الوصائل إلى الرسائل - ج ٦

آية الله السيد محمد الشيرازي

الوصائل إلى الرسائل - ج ٦

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة عاشوراء للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7263-06-6
ISBN الدورة:
964-7263-04-X

الصفحات: ٤٠٠

قائمة ، وما سواهن فهو فضول».

______________________________________________________

قائمة ، وما سواهنّ فهو فضول» (١)).

فقد روي عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام إنه قال : «دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المسجد ، فاذا جماعة قد أطافوا برجل فقال : ما هذا؟ فقيل : علّامة ، فقيل : ما العلّامة؟ فقالوا : أعلم الناس بأنساب العرب ووقائعها وأيّام الجاهلية والأشعار العربية ، قال : فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّما العلوم ثلاثة ...».

والّذي يستظهر من الحديث : إنّ الآية المحكمة يراد بها : القرآن ، أما الآيات المتشابهات فلا يعلمها الانسان ، ولذا قيّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الآية بالمحكمة.

ويراد ب «الفريضة العادلة» : الواجبات الأعم من ترك المحرمات ، وإنّما وصف الفريضة بأنّها عادلة ، من باب التوضيح والإلماع الى أن الفرائض روعي في تشريعها العدالة بلا إفراط فيها على الناس ولا تفريط.

ويراد ب «السنة القائمة» : الأحكام الثلاثة الأخر من الأحكام الخمسة ، لأن المستحب ، وترك المكروه ، والاختيار في فعل المباح وتركه ، سنّة سنّها الله ورسوله.

ثمّ من المعلوم : إنّ اصول الدّين قسم منها ذكرت في الكتاب ، وقسم منها ذكرت في الروايات ، فاصول الدين مشمولة للآية المحكمة والفريضة العادلة.

هذا ، وقد قيل في تفسير الرّواية أقوال أخر لا يهمنا ذكرها.

ثمّ لا يخفى : انّ العلم بالتواريخ وأشعار العرب ونحوها ، قد تكون واجبة لكونها مقدّمة لواجب ، وقد تكون غير ذلك ، فقول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : انّها فضول

__________________

(١) ـ الكافي (اصول) : ج ١ ص ٣٢ ح ١ (بالمعنى).

٨١

وقد أشار الى ذلك رئيس المحدّثين في ديباجة الكافي ، حيث قسّم النّاس الى أهل الصحّة والسلامة وأهل المرض والزّمانة ، وذكر وضع التكليف عن الفرق الأخيرة.

ويكتفي في معرفة الأئمّة عليهم‌السلام ، بنسبهم المعروف

______________________________________________________

من باب الغالب لا الحصر.

(وقد أشار الى ذلك) الّذي ذكرناه : من كون معرفة ما عدا النبوة واجبة بالاستقلال على من هو متمكن منه بحسب الاستعداد وعدم الموانع (رئيس المحدّثين) الكليني قدس‌سره (في ديباجة الكافي ، حيث قسّم الناس الى أهل الصحة والسّلامة ، وأهل المرض والزّمانة ، وذكر وضع التّكليف عن الفرق الأخيرة) أي :

عن أهل المرض والزّمانة الذين لا يقدرون على استيعاب هذه الامور.

ومن المعلوم : إنّ من جملة التكاليف : خصوصيات أصول الدين الزائدة على القدر الدخيل في كون الشخص مسلما.

قال الأوثق : لا ريب في عدم كون المعارف الخمسة ـ ولو إجمالا ـ موضوعة عن أحد ، وكونها شرطا في تحقق الايمان ، فلا بدّ أن يكون المراد : وضع تفاصيلها بالوجوب النفسي (١).

(ويكتفي في معرفة الأئمة عليهم‌السلام) عرفانهم (بنسبهم المعروف) وقد تقدّم الإشكال في لزوم معرفة النسب ، ولذا لا يعرف ذلك أكثر العوام بدون أن يستنكر أحد من العلماء عليهم.

اللهمّ إلّا أن يريد المصنّف بمعرفتهم بأنسابهم : أن يعرّفهم بأنفسهم لا أن

__________________

(١) ـ أوثق الوسائل : ص ٢٣٨ وجوب تحصيل العلم في الاعتقاديات.

٨٢

والتصديق بأنّهم أئمة يهدون بالحقّ ويجب الانقياد إليهم والأخذ منهم ، وفي وجوب الزائد على ما ذكر من عصمتهم الوجهان.

وقد ورد في بعض الأخبار تفسير معرفة حقّ الامام بمعرفة كونه إماما مفترض الطاعة.

ويكفي في التصديق بما جاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ،

______________________________________________________

يعرف آبائهم وامهاتهم ، وكذلك يحتمل أن يريد المصنّف فيما ذكره في معرفة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

(والتصديق بأنهم أئمة يهدون بالحقّ ، ويجب الانقياد اليهم والأخذ منهم ، وفي وجوب الزائد على ما ذكر من عصمتهم) أي : بأن يجب أيضا أن يعرفهم معصومين (الوجهان) المتقدّمان في النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

هذا (وقد ورد في بعض الأخبار تفسير معرفة حقّ الامام) عليه‌السلام (بمعرفة كونه إماما مفترض الطّاعة) ولم يذكر في تلك الأخبار أن يعرفهم بالعصمة.

