الوصائل إلى الرسائل - ج ٦

آية الله السيد محمد الشيرازي

الوصائل إلى الرسائل - ج ٦

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة عاشوراء للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7263-06-6
ISBN الدورة:
964-7263-04-X

الصفحات: ٤٠٠

ثمّ ذكر أقسام المقلّد على القول بعدم جواز التقليد ، قال :

إنّه إمّا أن يكون مقلّدا في حقّ أو في باطل ، وعلى التقديرين مع الجزم أو الظنّ.

وعلى تقديري التقليد في الباطل بلا عناد أو به ، وعلى التقادير كلّها دلّ عقله على الوجوب أو بيّن له غيره ، وعلى الدلالة أصرّ على التقليد أو رجع ولم يحصل له كمال الاستدلال بعد او لا.

فهذه أقسام أربعة عشر :

______________________________________________________

(ثمّ ذكر) السّيد الصدر (أقسام المقلّد على القول بعدم جواز التقليد) وقوله : «ثم» عطف على قوله قبل أسطر : «انّ أقسام المقلد على القول بجواز التقليد ستة».

(قال : إنّه امّا أن يكون مقلّدا في حقّ ، أو في باطل) وقد مثّلنا لكلّ منهما.

(وعلى التقديرين : مع الجزم ، أو الظّن) فهذه أقسام أربعة.

(وعلى تقديري التقليد في الباطل) أي : القسمان الاخيران (بلا عناد أو به) أي : بالعناد فهذه أقسام ستة.

(وعلى التقادير كلّها) أي : الستة المذكورة (دلّ عقله على الوجوب) أي : وجوب النظر (أو بيّن له غيره) بأن لم يدله عقله على وجوب النظر ، لكن غيره كالمجتهد ـ مثلا ـ بيّن وجوب النظر عليه ، فيكون بيانه حجّة على هذا المقلد.

(وعلى الدّلالة) بسبب عقله أو بسبب غيره (أصرّ على التقليد ، أو رجع ولم يحصل له كمال الاستدلال بعد) أي : رجع قبل أن يتقن الاصول بالاستدلال.

(أو لا) أي : لم يدله عقله على وجوب النظر ، ولم يبيّن له غيره.

وعليه : (فهذه أقسام أربعة عشر) من أقسام المقلد على القول بعدم

١٢١

الأوّل : التقليد في الحقّ جازما مع العلم بوجوب النظر والاصرار ، فهو مؤمن فاسق ، لاصراره على ترك الواجب.

الثاني : هذه الصورة مع ترك الاصرار والرجوع ، فهذا مؤمن غير فاسق.

الثالث : المقلّد في الحقّ الظانّ مع الاصرار ، والظاهر أنّه مؤمن مرجي في الآخرة ، وفاسق ، للاصرار.

الرابع : هذه الصورة مع عدم الاصرار ، فهذا مؤمن ظاهرا غير فاسق.

______________________________________________________

جواز التقليد ، ثم ذكر الاقسام مفصلا فقال :

(الأوّل : التقليد في الحقّ جازما ، مع العلم بوجوب النّظر ، والاصرار) على ما جزم به من دون أن ينظر ويفحص (فهو مؤمن فاسق ، لإصراره على ترك الواجب).

أما كونه مؤمنا : فلأنه يعتقد بالحق كمن يصل الى المقصد تقليدا فانّه قد وصل ، وإما انه فاسق : فلانه قد ترك الواجب حيث لم يبحث عن الطريق.

(الثّاني : هذه الصّورة مع ترك الاصرار ، والرجوع) عن إصراره الى الفحص والنظر (فهذا مؤمن غير فاسق) لأنه لم يترك الواجب من الفحص والنظر.

(الثالث : المقلّد في الحقّ الظانّ مع الاصرار ، والظاهر : انّه مؤمن مرجي في الآخرة ، وفاسق للاصرار) على ترك ما يجب عليه من النظر ، قال سبحانه : (وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ)(١).

(الرابع : هذه الصورة مع عدم الاصرار فهذا مؤمن ظاهرا غير فاسق) وإنما لم يكن فاسقا ، لأنه لم يصرّ على ترك النظر.

__________________

(١) ـ سورة التوبة : الآية ١٠٦.

١٢٢

الخامس والسادس : المقلّد في الحقّ جازما أو ظانّا مع عدم العلم بوجوب الرجوع ، فهذان كالسابق بلا فسق.

أقول : الحكم بايمان هؤلاء لا يجامع فرض القول بعدم جواز التقليد ، إلّا أن يريد بهذا القول قول الشيخ قدس‌سره ، من وجوب النظر مستقلا ، لكن ظاهره إرادة قول المشهور ، فالأولى الحكم بعدم إيمانهم على المشهور ، كما يقتضيه إطلاق معقد إجماع

______________________________________________________

(الخامس والسادس : المقلّد في الحقّ جازما أو ظانّا مع عدم العلم بوجوب الرّجوع فهذان كالسّابق) مؤمنان (بلا فسق) وانّما لم يكونا فاسقين ، لأنهما لم يعلما بوجوب الرجوع حتى يرجعا.

(أقول الحكم) من السيد الصدر (بايمان هؤلاء ، لا يجامع فرض القول بعدم جواز التقليد) حيث إنّ مقصد السيد الصدر في هذه الاقسام هو : عدم جواز التقليد فكيف يكون هذا الانسان مؤمنا مع انّه يقلد ، والحال انه لا يجوز التقليد؟.

