الوصائل إلى الرسائل - ج ٦

آية الله السيد محمد الشيرازي

الوصائل إلى الرسائل - ج ٦

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة عاشوراء للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7263-06-6
ISBN الدورة:
964-7263-04-X

الصفحات: ٤٠٠

ولا ينافي الامتنان ، وليس من باب الاضرار على الغير لدفع الضرر عن النفس لينافي ترخيصه الامتنان على العباد ، فانّ الضرر أوّلا وبالذات متوجّه على الغير بمقتضى إرادة المكره ـ بالكسر ـ ، لا على المكره ـ بالفتح ـ ، فافهم.

بقي في المقام شيء : وإن لم يكن مربوطا به

وهو أنّ النبويّ المذكور مشتمل على ذكر الطّيرة والحسد

______________________________________________________

هذا (ولا ينافي) الرفع هنا (الامتنان ، وليس) هو (من باب : الاضرار على الغير لدفع الضرر عن النفس ، لينافي ترخيصه) اي : ترخيص الاضرار ورفعه (الامتنان على العباد) وإنما يكون هذا من باب عدم تحمل الضرر ، لا من باب الاضرار ، لانه كما قال : (فانّ الضرر) هنا (اوّلا وبالذات متوجه على الغير بمقتضى إرادة المكره ـ بالكسر ـ لا على المكره ـ بالفتح ـ) فهو إذن ليس من باب الاضرار بالغير حتى يتنافى رفعه مع الامتنان.

(فافهم) لعله إشارة الى أنّ المؤاخذة وإن كانت هنا مرفوعة ، إلّا انه ـ كما سبق ـ لا يبعد عدم رفع الضمان عن المكره ـ بالفتح ـ فللمتضرر الرجوع الى كل من المكره ـ بالكسر ـ والمكره ـ بالفتح.

(بقي في المقام) أي : فيما يختص بالنبوي المشتمل على الرفع (شيء وإن لم يكن مربوطا به) أي : بهذا المقام بالذات ، وهو الاستدلال بالنبوي على البراءة ، فانّ الكلام الذي نريد ان نتكلم فيه : هو حول الحديث نفسه ، لا حول الاستدلال به على البراءة.(وهو : انّ النبوي (١) المذكور مشتمل على ذكر : الطّيرة ، والحسد ،

__________________

(١) ـ انظر الخصال : ص ٤١٧ ، التوحيد : ٣٥٣ ح ٢٤ ، تحف العقول : ص ٥٠.

٣٨١

والتفكّر في الوسوسة في الخلق ما لم ينطق الانسان بشفته ، وظاهره رفع المؤاخذة على الحسد مع مخالفته لظاهر الأخبار الكثيرة.

ويمكن حمله على ما لم يظهر الحاسد أثره باللسان أو غيره بجعل عدم النّطق باللّسان قيدا له أيضا.

______________________________________________________

والتفكّر في الوسوسة في الخلق ما لم ينطق الانسان بشفته) الضمير في قوله : «بشفته» ، راجع إلى «من تطيّر ، وحسد ، وتفكر» ، كما نستظهره نحن من الرّواية.

أما المصنّف فقد قال : (وظاهره) أي : ظاهر هذا الحديث النبوي (: رفع المؤاخذة على) مطلق (الحسد) وهذا حسب استظهار المصنّف حيث يرى : انّ قوله : «ما لم ينطق بشفته» ، راجع إلى الجملة الأخيرة ، أمّا حسب ما نستظهره نحن من ان قوله : ما لم ينطق بشفته ، راجع إلى كل من الطيرة ، والحسد ، والتفكر ، فلا يأتي فيه هذا الكلام.

وعلى أي حال : فالمصنف استظهر إنّ رفع الحسد مطلق غير مقيد ، ومعناه : انّه لا يؤخذ الحسود بحسده سواء أظهر أثره باللّسان واليد أم لا؟ فيكون معنى رفع الحسد : انّ الحسد كان حراما في الامم السابقة مطلقا ، فارتفعت حرمته عن هذه الامة مطلقا.

هذا (مع مخالفته) أي : مخالفة هذا الظاهر الذي استظهرناه من لفظ الحسد في النبوي (لظاهر) الآيات وظاهر (الأخبار الكثيرة) الدالة على الحرمة والمؤاخذة على الحسد.

(ويمكن حمله) أي : حمل النبوي الدال على رفع الحسد.(على ما لم يظهر الحاسد أثره باللسان أو غيره) أي : غير اللسان ، كالاشارة ونحوها (بجعل عدم النّطق باللسان) المذكور في آخر الرواية (قيدا له) أي : الحسد (ايضا).

٣٨٢

ويؤيّده تأخير الحسد عن الكلّ في مرفوعة الهندي عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، المرويّة في آخر أبواب الكفر والايمان من اصول الكافي :

«قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وضع عن امّتي تسعة أشياء : الخطأ ، والنسيان ، وما لا يعلمون ، وما لا يطيقون ، وما اضطرّوا إليه ، وما استكرهوا عليه ، والطّيرة والوسوسة في التفكّر في الخلق ،

______________________________________________________

فلفظ الحسد في النبوي ليس بمطلق ، بل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما لم ينطق بشفته ، قيد للثلاثة : الطيرة ، الحسد ، والتفكر ، جميعا ، والمعنى : انّ الحسد كان حراما مطلقا في الامم السابقة ، فارتفع عن هذه الامة حرمة الحسد المجرد عن اللّسان واليد.

