الوصائل إلى الرسائل - ج ٤

آية الله السيد محمد الشيرازي

الوصائل إلى الرسائل - ج ٤

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة عاشوراء للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7263-03-1
ISBN الدورة:
964-7263-04-X

الصفحات: ٤٠٠

الكثيرة التي يظهر من مجموعها جواز العمل بخبر الواحد وإن كان في دلالة كلّ واحد على ذلك نظر.

مثل النبويّ المستفيض بل المتواتر : «إنّه من حفظ على امتي أربعين حديثا بعثه الله فقيها عالما يوم القيامة». قال شيخنا البهائيّ قدس‌سره ، في أوّل أربعينه : «إنّ دلالة هذا الخبر على حجّية خبر الواحد لا يقصر عن دلالة آية النّفر».

______________________________________________________

الكثيرة ، التي يظهر من مجموعها : جواز العمل بخبر الواحد وإن كان في دلالة كل واحد) واحد (على ذلك) الجواز (نظر) وإنّما يجوز العمل لحصول التواتر فيها ، والتواتر يعمل به وإن كان كل فرد فرد من أفراده لا يعمل به وحده.

لا يقال : كيف يسبب غير الحجّة بسبب الاجتماع الحجّة؟.

لأنّه يقال : انّه يوجب تراكم الظّنون ، كما يسبب قطرات السيل الهادم للأبنية بسبب التجمع ، وإن لم يكن في كل قطرة منها هذه النتيجة.

(مثل النبوي المستفيض بل المتواتر : إنّه من حفظ على أمتي أربعين حديثا بعثه الله فقيها عالما يوم القيامة) (١) والفرق بين الفقه والعلم إذا تقابلا ، انّ العلم هو : ما استوعبه الانسان والفقه هو الفهم والدراية والتحقيق والتدقيق في الأخبار.

(قال شيخنا البهائي قدس‌سره في أوّل أربعينه : انّ دلالة هذا الخبر على حجّية خبر الواحد ، لا يقصر عن دلالة آية النفر) (٢) فكما انّ آية النفر تدل على حجيّة خبر الواحد ، يدل هذا الخبر على حجيّته أيضا وإلّا ما الفائدة في الحفظ على الامة

__________________

(١) ـ الاربعون حديثا : ص ١١ ، الخصال : ص ٥٤١ ح ١٥ ، بحار الانوار : ج ٢ ص ١٥٦ ب ٢٠ ، غوالي اللئالي : ج ١ ص ٩٥ ، منية المريد : ص ٣٧١ ، صحيفة الرضا : ص ٦٥.

(٢) ـ الاربعون حديثا : ص ٣٠٦ ، وسائل الشيعة : ج ٢٧ ص ٩٩ ب ٨ ح ٣٣٣١٧ مع تفاوت.

٤١

ومثل الأخبار الكثيرة الواردة في الترغيب في الرّواية والحثّ عليها وإبلاغ ما في كتب الشيعة ، مثل ما ورد في شأن الكتب التي دفنوها لشدّة التقيّة. فقال عليه‌السلام : «حدّثوا بها فانّها حق».

ومثل ما ورد في مذاكرة الحديث والأمر بكتابته.

مثل قوله للرّاوي : «اكتب وبثّ علمك في بني عمّك ، فإنّه

______________________________________________________

بالنسبة الى أخبار لا يتمكنون من العمل بها لعدم حجّية خبر الواحد؟.

(ومثل الأخبار الكثيرة الواردة في الترغيب في الرّواية والحث عليها ، وإبلاغ ما في كتب الشيعة) الثقاة الى الذين يريدون العمل بها.

(مثل ما ورد في شأن الكتب التي دفنوها لشدة التقية) فانّ جلاوزة السلطان كانوا يأتون الى البيوت لالقاء القبض على أصحابها الشيعة وحيث إن الكتب كانت وثيقة لمكاتبتهم وموالاتهم للأئمة الطاهرين ، كان أصحاب البيوت يدفنونها حذرا من العثور عليها ، فتتلف تحت الأرض.

