الوصائل إلى الرسائل - ج ٦

آية الله السيد محمد الشيرازي

الوصائل إلى الرسائل - ج ٦

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة عاشوراء للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7263-06-6
ISBN الدورة:
964-7263-04-X

الصفحات: ٤٠٠

وهذا القسم يرجع فيه إلى ذلك العموم أو الأصل.

وإن كان الخبر المخالف لأحدهما مطابقا لأمارة خارجيّة ـ وذلك لأنّ العمل بالعموم والأصل يقينيّ لا يرفع اليد عنه إلّا بوارد يقينيّ.

والخبر المخالف له لا ينهض لذلك ، لمعارضته بمثله ، والمفروض أنّ وجوب الترجيح بذلك الظنّ لم يثبت ـ فلا وارد على العموم والأصل.

______________________________________________________

القسم الثاني الذي يكون كلا الخبرين مخالفا للأصل ، أو الكتاب ، أو السنّة ـ مثلا ـ كما سيأتي إنشاء الله تعالى.

(وهذا القسم يرجع فيه الى ذلك العموم ، أو) يرجع فيه إلى (الأصل) اذا لم يكن عموم من كتاب أو سنّة ، ويرجع اليهما حتى (وإن كان الخبر المخالف لأحدهما مطابقا لأمارة خارجية) لم تكن مستندة الى نفس الخبر.

(وذلك) أي : وجوب الرجوع في هذا القسم الى العموم أو الأصل إنّما هو (لأنّ العمل بالعموم والأصل يقيني لا يرفع اليد عنه) أي عن ذلك العموم أو الأصل (إلّا بوارد يقينيّ) له قوة رفع اليد عن الأصل والعموم.

(و) من الواضح : إنّ (الخبر المخالف له) أي : لذلك الخبر الموافق لأصل أو عموم (لا ينهض لذلك) أي : لأن يكون واردا يقينيا ، وذلك (لمعارضته) أي : لمعارضة هذا الخبر المخالف (بمثله) لأن المفروض هناك خبران أحدهما موافق للأصل أو العموم ، والآخر مخالف للأصل والعموم.

(و) إن قلت إنّ الخبر المخالف موافق لظنّ انسدادي خارجي ، فلما ذا لا يقدّم هذا الخبر المخالف على الخبر الموافق للأصل أو العموم؟.

قلت : (المفروض : انّ وجوب الترجيح بذلك الظنّ) الذي طابق الخبر المخالف (لم يثبت) شرعا (فلا وارد على العموم والأصل).

٢٤١

القسم الثاني : ما لا يكون كذلك. وهذا أقلّ قليل بين المتعارضات ، فلو فرضنا العمل فيه بالتخيير مع وجود ظنّ خارجيّ على طبق أحدهما لم يكن محذور.

نعم ، الاحتياط يقتضي الأخذ بما يطابق الظنّ خصوصا ، مع أنّ مبنى المسألة على حجّيّة الخبر من باب الظنّ ، غير مقيّد بعدم الظنّ الفعليّ على خلافه.

______________________________________________________

والحاصل : إنّ الخبر الموافق للأصل أو العموم ، يقدّم على المخالف لهما وإن كان الخبر المخالف موافقا لظنّ انسدادي خارجي.

(القسم الثاني : ما لا يكون كذلك) أي : لا يمكن الرجوع في تعارض الخبرين الى أصل ، أو عموم ، لأنّ الأصل أو العموم مخالف لكليهما ، كما إذا كان هناك خبران : أحدهما يقول بالوجوب ، والآخر يقول بالحرمة ، والأصل : الاباحة.

(وهذا أقل قليل بين المتعارضات) فإنّ الأغلب موافقة أحد الخبرين لأصل أو عموم (فلو فرضنا العمل فيه) أي : في هذا القسم (بالتخيير مع وجود ظنّ خارجي على طبق أحدهما لم يكن محذور) من علم ، أو ظنّ خاص ، أو ظنّ انسدادي ، لعدم تمامية مقدّمات الانسداد ، مع كون هذا القسم أقل القليل على ما عرفت.

(نعم ، الاحتياط يقتضي الأخذ بما يطابق الظنّ) الانسدادي (خصوصا مع إن مبنى المسألة على حجّية الخبر من باب الظنّ ، غير مقيّد بعدم الظنّ الفعلي على خلافه) فليعمل بالخبر من باب الظنّ النوعي ، وإن كان ظنّ فعلي على خلاف هذا الخبر.

وعليه : ففي الصورة المفروضة ليس في العمل بالتخيير ، والأخذ بأي من الخبرين ، محذور ، خصوصا مع إنّ بناء مسألة الترجيح على حجيّة الخبر

٢٤٢

والدليل على هذا الاطلاق مشكل ، خصوصا لو كان الظنّ المقابل من الشهرة المحققة أو نقل الاجماع الكاشف عن تحقق الشهرة ، فانّ إثبات حجّيّة الخبر المخالف للمشهور في غاية الاشكال وإن لم نقل بحجّيّة الشهرة ؛ ولذا

______________________________________________________

من باب الظنّ النوعي غير مقيد بعدم الظنّ الفعلي على الخلاف ، فانّ الظنّ الحاصل من الأمارة الخارجية على خلاف الخبر المعمول به لا محذور فيه إذ الظنّ النوعي حاصل في هذا الخبر ، وإن كان ظنّ فعلي خارجي على خلافه.

