الوصائل إلى الرسائل - ج ٦

آية الله السيد محمد الشيرازي

الوصائل إلى الرسائل - ج ٦

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة عاشوراء للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7263-06-6
ISBN الدورة:
964-7263-04-X

الصفحات: ٤٠٠

ولذا يعبّرون في مقام المنع عن ذلك ، بقولهم : إنّ إثبات مثل هذا الأصل بهذا مشكل ، أو إنّه إثبات أصل بخبر ، ونحو ذلك.

وأمّا الثالث ، وهو اختصاص مقدّمات الانسداد ونتيجتها بالمسائل الفرعيّة ، إلّا أنّ الظنّ بالمسألة الفرعيّة قد يتولّد من الظنّ في المسألة الاصوليّة.

فالمسألة الاصوليّة بمنزلة المسائل اللغويّة يعتبر الظنّ فيها من حيث كونه منشأ للظنّ بالحكم الفرعيّ الواقعي.

ففيه : أنّ الظنّ بالمسألة الاصوليّة إن كان منشأ للظنّ بالحكم الفرعيّ ،

______________________________________________________

(ولذا يعبّرون في مقام المنع عن ذلك) أي : عن الاكتفاء بالظّن في الاصول (بقولهم : إنّ إثبات مثل هذا الأصل بهذا مشكل ، أو انّه إثبات أصل بخبر) واحد (ونحو ذلك) من التعبيرات الفقهائية.

(وأمّا الثالث : وهو اختصاص مقدمات الانسداد ونتيجتها بالمسائل الفرعية ، إلّا أنّ الظّن بالمسألة الفرعيّة قد يتولّد من الظّن في المسألة الاصولية) فاذا كان الظّن في المسألة الفرعية حجّة ، كان الظّنّ في المسألة الاصولية حجّة أيضا ، لأنّ المسألة الأصولية والدة للمسألة الفرعية.

إذن : (فالمسألة الاصولية بمنزلة المسائل اللّغوية يعتبر الظّنّ فيها من حيث كونه منشأ للظّنّ بالحكم الفرعي الواقعي) فلفظ الصعيد ـ مثلا ـ هل هو لمطلق وجه الأرض ، أو لخصوص التراب؟ مسألة لغويّة ، فاذا ظننّا بأحد الطرفين في هذه المسألة اللغويّة تولّد منها مسألة فرعية بجواز التيمم بمطلق وجه الأرض ، أو بخصوص التراب.

(ففيه : إنّ الظّنّ بالمسألة الاصولية إن كان منشأ للظّنّ بالحكم الفرعي ،

٢١

كالباحثة عن الموضوعات المستنبطة والمسائل العقليّة ، مثل وجوب المقدّمة وامتناع اجتماع الأمر والنهي ، فقد اعترفنا بحجّية الظنّ فيها.

وأمّا ما لا يتعلّق بذلك ويكون باحثة عن أحوال الدّليل من حيث الاعتبار في نفسه أو عند المعارضة ، وهي التي منعنا عن حجّية الظنّ فيها ، فليس يتولد من الظنّ فيها

______________________________________________________

كالباحثة عن الموضوعات المستنبطة) التي تحتاج الى الاستنباط ، كلفظ الصعيد ، ولفظ الآنية ، ولفظ الغناء ، ولفظ آلة اللهو ، وغيرها ، ممّا تحتاج الى الاستنباط لإجمالها في جملة من الفروع.

(والمسائل العقليّة ، مثل وجوب المقدّمة) للواجب (وامتناع اجتماع الأمر والنّهي ، فقد اعترفنا بحجّية الظّن فيها) حيث قلنا قبل نصف صفحة تقريباً : «وما كان منها يبحث فيها من الموضوعات الاستنباطية وهي : الفاظ الكتاب والسنّة من حيث استنباط الأحكام عنها الى قولنا : ويلحق بهما بعض المسائل العقلية ، مثل وجوب المقدّمة ، وحرمة الضد ، وامتناع اجتماع الأمر والنهي» ، الى آخره.

(وأمّا ما لا يتعلّق بذلك) أي : بما ذكرناه : من الموضوعات المستنبطة والمسائل العقلية (ويكون باحثة عن أحوال الدّليل من حيث الاعتبار في نفسه ، أو عند المعارضة) كما إذا بحثنا عن أنّه : هل الخبر الواحد حجّة أو لا ، لا من حيث حصول الظّن منه؟ وكذا إذا تكلّمنا حول المرجّحات التعبديّة عند معارضة الدليلين.

(وهي التي منعنا عن حجّية الظّن فيها) حيث قلنا قبل صفحة تقريبا : «لأنّ ما كان من المسائل الاصولية يبحث فيها عن كون شيء حجّة ، كمسألة حجّية الشهرة ، ونقل الاجماع ، وأخبار الآحاد» الى آخره (فليس يتولّد من الظّن فيها)

٢٢

الظنّ بالحكم الفرعيّ الواقعيّ ، وإنّما ينشأ منه الظنّ بالحكم الفرعيّ الظاهريّ ، وهو ممّا لم يقتض انسداد باب العلم بالأحكام الواقعيّة العمل بالظنّ فيه ، فإن انسداد باب العلم في حكم العصير العنبيّ إنّما يقتضي العمل بالظنّ في ذلك الحكم المنسدّ لا في حكم العصير من حيث أخبر عادل بحرمته.

بل أمثال هذه الأحكام الثابتة للموضوعات ، لا من حيث هي ، بل من حيث قيام الأمارة الغير المفيدة للظنّ الفعليّ عليها

______________________________________________________

أي : في هذه المسائل (الظّن بالحكم الفرعي الواقعي).

