع كاملا.

وعليه : فانه سلّم دلالة الأخبار على الاستصحاب (إلّا أنّه ادّعى) أي : المحدّث الاسترابادي : (تغاير موضوع المسألة المتيقنة) السابقة (والمسألة المشكوكة) اللاحقة وإذا تغاير موضوعهما (فالحكم فيها) أي : في المسألة المشكوكة (بالحكم السابق) الذي كان للمسألة المتيقنة (ليس بناء على اليقين السابق) لأن المسألة المتيقنة تبدلت إلى مسألة مشكوكة فصار الموضوع موضوعا آخر (و) لذلك كان (عدم الحكم به) حينئذ (ليس نقضا له) أي : للحكم السابق.

إذا اتضح ذلك (فيرد عليه) ما يلي :

(أولا) : بانه كيف يجري الاستصحاب فيما هو أبعد من الاستصحاب في الأحكام الكلية؟ مما يكون خلاصة هذا الايراد هو : (النقض بالموارد التي ادّعى الاجماع والضرورة على اعتبار الاستصحاب فيها) أي : في تلك الموارد (كما حكيناها عنها سابقا).

لا يقال : تلك الموارد التي ذكرها الاسترابادي وقال فيها بالاستصحاب إنّما هو لا دعائه الاجماع ، ولا إجماع في غير تلك الموارد ، فكيف تنقضون عليه؟.

لأنه يقال : الموارد التي ذكرها الاسترابادي إنّما قال الأصحاب فيها

٤٨

فانّ منها استصحاب الليل والنهار ، فانّ كون الزمان المشكوك ليلا ونهارا أشدّ تغايرا واختلافا ، مع كون الزمان السابق كذلك من ثبوت خيار الغبن ، أو الشفعة في الزمان المشكوك ، وثبوتهما في الزمان السابق.

ولو اريد من الليل والنهار : طلوع الفجر وغروب الشمس لا نفس

______________________________________________________

بالاستصحاب لإطلاق أدلة الاستصحاب من العقل أو النقل ، وذلك الاطلاق شامل لغير تلك الموارد فصحّ النقض عليه حينئذ.

أما تلك الموارد التي ادّعى الاسترابادي الاجماع والضرورة على اعتبار الاستصحاب فيها : (فانّ منها استصحاب الليل والنهار) لمن شك بانقضاء الليل ، فيستصحب الليل ، ولمن شك في انقضاء النهار فيستصحب النهار.

وعليه : (فانّ كون الزمان المشكوك ليلا ونهارا أشدّ تغايرا واختلافا ، مع كون الزمان السابق كذلك) أي : ليلا ونهارا (من ثبوت خيار الغبن ، أو الشفعة في الزمان المشكوك ، وثبوتهما في الزمان السابق) المتيقن.

وإنّما يكون التغاير بينهما أشدّ ، لأن التغاير بين الزمانين يكون بحسب الذات ، وبين الخيارين والشفعتين بحسب الزمان ، فان الزمان السابق غير الزمان اللاحق بحسب الذات ، امّا الخيار في الغبن والشفعة ، فلم يختلف حقيقتهما في الزمان اللاحق عن الزمان السابق ، وإنّما اختلف زمانهما ، فاذا جرى الاستصحاب في ما اختلف ذاته ، فجريان الاستصحاب في ما لم يختلف إلّا زمانه يكون بطريق أولى.

لا يقال : لم يقصد الاسترابادي من الليل والنهار آنات الزمان حتى يختلف اللاحق عن السابق في ذاته ، بل أراد كون الشمس فوق الأفق وكونها تحته ، ومن المعلوم : ان ذلك حقيقة واحدة سابقا ولا حقا.

لأنه يقال : (ولو اريد من الليل والنهار : طلوع الفجر وغروب الشمس لا نفس

٤٩

الزمان ، كان الأمر كذلك وإن كان دون الأوّل في الظهور ، لأنّ مرجع الطلوع والغروب إلى الحركة الحادثة شيئا فشيئا.

ولو أريد استصحاب أحكامهما مثل جواز الأكل والشرب وحرمتهما ففيه : أنّ ثبوتهما في السابق كان منوطا ومتعلّقا في الأدلّة الشرعية بزماني الليل والنهار ،

______________________________________________________

الزمان) أي : آناته المتعددة المختلفة الحقيقة (كان الأمر كذلك) أيضا يعني : كان التغاير بينهما مع السابق أشد مما ذكرنا من الغبن والشفعة (وإن كان دون الأوّل) التي هي الآنات (في الظهور) فانّ ظهور هذا في اختلاف الحقيقة ، أقل من ظهور الآنات في اختلاف الحقيقة.

