الوصائل إلى الرسائل - ج ٦

آية الله السيد محمد الشيرازي

الوصائل إلى الرسائل - ج ٦

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة عاشوراء للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7263-06-6
ISBN الدورة:
964-7263-04-X

الصفحات: ٤٠٠

هذا إذا أنيط الحكم بنفس الضرر ، وأمّا إذا انيط بموضوع الخوف فلا حاجة إلى ذلك ، بل يشمل حينئذ الشكّ أيضا.

ويمكن أن يجري مثل ذلك في مثل العدالة والنسب وشبههما

______________________________________________________

الثانوي ، وإذا لم يظنّ الضرر كان مكلّفا بالحكم الأولي.

ثمّ أن (هذا) الذي ذكرناه : من جريان دليل الانسداد في باب الضرر إنّما هو (إذا أنيط الحكم بنفس الضّرر) بأن قال الشارع : إنّ الّذي

يتضرر بالصوم لا يصوم ، وإنّ الذي يتضرر بالوضوء والغسل يتيمم ، وهكذا.

(وأمّا اذا أنيط) الحكم الضرري (بموضوع الخوف) بأن قال الشّارع : إذا خفت الضرر فلا تصم ، أو لا تحج ، أو تتيمم ، أو ما أشبه (فلا حاجة الى ذلك) الانسداد (بل يشمل حينئذ) موضوع الخوف (الشّك أيضا).

وعليه : فاذا شك في انّ الشيء الفلاني ضرر عليه أو لا وخاف الضّرر ، تنزّل الى الحكم الثانوي ، بل إذا كان الموضوع هو خوف الضرر شمل الوهم أيضا فان الخوف يشمل الوهم ، فاذا كان اللصوص يقتلون راكبي سيارة من عشر سيارات ، فالراكب في احداها متوهم انّه يقتل لا شاك ، لأنّ الشك فيما كان طرفاه متساويين ، بينما هنا احتمال السلامة تسعة من عشرة ، واحتمال القتل واحد من عشرة ومع ذلك يقول العقلاء هنا خوف الضرر.

(ويمكن أن يجري مثل ذلك) أي : مثل موضوع الضرر (في مثل العدالة ، والنّسب ، وشبههما) كقيم المتلفات ، والأرش في الجنايات ، وما أشبه ذلك ، فان سبيل العلم بها على الوجه المضمون من الزيادة والنقيصة غير موجود غالبا ،

٤١

من الموضوعات التي يلزم من إجراء الاصول فيها مع عدم العلم ، الوقوع في مخالفة الواقع كثيرا ، فافهم.

______________________________________________________

إذ يضطرب فيها السوق والخبراء ويزيدون وينقصون باختلاف الرغبات.

وإلى غير ذلك (من الموضوعات الّتي يلزم من إجراء الاصول فيها مع عدم العلم ، الوقوع في مخالفة الواقع كثيرا).

مثلا : إذا شككنا في أرش الجناية بأنه عشرة ، أو مائة ، أو خمسمائة؟ فأجرينا أصل عدم الزيادة عن العشرة على الجاني ، وكذا أجرينا أصل عدم العدالة في هذا الشاهد ، وفي هذا الامام ، وفي هذا القاضي ، وفي هذا المرجع ، وأصل عدم انتساب هذا الولد الى هذا الأب ، وأصل عدم أخوة زيد وعمرو فيما إذا مات أحدهما وادعى الآخر ارثه ، وأصل عدم الضرر في الوضوء والغسل والصوم ، وهكذا ، لزم الوقوع في مخالفة الواقع كثيرا.

ولهذا نجري الانسداد الصغير في هذه الامور ونقول : لا شك أنّ هناك أضرارا ، وطريق العلم اليها منسدّ ، وإجراء الأصل فيها يوجب الوقوع في كثير من تلك الأضرار ، التي لا يرضى بها الشّارع ، والاحتياط عسر ، وغير ذلك من مقدمات الانسداد ، فاللازم أن يكون المرجع في تلك الأضرار : الظّن ، فكلما ظننّا بالضرر عملنا بالحكم الثانوي كالتيمم ، وكل ما لم نظنّ بالضرر عملنا بالحكم الأولي من باب الكشف ، أو من باب الحكومة.

وهكذا نقول في العدالة والنسب وغيرهما.

(فافهم) ولعلّه إشارة إلى أنّه لا يجري الانسداد في هذه الموضوعات مطلقا ، وإنّما يجري الانسداد فيما تمت فيه مقدّمات الانسداد من وقوع العسر والحرج والخروج عن الدّين ، وما أشبه.

٤٢

الأمر الخامس

في اعتبار الظنّ في اصول الدّين والأقوال المستفادة من تتبّع كلمات العلماء في هذه المسألة ، من حيث وجوب مطلق المعرفة أو الحاصلة عن خصوص النظر وكفاية الظنّ مطلقا أو في الجملة ، ستّة :

______________________________________________________

أو أنّ مراده من قوله : «فافهم» ، أنّ العدالة ، والنسب ، والضرر ، ونحوها ، يؤخذ من العرف حتى بدون الظن الشخصي ، لأنّ الشارع لم يجعل فيه طريقا جديدا ، والعرف له موازين خاصة في هذه الامور ، فلا حاجة الى جريان الانسداد فيها.

