الوصائل إلى الرسائل - ج ٦

آية الله السيد محمد الشيرازي

الوصائل إلى الرسائل - ج ٦

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة عاشوراء للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7263-06-6
ISBN الدورة:
964-7263-04-X

الصفحات: ٤٠٠

الثاني : الترجيح به في وجه الصدور ، بأن نفرض الخبرين صادرين وظاهري الدلالة ، وانحصر التحيّر في تعيين ما صدر لبيان الحكم وتمييزه عمّا صدر على وجه التقيّة أو غيرها من الحكم المقتضية لبيان خلاف الواقع. وهذا يجري في مقطوعي الصدور ومظنوني الصدور مع

______________________________________________________

(الثاني : الترجيح به) أي : بالظنّ غير المعتبر (في وجه الصدور) بأنّه هل صدر الخبر تقية ، أو لا؟ وذلك (بأن نفرض الخبرين صادرين) قطعا (وظاهري الدلالة) في مفادهما (وانحصر التحيّر في تعيين ما صدر لبيان الحكم ، وتمييزه عمّا صدر على وجه التقية).

مثلا : إذا قال خبر : بأن الكافر نجس ، وقال خبر آخر : بأنّه طاهر ، والعامة لهم قولان في المسألة ، فلا نعلم إنّ الخبر الذي قال : بأنّ الكافر طاهر صدر تقية أو أن الخبر القائل : بأنّ الكافر نجس صدر تقية ، وكان هناك مرجّح ظنّي غير معتبر يؤيد هذا ، أو يؤيد ذاك؟.

(أو غيرها) أي : غير التقية (من الحكم) جمع حكمة (المقتضية لبيان خلاف الواقع) مثل حكمة إيقاع الاختلاف بين الشيعة حتى لا يكون لهم طريق واحد ، يعرفوا به ، وإن لم يكن شيء من تلك الأحكام موافقا للعامّة ، ولذا قال عليه‌السلام : «أنا خالفت بينهم» (١).

(وهذا) أي : هذا الترجيح بالظّن غير المعتبر في وجه الصدور (يجري في مقطوعي الصدور) كالسنّتين المتواترتين (ومظنوني الصدور) كالخبرين (مع

__________________

(١) ـ عدّة الاصول : ج ١ ص ١٣٠.

١٨١

بقاء الظنّ بالصدور في كلّ منهما.

الثالث : الترجيح به من حيث الصدور بأن صار بالمرجّح أحدهما مظنون الصدور.

وأمّا المقام الأوّل

فتفصيل القول فيه : أنّه إن قلنا بأنّ مطلق الظنّ على خلاف الظواهر يسقطها عن الاعتبار لاشتراط حجّيّتها بعدم الظنّ على الخلاف ، فلا إشكال في وجوب الأخذ بمقتضى ذلك الظنّ المرجّح ،

______________________________________________________

بقاء الظّن بالصدور في كلّ منهما) وذلك فيما إذا كان أحدهما مقطوع الصدور والآخر مظنون الصدور.

(الثالث : الترجيح به) أي : بالظنّ غير المعتبر (من حيث الصدور بأن صار بالمرجّح أحدهما مظنون الصدور) والآخر موهوم الصدور ، كما إذا كان هناك خبران ثقتان متعارضان لا نعلم إنّ أيّهما مرجح على الآخر من جهة الصدور ، فيأتي الظنّ غير المعتبر ليرجح أحدهما على الآخر.

(أما المقام الاوّل : فتفصيل القول فيه : انّه إن قلنا بأن مطلق الظنّ على خلاف الظواهر ، يسقطها) أي : يسقط تلك الظواهر (عن الاعتبار).

وإنّما الظّن على خلاف الظاهر يسقط الظاهر عن الاعتبار (لاشتراط حجيّتها) أي : حجّية الظواهر (بعدم الظنّ على الخلاف) كما قال بذلك بعض.

وعليه : (فلا إشكال في وجوب الأخذ بمقتضى ذلك الظّن المرجح) وذلك لأن الظنّ لما اسقط الظاهر عن الاعتبار لم يكن ظاهر ، وانّما يكون المجال لخلاف ذلك الظاهر وهو الظنّ.

١٨٢

لكن يخرج حينئذ عن كونه مرجّحا ، بل يصير سببا لسقوط الظهور المقابل له عن الحجّيّة ، لا لدفع مزاحمته للظهور المنضمّ إليه ، فيصير ما وافقه حجّة سليمة عن الدليل المعارض.

إذ لو لم يكن في مقابل ذلك المعارض إلّا هذا الظنّ لأسقطه عن الاعتبار.

نظير الشهرة في أحد الخبرين الموجبة لدخول الآخر في الشواذّ التي لا اعتبار بها ،

______________________________________________________

(لكن يخرج) الظنّ (حينئذ عن كونه مرجّحا ، بل يصير سببا لسقوط الظهور المقابل له) أي : المقابل للظنّ (عن الحجّية) لأن الظاهر حينئذ لا يكون حجّة وإنّما يكون الظنّ وحده هو الذي يجب العمل به ، وذلك (لا لدفع مزاحمته للظهور المنضم إليه) أي : إنّ الاسقاط ليس من جهة المزاحمة (فيصير ما وافقه) أي : ما وافق الظّن (حجّة سليمة عن الدليل المعارض) ، بل لبقاء الظنّ وحده.

