الوصائل إلى الرسائل - ج ٦

آية الله السيد محمد الشيرازي

الوصائل إلى الرسائل - ج ٦

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة عاشوراء للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7263-06-6
ISBN الدورة:
964-7263-04-X

الصفحات: ٤٠٠

ويعضده أيضا ظاهر ما عن شيخنا البهائي قدس‌سره في حاشية الزبدة من أنّ النزاع في جواز التقليد وعدمه يرجع إلى النزاع في كفاية الظنّ وعدمها.

ويؤيّده اقتران التقليد في الاصول في كلماتهم بالتقليد في الفروع ، حيث يذكرون في أركان الفتوى أنّ المستفتى فيه هي الفروع دون الاصول.

لكنّ الظاهر عدم المقابلة التامّة بين التقليدين ، إذ لا يعتبر في التقليد في الفروع حصول الظنّ ، فيعمل المقلّد

______________________________________________________

الى غير ذلك.

(ويعضده أيضا : ظاهر ما عن شيخنا البهائي قدس‌سره في حاشية الزّبدة : من أنّ النّزاع في جواز التّقليد وعدمه ، يرجع الى النّزاع في كفاية الظّن وعدمها) ومعناه : انّه إذا حصل العلم للمقلّد من تقليده في اصول الدّين ، كفى في كونه مسلما قطعا ، فانّ لا نزاع فيه بين أحد (ويؤيّده) أيضا (اقتران التّقليد في الاصول في كلماتهم بالتّقليد في الفروع ، حيث يذكرون في أركان الفتوى : ان المستفتى فيه) بصيغة المفعول (هي الفروع دون الاصول) بضميمة وضوح : انّ التقليد في الفروع لا يوجب العلم ، فكذلك التقليد في الاصول.

وعلى أي حال : فمرادهم من عدم جواز التقليد في الاصول : التقليد الذي لا يوجب العلم ، أمّا إذا أوجب العلم فلا إشكال في كون المقلّد مسلما يجري عليه أحكام الاسلام.

(لكن الظّاهر عدم المقابلة التّامّة بين التقليدين) حتى يقال : إنّ كلماتهم في التقليد في الفروع ، هي بعينها تأتي في التقليد في الاصول ، فيقال : حيث إن في الفروع لا تحتاج الى العلم ، كذلك لا يحتاج الى العلم في الاصول (إذ لا يعتبر في التّقليد في الفروع حصول الظّن) قطعا (فيعمل المقلّد) بفتاوى مرجعه

١٠١

مع كونه شاكّا.

وهذا غير معقول في اصول الدّين التي يطلب فيها الاعتقاد حتّى يجري فيه الخلاف.

وكذا ليس المراد من كفاية التقليد هنا كفايته عن الواقع مخالفا كان في الواقع أو موافقا كما في الفروع ،

______________________________________________________

(مع كونه) أي : المقلّد (شاكا) بل ومع وهمه ، بان كان ظنّه على خلاف فتوى مرجع تقليده.(وهذا غير معقول في اصول الدّين ، التي يطلب فيها الاعتقاد) فانّه لا شك في عدم كفاية التقليد في اصول الدين إذا كان التقليد في اصول الدين يورث الشك أو الوهم دون العلم فانّه غير كاف قطعا ، بل ولا معقول كفايته (حتى يجري فيه الخلاف) بأنه هل يكفي التقليد أو لا يكفي التقليد؟ فلا يدل اقتران التقليدين في كلماتهم على أن ما يذكرونه في التقليد في الفروع ، هو عين ما يذكرونه في التقليد في الاصول حتى يستفاد من ذلك : انّهم يصححون التقليد في الاصول إذا أوجب التقليد العلم.

(وكذا ليس المراد من كفاية التقليد هنا) في باب الاصول (: كفايته عن الواقع ، مخالفا كان) التقليد (في الواقع ، أو موافقا) بأن يقلّد ـ مثلا ـ في تعدد الآلهة ، أو عدم العدل ، أو ما أشبه ذلك ، لأنه مقطوع البطلان والمؤاخذة (كما في الفروع) فان المقلّد في الفروع معذور في تقليده طابق الواقع أم لا ، وفي مخالف الواقع له ثواب الانقياد.

ويؤيده ما ورد مرسلا : «انّ للمصيب أجرين وللمخطئ أجرا واحدا» (١).

__________________

(١) ـ حاشية سلطان العلماء على المعالم : ص ٨٠.

١٠٢

بل المراد كفاية التقليد في الحقّ وسقوط النظر به عنه ، إلّا أن يكتفي فيها بمجرّد التديّن ظاهرا وإن لم يعتقد ، لكنّه بعيد.

ثمّ إنّ ظاهر كلام الحاجبيّ والعضديّ اختصاص الخلاف بالمسائل العقليّة.

وهو في محلّه ، بناء على ما استظهرنا منهم ، من عدم حصول الجزم من التقليد ، لأنّ الذي لا يفيد الجزم من التقليد إنّما هو في العقليّات المبنية على الاستدلالات العقليّة.

______________________________________________________

وما ورد من قوله عليه‌السلام : «بأيّهما أخذت من باب التسليم وسعك» (١).