(فقال عليه‌السلام : حدّثوا بها فانّها حقّ) (١) يعني : إنّ تلك الكتب إذا دفنت ، فانّ أصحابها يتمكنون أن يتحدثوا بما فيها ، لأنهم كانوا في كثير من الأحيان يحفظون الرّوايات ولو بالمعنى.

(ومثل ما ورد في) مدح وثواب (مذاكرة الحديث ، والأمر بكتابته) أي : كتابة الحديث ، فانهم كانوا يجتمعون ، ويتحدث بعضهم الى بعضه بالأحاديث التي سمعها وتعلمها ، وكذلك كانوا يكتبون الأحاديث لحفظها من الضياع.

(مثل قوله عليه‌السلام للرّاوي : أكتب وبثّ) أي : انشر (علمك في بني عمّك ، فإنّه

__________________

(١) ـ الكافي (اصول) : ج ١ ص ٥٣ ح ١٥ ، وسائل الشيعة : ج ٢٧ ص ٨٤ ب ٨ ح ٣٣٢٧٢.

٤٢

يأتي زمان هرج ، لا يأنسون إلّا بكتبهم».

وما ورد في ترخيص النقل بالمعنى.

وما ورد مستفيضا ، بل متواترا ، من قولهم عليهم‌السلام : «اعرفوا منازل الرّجال منّا بقدر روايتهم عنّا».

وما ورد من قولهم عليهم‌السلام : «لكلّ رجل منّا من يكذب عليه».

______________________________________________________

يأتي زمان هرج) يكون أمر الناس فيه فوضى ، فلا يتمكنون من الوثوق بأحد ، ولا يستطيعون من الخروج والاستئناس بأصدقائهم ، ف (لا يأنسون) اولئك الذين وقعوا في ذلك الزمان (إلّا بكتبهم) (١) التي يتوارثونها منكم ، فانّ الكتاب أحد الأنيسين. (و) مثل (ما ورد في ترخيص النقل بالمعنى ، و) كذلك (ما ورد مستفيضا بل متواترا من قولهم عليهم‌السلام : اعرفوا منازل الرّجال منّا بقدر روايتهم عنّا) (٢) ممّا يدل كل ذلك على حجّية الخبر ، إذ لو لا حجّيته لم يكن في نقله بالمعنى من جدوى ، ولا في تقدير رواته من فائدة.

(و) مثل (ما ورد من قولهم عليهم‌السلام لكلّ رجل منّا) أهل البيت عليهم‌السلام (من يكذب عليه) (٣) أي : يسند إليه الأخبار الكاذبة ، واسناد الأخبار الكاذبة اليهم امّا لأنّ يسندوا بها رأيهم ، أو لأن يستأكلوا بتلك الأخبار المكذوبة ، أو لأن يشوّهوا بها على أهل البيت عليهم‌السلام.

وعليه : فلو لم تكن الأخبار الآحاد حجّة ، لم يكن في الكذب عليهم فائدة ،

__________________

(١) ـ الكافي : ج ١ ص ٥٢ ح ١١ مع تفاوت ، وسائل الشيعة : ج ٢٧ ص ٨١ ب ٨ ح ٣٣٢٦٣.

(٢) ـ رجال الكشي ، ص ٣ ، وفيه (اعرفوا منازل شيعتنا بقدر ما يحسنون من رواياتهم عنا).

(٣) ـ المعتبر : ص ٦.

٤٣

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ستكثر بعدي القالة ، وإنّ من كذب عليّ فليتبوّأ مقعده من النّار». وقول أبي عبد الله عليه‌السلام : «إنّا أهل البيت صدّيقون ، لا نخلو من كذّاب يكذب علينا». وقوله عليه‌السلام : «إنّ الناس اولعوا بالكذب علينا ، كأنّ الله افترض عليهم ولا يريد منهم غيره».

______________________________________________________

لأنّ الناس ما كانوا يقبلونها ، فهو إذن يدلّ على قبول الناس للاخبار في زمانهم عليهم‌السلام.