(إلّا أن يريد بهذا القول ، قول الشيخ قدس‌سره من وجوب النظر مستقلا) أي : من غير ارتباط بالايمان ، فالنظر واجب مستقل ، وهذا الانسان حيث اعتقد عن طريق التقليد ، فهو مؤمن ، وحيث ترك النظر فهو فاسق.

هذا (لكن ظاهره) أي : ظاهر السيد الصدر (: إرادة قول المشهور) : من عدم كون وجوب النظر واجبا مستقلا ، وانّ كلّما وجب فيه النظر فلم ينظر ، كان التارك للنظر غير مؤمن.

اذن : (فالأولى :) حسب قول المشهور (: الحكم بعدم إيمانهم) هؤلاء ، الذين ذكر السيد الصدر : إنّهم مؤمنون.

وانّما نحكم بعدم ايمانهم (على المشهور ، كما يقتضيه إطلاق معقد إجماع

١٢٣

العلّامة في أوّل الباب الحادي عشر ، لأنّ الايمان عندهم المعرفة الحاصلة عن الدليل لا التقليد ، ثمّ قال :

السابع : المقلّد في الباطل جازما معاندا مع العلم بوجوب النظر ، فهذا أشدّ الكافرين.

الثامن : هذه الصورة من غير عناد ولا إصرار ، فهذا أيضا كافر.

ثمّ ذكر الباقي وقال :

______________________________________________________

العلّامة في أوّل الباب الحادي عشر) وقد تقدّم نقله عنه رحمه‌الله ، وذلك (لأنّ الايمان عندهم) أي : عند المشهور (المعرفة الحاصلة عن الدّليل ، لا التقليد) فكلّما كان تقليد ، لم يكن إيمان.

(ثمّ قال) السيد الصدر : (السابع : المقلّد في الباطل جازما معاندا ، مع العلم بوجوب النظر فهذا أشدّ الكافرين).

وهو إنّما يكون كافرا ، لأنه مبطل في عقيدته ، وانّما يكون أشدهم كفرا ، لأنه معاند.

(الثامن : هذه الصّورة من غير عناد ولا إصرار ، فهذا أيضا كافر) ان مات ولم يرجع عن اعتقاده الباطل ، لانّه لم يعتقد بالحق ، لكنّه ليس بمنزلة السابع ، لانّه لم يكن معاندا.

(ثمّ ذكر الباقي وقال) :

التاسع : هذه الصورة من غير علم بالوجوب ، وهذا أيضا كافر.

العاشر : هذه الصورة من غير عناد.

الحادي عشر : المقلّد في الباطل الظّان ، معاندا مع العلم والاصرار.

الثاني عشر : بلا إصرار.

١٢٤

إنّ حكمها يظهر ممّا سبق».

أقول : مقتضى هذا القول الحكم بكفرهم ، لأنّهم أولى به من السابقين.

بقي الكلام فيما نسب إلى الشيخ في العدّة من القول بوجوب النظر مستقلا مع العفو ،

______________________________________________________

الثالث عشر : بلا علم.

الرابع عشر : بلا عناد.

ثم أضاف قائلا : (ان حكمها) أي : حكم بقية الصور التي لم يذكر حكمها (يظهر ممّا سبق) (١) انتهى كلام السيد الصدر.

(أقول : مقتضى هذا القول : الحكم بكفرهم ، لأنهم أولى به من السّابقين) ومراد المصنّف هو : إنّ الحكم بفكر المقلدين في الباطل على القول بعدم جواز التقليد ، أولى من الحكم بكفر المقلدين في الحقّ على القول بعدم جواز التقليد ، وقد تقدّم : انّ مقتضى قول المشهور : من عدم جواز التقليد في اصول الدّين ، هو : الحكم بكفر المقلد في الحقّ ، فاذا كان المقلد في الحق كافرا ، فالمقلد في الباطل أولى أن يكون كافرا.

(بقي الكلام فيما نسب الى الشّيخ في العدّة : من القول بوجوب النّظر مستقلا مع العفو) بمعنى : إنّه إذا لم ينظر في اصول الدين ليعتقد بها عن دليل ، لكنّه وصل الى الحق فقد فعل حراما ، لأنّه ترك الواجب من النظر ، لكن هذا الحرام الذي فعله يعفى عنه في الآخرة ، كالعبد الّذي أمره المولى بأن يسأل الناس عن طريق النجف ويذهب اليه ، فلم يسأل أحدا وذهب اعتباطا ، لكنّه وصل الى النجف صدفة ، فانّه

__________________

(١) ـ شرح الوافية : مخطوط.

١٢٥

فلا بدّ من نقل عبارة العدّة ، فنقول :

قال في باب التقليد ، بعد ما ذكر استمرار السيرة على التقليد في الفروع والكلام في عدم جواز التقليد في الاصول ، مستدلا بأنّه لا خلاف في أنّه يجب على العاميّ معرفة الصلاة وأعدادها : «وإذا كان لا يتمّ ذلك الّا بعد معرفة الله ومعرفة عدله ومعرفة النبوّة وجب أن لا يصحّ التقليد في ذلك».