وإنّما قلنا : لا لدفع المزاحمة (إذ لو لم يكن في مقابل ذلك المعارض إلّا هذا الظنّ) بأن لم يكن خبر يوافق هذا الظنّ ، وانّما كان هناك ظنّ وكان ظهور على خلاف ذلك الظنّ (لأسقطه عن الاعتبار) أي : لأسقط الظّن الشيء المقابل له عن الاعتبار.

وعليه : فالظن يكون حينئذ(نظير الشهرة في أحد الخبرين الموجبة لدخول الآخر في الشواذ الّتي لا اعتبار بها) فإنّه إذا كان هناك خبران أحدهما موافق للشهرة ، والآخر مخالف لها ، اسقط الشهرة الخبر المخالف عن الاعتبار إطلاقا ، فيؤخذ بالخبر المشهور حينئذ.

والحاصل : انّه إذا كان هناك خبران ، أحدهما يوافق الظنّ أو يوافق الشهرة ، فالخبر المخالف لهما لا اعتبار به أصلا ، أما في الخبر المخالف للظنّ : فلأن مثل

١٨٣

بل أمرنا بتركها ولو لم يكن في مقابلها خبر معتبر.

وأولى من هذا : إذا قلنا باشتراط حجّيّة الظواهر بحصول الظنّ منها أو من غيرها على طبقها.

______________________________________________________

هذا الخبر ليس حجّة لأنا اشترطنا أن لا يكون الظاهر مخالف للظّن ، والّا سقط عن الظهور والحجّية ، وأما في الخبر المخالف للشهرة : فلأن الشهرة تسقط الخبر المخالف لها عن الحجّية ، حيث قال عليه‌السلام : «دع الشّاذ النّادر» (١).

(بل أمرنا بتركها) أي : بترك الأخبار الشاذة (ولو لم يكن في مقابلها) أي : في مقابل تلك الشواذ(خبر معتبر) فكيف بما إذا كان في مقابل تلك الشواذ خبر معتبر؟.

(وأولى من هذا) الذي ذكرناه : من اشتراط الحجّية بعدم الظنّ بالخلاف (إذا قلنا باشتراط حجّية الظواهر بحصول الظنّ منها) أي : من تلك الظواهر (أو من غيرها) أي : من غير تلك الظواهر (على طبقها) فاللازم في حجّية الظواهر : أن يظن الانسان بمضمون الخبر ، سواء حصل الظّن من نفس الخبر ، أو حصل الظّن من أمارة خارجية.

وانّما كان الترجيح بالظّن غير المعتبر هنا أولى ممّا اشترطنا حجيته بعدم الظن بالخلاف ، لأنه لم يحصل الظنّ بمضمون الخبر.

والحاصل : انّه يلزم : إما عدم الظنّ بالخلاف ، وإما الظّن بالوفاق ، فاذا كان الظنّ بالخلاف مسقطا ، كان عدم الظنّ بالوفاق مسقطا بطريق أولى ، إذ في الاول :

__________________

(١) ـ غوالي اللئالي : ج ٤ ص ١٣٣ ح ٢٢٩ ، بحار الانوار : ج ٢ ص ٢٤٥ ب ٢٩ ح ٥٧ ، جامع أحاديث الشيعة : ج ١ ص ٢٥٥.

١٨٤

لكنّ هذا القول سخيف جدّا ، والأوّل أيضا بعيد ، كما حقّق في مسألة حجّيّة الظواهر.

وإن قلنا بأنّ حجّيّة الظواهر من حيث إفادتها للظنّ الفعليّ وأنّه لا عبرة بالظنّ الحاصل من غيرها على طبقها ، أو قلنا بأنّ حجّيّتها من حيث الاتكال على أصالة عدم القرينة التي لا يعتبر فيها إفادتها للظنّ الفعليّ ،

______________________________________________________

المقتضي موجود وإنّما منع عنه المانع ، وفي الثاني : المقتضي ليس بموجود ، فاذا كانت نار وكان الخشب رطبا لا يحترق ، فعدم الاحتراق إذا لم تكن نار أصلا أولى.

(لكن هذا القول) الّذي يقول باشتراط حجّية الظواهر بحصول الظّن منها ، أو من غيرها على طبقها (سخيف جدا) لأن الظواهر حجّة ، سواء ظن الانسان على طبقها أو لم يظنّ ، والدليل على ذلك : أن المولى يعاقب العبد إذا خالف الظاهر ولم يقبل عذره : بأنه لم يظنّ على وفاق الظاهر.

(والأوّل أيضا : بعيد) وهو : اشتراط الحجية بعدم الظّن على الخلاف (كما حقّق في مسألة حجيّة الظواهر) حيث قلنا هناك : ان الظاهر حجّة ، سواء ظنّ على وفاقه أم لا ، وسواء ظنّ على خلافه أم لا.

(وإن قلنا : بأنّ حجّية الظواهر من حيث إفادتها للظنّ الفعلي ، وانّه لا عبرة بالظّن الحاصل من غيرها) أي : من غير تلك الظواهر (على طبقها) أي : على طبق تلك الظواهر (أو قلنا بأن حجّيتها) أي : حجّية الظواهر (من حيث الاتكال على أصالة عدم القرينة التي لا يعتبر فيها) أي : في هذه الأصالة (إفادتها للظّن الفعلي) فلا ، فإنّ الاحتمالات في حجية الظواهر أربعة :

الاول : أن لا يكون ظنّ على خلافه.

١٨٥

فالأقوى عدم اعتبار مطلق الظنّ في مقام الترجيح ، إذ المفروض على هذين القولين سقوط كلا الظاهرين عن الحجّيّة في مورد التعارض ، وأنّه إذا صدر عنه قوله ، مثلا : اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه ، وورد أيضا : كلّ شيء يطير لا بأس بخرئه وبوله.