لا يقال : كيف كان الحسد في الامم السابقة حراما مطلقا ، والحال ان فعل القلب ليس بيد الانسان حتى يكون محرّما؟.

لأنّه يقال : المراد الحسد الذي هو سببه ، لا الحسد الذي يلقى في القلب من غير اختيار.

(ويؤيّده) أي : يؤيد كون عدم النطق المذكور في آخر الرواية قيدا للحسد أيضا (تأخير الحسد عن الكلّ في مرفوعة الهندي) وقد تمسكنا أوّلا برواية الصدوق دون هذه المرفوعة ، لأن رواية الصدوق صحيحة ، بينما رواية الهندي مرفوعة.

وعلى أي حال : فرواية الهندي مروية (عن أبي عبد الله عليه‌السلام المرويّة في آخر أبواب الكفر والايمان من اصول الكافي ، قال) عليه‌السلام : (قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وضع عن أمّتي تسعة أشياء : الخطأ ، والنسيان ، وما لا يعلمون ، وما لا يطيقون ، وما اضطرّوا إليه ، وما استكرهوا عليه ، والطيرة ، والوسوسة في التّفكر في الخلق ،

٣٨٣

والحسد ما لم يظهر بلسان أو بيد» ، الحديث.

ولعلّ الاقتصار في النبويّ الأوّل على قوله : «ما لم ينطق» ، لكونه أدنى مراتب الاظهار.

وروي : «ثلاثة لا يسلم منها أحد ، الطّيرة والحسد والظنّ.

______________________________________________________

والحسد ما لم يظهر بلسان أو بيد ، الحديث) (١) فيكون قيد «ما لم يظهر» متعلقا بالحسد قطعا.

وحيث انّ الحديثين واحد مآلا ، فاللازم أن يقال : إنّ القيد في الحديث الأوّل وهو قوله : «ما لم ينطق بشفته» ، متعلق كما في الحديث الثاني «بالحسد ، والتفكر في الوسوسة في الخلق».

لا يقال : إنّه لم يذكر في حديث الصدوق : «أو بيد» ، وقد ذكر في هذا الحديث.

لأنه يقال : (ولعلّ الاقتصار في النبوي الأوّل) الذي رواه الصدوق (على قوله : «ما لم ينطق» ، لكونه أدنى مراتب الاظهار) إذ الاظهار باليد أسوأ من الاظهار باللسان ، فهو مثل قوله سبحانه : (فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍ)(٢) حيث إنّ «أف» ادنى مراتب العقوق ، فيعلم حرمة الأعلى بالفحوى.

(و) يؤيد كون الحسد المرفوع : هو الحسد مقيدا بعدم النطق وعدم العمل باليد ـ ايضا ـ انّه قد (روي : ثلاثة لا يسلم منها أحد : الطّيرة ، والحسد ، و) سوء (الظنّ) فكل إنسان غير المعصوم لا بدّ أن يعرض له شيئا من التطير ، أو الحسد أو سوء الظنّ.

__________________

(١) ـ الكافي (اصول) : ج ٢ ص ٤٦٣ ح ٢.

(٢) ـ سورة الإسراء : الآية ٢٣.

٣٨٤

قيل : فما نصنع؟.

قال : إذا تطيّرت فامض ، وإذا حسدت فلا تبغ ، وإذا طننت فلا تحقّق».

والبغي عبارة عن استعمال الحسد ، وسيأتي في رواية الخصال : «إنّ المؤمن لا يستعمل حسده».

______________________________________________________

(قيل) للامام عليه‌السلام (فما نصنع) إذا عرض علينا شيئا من هذه الثلاثة؟.

(قال) عليه‌السلام : (إذا تطيّرت فامض) ولا تعتن بتطيرك وتشاؤمك (وإذا حسدت فلا تبغ) أي : لا تعمل حسب ما يدعوك إليه حسدك (وإذا ظننت فلا تحقّق) (١) ظنّك بإظهار بيد أو لسان.

(والبغي) في قوله : «فلا تبغ» (عبارة عن استعمال الحسد) لأن البغي هو الطلب المقترن بالعمل ، ولهذا تسمّى المرأة الفاجرة : بالبغية ، لأنها تطلب الحرام وتفعله.