منها : ما عن الكافي في باب فرض طاعة الأئمة عليهم‌السلام بسنده عن إسماعيل بن جابر قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : أعرض عليك دين الله عزوجل؟ قال : فقال : هات ، فقلت : أشهد أن لا إله الّا الله وحده لا شريك له ، وأنّ محمّدا عبده ورسوله ، والإقرار بما جاء به من عند الله ، وأنّ عليا كان إماما فرض الله طاعته ، ثمّ كان من بعده الحسن إماما فرض الله طاعته ، ثمّ كان من بعده الحسين إماما فرض الله طاعته ، ثمّ كان عليّ بن الحسين إماما فرض الله طاعته بعدهم ، حتى انتهى الأمر اليه ، ثمّ قلت : أنت يرحمك الله قال : فقال عليه‌السلام : هذا دين الله ودين ملائكته.

(ويكفي في التّصديق بما جاء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) به ، فإنّه من الضروري وجوب

٨٣

التصديق بما علم مجيئه متواترا من أحوال المبدأ والمعاد ، كالتكليف بالعبادات والسؤال في القبر وعذابه والمعاد الجسمانيّ والحساب والصراط والميزان والجنّة والنار إجمالا ، مع تأمل في اعتبار معرفة ما عدا المعاد الجسمانيّ من هذه الأمور في الايمان المقابل للكفر الموجب للخلود في النار ، للأخبار المتقدّمة والسيرة المستمرّة ،

______________________________________________________

تصديق النبيّ بما جاء به (: التّصديق بما علم مجيئه متواترا من أحوال المبدأ والمعاد).

وقد مثّل المصنّف لأحوال المبدأ بقوله : (كالتّكليف بالعبادات) لأن العبادات من شئون المبدأ.

ومثّل لأحوال المعاد بقوله : (والسّؤال في القبر وعذابه) أي عذاب القبر (والمعاد الجسماني ، والحساب ، والصّراط ، والميزان ، والجنّة والنّار ، إجمالا) إذ من الواضح : انّه لا يلزم معرفة هذه الامور على سبيل التفصيل ، بلّ كثير من الخواص لا يعرفونها تفصيلا ، فكيف بالعوام؟.

(مع تأمّل في اعتبار معرفة ما عدا المعاد الجسماني ـ من هذه الامور ـ في الايمان) قوله «في» ، متعلق بقوله : «اعتبار» ، أي : يتأمّل في أنّه يلزم في باب الايمان : أن يعرف الانسان ما عدا المعاد الجسماني : من أحوال الصراط ، والجنّة والنّار ، والميزان ، وما أشبه.

ذلك الايمان (المقابل للكفر الموجب للخلود في النّار) لأنّ الايمان له إطلاقان : إيمان يقابل الكفر ، وإيمان يقابل الخلاف ، وعلى أيّ حال : فكون الكفر موجبا للخلود في النار قد عرفت التأمّل في إطلاقه.

ثمّ أنّ المصنّف بيّن وجه التأمّل بقوله : (للأخبار المتقدّمة ، والسّيرة المستمرة ،

٨٤

فانّا نعلم بالوجدان جهل كثير من الناس بها من أوّل البعثة إلى يومنا هذا.

ويمكن أن يقال : إنّ المعتبر هو عدم إنكار هذه الأمور وغيرها من الضروريّات ، لا وجوب الاعتقاد بها ، على ما يظهر من بعض الأخبار ، من أنّ الشاكّ إذا لم يكن جاحدا فليس بكافر.

ففي رواية زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «لو أنّ العباد إذا جهلوا وقفوا ولم يجحدوا لم يكفروا» ، ونحوها غيرها.

ويؤيّدها ما عن كتاب الغيبة للشيخ قدس‌سره ، باسناده

______________________________________________________

فانّا نعلم بالوجدان جهل كثير من النّاس بها من أوّل البعثة الى يومنا هذا) بدون استنكار من الرّسول ، والأئمة ، والعلماء عليهم ، ولو كان الجهل ضارا لكان الاستنكار قائما.

(ويمكن أن يقال : إنّ المعتبر : هو عدم إنكار هذه الامور) التي ذكرناها من نحو : الجنّة ، والنّار ، والميزان ، والصراط (وغيرها من الضّروريات) التي ذكرت في الكتب الكلامية (لا وجوب الاعتقاد بها ، على ما يظهر من بعض الأخبار) التي بأيدينا : من أنّ الضار : هو الإنكار ، لا وجوب الاعتقاد.

ولهذا جاء في بعض الأخبار (: من أنّ الشّاك إذا لم يكن جاحدا فليس بكافر ، ففي رواية زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام : لو أنّ العباد إذا جهلوا وقفوا ولم يجحدوا ، لم يكفروا (١) ، ونحوها غيرها) ومنه يتبين : إن الإنكار هو الّذي يوجب الكفر ، لا عدم العلم (ويؤيّدها) أي : يؤيد رواية زرارة (ما عن كتاب الغيبة للشيخ قدس‌سره

__________________

(١) ـ الكافي (اصول) : ج ٢ ص ٣٨٨ ح ١٩ ، المحاسن : ص ٢١٦ ح ١٠٣ ، وسائل الشيعة : ج ٢٧ ص ١٥٨ ب ١٢ ح ٣٣٤٧٤.

٨٥

عن الصادق عليه‌السلام : «إنّ جماعة يقال لهم الحقّيّة ، وهم الذين يقسمون بحقّ عليّ ولا يعرفون حقّه وفضله ، وهم يدخلون الجنّة».