______________________________________________________

فعل الحرام في عدم إطاعة المولى ، لكن المولى يعفو عنه لأنه وصل الى النجف الذي هو مقصود المولى.

(فلا بدّ من نقل عبارة العدّة) للشيخ الطوسي قدس‌سره (فنقول : قال في باب التّقليد بعد ما ذكر استمرار السّيرة على التّقليد في الفروع :) فانه لا تزال سيرة المتدينين على التقليد في مسائل الصوم ، والصلاة ، والحج ، والنكاح ، وغيرها.

قال : (والكلام في عدم جواز التّقليد في الاصول) أي : في اصول الدين (مستدلا بأنّه لا خلاف في انّه يجب على العامي معرفة الصّلاة وأعدادها) وكذلك معرفة سائر ما وجب على الانسان من الفروع ، من الطهارة الى الديات (واذا كان لا يتمّ ذلك إلّا بعد معرفة الله) أي : العلم بالله سبحانه وتعالى (ومعرفة عدله ، ومعرفة النّبوة) والامامة (وجب ان لا يصح التقليد في ذلك) أي : في كلّ واحد واحد من المعارف المذكورة.

وإنّما تتوقف معرفة الأحكام الفرعية على معرفة الاصول ، لأنّه إذا لم يعرف الله ، فلم يصلي؟ واذا لم يعرف عدله فلما ذا يصلي؟ اذ المصلي وغير المصلي في عرف الظالم على حد سواء ، ولذا يقول المنكر لعدل الله سبحانه : بأنّ من المحتمل أن يدخل الله الانبياء النار ، والفراعنة الجنّة ، كما انه اذا لم يعرف النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يؤدّ الصلاة ، لأنّ الصلاة إنّما جاء بها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

١٢٦

ثمّ اعترض : بأنّ السيرة كما جرت على تقرير المقلّدين في الفروع كذلك جرت على تقرير المقلّدين في الاصول وعدم الإنكار عليهم.

فأجاب : بأنّ على بطلان التقليد في الاصول أدلّة عقليّة وشرعيّة من كتاب وسنّة وغير ذلك ، وهذا كاف في النكير.

______________________________________________________

هذا ولم يذكر الشيخ رحمه‌الله المعاد ، لأنّ معرفته مندرجة في معرفة عدل الله تعالى ، وإلّا فالفروع أيضا متوقفة على معرفة المعاد ، فانّه اذا لم يكن معاد لم يكن ملزم للانسان في عمل الواجبات وترك المحرمات.

(ثمّ اعترض : بأنّ السيرة كما جرت على تقرير المقلّدين في الفروع) وانه يصح التّقليد بالنسبة إليهم ، فلا يلزمون بالاجتهاد في فروع الدين (كذلك جرت على تقرير المقلّدين في الاصول وعدم الإنكار عليهم) فان الغالب من المسلمين يقلّدون في اصول الدين ، والعلماء لا ينكرون عليهم كونهم مقلّدين.

(فأجاب : بأنّ على بطلان التقليد في الاصول أدلة عقليّة وشرعيّة ، من كتاب ، وسنّة ، وغير ذلك).

فالدليل العقلي هو : إنّ غير العلم لا يكون مؤمنا.

ودليل الكتاب قوله تعالى : (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ)(١) وغيره من الآيات.

ودليل السّنة : روايات متواترة كما في كتب الأحاديث.

ومراد الشّيخ من قوله : وغير ذلك ، هو : الاجماع.

(وهذا كاف في النكير) على المقلدين في اصول الدين.

__________________

(١) ـ سورة محمد : الآية ١٩.

١٢٧

ثم قال : إنّ المقلّد للحقّ في اصول الديانات وإن كان مخطئا في تقليده غير مؤاخذ به وأنّه معفوّ عنه.

وإنّما قلنا ذلك لمثل هذه الطريقة التي قدّمنا ، لأنّي لم أجد أحدا من الطائفة ولا من الأئمة عليهم‌السلام ، قطع موالاة من يسمع قولهم واعتقد مثل اعتقادهم وإن لم يستند ذلك الى حجّة من عقل أو شرع.

ثمّ اعترض : على ذلك بأنّ ذلك لا يجوز ، لأنّه يؤدّي إلى الاغراء بما لا يأمن أن يكون جهلا.

______________________________________________________

(ثمّ قال) شيخ الطائفة رحمه‌الله : (انّ المقلّد للحق في اصول الدّيانات ـ وإن كان مخطئا في تقليده ـ) لكنّه (غير مؤاخذ به) أي : بالتقليد ، وقوله : «غير مؤاخذ» ، خبر : «إنّ» (وانّه معفوّ عنه) في ترك هذا الواجب ، لأنّه وصل الى الحق.

(وإنّما قلنا ذلك) أي : انّه غير مؤاخذ(لمثل هذه الطّريقة التي قدّمنا) والمراد بهذه الطريقة : السيرة في عدم إنكار العلماء على المقلدين في أصول الدين تقليدهم.

قال : (لأني لم أجد أحدا من الطائفة ولا من الأئمة عليهم‌السلام ، قطع موالاة من يسمع قولهم) والمراد بقوله : «من يسمع قولهم» : المقلدون الذين يسمعون قول الأئمة عليهم‌السلام ، وكذلك قول العلماء (واعتقد) أولئك المقلدون (مثل : اعتقادهم) في اصول الدين (وإن لم يستند ذلك) الاعتقاد من المقلدين في اصول الدين (الى حجّة من عقل أو شرع) بل كان مجرد تقليد.