(الأمر الخامس) من تنبيهات الانسداد : (في اعتبار الظّنّ في اصول الدّين ، و) أنّه هل يكفي الظّنّ أو يلزم فيه العلم؟.

(الأقوال المستفادة من تتبّع كلمات العلماء في هذه المسألة من حيث وجوب مطلق المعرفة) ولو كانت حاصلة من التقليد (أو الحاصلة عن خصوص النّظر) والاجتهاد (وكفاية الظّنّ مطلقا) من أي سبب كان (أو في الجملة) أي : من أسباب خاصة (ستة).

هذا وقد عرفت : أن أصول الأقسام أربعة :

الأوّل : وجوب المعرفة العلمية مطلقا ولو من التقليد.

الثاني : وجوب المعرفة الحاصلة من النظر فقط.

الثالث : كفاية الظّن مطلقا من أي : سبب حصل.

الرابع : كفاية الظّن في الجملة لا كلّ ظنّ.

٤٣

الأوّل : اعتبار العلم فيها من النظر والاستدلال ، وهو المعروف عن الأكثر وادّعى عليه العلّامة في الباب الحادي عشر من مختصر المصباح إجماع العلماء كافّة.

وربّما يحكى دعوى الاجماع عن العضدي ، لكنّ الموجود منه في مسألة عدم جواز التقليد في العقليات من اصول الدّين دعوى إجماع الامة على وجوب معرفة الله.

الثاني : اعتبار العلم ولو من التقليد ، وهو المصرّح به في كلام بعض والمحكي عن آخرين.

الثالث : كفاية الظنّ مطلقا ،

______________________________________________________

وكيف كان : ـ فقد ذكر المصنّف هنا أقوالا ستة :

(الأوّل : اعتبار العلم فيها من النظر والاستدلال) ولو كان استدلالا خفيفا (وهو المعروف عن الأكثر ، وادّعى عليه العلّامة في الباب الحادي عشر من مختصر المصباح : إجماع العلماء كافة) على أنّه يجب معرفة اصول الدين بالنظر والاستدلال.(وربّما يحكى دعوى الاجماع عن العضدي) من العامّة (لكن الموجود منه) أي : من كلام العضدي (في مسألة عدم جواز التّقليد في العقليّات من اصول الدّين : دعوى إجماع الامة على وجوب معرفة الله) سبحانه ، وليس فيه تعرض لاعتبار العلم ولا لزوم كونه حاصلا عن الاستدلال والنظر.

(الثّاني : اعتبار العلم ولو من التّقليد) فلا حاجة الى الاستدلال والنظر (وهو المصرّح به في كلام بعض والمحكي عن آخرين) من علمائنا.

(الثالث : كفاية الظّنّ مطلقا) في مقابل القول الرابع والخامس حيث فيهما

٤٤

وهو المحكيّ عن جماعة ، منهم : المحقّق الطوسيّ في بعض الرسائل المنسوبة إليه ، وحكي نسبته إليه في فصوله ولم أجده فيه ، وعن المحقّق الأردبيليّ وتلميذه صاحب المدارك ، وظاهر شيخنا البهائيّ والعلّامة المجلسيّ والمحدّث الكاشاني قدس‌سرهم.

الرابع : كفاية الظنّ المستفاد من النظر والاستدلال دون التقليد ، حكي عن شيخنا البهائيّ ، في بعض تعليقاته على شرح المختصر أنّه نسبه إلى بعض.

الخامس : كفاية الظنّ المستفاد من أخبار الآحاد ، وهو الظاهر ممّا حكاه العلّامة قدس‌سره ، في النهاية عن الأخباريين ، من أنّهم لم يعوّلوا في اصول الدين

______________________________________________________

يشترط الظّن من طرق خاصة (وهو المحكي عن جماعة منهم المحقق الطّوسي في بعض الرّسائل المنسوبة اليه ، وحكي نسبته اليه في فصوله) لأنّ المحقّق الطوسي كتب كتابا سمّاه الفصول (ولم أجده فيه) أي : في ذلك الكتاب.

(وعن المحقّق الأردبيلي ، وتلميذه صاحب المدارك ، وظاهر شيخنا البهائي ، والعلّامة المجلسي ، والمحدّث الكاشاني قدس‌سرهم) هذا القول أيضا ، حيث انهم اكتفوا بالظّنّ مطلقا في اصول الدين.

(الرّابع : كفاية الظّنّ المستفاد من النظر والاستدلال ، دون التّقليد) فالظّن إذا كان مستندا إلى التقليد لم يكف ، أمّا إذا كان مستندا إلى الاستدلال والنظر كفى (حكي عن شيخنا البهائي في بعض تعليقاته على شرح المختصر انّه نسبه الى بعض) علمائنا.

(الخامس : كفاية الظّنّ المستفاد من أخبار الآحاد وهو الظاهر ممّا حكاه العلّامة قدس‌سره في النّهاية عن الأخباريّين : من انّهم لم يعوّلوا في اصول الدين

٤٥

وفروعه إلّا على أخبار الآحاد ، وحكاه الشيخ في عدّته في مسألة حجّية أخبار الآحاد عن بعض غفلة أصحاب الحديث ، والظاهر أنّ مراده حملة الأحاديث الجامدون على ظواهرها المعروضون عمّا عداها من البراهين العقليّة المعارضة لتلك الظواهر.