(والدليل على هذا الاطلاق) أي : إطلاق : العمل بالخبر وإن كان ظنّ فعلي على خلافه (مشكل ، خصوصا لو كان الظنّ المقابل) للخبر المعمول به (من الشهرة المحقّقة ، أو نقل الاجماع الكاشف عن تحقق الشهرة) لا نقل الاجماع مطلقا ، فإنّه لا يلزم تحقّق الشهرة فضلا عن تحقق الاجماع ، فانّه كثيرا ما يكون ناقل الاجماع قد استند إلى أصل أو رواية لها دلالة بنظرة ، أو ما أشبه ذلك.

ثم بيّن المصنّف قوله : مشكل ، بقوله : (فانّ إثبات حجيّة الخبر المخالف للمشهور في غاية الاشكال وإن لم نقل بحجّية الشهرة) إذ الشهرة على خلاف الخبر ترفع الثقة من الخبر ، والثقة هو ميزان حجيّة الخبر لقوله عليه‌السلام «لا عذر لأحد من موالينا في التشكيك فيما يرويه عنّا ثقاتنا» (١) وما أشبه ذلك ، ممّا يفيد : انّ الملاك في الحجّية : الثقة ، سواء حصلت من نفس الخبر أو من الخارج ، وغير الثقة ، سواء كان من جهة نفس الخبر ، أو من جهة معارضة الخبر بالشهرة الخارجية ، فهو ليس بحجّة (ولذا) أي : لأجل ما ذكرناه : من ان اثبات حجية

__________________

(١) ـ رجال الكشّي : ص ٥٣٦ ، وسائل الشيعة : ج ١ ص ٣٨ ب ٢ ح ٦١ وج ٢٧ ص ١٥٠ ب ١١ ح ٣٣٤٥٥ ، بحار الانوار : ج ٥٠ ص ٣١٨ ب ٤ ح ١٥.

٢٤٣

قال صاحب المدارك : «إنّ العمل بالخبر المخالف للمشهور مشكل ، وموافقة الأصحاب من غير دليل أشكل».

وبالجملة : فلا ينبغي ترك الاحتياط بالأخذ بالمظنون في مقابل التخيير. وأمّا في مقابل العمل بالاصول ، فان كان الأصل مثبتا للاحتياط ، كالاحتياط اللازم في بعض الموارد ، فالأحوط العمل بالأصل ، وإن كان نافيا للتكليف كأصل البراءة والاستصحاب النافي للتكليف ، أو مثبتا له مع عدم التمكّن من الاحتياط

______________________________________________________

الخبر المخالف للمشهور في غاية الاشكال (قال صاحب المدارك : انّ العمل بالخبر المخالف للمشهور مشكل ، وموافقة الأصحاب) في فتواهم المخالفة للخبر (من غير دليل أشكل) فالنتيجة : هو العمل بالخبر المخالف للمشهور ، لأن المشكل أولى من الأشكل.

(وبالجملة : فلا ينبغي ترك الاحتياط بالأخذ بالمظنون في مقابل التخيير) فاذا كان هناك خبر مظنون ويعارضه خبر غير مظنون ، نأخذ بالخبر المظنون ، ولا نقول بالتخيير بين الخبرين ، وقوله : «بالأخذ» ، متعلق بقوله : «الاحتياط».

(وأمّا في مقابل العمل بالاصول) أي : العمل بالخبر المقابل للأصل (فان كان الأصل مثبتا للاحتياط ، كالاحتياط اللازم في بعض الموارد) كالدماء والفروج والأموال (فالأحوط العمل بالأصل) لأن في ذلك جمعا بين الأصل والاحتياط.

(وإن كان) الأصل (نافيا للتكليف ، كأصل البراءة ، والاستصحاب النافي للتكليف ، أو مثبتا له) أي : للتكليف (مع عدم التمكّن من الاحتياط)

٢٤٤

كأصالة الفساد في باب المعاملات ، ونحو ذلك ، ففيه الاشكال.

وفي باب التراجيح تتمّة المقال ، والله العالم بحقيقة الحال ، والحمد لله أوّلا وآخرا ، وصلّى الله على محمّد وآله الطّاهرين.

______________________________________________________

بأن لم يتمكن المكلّف من أن يعمل فيه بالاحتياط.

ثم مثل لقوله : أو مثبتا له مع عدم التمكن من الاحتياط (كأصالة الفساد في باب المعاملات ، ونحو ذلك) مثل باب الطلاق والنكاح (ففيه الاشكال) المتقدّم : من انّه هل يخيّر بين الخبرين ، أو يعمل بالخبر النافي للتكليف ، أو بالمثبت له مع عدم التمكّن من الاحتياط؟.