وبالجملة : فالقول بأنّه يكفي في الايمان الاعتقاد بوجود الواجب الجامع للكمالات المنزّه عن النقائص وبنبوّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وبإمامة الأئمّة عليهم‌السلام ، والبراءة من أعدائهم والاعتقاد بالمعاد الجسمانيّ الذي لا ينفكّ غالبا عن الاعتقادات السابقة غير بعيد ، بالنظر الى الأخبار والسيرة المستمرة.

______________________________________________________

باسناده عن الصّادق عليه‌السلام : انّ جماعة يقال لهم : الحقّيّة ، وهم الذين يقسمون بحقّ عليّ) عليه‌السلام (ولا يعرفون حقّه وفضله ، وهم يدخلون الجنّة) فان عدم معرفتهم بحق عليّ وفضله ، لا يوجب كفرهم حتى يدخلون النار ، وإنّما إذا أنكروا حقّه وفضله سبّب لهم دخول النار.

(وبالجملة : فالقول بأنّه يكفي في الايمان) الخاص ، الذي هو أخص من الاسلام (: الاعتقاد بوجود الواجب) لذاته (الجامع للكمالات المنزّه عن النقائص ، وبنبوة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وبإمامة الأئمة عليهم‌السلام ، والبراءة من أعدائهم) والغاصبين لحقوقهم (والاعتقاد بالمعاد الجسماني الّذي لا ينفك غالبا عن الاعتقادات السّابقة) وهي الحساب ، والصراط ، والميزان ، والجنّة ، والنار ، وما أشبه (غير بعيد بالنّظر الى الأخبار والسّيرة المستمرّة).

وإنّما قال : غالبا ، لأنّ كثيرا من أهل القرى والأرياف ، بل من أهل المدن الفارغة عن العلماء ، بل وكثير ممّن هم في أوائل بلوغهم ، لا يعرفون من المعاد إلّا أنهم يجزون بالاحسان إحسانا ، وبالسيئات عقابا أو غفرانا ، ولا يستنكر عليهم

٨٦

وأمّا التديّن بسائر الضروريّات ، ففي اشتراطه أو كفاية عدم إنكارها أو عدم اشتراطه أيضا ، فلا يضرّ إنكارها إلّا مع العلم بكونها من الدّين وجوه ، أقواها الأخير ، ثمّ الأوسط.

وما استقربناه فيما ما يعتبر في الايمان وجدته بعد ذلك في كلام محكيّ عن المحقّق الورع الأردبيليّ في شرح الإرشاد.

ثمّ الكلام إلى هنا في تمييز القسم الثاني ، وهو ما لا يجب الاعتقاد به إلّا بعد حصول العلم به عن القسم الأول ، وهو ما يجب الاعتقاد به مطلقا ،

______________________________________________________

أحد من العلماء ممّا يدل على كفاية مثل هذا الاعتقاد.

(وأمّا التّديّن بسائر الضّروريّات ، ففي اشتراطه) في الايمان (أو كفاية عدم إنكارها ، أو عدم اشتراطه أيضا) فانّه حتى إذا أنكرها بلا علم بأنّها من الدين ، لم يكن ضارا بايمانه ، كما قال : ـ (فلا يضرّ إنكارها إلّا مع العلم بكونها من الدّين ، وجوه) ثلاثة : (أقواها : الأخير ، ثم الأوسط) وإنّما كان الأقوى الأخير ، للأصل ، والسيرة ، وبعض الروايات المتقدمة.

هذا (وما استقربناه فيما يعتبر في الايمان ، وجدته بعد ذلك) أي : بعد ان كتبت هذه الامور هنا (في كلام محكي عن المحقّق الورع : الأردبيلي ، في شرح الارشاد) (١) ممّا يؤيد ما ذكرناه ، فانّه قدس‌سره على شدّة تقواه وورعه إذا رأى ذلك كانت رؤيته تلك مؤيدة لما استفدناه من الآيات ، والأخبار ، والاجماع ، والسيرة.

(ثمّ الكلام الى هنا في تمييز القسم الثاني ، وهو : ما لا يجب الاعتقاد به الّا بعد حصول العلم به ، عن القسم الأوّل ، وهو : ما يجب الاعتقاد به مطلقا ،

__________________

(١) ـ مجمع الفائدة والبرهان في شرح ارشاد الأذهان : ج ٣ ص ٢٢٠.

٨٧

فيجب تحصيل مقدّمته ، أعني الأسباب المحصّلة للاعتقاد ، وقد عرفت أنّ الأقوى عدم جواز العمل بغير العلم في القسم الثاني.

وأمّا القسم الأوّل : الذي يجب فيه النظر لتحصيل الاعتقاد ، فالكلام فيه يقع تارة بالنسبة الى القادر على تحصيل العلم وأخرى بالنسبة إلى العاجز ، فهنا مقامان :

الأوّل : في القادر

والكلام في جواز عمله بالظنّ يقع في موضعين ، الأوّل : في حكمه التكليفيّ ،

______________________________________________________

فيجب تحصيل مقدّمته أعني : الأسباب المحصّلة للاعتقاد) وقد مرّ الفرق بين العلم والاعتقاد ، وأن العلم : أن يعلم الانسان شيئا في مقابل أن يجهله ، والاعتقاد : أنّ يعقد قلبه.

(وقد عرفت : إنّ الأقوى عدم جواز العمل بغير العلم في القسم الثاني) إذ لا دليل على ذلك.