السادس : كفاية الجزم بل الظنّ من التقليد مع كون النظر واجبا مستقلا ، لكنّه معفوّ عنه ،

______________________________________________________

وفروعه ، إلّا على أخبار الآحاد) وحيث انّ خبر الواحد يوجب الظّنّ النوعي فظاهر كلامهم : انّ الظّنّ في اصول الدين كاف.

(وحكاه الشيخ في عدّته في مسألة حجّية أخبار الآحاد عن بعض ، غفلة أصحاب الحديث) أي : الغافلين الذين يحملون الأحاديث ، فانهم يرون صحة الاعتماد في اصول الدين وفروع الدين على أخبار الآحاد.

(والظاهر أنّ مراده : حملة الأحاديث ، الجامدون على ظواهرها ، المعرضون عمّا عداها من البراهين العقليّة ، المعارضة لتلك الظواهر) كما ان الظاهر : عدم وجود مثل هؤلاء في الشيعة الذين نعرفهم ، فلعلّ الشيخ أراد به الظاهرية من العامّة والحشوية.

(السادس : كفاية الجزم بل الظّن من التقليد ، مع كون النّظر واجبا مستقلا لكنّه معفوّ عنه) فهنا مسألتان :

أولا : مسألة وجوب الجزم أو الظنّ ولو من التقليد.

ثانيا : مسألة وجوب النظر.

فاذا ترك وجوب النظر ترك واجبا ، لكنّه لم يترك المعرفة الواجبة إذا كان له جزم ، أو ظنّ تقليدي.

٤٦

كما يظهر من عدّة الشيخ قدس‌سره ، في مسألة حجّية أخبار الآحاد وفي أواخر العدّة.

ثمّ إنّ محلّ الكلام في كلمات هؤلاء الأعلام غير منقّح ، فالأولى ذكر الجهات التي يمكن أن يتكلّم فيها ، وتعقيب كلّ واحدة منها بما يقتضيه النظر من حكمها ، فنقول مستعينا بالله : انّ مسائل اصول الدّين ، وهي التي لا يطلب فيها أوّلا وبالذات إلّا الاعتقاد باطنا والتديّن ظاهرا وإن ترتّب على وجوب ذلك بعض الآثار العمليّة على قسمين :

______________________________________________________

(كما يظهر من عدة الشيخ قدس‌سره في مسألة حجّية أخبار الآحاد ، وفي أواخر العدّة).

وإنّما ذكر المصنّف هذا التنبيه هنا ، لنرى : انّه مع الانفتاح هل يكفي الظّنّ بأصول الدين أو يلزم العلم بها؟ وانّه مع الانسداد لباب العلم في اصول الدين هل تجري مقدمات الانسداد في هذا الباب أيضا كما تجري في باب المسائل الشرعية أم لا؟.

(ثمّ إنّ محلّ الكلام في كلمات هؤلاء الأعلام) في باب اصول الدين (غير منقّح ، فالأولى ذكر الجهات الّتي يمكن أن يتكلّم فيها وتعقيب كلّ واحدة منها) أي : من هذه الجهات (بما يقتضيه النظر من حكمها ، فنقول مستعينا بالله) متوكلا عليه :

(إنّ مسائل اصول الدّين ، وهي الّتي لا يطلب فيها أولا وبالذات إلّا الاعتقاد باطنا والتدين ظاهرا) وذلك بأن يعتقد بقلبه ويقرّ بلسانه (وان ترتب على وجوب ذلك) الاعتقاد الباطني والتدين الظاهري (بعض الآثار العمليّة) كالمطالعة لمعرفة الحق ، والاستماع لقائل الحق ، والتعلم ، وما أشبه ذلك (على قسمين) كالتالي :

٤٧

أحدهما ما وجب على المكلّف الاعتقاد والتديّن غير مشروط بحصول العلم ، كالمعارف ، فيكون تحصيل العلم من مقدّمات الواجب المطلق فيجب.

الثاني : ما يجب الاعتقاد والتديّن به إذا اتفق حصول العلم به ، كبعض تفاصيل المعارف.

وأمّا الثاني : فحيث كان المفروض عدم وجوب تحصيل المعرفة العلميّة ، كان الأقوى القول بعدم وجوب العمل فيه بالظنّ لو فرض حصوله

______________________________________________________

(أحدهما : ما وجب على المكلّف الاعتقاد والتّدين غير مشروط بحصول العلم) بأن قال الشارع له : يجب عليك أن تعتقد وتتدين (كالمعارف) الخمسة من اصول الدين (فيكون تحصيل العلم من مقدّمات الواجب المطلق ، فيجب) هذا التحصيل للعلم وهذا أوّلا وبالذّات عقلي ، وثانيا وبالعرض شرعي لا بالنسبة الى جميع الاصول الخمسة ، فإن مثل الامامة يكون ـ كما قاله جمع ـ بدليل شرعي بعد ثبوت النبوة على ما ذكرنا بعض تفصيله في كتاب «الاصول».

(الثّاني : ما يجب الاعتقاد والتديّن به إذا اتّفق حصول العلم به ، كبعض تفاصيل المعارف) الخمسة : من أحوال البرزخ والمعاد ، وخصوصيات الجنة والنّار ، وكذلك خصوصيات النبيّ والامام صلوات الله عليهما.