(ثمّ اعترض) الشيخ رحمه‌الله بنفسه (على ذلك) أي : على جواز التقليد في اصول الدين ، وقال (بأنّ ذلك) التقليد في الاصول (لا يجوز ، لأنّه يؤدّي الى الاغراء بما لا يأمن أن يكون جهلا) إذ لو علم الشخص : بأن التقليد في اصول الدين جائز ،

١٢٨

وأجاب : بمنع ذلك ، لأنّ هذا المقلّد لا يمكن أن يعلم سقوط العقاب عنه فيستديم الاعتقاد ، لأنّه إنّما يمكنه معرفة ذلك إذا عرف الاصول وقد فرضنا أنّه مقلّد في ذلك كلّه ، فكيف يكون إسقاط العقاب مغريا ، وإنّما يعلم ذلك غيره من العلماء الذين حصل لهم العلم بالاصول وسبروا أحوالهم وأنّ العلماء لم يقطعوا موالاتهم ولا أنكروا عليهم ،

______________________________________________________

ترك النظر والاجتهاد ، وإذا ترك النظر والاجتهاد احتمل أن يكون قد وصل في تقليده الى خلاف الواقع ، فيكون المجوّز لترك النظر موجبا لإغراء المقلد بالجهل.

(وأجاب بمنع ذلك :) أي : الاغراء بالجهل (لأنّ هذا المقلّد لا يمكن أن يعلم سقوط العقاب عنه) إذا قلّد ولم ينظر ويجتهد (فيستديم الاعتقاد) أي : فلا يستديم الاعتقاد الحاصل له من التقليد وترك النظر.

وذلك (لأنّه إنّما يمكنه معرفة ذلك إذا عرف الاصول) يعني : عرف مسائل اصول الدين التي منها مسألة سقوط العقاب عن المقلد في المعارف عن اجتهاد ونظر ، (وقد فرضنا : انّه مقلّد في ذلك كلّه فكيف يكون اسقاط العقاب مغريا) له.

هذا وقد حكى : انّ عبارة شيخ الطائفة نقلها الشيخ المصنّف بالمعنى ، وهي في العدّة هكذا : «وذلك لا يؤدّي الى شيء من ذلك ، لأن هذا المقلّد لا يمكنه أن يعلم أنّ ذلك سائغ له ، فهو خائف عن الإقدام على ذلك ، ولا يمكنه أن يعلم سقوط العقاب عنه ، فيستديم الاعتقاد» الى آخر ما ذكره المصنّف.

(وانّما يعلم ذلك) أي : كون الاصول عن تقليد حقّا مطابقا للواقع (غيره) أي : غير المقلّد (من العلماء الّذين حصل لهم العلم بالاصول ، وسبروا أحوالهم) وفقا لما حصل لهم من العلم (وأنّ العلماء لم يقطعوا موالاتهم ولا أنكروا عليهم ،

١٢٩

ولا يسوغ ذلك لهم إلّا بعد العلم بسقوط العقاب عنهم. وذلك يخرجه من باب الاغراء.

وهذا القدر كاف في هذا الباب إنشاء الله تعالى.

وأقوى ممّا ذكرنا

______________________________________________________

ولا يسوغ ذلك) أي : عدم الإنكار من العلماء (لهم) أي : للمقلدين (إلّا بعد العلم بسقوط العقاب عنهم) أي : عن المقلدين في اصول الدين.

(وذلك يخرجه من باب الاغراء) فلا يكون سكوتهم عليهم إغراء لهم بالجهل.

(وهذا القدر) أي : هذا المقدار من البيان الذي ذكرناه نحن شيخ الطائفة (كاف في هذا الباب إنشاء الله تعالى) أي : باب حكم التقليد في اصول الدين وان التقليد في الحقّ عصيان ، لكنّه غير معاقب عليه.

والحاصل من كلام الشيخ : إنّ الصلاة ونحوها متوقفة على المعرفة والمعرفة لازمة ، ولا تكون المعرفة إلّا بالنظر والاجتهاد ، لا بالتقليد ، إلّا أنّه لو قلّد عفي عنه ، لأن الأئمة عليهم‌السلام ومن حذا حذوهم من العلماء ، لم يقاطعوا المقلدين في اصول الدين.

وإنّما نقول بأن ترك النظر في اصول الدين عصيان ، لما دلّ من الأدلة اللفظية كتابا وسنّة على وجوب النظر ، وترك الواجب معصية.

ثم انّ هذا الكلام من شيخ الطائفة حيث كان دالا على إنّ كل المقلدين في اصول الدين يرتكبون العصيان بترك النظر ، أضرب عنه وفصّل : بانّه اذا كان المقلد قادرا على المعرفة بالنظر ، وجب عليه النظر ، وإلّا لم يجب ، وذلك حيث قال قدس‌سره : (وأقوى ممّا ذكرنا) : من إطلاق العصيان على المقلّدين ، هو التفصيل

١٣٠

أنّه لا يجوز التقليد في الاصول إذا كان للمقلّد طريق إلى العلم به ، إمّا على جملة أو تفصيل.

ومن ليس له قدرة على ذلك أصلا فليس بمكلّف ، وهو بمنزلة البهائم التي ليست بمكلّفة بحال» ، انتهى.