(وأمّا القسم الأوّل الّذي يجب فيه النّظر لتحصيل الاعتقاد) وقبل تحصيل الاعتقاد تحصيل العلم حتى يعتقد (فالكلام فيه يقع تارة بالنّسبة الى القادر على تحصيل العلم ، واخرى بالنسبة الى العاجز) عن تحصيل العلم (فهنا مقامان) على النحو التالي :

الأوّل : في القادر (والكلام في جواز عمله بالظّن يقع في موضعين) كما يلي :

(الأوّل : في حكمه التكليفي) أي : جواز الاقتصار على الظّن لمن تمكّن من العلم.

٨٨

والثاني : في حكمه الوضعيّ من حيث الإيمان وعدمه ، فنقول :

أمّا حكمه التكليفيّ ، فلا ينبغي التأمّل في عدم جواز اقتصاره على العمل بالظنّ.

فمن ظنّ بنبوّة نبيّنا محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو بإمامة أحد من الأئمة عليهم‌السلام ، فلا يجوز له الاقتصار ، فيجب عليه مع التفطّن لهذه المسألة زيادة النظر ، ويجب على العلماء أمره بزيادة النظر ليحصل له العلم إن لم يخافوا عليه الوقوع في خلاف الحقّ ، لأنّه حينئذ يدخل في

______________________________________________________

(والثّاني : في حكمه الوضعي من حيث الايمان وعدمه) وانّه لو كان ظانّا ، هل يكون مؤمنا له أحكام الايمان ، أو ليس بمؤمن؟ والمراد بالايمان هنا هو معناه الأعم المرادف للاسلام.

(فنقول : أمّا حكمه التكليفي ، فلا ينبغي التأمّل في عدم جواز اقتصاره) أي : المكلّف (على العمل بالظّن) وهو قادر على تحصيل العلم والاعتقاد.

وعليه : (فمن ظنّ بنبوة نبيّنا محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو بامامة أحد من الأئمة عليهم‌السلام ، فلا يجوز له الاقتصار) على هذا الظّن (فيجب عليه ـ مع التّفطّن لهذه المسألة ـ زيادة النظر) وقيّده بالتفطن ، لأنّ من لم يتفطّن لا تكليف عليه ، وقوله : «زيادة النظر» فاعل قوله : ف «يجب».

(ويجب على العلماء) من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وإرشاد الجاهل وتنبيه الغافل ، وخصّ العلماء بالوجوب ، لأنهم هم الملتفتون الى هذه الامور غالبا ، والّا فالأمر لا يخص العلماء كما لا يخفى ، فانّه يجب عليهم (أمره بزيادة النّظر ليحصل له العلم إن لم يخافوا عليه الوقوع في خلاف الحقّ).

وإنّما وجب إن لم يكن خوف (لأنّه حينئذ) أي : حين الخوف (يدخل في

٨٩

قسم العاجز عن تحصيل العلم بالحقّ ، فانّ بقاءه على الظنّ بالحقّ أولى من رجوعه إلى الشّك أو الظنّ بالباطل فضلا عن العلم به.

والدليل على ما ذكرنا جميع الآيات والأخبار الدالّة على وجوب الايمان والعلم والتفقّه والمعرفة والتصديق والإقرار والشهادة والتديّن وعدم الرخصة في الجهل والشك ومتابعة الظنّ ، وهي أكثر من أن تحصى.

وأمّا الموضع الثاني : فالأقوى فيه بل المتعيّن الحكم بعدم الايمان ،

______________________________________________________

قسم العاجز عن تحصيل العلم بالحقّ) فكما إنّ العاجز لا تكليف عليه ، كذلك من يخشى أن يقع في خلاف الحقّ الصريح إذا فحص وبحث ونظر لا تكليف عليه.

وإنّما يخشى عليه ذلك ، لتهيأ ذهنيته للوقوع في خلاف الحق (فانّ بقائه على الظّن بالحقّ أولى من رجوعه الى الشّك ، أو الظّن بالباطل ، فضلا عن العلم به) أي : فضلا عن القطع بالباطل.

ولا يخفى : إنّ إطلاق المصنّف العلم هنا على القطع ، مع انّهم عرّفوا القطع : بالاعتقاد الجازم المطابق للواقع ، لا يكون إلّا من باب التوسع.

هذا (والدّليل على ما ذكرنا) : من انّه يجب تحصيل العلم ، هو : (جميع الآيات والأخبار الدّالة على وجوب الايمان ، والعلم ، والتفقّه ، والمعرفة ، والتّصديق ، والإقرار ، والشّهادة ، والتّدين ، وعدم الرّخصة في الجهل والشّك ومتابعة الظّنّ ، وهي أكثر من أن تحصى) كما لا يخفى ذلك على من راجع البحار في هذه الأبواب.

هذا تمام الكلام بالنسبة الى الحكم التكليفي في تحصيل العلم.

(وأمّا الموضع الثّاني :) وهو حكمة الوضعي من حيث الايمان وعدم الايمان (فالأقوى فيه ، بل المتعيّن : الحكم بعدم الايمان) لمن لم يحصّل العلم

٩٠

للأخبار المفسّرة للايمان بالإقرار والشهادة والتديّن والمعرفة وغير ذلك من العبائر الظاهرة في العلم.

وهل هو كافر مع ظنّه بالحقّ؟ فيه وجهان ، من إطلاق ما دلّ على أنّ الشاكّ وغير المؤمن كافر ، وظاهر ما دلّ من الكتاب والسنّة على حصر المكلّف في المؤمن والكافر

______________________________________________________

والاعتقاد ، وذلك (للأخبار المفسّرة للايمان بالاقرار ، والشهادة ، والتّدين ، والمعرفة ، وغير ذلك من العبائر الظّاهرة في العلم).