(و) مثل (قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ستكثر بعدي القالة) جمع : قائل ، على وزن باعة جمع بائع ، معنى : من يتقوّل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وينسب الأخبار الكاذبة اليه.

ثمّ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (وإنّ من كذب عليّ فليتبوّأ مقعده من النّار) (١) أي : يحجز له محل قعود في نار جهنم ، بمعنى انّ الكذب على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يسبب للكاذب دخول النار. (وقول أبي عبد الله عليه‌السلام : إنّا أهل البيت صديقون لا نخلو من كذّاب يكذب علينا) (٢) فانّ الكذّابين ـ كما عرفت ـ إنّما كانوا يكذبون عليهم للاستفادة من شيعتهم ، أو للتشويه على الأئمة الطاهرين عليهم‌السلام أو لتقوية ما كانوا يقولون به من الفتوى والحكم ليقبل الناس منهم.

(وقوله عليه‌السلام إنّ النّاس اولعوا) أي : صار لهم حرص شديد (بالكذب علينا ، كأنّ الله افترض عليهم) أي : أوجب عليهم أن يكذبوا علينا (و) الله كأنّه (لا يريد منهم) أي : من الناس (غيره) (٣) أي : غير الكذب علينا.

__________________

(١) ـ الكافي (اصول) : ج ١ ص ٦٢ ح ١ ، من لا يحضره الفقيه : ج ٤ ص ٢٦٤ ب ٢ ح ٥٧٦٢ (مع تفاوت) ، الصراط المستقيم : ج ٣ ص ١٥٦ وص ٢٥٨.

(٢) ـ رجال الكشي : ص ١٠٨ ، بحار الانوار : ج ٢ ص ٢١٧ ب ٢٨ ح ١٢ وفيه (صادقون).

(٣) ـ رجال الكشي : ص ١٣٦ (بالمعنى) ، بحار الانوار : ج ٢ ص ٢٤٦ ب ٢٩ ح ٥٨ (بالمعنى).

٤٤

وقوله عليه‌السلام : «لكلّ منّا من يكذب عليه».

فانّ بناء المسلمين لو كان على الاقتصار على المتواترات لم يكثر القالة والكذابة ، والاحتفاف بالقرينة القطعيّة في غاية القلّة.

______________________________________________________

(وقوله عليه‌السلام : لكلّ منّا من يكذب عليه) (١) أي : إن بازاء كل واحد من الرسول وأهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين كان كذابا معاصرا لهم ، يفتري الأخبار الكاذبة عليهم ، وهذا الالفات منهم عليهم‌السلام الى وجود الكذابين ، وافترائهم الأخبار الكاذبة عليهم ، لو لم يكن الخبر الواحد حجّة عند المسلمين لم يكن له وجه.

وعليه : فقد دلّت هذه الأخبار على حجّية خبر الواحد ، الذي هو المقصود في هذا البحث ، وقد ذكره المصنّف بقوله : (فانّ بناء المسلمين لو كان على الاقتصار على المتواترات ، لم يكثر القالة والكذابة) على الرسول وآله صلوات الله عليهم أجمعين ، ولكان اختراع الأخبار الكاذبة المنسوبة اليهم لغوا لأنّ المسلمين لم يعملوا بأخبار الآحاد.

(و) إن قلت : إنّ بناء المسلمين لم يكن على العمل بالخبر المجرد بل المحفوف بالقرائن القطعية فليستعينوا بها للوصول الى مآربهم.

قلت : هذا الاحتمال مردود لأنّ (الاحتفاف بالقرينة القطعية في غاية القلة) عندنا والأخبار المكذوبة لم تكن محفوفة بالقرائن القطعية حتى يأخذها المسلمون ، فلم يكن إذن وضعهم للأخبار إلّا لأنّ عموم الخبر الواحد كان حجّة عند المسلمين.

__________________

(١) ـ المعتبر : ص ٦.

٤٥

إلى غير ذلك من الأخبار التي يستفاد من مجموعها رضى الأئمة عليهم‌السلام ، بالعمل بالخبر وإن لم يفد القطع.