(وأمّا الثّاني :) وهو ما يجب الاعتقاد والتديّن إذا اتفق حصول العلم به (فحيث كان المفروض عدم وجوب تحصيل المعرفة العلميّة) بالنسبة اليه ، (كان الأقوى القول : بعدم وجوب العمل فيه بالظّن لو فرض حصوله) يعني : انّه لو فرض حصول الظّنّ بخصوصيات البرزخ وما أشبه ، لم يجب العمل بذلك بأن يلتزم به قلبا ، ويظهره للناس لسانا ، وما أشبه ذلك.

٤٨

ووجوب التوقف فيه ، للأخبار الكثيرة الناهية عن القول بغير علم والآمرة بالتوقّف ، وأنّه : «إذا جاءكم ما تعلمون فقولوا به ، وإذا جاءكم ما لا تعلمون فها ، وأهوى بيده إلى فيه» ، ولا فرق في ذلك بين أن يكون الأمارة في تلك المسألة خبرا صحيحا أو غيره.

______________________________________________________

وعليه : فاذا لم يظهره لم يكن مشمولا لقوله سبحانه : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ ، أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ)(١).

ولم يكن مشمولا للحديث القائل : «من كتم علما ألجمه الله تعالى يوم القيامة بلجام من نار» (٢).

وذلك لانصراف أمثال هذه الآيات والروايات الى ما علم به ، لا ما ظنّ.

(و) كذا كان الأقوى : القول بعدم (وجوب التّوقّف فيه) فلا يلتزم بنفسه بذلك ، هذا كله (للأخبار الكثيرة الناهية عن القول بغير علم) كقوله سبحانه : (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ)(٣) (والآمرة بالتوقّف وانّه : «إذا جاءكم ما تعلمون فقولوا به ، وإذا جاءكم ما لا تعلمون فها») (٤) قال الامام هذه الكلمة (وأهوى بيده الى فيه) أي : توقفوا واسكتوا ، ولعلّ : «ها» ، اسم فعل بمعنى : «تنبّه» ، والهاء في كلمة هذا من هذا القبيل ، لأنّ ذا : للإشارة ، وها : للتنبيه.

(ولا فرق في ذلك) الّذي ظنّ به الانسان ممّا لا يجب عليه إظهاره والعمل به (بين أن يكون الأمارة في تلك المسألة خبرا صحيحا ، أو غيره) كالإجماع

__________________

(١) ـ سورة البقرة : الآية ١٥٩.

(٢) ـ منية المريد : ص ٤٢ (بالمعنى) ، بحار الانوار : ج ٢ ص ٧٨ ب ١٣ ح ٦٦ وج ١٠٨ ص ١١٥.

(٣) ـ سورة الاسراء : الآية ٣٦.

(٤) ـ الكافي (اصول) : ج ١ ص ٥٧ ح ١٣.

٤٩

قال شيخنا الشهيد الثاني في المقاصد العليّة ـ بعد ذكر أنّ المعرفة بتفاصيل البرزخ والمعاد غير لازم ـ : «وأمّا ما ورد عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، في ذلك من طريق الآحاد فلا يجب التصديق به مطلقا وإن كان طريقه صحيحا ، لأنّ خبر الواحد ظنّيّ ، وقد اختلف في جواز العمل به في الأحكام الشرعيّة الظنّية ، فكيف بالأحكام الاعتقاديّة العلميّة» ، انتهى.

وظاهر الشيخ في العدّة أنّ عدم جواز التعويل في اصول الدين على أخبار

______________________________________________________

المنقول ، ونحو ذلك.

ويؤيده ما استدل به المصنّف حيث قال : (قال شيخنا الشهيد الثّاني في المقاصد العليّة بعد ذكر : انّ المعرفة بتفاصيل البرزخ والمعاد غير لازم) ما لفظه :

(وأمّا ما ورد عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ذلك من طريق الآحاد ، فلا يجب التّصديق به مطلقا) حتى (وان كان طريقه صحيحا ، لأنّ خبر الواحد ظنّي ، وقد اختلف في جواز العمل به في الأحكام الشرعيّة الظّنّية) كالمسائل الفقهية (فكيف بالأحكام الاعتقاديّة العلمية) (١) التي يطلب فيها الاعتقاد والعلم؟.

والفرق بين العلم والاعتقاد : انّ العلم هو : أن يعرف الانسان الشيء ، والاعتقاد هو : ان يعقد قلبه عليه ، فانّ كثيرا ما يعلم الانسان شيئا لكنّه لا يعقد ، قلبه عليه ، قال سبحانه : (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ)(٢).

(انتهى) كلام الشهيد الثّاني قدس‌سره.

(وظاهر الشّيخ في العدّة : انّ عدم جواز التّعويل في أصول الدّين على أخبار

__________________

(١) ـ المقاصد العليّة : مخطوط.

(٢) ـ سورة النمل : الآية ١٤.

٥٠

الآحاد اتفاقيّ إلّا عن بعض غفلة أصحاب الحديث.

وظاهر المحكيّ في السرائر عن السيّد المرتضى عدم الخلاف فيه أصلا ، وهو مقتضى كلام كلّ من قال بعدم اعتبار أخبار الآحاد في اصول الفقه.

لكن يمكن أن يقال إنّه اذا حصل الظنّ من الخبر : فان أرادوا بعدم وجوب التصديق بمقتضى الخبر عدم تصديقه علما أو ظنّا ، فعدم حصول الأوّل كحصول الثاني قهريّ لا يتّصف بالوجوب وعدمه.