______________________________________________________

الثاني : أن يكون ظنّ بوفاقه ، سواء كان الظّن من نفسه أو من غيره.

الثالث : أن يكون الظن بوفاقه من نفسه.

الرابع : انّه لا يحتاج الى الظّن الفعلي أصلا.

أما القولان الاولان : فقد سبق الكلام فيهما بالترجيح ، وأما القولان الأخيران : (فالاقوى : عدم اعتبار مطلق الظنّ في مقام الترجيح) فيما إذا تعارض خبران وكان الظّن المطلق موافقا لأحدهما (إذ) علة قوله : عدم اعتبار (المفروض على هذين القولين) الاخيرين : الثالث والرابع (سقوط كلا الظّاهرين عن الحجيّة في مورد التعارض) وانّما يسقط الظاهران في مورد التعارض لما سيأتي إنشاء الله تعالى في قوله : «اما على الأول» ، «واما على الثاني».

(و) وذلك (انّه إذا صدر عنه) عليه‌السلام (قوله مثلا : «اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه» (١) ، وورد أيضا : «كلّ شيء يطير لا بأس بخرئه وبوله») (٢) فان بين الروايتين عموم من وجه ، فالهرة ـ مثلا ـ لا يشملها كل شيء يطير ، لأن الهرة ليست بطائر ، والطير المأكول اللحم كالحمام لا يشمله أبوال ما لا يؤكّل لحمه ، لأن الحمام ممّا يؤكل لحمه ، فيتعارضان في مثل الغراب الأبقع ، الذي هو طائر محرّم

__________________

(١) ـ الكافي (فروع) : ج ٣ ص ٥٧ ح ٣ ، تهذيب الاحكام : ج ١ ص ٢٦٤ ب ١٢ ح ٥٧.

(٢) ـ تهذيب الاحكام : ج ١ ص ٢٦٦ ب ١٢ ح ٦٦.

١٨٦

وفرض عدم قوّة أحد الظاهرين من حيث نفسه على الآخر ؛ كان ذلك مسقطا لظاهر كليهما عن الحجّيّة في مادّة التعارض ، أعني خرء الطير الغير المأكول وبوله.

أمّا على الأوّل : فلأنّ حجّيّة الظواهر مشروطة بالظنّ المفقود في المقام.

______________________________________________________

اللحم ، فمن حيث إنّه لا يؤكل لحمه ، يشمله خبر : «ما لا يؤكّل لحمه» ، ومن حيث إنّه يطير ، يشمله خبر : «لا بأس بخرئه».

(وفرض عدم قوة أحد الظاهرين من حيث نفسه) أي : من غير دليل خارجي يقوّي ظهوره (على الآخر) لأن كل واحد منهما ظاهر في هذا المورد الذي مثّلنا له بالغراب الأبقع.

(كان ذلك) التعارض بدون قوة أحد الظاهرين (مسقطا لظاهر كليهما عن الحجيّة في مادة التعارض أعني : خرء الطير غير المأكول وبوله) وعند التساقط لا نعلم : هل إنّ خرء الغراب الأبقع طاهر أو نجس؟ فاللازم الرجوع الى دليل ثالث مثل «كلّ شيء لك طاهر» (١) ، أو ما أشبه ذلك.

(أمّا على الأوّل) الذي ذكرنا فيه لزوم إفادة الظّن الفعلي من نفس الظاهر :

(فلأن حجّية الظواهر مشروطة بالظّن ، المفقود في المقام) فلا يكون هناك ظنّ بهذا الجانب ولا بذلك الجانب أي لا ظنّ في خرء الغراب الأبقع بالطهارة ولا بالنجاسة ، لأن الظاهرين متعارضان ، فلا يحصل منهما ظنّ ، أما إذا حصل الظنّ من الخارج ، فلا اعتبار بمثل هذا الظّن ، لأنا قلنا بلزوم إفادة الظّن الفعلي من نفس الظاهر ، وانّه لا اعتبار بالظّن الحاصل من غير الظاهر على طبق الظاهر.

__________________

(١) ـ تهذيب الاحكام : ج ١ ص ٢٨٥ ب ١٢ ح ١١٩ ، مستدرك الوسائل : ج ١ ص ١٩٠ ب ٤ ح ٣١٨.

١٨٧

وأمّا على الثاني : فلأنّ أصالة عدم القرينة في كلّ منهما معارضة بمثلها في الآخر ، والحكم في باب تعارض الأصلين مع عدم حكومة أحدهما على الآخر التساقط والرجوع إلى عموم أو أصل يكون حجّيّته مشروطة بعدم وجودهما على قابليّة الاعتبار.

______________________________________________________

(وأمّا على الثاني) : أي : الاتكال على أصالة عدم القرينة (فلأن أصالة عدم القرينة في كلّ منهما) أي : في كلّ من الظاهرين في مورد الاجتماع (معارضة بمثلها في الآخر) فان الأصل عدم القرينة على طبق هذا الظاهر ، والأصل عدم القرينة على طبق الظاهر الآخر.

(و) لأنّ (الحكم في باب تعارض الأصلين مع عدم حكومة أحدهما على الآخر : التساقط) فإذا حصل التساقط بين الأصلين المتعارضين لزم العلاج (والرجوع الى عموم ، أو أصل ، يكون حجيته) أي حجية ذلك العموم أو الاصل (مشروطة بعدم وجودهما) أي : عدم وجود الأصلين (على قابلية الاعتبار) أي : وجودا معتبرا.