وادّعى في الوسائل تواتر الأخبار بالعمل بخبر الثقة ، إلّا أنّ القدر المتيقّن منها هو خبر الثقة الذي يضعف فيه احتمال الكذب ، على وجه لا يعتني به العقلاء ويقبّحون التوقّف فيه لأجل ذلك الاحتمال ، كما دلّ عليه ألفاظ الثقة والمأمون والصادق وغيرها الواردة في الأخبار المتقدّمة ،

______________________________________________________

(إلى غير ذلك من الاخبار التي يستفاد من مجموعها : رضى الائمة عليهم‌السلام بالعمل بالخبر وان لم يفد القطع) وكذلك رضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإن أمثال هذه الأخبار ، كما وردت عنه وردت عنهم صلوات الله عليه وعليهم أجمعين.

(وادّعى في الوسائل تواتر الأخبار بالعمل بخبر الثقة ، إلّا أنّ القدر المتيقن منها) أي : من تلك الأخبار الدالة على حجّية خبر الثقة ليس كل ثقة ، وانّما (هو خبر الثقة التي يضعف فيه احتمال الكذب ، على وجه لا يعتني به) أي : باحتمال الكذب فيه (العقلاء و) ممّا يوجب الاطمئنان به.

بل (يقبّحون التوقف فيه) أي : في ذلك الخبر (لأجل ذلك الاحتمال) أي : احتمال الكذب ، فانّ احتمال الكذب كان ضعيفا في غاية الضعف.

(كما دلّ عليه) أي : على انّ الخبر الذي هو ثقة وفي منتهى الوثاقة حجّة ، لا كل خبر ثقة وإن كان فيه احتمال الكذب قويا.

(الفاظ : الثقة ، والمأمون ، والصادق ، وغيرها الواردة) من العناوين (في الأخبار المتقدّمة) الواردة مثل قوله عليه‌السلام : «خذ بأوثقهما في نفسك» (١) وقوله : «المأمون

__________________

(١) ـ غوالي اللئالي : ج ٤ ص ١٣٣ ح ٢٢٩ ، بحار الانوار : ج ٢ ص ٢٤٥ ب ٢٩ ح ٥٧ ، جامع احاديث الشيعة : ج ١ ص ٢٥٥.

٤٦

وهي أيضا منصرف إطلاق غيرها.

وأمّا العدالة ، فأكثر الأخبار المتقدّمة خالية عنها ، بل وفي كثير منها التصريح بخلافه ، مثل رواية العدّة الآمرة بالأخذ بما رووه عن عليّ عليه‌السلام ، والواردة في كتب بني فضّال ،

______________________________________________________

على الدين والدنيا» (١) ، وما أشبه ذلك.

(وهي أيضا منصرف إطلاق غيرها) أي : غير هذه الأخبار من الأخبار التي ليس فيها أحد هذه العناوين ، وانّما هي تدل على حجّية الخبر مطلقا فانّها محمولة على هذه الأخبار بسبب حمل المطلق على المقيد ، أو إنّها منصرفة الى ما في هذه الاخبار من العناوين الخاصة على ما عرفت.

هذا بالنسبة الى اعتبار الوثاقة في الرّاوي.

(وأمّا العدالة : فأكثر الأخبار المتقدّمة خالية عنها ، بل وفي كثير منها التصريح بخلافه) ممّا يدل على عدم اشتراط العدالة (مثل رواية العدّة (٢) الآمرة بالأخذ بما رووه) أي العامة (عن عليّ عليه‌السلام) فانهم ليسوا من العدول ـ كما هو واضح ـ إلّا على ما ذكره المسالك : «من أنّ عدالة كل قوم بحسبهم».

(و) مثل الأخبار (الواردة في) اعتبار (كتب بني فضّال) (٣) فانّهم لم يكونوا عدولا. لكن ربّما يقال : انّ بني فضّال كتبوا كتبهم في زمان عدالتهم ولا يضرّ

__________________

(١) ـ رجال الكشّي : ص ٥٩٥ ، وسائل الشيعة : ج ٢٧ ص ١٤٦ ب ١١ ح ٣٣٤٤٢ ، بحار الانوار : ج ٢ ص ٢٥١ ب ٢٩ ح ٦٨ ، الاختصاص : ص ٨٧.