ومن الواضح : انّ وجه تأييد هذه الرواية لما ذكرناه من ان الحسد المرفوع هو المقيد بعدم إظهاره بيد أو لسان ، انّه عليه‌السلام نهى عن استعمال الحسد ، فيستفاد منه : ان الحسد المرفوع حرمته هو : ما لم يظهر أثره ، وقد تقدّم : انّ في الآية الكريمة : (وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ)(٢) اشارة الى هذا المعنى فانه إذا حسد ، اي اذا أظهر حسده (وسيأتي في رواية الخصال) ما يشير الى هذا المعنى أيضا ، حيث يقول عليه‌السلام : ثلاثة لم ينج منها نبي فمن دونه : التفكر في الوسوسة في الخلق ، والطيرة ، والحسد : إلّا (إنّ المؤمن لا يستعمل حسده) (٣) ومعنى ذلك : إن الحسد

__________________

(١) ـ بحار الانوار : ج ٥٨ ص ٣٢٠ ب ١١ ح ٩.

(٢) ـ سورة الفلق : الآية ٥.

(٣) ـ الخصال : ص ٨٩ ح ٢٧ ، الكافي (روضة) : ج ٨ ص ٩٤ ح ٨٦.

٣٨٥

.................................................................................................

______________________________________________________

موجود في كل أحد ، إلا انّ الذي آمن بالله واليوم الآخر لا يستعمل حسده بيد أو لسان.

وعليه : فتكون هذه الرواية قرينة على انّ رواية الصدوق المتقدّمة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، يراد من قوله فيها : «ما لم ينطق الانسان بشفته» تقييد الحسد أيضا ، لا تقييد الجملة الأخير فقط.

أقول : قال بعض في تفسير هذه الرواية : إنّ مادة الحسد الموجودة في القلب حسنة ، لأنها توجب التقدّم من جهة التنافس ، وإنّما صورة الحسد الظاهرة باللّسان واليد قبيحة ، كمادة النار : فهي حسنة ، لأنّها تطهي الطعام وتنفع في تهيئة الوسائل والآلات ، وإنّما استعمالها في الاحراق الضار قبيح ، وكذلك مادة الطيرة ، فانّها مادة تعدّل التفاؤل والتشاؤم في داخل الانسان ليختار الانسان بينهما الأحسن ، وإنّما صورتها الظاهرة وهو الوقوف عن العمل بسبب التطير قبيح.

وكذلك حال الوسوسة فانّها تقليب لوجوه الآراء والافكار ، وإنّما الاستمرار عليها والشك في الخالق وكيفية الخلقة قبيح.

وواضح : الأنبياء معصومون ، ولم يكونوا متّصفين إلّا بالصفات الحسنة من هذه الثلاثة ، دون السيئة منها.

إن قلت : قوله عليه‌السلام : «لم ينج فيها» الظاهر في انّها صفات سيئة.

قلت : باعتبار إن الأغلب يستعملون هذه الثلاثة في الامور السيئة جاء التعبير كذلك ، فالرواية على هذا التفسير مثل قوله تعالى : (الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً)(١)

__________________

(١) ـ سورة المعارج : الآية ١٩.

٣٨٦

ولأجل ذلك عدّ في الدّروس من الكبائر في باب الشهادة إظهار الحسد ، لا نفسه ، وفي الشرائع : «إنّ الحسد معصية ، وكذا الظنّ بالمؤمن ، والتظاهر بذلك قادح في العدالة».

والانصاف : أنّ في كثير من أخبار الحسد إشارة إلى ذلك.

______________________________________________________

وقوله سبحانه : (إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً)(١) وغير ذلك من الآيات الكريمة.

وربّما يقال : ان الرواية بنفسها ضعيفة السند ، فلا يستند إليها.

(ولأجل ذلك) الذي ذكرناه : من ان إظهار الحسد حرام ، لا نفس الحسد القلبي (عدّ في الدّروس من الكبائر في باب الشّهادة : إظهار الحسد ، لا نفسه) فالحسد الكامن في النفس لا يعدّ عصيانا.

(و) قال المحقق (في الشرائع : إنّ الحسد معصية ، وكذا الظّنّ بالمؤمن ، والتظاهر بذلك) أي : بكل واحد من الحسد والظنّ (قادح في العدالة) ، ممّا يدل على إنّ كلا من الحسد المجرد ، وكذلك الظنّ المجرد ، ليس بقادح في العدالة ، وعدم قدحه إما من جهة كونه معصية قلبية فقط ، بمعنى القبح الفاعلي لا الفعلي ، وامّا من جهة كونه صغيرة مرفوعة عن هذه الامّة.

(والانصاف : انّ في كثير من أخبار الحسد إشارة إلى ذلك) أي : إلى التظاهر به ممّا يدل على ان الحسد المحرّم هو التظاهر بالحسد ، أما الحسد المرفوع عن هذه الامّة فهو الحسد القلبي الذي لا يظهر بيد أو لسان.

نعم ، لا شك في أنّ الحسد الذي هو عبارة عن : تمنّي زوال نعمة المحسود ـ في مقابل الغبطة التي هي صفة حسنة ومعناها : تمني ارتفاع الانسان بنفسه

__________________

(١) ـ سورة الأحزاب : الآية ٧٢.

٣٨٧

وأمّا الطّيرة ، بفتح الياء ، وقد يسكّن ، وهي في الأصل التشاؤم بالطّير ، لأنّ أكثر تشاؤم العرب كان به ، خصوصا الغراب.