(بل المراد كفاية التقليد في الحقّ) بأن يقلّد في وحدة الإله وعدله ، بينما هو لم يصل الى ذلك علميّا (وسقوط) وجوب (النّظر به) اي : بالتقليد (عنه) اي عن هذا المقلد في الحقّ والمعتقد به قلبا (إلّا أن يكتفي فيها بمجرد التّدين ظاهرا) بأن يبني عليها بناء عمليّا (وان لم يعتقد) قلبا (لكنّه بعيد) إذ الظاهر انّ مرادهم الاعتقاد.

(ثم إنّ ظاهر كلام الحاجبي والعضدي : اختصاص الخلاف بالمسائل العقلية) دون السمعية ، لأنهما مثّلا بمعرفة الله ، ومن المعلوم : انّ الاستدلال على معرفته سبحانه وتعالى عقلي لا شرعي.

(وهو) أي : كلامهما (في محلّه بناء على ما استظهرنا منهم) أي : من العلماء (: من عدم حصول الجزم من التقليد ، لأنّ الذي لا يفيد الجزم من التّقليد ، انّما هو في العقليّات المبنيّة على الاستدلالات العقليّة) فبدون الاستدلالات العقلية

__________________

(١) ـ الكافي (اصول) : ج ١ ص ٦٦ ح ٧ ، وسائل لشيعة : ج ٢٧ ص ١٠٨ ب ٩ ح ٣٣٣٣٩.

١٠٣

وأمّا النقليّات ، فالاعتماد فيها على قول المقلّد ، ـ بالفتح ـ كالاعتماد على قول المخبر الذي قد يفيد الجزم بصدقه بواسطة القرائن وفي الحقيقة يخرج هذا عن التقليد.

وكيف كان : فالاقوى كفاية الجزم الحاصل من التقليد ، لعدم الدليل على اعتبار الزائد على المعرفة والتصديق والاعتقاد ، وتقييدها بطريق خاصّ لا دليل عليه.

______________________________________________________

لا يحصل للانسان الجزم والقطع.

(وأمّا النقليّات فالاعتماد فيها على قول المقلّد ـ بالفتح ـ كالاعتماد على قول المخبر ، الذي قد يفيد الجزم بصدقه بواسطة القرائن) وقد لا يفيد (وفي الحقيقة يخرج هذا) أي : ما يفيد الجزم (عن التّقليد) لأنه إذا علم الانسان شيئا لم يسمّ مقلدا.

(وكيف كان) فان المستفاد من كلام الحاجبي والعضدي وغيرهما هو : كفاية التقليد المورث للعلم كما قال : (فالاقوى : كفاية الجزم الحاصل من التقليد) في اصول الدين (لعدم الدليل على اعتبار الزائد على المعرفة ، والتصديق ، والاعتقاد) ونحوهما ممّا ورد في الكتاب والسنة.

(وتقييدها بطريق خاص) بأن يقال : يلزم أن تكون المعرفة عن الاستدلال والنظر (لا دليل عليه) ويمكن هنا الاشكال على المصنّف : بانّه كيف يمكن إثبات استحقاق العقاب في المقلّد في الباطل وعدمه في المقلد الحق ، مع فرض كونهما متساويين في سعيهما من جميع الجهات ، سوى ما كان خارجا عن وسعهما بأن كان الاول : مولودا في الفرقة التي كانوا على الباطل ، والثاني : فيمن على الحق؟.

١٠٤

مع أنّ الانصاف : أنّ النظر والاستدلال بالبراهين العقليّة للشخص المتفطّن لوجوب النظر في الاصول لا يفيد بنفسه الجزم ،

______________________________________________________

والجواب : أمّا عن الذي قلّد في الحقّ ، فعدم استحقاقه العقاب بأنّ استحقاقه الجنة ، فلانه سلك الطريق الموصول الى الجنة.

وأمّا عن الذي قلّد في الباطل فمن يقول : انّه يستحق العقاب إذا لم يكن مقصّرا؟ بل يمتحن هناك في القيامة كما دلّ عليه النص وقول العلماء ، فحالهما حال نفرين : قلّد أحدهما من دلّه على الطّريق ، والثاني من دلّه على خلاف الطّريق ، فانّ الأول : يصل دون الثاني.

وكيف كان : فالكلام تارة في الوصول وعدم الوصول ، واخرى في العقاب وعدم العقاب.

ثمّ انّ المصنّف أيّد ما ذكره : من كفاية التقليد بقوله : (مع أنّ الانصاف : انّ النّظر والاستدلال بالبراهين العقلية للشخص المتفطّن بوجوب النظر في الاصول ، لا يفيد بنفسه الجزم) وإنّما يحتاج الى لطف الله سبحانه وتعالى وسلوك طريقه ، والتضرع إليه ، حتى يمنحه تعالى النور ، كما في الحديث الشريف : «ليس العلم بكثرة التعلّم وإنّما هو نور يقذفه الله في قلب من يشاء» (١).

أقول : ومن المعلوم : انّ مشيئة الله سبحانه وتعالى ليست اعتباطا ، بل باسبابها الخاصة ، وقد ذكرنا معنى هذا الحديث في : «الفقه : كتاب الآداب والسنن» (٢) فلا يقال ، كيف حصل العلم الكثير من الكفار الذين يناوئون الاسلام كما نجد

__________________

(١) ـ منية المريد : ص ٦٩ ، مصباح الشريعة ص ١٦ ، بحار الانوار : ج ٧٠ ص ١٤٠ ب ٥٢ ح ٥.