وإنّما كان الأمر في هذا أيضا كذلك (لأنّ مرجع الطلوع والغروب إلى الحركة الحادثة شيئا فشيئا) وإلّا فالطلوع والغروب ، وكون الشمس فوق الافق أو تحت الافق ليس شيئا في قبال الآنات.

إذن : فمعنى كون الشمس فوق الافق أو تحت الافق : آنات الشمس في تلك الآنات فوق الافق أو تحت الافق ، مثل : النهر حيث انه قطرات متلاصقة بعضها ببعض وأجزائها مختلفة وليست شيئا واحدا ، بخلاف مثل : خيار الغبن في الآن الثاني ، حيث انه نفس خيار الغبن في الآن الأوّل.

هذا (ولو أريد استصحاب أحكامها) أي : أحكام الليل والنهار (مثل جواز الأكل والشرب) في الليل إذا شك في طلوع الفجر (وحرمتهما) أي : حرمة الأكل والشرب في النهار إذا شك في المغرب (ففيه) ما يلي :

(أنّ ثبوتهما في) الزمان (السابق كان منوطا ومتعلّقا في الأدلّة الشرعية بزماني الليل والنهار) لأن الشارع أجاز الأكل والشرب في الليل ومنع الأكل والشرب

٥٠

فاجراؤهما مع الشك في تحقق الموضوع بمنزلة ما أنكره على القائلين بالاستصحاب : من إجراء الحكم من موضوع إلى موضوع آخر.

وبما ذكرنا يظهر ورود النقض المذكور عليه في سائر الأمثلة ، فأي فرق بين الشك في تحقّق الحدث أو الخبث بعد الطهارة ، الذي جعل الاستصحاب فيه من ضروريات الدين وبين الشك في كون المذي محكوما شرعا برافعيّة الطهارة ،

______________________________________________________

في النهار (فاجراؤهما) أي : اجراء جواز الأكل والشرب ، أو منع الأكل والشرب (مع الشك في تحقق الموضوع) الذي هو الليل والنهار (بمنزلة ما أنكره) الاسترابادي (على القائلين بالاستصحاب : من إجراء الحكم من موضوع إلى موضوع آخر).

وإنّما يكون ذلك من اجراء الحكم إلى موضوع آخر ، لأن الثابت هو : جواز الأكل والشرب في الليل ، فمن أين جواز الأكل والشرب في الوقت المشكوك كونه ليلا؟ وهل هذا إلّا من اسراء الحكم من موضوع مقطوع إلى موضوع آخر مشكوك؟.

(وبما ذكرنا) من النقض باستصحاب الليل والنهار الذي يقول به الاسترابادي (يظهر ورود النقض المذكور عليه) أي : على الاسترابادي (في سائر الأمثلة) التي يعترف بجريان الاستصحاب فيها.

وعليه : (فأي فرق بين الشك في تحقّق الحدث أو الخبث بعد الطهارة) من الحدث أو الخبث (الذي جعل) الاسترابادي (الاستصحاب فيه من ضروريات الدين) وقال : بانه يجري فيه الاستصحاب قطعا (وبين الشك في كون المذي محكوما شرعا برافعيّة الطهارة) أو ليس محكوما بذلك حيث أنكر الاسترابادي

٥١

فانّ الطهارة السابقة في كلّ منهما كان منوطا بعدم تحقق الرافع ، وهذا المناط في زمان الشك ، غير متحقق ، فكيف يسري حكم حالة وجود المناط اليه؟.

وثانيا : بالحلّ ، بأنّ اتحاد القضية المتيقّنة والمشكوكة ـ الذي يتوقّف صدق البناء على اليقين ونقضه بالشك عليه ـ أمر راجع إلى العرف

______________________________________________________

الاستصحاب فيه وقال : بأنه لا يجري فيه قطعا؟.

وإنّما لا فرق بينهما لأنه كما قال : (فانّ الطهارة السابقة في كلّ منهما) أي : في الشك في تحقق الحدث أو الخبث والشك في رافعية المذي (كان منوطا بعدم تحقق الرافع) فان الطهارة كانت مسلّمة قبل الشك في الحدث أو الخبث ، كما ان الطهارة كانت قبل خروج المذي مسلّمة أيضا ، فلما ذا الفرق بينهما؟.