______________________________________________________

الآحاد اتّفاقي) بين العلماء (إلّا عن بعض غفلة أصحاب الحديث) (١) الذين يعتمدون في اصول الدّين على أخبار الآحاد ، كما يعتمدون عليها في الفقه.

(وظاهر المحكي في السّرائر عن السيّد المرتضى) رحمه‌الله ، هو : (عدم الخلاف فيه أصلا) (٢) وانّه لا يعتمد في اصول الدين على أخبار الآحاد.

(وهو مقتضى كلام كلّ من قال بعدم اعتبار أخبار الآحاد في اصول الفقه) لأنّ أخبار الآحاد إذا لم يعتمد عليها في اصول الفقه ، كان عدم الاعتماد عليها في اصول الدين بطريق أولى.

(لكن يمكن أن يقال : انّه اذا حصل الظّن من الخبر ، فان أرادوا بعدم وجوب التصديق ، بمقتضى الخبر : عدم تصديقه علما أو ظنّا؟ فعدم حصول الأوّل) العلم (كحصول الثّاني) الظّنّ (قهريّ) لوضوح : انّه لم يحصل له العلم حتى يعلمه ، ووضوح : انّه ظنّ بذلك الشيء ، فهو ظانّ به قهرا ، والظّنّ بالشيء قهرا (لا يتّصف بالوجوب وعدمه) فانّه بعد حصول الشيء لا يقال : إنّه واجب ، كما أنّه بعد حصول الشيء لا يقال : إنّ عدمه واجب.

__________________

(١) ـ عدّة الاصول : ص ٥٣.

(٢) ـ السرائر : ص ٦.

٥١

وإن أرادوا عدم التديّن به الذي ذكرنا وجوبه في الاعتقاديّات وعدم الاكتفاء فيها بمجرّد الاعتقاد ـ كما يظهر من بعض الأخبار الدالة على أنّ فرض اللسان القول والتعبير عمّا عقد عليه القلب وأقرّ به ، مستشهدا على ذلك بقوله تعالى : (قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا) الى آخر الآية ـ فلا مانع من وجوبه في مورد خبر الواحد ، بناء على أنّ هذا نوع عمل بالخبر ، فانّ ما دلّ على وجوب تصديق العادل لا يأبى الشمول لمثل ذلك.

______________________________________________________

(وإن أرادوا) بعدم وجوب التصديق بمقتضى الخبر (: عدم التّديّن به ، الّذي ذكرنا وجوبه) أي : وجوب التدين.(في الاعتقاديات ، و) ذكرنا : (عدم الاكتفاء فيها بمجرّد الاعتقاد) القلبي (كما يظهر من بعض الأخبار الدّالة على أنّ فرض اللّسان : القول والتّعبير عمّا عقد عليه القلب وأقرّ به ، مستشهدا) الامام عليه‌السلام (على ذلك) أي : على أنّ فرض اللسان : القول والتعبير عمّا عقد عليه القلب (بقوله تعالى : (قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا)(١) الى آخر الآية) المباركة؟.

(فلا مانع من وجوبه) أي : وجوب التّدين (في مورد خبر الواحد) قوله : «فلا مانع» ، خبر قوله : «وأن أرادوا عدم التّدين به» فانّ إرادتهم : عدم وجوب التّدين بمثل هذا الخبر غير تام ، وقوله : «فلا مانع» ، ردّ لما أرادوه من عدم التّديّن.

وإنّما قلنا : لا مانع من وجوب التدين به (بناء على أنّ هذا نوع عمل بالخبر ، فإنّ ما دلّ على وجوب تصديق العادل لا يأبى الشّمول لمثل ذلك) فمعنى صدّق العادل : العمل بقوله ، في مورد العمل ، والتّدين بقوله ، في مورد التّدين.

__________________

(١) ـ سورة البقرة : الآية ١٣٦.

٥٢

نعم ، لو كان العمل بالخبر لا لأجل الدليل الخاصّ على وجوب العمل به ، بل من جهة الحاجة اليه لثبوت التكليف وانسداد باب العلم ، لم يكن وجه للعمل به في مورد لم يثبت التكليف فيه بالواقع كما هو المفروض ، أو يقال : إنّ عمدة أدلّة حجّية أخبار الآحاد وهي الاجماع العملي لا تساعد على ذلك.

______________________________________________________

(نعم ، لو كان العمل بالخبر لا لأجل الدّليل الخاص على وجوب العمل به ، بل من جهة الحاجة اليه لثبوت التكليف وانسداد باب العلم) أي : ان كان الخبر حجّة من باب الدليل الخاص ، أوجب التّدين بما دلّ عليه الخبر من الاعتقاديات : كأحوال البرزخ والمعاد ، وأحوال الائمة والنبيّ والزهراء صلوات الله عليهم أجمعين.

وأمّا إن كان الخبر حجّة من باب الظّن العام ودليل الانسداد (لم يكن وجه للعمل به في مورد لم يثبت التكليف فيه بالواقع كما هو المفروض) فان وجوب التديّن والاقرار من آثار العلم بهذا النوع من الاعتقاديات لأنفسها حتى يقوم الظّن مقام العلم بعد تعذّر العلم بها.