(٢) ـ راجع موسوعة الفقه : ج ٩٤ ـ ٩٧ للشارح.

١٠٥

لكثرة الشّبه الحادثة في النفس والمدوّنة في الكتب ، حتّى أنّهم ذكروا شبها يصعب الجواب عنها للمحققين الصارفين لأعمارهم في فنّ الكلام ، فكيف حال المشتغل به مقدارا من الزمان لأجل تصحيح عقائده ، ليشتغل بعد ذلك بأمور معاشه ومعاده ، خصوصا ، والشيطان يغتنم الفرصة لالقاء الشبهات والتشكيك في البديهيّات ، وقد شاهدنا جماعة صرفوا أعمارهم ولم يحصّلوا منها شيئا إلّا القليل.

______________________________________________________

ذلك قديما وحديثا؟.

هذا وإنّما قال : «لا يفيد بنفسه الجزم» (لكثرة الشّبه الحادثة في النفس ، والمدوّنة في الكتب ، حتى انّهم ذكروا شبها يصعب الجواب عنها للمحقّقين الصّارفين لأعمارهم في فنّ الكلام) مثل شبهة الآكل والمأكول ، وشبهة التغيّر في علم الباري سبحانه قبل خلقه شيئا وبعد خلقه شيئا ، الى غير ذلك.

(فكيف حال المشتغل به) أي : بالبرهان العقلي (مقدارا من الزّمان لأجل تصحيح عقائده ليشتغل بعد ذلك بامور معاشه ومعاده) كسبا وعبادة (خصوصا والشيطان يغتنم الفرصة لالقاء الشّبهات والتشكيك في البديهيّات).

ومن هنا نشأت العقائد الباطلة الكثيرة من عقلاء العالم (وقد شاهدنا جماعة صرفوا أعمارهم) في الاستدلالات العقلية ، والكتب الحكمية (ولم يحصّلوا منها) أي : من البراهين العقلية الصحيحة (شيئا إلّا القليل) والله الهادي الى سواء السبيل.

١٠٦

المقام الثاني : في غير المتمكن من العلم

والكلام فيه تارة في تحقق موضوعه في الخارج ، واخرى في أنّه يجب عليه مع اليأس من العلم تحصيل الظنّ أم لا ، وثالثة في حكمه الوضعيّ قبل الظنّ وبعده.

أمّا الأوّل : فقد يقال فيه : بعدم وجود العاجز ، نظرا إلى العمومات الدالة على حصر النّاس في المؤمن والكافر ،

______________________________________________________

(المقام الثّاني : في غير المتمكن من العلم) بأن لا يقدر على تحصيل العلم (والكلام فيه تارة : في تحقّق موضوعه في الخارج) وانّه هل يوجد هكذا إنسان؟.

(واخرى : في انّه يجب عليه مع اليأس من العلم تحصيل الظّن أم لا؟) بأن يترك وشأنه ، فليس عليه تحصيل الظنّ وان تمكن منه ، بل يبقى على شكه.

(وثالثة : في حكمه الوضعي قبل الظّن وبعده) وانّه هل هو مسلم تجري عليه أحكام المسلمين أو كافر محكوم بأحكام الكافرين؟.

(أمّا الأوّل : فقد يقال فيه بعدم وجود العاجز) إطلاقا ، فليس هناك من لا يتمكن من تحصيل العلم.

وانّما يقال لذلك لامور أوّلا : (نظرا الى العمومات الدّالة على حصر الناس في المؤمن والكافر) فقد قال سبحانه في سورة التغابن : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ ، وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)(١) فان الظّن بالحقّ إذا لم يوجب الايمان ، كان الظان كافرا ، لأنه مقتضى حصر المكلّفين فيهما.

__________________

(١) ـ سورة التغابن : الآية ٢.

١٠٧

مع ما دلّ على خلود الكافرين بأجمعهم في النار ، بضميمة حكم العقل بقبح عقاب الجاهل القاصر ، فينتج ذلك عن تقصير كلّ غير مؤمن ، وأنّ من نراه قاصرا عاجزا عن العلم قد يمكّن عليه تحصيل العلم بالحقّ ولو في زمان ما وإن صار عاجزا قبل ذلك أو بعده ، والعقل لا يقبّح عقاب مثل هذا الشخص.

ولهذا

______________________________________________________

ثانيا : (مع ما دلّ على خلود الكافرين بأجمعهم في النّار).

ثالثا : (بضميمة حكم العقل : بقبح عقاب الجاهل القاصر).

والحاصل : إنّ الناس إما مؤمن أو كافر ، ولا ثالث لهما ، والكافر خالد في النار ، ومن استوجب النار كشف عن انه كان قادرا على الايمان لتمكنه من العلم ، وانّما لم يؤمن تقصيرا (فينتج ذلك) الذي بيناه من المقدمات الثلاث (عن تقصير كلّ غير مؤمن ، وانّ من نراه قاصرا عاجزا عن العلم ، قد يمكن عليه تحصيل العلم بالحقّ ولو في زمان ما ، وإن صار عاجزا قبل ذلك) الزمان (أو بعده) فانّ الالتفات في زمان ما ، يوجب صحة العقاب عند العقلاء.