والحاصل : انّه إذا لم يكن أصل قابلا للاعتبار لا في هذا الخبر ولا في الخبر الآخر المعارض له ، فاللازم : الرجوع الى عموم أو أصل ، يعيّن التكليف ، بان نرجع في المقام ـ مثلا ـ الى عموم «كلّ شيء لك طاهر» (١) أو الى أصل انّ الطعام قبل أن يلاقي هذا الخرء لم يكن نجسا ، فالاستصحاب يقتضي عدم نجاسته بالملاقات للخرء وإذا تساقط الظاهران وعملنا بالظّن الموجود في المسألة لم يكن الظّن مرجحا لأحد الظاهرين وانّما يكون الظّن حجّة قائمة بنفسه واليه أشار

__________________

(١) ـ تهذيب الاحكام : ج ١ ص ٢٨٥ ب ١٢ ح ١١٩ ، مستدرك الوسائل : ج ١ ص ١٩٠ ب ٤ ح ٣١٨.

١٨٨

فلو عمل حينئذ بالظنّ الموجود مع أحدهما ، كالشهرة القائمة في المسألة المذكورة على النجاسة ، كنّا قد عملنا بذلك الظنّ مستقلّا ، لا من باب كونه مرجّحا ، لفرض تساقط الظاهرين وصيرورتهما كالعدم.

فالمتّجه حينئذ الرجوع في المسألة ، بعد الفراغ عن المرجّحات من حيث السّند أو من حيث الصدور تقيّة أو لبيان الواقع ، إلى قاعدة الطهارة.

______________________________________________________

بقوله : (فلو عمل حينئذ) أي : حين التساقط (بالظّن الموجود مع أحدهما ، كالشهرة القائمة في المسألة المذكورة على النجاسة) ـ مثلا ـ لبول وخرء الغراب الأبقع في المثال : (كنا قد عملنا بذلك الظّن) المستند الى الشهرة عملا (مستقلا) من باب الاستناد الى هذا الظنّ (لا من باب كونه مرجّحا).

ثمّ علّل قوله : «لا» ، بقوله : (لفرض تساقط الظّاهرين وصيرورتهما كالعدم) فلا يكون في المقام إلّا الشهرة ، فتكون الشهرة مستندا للنجاسة ، لا أن الشهرة تكون مرجحا لهذا الطرف ، أو لذلك الطرف.

(فالمتجه حينئذ) أي : حين تساقط الأصلين (: الرجوع في المسألة بعد الفراغ عن المرجّحات من حيث السّند ، أو من حيث الصّدور تقية ، أو لبيان الواقع) قوله : «او لبيان» ، عطف على قوله : «الصدور» ، فالرجوع يكون (إلى قاعدة الطهارة) فقوله : «الى» متعلق بقوله : «الرجوع».

والحاصل : انّه إذا كان لأحد الخبرين مرجح سندي ، أو مرجح من جهة الصدور ، أخذنا به ، وإذا لم يكن لأحدهما مرجّح فاللازم الرجوع الى دليل ثالث ، والدليل الثالث في المقام حسب ما مثّلنا له من خرء الغراب الأبقع ، هو : قاعدة الطهارة ، أما الشهرة على النجاسة نأخذ بها ، لأن الشهرة ليست بحجّة.

هذا تمام الكلام في الترجيح بالظّن غير المعتبر في باب الدلالة.

١٨٩

وأمّا المقام الثاني

فتفصيل القول فيه أنّ أصالة عدم التقيّة ـ إن كان المستند فيها أصل العدم في كلّ حادث ، بناء على أنّ دواعي التقيّة التي هي من قبيل الموانع لاظهار الحقّ حادثة ـ تدفع بالأصل ، فالمرجع بعد معارضة هذا الأصل في كلّ خبر بمثله في الآخر هو التساقط.

______________________________________________________

(وأما المقام الثاني) : وهو الترجيح بالظّن غير المعتبر في جهة الصدور (فتفصيل القول فيه : أنّ أصالة عدم التقية) ومحتملات هذه الأصالة أربعة ، يشير المصنّف الى الاحتمال الاول منها بقوله : «إن كان المستند فيها أصل العدم».

ويشير الى الاحتمال الثاني منها بقوله : «وكذلك لو استندنا فيها الى أن ظاهر حال المتكلم».

ويشير الى الاحتمال الثالث منها ـ بقوله : «ولو استندنا فيها الى الظهور ...».

ويشير الى الاحتمال الرابع منها ـ بقوله : «وإن استندنا فيها الى الظهور النوعي ...».

أما الاحتمال الأوّل : فهو (ـ إن كان المستند فيها) أي : في أصالة عدم التقية (أصل العدم في كل حادث) والتقية أمر حادث ، فالاصل عدمها ، وذلك (بناء على أن دواعي التقية التي هي من قبيل الموانع لاظهار الحق) فانّ التقية مانعة عن إظهار الحق (حادثة ـ) أي : إن الدواعي حادثة ، وهي : (تدفع بالأصل) لأن الأصل في كلّ حادث العدم.

وعليه : (فالمرجع بعد معارضة هذا الأصل) أي : أصل عدم التقية (في كلّ خبر) من المتعارضين (بمثله في الآخر هو : التساقط) لأنا نشكّ إنّ هذا الخبر الاوّل هل صدر تقية؟ نقول : الاصل عدمه.

١٩٠

وكذلك لو استندنا فيها إلى أنّ ظاهر حال المتكلّم بالكلام ، خصوصا الامام عليه‌السلام ، في مقام إظهار الأحكام التي نصب لأجلها هو بيان الحقّ ، وقلنا بأنّ اعتبار هذا الظهور مشروط بافادته الظنّ الفعليّ المفروض سقوطه من الطرفين.