فإنا إذا ظننّا بالمسألة الاصولية فيها ، لا ينشأ منه الظّن بالحكم الفرعي الواقعي (وإنّما ينشأ منه الظّن بالحكم الفرعي الظاهري) لأنّا نظن : إنّ هذا حكمنا الفعلي ، أمّا انّه حكم واقعي فلا نظنّ بذلك.

(وهو ممّا لم يقتض انسداد باب العلم بالأحكام الواقعية ، العمل بالظّن فيه) أي : الفرعي الظاهري.

وإنّما يكون الفرعي الظّاهري ممّا لم يقتض انسداد باب العلم بالأحكام الواقعية العمل بالظّن فيه (ف) ذلك (إنّ انسداد باب العلم في حكم العصير العنبي إنّما يقتضي العمل بالظّن في ذلك الحكم المنسد) وهو الحكم الواقعي للعصير (لا في حكم العصير من حيث أخبر عادل بحرمته) وهو الحكم الظاهري.

فإنّا لما جهلنا الأحكام الواقعية التجأنا الى دليل الانسداد ليكشف لنا عن تلك الأحكام الواقعية ، فاذا دلّ دليل على الحكم الظاهري ، لم يكن ذلك مطلوبا لنا.

(بل أمثال هذه الأحكام) الظاهرية (الثابتة للموضوعات لا من حيث هي) لتكون أحكاما واقعية (بل من حيث قيام الأمارة غير المفيدة للظّنّ الفعلي عليها)

٢٣

إن ثبت انسداد باب العلم فيها على وجه يلزم المحذور من الرجوع فيها إلى الاصول عمل فيها بالظنّ ، وإلّا فانسداد باب العلم في الأحكام الواقعيّة وعدم إمكان العمل فيها بالاصول لا يقتضي العمل بالظنّ في هذه الأحكام ، لأنّها لا تغني عن الواقع المنسدّ فيه العلم.

هذا غاية توضيح ما قرّره أستاذنا الشريف قدس‌سره اللطيف ، في منع نهوض دليل الانسداد لإثبات حجّية الظنّ في المسائل الاصوليّة.

______________________________________________________

أي : غير المعتبر فيها ذلك الظنّ (إن ثبت انسداد باب العلم فيها) أي : في هذه الأحكام الظاهرية (على وجه يلزم المحذور من الرّجوع فيها الى الأصول) العمليّة (عمل فيها بالظّن) أيضا.

(وإلّا فانسداد باب العلم في الأحكام الواقعيّة وعدم إمكان العمل فيها) أي : في الأحكام الواقعية (بالاصول) العمليّة (لا يقتضي العمل بالظّنّ ، في هذه الأحكام) الظاهرية (لأنها لا تغني عن الواقع المنسدّ فيه العلم).

إذن : فالمطلوب : الأحكام الواقعية ، والانسداد ينتهي الى الأحكام الظاهرية ، فالظنّ بالمسألة الاصولية يولّد الظّن بالمسألة الظاهرية ، والحال إنّا نريد المسألة الفرعية الواقعية ، فليس الظنّ بالمسألة الاصولية المولّدة للفرعية الظاهرية حجّة من باب الانسداد ، الذي يطلب منه الوصول الى الظّن بالواقع ، لا الظّن بالحكم الظاهري.

(هذا غاية توضيح ما قرّره استاذنا الشريف) شريف العلماء (قدس‌سره اللّطيف في منع نهوض دليل الانسداد لإثبات حجّية الظّنّ في المسائل الاصولية) وإنّما الانسداد هو حجّة في المسائل الفرعية فقط.

٢٤

الثاني من دليل المنع : وهو أنّ الشهرة المحققة والاجماع المنقول على عدم حجّية الظنّ في مسائل أصول الفقه ، وهي مسألة اصوليّة ، فلو كان الظنّ فيها حجّة وجب الأخذ بالشهرة ونقل الاجماع في هذه المسألة.

والجواب : أمّا عن الوجه الأوّل فبأنّ دليل الانسداد وارد على أصالة حرمة العمل بالظنّ.

______________________________________________________

(الثّاني من دليل المنع) أي : منع كون الانسداد حجّة بالنسبة إلى المسائل الاصولية (وهو : أنّ الشّهرة المحقّقة ، والاجماع المنقول على عدم حجّية الظّن في مسائل أصول الفقه) وقوله : «على» خبر قوله : «ان الشهرة» أي : انّ الشهرة والاجماع قائمان على عدم حجّية الظّن في مسائل أصول الفقه (وهي مسألة أصوليّة) أي : أنّ مسألة حجّية الظّن هي من مسائل أصول الفقه ، وعدم الحجّية مسألة اصولية (فلو كان الظّن فيها حجّة ، وجب الأخذ بالشّهرة ونقل الاجماع في هذه المسألة).

والحاصل : انّه كما لا يمكن إبطال القياس بالقياس ، كذلك لا يمكن إبطال الظّن في المسألة الاصولية بنفس الظّن في المسألة الاصولية لأنّ مسألة حجّية الظّن هي من المسائل الأصولية ، وعدم الحجّية هي بنفسها مسألة اصولية.

ثمّ أنّه لما استدل شريف العلماء لعدم حجّية الظّنّ في المسائل الاصولية بدليلين :

الأوّل : أصالة الحرمة وعدم شمول دليل الانسداد للمسائل الاصوليّة.

الثاني : الشهرة المحقّقة والاجماع المنقول على عدم حجّية الظنّ في المسائل الاصولية ، شرع المصنّف في الجواب عن الدليلين فقال :

(والجواب : أمّا عن الوجه الأوّل) وهو أصالة الحرمة (: فبأنّ دليل الانسداد وارد على أصالة حرمة العمل بالظّن) فكما يرد على أصالة حرمة العمل بالظّن أدلة

٢٥

والمختار في الاستدلال به في المقام هو الوجه الثالث ، وهو اجرائه في الأحكام الفرعيّة ، والظنّ في المسائل الاصوليّة مستلزم للظنّ في المسألة الفرعيّة.