والمراد ، إمّا رفع المؤاخذة عليها ،

______________________________________________________

الى مستوى المغبوط ـ صفة سيئة يلزم على الانسان تزكية نفسه عنها ، ولها قبح فاعلي ، وإن لم يكن لها قبح فعلي ، والامم السابقة كانوا مأمورين بازالة هذا الحسد القلبي بسبب تزكية النفس ، فلو أبقوه في قلوبهم كتب معصيته عليهم.

(وأمّا الطّيرة ـ بفتح الياء وقد يسكن ـ وهي في الأصل) أي : في معناها اللغوي (التشاؤم بالطّير) فانّ كثيرا من الناس إذا رأوا طيرا يطير ذات اليمين أو ذات الشمال ، أو رأوا طيران يتناقران ، أو ما أشبه ، جعلوا ذلك دليلا على حسن ما يريدون من العمل فأتوا به ، أو على سوئه فتركوه وإن كان لازما وقد عزموا عليه.

ثم صار التطيّر بالغلبة اسما لمطلق التشاؤم ، سواء كان بالطير أو بسائر الأشياء فإذا خرج ـ مثلا من داره وهو يريد السفر ، فرأى جنازة أمامه ، يتشاءم من سفره ذلك ويتركه ، ونحو هذه الامور التي لم ينزل الله بها من سلطان.

وإنّما سمي التشاؤم بالتطيّر (لأنّ أكثر تشاؤم العرب كان به) أي : بالطير دون سائر الأشياء ، و (خصوصا الغراب) من بين الطيور ، وقد تقدّم شعر يزيد الصريح في الكفر : «نعب الغراب فقلت صح أو لا تصح» (١) ، الى آخره.

(والمراد) من رفع الطيرة : (اما رفع المؤاخذة عليها). بمعنى : إن التطيّر كان محرما في الامم السابقة ، لكن رفع عن هذه الامة حرمتها فلا يؤاخذون عليها.

__________________

(١) ـ بحار الانوار : ج ٤٥ ص ١٩٩ ب ٣٩ ح ٤٠.

٣٨٨

ويؤيّده ما روي من أنّ الطيرة شرك وإنّما يذهبه التوكّل ،

______________________________________________________

(ويؤيّده) أي : يؤيد كون التطيّر كان محرما في الامم السابقة وقد ارتفع عن هذه الامّة (ما روي : من انّ الطّيرة شرك) بالله سبحانه وتعالى ، لأن المتطيّر يرى تأثير هذا الطير أو ذلك الشيء الذي يتطيّر به على مصيره ، فهو لا يرى الله تعالى المؤثر الوحيد في كل اموره.

ثم انه جاء في الرواية بعد الكلام المتقدّم : (وانّما يذهبه) أي : يذهب التطير ويبطله : (التّوكل) (١) فاذا توكل الانسان على الله وواصل عمله ولم يعتن بتطيّره لم يكن به بأس ، لأنه بعد اعتنائه هذا ، نفي الشرك بالله سبحانه عن نفسه ، لان من الشرك ان يرى مع الله مؤثرا في اموره.

والحاصل : ان هنا ثلاثة امور :

الأوّل : أن يمرّ التطيّر بخاطر الانسان من دون أن يعتقد به ، أو يرتب عليه أثره ، وهذا مرفوع عن هذه الامة.

الثاني : أن يعتقد بكونه مؤثرا في مصيره ، ويرتب عليه اثره فيتوقف عن عمله ، هذا حرام قطعي وشرك.

الثالث : ان لا يعتقد قلبا بذلك ، وإنّما يرتب عليه أثره عملا : بان يتوقف عن عمله الذي أراد أن يعمله ، أو قولا : بان لا يتوقف عن عمله ، لكنّه يقول : هذا غراب ينعب فيسبب لنا المشاكل في عملنا ، وهذا حرام لأنّه أظهره بلسان أو بعمل.

__________________

(١) ـ وقد ورد في الكافي (روضة) : ج ٨ ص ١٩٨ ب ٨ ح ٢٣٦ وفي وسائل الشيعة : ج ٢٢ ص ٤٠٤ ب ٣٥ وفي بحار الانوار : ج ٥٥ ص ٣٢٢ (كفارة الطيرة التوكل).

٣٨٩

وإمّا رفع أثرها ، لأنّ الطّير كان يصدّهم عن مقاصدهم ، فنفاه الشرع.

______________________________________________________

(وامّا) ان يكون المراد من رفع الطيرة : (رفع أثرها) أي : أثر الطيرة من التشاؤم بالشر (لأنّ الطّير كان) بسبب التشاؤم به (يصدّهم عن مقاصدهم ، فنفاه الشرع) وأمرهم بالمضي في مقاصدهم ، بدون أن يتأثروا بالتطيّر ويتخذوا منه سببا لوقوفهم عن العمل الذي يقصدونه.