هذا (و) من المعلوم : ان (هذا المناط) وهو : عدم تحقق الرافع (في زمان الشك ، غير متحقق) في كلا المثالين ، لأنه قد تبدّل الأمر فيهما من اليقين بعدم تحقق الرافع إلى الشك في عدم تحقق الرافع (فكيف يسري حكم حالة وجود المناط) في حال اليقين السابق (اليه؟) أي : إلى حالة فقد المناط في حال الشك اللاحق بالنسبة إلى كلا المثالين ، فلما ذا أجرى المحدث الاستصحاب في أحدهما دون الآخر؟ فظهر : ان النقض وارد عليه.

(وثانيا : بالحلّ) وذلك : بأن استصحاب حكم المسألة المتيقنة إلى المسألة المشكوكة ، ليس كما ذكره الاسترابادي : من اسراء الحكم من موضوع إلى موضوع آخر ، فان الموضوع في المسألة المتيقنة والمشكوكة واحد عرفا كما قال :

(بأنّ اتحاد القضية المتيقّنة والمشكوكة ـ الذي يتوقّف صدق البناء على اليقين ونقضه بالشك عليه ـ) أي : على ذلك الاتحاد (أمر راجع إلى العرف) فان العرف

٥٢

لأنّه المحكّم في باب الألفاظ.

ومن المعلوم : أنّ الخيار أو الشفعة إذا ثبت في الزمان الأوّل وشك في ثبوتهما في الزمان الثاني يصدق عرفا : أنّ القضية المتيقّنة في الزمان الأوّل بعينها مشكوكة في الزمان الثاني.

نعم ، قد يتحقق في بعض الموارد : الشك في إحراز الموضوع للشك في مدخليّة الحالة المتبدّلة فيه. فلا بد من التأمّل التامّ ،

______________________________________________________

هو الذي يقول باتحاد القضيتين أو اختلافهما ، ففي اتحاد القضيتين يحكم بالبناء على اليقين السابق ، وفي اختلاف القضيتين لا يحكم بالبناء على اليقين السابق.

وإنّما يكون مرجعه إلى العرف (لأنّه المحكّم في باب الألفاظ) فان الألفاظ ألقيت إلى العرف فما فهم منها العرف كان هو الحجة عليه.

(ومن المعلوم : أنّ الخيار) في الغبن (أو الشفعة إذا ثبت في الزمان الأوّل وشك في ثبوتهما) أي : في ثبوت كل من خيار الغبن وخيار الشفعة (في الزمان الثاني يصدق عرفا : أنّ القضية المتيقّنة في الزمان الأوّل بعينها مشكوكة في الزمان الثاني) فان المتيقن سابقا كان الخيار ، ويشك ثانيا في وجود الخيار ، والمتيقن أولا كانت الشفعة ، ويشك ثانيا في بقاء الشفعة.

(نعم ، قد يتحقق في بعض الموارد : الشك في إحراز الموضوع) بأن يشك في ان موضوع القضية المتيقنة هل هو موضوع القضية المشكوكة أم لا؟.

وإنّما يشك في احراز الموضوع (للشك في مدخليّة الحالة المتبدّلة فيه) أي : في الموضوع ، لأنه سابقا كان على حالة ، ولا حقا على حالة اخرى ، كالماء إذا كان سابقا متغيّرا ولا حقا زائلا تغيّره (فلا بد من التأمّل التامّ) حتى نحرز ان الموضوع هل هو باق أو ليس بباق؟.

٥٣

فانّه من أعظم المزال في هذا المقام.

وأمّا ما ذكره ثانيا : من معارضة قاعدة اليقين والأصل بما دلّ على التوقف.

ففيه ـ مضافا إلى ما ذكرنا من ضعف دلالة الأخبار على وجوب الاحتياط ، وإنّما يدلّ على وجوب التحرّز عن موارد التهلكة الدنيويّة أو الأخرويّة ، والأخيرة مختصة بموارد يحكم العقل بوجوب الاحتياط

______________________________________________________

وعليه : (فانّه) أي : الشك في احراز الموضوع (من أعظم المزال في هذا المقام) أي : مقام الاستصحاب ، فربما يرى شخص : ان الموضوع في الماء المتغير هو : الماء بوصف التغيّر ، فاذا زال التغيّر رآه من تبدل الموضوع فلا يجري فيه استصحاب النجاسة ، ويرى شخص آخر : ان الموضوع هو الماء فقط والتغير حالة ، فاذا زال التغيّر رأى بقاء الموضوع ، فيجري فيه استصحاب النجاسة.