ومعنى ذلك : انّه إذا لم يكن له العلم ، لم يكن له الايمان ، وعلى هذا فهو ليس بمؤمن قطعا (وهل هو كافر مع ظنّه بالحقّ؟ فيه وجهان : من إطلاق ما دلّ على أنّ الشّاك وغير المؤمن كافر) ومن المعلوم أنّ المراد بالشّاك هو غير العالم ، فيشمل الواهم ، والظان ، والشاك المتساوي الطرفين.

(و) كذا من (ظاهر ما دلّ من الكتاب والسّنة على حصر المكلّف في المؤمن والكافر) فاذا لم يكن الانسان مؤمنا كان كافرا ، لأنّ ظاهر هذه الآيات والرّوايات : انّه لا واسطة بين الأمرين.

مثل ما عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «من شكّ في الله وفي رسول الله فهو كافر» (١).

وعن منصور بن حازم قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : من شكّ في رسول الله؟ قال : كافر ، قلت : من شكّ في كفر الشّاك فهو كافر؟ فأمسك عني ،

__________________

(١) ـ الكافي (اصول) : ج ٢ ص ٣٩٩ ح ٣ ، وسائل الشيعة : ج ٢٨ ص ٣٤٦ ب ١٠ ح ٣٤٩٢٥ ، المحاسن : ص ٨٩ ح ٣٣.

٩١

ومن تقييد كفر الشاكّ في غير واحد من الأخبار بالجحود فلا يشمل ما نحن فيه ،

______________________________________________________

فرددت عليه ثلاث مرات ، فاستبنت في وجهه الغضب» (١).

وعن سليم بن قيس الهلالي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : «بني الكفر على أربع دعائم : الفسّق ، والغلوّ ، والشّك ، والشبهة» (٢).

وعن أبي إسحاق الخراساني قال : «كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول في خطبته : لا ترتابوا فتشكوا ، ولا تشكوا فتكفروا» (٣) ، والى غير ذلك.

(ومن تقييد كفر الشاكّ في غير واحد من الأخبار بالجحود فلا يشمل ما نحن فيه) مثل ما عن محمد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : «كلّ شيء يجرّه الإقرار والتسليم فهو إيمان ، وكلّ شيء يجرّه الانكار والجحود فهو الكفر» (٤). وعن زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «لو انّ العباد إذا جهلوا وقفوا ولم يجحدوا ، لم يكفروا» (٥).

وعن محمد بن مسلم قال : «كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام جالسا عن يساره وزرارة عن يمينه ، فدخل عليه أبو بصير فقال : يا أبا عبد الله ما تقول فيمن شكّ في الله؟ فقال : كافر يا أبا محمّد ، قال : فشكّ في رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ فقال : كافر ، قال : ثم التفت إلى زرارة فقال : إنّما يكفر إذا جحد» (٦).

__________________

(١) ـ الكافي (اصول) : ج ٢ ص ٣٨٧ ح ١١.

(٢) ـ الكافي (اصول) : ج ٢ ص ٣٩١ ح ١.

(٣) ـ الكافي (اصول) : ج ١ ص ٤٥ ح ٦ وج ٢ ص ٣٩٩ ح ٢ ، بحار الانوار : ج ٢ ص ٣٩ ب ٩ ح ٦٩.

(٤) ـ الكافي (اصول) : ج ٢ ص ٣٨٧ ح ١٥.

(٥) ـ الكافي (اصول) : ج ٢ ص ٣٨٨ ح ١٩ ، المحاسن : ص ٢١٦ ح ١٠٣ ، وسائل الشيعة : ج ٢٧ ص ١٥٨ ب ١٢ ح ٣٣٤٧٤.

(٦) ـ الكافي (اصول) : ج ٢ ص ٣٩٩ ح ٣.

٩٢

ودلالة الأخبار المستفيضة على ثبوت الواسطة بين الكفر والإيمان ، وقد أطلق عليه في الأخبار الضّلال ،

______________________________________________________

ومن المعلوم : إنّ الجمع بين الطائفتين هو : حمل المطلق على المقيّد ، ويؤيده أخبار الواسطة كما قال : (ودلالة الأخبار المستفيضة على ثبوت الواسطة بين الكفر والايمان ، وقد أطلق عليه) أي : على الوسط بين الكفر والايمان (في الأخبار : الضّلال).

فعن زرارة أبي جعفر عليه‌السلام : في قول الله عزوجل : (وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ)(١) قال : «قوم مشركون فقتلوا مثل : حمزة ، وجعفر ، وأشباههم من المؤمنين ، ثمّ إنّهم دخلوا في الاسلام ، ووحّدوا الله ، وتركوا الشّرك ، ولم يعرفوا الايمان بقلوبهم ، فيكونوا من المؤمنين فيجب لهم الجنّة ، ولم يكونوا على جحودهم فيكفروا فيجب لهم النّار ، فهم على تلك الحال إمّا يعذبهم وإمّا يتوب عليهم» (٢).