(أو يقال) في تقرير عدم الوجه للعمل بخبر الواحد وان كان حجّة من باب الظن الخاص (: إنّ عمدة أدلّة حجّية أخبار الآحاد وهي : الاجماع العملي ، لا تساعد على ذلك) أي : لا تساعد على الأخذ بخبر الواحد في الامور الاعتقادية ، فالخبر الواحد لا يلزم التديّن به في خصوصيات المعاد والبرزخ ، وصفات المعصومين عليهم‌السلام ، سواء كان حجّة من باب الظّن الخاص ، أو من باب الظّن العام ، والانسداد.

وعلى هذا : فقوله : «أو يقال» ، إضراب عمّا ذكره سابقا بقوله : «فإن ما دلّ

٥٣

وممّا ذكرنا يظهر الكلام في العمل بظاهر الكتاب والخبر المتواتر في أصول الدين ، فانّه قد لا يأبى دليل حجّية الظواهر عن وجوب التديّن بما تدلّ عليه من المسائل الاصوليّة التي لم يثبت التكليف بمعرفتها.

لكن ظاهر كلمات كثير عدم العمل بها في ذلك.

ولعلّ الوجه في ذلك أنّ وجوب التديّن المذكور إنّما هو من آثار العلم بالمسألة الاصوليّة ، لا من آثار نفسها.

______________________________________________________

على وجوب تصديق العادل لا يأبى الشمول لمثل ذلك».

(وممّا ذكرنا) : من شمول تصديق العادل لهذه الخصوصيات الاصولية ، التي لا ترتبط بصميم العقيدة ، لأنها ثانوية (: يظهر الكلام في العمل بظاهر الكتاب والخبر المتواتر في اصول الدّين) الثانوية ، لا الاصول الأولية : كالتوحيد ، والعدل ، والنبوة ، والامامة ، والمعاد.

(فانّه قد لا يأبى دليل حجّية الظّواهر عن وجوب التّدين بما تدلّ عليه) ظواهر الكتاب ، والأخبار المتواترة (من المسائل الاصولية الّتي لم يثبت التكليف بمعرفتها) ابتداء مثل : قصص الأنبياء ، وأحوال البرزخ ، وأحوال السيّدة مريم صلوات الله عليها ، وإلى غير ذلك.

(لكن ظاهر كلمات كثير : عدم العمل بها) أي : بظواهر الكتاب ، والخبر المتواتر (في ذلك) لأنّ الظاهر ليس بقطعي.

(ولعلّ الوجه في ذلك) أي : عدم العمل بها (: انّ وجوب التّديّن المذكور) بهذه المسائل الاصولية الثانوية (إنّما هو من آثار العلم بالمسألة الاصولية ، لا من آثار نفسها) أي : آثار نفس المسألة الاصولية.

وعليه : فإذا علم الانسان هذه الامور ، وجب عليه التّدين بها ، لا لأنّه واقع ، فانّه

٥٤

واعتبار الظنّ مطلقا أو الظنّ الخاصّ ، سواء كان من الظواهر أو غيرها ، معناه ترتيب الآثار المتفرّعة على نفس الأمر المظنون لا على العلم به.

وأمّا ما يتراءى من التمسّك بها أحيانا لبعض العقائد ، فلاعتضاد مدلولها بتعدّد الظواهر وغيرها

______________________________________________________

لو كان الواجب التّدين لأنّه أمر واقعي حقيقي ، كان اللازم تحصيلها ، بينما المسائل الثانوية ليست كذلك فلا يجب التّدين إلّا بعد العلم بها ، والمفروض : إنّ ظاهر الكتاب والخبر المتواتر لا يوجب العلم.

وإن شئت قلت : إنّ وجوب التّدين بهذه الموضوعات الثانوية انّما هو مع وصف العلم بها ، لا لذاتها حتى يقوم الظّن مقام العلم ، فالتديّن في هذه المسائل الثانوية واجب مشروط ، لا واجب مطلق ، فحيث لا علم بهذه الامور ، لا يجب التديّن بها ، وإن كانت ظواهر الكتاب والأخبار المتواترة تدلّ عليها.

(و) من المعلوم : انّ (اعتبار الظّنّ مطلقا) أي : الانسدادي (أو الظّنّ الخاص) كالخبر الواحد ، بناء على حجيته (سواء كان) الظّن حاصلا (من الظواهر ، أو غيرها) كالظّن الحاصل من الاجماع ، ونحوه (معناه : ترتيب الآثار المتفرعة على نفس الأمر المظنون ، لا على العلم به) ، فليس وجوب التّدين بهذا النوع من الاصول الثانوية من آثار نفسه ، بل من آثار العلم به كما هو المفروض.

(و) إن قلت : فلما ذا نراهم يتمسكون بهذه الظواهر من الآيات والأخبار على الموضوعات الاصولية في كثير من الكتب الكلامية؟.

قلت : (أمّا يتراءى من التمسّك بها) أي : بهذه الظواهر (أحيانا لبعض العقائد) المرتبطة بأحوال الأنبياء والأئمة عليهم‌السلام ، وأحوال البرزخ والمعاد ، والجنّة والنار. (فلاعتضاد مدلولها) أي : مدلول هذه الظواهر (بتعدد الظّواهر وغيرها)

٥٥

من القرائن وإفادة كلّ منها الظنّ ، فيحصل من المجموع القطع بالمسألة ، وليس استنادهم في تلك المسألة الى مجرّد أصالة الحقيقة التي لا تفيد الظنّ بارادة الظاهر ، فضلا عن العلم.