هذا (وفي باب التراجيح تتمّة المقال) والنتيجة : إنّ الأمر في الخبرين المتعارضين على ثلاثة أقسام :

الأوّل : أن يكون أحدهما موافقا للظنّ غير المعتبر ، وهنا يؤخذ بالخبر المظنون ولا يتخير في العمل بأي الخبرين.

الثاني : أن يكون أحدهما موافقا للأصل المثبت للاحتياط ، وهنا يأخذ بالخبر الموافق للاحتياط ولا يتخيّر في العمل بأي الخبرين.

الثالث : أن يكون أحدهما موافقا للأصل النافي للتكليف ، أو المثبت للتكليف ، لكن لم يتمكن المكلّف من الاحتياط فهل يعمل هنا بالخبر الموافق للأصل ، أو يتخيّر بين الخبرين؟ الأمر فيه مشكل.

(والله العالم بحقيقة الحال ، والحمد لله أولا وآخرا) وظاهرا وباطنا (وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين) وسبحان ربك ربّ العزة عمّا يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

٢٤٥
٢٤٦

الوصائل

الى

الرسائل

المقصد الثالث

في الشك

٢٤٧
٢٤٨

المقصد الثالث من مقاصد الكتاب في الشّك

مبحث البراءة والاشتغال

قد قسمنا ، في صدر هذا الكتاب ، المكلّف الملتفت إلى الحكم الشرعيّ العمليّ

______________________________________________________

مبحث البراءة والاشتغال

بسم الله الرّحمن الرحيم

وبه نستعين الحمد لله ربّ العالمين ، والصّلاة والسّلام على محمّد وآله الطاهرين ، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدّين.

قال : (المقصد الثالث من مقاصد هذا الكتاب في الشك ، قد) تقدّم مقصدان من مقاصد هذا الكتاب وهما : القطع والظّنّ ، وهذا هو المقصد الثالث ، لأنّ الصّفة النفسيّة بالنسبة إلى الأمور الخارجيّة على ثلاثة أقسام : علم ، وظنّ ، وشكّ ، وامّا الوهم فهو داخل في مبحث الظّنّ ، لأنّ الوهم هو الطرف المرجوح ، والظّنّ هو الطرف الراجح.

المدخل

ثم إنّا (قسّمنا في صدر هذا الكتاب ، المكلّف الملتفت) وذكرنا : إنّه يلزم أن يكون الحكم مقيدا بالمكلّف لأن غير المكلّف لا حكم له ، والصبي المميز وإن لم يصطلحوا عليه بأنّه مكلّف لكنّه مكلّف في الجملة ، فهل يجوز للولد غير البالغ اللّواط أو الزّنا أو قتل الناس أو شرب الخمر أو ما أشبه هذه الامور ، وكذلك بالنسبة إلى البنت غير البالغة؟.

كما ذكرنا هناك وجه قيد الالتفات (الى الحكم الشرعيّ العمليّ) أي : الحكم

٢٤٩

في الواقعة على ثلاثة أقسام ؛ لأنّه إمّا أن يحصل له القطع بحكمه الشرعيّ ، وإمّا أن يحصل له الظنّ ، وإمّا أن يحصل له الشكّ.

وقد عرفت انّ القطع حجّة في نفسه

______________________________________________________

الفرعي من الأحكام الشرعيّة ، فانّ الأحكام الشرعيّة قد تكون اصوليّة كالاعتقاديات ، وقد تكون فرعية كالأحكام الخمسة.

وعليه : فاذا التفت المكلّف الى الحكم الشرعي (في الواقعة) الخارجية مقابل الاعتقاديّة ، سواء كانت الواقعة مرتبطة بالجوارح أو القلب ، حيث إنّ للقلب أيضا أحكاما شرعيّة ، كحرمة سوء الظّنّ إذا ظهر والحسد كذلك ، بالإضافة إلى المكروهات والمستحبات بالنسبة الى الصّفات النفسيّة.

وإنّما جيء بالواقعة بلفظ التأنيث ، لأنّهما صفة للصفة المقدرة ، فانّ الأعمال والأقوال والنيّات صفة للإنسان ، فالتقدير : الصفة الواقعة ، أمّا التاء في الصفة ، فهي بدل ، مثل : «عدة» ، فإنّ أصلهما وصف ووعد.

وعلى كل حال : فالمكلّف الملتفت (على ثلاثة أقسام ، لأنّه : إمّا أن يحصل له القطع بحكمه الشّرعيّ) وإنّما عبّر بالقطع دون العلم ، لأن العلم يقال للمطابق للواقع ، والقطع لما يقطعه الانسان سواء كان مطابقا للواقع أو لم يكن ، والمعيار في مقامنا هو القطع ، سواء طابق الواقع أو لم يطابق ، فانّ القاطع يعمل بقطعه بضرورة عقله (وإمّا أن يحصل له الظّنّ) وهو الطرف الرّاجح من الطرفين ، ولم يذكر الوهم لوضوح إنّه كلّما حصل ظنّ في طرف حصل الوهم في الطرف الآخر ، فهو غني عن الذكر (وإمّا أن يحصل له الشّك) وهو المتساوي طرفاه ، فإذا ترجّح أحدهما على الآخر صار ظنّا ووهما.