وعن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «ما تقول في أصحاب الأعراف؟ فقلت : ما هم إلّا مؤمنون أو كافرون ، إن دخلوا الجنّة فهم مؤمنون ، وإن دخلوا النّار فهم كافرون ، فقال : والله ما هم بمؤمنين ولا كافرين ، ولو كانوا مؤمنين دخلوا الجنّة كما دخلها المؤمنون ، ولو كانوا كافرين لدخلوا النّار كما دخلها الكافرون ، ولكنّهم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم فقصرت بهم الأعمال ، وإنّهم كما قال الله عزوجل ، فقلت : أمن أهل الجنّة هم أو من أهل النّار؟ فقال : اتركهم حيث تركهم الله ، قلت : أفترجئهم؟ قال : أرجئهم كما أرجئهم الله ، إن شاء أدخلهم الجنّة

__________________

(١) ـ سورة التوبة : الآية ١٠٦.

(٢) ـ الكافي (اصول) : ج ٢ ص ٤٠٧ ح ١.

٩٣

.................................................................................................

______________________________________________________

برحمته ، وإنّ شاء ساقهم الى النار بذنوبهم ولم يظلمهم» (١).

وعن هاشم صاحب البريد ، قال : «كنت أنا ومحمّد بن مسلم وأبو الخطاب مجتمعين ، فقال أبو الخطاب : ما تقولون فيمن لم يعرف هذا الأمر؟ فقلت : من لم يعرف هذا الأمر فهو كافر ، فقال أبو الخطاب : ليس بكافر حتى يقوم عليه الحجّة ، فاذا قامت عليه الحجّة ولم يعرف فهو كافر ، فقال له محمّد بن مسلم : سبحان الله ما له إذا لم يعرف ولم يجحد يكفر ، ليس بكافر إذا لم يجحد؟ قال : فلما حججت دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام فاخبرته بذلك ، فقال : إنّك قد حضرت دعابا ، ولكن موعدكم الليلة عند الجمرة الوسطى بمنى ، فلما كانت الليلة اجتمعنا عنده وأبو الخطاب ومحمّد بن مسلم وتناول وسادة فوضعها في خدره وقال : أما ، ما تقولون في خدمكم ونسائكم وأهلكم؟ أليس يشهدون أن لا إله الّا الله؟ قلت : بلى ، قال : أليس يصلّون ويصومون ويحجّون؟ قلت : بلى ، قال : ويعرفون ما أنتم عليه؟ قلت : لا ، قال : فما هم عندكم؟ قلت : من لم يعرف هذا الأمر فهو كافر ، قال : سبحان الله أما رأيت اهل الطريق وأهل الماء؟ قلت : بلى ، قال : أليس يصلّون ويصومون ويحجّون؟ أليس يشهدون أن لا إله الّا الله وأن محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رسول الله؟ قلت : بلى ، قال : أيعرفون ما أنتم عليه؟ قلت : لا ، قال : فما هم عندكم؟ قلت : من لم يعرف فهو كافر ، قال : سبحان الله أما رأيت الكعبة وأهل اليمن وتعلقهم بأستار الكعبة؟ قلت : بلى ، قال عليه‌السلام : أليس يشهدون أن لا إله الّا الله وأن محمّدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويصلّون ويصومون ويحجّون؟ قلت : بلى ،

__________________

(١) ـ الكافي (اصول) : ج ٢ ص ٤٠٣ ح ٢.

٩٤

لكن أكثر الأخبار الدالّة على الواسطة مختصّة بالإيمان بالمعنى الأخصّ ، فيدلّ على أنّ من المسلمين من ليس بمؤمن ولا كافر ، لا على ثبوت الواسطة بين الاسلام والكفر ،

______________________________________________________

قال : فيعرفون ما أنتم عليه؟ قلت : لا ، قال فما تقولون فيهم؟ قلت : من لم يعرف فهو كافر ، قال : سبحان الله ، هذا قول الخوارج.

ثمّ قال : إن شئتم أخبرتكم؟ فقلت : بلى ، فقال أما إنّه شرّ عليكم أن تقولوا بشيء ما لم تسمعوه منّا ، قال : فظننت انّه يريد ما على قول محمّد بن مسلم» (١).

وعن عمر بن أبان قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المستضعفين؟ فقال عليه‌السلام : «هم أهل الولاية فقلت : أي ولاية؟ فقال : أما إنّها ليست بالولاية في الدّين ولكنّها الولاية في المناكحة والموارثة والمخالطة ، وهم ليسوا بالمؤمنين وليسوا بالكفار ، ومنهم المرجون لأمر الله عزوجل» (٢).

الى غير ذلك من الأخبار التي يجدها المتتبع في البحار في باب الايمان والكفر وفي غيره.

(لكن أكثر الأخبار الدّالة على الواسطة ، مختصّة بالايمان بالمعنى الأخصّ) فهناك من يؤمن بالائمة الطاهرين عليهم‌السلام إيمانا بالمعنى الأخص ، وكافر يقابله ، ومسلم ليس يؤمن بالائمة الطاهرين ، وهو واسطة بينهما (فيدلّ على انّ من المسلمين من ليس بمؤمن ولا كافر ، لا على ثبوت الواسطة بين الاسلام والكفر) الذي هو محل البحث والكلام.

__________________

(١) ـ الكافي (اصول) : ج ٢ ص ٤٠١ ح ١.

(٢) ـ الكافي (اصول) : ج ٢ ص ٤٠٥ ح ٥ ، تفسير العياشي : ج ١ ص ٢٥٧ ح ١٩٤.