وهنا شيء آخر وهو : انّه لا يكون للطيرة تأثير في الخارج أيضا ، وذلك لأن للنفس تأثير في الخارج كما لها تأثير في البدن ، أما تأثيرها في البدن : فان كلا من النفس والبدن يؤثر في الآخر ، فاذا حزنت نفس الانسان سقم بدنه ، كما إذا سقم بدن الانسان حزنت نفسه.

وأما تأثيرها في الخارج : فقد ورد : «أنّ العين لتدخل الرجل القبر ، والبعير القدر» (١) مع وضوح : انّ العين حركة نفسية لا أكثر ولا أقل لكنها تؤثر في الخارج فتردي الذي وقعت عليه ، كما ورد : «لا تعادوا الأيام فتعاديكم» (٢) فانّ هذه الرواية مع قطع النظر عن تأويلها بالأئمة عليهم‌السلام ، ظاهرة في ان نفس معادات الأيام توجب معادات الأيام للانسان ، فاذا تصور الانسان ان يوم الاربعاء ـ مثلا ـ نحس لعمل ما ، صار ذلك اليوم نحسا عليه.

وورد أيضا : «إنّ الرؤيا تقع على ما عبّر» (٣) وقد عبّر يوسف عليه‌السلام الرؤيا الكاذبة بالصلب ، مع انه لم ير رؤيا في المنام ، بل فكر في نفسه شيئا وقال له

__________________

(١) ـ بحار الانوار : ج ٦٣ ص ٢٦ ب ١ ح ٢٩.

(٢) ـ الخصال : ص ٣٩٤ ، معاني الاخبار : ص ١٢٣ ، مستدرك الوسائل : ج ١٣ ص ٧٧ ب ١١ ح ١٤٨٠٤.

(٣) ـ وسائل الشيعة : ج ٦ ص ٥٠٢ ب ٤٠ ح ٨٥٤٩ وح ٨٥٥٠ ، بحار الانوار : ج ٦١ ص ١٧٤ ح ٣٤ ب ٤٤.

٣٩٠

وأمّا الوسوسة في التفكّر في الخلق ، كما في النبويّ الثاني ، أو التكفّر في الوسوسة فيه ، كما في الأوّل ، فهما واحد ، والأوّل أنسب ، ولعلّ الثاني اشتباه من الرّاوي.

______________________________________________________

بصورة الرؤيا ، فرؤياه أثّر في اليقظة ، وتفكيره أثر في الواقع.

كما ان تلك المرأة لما رأت الرؤيا وعبّر الرجل لها بموت زوجها مات زوجها ، الى غير ذلك ممّا هو بحث مفصل مذكور في علم النفس.

(وأمّا الوسوسة في التفكّر في الخلق كما في النبوي الثاني) (١) أي : مرفوعة الهندي (أو التفكر في الوسوسة فيه) أي : في الخلق (كما في الأوّل) (٢) الذي نقله الصدوق (فهما واحد) معنى ، لوضوح : انّه لا فرق بين أن يقال : وسوس في تفكره ، أو تفكر في وسوسته.

(والأوّل : أنسب) إذ الوسوسة توجد في التفكر ، وإن كان الثاني صحيحا أيضا ـ على ما عرفت ـ فقول المصنّف : (ولعل الثاني اشتباه من الرّاوي) محل تأمّل.

وربّما يقال : انّه من باب القلب في الكلام مثل عرضت الحوض على الناقة أي : الناقة على الحوض.

كما ويحتمل أن يكون فيه معنى النسبة ، مثل قول المتكلمين : الواجبات الشرعيّة ، ألطاف في الواجبات العقلية ، أي : بالنسبة إليها.

وعلى أي حال : فالوسوسة في التفكر أو التفكر فيها مرفوع عن هذه الامّة

__________________

(١) ـ الكافي (اصول) : ج ٢ ص ٤٦٣ ح ٢.

(٢) ـ الخصال : ص ٨٩ ح ٢٧ ، الكافي (روضة) : ج ٨ ص ٩٤ ح ٨٦.

٣٩١

والمراد به ـ كما قيل ـ : وسوسة الشيطان للانسان عند تفكّره في أمر الخلقة. وقد استفاضت الأخبار في العفو عنه.

ففي صحيحة جميل بن درّاج قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : «إنّه يقع في قلبي أمر عظيم ، فقال عليه‌السلام : قل : لا إله إلّا الله. قال جميل : فكلّما وقع في قلبي شيء قلت لا إله إلّا الله فذهب عني».

وفي رواية حمران عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، عن الوسوسة

______________________________________________________

(والمراد به كما قيل : وسوسة الشيطان للإنسان عند تفكّره في أمر الخلقة) بأن يتفكر في انّه هل له خالق أو لا؟ وإذا كان له خالق فكيف يمكن أن يكون خالق لا جسم له ، ولا صورة ، ولا عرض ، ولا جوهر ، ولا ما أشبه ذلك؟ وإذا كان كذلك فمن هو خالق الخالق؟ واذا كان للخالق خالق فمن هو خالق ذلك الخالق؟ وهكذا.