وما ذكر من كون اللازم منه هو الظنّ بالحكم الفرعيّ الظاهريّ صحيح ، إلّا أنّ ما ذكر ـ من أنّ انسداد باب العلم في الأحكام الواقعيّة وبقاء التكليف بها وعدم جواز الرجوع فيها الى الاصول لا يقتضي إلّا اعتبار الظنّ بالحكم الشرعيّ الواقعيّ ـ

______________________________________________________

خبر الواحد وما أشبه ، فكذلك يرد على أصالة حرمة العمل بالظنّ دليل الانسداد ، لكن الخبر في حال الانفتاح والظّن المطلق في حال الانسداد.

(والمختار في الاستدلال به) أي : بدليل الانسداد (في المقام هو الوجه الثالث) الذي ذكره شريف العلماء (وهو : إجرائه في الأحكام الفرعيّة ، والظّن في المسائل الاصولية مستلزم للظّن في المسألة الفرعية) حيث تقدمت عبارته ـ قبل صفحة ونصف تقريبا ـ بما لفظه : وأمّا أن يجري في خصوص المسائل الفرعية فيثبت به اعتبار الظّن في خصوص الفروع ، ولكن الظّن بالمسألة الاصولية يستلزم الظنّ بالمسألة الفرعية التي يبتني عليها.

(وما ذكره) شريف العلماء إشكالا على هذا الوجه الثالث (من كون اللازم منه : هو الظّن بالحكم الفرعي الظّاهري صحيح ، الّا أنّ ما ذكر : من أنّ انسداد باب العلم في الأحكام الواقعيّة وبقاء التكليف بها) أي : بتلك الأحكام الواقعية (وعدم جواز الرّجوع فيها الى الاصول لا يقتضي الّا اعتبار الظّنّ بالحكم الشّرعي الواقعي) غير تام ، فقد تقدمت عبارته بقوله : «فليس يتولّد من الظّن فيها ، الظّن بالحكم الفرعي الواقعي ، وإنّما ينشأ منه الظّن بالحكم الفرعي الظاهري ، وهو : ممّا لم

٢٦

ممنوع.

بل المقدّمات المذكورة ، كما عرفت غير مرّة ، إنّما تقتضي اعتبار الظنّ بسقوط تلك الأحكام الواقعيّة وفراغ الذمّة منها. فاذا فرضنا مثلا أنّا ظننا بحكم العصير لا واقعا ، بل من حيث قام عليه ما لا يفيد الظنّ الفعلي بالحكم الواقعي ، فهذا الظنّ يكفي في الظنّ بسقوط الحكم الواقعيّ للعصير.

بل لو فرضنا أنّه لم يحصل ظنّ بحكم واقعيّ أصلا ،

______________________________________________________

يقتض انسداد باب العلم بالأحكام الواقعيّة العمل بالظّن فيه ...» فانّ هذا الاشكال (ممنوع ، بل المقدّمات المذكورة ـ كما عرفت غير مرّة ـ إنّما تقتضي اعتبار الظّن بسقوط تلك الأحكام الواقعية وفراغ الذمة منها).

هذا وسقوط الأحكام وفراغ الذمة ، قد يكون بالوصول الى الواقع ، وقد يكون بالوصول إلى بدله ، فقوله : «إنّ الانسداد لا يوصل الى الواقع ، بأن يعلم المكلّف إنّه واقع» ، كلام صحيح ، إلّا إنّا لا نريد الوصول الى الواقع فقط ، بل يكفينا أن نصل الى الواقع أو بدل الواقع ، ودليل الانسداد يصل الى أحدهما قطعا.

(فاذا فرضنا مثلا ، إنّا ظننّا بحكم العصير لا واقعا) أي : لم نعلم إنّه حكم واقعي بالنسبة الى العصير (بل من حيث قام عليه ما لا يفيد الظّن الفعلي بالحكم الواقعي) أي : ظننّا بأن حكم العصير كذا ، لكن لم يكن ظننا انّه كذا هو الحكم الواقعي للعصير بل احتملنا أنّه حكم واقعي واحتملنا انه حكم ظاهري (فهذا الظّنّ يكفي في الظّنّ بسقوط الحكم الواقعي للعصير) وإن لم يكن ظنّا بالحكم الواقعي ، لأنّا مأمورون بالواقع أو ببدله ، لا بالواقع بما هو واقع.

(بل لو فرضنا : انّه لم يحصل ظنّ بحكم واقعي أصلا) أي : أنّ الظّن لم يتعلق

٢٧

وإنّما حصل الظنّ بحجّية أمور لا تفيد الظنّ ، فانّ العمل بها يظنّ معه سقوط الأحكام الواقعيّة عنّا ، لما تقدّم من أنّه لا فرق في سقوط الواقع بين الاتيان بالواقع علما أو ظنّا وبين الاتيان ببدله كذلك ، فالظنّ بالاتيان بالبدل كالظنّ بإتيان الواقع ، وهذا واضح.

وأمّا الجواب عن الثاني : فبمنع الشهرة والاجماع ،

______________________________________________________

بالحكم (وإنّما حصل الظّنّ بحجّية أمور لا تفيد الظّن) كما اذا ظنّنا بحجّية خبر الواحد ـ مثلا ـ وقام الخبر الواحد على حرمة العصير ، لكنّا لم نظنّ بالحرمة ، لوضوح : انّ الظّن بالمسألة الاصولية لا يستلزم الظّن بالمسألة الفرعية.