هذا (والعقل لا يقبّح عقاب مثل هذا الشخص) فانّ من أمره المولى بشيء ، وتمكن من الاتيان بذلك الشيء في وقت ولم يفعله ، صحّ للمولى عقابه.

نعم ، إذا تمكن منه لكن الواجب كان موسعا فلم يفعله ثم مات أو ما أشبه ذلك ممّا أخرجه عن القدرة ، لم يصح عقابه ، لأنّ المولى هو الّذي أباح له الترك ولو من جهة إجازته باستصحاب الحياة ، وبانّه جامع للشرائط الى آخر وقت الامكان ، ولا نريد بذلك : إنّ الاستصحاب الاصطلاحي جار في المقام ، بل نريد : انّ العقلاء يرون استمرار القدرة الى آخر الوقت والشارع لم يغيره.

(ولهذا) الّذي ذكرناه : من إنّ الناس على قسمين فقط ، وانّ غير المؤمن كافر

١٠٨

ادّعى غير واحد في مسألة التخطئة والتصويب الاجماع على أنّ المخطئ في العقائد غير معذور.

لكنّ الذي يقتضيه الانصاف : شهادة الوجدان بقصور بعض المكلّفين ، وقد تقدّم عن الكليني ما يشير إلى ذلك ، وسيجيء عن الشيخ قدس‌سره ، في العدّة من كون العاجز عن التحصيل بمنزلة البهائم.

هذا مع ورود الأخبار المستفيضة بثبوت الواسطة بين المؤمن والكافر ، وقضيّة مناظرة زرارة وغيره مع الامام عليه‌السلام ، في ذلك مذكورة في الكافي.

______________________________________________________

يستحق العقاب (ادّعى غير واحد في مسألة التخطئة والتّصويب) المذكورين في باب الاجتهاد في الفروع (: الاجماع على أنّ المخطئ في العقائد غير معذور).

هذا غاية ما يقال في بيان الأمر الأول ، وهو : عدم وجود العاجز عن تحصيل العقائد الحقة.

(لكن الّذي يقتضيه الانصاف : شهادة الوجدان بقصور بعض المكلّفين) عن التأمّل والنظر ، والبحث والفحص ، للوصول الى الحق (وقد تقدّم عن الكليني ما يشير الى ذلك) حيث قال المصنّف : «وقد أشار الى ذلك رئيس المحدّثين في ديباجة الكافي» (وسيجيء عن الشيخ قدس‌سره في العدّة : من كون العاجز عن التحصيل بمنزلة البهائم) لا تكليف له كما لا تكليف للبهائم.

(هذا مع ورود الأخبار المستفيضة بثبوت الواسطة بين المؤمن والكافر ، و) قد تقدّم هنا (قضية مناظرة زرارة وغيره ، مع الامام عليه‌السلام في ذلك) وهي (مذكورة في الكافي) حيث انّ زرارة كان ينكر الواسطة بين الايمان والكفر ، والامام عليه‌السلام ينكر عليه ذلك ويثبت الواسطة بينهما.

هذا بالاضافة الى روايات امتحان بعض الناس في الآخرة ، فانّه لو لم يكن

١٠٩

ومورد الاجماع ، على أنّ المخطئ آثم ، هو المجتهد الباذل جهده بزعمه ، فلا ينافي كون الغافل والملتفت العاجز عن بذل الجهد معذورا غير آثم.

وأمّا الثاني : فالظاهر فيه عدم وجوب تحصيل الظنّ لأنّ المفروض عجزه عن الايمان والتصديق المأمور به ، ولا دليل آخر على عدم جواز الوقف ،

______________________________________________________

الناس الّا مؤمن أو كافر ، لم يكن وجه للامتحان هناك.

(ومورد الاجماع) الذي قد تقدّم : من أنّهم مجمعون على أنّ المخطئ في العقائد غير معذور ، و (على انّ المخطئ آثم ، هو المجتهد الباذل جهده بزعمه) لا واقعا ، فإنّ من يبذل جهده واقعا لا بدّ وأن يصيب الواقع لقوله سبحانه : (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا)(١).

وعليه : (فلا ينافي كون الغافل) عن الحقّ رأسا (والملتفت العاجز عن بذل الجهد ، معذورا غير آثم) كما نرى في كثير من الذين هم منقطعون عن العلم والعلماء في القرى والأرياف البعيدة.

(وأمّا الثّاني :) وهو انّه هل يجب عليه مع اليأس من العلم ، تحصيل الظّن ام لا؟ (فالظاهر فيه : عدم وجوب تحصيل الظّن) عليه ، بل يبقى على الشّك (لأنّ المفروض عجزه عن الايمان والتّصديق المأمور به) وكذلك عن الاعتقاد ، وما أشبه ، ممّا أمر الله به الانسان.

(ولا دليل آخر على عدم جواز الوقف) أي : التوقف.

__________________

(١) ـ سورة العنكبوت : الآية ٦٩.

١١٠

وليس المقام من قبيل الفروع في وجوب العمل بالظنّ مع تعذّر العلم ، لأنّ المقصود فيها العمل ولا معنى للتوقف فيه ، فلا بدّ عند انسداد باب العلم من العمل على طبق أصل أو ظنّ.