والمفهوم من النبوي : انه كان حراما في الامم السابقة ، ومعنى حرمته عليهم : هو الامتداد في التفكير فيه وذلك فيما إذا كان امتداده بيد الانسان وباختياره ، وأما نفس الالقاء في القلب بدون الاختيار فليس بمحرم حتى عليهم (وقد استفاضت الأخبار في العفو عنه) وعدم المؤاخذة عليه ان تعمده أحد من هذه الامة ، واما ان لم يتعمده فواضح انه لا حرمة فيه (ففي صحيحة جميل بن دراج قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنّه يقع في قلبي أمر عظيم؟ فقال عليه‌السلام : قل لا إله إلّا الله ، قال جميل : فكلما وقع في قلبي شيء قلت : لا إله إلا الله فذهب عني) (١) ومن المعلوم : انّ المراد بالأمر العظيم أمثال ما ذكرناه.

(وفي رواية حمران عن أبي عبد الله عليه‌السلام) انّه سأله (عن الوسوسة

__________________

(١) ـ الكافي (اصول) : ج ٢ ص ٤٢٤ ح ٢.

٣٩٢

وإن كثرت ، قال عليه‌السلام : «لا شيء فيها ، تقول : لا إله إلّا الله».

وفي صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «جاء رجل إلى النبيّ ، صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : يا رسول الله! إنّي هلكت. فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أتاك الخبيث ، فقال لك : من خلقك ، فقلت : الله تعالى ، فقال : من خلقه؟ فقال : أي والذي بعثك بالحقّ ، قال كذا فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ذاك والله محض الايمان».

______________________________________________________

وإن كثرت؟) بمعنى الامتداد الزمني ، أو بمعنى التشعب الى فروع مختلفة ، كالوسوسة في الله ، وفي الرسول ، وفي الامام ، وفي المعاد ، وما أشبه ذلك؟.

(قال عليه‌السلام : لا شيء فيها ، تقول : لا إله إلّا الله) (١) وكأن قول لا إله إلّا الله يوجب الايحاء الى النفس ببطلان تلك الامور التي وقعت فيها ، أو لأن الشيطان يطرد بسبب قول لا إله إلا الله.

(وفي صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام : جاء رجل إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : يا رسول الله إني هلكت ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أتاك الخبيث) أي : الشيطان (فقال لك : من خلقك؟ فقلت : الله تعالى ، فقال : من خلقه؟ فقال) الرجل مصدقا للنبي : (أي والّذي بعثك بالحق قال :) لي الخبيث (كذا) مثل ما قلت يا رسول الله (فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ذاك والله محض الايمان) (٢).

لا يقال : فكيف قال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : انّه محض الايمان؟ وهل تكون الوسوسة من محض الايمان؟.

__________________

(١) ـ الكافي (اصول) : ج ٢ ص ٤٢٤ ح ١ ، فقه الرضا : ص ٣٨٥.

(٢) ـ الكافي (اصول) : ج ٢ ص ٤٢٥ ح ٣ (بالمعنى).

٣٩٣

قال ابن أبي عمير ؛ فحدّث ذلك عبد الرحمن بن الحجّاج ، فقال : حدّثني أبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إنّما عنى بقوله «محض الايمان» خوفه أن يكون قد هلك حيث عرض في قلبه ذلك».

وفي رواية أخرى عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «والذي بعثني بالحقّ إنّ هذا لصريح الايمان ، فاذا وجدتموه فقولوا : آمنّا بالله ورسوله ، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله».

______________________________________________________

لأنه يقال : (قال ابن أبي عمير : فحدّث) أيضا (ذلك) الحديث الذي حدثه محمّد بن مسلم (عبد الرحمن بن الحجّاج فقال) بعد نقله للحديث المتقدّم : (حدّثني أبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : انّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّما عنى بقوله) ذلك : («محض الايمان» خوفه) أي : خوف الرجل (أن يكون قد هلك حيث عرض في قلبه ذلك) (١) فانّ من يخاف الهلاك لا يكون إلّا مؤمنا ، إذا غير المؤمن لا يعتقد بهلاكه بسبب مثل هذا التفكير ـ كما هو واضح ـ.

(وفي رواية اخرى عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) بعد ان سئل عن الوسوسة انّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : (والّذي بعثني بالحقّ إنّ هذا لصريح الايمان ، فاذا وجدتموه) أي : مثل هذا التفكير في النفس (فقولوا : آمنّا بالله ورسوله ولا حول ولا قوّة إلّا بالله) (٢).

ولعلّ المستفاد من اختلاف الروايات فيما يقوله الذي يجد في نفسه الوسوسة : انّه يصح التخلص بكلّ ما يؤدّي ذلك ، كأن يقول : لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، أو يقول : الله أعبد وحده لا شريك له ، أو يقول : لا شريك لك

__________________

(١) ـ الكافي (اصول) : ج ٢ ص ٤٢٥ ح ٤ (بالمعنى).

(٢) ـ الكافي (اصول) : ج ٢ ص ٤٢٥ ح ٤.

٣٩٤

وفي رواية أخرى عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ الشّيطان أتاكم من قبل الأعمال ، فلم يقو عليكم ، فأتاكم من هذا الوجه لكي يستزلّكم ، فاذا كان كذلك فليذكر أحدكم الله تعالى وحده».