ثمّ إنّ الفرق بين القسمين المذكورين وتمييز ما يجب تحصيل العلم به عمّا لا يجب

______________________________________________________

أي : غير الظواهر (من القرائن) الدالة على تلك الظواهر (وإفادة كلّ منها) أي : من الظواهر ، وغير الظواهر من القرائن (الظّنّ ، فيحصل من المجموع القطع بالمسألة).

وعليه : فالاستدلال إنّما هو لأجل القطع بالمسألة ، لا لأجل الظّنّ.

(وليس استنادهم) أي : العلماء (في تلك المسألة) الاصولية الثانوية (الى مجرّد أصالة الحقيقة) بأن يقال : حيث إنّ الأصل الحقيقة ، لا المجاز ـ فما دلّ على عدم رؤية الله سبحانه إطلاقا ، كقوله تعالى : (لَنْ تَرانِي)(١) أي : ـ الى الأبد ـ كان مفاده استحالة الرؤية (الّتي لا تفيد) أصالة الحقيقة هذه (الظّنّ بإرادة الظّاهر ، فضلا عن العلم) فانّه ليس وجه استنادهم هو : أصالة الحقيقة ، بل وجه استنادهم هو : تجمع الظّنون الموجبة للقطع.

(ثمّ إنّ الفرق بين القسمين المذكورين) : الواجب المطلق ، والواجب المشروط ، بحصول العلم في المطلق دون المشروط ، وبعبارة أخرى : الواجبات الأولية ، والواجبات الثانوية (وتمييز ما يجب تحصيل العلم به) لكونه واجبا مطلقا (عمّا لا يجب) لكونه واجبا مشروطا وإنّما إذا حصل العلم وجب

__________________

(١) ـ سورة الأعراف : الآية ١٤٣.

٥٦

في غاية الاشكال.

وقد ذكر العلّامة قدس‌سره في الباب الحادي عشر فيما يجب معرفته على كلّ مكلّف من تفاصيل التوحيد والنبوّة والامامة والمعاد أمورا لا دليل على وجوبها كذلك ، مدّعيا أنّ الجاهل بها عن نظر واستدلال خارج عن ربقة الاسلام مستحقّ للعذاب الدائم.

______________________________________________________

التّدين به يكون (في غاية الاشكال).

وذلك انّه قد لا يشك في بعضها ، فأصول الدّين الخمسة ـ مثلا ـ لا شك في كونها واجبا مطلقا ، ومن قرأ سورة كذا ـ مثلا ـ أعطي قصرا بوصف كذا في الجنّة ، لا شك في كونه واجبا مشروطا إلّا أنّ بعض الأمور الاصولية ، لا يعلم هل أنه من القسم الأول ، أو من القسم الثاني؟.

هذا (وقد ذكر العلّامة قدس‌سره في الباب الحادي عشر فيما يجب معرفته على كلّ مكلّف من تفاصيل التّوحيد ، والنّبوة ، والامامة ، والمعاد : أمورا لا دليل على وجوبها كذلك) أي : على كونها واجبا مطلقا غير مشروط بالعلم (مدّعيا : انّ الجاهل بها عن نظر) بأن لم يعلمها عن اجتهاد (واستدلال ، خارج عن ربقة الاسلام ، مستحقّ للعذاب الدّائم) (١).

أقول : قال العلّامة هناك : «فلا بدّ من ذكر ما لا يمكن جهله على أحد من المسلمين ، ومن جهل شيئا من ذلك ، خرج عن ربقة المؤمنين ، واستحق العذاب الدائم» ، ثمّ ذكر خصوصيات كثيرة في أصول الدين ، لكن المشهور عدم وجوب الاعتقاد بها ، بمعنى : انّه لا يجب تعليمها وتعلمها ، إضافة الى انّ الغالب من الناس

__________________

(١) ـ النافع ليوم الحشر في شرح الباب الحادي عشر : ص ٦.

٥٧

وهو في غاية الاشكال.

نعم ، يمكن أن يقال : إنّ مقتضي عموم وجوب المعرفة ، مثل قوله تعالى : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ،) أي ليعرفون.

وقوله صلوات الله عليه وآله : «ما أعلم شيئا بعد المعرفة أفضل من هذه

______________________________________________________

الذين هم ليسوا من أهل العلم ، لا يعرفون ذلك ولم يحكم أحد بتكفيرهم.

ولا يخفى : إنّ الربقة ـ بكسر الراء وسكون الباء ـ عبارة عن حبل مستطيل فيه عرى ، تربط فيها الدواب ، وقد استعاره العلّامة هنا للحكم الجامع للمؤمنين وهو : استحقاق الثواب الدائم والتعظيم الكامل بالنسبة الى من كان في هذه الربقة من المؤمنين.

(وهو في غاية الاشكال) كما يظهر لمن راجع كلماتهم ، بل السيرة المستمرة بين المؤمنين منذ عهد الرسالة الى اليوم.

(نعم ، يمكن أن يقال : إنّ مقتضي عموم وجوب المعرفة ، مثل قوله تعالى : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)(١)) فإن إطلاقه شامل لمعرفة صفاته سبحانه من الثبوتية والسلبية ونحوها ، كما في التفسير (أي : ليعرفون) فانّه لم أجد فيما عندي من الكتب ، تفسير ليعبدون ب : ليعرفون ، عن الروايات ، وإنّما هذا قول بعض المفسّرين فقط ، وهو خلاف الظاهر ، فانّ العبادة ظاهرها : العمل ، لا الاعتقاد.