(وقد عرفت : انّ القطع حجّة في نفسه) يحتجّ المولى به على العبد ، ويحتجّ

٢٥٠

لا بجعل جاعل ، والظنّ يمكن أن يعتبر في الطرف المظنون لانّه كاشف عنه ظنّا لكنّ العمل به والاعتماد عليه في الشرعيّات موقوف على وقوع التعبّد به شرعا ، وهو غير واقع إلّا في الجملة.

وقد ذكرنا موارد وقوعه في الأحكام الشرعيّة في الجزء الأوّل من هذا الكتاب.

______________________________________________________

العبد به على المولى (لا بجعل جاعل) فإنّ الذاتيات لا تجعل ، إذ القطع في نظر القاطع نور.

(والظّنّ) ليس بحجّة في نفسه ، لأنّه نور ناقص والعقلاء لا يعتمدون على النور الناقص ـ على المشهور ـ إلّا عند الضرورة ، أو قيام الدّليل من الموالي ، فانّه (يمكن أن يعتبر) الحجيّة (في) متعلّقه أي : فيما تعلّق به الظنّ وهو (الطرف المظنون) بأن يقول الشارع ، أو المولى العرفي : إذا ظننتم بشيء فاعملوا به ، كما يمكن عكسه بأن يقول : إذا ظننت بشيء فاعمل ضد ذلك الظنّ (لأنّه) أي : الظّنّ (كاشف عنه) أي : عن المتعلق (ظنّا) أي : كشفا ظنيّا ونورا ناقصا.

(لكنّ) مجرد الامكان لا يكفي في الحجّية العقليّة والعقلائيّة ، بل (العمل به) أي : بالظّنّ (والاعتماد عليه في الشرعيّات ، موقوف على وقوع التعبّد به) أي :

بالظنّ تعبّدا (شرعا) بأن جعل الشارع الظّنّ في الخبر الواحد حجّة ، أو عقلا : بأن يرى العقل اللّابدية في العمل بالظّنّ كما تقدّم في باب الانسداد.

(وهو) أي : التعبّد بالظنّ (غير واقع) في الشريعة (إلّا في الجملة) وفي بعض الموارد ، فإنّ الشارع لم يجعل الظّنّ حجّة مطلقا ، بل جعل الظّنّ حجّة في موارد خاصة (وقد ذكرنا موارد وقوعه في الأحكام الشرعيّة في الجزء الأوّل من هذا الكتاب) المشتمل على مباحث القطع والظنّ كظواهر الألفاظ ، وقول اللّغوي ،

٢٥١

وأمّا الشكّ ، فلمّا لم يكن فيه كشف أصلا لم يعقل فيه أن يعتبر ، فلو ورد في مورده حكم شرعيّ ، كأن يقول : «الواقعة المشكوكة حكمها كذا» ،

______________________________________________________

والاجماع المنقول ، والشهرة ، وخبر الثقة ، وما أشبه ذلك.

كما إنّه قد ذكر في الفقه موارد لحجّية الظّنّ في الموضوعات : كالبيّنة ، واليد ، والسوق ، وأرض المسلم ، ونحو ذلك ، ولم نذكرها هنا ، لأنّ هذا الكتاب مختص بذكر مسائل الاصول ، وهي الّتي تجري من أوّل الفقه إلى آخره ، والبيّنة ونحوها لا تجري إلّا في موارد خاصة ، كما نبّهنا على ذلك في بعض المباحث السابقة.

هذا ، وقد عرفت سابقا : إنّ ما لم يرد اعتباره في الشرع من الظنون الّتي لم يجعلها الشّارع حجّة : كخبر الفاسق ، والشاهد الواحد ، وما أشبه ذلك ، فهو داخل في الشّكّ حكما ، وإن كان بصورة الظّنّ موضوعا بأن كان راجحا في نظر الظان ، فالمقصود هنا بيان حكم الشك بالمعنى الأعم.

وكيف كان : فالقطع حجّة بنفسه ، والظنّ حجّة إذا اعتبره الشارع.

(وأمّا الشّك ، فلمّا لم يكن فيه كشف أصلا) لا كشفا تاما كالقطع ، ولا كشفا ناقصا ، كالظّنّ ، لأنّ الشّك عبارة عن التردد والجهل (لم يعقل فيه أن يعتبر) شرعا ، بأن الشارع ـ مثلا ـ : قال اعمل بشكّك ، إذ لا معنى للعمل بالشّك.