بل القطع بالمسألة الاصولية لا يستلزم الظّن بالمسألة الفرعية ، فاذا قطعنا ـ مثلا ـ بأنّ الشاهدين حجّة في نفسهما ، وقام الشاهدان على انّ زيدا سارق ، فإنّا قد نقطع بأنّه سارق ، وقد نقطع انّه ليس بسارق ، وقد نشك في سرقته وعدم سرقته وقد نظنّ بأحد الطرفين ونتوهم الطرف الآخر ، فالقطع بالمسألة الاصولية لا يستلزم حتى الوهم بالنسبة الى الفرعية (فانّ العمل بها) أي : بتلك الامور كالعمل بالخبر الواحد ـ مثلا ـ (يظنّ معه سقوط الأحكام الواقعية عنّا).

وإنّما يظنّ (لما تقدّم : من أنّه لا فرق في سقوط الواقع بين الاتيان بالواقع علما أو ظنّا ، وبين الاتيان ببدله كذلك) أي : علما أو ظنّا (فالظّن بالاتيان بالبدل كالظّن بإتيان الواقع ، وهذا واضح) لا غبار عليه ، فقول شريف العلماء : «بأنّ الظّن في المسألة الاصوليّة ليس حجّة ، لأنّه لا يوصل الى الظّن بالفرعيّة الواقعيّة» ، غير تام ، لأنّا لا نريد الفرعية الواقعية ، بل يكفينا الفرعية الظاهرية التي هي بدل عن الواقع.

(وأمّا الجواب عن الثاني) الّذي قال : بأنّ الشهرة المحقّقة والاجماع المنقول ، يدلان على عدم حجّية الظّن في مسائل اصول الفقه (فبمنع الشهرة والاجماع)

٢٨

نظرا إلى أنّ المسألة من المستحدثات ، فدعوى الاجماع فيها مساوقة لدعوى الشهرة.

وثانيا : لو سلّمنا الشهرة ، لكنّه لأجل بناء المشهور على الظنون الخاصّة ، كأخبار الآحاد والاجماع المنقول.

وحيث إنّ المتّبع فيها الأدلة الخاصّة ، وكانت أدلّتها كالإجماع والسيرة على حجّية أخبار الآحاد مختصّة بالمسائل الفرعيّة بقيت المسائل الاصوليّة تحت أصالة حرمة العمل بالظّنّ ، ولم يعلم بل ولم يظنّ من مذهبهم الفرق بين الفروع والاصول ، بناء

______________________________________________________

على هذه الدلالة (نظرا إلى إنّ المسألة من المستحدثات) فإن مسألة الانسداد بهذه الخصوصيات لا شك في أنّها مسألة حادثة ، (فدعوى الاجماع فيها مساوقة لدعوى الشهرة) فيها ، وكلاهما ممنوعان ، إذ لا شهرة قطعا ، وحيث لا شهرة قطعا فلا إجماع أيضا.

(وثانيا : لو سلّمنا الشّهرة ، لكنّه لأجل بناء المشهور على الظّنون الخاصة ، كأخبار الآحاد ، والاجماع المنقول) والسيرة ، والأولوية ، ونحوها.

(وحيث انّ المتبع فيها) أي : في الظّنون الخاصة (الأدلّة الخاصّة ، وكانت أدلّتها ـ كالإجماع والسّيرة ـ على حجّية أخبار الآحاد مختصة بالمسائل الفرعيّة) فانّ غاية ما يثبت بالأدلة الخاصة اعتبار الظّنون الخاصة في المسائل الفرعية ، فلو قامت الأدلة الخاصة على مسائل اصولية لم يكن دليل على اعتبار تلك الظّنون.

ولهذا (بقيت المسائل الاصولية تحت أصالة حرمة العمل بالظّنّ) فالظنّ حجّة في المسألة الفرعيّة لا في المسألة الاصولية.

هذا (ولم يعلم ، بل ولم يظنّ من مذهبهم : الفرق بين الفروع والاصول ، بناء

٢٩

على مقدّمات الانسداد واقتضاء العقل كفاية الخروج الظنيّ عن عهدة التكاليف الواقعيّة.

وثالثا : سلّمنا قيام الشهرة والاجماع المنقول على عدم الحجّية على تقدير الانسداد ، لكنّ المسألة أعني كون مقتضى الانسداد هو العمل بالظنّ مطلقا في الفروع دون الاصول عقليّة ، والشهرة ونقل الاجماع إنّما يفيدان الظنّ في المسائل التوقيفيّة دون العقليّة.

______________________________________________________

على مقدّمات الانسداد) وإنّما يرون الفرق بينهما ـ بناء على الظّن الخاص ـ فيقولون بحجّية الظّن في الفروع دون الاصول.

(و) كذا لا يرون الفرق بين الفروع والاصول بناء على (اقتضاء العقل كفاية الخروج الظّني عن عهدة التكاليف الواقعيّة) حال الانسداد.

والحاصل من الجواب على إشكال عدم حجّية الظّن في الاصول أمران :

أوّلا : لا شهرة ولا إجماع على عدم حجّية الظّن في المسائل الاصولية.

ثانيا : لو سلّمنا الشهرة والاجماع ، فهما يقولان بعدم حجّية الظّن في المسائل الاصولية على تقدير الانفتاح وحجّية الظن الخاص ، وكلامنا نحن في حال الانسداد.

(وثالثا : سلّمنا قيام الشّهرة والاجماع المنقول على عدم الحجّية على تقدير الانسداد) أي : سلّمنا عدم صحة جوابنا الأوّل ، وعدم صحة جوابنا الثاني (لكنّ المسألة أعني : كون مقتضى الانسداد هو العمل بالظّن مطلقا) مقابل الظنون الخاصة (في الفروع دون الاصول ، عقليّة) لأنّ العقل يقول : لا حجّية للظّن في الاصول (والشّهرة ونقل الاجماع إنّما يفيدان الظّن في المسائل التوقيفية ، دون العقلية) لأنّ العقل لا يحتاج في حكمه الى ملاحظة حكم الغير.