(وأمّا ما ذكره) الاسترابادي (ثانيا : من معارضة قاعدة اليقين والأصل بما دلّ على التوقف) وانّ المحكّم هو التوقف حيث قال : وتارة بانّ استصحاب الحكم الشرعي وكذا الأصل إنّما يعمل بهما ما لم يظهر مخرج عنهما وقد ظهر (ففيه) ما يلي :

أولا : ما أشار اليه بقوله : (ـ مضافا إلى ما ذكرنا) في أصل البراءة حيث تقدّم هذا المبحث هناك : (من ضعف دلالة الأخبار) الدالة (على وجوب الاحتياط) والتوقف في كل مكان مطلقا سواء كان شكا في التكليف أم شكا في المكلّف به.

(وإنّما) نقول بضعف الدلالة ، لأن مضمون أخبار الاحتياط (يدلّ على وجوب التحرّز عن موارد التهلكة الدنيويّة أو الاخرويّة ، والأخيرة) وهي موارد الهلكة الاخروية (مختصة بموارد يحكم العقل بوجوب الاحتياط) في تلك

٥٤

من جهة القطع بثبوت العقاب إجمالا وتردّده بين المحتملات ـ أنّ أخبار الاستصحاب حاكمة على أدلّة الاحتياط على تقدير دلالة الأخبار عليه أيضا ، كما سيجيء في مسألة تعارض الاستصحاب مع سائر الأصول إن شاء الله تعالى.

______________________________________________________

الموارد (من جهة القطع بثبوت العقاب إجمالا) وذلك فيما كان الشك في المكلّف به (وتردّده) أي : تردّد العقاب (بين المحتملات ـ) وهي أطراف الشبهة لا فيما كان الشك في التكليف.

وعلى أي حال : فأخبار الاحتياط إنّما تدلّ على وجوب الاحتياط في موارد الشك في المكلّف به ، لا في موارد الشك في التكليف ، وما نحن فيه من موارد الاستصحاب ، إنّما هو من الشك في التكليف لا من الشك في المكلّف به.

وفيه ثانيا : ما أشار اليه بقوله : (أنّ أخبار الاستصحاب حاكمة على أدلّة الاحتياط على تقدير دلالة الأخبار) أي : أخبار الاحتياط (عليه) أي : على وجوب الاحتياط (أيضا) أي : إنّا إذا قلنا : بأن أخبار الاحتياط لا تدل على وجوب الاحتياط ، فلا كلام ، ولكن إذا قلنا : بأنها تدل على وجوب الاحتياط كان الاستصحاب حاكما على تلك الأخبار ، فلا مجال لاخبار الاحتياط أيضا.

وإنّما كان الاستصحاب حاكما عليها ، لأن اخبار الاحتياط تقول : بان الواجب الاحتياط في موارد الشبهة ، والاستصحاب يرفع الشبهة ، فلا يبقى للاحتياط موضوع ، فالمقام يشبه مقام اخبار الاحتياط وأدلة البينة (كما سيجيء) تفصيل الكلام في حكومة الاستصحاب على أدلة الاحتياط (في مسألة تعارض الاستصحاب مع سائر الاصول إن شاء الله تعالى).

وبذلك كلّه تبيّن : ان تفصيل الاسترابادي بعدم جريان الاستصحاب

٥٥

ثم إنّ ما ذكره ـ من أنّه شبهة عجز عن جوابها الفحول ـ ممّا لا يخفى ما فيه ، إذ أيّ اصولي أو فقيه تعرّض لهذه الأخبار وورود هذه الشبهة فعجز عن جوابها؟.

مع أنّه لم يذكر في الجواب الأوّل عنها إلّا ما اشتهر بين النافين للاستصحاب.

ولا في الجواب الثاني إلّا ما اشتهر بين الأخباريين : من وجوب التوقف والاحتياط في الشبهة الحكميّة.

______________________________________________________

في الأحكام الكلية وجريانه في الأحكام الجزئية فقط محل إشكال ، نقضا وحلّا ، فاللازم إذن القول بجريانه في الأحكام الكلية ، كجريانه في الأحكام الجزئية.

(ثم إنّ ما ذكره) الاسترابادي : (من أنّه شبهة عجز عن جوابها الفحول ـ ممّا لا يخفى ما فيه ، إذ أيّ اصولي أو فقيه تعرّض لهذه الأخبار وورود هذه الشبهة) على هذه الأخبار (فعجز عن جوابها؟) هذا أولا.