وعليه : (فلو ورد في مورده) أي : مورد الشّك (حكم شرعي) كما سيأتي مثاله ، أو حكم عقلي كما تقدّم في باب الانسداد (كأن يقول) الشارع : (الواقعة المشكوكة) التي لا نعلم حكمها (حكمها كذا) كما في الطهارة والحليّة حيث يقول الشارع : «إذا شككت فابن على الطّهارة» ، أو «إذا شككت فابن على

٢٥٢

كان حكما ظاهريّا ، لكونه مقابلا للحكم الواقعيّ المشكوك بالفرض ،

______________________________________________________

الحليّة» (١) ، أو «إذا شككت فابن على الأكثر» (٢).

وهذا الحكم حينئذ(كان حكما ظاهريّا ، لكونه مقابلا للحكم الواقعيّ المشكوك بالفرض) فانّهم اصطلحوا على أنّ الحكم إذا كان مجعولا للموضوعات من غير اعتبار علم المكلّف أو جهله ، سمي حكما واقعيا ، وإن كان الحكم مجعولا للموضوعات بقيد الشّك كما إذا قال المولى : الموضوع المشكوك الحكم حكمه كذا ، كان حكما ظاهريا ، فالأوّل : مثل أن يقول : التتن حرام ، والثاني : مثل أن يقول : التتن إذا لم تعلم هل انّه حرام أو حلال فهو لك حلال.

هذا ، ولكن لنا هنا ملاحظتان :

الأولى : انّا لا نستظهر تقسيم الحكم الى الواقعي والظاهري ، لأنّ ذلك مستلزم للتناقض بينهما ، فإنّ الحكم الواقعي إذا شمل العالم والجاهل ، كيف يجعل الحكم الظاهري للجاهل على خلاف ذلك الحكم الواقعي أو على وفاقه؟ وقد ذكرنا تفصيل ذلك في «الاصول» ، وقلنا : إنّ ما اصطلحوا عليه بالحكم الظاهري ليس هو إلّا تنجيزا أو إعذارا ، وربّما كان من الأحكام الاضطراريّة ، أو التسهيلية ، أو نحو ذلك.

الثانية : إنّا لا نسلّم جعل الحكم للجاهل القاصر الذي لا أثر لهذا الحكم المجعول بالنسبة اليه إطلاقا لأنّه لغو ، فقولهم : إنّ الأحكام تعمّ العالم والجاهل إنّما هو على نحو الموجبة الجزئيّة لا الكليّة.

__________________

(١) ـ انظر الكافي (فروع) : ج ٦ ص ٢٣٢ ح ٤.

(٢) ـ من لا يحضره الفقيه : ج ١ ص ٣٤٠ ح ٩٩٢ ، وسائل الشيعة : ج ٨ ص ٢١٢ ب ٨ ح ١٠٤٥١ ، جامع أحاديث الشيعة : ج ٥ ص ٦٠٢.

٢٥٣

ويطلق عليه الواقعيّ الثانويّ أيضا ، لأنّه حكم واقعيّ للواقعة المشكوك في حكمها ، وثانويّ بالنسبة إلى ذلك الحكم المشكوك فيه ، لأنّ موضوع هذا الحكم الظاهريّ ، وهو الواقعة المشكوك في حكمها ، لا يتحقّق إلّا بعد تصوّر حكم نفس الواقعة والشكّ فيه.

______________________________________________________

(و) كيف كان : فإنّه (يطلق عليه) أي : على الحكم الظاهري (الواقعي : الثانوي أيضا) فله اسمان : ظاهري ، وواقعي ثانويّ.

أمّا تسميته بالواقعي : ف (لأنّه حكم واقعي للواقعة المشكوك في حكمها) فإنّ الشارع جعل هذا الحكم على الواقعة المشكوكة ، فكما إنّ الشارع قال : «الماء طاهر» (١) ، كذلك قال : «كلّ شيء طاهر حتى تعلم أنّه قذر» (٢).

(و) أمّا تسميته بالثانوي : فلأنّه (ثانويّ بالنسبة إلى ذلك الحكم المشكوك فيه) فإنّا إذا شككنا في أنّ التتن حرام أو حلال ، جعل الشارع له حكم الحلية وقال : «كلّ شيء فيه حلال وحرام ، فهو لك حلال حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه» (٣) ، وذلك (لأنّ موضوع هذا الحكم الظّاهريّ وهو الواقعة المشكوك في حكمها ، لا يتحقّق إلّا بعد تصوّر حكم نفس الواقعة والشّك فيه) أي : في ذلك الحكم ، فإنّ موضوع الحكم الظاهري لا يتحقّق إلّا بعد جعل الحكم الواقعي على موضوع خارجي ، فاذا كان موضوعه ـ مثلا ـ التتن المشكوك حكمه ، فهذا العنوان :

__________________

(١) ـ الامالي للصدوق : ص ٦٤٥ ، الكافي (فروع) : ج ٣ ص ١ ح ٢ وح ٣ ونظيره في الوسائل : ج ١ ص ١٣٣ ب ١ ح ٣٢٣.