٣٠

ورابعا : إنّ حصول الظنّ بعدم الحجّية مع تسليم دلالة دليل الانسداد على الحجّية لا يجتمعان ، فتسليم دليل الانسداد يمنع من حصول الظنّ.

وخامسا : سلّمنا حصول الظنّ ، لكنّ غاية الأمر دخول المسألة فيما تقدّم من قيام الظنّ على عدم حجّية الظنّ ، وقد عرفت أنّ المرجع فيه إلى متابعة الظنّ الأقوى ، فراجع.

______________________________________________________

والحاصل : إنّ العقل يقول لا حجّية للظّن في الاصول ، وأنتم تقولون الظّن حجّة في الاصول لقيام الشّهرة على حجّيته ، فهو مثل أن يقول إنسان : يستحيل اجتماع النقيضين عقلا ، وأنتم تقولون الشهرة قامت على جواز اجتماع النقيضين.

(ورابعا : إنّ حصول الظّن بعدم الحجّية) لأن الشهرة والاجماع لما قاما على عدم الحجّية كان معناه : انّا نظنّ بسبب الشهرة والاجماع عدم حجّية الظّن في الاصول (مع تسليم دلالة دليل الانسداد على الحجّية) لأن المفروض : إنّ الظّن حاصل في المسائل الاصولية لكنّه ليس بحجّة على كلامكم ، (لا يجتمعان) إذ كيف يجتمع الظّنّ بعدم الحجّية مع الظّن بالحجّية؟.

وعليه : (فتسليم دليل الانسداد) في الاصول (يمنع من حصول الظّنّ) فيها ، فالظّن في المسألة الاصولية لا يحصل أصلا.

(وخامسا : سلّمنا حصول الظّنّ) الذي منعناه في الجواب الرابع (لكن غاية الأمر دخول المسألة فيما تقدّم من قيام الظّنّ على عدم حجّية الظّنّ) فهو من قبيل الظّن المانع والممنوع.

(وقد عرفت : انّ المرجع فيه الى متابعة الظّنّ الأقوى ، فراجع) ونتيجة ذلك : أنّه ربّما يكون الظّنّ في مسائل أصول الفقه حجّة ، وربّما لا يكون حجّة ، فأين ما ذكرتم بأنّه لا حجّية للظّن في المسائل الاصولية إطلاقا ، حيث استدللتم

٣١

الأمر الرابع

انّ الثابت بمقدّمات دليل الانسداد هو الاكتفاء بالظنّ في الخروج عن عهدة الأحكام المنسدّ فيها باب العلم ، بمعنى أنّ المظنون إذا خالف حكم الله الواقعيّ لم يعاقب عليه بل يثاب عليه ، فالظنّ بالامتثال إنّما يكفي في مقام تعيين الحكم الشرعيّ الممتثل.

وأمّا في مقام تطبيق العمل الخارجيّ على ذلك المعيّن ، فلا دليل على الاكتفاء فيه بالظنّ.

______________________________________________________

على ذلك بقيام الاجماع والشهرة على عدم حجّية الظّن في مسائل أصول الفقه؟ لكن لا يخفى : إنّ بعض هذه الأجوبة محل تأمّل ، وحيث إنّا بصدد الشرح غالبا نترك بيان الاشكال فيها الى المفصلات.

(الأمر الرابع :) من تنبيهات الانسداد (إنّ الثابت بمقدمات دليل الانسداد) هو حجّية الظّن في الأحكام وفي مقدماتها ، أمّا في التطبيقات فالظّن ليس بحجّة ، فالثابت بدليل الانسداد (هو الاكتفاء بالظّن في الخروج عن عهدة الأحكام المنسدّ فيها) أي : في تلك الأحكام (باب العلم) والعلمي (بمعنى : أنّ المظنون إذا خالف حكم الله الواقعي لم يعاقب عليه) أي : العامل بالظّن لا يعاقب على تركه حكم الله الواقعي. وإنّما لا يعاقب لأنّه عمل بظنّه (بل يثاب عليه) لأنّه مأمور بالأمر العقلي المستتبع للأمر الشرعي ، أو بالأمر الشرعي على اتباع الظنّ (فالظّن بالامتثال إنّما يكفي في مقام تعيين الحكم الشرعي الممتثل) «الممتثل» مفعول «يكفي» ، يعني يكفي المكلّف الظنّ.

(وأمّا في مقام تطبيق العمل الخارجي على ذلك المعيّن) أي : على ذلك الحكم المعين بحسب الظّن (فلا دليل على الاكتفاء فيه) أي : في التطبيق (بالظّن)

٣٢

مثلا ، إذا شككنا في وجوب الجمعة أو الظهر جاز لنا تعيين الواجب الواقعيّ بالظنّ ، فلو ظننّا وجوب الجمعة فلا نعاقب على تقدير وجوب الظهر واقعا ، لكن لا يلزم من ذلك حجّية الظنّ في مقام العمل على طبق ذلك الظنّ ، فاذا ظننّا بعد مضيّ مقدار من الوقت بأنّا قد أتينا بالجمعة في هذا اليوم ، لكن احتمل نسيانها فلا يكفي الظنّ بالامتثال من هذه الجهة ، بمعنى أنّه إذا لم نأت بها في الواقع ونسيناها قام الظنّ بالاتيان مقام العلم به ، بل يجب بحكم الأصل وجوب الاتيان بها.

______________________________________________________

بل اللّازم أن يكون التطبيق بالعلم والعلمي.