وحينئذ : فان عملنا بمطلق الظنّ في تشخيص التقيّة وخلافها ـ بناء على حجّيّة الظنّ في هذا المقام ، لأجل الحاجة إليه

______________________________________________________

ونشك إن هذا الخبر الثاني هل صدر تقية؟ نقول : الأصل عدمه ، فيتساقط أصل عدم التقية في هذا الخبر وفي ذلك الخبر.

(وكذلك لو استندنا فيها) أي : في أصالة عدم التقية (إلى أنّ ظاهر حال المتكلم بالكلام خصوصا الامام عليه‌السلام في مقام إظهار الأحكام التي نصب) الامام عليه‌السلام (لا جلها هو) أي : ظاهر حال المتكلم (: بيان الحق) لا ذكر خلاف الحق تقية.

هذا (وقلنا : بأن اعتبار هذا الظهور) أي : ظاهر حال المتكلم (مشروط بافادته الظّنّ الفعليّ) بأن يظنّ السامع ظنّا فعليا بكون المتكلم في مقام بيان الواقع (المفروض سقوطه) أي : سقوط هذا الظّن الفعلي (من الطرفين) : من هذا الخبر ، ومن ذلك الخبر ، لأنهما تعارضا ونعلم بأن أحدهما صادر تقية ، فلا ظهور لحال المتكلم في انّه في مقام بيان الواقع لا في هذا الخبر ولا في ذاك الخبر.

(وحينئذ) أي : حين يتساقط الظاهران (فانّ عملنا بمطلق الظّن في تشخيص التقية وخلافها) أي : خلاف التقية (بناء على حجّية الظّن في هذا المقام) أي : في مقام تشخيص التقية وخلافها (لأجل الحاجة اليه) أي : الى مطلق الظنّ وقوله : «لاجل الحاجة» ، متعلق بقوله : «عملنا بمطلق الظنّ».

١٩١

من جهة العلم بصدور كثير من الأخبار تقيّة وأنّ الرجوع إلى أصالة عدمها في كلّ مورد يوجب الافتاء بكثير ممّا صدر تقيّة ، فيتعيّن العمل بالظنّ ، أو لأنّا نفهم ممّا ورد في ترجيح ما خالف العامّة على ما وافقهم كون ذلك من أجل كون الموافقة مظنّة للتقيّة ، فتعيّن العمل بما هو أبعد عنها بحسب كلّ أمارة ـ كان ذلك الظنّ دليلا مستقلّا في ذلك المقام وخرج

______________________________________________________

وانّما نكون بحاجة الى مطلق الظّن (من جهة العلم بصدور كثير من الأخبار تقية وانّ الرجوع الى أصالة عدمها) أي : الى أصالة عدم التقية (في كلّ مورد يوجب الافتاء بكثير ممّا صدر تقية ، فيتعين العمل بالظّن) لوجود الانسداد في صدور الحكم تقية ، فنعمل في تشخيص التقية بالظّن المطلق ، لأنا لا نتمكن من العلم والعلمي ، في تشخيص التقية عن غيرها ، في كلّ خبرين متعارضين مع علمنا بأنّ أحدهما صدر تقية ولم نشخّص ذلك الصادر تقية بعلم أو علمي.

(أو لأنّا نفهم) وهذا عطف على قوله : «لأجل الحاجة» ، ومعناه : إنّا نقول : بحجية مطلق الظنّ في تشخيص التقية ، وذلك إمّا من جهة الحاجة الى مطلق الظنّ ، وإما من جهة أنّا نفهم (ـ ممّا ورد في ترجيح ما خالف العامّة على ما وافقهم ـ كون ذلك) أي : الذي نفهمه منها انّما هو (من أجل كون الموافقة مظنّة للتقية ، فتعيّن العمل بما هو أبعد عنها) أي : أبعد عن التقية (بحسب كل أمارة) قوله : «بحسب» ، متعلق بقوله : «أبعد».

والحاصل : انّه إذا كان أحد الخبرين أبعد بحسب دلالة أمارة ما عليه فكل أمارة دلّت على أن أحد الخبرين أبعد عن التقية عملنا بها.

(كان) جواب قوله : «فان عملنا بمطلق الظنّ» (ذلك الظّن) أي : الظّن في تشخيص التقية (دليلا مستقلا في ذلك المقام) أي : مقام التعارض (وخرج)

١٩٢

عن كونه مرجّحا.

ولو استندنا فيها إلى الظهور المذكور واشترطنا في اعتباره عدم الظنّ على خلافه ، كان الخبر الموافق لذلك الظنّ حجّة سليمة عن المعارض لا عن المزاحم كما عرفت نظيره في المقام الأوّل.

______________________________________________________

هذا الظّن (عن كونه مرجّحا) لأنّ الظاهرين تساقطا ولم يبق لتشخيص ان هذا الخبر تقية ، أو ذاك إلّا الظّن المطلق.

والمراد بالظاهرين : ظاهر هذا الخبر في انّه لم يصدر تقية ، وظاهر ذاك الخبر في انّه لم يصدر تقية ، وانّما سقط الظاهران للتعارض بينهما ، حيث نعلم أن أحدهما صدر تقية ، فلا ظهور في هذا الجانب ، ولا ظهور في ذاك الجانب ، للعلم الاجمالي بأنّ أحدهما صدر تقية ، وحينئذ فالمرجح الظّن المطلق في تشخيص التقية ، ولا يكون الظّن مرجحا بل يكون مستندا.