٩٥

نعم ، بعضها قد يظهر منه ذلك. وحينئذ فالشاكّ في شيء ممّا يعتبر في الإيمان بالمعنى الأخصّ ليس بمؤمن ولا كافر ،

______________________________________________________

قال الآشتياني : «ثم إنّ الواسطة بين الايمان بالمعنى الأعم وهو : الاسلام والكفر ، لا يترتب عليه حكم كلّ من الكافر والمسلم ، فمثل النجاسة لا يترتب عليه بل يحكم بطهارته ، لأنّ النجاسة من أحكام الكفر ، كما أن جواز النكاح والتوارث من أحكام الاسلام ، وهل يحكم بصحة عباداته ام لا؟ وجهان : أوجههما الثاني ، لأنّ ظاهرهم اعتبار الاسلام في صحة العبادات لا مانعية الكفر.

نعم ، لا يجوز استرقاقه قطعا ، لأنّه أحكام الكفر ، كما انّه يحكم بسقوط القضاء ـ أي قضاء العبادات ـ عنه بعد الاسلام ، فانّه من أحكامه.

وبالجملة : لا بد من تشخيص كون الحكم مترتبا على الكفر أو الاسلام وهو بنظر الفقيه ، وأمّا الواسطة بين المؤمن بالمعنى الأخص والكافر : فيجري عليه حكم المسلم القائل بالايمان الأخص ، ولا يترتب عليه حكم كل من الكافر والمؤمن ، فمثل حقن الدماء والميراث وجواز النكاح فيما كانت الواسطة امرأة وأراد المؤمن نكاحها يترتب عليه ، وأما نكاحه المؤمنة ونحوه ممّا رتب في الشرع على الايمان بالمعنى الأخص فلا يترتب عليه».

انتهى ، وان كان في بعض ما ذكره قدس‌سره تامّل موضعه الفقه.

(نعم ، بعضها قد يظهر منه ذلك) وانّه واسطة بين الاسلام بالمعنى الأعم والكفر (وحينئذ) أي : حين كان واسطة بين الايمان بالمعنى الأخص والكفر (فالشّاك في شيء ممّا يعتبر في الايمان بالمعنى الأخص) كالشّك في انّ الامام المهدي عليه‌السلام وهو الامام الثاني عشر ـ مثلا ـ يكون (ليس بمؤمن ولا كافر ،

٩٦

فلا يجري عليه أحكام الإيمان.

وأمّا الشاكّ في شيء ممّا يعتبر في الاسلام بالمعنى الأعم ، كالنبوّة والمعاد ، فان اكتفينا في الاسلام بظاهر الشهادتين وعدم الانكار ظاهرا وإن لم يعتقد باطنا فهو مسلم ، وإن اعتبرنا في الاسلام الشهادتين مع احتمال الاعتقاد على طبقهما حتّى تكون الشهادتان أمارة على الاعتقاد الباطنيّ فلا إشكال في عدم إسلام الشاكّ لو علم منه الشكّ ، فلا يجري عليه أحكام المسلمين ، من جواز المناكحة والتوارث وغيرهما.

______________________________________________________

فلا يجري عليه أحكام الايمان) بالمعنى الأخص.

(وأمّا الشّاك في شيء ممّا يعتبر في الاسلام بالمعنى الأعمّ : كالنبوّة ، والمعاد ، فان اكتفينا في الاسلام بظاهر الشّهادتين ، وعدم الانكار ظاهرا وإن لم يعتقد) الاسلام (باطنا ، فهو مسلم) لأن المفروض : انّه شهد الشّهادتين ولم ينكر شيئا ممّا يعتبر في الاسلام المعاد ـ مثلا ـ.

(وإن اعتبرنا في الاسلام الشّهادتين مع احتمال الاعتقاد على طبقهما حتى تكون الشّهادتان أمارة على الاعتقاد الباطني ، فلا إشكال في عدم إسلام الشّاك) في مرحلة الواقع والثبوت ، لأنّه غير مسلم حسب هذا الميزان ، فانّه (لو علم منه الشّكّ ، فلا يجري عليه أحكام المسلمين : من جواز المناكحة ، والتّوارث ، وغيرهما) كطهارة البدن ، والدفن في مقبرة المسلمين ، والى غير ذلك.

لكن قد يقال : إذن فكيف يجري على المنافق أحكام الاسلام ، مع انّه عاقد قلبه على الخلاف ، لا أنّه شاك فقط؟.

فانّه ربّما يقال : بأنّ الأقسام أربعة :

الأول : المسلم حقيقة.

٩٧

وهل يحكم بكفره ونجاسته حينئذ فيه إشكال من تقييد كفر الشاكّ في غير واحد من الأخبار بالجحود ، هذا كلّه في الظانّ بالحقّ ، وأمّا الظانّ بالباطل ، فالظاهر كفره.

بقي الكلام في أنّه اذا لم يكتف بالظنّ وحصل الجزم من تقليد ، فهل يكفي

______________________________________________________

الثاني : المسلم صورة ، فتجري أحكام الاسلام ، وهذا يشمل المنافق أيضا.

الثالث : من لا يجري عليه أحكام الاسلام وإن شهد الشّهادتين ، وذلك كما إذا جاء كافر وأراد الزواج من بنت مسلمة فقيل له : لا يسمح لك بالزواج منها إلّا بعد الشهادتين ، فتشهد وهو يقول : انّه لا يعتقد بشيء ممّا شهد به أصلا ، أو علمنا منه لك.

الرابع : الكافر لفظا وقلبا.