(٢) ـ تهذيب الاحكام : ج ١ ص ٢٨٥ ب ١٢ ح ١١٩ ، مستدرك الوسائل : ج ١ ص ١٩٠ ب ٤ ح ٣١٨.

(٣) ـ تهذيب الاحكام : ج ٩ ص ٧٩ ب ٤ ح ٧٢ ، الكافي (فروع) : ج ٥ ص ٣١٣ ح ٣٩ ، غوالي اللئالي : ج ٣ ص ٤٦٥ ح ١٦ ، وسائل الشيعة : ج ١٧ ص ٨٨ ب ٤ ح ٢٢٠٥٠.

٢٥٤

مثلا شرب التتن في نفسه له حكم ، فرضنا فيما نحن فيه شكّ المكلّف فيه.

فاذا فرضنا ورود حكم شرعيّ لهذا الفعل المشكوك الحكم

______________________________________________________

أي : التتن المشكوك حكمه ، لا يتحقق إلّا بعد أن يجعل الشارع للتتن حكما واقعيا ، فيلتفت المكلّف الى حكم التتن ويشك فيه بأن حكمه هل هو الحرمة أو الحليّة؟ فاذا التفت الى التتن وحكمه وشكّ فيه جعل الشارع له حكما ظاهريا وهو الحليّة.

ومن المعلوم : إنّه إذا كان تحقّق موضوع الحكم الظاهري متأخرا عن جعل الحكم الواقعي للموضوع ، فنفس الحكم الظاهري أيضا يكون متأخرا عنه ، فيكون الترتيب هكذا : أوّلا : الموضوع وهو : التتن ، ثم الحكم وهو : الحرمة ، ثمّ الشك في أنّ هذا التتن حرام أو حلال ، ثم يأتي مرتبة الحكم الظاهري وهو : الحليّة ، فهناك موضوعان وحكمان.

ولا يخفى : انّ الحكم الثانوي في اصطلاحهم يطلق على موردين :

الأوّل : الحكم الظاهري ـ كما عرفت ـ.

الثاني : الحكم الاضطراري ونحوه ، كالخمر فانّه حرام ، واذا اضطرّ إليها الانسان صارت حلالا ، فالحكم الأوليّ هو الحرمة ، والحليّة هو حكم ثانوي.

هذا ، وأمّا مثال تأخر مرتبة الحكم الظاهري فكما قال : (مثلا : شرب التتن في نفسه) أي : الشرب بما هو هو لا بما هو مشكوك الحكم (له حكم) في الواقع هو الحرمة ، ثم (فرضنا فيما نحن فيه شكّ المكلّف فيه) أي : في ذلك الحكم الواقعي لشرب التتن ، وفحص ولم يصل اليه (فاذا فرضنا ورود حكم شرعيّ لهذا الفعل المشكوك الحكم) بأن قال الشارع : «كلّ شيء لك حلال حتى تعرف أنّه

٢٥٥

كان هذا الحكم الوارد متأخّرا طبعا عن ذلك المشكوك ، فذلك الحكم حكم واقعيّ بقول مطلق.

وهذا الوارد ظاهريّ ، لكونه المعمول به في الظاهر ، وواقعيّ ثانويّ ، لأنّه متأخّر عن ذلك الحكم ، لتأخّر موضوعه عنه ،

______________________________________________________

حرام» (١) ، (كان هذا الحكم الوارد) بالحليّة (متأخرا طبعا عن ذلك المشكوك) أي : الحرمة المجعولة على التتن بما هو هو.

وعليه : (فذلك الحكم) المجعول للتدخين بما هو هو ، وقد فرضناه : الحرمة (حكم واقعي بقول مطلق) أي : لا يقيّد بأنّه واقعي أوّلي ، أو واقعي ثانوي ، وربّما يقيّد الواقعي المطلق بالواقعي الأولي أيضا.

(وهذا) الحكم (الوارد) لشرب التتن بما هو مشكوك الحكم أعني : الحليّة في كلامنا ، هو حكم (ظاهريّ ، لكونه المعمول به في الظاهر) للانسان الشاك الذي لم يوصله فحصه إلى الحكم الواقعي.

(وواقعيّ ثانويّ ، لأنّه) أي : لأنّ هذا الحكم الظاهري (متأخّر عن ذلك الحكم) المجعول للتدخين بما هو هو.

وإنّما كان متأخّرا هذا الحكم عن ذلك الحكم (لتأخّر موضوعه) وهو الشرب المشكوك الحكم (عنه) أي : عن جعل الحكم للشرب بما هو هو ، وقد عرفت :

إنّ هنا موضوعان وحكمان :

الموضوع الأوّل : التتن.

__________________

(١) ـ الكافي (فروع) : ج ٥ ص ٣١٣ ح ٤٠ ، وسائل الشيعة : ج ١٧ ص ٨٩ ب ٤ ح ٢٠٢٥٣ ، بحار الانوار : ج ٢ ص ٢٧٣ ب ٣٣ ح ١٢.