والمقصود فيما نحن فيه الاعتقاد فاذا عجز عنه ، فلا دليل على وجوب تحصيل الظنّ الذي لا يغني من الحق شيئا ، فيندرج في عموم قولهم عليهم‌السلام : «إذا جاءكم

______________________________________________________

(وليس المقام من قبيل الفروع في وجوب العمل بالظّن مع تعذّر العلم).

إذن : فلا يقاس الاصول بالفروع ، فيقال : كما أنّه يجب تحصيل الظنّ بالفروع إذا لم يتمكّن من العلم والعلمي ، كذلك يجب تحصيل الظنّ بالاصول إذا لم يتمكّن من العلم والعلمي.

وإنّما لا يقاس بذلك (لأنّ المقصود فيها) أي : في الفروع (العمل ، ولا معنى للتوقف فيه) أي : في العمل ، لأنّه إمّا فاعل وإمّا تارك (فلا بدّ عند انسداد باب العلم من العمل على طبق أصل ، أو ظنّ) فان كان في المقام ظنّ عمل به ، وإلّا تمسّك بالبراءة ، والاستصحاب ، وما اشبه.

(والمقصود فيما نحن فيه) من مسائل اصول الدين (: الاعتقاد) واليقين ، والتصديق ، وما أشبه ذلك (فاذا عجز عنه) أي : عن الاعتقاد (فلا دليل على وجوب تحصيل الظن الّذي لا يغني من الحقّ شيئا) ، كما ورد في قوله سبحانه : (إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً)(١).

(فيندرج) هذا الانسان بالنسبة الى العقائد (في عموم قولهم عليهم‌السلام : إذا جاءكم

__________________

(١) ـ سورة يونس : الآية ٣٦.

١١١

ما لا تعلمون فها».

نعم ، لو رجع الجاهل بحكم هذه المسألة إلى العالم ورأى العالم منه التمكّن من تحصيل الظنّ بالحقّ ولم يخف عليه إفضاء نظره الظنّيّ الى الباطل ، فلا يبعد وجوب إلزامه بالتحصيل ، لأنّ انكشاف الحقّ ، ولو ظنّا ، أولى من البقاء على الشكّ فيه.

______________________________________________________

ما لا تعلمون فها) (١) وأشار بيده عليه‌السلام الى فيه ، كما قد تقدّمت هذه الرواية.

(نعم ، لو رجع الجاهل بحكم هذه المسألة) أي : مسألة انّه هل يجب تحصيل الظّن على من لم يتمكن من العلم ، أو لا يجب؟ (الى العالم ، ورأى العالم منه التمكّن من تحصيل الظّن بالحقّ ، ولم يخف عليه إفضاء نظره الظّني الى الباطل) حتى يكون الظنّان متساويين بالنسبة اليه (فلا يبعد وجوب الزامه) من قبل العالم (بالتحصيل) للظّن (لأنّ انكشاف الحقّ ولو ظنّا أولى من البقاء على الشّك فيه).

قال في الأوثق : «لا يخفى : إنّ الحكم بالوجوب لا يناسب حكمه بعدم وجوب تحصيل الظّن على من لم يتمكن من العلم ، ولو تمّ ما ذكره من الأولوية لثبت وجوب تحصيل الظنّ على نفسه أيضا» (٢) ، انتهى.

ويمكن أن يؤيد اطلاق قول الاوثق بالوجوب على نفسه أيضا ، أي : سواء بالنسبة الى نفسه أو بالنسبة الى أمر العالم له بما ورد من قوله : صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إذا أمرتكم بشيء ، فأتوا منه ما استطعتم» (٣) وقوله أيضا : «ما لا يدرك كلّه لا يترك

__________________

(١) ـ الكافي (اصول) : ج ١ ص ٥٧ ح ١٣.

(٢) ـ أوثق الوسائل : ص ٢٤١ كفاية الجزم الحاصل من التقليد في الاعتقاديات.

(٣) ـ غوالي اللئالي : ج ٤ ص ٥٨ ح ٢٠٦ (بالمعنى) ، بحار الانوار : ج ٢٢ ص ٣١ ب ٣٧.

١١٢

وأمّا الثالث : فان لم يقرّ في الظاهر بما هو مناط الاسلام ، فالظاهر كفره ، وإن أقرّبه مع العلم بأنّه شاكّ باطنا فالظاهر عدم إسلامه ، بناء على أنّ الاقرار الظاهريّ مشروط باحتمال اعتقاده لما يقرّ به.

______________________________________________________

كلّه» (١).

وقوله تعالى : (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ...)(٢).

وأشباه ذلك ، ممّا يدلّ على أن الواجب هو : تحصيل الجزم فاذا لم يتمكن من تحصيله وتمكن من تحصيل الظّن القوي كان لازما ، وهكذا إذا لم يتمكن من تحصيل الظّن القوي وتمكن من تحصيل الظّن الضعيف ، وإن كان كل ذلك مورد تأمّل.

اللهم الّا أن يقال : انّه واجب ، لأنّ الأمر تدريجي ، فربّما يحصل بعد الظنّ الجزم ، كما أنّه ورد في عكسه : «لا ترتابوا فتشكوا ، ولا تشكوا فتكفروا» (٣).