وذكر ، عند الاحتجاج على حجّية أخبار الآحاد ، ما هو قريب من ذلك.

قال : «وأمّا ما يرويه قوم من المقلدة ، فالصحيح الذي أعتقده أنّ المقلّد للحقّ وان كان مخطئا معفو عنه

______________________________________________________

فيه وذلك : (إنّه لا يجوز التقليد في الاصول إذا كان للمقلد طريق الى العلم به) أي : بالاصول (امّا على جملة أو تفصيل) أي : علما إجماليا أو علما تفصيليا.

(و) أما (من ليس له قدرة على ذلك) العلم (أصلا) لا إجمالا ولا تفصيلا (فليس بمكلّف) هذا بالنظر ، بل يكفيه التقليد ، لأنّه غير قادر على النظر ، وغير القادر ليس بمكلف (وهو بمنزلة البهائم الّتي ليست بمكلفة بحال) (١) ، فان البهائم ليست مكلّفة أصلا ، أمّا غير القادر من الناس فليس بمكلف بالنظر وان كان مكلفا بالتقليد (انتهى) كلام شيخ الطائفة.

(وذكر) الشيخ أيضا (عند الاحتجاج على حجّية أخبار الآحاد ما هو قريب من ذلك) الذي نقلناه عنه من العدّة و (قال : وأمّا ما يرويه) من الروايات عن الأئمة المعصومين عليهم‌السلام (قوم من المقلّدة) والمراد بهم : الذين يقلّدون في اصول الدين (فالصحيح الّذي أعتقده : انّ المقلّد للحق وإن كان مخطئا) في انّه يقلد ، إلا أنّه (معفوّ عنه) بمعنى : انّه لا يعاقب على العصيان المذكور.

__________________

(١) ـ عدّة الاصول : ص ٢٩٤.

١٣١

ولا أحكم فيه بحكم الفسّاق ، فلا يلزم على هذا ترك ما نقلوه» ، انتهى.

أقول : ظاهر كلامه قدس‌سره ، في الاستدلال على منع التقليد بتوقّف معرفة الصلاة وأعدادها على معرفة اصول الدّين ، أنّ الكلام في المقلّد الغير الجازم ،

______________________________________________________

ثم قال : (ولا أحكم فيه بحكم الفسّاق) حتى نعده فاسقا (فلا يلزم على هذا) أي : لأجل التقليد في اصول الدين (ترك ما نقلوه) (١) من الروايات ، لأنهم إذا كانوا فساقا لا يصح الاعتماد عليهم ، أمّا إذا كان فسقهم معفوا عنه ، صح أن يكونوا أئمة للصلوات ، وشهودا ، ورواة للحديث ، وغير ذلك (انتهى) كلام شيخ الطائفة.

(أقول : ظاهر كلامه قدس‌سره في الاستدلال على منع التقليد بتوقف معرفة الصلاة وإعدادها على معرفة اصول الدّين) ممّا ذكرناه سابقا : بأن الصلاة ونحوها متوقفة على المعرفة ، فالمعرفة لازمة ، لأنّ الصلاة لازمة ، وما يتوقف عليه اللازم لازم ، ولا تكون المعرفة إلّا بالنظر ، فلا يجوز التقليد ، إلّا أنّه لو قلد عفي عنه ، لأن الائمة عليهم‌السلام وسائر العلماء الذين هم على سيرتهم لم يقاطعوا المقلدين في اصول الدين ولم ينكروا عليهم فظاهر استدلال الشيخ على منع التقليد هو : (انّ الكلام في المقلّد غير الجازم) لأنّه إذا كان جازما فقد حصلت له المعرفة ، فقوله : «على معرفة اصول الدين» ، معناه : انّه لم يحصل للمقلد الجزم ، بناء على أنّ المعرفة عبارة عن الجزم في الاصول ، سواء حصل من النظر أو من التقليد ، لأنّها مشتقة من مادة العرفان والعرفان عبارة عن العلم.

__________________

(١) ـ عدّة الاصول : ص ٥٤.

١٣٢

وحينئذ فلا دليل على العفو.

وما ذكره من عدم قطع العلماء والأئمّة موالاتهم مع المقلّدين ، بعد تسليمه والغضّ عن إمكان كون ذلك من باب الحمل على الجزم بعقائدهم لعدم العلم بأحوالهم ، لا يدلّ على العفو وإنّما يدلّ على كفاية التقليد.

______________________________________________________

(وحينئذ) أي : حين كان المقلد غير جازم (فلا دليل على العفو) عنه ، فمن أين انّه معفو عنه؟.

(وما ذكره : من عدم قطع العلماء والأئمة) عليهم‌السلام (موالاتهم مع المقلّدين) ممّا استدل به على انهم معفو عنهم وإلّا لقطع العلماء والأئمة موالاتهم معهم (بعد تسليمه) اذ لا نسلم : عدم قطع الأئمة والعلماء للمقلدين كان عفوا عنهم ، لأن هناك احتمالا آخر ، وهو : ان العلماء لم يعرفوا عدم جزم المقلدين حتى يقاطعوهم ، وامّا الأئمة عليهم‌السلام فقد عرفوا ان مواليهم اعتقدوا بأصول الدين عن نظر ولذلك لم يقاطعوهم.