٢٥٦

ويسمّى الدليل الدالّ على هذا الحكم الظاهريّ أصلا.

وأمّا ما دلّ على الحكم الأوّل علما أو ظنّا معتبرا ، فيختصّ باسم الدليل ،

______________________________________________________

الحكم الأوّل : الحرمة.

الموضوع الثاني : التتن المشكوك الحكم.

الحكم الثاني : الحليّة.

(ويسمّى) في اصطلاح الفقهاء والاصوليين (الدليل الدالّ على هذا الحكم الظّاهري) المجعول في مورد الشك : (أصلا) كأصالة البراءة ، والاحتياط ، والاستصحاب ، فدليل «لا تنقض اليقين بالشّك» (١) يدلّ على الاستصحاب ، و «أخوك دينك فاحتط لدينك» (٢) يدلّ على الاحتياط و «رفع ما لا يعلمون» (٣) يدلّ على البراءة وكل منها يسمى بالأصل.

(وأمّا ما دلّ على الحكم الأوّل) وهو الحكم الواقعي ، ممّا أورث (علما) كالخبر المتواتر (أو ظنّا معتبرا) كخبر الثقة (فيختصّ باسم الدّليل) أي : يسمّى دليلا.

وعليه : فإنّ بين الدّليل والأصل فرقا ، فالدّليل هو الذي يدلّ على الأحكام الأوليّة ، والأصل هو الدّليل على الأحكام الثانوية.

__________________

(١) ـ الكافي (اصول) : ج ٣ ص ٣٥١ ح ٣ ، تهذيب الأحكام : ج ٢ ص ١٨٦ ب ٢٣ ح ٤١ ، الاستبصار : ج ١ ص ٣٧٣ ب ٢١٦ ح ٣ ، بحار الانوار : ج ٢ ص ٢٨١ ح ٥٣ ، وسائل الشيعة : ج ٨ ص ٢١٧ ب ١٠ ح ١٠٤٦٢.

(٢) ـ الأمالي للمفيد : ص ٢٨٣ ، الأمالي للطوسي : ص ١١٠ ح ١٦٨ ، وسائل الشيعة : ج ٢٧ ص ١٦٧ ب ١٢ ح ٣٣٥٠٩.

(٣) ـ التوحيد : ص ٣٥٣ ح ٢٤ ، تحف العقول : ص ٥٠ ، الخصال : ص ٤١٧ ، وسائل الشيعة : ج ١٥ ص ٣٦٩ ب ٥٦ ح ٢٠٧٦٩.

٢٥٧

وقد يقيّد بالاجتهاديّ.

كما أنّ الأوّل قد يسمّى بالدليل مقيّدا بالفقاهتيّ.

وهذان القيدان اصطلاحان من الوحيد البهبهانيّ ، لمناسبة مذكورة في تعريف الفقه والاجتهاد.

______________________________________________________

وممّا تقدّم : علم الفرق بين الأحكام الظاهريّة والأحكام الواقعيّة ، فإنّ مرتبة الأحكام الواقعيّة مقدّمة على مرتبة الأحكام الظاهرية وعلم أيضا الفرق بين الأصل والدّليل ، فإنّ الأصل يطلق في الأحكام الظاهرية ، والدليل يطلق في الأحكام الواقعيّة.

(وقد يقيّد) الدّليل (بالاجتهاديّ) فيقال لما يدل على الأحكام الواقعية : الدليل الاجتهادي.

(كما انّ الأوّل) أي : الأصل (قد يسمّى بالدّليل مقيّدا بالفقاهتيّ) وقد ذكرنا أنّ التاء في الفقاهتيّ ليست على القواعد العربية ، إذ التاء في أمثالها تحذف للقاعدة ، فيقال للمنسوب إلى أبي حنيفة : حنفي ، ولا يقال : حنيفتي وهكذا.

وعلى أي حال : فانّ الحكم المجعول في مورد الشك يسمى تارة بالأصل ، وأخرى بالدّليل الفقاهيّ ، كما إنّ ما يدلّ على الحكم الواقعي الذي ذكرنا أنّه مشترك بين العالم والجاهل يسمّى تارة بالدليل وأخرى بالدليل الاجتهاديّ.

(وهذان القيدان) : الاجتهادي والفقاهي (اصطلاحان من الوحيد البهبهاني) رحمه‌الله (لمناسبة مذكورة في تعريف الفقه والاجتهاد) ، فانّ ما ذكر في تعريف الفقه وفي تعريف الاجتهاد يناسب هذا الاصطلاح ، فالاصطلاح على الدليل بالاجتهاديّ إنّما هو لأنّ الاجتهاد استفراغ الوسع لتحصيل الأحكام الواقعية ، والدليل طريق إلى الأحكام الواقعيّة ، والاصطلاح على الأصل بالفقاهي

٢٥٨

ثمّ إنّ الظنّ الغير المعتبر حكمه حكم الشكّ ، كما لا يخفى.