(مثلا : إذا شككنا في وجوب الجمعة أو الظّهر ، جاز لنا تعيين الواجب الواقعي بالظّن) وانّه هل الواجب في يوم الجمعة أن نأتي بصلاة الجمعة ، أو بصلاة الظهر؟ (فلو ظننّا وجوب الجمعة فلا نعاقب) من قبل المولى (على تقدير وجوب الظّهر واقعا) لأنّ العقل والشرع قالا بإتباع الظنّ.

(لكن لا يلزم من ذلك) أي : من حجّية الظنّ على وجوب الجمعة (حجّية الظّن في مقام العمل على طبق ذلك الظّن) ، بل اللازم أنّ نأتي بالجمعة قطعا بأن نقطع بأنّا أتينا بالجمعة ، لا أن نظنّ أنّا أتينا بالجمعة.

وعليه : (فإذا ظنّنا بعد مضي مقدار من الوقت) يسع لفعل الجمعة (بأنّا قد أتينا بالجمعة في هذا اليوم ، لكن احتمل نسيانها ، فلا يكفي الظّن بالامتثال من هذه الجهة) أي : من جهة إنّا أتينا بالجمعة (بمعنى : أنّه إذا لم نأت بها) أي : بالجمعة (في الواقع ونسيناها ، قام الظّن بالاتيان مقام العلم) فالظّن حجّة في أصل وجوب الجمعة ، أمّا الاتيان بها في يوم الجمعة ، فاللازم أن يكون مقطوعا (به ، بل يجب بحكم الأصل) أي : أصالة عدم الاتيان (وجوب الاتيان بها) أي : بالجمعة.

٣٣

وكذلك لو ظننّا بدخول الوقت وأتينا بالجمعة فلا يقتصر على هذا الظنّ بمعنى عدم العقاب على تقدير مخالفة الظنّ للواقع بإتيان الجمعة قبل الزوال.

وبالجملة : إذا ظنّ المكلّف بالامتثال وبراءة ذمّته وسقوط الواقع ، فهذا الظنّ إن كان مستندا الى الظنّ في تعيين الحكم الشرعيّ كان المكلّف فيه معذورا مأجورا على تقدير المخالفة للواقع ، وإن كان مستندا إلى الظنّ بكون الواقع في الخارج منه

______________________________________________________

(وكذلك لو ظننا بدخول الوقت وأتينا بالجمعة) ولم نعلم بالدخول علما قطعيا (فلا يقتصر على هذا الظّن) بل اللازم الاتيان بها بعد القطع بدخول الوقت (بمعنى : عدم العقاب على تقدير مخالفة الظنّ للواقع بإتيان الجمعة قبل الزوال) أي : إنّ هذا الظّن لا يرفع العقاب على تقدير كونه مخالفا للواقع.

والحاصل : انّه لا يكفي الظّن في أصل الاتيان ، أو في شرطه ، أو في جزئه ، كما إذا ظنّ بأنّه قد قرأ الحمد ، والحال إنّه بعد في محله فالمثال الأوّل : لأصل الاتيان ، والمثال الثاني : للشرط ، ولم يذكر المصنّف مثال الجزء اكتفاء منه بذكر الشرط ، لأن الشرط والجزء لهما حال واحد.

(وبالجملة : إذا ظنّ المكلّف بالامتثال و) ظنّ ب (براءة ذمته وسقوط الواقع) عنه (فهذا الظّن إن كان مستندا الى الظنّ في تعيين الحكم الشرعي) بأن تعلق الظّن بأصل الحكم الشرعي ، أو بمقدماته ، كمسائل الاصول (كان المكلّف فيه معذورا مأجورا على تقدير المخالفة للواقع) وذلك للمصلحة السلوكية الّتي ذكرناها في أوّل الكتاب.

(وإن كان مستندا إلى الظّن بكون الواقع في الخارج منه) أي : من الحكم

٣٤

منطبقا على الحكم الشرعيّ فليس معذورا ، بل يعاقب على ترك الواقع أو ترك الرجوع الى القواعد الظاهريّة التي هي المعوّل لغير العالم.

وممّا ذكرنا تبيّن : أنّ الظنّ بالأمور الخارجيّة عند فقد العلم بانطباقها على المفاهيم الكلّيّة التي تعلّق بها الأحكام الشرعيّة لا دليل على اعتباره ، وأنّ دليل الانسداد إنّما يعذر الجاهل فيما انسدّ فيه باب العلم ، لفقد الأدلّة المنصوبة من الشارع وإجمال ما وجد منها.

______________________________________________________

(منطبقا على الحكم الشرعي ، فليس معذورا ، بل يعاقب على ترك الواقع ، أو ترك الرّجوع الى القواعد الظّاهرية الّتي هي) أي : القواعد الظاهرية (المعوّل لغير العالم) وذلك لأنه لا انسداد في مقام التطبيق ، وانّما الانسداد في مقام الحكم ، فاللازم في مقام التطبيق سلوك الطرق العقلائية من العلم أو العلمي.

هذا وقول المصنّف : «على ترك الواقع ، أو ترك الرجوع» ، اشارة الى التسوية بين الواقع ، وبين القواعد الظاهرية ، التي على المكلّف الرّجوع الى أيهما شاء ، لأنا ذكرنا في مسألة القطع : إنّ العلمي في عرض العلم وإنّ تمكن المكلّف من العلم.

(وممّا ذكرنا) : من انّ الظنّ حجّة في الأحكام لا في التطبيقات (تبيّن : أنّ الظّنّ بالامور الخارجيّة عند فقد العلم بانطباقها) أي : بانطباق هذه الامور الخارجية (على المفاهيم الكلّية الّتي تعلّق بها) أي : بتلك المفاهيم الكلّية (الأحكام الشرعيّة ، لا دليل على اعتباره) أي : اعتبار هذا الظّن.