(وقوله صلوات الله عليه وآله : ما أعلم شيئا بعد المعرفة أفضل من هذه

__________________

(١) ـ سورة الذاريات : الآية ٥٦.

٥٨

الصلوات الخمس». بناء على أنّ الأفضليّة من الواجب ، خصوصا مثل الصلاة ، تستلزم الوجوب.

وكذا عمومات وجوب التفقه في الدين الشامل للمعارف بقرينة استشهاد الامام عليه‌السلام بها ، لوجوب النفر لمعرفة الامام بعد موت الامام السابق عليهما‌السلام ، وعمومات طلب العلم ،

______________________________________________________

الصلوات الخمس) (١) فانّ المعرفة في هذه الرواية مطلقة (بناء على انّ الأفضلية من الواجب ـ خصوصا مثل الصّلاة ـ تستلزم الوجوب) بالنسبة الى المعرفة فإنّه لا معنى لأنّ نفضّل شيئا على شيء إلّا أن يكونا شريكين في الجامع.

(وكذا عمومات وجوب التّفقّه في الدّين ، الشّامل للمعارف ، بقرينة استشهاد الامام عليه‌السلام بها لوجوب النفر لمعرفة الامام بعد موت الامام السّابق عليهما‌السلام) كما تقدّم في روايات حجّية خبر الواحد (وعمومات طلب العلم) مثل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «طلب العلم فريضة على كلّ مسلم ومسلمة» (٢).

وفي جملة من الروايات : «طلب العلم فريضة على كل مسلم» (٣)

__________________

(١) ـ الكافي (فروع) : ج ٣ ص ٢٦٤ ح ١ ، مفتاح الفلاح : ص ٤٤ ، دعوات الراوندي : ص ٢٧ ، غوالي اللئالي : ج ١ ص ٣١٨ ح ٦٤ (بالمعنى).

(٢) ـ مجموعة ورام : ج ٢ ص ١٧٦ ، غوالي اللئالي : ج ٤ ص ٧٠ ح ٣٦ ، كنز الفوائد : ج ٢ ص ١٠٧ ، مشكاة الانوار : ص ١٣٣ ، مصباح الشريعة : ص ٢٢ ، عدة الداعي : ص ٧٢ ، بحار الانوار : ج ١ ص ١٧٧ ب ١ ح ٤٥.

(٣) ـ الكافي (اصول) : ج ١ ص ٣٠ ح ١ ، بصائر الدرجات : ص ٢ ، المحاسن : ص ٢٢٥ ، مشكاة الانوار : ص ١٣٣ ، الامالي للمفيد : ص ٢٨ ، مجموعة ورام : ج ٢ ص ١٤ ، دعائم الاسلام : ج ١ ص ٨٣ ، روضة الواعظين : ص ١٠ ، ارشاد القلوب : ص ١٦٥ ، اعلام الدين : ص ٨١ ، منية المريد : ص ٩٩.

٥٩

هو وجوب معرفة الله جلّ ذكره ومعرفة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والامام عليه‌السلام ، ومعرفة ما جاء به النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على كلّ قادر يتمكّن من تحصيل العلم ، فيجب الفحص حتّى يحصل اليأس ، فإن حصل العلم بشيء من هذه التفاصيل اعتقد وتديّن وإلّا توقّف ولم يتديّن بالظنّ لو حصل له.

ومن هنا قد يقال : إن الاشتغال بالعلم المتكفّل لمعرفة الله ومعرفة أولياءه ، صلوات الله عليهم ، أهمّ من الاشتغال بعلم المسائل العملية ، بل هو المتعيّن ،

______________________________________________________

والى غير ذلك ، فإن مقتضى العموم (هو وجوب معرفة الله جلّ ذكره ، ومعرفة النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومعرفة الامام عليه‌السلام ومعرفة ما جاء به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم).

قوله : «هو» ، خبر قوله : «إنّ مقتضى عموم وجوب المعرفة» ، انّ المعرفة واجبة (على كلّ قادر يتمكن من تحصيل العلم ، فيجب الفحص حتّى يحصل اليأس) من العلم (فان حصل العلم بشيء من هذه التفاصيل) الّتي ذكرها العلّامة رحمه‌الله (اعتقد وتديّن) بها المكلّف (وإلّا توقف ولم يتديّن بالظّنّ لو حصل له) الظّن ، اذ لا دليل على وجوب التدين بالظّن ، بل عموم : (إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً)(١) وما أشبه ، دليل على أنّه يلزم عليه أن لا يتدين بالظنّ.

(ومن هنا قد يقال : إنّ الاشتغال بالعلم المتكفّل لمعرفة الله ، ومعرفة أوليائه صلوات الله عليهم ، أهمّ من الاشتغال بعلم المسائل العملية) والفروع الفقهية ، (بل هو المتعين) أي : يتعين الاشتغال بالعلم المتكفل بأصول الدّين ، لا أن يشتغل بالعلم بفروع الدين ويترك العلم بأصول الدين.

__________________

(١) ـ سورة يونس : الآية ٣٦.

٦٠