وممّا ذكرنا ـ من تأخّر مرتبة الحكم الظاهريّ عن الحكم الواقعيّ ، لأجل تقييد موضوعه بالشكّ في الحكم الواقعيّ ـ

______________________________________________________

لأن الفقيه هو الذي يستخرج الاصول من الأدلة الأربعة ، وكلّ واحد منهما وإن صحّ إطلاقه على الآخر إلّا أنّ التخصيص لأجل التمييز بينهما.

أمّا الفرق بين المجتهد والفقيه فهو أنّ الأوّل يقال له من حيث إنّه بذل وسعه واجتهد في تحصيل الأحكام ، والثاني يقال : لأنّه فهم وفقه ، فكأن الأوّل بمنزلة المقدمّة للثاني ، ولذا يصح أن يقال : اجتهد ففقه ، ولا يصح أن يقال : فقه فاجتهد ، وعلى أي حال فانّه لا مشاحة في الاصطلاح.

(ثم انّ الظّنّ غير المعتبر) الذي لم يعتبره عقل كما في الانسداد ، ولا شرع كما في الخبر الواحد ، والظواهر ، وما أشبه (حكمه حكم الشّك) في الرجوع الى الأصول العمليّة ، لأنّه كلما لم يكن هناك علم ولا علمي ـ والمراد بالعلمي : الظّنون المعتبرة ـ فالمرجع الاصول العمليّة المذكورة : من الاستصحاب ، والبراءة ، والاحتياط ، والتخيير (كما لا يخفى) إذ المكلّف شاكّ في الحكم حينئذ ، وكونه ظانّا لا ينافي كونه شاكا ، فانّ الشّكّ الذي هو المعيار في الرجوع الى الاصول العمليّة أعم من الظّنّ والشّكّ.

(وممّا ذكرنا من تأخّر مرتبة الحكم الظّاهريّ عن الحكم الواقعيّ لأجل تقييد موضوعه) أي : موضوع الحكم الظاهريّ (بالشّكّ في الحكم الواقعي) فقد تقدّم منّا : بأنّ موضوع الحليّة الظاهريّة في باب التبغ ، هو التبغ المشكوك حكمه الواقعي ، ومن المعلوم : إنّ هذا العنوان لا يتحقق إلّا بعد جعل حكم للتبغ في الواقع ، ثم إنّ المكلّف يشك في ذلك الحكم ، فيترتب عليه الحكم الظاهري بالحليّة.

٢٥٩

يظهر لك وجه تقديم الأدلّة على الاصول ، لأنّ موضوع الاصول يرتفع بوجود الدليل.

فلا معارضة بينهما ، لا لعدم اتحاد الموضوع ، بل لارتفاع موضوع الأصل ـ وهو الشكّ ـ بوجود الدليل.

______________________________________________________

وعليه : فمما ذكرناه (يظهر لك وجه تقديم الأدلّة) أي : الأدلة الظّنية المعتبرة شرعا ، كظواهر الكتاب ، وقول اللغوي ، والشهرة ، وما أشبه ذلك (على الأصول) العمليّة ، فإنّه إذا دلّ الدليل على حرمة التتن ـ مثلا ـ فلا يبقى مجال لإجراء الأصل في التتن حتى يقال إنّه حلال (لأنّ موضوع الاصول يرتفع بوجود الدّليل) من باب الورود على ما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.

وعليه : فإنّ التتن ـ مثلا ـ موضوع لأصالة الحليّة ما دام يصدق عليه أنّه مشكوك الحكم ، فاذا شككنا في حكم التتن نقول : إنّه حلال بمقتضى : «كلّ شيء لك حلال حتى تعرف إنّه حرام» (١) ومن المعلوم : إنّه بعد قيام الدليل على الحرمة أو الحليّة ـ مثلا ـ يخرج التتن عن كونه مشكوك الحكم ، فاذا دلّ الدليل على حرمته فلا مجال ليقال : إنّه حلال للحكم الظاهري ، وإذا دلّ الدليل على حلّيته فهو حلال واقعا ، ولا حاجة إلى أن يقال : إنّه حلال في الظاهر.

إذن : (فلا معارضة بينهما) أي : بين الأصل والدّليل لما عرفت : من أنّ الدليل مقدّم على الأصل (لا لعدم اتّحاد الموضوع) فقط (بل لارتفاع موضوع الأصل ـ وهو :

الشكّ ـ بوجود الدّليل) فإنّ هناك وجهين لعدم المعارضة بين الأصل والدليل.

__________________

(١) ـ الكافي (فروع) : ج ٥ ص ٣١٣ ح ٤٠ ، تهذيب الاحكام : ج ٧ ص ٢٢٦ ب ٢١ ح ٩ ، وسائل الشيعة : ج ١٧ ص ٨٩ ب ٤ ح ٢٠٢٥٣ ، بحار الانوار : ج ٢ ص ٢٧٣ ب ٢٣ ح ١٢.

٢٦٠