(و) تبين أيضا : (انّ دليل الانسداد إنّما يعذر الجاهل فيما انسدّ فيه باب العلم ، لفقد الأدلة المنصوبة من الشّارع ، وإجمال ما وجد منها) أي : من تلك الأدلة.

٣٥

ولا يعذر الجاهل بالامتثال من غير هذه الجهة ، فانّ المعذور فيه هو الظنّ بأنّ قبلة العراق ما بين المشرق والمغرب ، أمّا الظنّ بوقوع الصلاة إليه فلا يعذر فيه.

فظهر اندفاع توهّم أنّه إذا بنى على الامتثال الظنيّ للأحكام الواقعيّة فلا يجدي إحراز العلم بانطباق الخارج

______________________________________________________

والواو في قوله : «وإجمال» ، للترديد لا للجمع ، أي : في مقام فقد الدليل أو إجمال الدّليل ، مثل قولهم : «الكلمة : اسم وفعل وحرف» ، حيث انّ الكلمة الواحدة ليست كل ذلك ، بل المراد : انّ الكلمة : إمّا اسم ، أو فعل ، أو حرف.

(ولا يعذر الجاهل بالامتثال من غير هذه الجهة) أي : من جهة الأحكام ، فالجاهل غير معذور من جهة التطبيقات.

هذا والمراد بالجاهل غير المعذور هنا : غير العالم ولو كان ظانّا مع التمكن من العلم ، أمّا إذا لم يتمكن من العلم ، فمعذور قطعا ويقوم الظنّ مقام العلم ، مثل من غمّت لديه الشهور بالنسبة الى الصيام ، ومن كان في سجن مظلم بالنسبة الى أوقات الصلاة ، والى غير ذلك ، وقد ذكر المصنّف لذلك مثالا بقوله : (فانّ المعذور فيه هو الظّن بأن قبلة العراق ما بين المشرق والمغرب) أي : فيما إذا لم يعلم الانسان خصوصية القبلة ، وإنّما علم إجمالا انّها بين المغرب والمشرق ، فاذا صلى فيما بينهما صحت صلاته.

(أمّا الظّن بوقوع الصّلاة اليه) أي : الى ما بين المغرب والمشرق (فلا يعذر فيه) لو خالف الواقع (فظهر) ممّا ذكرناه : من أنّ الظّن الانسدادي حجّة في الأحكام ، لا في التطبيقات (اندفاع توهّم) صاحب القوانين : من (انّه إذا بنى على الامتثال الظّني للأحكام الواقعيّة ، فلا يجدي إحراز العلم بانطباق الخارج

٣٦

على المفهوم ؛ لأنّ الامتثال يرجع بالآخرة الى الامتثال الظنّي ، حيث أنّ الظانّ بكون القبلة ما بين المشرق والمغرب امتثاله للتكاليف الواقعيّة ظنيّ ، علم بما بين المشرق والمغرب أو ظنّ.

وحاصله : انّ حجّية الظنّ في تعيين الحكم بمعنى معذوريّة الشخص مع المخالفة لا يستلزم حجّيته في الانطباق بمعنى معذوريّته لو لم يكن الخارج منطبقا على ذلك الذي عيّن وإلّا لكان الاذن في العمل بالظنّ في بعض شروط الصلاة أو أجزائها يوجب جوازه في سائرها

______________________________________________________

على المفهوم) إذ أي فائدة في العلم بالانطباق والحال انّه بالتالي يرجع الى الظّن؟ لأنّ النتيجة تابعة لأخس المقدمتين كما قال :

(لأنّ الامتثال يرجع بالآخرة إلى الامتثال الظّني حيث انّ الظّان بكون القبلة ما بين المشرق والمغرب امتثاله للتكاليف الواقعيّة ظنّي ، علم بما بين المشرق والمغرب أو ظنّ) فاذا كان انسداد بالنسبة الى نقطة القبلة بين المشرق والمغرب ، فكما يجوز انّ يعمل بالظّن في النقطة الخاصة ما بينهما ، كذلك يجوز أن يعمل بالظّن بأنّه ما بين المشرق والمغرب أولا.

(وحاصله :) أي : حاصل الاندفاع والجواب عن صاحب القوانين هو : (انّ حجّية الظّنّ في تعيين الحكم بمعنى : معذوريّة الشّخص مع المخالفة) للواقع ، مخالفة للحكم (لا يستلزم حجّيته) أي : حجّية الظّنّ (في الانطباق) والحجّية هنا (بمعنى : معذوريّته) أي : معذورية الشّخص في العمل الخارجي (لو لم يكن الخارج منطبقا على ذلك الّذي عيّن) بالظّن.

(وإلّا لكان الاذن في العمل بالظّن في بعض شروط الصّلاة ، أو أجزائها ، يوجب جوازه) أي : جواز العمل بالظّن (في سائرها) أي : في سائر الأجزاء

٣٧

وهو بديهيّ البطلان.

فعلم أنّ قياس الظنّ بالأمور الخارجيّة على المسائل الاصوليّة واللغويّة واستلزامه الظنّ بالامتثال قياس مع الفارق ، لأنّ جميع هذه يرجع إلى شيء واحد هو الظنّ بتعيين الحكم.

______________________________________________________

والشرائط.

وإنّما قلنا : «وإلّا لكان الاذن ...» لنفس الدّليل الّذي ذكره القوانين بقوله : «لأنّ الامتثال يرجع بالآخرة الى الامتثال الظنّي ...».