(وأمّا الثالث :) وهو حكمه الوضعي قبل الظنّ وبعده (فانّ لم يقرّ في الظّاهر بما هو مناط الاسلام) من العقائد الثلاثة : الالوهية ، والنبوّة ، والمعاد (فالظّاهر كفره) لشمول أدلة الكفر لمن أنكر أحد الثلاثة.

(وإن أقرّ به مع العلم بأنه شاك باطنا) بأن علمنا : انّه شاك باطنا لكنّه يقرّ بالاصول الاسلامية ظاهرا (فالظاهر عدم إسلامه ، بناء على أنّ الاقرار الظاهري مشروط باحتمال) نا (اعتقاده لما يقرّ به).

لكن ذلك ينقض بالمنافق ، حيث نعلم : بانّه لا يعتقد ومع ذلك يحكم باسلامه

__________________

(١) ـ غوالي اللئالي : ج ٤ ص ٥٨ ح ٢٠٧ ، بحار الانوار : ج ٥٦ ص ٢٨٣ ب ٢٥ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج ١٩ ص ٧٥ ب ٢٣٩.

(٢) ـ سورة البقرة : الآية ١٨٥.

(٣) ـ الكافي (اصول) : ج ١ ص ٤٥ ح ٦ وج ٢ ص ٣٩٩ ح ٢ ، بحار الانوار : ج ٢ ص ٣٩ ب ٩ ح ٦٩.

١١٣

وفي جريان حكم الكفر عليه إشكال : من إطلاق بعض الأخبار بكفر الشاكّ.

ومن تقييده في غير واحد من الأخبار بالجحود.

مثل رواية محمّد بن مسلم ، قال : «سأل أبو بصير أبا عبد الله عليه‌السلام ، قال : ما تقول فيمن شكّ في الله؟ قال : كافر ، يا أبا محمّد ، قال : فشكّ في رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : كافر ، ثمّ التفت إلى زرارة ، فقال : إنّما يكفر إذا جحد».

______________________________________________________

ظاهرا ، إذا أقرّ بالاصول الثلاثة ، والتزم بأحكام الاسلام ظاهرا ، كالمنافقين الذين كانوا في عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وإنّما قلنا : والتزم بأحكام الاسلام ظاهرا ، في قبال من يريد الوصول الى مآربه من الكفار ، كالزواج بمسلمة ، أو ما أشبه ذلك ، فيأتي بالشهادتين لا يتجاوز بهما لسانه ، فانّ الأدلة لا تشمله قطعا ، كما سبق الالماع اليه.

وكيف كان : فعلى ما ذكره المصنّف يتفرّع قوله : (وفي جريان حكم الكفر عليه إشكال ، من : إطلاق بعض الأخبار بكفر الشّاك) وهذا شاك فهو كافر.

(ومن تقييده في غير واحد من الأخبار : بالجحود) ومقتضى حمل المطلق على المقيد أن نقول : بأنّ الجاحد كافر ، لا الشاك.

(مثل : رواية محمّد بن مسلم قال : سأل أبو بصير أبا عبد الله عليه‌السلام ، قال : ما تقول فيمن شكّ في الله؟ قال : كافر يا أبا محمّد ، قال : فشك في رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ قال : كافر ، ثم التفت الى زرارة ، فقال : إنّما يكفر إذا جحد) (١) فهو تقييد للكفر بما إذا كان جاحدا ، وتصلح هذه الرّواية للجمع بين الطائفتين.

__________________

(١) ـ الكافي (اصول) : ج ٢ ص ٣٩٩ ح ٣.

١١٤

وفي رواية اخرى : «لو أنّ الناس إذا جهلوا وقفوا ولم يجحدوا لم يكفروا».

ثمّ إنّ جحود الشاكّ يحتمل أن يراد به إظهار عدم الثبوت وإنكار التديّن به ، لأجل عدم الثبوت ، ويحتمل أن يراد به الانكار الصوريّ على سبيل الجزم. وعلى التقديرين ، فظاهرها أنّ المقرّ ظاهرا ، الشاكّ باطنا الغير المظهر لشكّه ، غير كافر.

ويؤيّد هذا رواية زرارة الواردة في تفسير قوله تعالى : (وَآخَرُونَ

______________________________________________________

(وفي رواية أخرى : «لو أنّ النّاس إذا جهلوا وقفوا ولم يجحدوا لم يكفروا») (١) كما تقدمت هذه الرواية.

(ثمّ إنّ جحود الشّاك يحتمل أن يراد به) أي : بالجحود (: إظهار عدم الثبوت ، وإنكار التّدين به لأجل عدم الثبوت) فيقول : إنّ رسالة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : غير ثابتة لديّ ، أو ما أشبه هذه العبارة.

(ويحتمل أن يراد به : الإنكار الصّوري على سبيل الجزم) فيقول : إني أعتقد أنّ محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليس رسولا ، هكذا يقول بلسانه ، وهو في قلبه شاك في انّه رسول أو ليس برسول ، ولا يبعد أن تشمل الرّواية كلتا الصورتين.

(وعلى التقديرين فظاهرها) أي : هذه الروايات (انّ المقرّ ظاهرا) باصول الاسلام (الشّاك باطنا غير المظهر لشكّه) وإنّما يظهر الشهادتين (غير كافر) ويعامل معاملة المسلمين.