(ولو استندنا فيها) أي : في أصالة عدم التقية (إلى الظهور المذكور) أي : ظاهر حال المتكلم (واشترطنا في اعتباره : عدم الظنّ على خلافه) في قبال ما تقدّم : من أن المستند في أصالة عدم التقية : ظاهر حال المتكلم مشروطا بافادته الظّن الفعلي (كان الخبر الموافق لذلك الظّنّ حجّة سليمة عن المعارض) وذلك لأن المعارضة على هذا التقدير مشروطة بعدم الظّن على الخلاف ، ومن المعلوم : ان الخبر المخالف يظنّ منه على الخلاف.

وعليه : فالخبر الموافق انّما هو سليم عن المعارض (لا عن المزاحم ، كما عرفت نظيره في المقام الأول) حيث ذكرنا قبل صفحة قولنا : لا لدفع مزاحمته للظهور المنضم إليه ، فيصير ما وافقه حجّة سليمة عن الدليل المعارض.

١٩٣

وإن استندنا فيها إلى الظهور النوعيّ ، نظير ظهور فعل المسلم في الصحيح وظهور تكلّم المتكلّم في كونه قاصدا ، لا هازلا ، ولم نشترط في اعتباره الظنّ الفعليّ ولا عدم الظنّ بالخلاف ، تعارض الظاهران ، فيقع الكلام في الترجيح بهذا الظنّ المفروض ، والكلام فيه يعلم ممّا سيجيء في المقام الثالث.

وهو : ترجيح السّند بمطلق الظنّ

إذ الكلام فيه أيضا مفروض

______________________________________________________

(وان استندنا فيها) أي : في أصالة عدم التقية (الى الظهور النوعي) لا أصل العدم كما قلنا في الأول ، ولا ظاهر حال المتكلم كما قلنا في الثاني والثالث (نظير ظهور فعل المسلم في الصحيح ، وظهور تكلم المتكلم في كونه قاصدا لا هازلا) فان نوع فعل المسلم صحيح ، ونوع كلام المتكلم بقصد الجد لا بقصد الهزل ، وهنا نقول : نوع كلام المتكلم لأجل بيان الواقع لا لأجل التقية.

وهذا الظهور النوعي هو ممّا يعتمد عليه العقلاء إلّا فيما علم خروجه عنه (ولم نشترط في اعتباره) أي : في اعتبار هذا الظهور النوعي (الظّن الفعلي) على وفاقه (ولا عدم الظّن بالخلاف) فسواء كان ظنّ فعلي على الوفاق ، أم كان ظنّ فعلي على الخلاف ، لم يكن الاعتبار بهذين الظّنين.

وعليه : فان استندنا في أصالة عدم التقية الى الظهور النوعي : (تعارض الظاهران) هذا جواب قوله : وإن استندنا (فيقع الكلام في الترجيح بهذا الظّن) غير المعتبر (المفروض) موافقته لأحد الخبرين (والكلام فيه) أي : في الترجيح بهذا الظنّ (يعلم ممّا سيجيء في المقام الثالث وهو : ترجيح السند بمطلق الظنّ ، إذ الكلام فيه) بشروط ثلاثة : ـ أي : في المقام الثالث (أيضا مفروض).

١٩٤

فيما إذا لم نقل بحجّيّة الظنّ المطلق ولا بحجّيّة الخبرين بشرط إفادة الظنّ ولا بشرط عدم الظنّ على خلافه ، إذ يخرج الظنّ المفروض على هذه التقادير عن المرجّحيّة بل يصير حجّة مستقلّة على الأوّل ، سواء كان حجّيّة المتعارضين من باب الظنّ المطلق

______________________________________________________

أوّلا : (فيما إذا لم نقل بحجية الظّن المطلق).

ثانيا : (ولا بحجيّة الخبرين بشرط إفادة الظّن).

ثالثا : (ولا بشرط عدم الظّن على خلافه).

والحاصل : انّه إذا كان خبران متعارضان ، فهل نتمكن من ترجيح أحدهما على الآخر بسبب الظنّ كما إذا ظننّا بصحة سند أحدهما دون سند الآخر؟.

الجواب : انّه يمكن الترجيح بالظّن بشروط ثلاثة :

الأوّل : أن لا نقول : بأنّ مطلق الظّن حجّة ، إذ لو كان مطلق الظن حجّة ، وظنّنا بسند أحد الخبرين دون سند الآخر ، يكون الظّن حجّة مستقلة ، ولا يكون مرجحا.

الثاني : أنّ لا نقول : بأنّ حجّية الخبر مشروط بإفادته الظّن ، إذ لو كان الخبر الذي يفيد الظنّ حجّة ، كان أحد الخبرين الذي هو مظنون حجّة ، دون الخبر الآخر ، فلا يكون الظنّ مرجحا ، بل يكون حجة مستقلة أيضا.

الثالث : أن لا نقول بان حجية الخبر مشروط بعدم الظّن على خلافه ، إذ لو كان أحد الخبرين يظنّ على خلافه سقط عن الحجّية ، وكان الخبر الآخر الذي لا يظنّ على خلافه حجّة ، وانّما يكون حجّة مستقلا (إذ يخرج الظنّ المفروض) مطابقته لأحد الخبرين (على هذه التقادير) الثلاثة ـ التي ذكرناها ـ (عن المرجحيّة ، بل يصير) الظنّ (حجّة مستقلة على الأول) وهو ما ذكره بقوله : إذا لم نقل بحجيّة الظّن المطلق (سواء كان حجية المتعارضين في باب الظّن المطلق ،

١٩٥

أم من باب الاطمئنان أم من باب الظنّ الخاصّ.