(و) كيف كان ، فعلى قول المصنّف : انّه لا يجري على الشاك أحكام المسلمين ، لكن (هل يحكم بكفره ونجاسته حينئذ؟) أي : حين كان شاكا واقعا وعلمنا منه ذلك؟.

(فيه إشكال : من تقييد كفر الشّاك في غير واحد من الأخبار بالجحود) وهذا ليس بجاحد ، فلا يكون كافرا ولا نجسا.

لكن لا يخفى : إنّ السيرة جرت على عدم التفكيك بين أحكام الاسلام والكفر ، بأنّ لا ينكح ـ مثلا ـ لكن يقال : بانّه ظاهر ، أو يدفن في مقابر المسلمين ، بل أمّا أحكام الاسلام جارية في حقه ، أو كلّ أحكام الكفر.

(هذا كلّه في الظّان بالحقّ ، أمّا الظّان بالباطل ، فالظاهر : كفره) لأنّ توهم الاسلام ليس باسلام ، والأدلة منصرفة عن مثله.

(بقي الكلام في انّه إذا لم يكتف بالظّن وحصل الجزم من تقليد ، فهل يكفي

٩٨

ذلك أو لا بدّ من النظر والاستدلال؟ ظاهر الأكثر الثاني ، بل ادّعى عليه العلّامة قدس‌سره ، في الباب الحادي عشر الاجماع ، حيث قال : «أجمع العلماء على وجوب معرفة الله وصفاته الثبوتيّة وما يصحّ عليه وما يمتنع عنه والنبوّة والامامة والمعاد بالدليل لا بالتقليد». فانّ صريحه أنّ المعرفة بالتقليد غير كافية.

ومثلها عبارة الشهيد الأوّل والمحقق الثاني ، وأصرح منهما عبارة المحقّق رحمه‌الله في المعارج ، حيث استدلّ على بطلان التقليد بأنّه جزم في غير محلّه.

______________________________________________________

ذلك) في الحكم عليه بالاسلام ، وجريان أحكام الاسلام عليه (أو لا بدّ من النظر والاستدلال؟) حتى يقال : بانّه مسلم محكوم بأحكام الاسلام؟.

(ظاهر الأكثر : الثاني ، بل ادّعى عليه العلّامة قدس‌سره في الباب الحادي عشر :

الاجماع) على ذلك (حيث قال : أجمع العلماء على وجوب معرفة الله ، وصفاته الثبوتيّة ، وما يصحّ عليه) من الأقوال والأفعال (وما يمتنع عنه) من الصفات السلبية ، والأقوال والأفعال (والنّبوة ، والامامة ، والمعاد ، بالدّليل لا بالتّقليد) (١) فانّ التقليد لا يكفي في صدق الاسلام بالنسبة الى الاصول الاسلامية ، وفي الايمان بالنسبة الى الاصول الايمانية (فانّ صريحه : انّ المعرفة بالتقليد غير كافية) في التسمية بالاسمين المذكورين ، وفي جريان أحكامهما على المسلم والمؤمن.

(ومثلها : عبارة الشهيد الأوّل ، والمحقّق الثّاني ، وأصرح منهما : عبارة المحقّق رحمه‌الله في المعارج ، حيث استدل على بطلان التقليد : بانّه جزم في غير محله)

__________________

(١) ـ النافع ليوم الحشر في شرح الباب الحادي عشر : ص ٤.

٩٩

ولكن مقتضى استدلال العضديّ ، على منع التقليد بالاجماع على وجوب معرفة الله وأنّها لا تحصل بالتقليد هو انّ الكلام في التقليد الغير المفيد للمعرفة.

وهو الذي يقتضيه أيضا ما ذكره شيخنا في العدّة ، كما سيجيء كلامه ؛ وكلام الشهيد رحمه‌الله ، في القواعد من عدم جواز التقليد في العقليّات ولا في الاصول الضروريّة من السمعيّات ولا في غيرها ممّا لا يتعلّق به عمل ويكون المطلوب فيها العلم ، كالتفاضل بين الأنبياء السابقة.

______________________________________________________

فان المقلّد جازم ، لكن جزمه ليس في محله ، إذ التقليد الفروع لا الاصول.

(ولكن مقتضى استدلال العضدي) وهو من علماء العامّة (على منع التّقليد ، بالاجماع على وجوب معرفة الله وانّها لا تحصل بالتّقليد ، هو : انّ الكلام في التقليد غير المفيد للمعرفة) أما التقليد المفيد للمعرفة القلبية ، فانّه يكفي في الحكم بالاسلام ، اذ التقليد قد يفيد العلم وقد لا يفيد العلم.

(و) مقتضى كلام العضدي (هو الّذي يقتضيه أيضا ما ذكره شيخنا) الطوسي (في العدّة ما سيجيء كلامه) إنشاء الله تعالى.

(وكلام الشهيد) الأول (رحمه‌الله في القواعد : من عدم جواز التّقليد في العقليّات ، ولا في الاصول الضروريّة من السّمعيّات) يقتضي ذلك أيضا ، فالأول : كوجود الله سبحانه وتعالى ، والثاني : كالائمة الاثني عشر عليهم‌السلام ، فانّه سمعي ضروري وليس بعقلي في خصوصيات العدد ونحوه (ولا في غيرها ممّا لا يتعلّق به عمل ، ويكون المطلوب فيها العلم ، كالتفاضل بين الانبياء السّابقة) مثل : إنّ إبراهيم عليه‌السلام أفضل من لوط وموسى وعيسى بما هما من أولي العزم أفضل من زكريا ويحيى ،

١٠٠