(ويؤيد هذا ، رواية زرارة الواردة في تفسير قوله تعالى : (وَآخَرُونَ

__________________

(١) ـ الكافي (اصول) : ج ٢ ص ٣٨٨ ح ٩ ، المحاسن : ص ٢١٦ ح ١٠٣ ، وسائل الشيعة : ج ٢٧ ص ١٥٨ ب ١٢ ح ٣٣٤٧٤.

١١٥

مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ ،) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «قوم كانوا مشركين ، فقتلوا مثل حمزة وجعفر وأشباههما من المؤمنين ، ثمّ إنّهم دخلوا في الإسلام فوحّدوا الله وتركوا الشّرك ، ولم يعرفوا الإيمان بقلوبهم فيكونوا مؤمنين فيجب لهم الحسنى ، ولم يكونوا على جحودهم فيكفروا فيجب لهم النار ، فهم على تلك الحالة ، امّا يعذّبهم وإما يتوب عليهم» ، وقريب منها غيرها.

ولنختم الكلام بذكر كلام السّيد الصدر الشارح للوافية ، في أقسام المقلّد في اصول الدّين ، بناء على القول بجواز التقليد ، وأقسامه بناء على عدم جوازه.

______________________________________________________

مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ ...)(١) ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال عليه‌السلام : قوم كانوا مشركين فقتلوا مثل حمزة ، وجعفر ، وأشباههما من المؤمنين ، ثمّ أنهم دخلوا في الاسلام ووحّدوا الله ، وتركوا الشّرك ولم يعرفوا الايمان بقلوبهم فيكونوا مؤمنين فيجب لهم الحسنى ، ولم يكونوا على جحودهم فيكفروا فيجب لهم النّار ، فهم على تلك الحالة ، إمّا يعذبهم وإمّا يتوب عليهم) (٢).

لكن لا يخفى : انّ الله سبحانه يرجّح أحد الأمرين حسب ميزان الحكمة بمؤهلاتهم الموجبة للجنّة أو النار ، لا انّه سبحانه يرجح أحد الأمرين اعتباطا.

(وقريب منها غيرها) من سائر الروايات.

(ولنختم الكلام بذكر السّيد الصّدر الشارح للوافية في اقسام المقلّد في اصول الدّين ، بناء على القول بجواز التقليد) في اصول الدين (وأقسامه بناء على عدم جوازه) اي : التقليد في اصول الدين.

__________________

(١) ـ سورة التوبة : الآية ١٠٦.

(٢) ـ الكافي (اصول) : ج ٢ ص ٤٠٧ ح ١.

١١٦

قال : «إنّ أقسام المقلّد على القول بجواز التقليد ستّة ، لأنّه إمّا أن يكون مقلّدا في مسألة حقّة أو في باطلة.

وعلى التقدير إمّا أن يكون جازما بها ، أو ظانّا ، وعلى تقديريّ التقليد في الباطل إمّا أن يكون إصراره على التقليد مبنيا على عناده وتعصّبه بأن حصل له طريق علم فما سلكه وإمّا لا ، فهذه أقسام ستّة.

فالأوّل : وهو من قلّد في مسألة حقّة جازما بها ، مثلا : قلّد في وجود

______________________________________________________

وذلك ان الاقسام في كل من السلب والايجاب وإن كانت متساوية ذاتا إذ لا يعقل أقسام في الايجاب لا يقابلها أقسام في السلب : إلّا أنّ المعيار في المقام حسب الأدلة الشرعية مختلف ، ولذا صار عدد الاقسام في جانب تختلف عن عدد الاقسام في الجانب الآخر.

(قال : إنّ أقسام المقلّد على القول بجواز التقليد) في اصول الدين (ستة : لأنّه امّا أن يكون مقلدا في مسألة حقّة) مثل : توحيد الله سبحانه وتعالى (أو في باطلة) مثل : تعدد الآلهة.

(وعلى التقديرين : امّا أن يكون جازما بها ، أو ظانّا) فهذه أقسام أربعة.

(وعلى تقديري التّقليد في الباطل ، إمّا أن يكون إصراره على التقليد ، مبنيّا على عناده وتعصّبه بأن حصل له طريق علم فما سلكه ، وامّا لا).

وعليه : فالتقليد في الحقّ له قسمان ، والتقليد في الباطل له أربعة أقسام (فهذه أقسام ستة) بحسب الأقسام التي نريد فيها بعد ترتيبها على هذه الأقسام ، والّا فان من الممكن تنويع الاقسام الى أكثر من ذلك.

(فالأوّل : وهو من قلّد في مسألة حقة جازما بها ، مثلا : قلّد في وجود

١١٧

الصانع وصفاته وعدله ، فهذا مؤمن.

واستدلّ عليه بما تقدّم حاصله ، أنّ التصديق معتبر من أيّ طريق حصل إلى أن قال :

الثاني : من قلّد في مسألة حقّة ظانّا بها من دون جزم ، فالظاهر إجراء حكم المسلم عليه في الظاهر ، إذ ليس حاله بأدون من حال المنافق ، سيّما إذا كان طالبا للجزم مشغولا بتحصيله فمات قبل ذلك.