(وهو) إشارة الى قوله : وإلّا لكان الاذن ...» (بديهيّ البطلان) لوضوح : انّه إذا لم نتمكن من العلم في وجوب السورة وتمكنا من العلم بوجوب الحمد ، لا يجوز لنا ترك العلم بالحمد الى الظّنّ به ، فان يتنزّل من العلم الى الظّنّ بقدر الاضطرار ، ولا اضطرار بالنسبة الى الحمد ، وإنّما الاضطرار بالنسبة الى السورة فقط.

(فعلم : انّ قياس الظّنّ بالأمور الخارجية) الذي فعله صاحب القوانين حيث قال : بأن الظّن في التطبيقات الخارجيّة (على المسائل الاصولية واللّغوية) حيث أنّ الظنّ حجّة في هذه المسائل ، (واستلزامه) أي : هذا القياس كفاية (الظّنّ بالامتثال) فلا حاجة الى أن نقطع في التطبيق حتى يكون امتثال (قياس مع الفارق).

إذن : فالمسائل الاصولية واللّغوية الظّن فيها حجّة ، أمّا التطبيقات الخارجية فالظنّ ليس حجّة فيها (لأنّ جميع هذه) أي : المسائل الاصولية واللّغوية (يرجع الى شيء واحد هو : الظّنّ بتعيين الحكم) لا التطبيق ، فالتطبيق شيء ، وتعيين الحكم شيء آخر ، والظّن إنّما هو حجّة في تعيين الحكم ، لا في تطبيق الحكم

٣٨

ثمّ إن المعلوم عدم جريان دليل الانسداد في نفس الامور الخارجيّة ، لأنّها غير منوطة بأدلّة وأمارات مضبوطة حتّى يدّعى طروّ الانسداد فيها في هذا الزمان ، فيجري دليل الانسداد في أنفسها ، لأنّ مرجعها ليس الى الشرع ولا الى مرجع آخر منضبط.

______________________________________________________

الكلي على المصداق الخارجي.

لا يقال : سلّمنا أنّه لا يجري دليل الانسداد المرتبطة بالأحكام في التطبيقات الخارجية ، لكنّا نقرّر انسدادا آخر في باب التطبيقات.

لأنه يقال : (ثمّ انّ المعلوم : عدم جريان دليل الانسداد في نفس الامور الخارجية) والتطبيقات لكليات الأحكام على هذه الامور ، لنقرّر دليل الانسداد في الوقت بالنسبة الى الصلاة ـ مثلا ـ وغير ذلك. وإنّما لا يجري (لأنّها) أي : الامور الخارجية (غير منوطة بأدلّة وأمارات مضبوطة حتى يدّعى طروّ الانسداد فيها) أي : في تلك الأمارات والأدلة ، فليس مثل ما قرر الانسداد في الأحكام الشرعية حيث انّها منوطة بأدلة ، وأمارات مضبوطة : كالخبر الواحد ، والاجماع المنقول ، والشهرة ، والأولوية ، والسيرة ، وما أشبه ذلك.

وعليه : فانّ (في هذا الزمان) المتأخر عن زمان المعصومين عليهم‌السلام ، يجري الانسداد في الأحكام الشرعية فقط ، دون التطبيقات الخارجية (ف) انّها غير منوطة بأدلة وأمارات مضبوطة ، حتى (يجري دليل الانسداد في أنفسها).

إذن : فلا طريق للانسداد في نفس تلك الأمور الخارجية (لانّ مرجعها ليس الى الشرع ، ولا إلى مرجع آخر منضبط) حتى يدّعى طروّ الانسداد فيه ، لانّ الشيء المنضبط يجري فيه الانسداد اذا جهل ذلك الشيء المنضبط ، أمّا الشيء

٣٩

نعم ، قد يوجد في الأمور الخارجيّة ما لا يبعد إجراء نظير دليل الانسداد فيه ، كما في موضوع الضرر الذي انيط به أحكام كثيرة من جواز التيمّم والافطار وغيرهما ، فيقال : إنّ باب العلم بالضرر منسدّ غالبا إذ لا يعلم غالبا إلا بعد تحققه ، فاجراء أصالة عدمه في تلك الموارد يوجب المحذور ، وهو الوقوع في الضرر غالبا ، فتعيّن إناطة الحكم فيه بالظنّ.

______________________________________________________

غير المنضبط فلا انضباط له حتى يكون معلوما تارة ومجهولا اخرى ، فاذا كان معلوما وجب العلم فيه ، وإذا كان مجهولا جرى الانسداد فيه.

(نعم ، قد يوجد في الامور الخارجية ما لا يبعد اجراء نظير دليل الانسداد فيه ، كما في موضوع الضرر الذي أنيط به أحكام كثيرة) حيث انّ الشارع جعل الضرر سببا لأحكام كثيرة غير الأحكام الأوليّة (من جواز التيمّم) بدل الوضوء والغسل (والافطار) إذا كان الصوم ضارا (وغيرهما) كالجبيرة ، ومناسك الحجّ ، حيث إنّ الاضطرار يغير الوضوء ، والغسل ، والجبيرة ، ويغير جملة من أحكام الحجّ الى الأحكام الاضطرارية.

وإنّما يقرر الانسداد في باب الضرر بالكيفية التالية :

(فيقال : إنّ باب العلم بالضرر منسدّ غالبا ، إذ لا يعلم غالبا) الضرر (إلا بعد تحقّقه) وذلك يوجب الضرر على العباد إذا قيد الشارع : «لا ضرر» بالعلم بالضرر (فإجراء أصالة عدمه) أي : عدم الضرر (في تلك الموارد يوجب المحذور ، وهو : الوقوع ، في الضّرر غالبا) والشارع لا يريد ضرر المكلفين لأنّه قال : «لا ضرر ولا ضرار» (فتعيّن إناطة الحكم فيه بالظّن).

وعليه : فكلّما ظنّ المكلّف الضرر تبدّل حكمه من الحكم الأولي الى الحكم

٤٠