ثانيا : (مع أنّه) أي : الاسترابادي (لم يذكر في الجواب الأوّل عنها) أي : عن هذه الشبهة حيث قال : وقد أجبنا عنها تارة بما ملخصه (إلّا ما اشتهر بين النافين للاستصحاب) فلم يأت بشيء جديد.

(ولا في الجواب الثاني) حيث قال : وتارة بأن استصحاب الحكم الشرعي وكذا الأصل إنّما يعمل بهما ما لم يظهر مخرج عنهما وقد ظهر (إلّا ما اشتهر بين الأخباريين : من وجوب التوقف والاحتياط في الشبهة الحكميّة) فلم يأت إذن بشيء جديدا إطلاقا.

٥٦

حجّة القول السادس

على تقدير وجود القائل به ، على ما سبق من التأمّل ، تظهر مع جوابها ممّا تقدّم في القولين السابقين.

حجّة القول السابع

الذي نسبه الفاضل التوني قدس‌سره إلى نفسه وإن لم يلزم ممّا حقّقه في كلامه ما ذكره في كلام طويل له ،

______________________________________________________

(حجّة القول السادس) وهو : التفصيل بين الحكم الجزئي وغيره من الأحكام الكلية والامور الخارجية ، فلا يعتبر الاستصحاب في غير الأوّل ، وذلك (على تقدير وجود القائل به).

وإنّما قال : على تقدير وجود القائل به لأن من المحتمل ان لا قائل يقول بهذا القول ، وإنّما المنسوب اليه هذا القول يقول ببعض الأقوال المتقدمة ، وذلك (على ما سبق من التأمّل) في وجود القائل بهذا القول.

وكيف كان : فانّ حجّة هذا القول (تظهر مع جوابها ممّا تقدّم في القولين السابقين) : الرابع والخامس.

(حجّة القول السابع الذي نسبه الفاضل التوني قدس‌سره إلى نفسه) وهو التفصيل بين الأحكام الوضعية يعني : نفس الأسباب والشروط والموانع ، لا السببية والشرطية والمانعية ، والأحكام التكليفية التابعة لها ، وبين غيرها من الأحكام الشرعية ، فيجري الاستصحاب في الأوّل دون الثاني.

هذا (وإن لم يلزم ممّا حقّقه في كلامه) أي : لم يثبت من تحقيق الفاضل التوني (ما ذكره) هو من التفصيل (في كلام طويل له) سيأتي ان شاء الله تعالى ، فانه

٥٧

فانّه بعد الاشارة إلى الخلاف في المسألة قال : «ولتحقيق المقام لا بدّ من إيراد كلام يتّضح به حقيقة الحال ، فنقول : الأحكام الشرعية تنقسم إلى ستة أقسام :

الأوّل والثاني : الأحكام الاقتضائية المطلوب فيها الفعل وهي الواجب والمندوب.

______________________________________________________

لم يلزم منه هذا التفصيل وذلك حسب ما أوضحه الأوثق بقوله :

«ان ما ذكره عند التحقيق من التفصيل بين الأحكام التكليفية والوضعية ، وبين متعلقات الأحكام الوضعية من السبب والشرط والمانع ، ليس بالتفصيل ، بل قول باعتبار الاستصحاب مطلقا ، لأنه إنّما منعه في الموارد التي منعه فيها لزعمه عموم دليل الحالة السابقة للحالة اللاحقة ، لا من جهة عدم اعتبار الاستصحاب من حيث هو ، وهذا ليس قولا بالتفصيل ، لأنه إنّما يتحقق مع قوله بعدم اعتباره في بعض الموارد مع فرض كونه موردا له كما هو واضح (١) ، انتهى كلام الأوثق.

وكيف كان : (فانّه) أي : الفاضل التوني (بعد الاشارة إلى الخلاف في المسألة) أي : في مسألة الاستصحاب ، وانه هل يجري الاستصحاب أو لا يجري ، أو يفصّل بين بعض أقسامه فيجري ، وبين بعض أقسامه الآخر فلا يجري؟ (قال : «ولتحقيق المقام لا بدّ من إيراد كلام يتّضح به حقيقة الحال) في الاستصحاب (فنقول : الأحكام الشرعية تنقسم إلى ستة أقسام) كالتالي :

(الأوّل والثاني : الأحكام الاقتضائية المطلوب فيها الفعل وهي الواجب) مع المنع من النقيض (والمندوب) بدون المنع من النقيض.

__________________

(١) ـ أوثق الوسائل : ص ٤٧٤ القول بعدم حجيّة الاستصحاب في الامور الخارجية «بتصرّف».