(و) كلّما بعد (الغضّ عن إمكان كون ذلك من باب الحمل على الجزم بعقائدهم لعدم العلم بأحوالهم) كما يحدث ذلك بالنسبة الى العلماء فان الأئمة عليهم‌السلام لا يتصور فيهم ذلك ، اذ لا يشترط في العلماء ان يعرفوا : انّ الناس إنّما يعرفون اصول الدّين عن النظر أو عن التقليد.

وعليه : فان ما ذكره من الاستدلال (لا يدلّ على العفو ، وإنّما يدلّ على كفاية التقليد) فان السكوت عن الشيء قد يكون من جهة انّه ليس بمنكر ، وقد يكون من جهة انّه منكر معفو عنه ، فكيف استدل شيخ الطائفة على سكوت الأئمة والعلماء على أنّه منكر معفو عنه؟.

والحاصل : إنّهم لم ينكروا على المقلدين : إما لأنّه لا يجب عليهم النظر ، أو لأنّه

١٣٣

وإمساك النكير عليهم في ترك النظر والاستدلال إذا لم يدل على عدم وجوبه عليهم ، لما اعترف به قبل ذلك من كفاية النكير المستفاد من الأدلّة الواضحة على بطلان التقليد في الاصول ، لم يدلّ على العفو عن هذا الواجب المستفاد من الأدلّة ، فلا دليل على العفو من هذا الواجب المعلوم وجوبه.

والتحقيق أنّ إمساك النكير

______________________________________________________

واجب ، ولكن تركهم لهذا الواجب معفو عنه ، ودلالة هذا الكلام على كفاية التقليد في اصول الدين إنّما هو بناء على عدم اعتبار الجزم في الاسلام وكفاية التدين والاظهار فيه ، ولذا قبل إسلام المنافقين الذين كانت بواطنهم خلاف الظاهر.

هذا (وإمساك النكير عليهم في ترك النظر ، و) ترك (الاستدلال ، اذا لم يدلّ على عدم وجوبه عليهم) أي : عدم وجوب النظر على المقلدين (لما اعترف به قبل ذلك : من كفاية النكير المستفاد من الأدلة الواضحة على بطلان التقليد في الاصول) أي : ان الأدلة الواردة عن الأئمة عليهم‌السلام في وجوب تحصيل المعرفة ، وقول العلماء بوجوب النظر في اصول الدين ، نكير على من لا ينظر ولا يشتغل بتحصيل المعرفة ، فقول الشيخ : «انهم لم ينكروا» محل تأمّل ، لأنهم انكروا أشدّ الانكار بسبب هذه الأدلة الواضحة.

فإمساك النكير اذا لم يدلّ على عدم وجود النظر (لم يدلّ على العفو عن هذا الواجب) قوله : «لم يدل» ، جواب قوله : «إذا لم يدل على عدم وجوب النظر ...» (المستفاد من الأدلة ، فلا دليل على العفو من هذا الواجب المعلوم وجوبه) من قبل الأئمة عليهم‌السلام ، ومن قبل العلماء.

(والتحقيق) في وجه إمساكهم النكير على المقلدين (إنّ إمساك النكير

١٣٤

لو ثبت ولم يحتمل كونه لحمل أمرهم على الصحّة وعلمهم بالاصول دلّ على عدم الوجوب ، لأنّ وجود الأدلّة لا يكفي في إمساك النكير من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإن كفى فيه من حيث الارشاد والدلالة على الحكم الشرعيّ ، لكنّ الكلام في ثبوت التقرير وعدم احتمال كونه لاحتمال العلم في حقّ المقلّدين.

فالانصاف : أنّ المقلّد الغير الجازم المتفطّن لوجوب النظر عليه فاسق مؤاخذ على تركه للمعرفة الجزميّة بعقائده ،

______________________________________________________

لو ثبت ، ولم يحتمل كونه لحمل أمرهم على الصحة وعلمهم بالاصول) أي : حملهم على أنهم عالمون بالأصول ، ل (دلّ على عدم الوجوب) أي : عدم وجوب النظر (لأنّ وجود الأدلّة لا يكفي في إمساك النكير) الواجب (من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإن كفى) وجود الأدلة (فيه من حيث الارشاد والدلالة على الحكم الشرعي) فان وجود الأدلة كاف في الارشاد ، غير كاف في إمساك النكير.

(لكن الكلام في ثبوت التقرير) من الأئمة عليهم‌السلام ومن العلماء للتقليد في اصول الدين (وعدم احتمال كونه لاحتمال العلم في حقّ المقلّدين) فان العلماء احتملوا علم المقلدين باصول الدّين ، وأمّا الأئمة عليهم‌السلام فانّهم حملوا أمر الناس على الظاهر.

(فالانصاف : انّ المقلّد غير الجازم ، المتفطن لوجوب النّظر عليه ، فاسق) لأنّه ترك الواجب مع تفطنه بوجوبه ، فهو (مؤاخذ على تركه للمعرفة الجزمية بعقائده) واصول دينه ، بمعنى : عدم القطع والجزم منه بها.

١٣٥

بل قد عرفت احتمال كفره ، لعموم أدلّة كفر الشاكّ.

وأمّا الغير المتفطّن لوجوب النظر لغفلته أو العاجز عن تحصيل الجزم فهو معذور في الآخرة.

وفي جريان حكم الكفر احتمال تقدّم.