ويحتمل أن يراد بالوسوسة في الخلق الوسوسة في امور النّاس وسوء الظنّ بهم ،

______________________________________________________

يا ربّ جلّ اسمك وعزّ ذكرك ، أو ما أشبه ذلك.

ولعل المستفاد أيضا من هذه الأحاديث أن يكون الأمر كذلك بالنسبة الى الوسوسة والتشكيك في الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فيصح أن يقول : أشهد أنّ محمّدا عبد الله ورسوله ، أو أشهد أنّ محمّدا عبد الله ورسوله أرسله الى الناس كافة ، وما أشبه ذلك ، وهكذا بالنسبة الى النبوة العامّة ، والامامة ، والعدل ، والمعاد ، لاستفادة الملاك من الأحاديث المتقدّمة وإن لم أر من تعرض لها.

(وفي رواية أخرى عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) بعد أن سئل عن الوسوسة فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (إنّ الشّيطان أتاكم من قبل الأعمال ، فلم يقو عليكم) أي : لم يتمكن من أن يصرعكم كما يصرع المصارع رقيبه (فأتاكم من هذا الوجه) أي : من وجه التفكر والوسوسة في القلب (لكي يستزلكم) ويوجب وقوعكم في المعصية والكفر ، (فاذا كان كذلك فليذكر أحدكم الله تعالى وحده) (١) بأن يقول ـ مثلا : لا إله إلا الله ، وهذه الرواية تؤيد ما ذكرناه : من إنّ المقصود : ذكر الله لدفع الوسوسة التي عرضت عليه.

(ويحتمل أن يراد بالوسوسة) في التفكر (في الخلق : الوسوسة) في التفكر (في أمور النّاس ، و) ذلك عن طريق (سوء الظّنّ بهم) فيكون المراد من الخلق

__________________

(١) ـ الكافي (اصول) : ج ٢ ص ٤٢٥ ح ٥.

٣٩٥

وهذا أنسب بقوله : «ما لم ينطق بشفته».

ثمّ هذا الذي ذكرنا ، هو الظاهر المعروف في معنى الثلاثة الأخيرة المذكورة في الصحيحة.

______________________________________________________

في الرواية : المخلوق دون الخالق.

يؤيد ، وهذا المعنى ، ما تقدّم في الرواية : من انّه ثلاثة لا يسلم منها أحد : الطيرة ، والحسد ، والظنّ (١) ، وقد ذكرنا هناك انّ المراد بالظنّ : الظنّ السيئ (وهذا أنسب بقوله : «ما لم ينطق بشفته» (٢)) ولعلّ وجه الأنسبية ما ذكروه : من انّ الوسوسة في أمر المخلوق ربّما يجري على اللسان ، دون الوسوسة في أمر الخلقة فانّه لا يجري على اللسان.

لكن لا يخفى : ان الأنسبية محل تأمّل ، بلّ الأنسب : هو المعنى المشهور المنصرف من الروايات المذكورة.

(ثمّ هذا الذي ذكرنا : هو الظاهر المعروف في معنى الثلاثة الأخيرة المذكورة في الصحيحة) : من الوسوسة في التفكر في الخلق ، والطيرة ، والحسد.

لكن قيل في تفسيرها معنى آخر ، فرفع الطيرة ـ مثلا ـ قالوا : يعني : تحريمها على الامّة ، ونهيهم عن الاعتناء والالتفات إليها أو العمل بها ، لا رفع حرمتها أو أثرها العادي ، فلا يكون رفعها حينئذ على سياق رفع أخواتها.

كما قيل في معنى رفع الحسد : أن الحسد الذي يخطر بالبال أحيانا ، رفع حرمته ، أما الحسد العمدي فغير مرفوع سواء أظهره أم لا؟.

وهكذا قيل في معنى الوسوسة : بانّه هو التفكر في القضاء والقدر ، وخلق

__________________

(١) ـ بحار الانوار : ج ٥٨ ص ٣٢٠ ب ١١ ح ٩.

(٢) ـ تحف العقول : ص ٥٠ ، الخصال : ص ٤١٧ ، التوحيد : ص ٣٥٣ ح ٢٤.

٣٩٦

وفي الخصال ، بسند فيه رفع ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «قال ثلاث لم يعر منها نبيّ فمن دونه ، الطيرة والحسد والتفكّر في الوسوسة في الخلق».

وذكر الصدوق رحمه‌الله ، في تفسيرها : أنّ المراد بالطيرة ، التطيّر بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو المؤمن ، لا تطيّره ،

______________________________________________________

الأشرار من مثل إبليس وغيره ، وإنّ أفعال العباد باختيارهم أو بمشيئة الله سبحانه وتعالى ، وغير ذلك من الامور المرتبطة بالخالق أو بالخلق.

هذا ، ولكن قد أشرنا فيما مضى : بأن الظاهر منها هو ما ذكرناه.