٥٨

والثالث والرابع : الأحكام الاقتضائية المطلوب فيها الترك وهو الحرام والمكروه.

والخامس : الأحكام التخييرية الدالّة على الاباحة.

والسادس : الأحكام الوضعية ، كالحكم على الشيء بأنّه سبب لأمر أو شرط له أو مانع له. والمضايقة بمنع أنّ الخطاب الوضعي داخل في الحكم الشرعي ممّا لا يضرّ فيما نحن بصدده.

إذا عرفت هذا ، فاذا ورد أمر بطلب شيء ، فلا يخلو إمّا أن يكون موقتا أم لا.

______________________________________________________

(والثالث والرابع : الأحكام الاقتضائية المطلوب فيها الترك وهو الحرام) مع المنع من النقيض (والمكروه) بدون المنع من النقيض.

(والخامس : الأحكام التخييرية الدالّة على الاباحة) وذلك فيما يخيّر الشارع فيه المكلّف بين فعل الشيء وتركه من دون ترجيح أحدهما على الآخر.

(والسادس : الأحكام الوضعية ، كالحكم على الشيء بأنّه سبب لأمر) مثل سببيّة الاتلاف للضمان (أو شرط له) كالطهارة بالنسبة إلى الصلاة (أو مانع له) كالحدث بالنسبة إلى الصلاة.

هذا (والمضايقة بمنع أنّ الخطاب الوضعي داخل في الحكم الشرعي ، ممّا لا يضرّ فيما نحن بصدده) لأنه ان لم يكن وضع كان تكليف ، فيدخل في الأحكام الخمسة ، فلا يضر على ذلك ان يقول شخص : ان الحكم الوضعي ليس بحكم مستقل في مقابل الأحكام الخمسة.

(إذا عرفت هذا ، فاذا ورد أمر بطلب شيء ، فلا يخلو إمّا أن يكون موقتا ، أم لا) أي : ليس بموقّت فالموقّت مثل : الصلوات اليومية ، وغير الموقّت مثل : صلة الرحم ، وحرمة شرب الخمر.

٥٩

وعلى الأوّل يكون وجوب ذلك الشيء أو ندبه في كلّ جزء من أجزاء الوقت ثابتا بذلك الأمر.

فالتمسّك في ثبوت ذلك الحكم في الزمان الثاني بالنصّ ، لا بالثبوت في الزمان الأوّل حتى يكون استصحابا ، وهو ظاهر.

وعلى الثاني أيضا كذلك إن قلنا بافادة الأمر التكرار ، وإلّا فذمّة المكلّف مشغولة حتى يأتي به في أي زمان كان ، ونسبة أجزاء الزمان اليه نسبة واحدة في كونه أداء في كل جزء منها ، سواء قلنا بأنّ الأمر للفور أم لا.

______________________________________________________

(وعلى الأوّل) وهو الموقت : (يكون وجوب ذلك الشيء أو ندبه في كلّ جزء من أجزاء الوقت ثابتا بذلك الأمر) فان وجوب الظهرين ـ مثلا ـ من أول الظهر إلى الغروب مستمر ، وكذلك استحباب نوافل الظهرين ـ مثلا ـ من أول الظهر إلى الغروب باستثناء قدر الصلاتين مستمر أيضا.

وعليه : فاذا كان الموقت هو كذلك (فالتمسّك في ثبوت ذلك الحكم في الزمان الثاني) من أجزاء الوقت إنّما هو (بالنصّ ، لا بالثبوت في الزمان الأوّل حتى يكون استصحابا ، وهو ظاهر) ولا غبار عليه.

(وعلى الثاني) : وهو غير الموقت مثل صلاة الزلزلة ، فهو (أيضا كذلك) أي : لا يكون من الاستصحاب في شيء (إن قلنا بافادة الأمر التكرار) لأن الواجب ـ مثلا ـ ثابت في كل جزء جزء من الوقت ، فليس هو من استصحاب الحالة السابقة إلى الحالة اللاحقة (وإلّا) أي : بأن لم نقل ان الأمر يفيد التكرار (فذمّة المكلّف مشغولة حتى يأتي به في أي زمان كان) لفرض ان الأمر مطلق يشمل كل الأزمنة.

(و) من المعلوم : ان (نسبة أجزاء الزمان اليه) أي : إلى غير الموقت (نسبة واحدة في كونه أداء في كل جزء منها ، سواء قلنا بأنّ الأمر للفور أم لا) فاذا عصى

٦٠