وأمّا الجازم فلا يجب عليه النظر والاستدلال وإن علم من عمومات الآيات

______________________________________________________

(بل قد عرفت : احتمال كفره لعموم أدلّة كفر الشّاك) بناء على انّ المراد من الشاك : غير الجازم ، لا الشّك المتساوي الطرفين.

(وأمّا غير المتفطن لوجوب النّظر لغفلته ، أو العاجز عن تحصيل الجزم) بان كان من البلّة ـ مثلا ـ (فهو معذور في الآخرة) ويمتحن فيها حسب ما ورد في بعض الأخبار.

(وفي جريان حكم الكفر) على مثل هذا الانسان غير المتفطن ، أو العاجز عن تحصيل الجزم (احتمال تقدّم) بيانه.

لكن لا يخفى : إنّ مقتضى الأدلة فيمن أظهر الاسلام وعمل بأحكامه في الظاهر ، انّه مسلم محكوم بكلّ أحكام الاسلام حتى اذا علمنا أنّه منافق يخالف باطنه ظاهره ، فكيف بمن لا نعلم منه وهو غير الجازم باطنا؟.

أمّا في الآخرة فحكمه الى ربّ العالمين الأعلم بالموضوعات وبالأحكام ، فلا يهمنا التعرض لحكمه في الآخرة.

نعم ، يهمنا حكمه في الدنيا من جهة تخويفه من العقاب إذا لم يحصل المعرفة بالنظر ، وعدم تخويفه ، وما أشبه ذلك ، ممّا هو شأن كتب اصول الدين.

(وأمّا الجازم ، فلا يجب عليه النّظر والاستدلال وإن علم من عمومات الآيات

١٣٦

والأخبار وجوب النظر والاستدلال ، لأنّ وجوب ذلك توصّليّ لأجل حصول المعرفة ، فاذا حصلت سقط وجوب تحصيلها بالنظر ، اللهم إلّا أن يفهم هذا الشخص منها كون النظر والاستدلال واجبا تعبّديا مستقلا أو شرطا شرعيّا للايمان ، لكنّ الظاهر خلاف ذلك ، فانّ الظاهر كون ذلك من المقدّمات العقليّة.

______________________________________________________

والأخبار وجوب النّظر والاستدلال) في اصول الدين (لأنّ وجوب ذلك) أي : النظر والاستدلال (توصلي لأجل حصول المعرفة ، فاذا حصلت) المعرفة (سقط وجوب تحصيلها) أي : تحصيل المعرفة (بالنظر) والاستدلال.

(اللهمّ الّا أن يفهم هذا الشخص) الجازم بسبب التقليد (منها) أي : من الأدلة (كون النّظر والاستدلال واجبا تعبديا مستقلا) لا واجبا توصليا (أو شرطا شرعيّا للايمان) بحيث انه اذا لم يراع هذا الشرط الشرعي لم يكن مؤمنا.

(لكن الظاهر خلاف ذلك فان) النظر والاستدلال ليس واجبا تعبديا مستقلا أو شرطا شرعيا ، بل (الظّاهر كون ذلك) أي : النظر (من المقدّمات العقليّة) للوصول الى العلم والمعرفة ، فاذا فرض حصول العلم والمعرفة للمقلّد ، لم يجب عليه النظر والاستدلال.

بل ربّما يظهر من مقبولة عمر بن حنظلة : انّ المقلّد للحق يكفيه تقليده ذلك ، بل يظهر من المقبولة أيضا : انّ المقلّد للباطل اذا كان مرجعه مرجعا زاهدا في الدنيا وزخارفها ، غير متعصّب في ظاهره يكفيه في عدم كونه معاقبا بسبب تقليده لمرجعه في اصول الدين ، فراجع المقبولة في الرسائل وغيرها.

١٣٧

الأمر السادس

إذا بنينا على عدم حجّية ظنّ أو على عدم حجّية الظنّ المطلق ، فهل يترتب عليه آثار أخر غير الحجّية بالاستقلال ، مثل كونه جابرا لضعف سند أو قصور دلالة ،

______________________________________________________

(الأمر السادس :) من تنبيهات الانسداد : (إذا بنينا على عدم حجّية ظنّ) كالظن الحاصل من القياس ، أو الاستحسان ، أو ما أشبه (أو على عدم حجّية الظنّ المطلق) بأن لم نقل بالانسداد (فهل يترتب عليه) أي : على هذا الظنّ غير الحجّة (آثار أخر غير الحجّية ، بالاستقلال؟) أي : انّه لم يكن حجّة في نفسه ، لكن هل يكون مؤيدا لحجّة ، أو مسقطا لحجّة ، أم لا؟ كما قال :

(مثل كونه جابرا لضعف سند ، أو قصور دلالة) فان الظّن بالسند يوجب حجيته والظن بالدلالة يوجب قوتها ، فأبو بصير ـ مثلا ـ مشترك بين الثقة والضعيف ، والظنّ : بأنّ أبا بصير في سند الرواية الفلانية هو الثقة يوجب حجّيتها ، وكذا بالنسبة الى الدلالة ، فان الظنّ : بأن المراد من قوله عليه‌السلام : «ثمن العذرة سحت» (١) عذرة الانسان لا عذرة سائر الحيوانات ، وان المراد من قوله عليه‌السلام : «لا بأس ببيع العذرة» (٢) عذرة غير الانسان ، يوجب قوة دلالتها.