ثم انّه لما كان الظاهر تطابق الفقرات الأخيرة في النبوي ، المعترضة للحسد والطيرة والوسوسة ، مع حديث الخصال الآتي ذكره المصنّف ليذكر توجيه الصدوق له بما لا ينافي مقام الأنبياء وعصمتهم فقال : (وفي الخصال بسند) مذكور ، لكن (فيه رفع) أي : ان هذا الخبر مرفوع وليس سنده متصلا ، فهو ضعيف السند (عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : ثلاث لم يعر) أي ، لم يخلو (منها) أي : من هذه الثلاثة (نبيّ فمن دونه : الطّيرة ، والحسد ، والتفكّر في الوسوسة في الخلق) (١) فانّك ترى إنّ هذا الحديث يتطابق مع النبوي ، في فقراته الأخيرة بفارق : إنّ في هذا الحديث قد نسب هذه الثلاثة إلى الأنبياء أيضا.

(وذكر الصّدوق رحمه‌الله في تفسيرها : أنّ المراد بالطّيرة : التطيّر بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو المؤمن ، لا تطيّره) أي : لا يتطير النبي نفسه ، فان النبي لا يتطير ، وإنّما يتطير

__________________

(١) ـ بحار الانوار : ج ١١ ص ٧٥ ب ٤ ح ٢.

٣٩٧

كما حكى الله ، عزوجل ، عن الكفّار : (قالُوا اطَّيَّرْنا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ.)

والمراد بالحسد أن يحسد ، لا أن يحسد ، كما قال الله تعالى : (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ.)

______________________________________________________

الكفار بالأنبياء والمؤمنين ، كما ورد في القرآن الحكيم : (يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ)(١) و (كما حكى الله عزوجل عن الكفّار) من قوم صالح عليه‌السلام ، حيث انهم (قالُوا اطَّيَّرْنا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ)) (٢) من المؤمنين بك.

(والمراد بالحسد : أن يحسد) بصيغة المفعول ، أي : بأن يكون النبي والمؤمنون محسودين (لا أن يحسد) النبي بنفسه بصيغة الفاعل (كما قال الله تعالى : (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ)(مِنْ فَضْلِهِ)(٣) بمعنى : ان الناس يحسدون الأنبياء والمؤمنين على ما آتاهم الله من فضله ، و «أم» في قوله تعالى : (أَمْ يَحْسُدُونَ ..) بمعنى : بل ، كما ذكره المفسرون وغيرهم.

انتهى

الجزء السادس ويليه

الجزء السابع في تتمّة

الاستدلال بالسنّة للبراءة

ونستمد منه العون

في إتمامه

__________________

(١) ـ سورة الاعراف : الآية ١٣١.

(٢) ـ سورة النمل : الآية ٤٧.

(٣) ـ سورة النساء : الآية ٥٤.

٣٩٨

المحتويات

تتمّة التنبيه الثالث............................................................... ٧

اعتبار الظنون الرجاليّة......................................................... ٨

الظن بالمسائل الاصوليّة...................................................... ١٠

التنبيه الرابع : الظنّ في التطبيقات ليس حجّة.................................... ٣٢

التنبيه الخامس : في اعتبار الظنّ في أصول الدين............................... ٤٣

الجهات التي يمكن ان يتكلم فيها.............................................. ٤٧

الذي لا يجب فيه تحصيل الاعتقاد............................................ ٨٨

المقام الأول : في القادر...................................................... ٨٨

المقام الثاني : في غير المتمكن من العلم....................................... ١٠٧

التنبيه السادس : هل يترتب على الظن آثار غير الحجيّة........................ ١٣٨

المقام الأول : الجبر بالظن غير المعتبر......................................... ١٣٩

المقام الثاني : في كون الظنّ غير المعتبر موهنا.................................. ١٥٤

المقام الثالث : في الترجيح بالظن غير المعتبر وهو على قسمين................... ١٧٢

القسم الاول : ما ورد النهي عنه بالخصوص............................... ١٧٣

القسم الآخر : الظنّ غير المعتبر لبقائه تحت اصالة حرمة الظنّ............... ١٨٠

الترجيح بهذا الظنّ في الدلالة................................................ ١٨٢

الترجيح به في وجه الصدور................................................. ١٩٠

٣٩٩

الترجيح به من حيث الصدور............................................... ١٩١

المقصد الثالث : في الشك.................................................. ٢٤٧

مبحث البراءة والاشتغال................................................... ٢٤٩

الانحصار عقلي........................................................... ٢٨٢

تقسيم الاصول الاربعة..................................................... ٢٨٥

الشك دون ملاحظة الحالة السابقة.......................................... ٢٨٦

الشك في التكليف........................................................ ٢٨٧

المطلب الأول دوران الأمر بين الحرمة وغير الوجوب........................... ٢٩٣

المسألة الاولى : ما لا نصّ فيه.............................................. ٢٩٤

قول الاصوليين بالبراءة..................................................... ٢٩٦

أدلة الاصوليين : الاول : الكتاب........................................... ٢٩٦

الثاني : السنة............................................................. ٣٣١

المحتويات................................................................. ٣٩٩

٤٠٠