فانّ القول بالظنّ المطلق لا ينافي القول بالظنّ الخاص في بعض الأمارات كالخبر الصحيح بعدلين ويسقط المرجوح عن الحجّيّة على الأخيرين ، فيتعيّن أنّ الكلام في مرجّحيّته

______________________________________________________

أم من باب الاطمئنان ، أم من باب الظنّ الخاص) أي : إنّ حجية الخبرين مع قطع النظر عن تعارضهما انّما هي مستندة الى الظّن الانسدادي ، أو الظّن الاطمئناني ، أو الى الظّن الخاص ، فإذا تعارضا وكان الظّن على طبق أحدهما كان ذلك الظّن حجّة لذلك المطابق له ، لا مرجحا.

لا يقال : كيف يكون الظّن المطلق حجة لتعيين أحد الخبرين المتعارضين مع قولكم : بأنّ مستند حجيّة المتعارضين من باب الظّن الخاص ، حيث قلتم أم من باب الظّن الخاص؟.

لأنه يقال : (فانّ القول بالظّن المطلق) في استناد الحجيّة (لا ينافي القول بالظّن الخاص في بعض الأمارات ، كالخبر الصحيح بعدلين) فان القائل بالانسداد ، لا يقول بسقوط الظّن الخاص ، بل يقول : كلّما وجد الظّن الخاص ، كالخبر الصحيح بعدلين ، كان ذلك الخبر حجة ، وكل ما لم يكن ظنّ خاص ، كان الظّن الانسدادي حجّة ، فاذا وجد خبران صحيحان ، كل خبر في سنده عدلان وتعارضا ، وصلت النوبة الى الظن الانسدادي لتعيين أحد الخبرين للعمل.

هذا (ويسقط المرجوح عن الحجيّة على الأخيرين) قوله : «ويسقط» عطف على قوله : «بل يصير حجة مستقلة على الأول» ، ومراده بالأخيرين : ما تقدّم من قوله : «ولا بحجية الخبرين بشرط إفادة الظّن ، ولا بشرط عدم الظّن على خلافه».

وعليه : (فيتعين : إن الكلام في مرجحيّته) وهذا مرتبط بقوله قبل سطرين :

١٩٦

فيما إذا قلنا بحجّيّة كلّ منهما من حيث الظنّ النوعيّ كما هو مذهب الأكثر ، فملخصه : انّه لا ريب في أنّ مقتضى الأصل عدم الترجيح ، كما أنّ الأصل عدم الحجّيّة ، لأنّ العمل بالخبر الموافق لذلك الظنّ

______________________________________________________

«إذ يخرج الظّن المفروض على هذه التقارير عن المرجحية» ، وقوله : «بل يصير ...» كالجملة المعترضة ، فتكون العبارة هكذا : إذ يخرج الظنّ المفروض على هذه التقادير عن المرجّحية ، فيتعين : إنّ الكلام في مرجّحية الظنّ ، وذلك (فيما إذا قلنا بحجّية كلّ منهما) أي : من الخبرين المتعارضين (من حيث الظّن النوعي) وهذا متعلق بقوله : «بحجية كل منهما» (كما هو) أي : هذا القول (مذهب الأكثر).

إذا عرفت ذلك ، قلنا : أن الظّن غير المعتبر لا يكون مرجحا ، ولا يكون حجّة ، لأن الأصل عدم المرجحية ، وعدم الحجّية ، وإليه أشار بقوله : (فملخصه) أي : ملخص الكلام (: انّه لا ريب في انّ مقتضى الأصل : عدم الترجيح) بالظّن غير المعتبر (كما إنّ الأصل عدم الحجّية) للظّن غير المعتبر ، وذلك (لأنّ) هذا علة لقوله : «مقتضى الأصل : عدم الترجيح».

وانّما لا نرجّح أحد الخبرين بسبب الظّن غير المعتبر ، لأنه يجب إما ان نلتزم بأن الشارع رجّح هذا الخبر المظنون بالظّن غير المعتبر ، على الخبر الآخر ، وهذا تشريع محرّم ، لأنّ الشارع لم يرجّحه ، واما أن لا نلتزم بذلك ، بل نرجّح بالظّن غير المعتبر بلا التزام انّه من الشارع ، وهذا موجب لطرح ذلك الأصل أو القاعدة التي كان اللازم الرجوع اليها بعد تساقط الخبرين ، لو لا هذا الظّن غير المعتبر.

وعليه : فان (العمل بالخبر الموافق لذلك الظّن) غير المعتبر الذي كان مع أحد الخبرين المتعارضين يستلزم ـ كما ذكرنا ـ أحد محذورين :

١٩٧

إن كان على وجه التديّن والالتزام بتعيين العمل به من جانب الشارع وأنّ الحكم الشرعيّ الواقعيّ هو مضمونه ، لا مضمون الآخر من غير دليل قطعيّ يدلّ على ذلك ، فهو تشريع محرّم بالأدلّة الأربعة ، والعمل به لا على هذا الوجه محرّم إذا استلزم مخالفة القاعدة أو الأصل الذي يرجع إليه على تقدير فقد هذا الظنّ.