__________________

(١) ـ تهذيب الأحكام : ج ٦ ص ٣٧٢ ب ٢٢ ح ٢٠١ ، الاستبصار : ج ٣ ص ٥٦ ب ٣١ ح ٢ ، وسائل الشيعة : ج ١٧ ص ١٧٥ ب ٤٠ ح ٢٢٢٨٤.

(٢) ـ الكافي (فروع) : ج ٥ ص ٢٢٦ ح ٣ ، تهذيب الأحكام : ج ٦ ص ٣٧٢ ب ٢٢ ح ٢٠٢ ، الاستبصار : ج ٣ ص ٥٦ ب ٣١ ح ١ وح ٣ ، وسائل الشيعة : ج ١٧ ص ١٧٥ ب ٤٠ ح ٢٢٢٨٥.

١٣٨

أو كونه موهنا لحجّة أخرى ، أو كونه مرجّحا لأحد المتعارضين على الآخر.

ومجمل القول في ذلك ، أنّه كما يكون الأصل في الظنّ عدم الحجّية ، كذلك الأصل فيه عدم ترتّب الآثار المذكورة من الجبر والوهن والترجيح.

وأمّا تفصيل الكلام في ذلك فيقع في مقامات ثلاثة :

الأوّل : الجبر بالظنّ الغير المعتبر

فنقول : عدم اعتباره امّا أن يكون من جهة ورود النهي عنه بالخصوص كالقياس ونحوه ،

______________________________________________________

(أو كونه موهنا لحجّة اخرى) بأن كانت رواية صحيحة السند ظاهرة الدلالة ، لكن ظننّا بأنّ هذه الرّواية وردت تقية ـ مثلا ـ أو ما أشبه ذلك ، ممّا يسقطها عن الحجّية.

(أو كونه) أي : الظنّ (مرجّحا لأحد المتعارضين على الآخر) فيما اذا كان هناك دليلان متساويان في الحجّية في أنفسهما ، فيرجّح الظنّ الخاص ، أو العام ، أحدهما على الآخر ، أو كان الظنّ موهنا لأحد المتعارضين ممّا سبب ترجّح طرفه عليه.

(ومجمل القول في ذلك : انّه كما يكون الأصل في الظّن عدم الحجّية) للأدلة الأربعة التي اقمناها على عدم حجّية الظن (كذلك الأصل فيه) أي : في الظنّ (عدم ترتّب الآثار المذكورة) عليه (من الجبر ، والوهن ، والتّرجيح) وغير ذلك.

(وأمّا تفصيل الكلام في ذلك ، فيقع في مقامات ثلاثة) كما يلي :

(الأوّل : الجبر بالظنّ غير المعتبر) سواء كان ظنّا خاصا كالقياس ، أو ظنّا مطلقا إذا لم يكن انسداد (فنقول : عدم اعتباره) أي : الجبر بالظّنّ (امّا ان يكون من جهة ورود النهي عنه بالخصوص ، كالقياس ، ونحوه) كالرأي ، وهو ما يسمى

١٣٩

وإمّا من جهة دخوله تحت عموم أصالة حرمة العمل بالظنّ.

وأمّا الأوّل : فلا ينبغي التأمّل في عدم كونه مفيدا للجبر ، لعموم ما دلّ على عدم جواز الاعتناء به واستعماله في الدّين.

وأمّا الثاني : فالأصل فيه وإن كان ذلك ، إلّا أنّ الظاهر أنّه إذا كان المجبور محتاجا إليه من جهة إفادته للظنّ بمضمونه

______________________________________________________

بالاستحسان أيضا بدون أن يكون هناك مقيس عليه حتى يصدق عليه القياس.

(وأمّا من جهة دخوله تحت عموم أصالة حرمة العمل بالظّن) بسبب الأدلة العامة : من الكتاب ، والسنّة ، والاجماع ، والعقل ، حيث تقدّم بيان ذلك ، والتي منها قوله سبحانه : (إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً)(١).

(وأمّا الأوّل :) وهو النّهي عن الظنّ بالخصوص (فلا ينبغي التأمّل في عدم كونه مفيدا للجبر ، لعموم ما دلّ على عدم جواز الاعتناء به ، و) عدم (استعماله في الدّين) فانّ كون القياس ـ مثلا ـ جابرا ، نوع استعمال في الدين ، والظاهر المنع عن استعمال القياس مطلقا ، سواء كان بالاستقلال أو بالتبع.

(وأمّا الثاني :) وهو ما كان الظنّ منهيا عنه من جهة دخوله تحت عموم اصالة حرمة العمل بالظنّ (فالأصل فيه وإن كان ذلك) أي كون مثل هذا الظّن العام جابرا (إلّا أنّ الظاهر : انه إذا كان المجبور محتاجا اليه) أي : الى الظنّ (من جهة إفادته) أي : إفادة هذا الظنّ الجابر الذي هو غير معتبر في نفسه (للظّن بمضمونه) أي : بمضمون الخبر المجبور يعني بما تضمنه الخبر بنسبته الى المعصوم عليه‌السلام من حيث الصدور ، فليس المراد من قوله رحمه‌الله بمضمونه : الدلالة ، بل الصدور ،

__________________

(١) ـ سورة يونس : الآية ٣٦.

١٤٠