______________________________________________________

الصانع وصفاته وعدله) ورسالة الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين ، والمعاد ، وإمامة الائمة الطاهرين عليهم‌السلام (فهذا مؤمن) له كل أحكام الايمان في الدنيا والآخرة.

(واستدل عليه بما تقدّم حاصله : إنّ التّصديق معتبر من أيّ طريق حصل) فان هذا مصدق بكلّ اصول الدين وان كان طريقه التقليد ، والمفروض : انّه جازم بتلك الاصول.

(الى أن قال : الثاني : من قلّد في مسألة حقّة ظانّا بها من دون جزم ، فالظّاهر : إجراء حكم المسلم عليه في الظاهر) فيجوز بالنسبة اليه : الذبح ، والنكاح ، والارث ، والدّفن في مقبرة المسلمين ، وغير ذلك (اذ ليس حاله بأدون من حال المنافق) الذي نعلم بأن قلبه مخالف للحق ، ومع ذلك نجري عليه أحكام الاسلام ، كما كان يفعله الرسول والائمة الطاهرون عليهم‌السلام بالنسبة الى المنافقين ، حتى الذين شهد الله سبحانه وتعالى بنفاقهم ، كما في عبد الله بن ابي ، ونحوه.

(سيّما إذا كان طالبا للجزم ، مشغولا بتحصيله) غير مقصّر في الطلب (فمات قبل ذلك) أي : قبل أن يحصل على الجزم بها.

١١٨

أقول : هذا مبنيّ على أنّ الاسلام مجرّد الإقرار الصوريّ وإن لم يحتمل مطابقته للاعتقاد.

وفيه : ما عرفت من الاشكال وإن دلّ عليه غير واحد من الأخبار.

الثالث : من قلّد في باطل ، مثل إنكار الصانع أو شيئا ممّا يعتبر في الايمان ، فجزم به من غير ظهور حقّ ولا عناد.

الرابع : من قلّد في باطل وظنّ به كذلك.

والظاهر في هذين إلحاقهما بمن يقام عليه الحجّة يوم القيامة.

______________________________________________________

(أقول هذا) الكلام من السّيد الصدر في القسم الثاني (مبني على أنّ الاسلام : مجرد الاقرار الصّوري وإن لم يحتمل مطابقته للاعتقاد) بل وان علم بعدم المطابقة للاعتقاد كما في المنافق.

(وفيه : ما عرفت من الاشكال ، وان دلّ عليه غير واحد من الأخبار) فقد تقدّم : انّ هذا هو مقتضى القاعدة لما وجدناه من سيرة الرسول والائمة الطاهرين عليهم‌السلام.

(الثالث : من قلّد في باطل ، مثل : انكار الصانع ، أو شيئا ممّا يعتبر في الايمان) كالنبوة ، والامامة ، والمعاد ، والعدل (فجزم به من غير ظهور حق ولا عناد) والظاهر : ان كلمة : «ظهور» ، زائدة ، إذ قوله بعد ذلك : «والظاهر في هذين :

الحاقهما بمن يقام عليه الحجّة يوم القيامة» ، إنّما هو تابع لعالم الثبوت لا عالم الاثبات ، لانه ان كان عن عناد لم يمتحن في الآخرة ، فانّ المعاند مصيره النار.

(الرابع : من قلّد في باطل وظنّ به) أي : بذلك الباطل (كذلك) أي : من غير ظهور حق ولا عناد.

(والظاهر في هذين : الحاقهما بمن يقام عليه الحجّة يوم القيامة) فانّ

١١٩

وأمّا في الدنيا فيحكم عليهما بالكفر إن اعتقد اما يوجبه ، وبالإسلام إن لم يكونا كذلك ، فالأوّل كمن أنكر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مثلا ، والثاني كمن أنكر إماما.

الخامس : من قلّد في باطل جازما مع العناد.

السادس : من قلّد في باطل ظانّا كذلك ، وهذان يحكم بكفرهما مع ظهور الحقّ والإصرار.

______________________________________________________

كل قاصر يقام عليه الحجّة يوم القيامة ، فان أطاع دخل الجنّة ، وان عصى دخل النار ، وذلك حسب ما دلّ عليه العقل والأخبار.

(وأمّا في الدّنيا فيحكم عليهما بالكفر إنّ اعتقدا ما يوجبه) أي : ما يوجب الكفر (وبالاسلام إن لم يكونا كذلك) بأن اعتقدا ما يوجب الاسلام ، وقوله : «بالاسلام» ، عطف على قوله : «بالكفر».

(فالأوّل : كمن أنكر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ مثلا ـ).

(والثاني : كمن أنكر اماما) فان منكر النبيّ كافر ، أما منكر الامام فهو مسلم ، كالمخالفين.

(الخامس : من قلّد في باطل جازما مع العناد) والاصرار عليه.

السادس : من قلّد في باطل ظانّا كذلك) أي : مع العناد والاصرار عليه.

(وهذان يحكم بكفرهما مع ظهور الحقّ) لهما (والاصرار) على ما قلدا فيه من الباطل.

هذا ، ولا يخفى مواضع الضعف في هذا التقسيم والحكم في الاقسام المذكورة ، ولكن حيث لا يهمنا التعرّض لمسألة اصول الدين في هذا المقام ، نتركه لموضعه في كتب اصول الدين.

١٢٠