فالوجه المقتضي لتحريم العمل بالظنّ مستقلا من التشريع

______________________________________________________

الأوّل : (إن كان) ذلك العمل (على وجه التديّن والالتزام بتعيين العمل به) أي : بهذا الخبر المظنون (من جانب الشارع ، وإنّ الحكم الشرعي الواقعي هو مضمونه) أي : مضمون هذا الخبر (لا مضمون الآخر) المعارض له (من غير دليل قطعي يدل على ذلك) قوله : «من غير» ، متعلّق بقوله : «على وجه التدين» ، وقوله ، «ذلك» إشارة الى قوله : و «ان الحكم الشرعي الواقعي هو مضمونه» (فهو تشريع محرّم بالأدلة الأربعة) فان كلا من الكتاب ، والسنّة ، والاجماع ، والعقل ، دلّ على أنّه لا يجوز الاسناد الى الشارع بدونه وصول دليل منه.

الثاني : (و) إن كان (العمل به) أي : بالخبر الموافق للظنّ غير المعتبر (لا على هذا الوجه) أي : وجه التدين ، فهو (محرم إذا استلزم) العمل بهذا الخبر الموافق للظّن غير المعتبر (مخالفة القاعدة ، أو الاصل ، الذي يرجع اليه على تقدير فقد هذا الظّن) وذلك لأن الشارع أمر بإتباع الاصل ، أو القاعدة ، لا الخبر المخالف لهما حتى وإن كان هذا الخبر المخالف مظنونا.

وكيف كان : فلا يكون الظّن مرجّحا لأحد الخبرين عن الآخر ، وذلك لما أشار اليه بقوله : (فالوجه المقتضي لتحريم العمل بالظّن مستقلا من التشريع)

١٩٨

أو مخالفة الاصول القطعيّة الموجودة في المسألة جار بعينه في الترجيح بالظنّ والآيات والأخبار الناهية عن القول بغير علم كلّها متساوية النسبة إلى الحجّيّة وإلى المرجّحيّة.

وقد عرفت في الترجيح بالقياس أنّ المرجّح يحدث حكما شرعيّا لم يكن مع عدمه ، وهو وجوب العمل بموافقته عينا ، مع كون الحكم لا معه هو التخيير أو الرجوع إلى الأصل الموافق للآخر.

______________________________________________________

مع النسبة الى الشارع (أو مخالفة الأصول القطعية الموجودة في المسألة) بدون النسبة الى الشارع (جار بعينه في الترجيح بالظّن)

والحاصل : انّه كما لا يكون الظّنّ غير المعتبر مستندا ، سواء نسبه الى الشارع حيث يلزم التشريع ، أو لم ينسبه حيث انّه يخالف الاصل أو القاعدة ، كذلك لا يكون مثل هذا الظّن مرجّحا لأحد الخبرين على الآخر في صورة التعارض بين الخبرين (و) ذلك لأن (الآيات والأخبار الناهية عن القول بغير علم ، كلها متساوية النسبة الى الحجّية ، والى المرجّحية) فكما لا يكون الظّن حجة كذلك لا يكون مرجحا.

هذا (وقد عرفت في الترجيح بالقياس : ان المرجّح يحدث حكما شرعيا لم يكن) ذلك الحكم الشرعي (مع عدمه) أي : مع عدم القياس (وهو) أي : بذلك الحكم الحادث (وجوب العمل بموافقته عينا) أي : متعينا قوله : «وهو» يراد به الحكم الشرعي (مع كون الحكم لا معه) أي لا مع القياس كان (هو التخيير) بين الخبرين (أو الرجوع الى الأصل الموافق للآخر).

أقول : ربّما يكون الأصل مخالفا لكلا الخبرين ، وموافقا لشيء ثالث ، فقول المصنّف : أو الرجوع الى الاصل الموافق للآخر ، من باب المثال ، لا من باب الخصوصية.

١٩٩

هذا ، ولكنّ الذي يظهر من كلمات معظم الاصوليّين هو الترجيح بمطلق الظنّ.

وليعلم أوّلا : أنّ محلّ الكلام ، كما عرفت في عنوان المقامات الثلاثة أعني الجبر والوهن والترجيح ،

______________________________________________________

(هذا) تمام الكلام في إنّ الظّن غير المعتبر لا يمكن أن يكون مرجّحا ، كما لا يمكن أن يكون حجّة (و) ان حال الظّن غير المعتبر حال القياس في عدم صحة كونه مستندا ولا مرجحا.

(لكن الذي يظهر من كلمات معظم الاصوليين هو : الترجيح بمطلق الظن) في مورد وجود خبرين متعارضين ، فان الاصوليين يرجحون أحد الخبرين أو الخبر الآخر ، بالمرجحات المنصوصة اذا كانت ، فإذا لم تكن هناك مرجحات منصوصة رجّحوا أحد الخبرين على الخبر الآخر بالظّن المطلق.

(و) حيث يتوهم ان بين القولين تناقضا ، أراد المصنّف رفع هذا التوهم ، فان هناك قولا يقول : بانّه لا يرجح بالظّن ، وقولا آخر : بانّه يرجّح بمطلق القوة.

ومن المعلوم : ان مطلق القوة يشمل الظنّ وغير الظّن فيوهم التناقض ، لكن لا تناقض بين القولين ، لأن المراد بعدم الترجيح بالظّن : عدم الترجيح بالظّن الخارجي ، والمراد بالترجيح بمطلق القوة : والقوة من نفس الخبر وداخله ، ولرفع هذا التناقض قال المصنّف : «ليعلم أوّلا : ان محل الكلام القوة من نفس الخبر وداخله».

ولرفع هذا التناقض قال المصنّف : (ليعلم اوّلا : أنّ محلّ الكلام كما عرفت في عنوان المقامات الثلاثة ، أعني الجبر ، والوهن ، والترجيح) بالظنّ غير المعتبر ،

٢٠٠