(٢) ـ عدة الاصول : ص ٦١ ، وسائل الشيعة : ج ٢٧ ص ٩١ ب ٨.

(٣) ـ الغيبة : ص ٢٤٠.

٤٧

ومرفوعة الكناني ، وتاليها.

نعم ، في غير واحد منها حصر المعتمد في أخذ معالم الدّين في الشيعة ، لكنّه محمول على غير الثقة

______________________________________________________

انحراف الرّاوي بالرّوايات التي رواها حال الاستقامة ، فانّ الاعتبار هو حين الرّواية ، لا قبل ذلك أو بعده. (و) مثل (مرفوعة الكناني) (١) المتقدّمة في تفسير قوله تعالى : (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً) (٢) فانّها تدلّ على جواز العمل بأخبار من يروي ما سمعه من الأخبار وهو لا يعمل بها.

(و) مثل (تاليها) أي تالي رواية الكناني ، ولعل مراد المصنّف من التالي هو الحديث المتواتر : ـ «من حفظ على امتي أربعين حديثا بعثه الله فقيها عالما يوم القيامة» (٣) الى غير ذلك ممّا ظاهره عدم التقييد بالعدالة.

(نعم ، في غير واحد منها) أي : من الأخبار (حصر المعتمد في أخذ معالم الدّين) منه (في الشيعة) كما تقدّم من قوله عليه‌السلام : «لا تأخذنّ معالم دينك من غير شيعتنا» (٤).

(لكنّه محمول على غير الثقة) إذ يجوز أخذ الخبر من الثقة ، وان كان فطحيا ، أو كيسانيا ، أو ما أشبه ـ كما هو محقق في كتب الرّجال وغيرها.

__________________

(١) ـ الكافي (روضة) : ج ٨ ص ١٧٨ ح ٢١٠ وفيه عن محمد الكناسي ، وسائل الشيعة : ج ٢٧ ص ٩٠ ب ٨ ح ٣٣٢٩٠ ، تفسير الصافي : ص ٧١٢.

(٢) ـ سورة الطلاق : الآية ٢.

(٣) ـ الاربعون حديثا : ص ١١ ، الخصال : ص ٥٤١ ح ١٥ (بالمعنى) ، بحار الانوار : ج ٢ ص ١٥٦ ب ٢٠ ح ٨ ، منية المريد : ص ٣٧١ ، صحيفة الرضا : ص ٦٥.

(٤) ـ رجال الكشّي : ص ٤ ، وسائل الشيعة : ج ٢٧ ص ١٥٠ ب ١١ ح ٣٣٤٥٧ ، بحار الانوار : ج ٢ ص ٨٢ ب ١٤ ح ٢ (بالمعنى).

٤٨

أو على أخذ الفتوى ، جمعا بينها وبين ما هو أكثر منها.

وفي رواية بني فضّال شهادة على هذا الجمع ، مع أنّ التعليل للنهي في ذيل الرّواية بأنّهم ممّن خانوا الله ورسوله يدلّ على انتفاء النهي عند انتفاء الخيانة

______________________________________________________

(أو) محمول (على أخذ الفتوى) فانّه لا يجوز الرّجوع الى غير الشيعي المجتهد في باب التقليد ، وإن جاز في باب أخذ الرّواية.

وانّما حملنا الأخبار الدالة على عدم جواز أخذ معالم الدّين من غير الشيعة على الذين ليسوا بثقة ، أو على الفتوى (جمعا بينها) أي : بين هذه الأخبار المانعة (وبين ما) أي : الأخبار المجوزة الدالة على جواز أخذ الرّواية من الثقاة وان لم يكونوا شيعة و (هو أكثر منها) أي : هذه الأخبار المجوزة أكثر من الأخبار المانعة.

(و) ان قلت : الجمع بين الرّوايات يحتاج الى شاهد الجمع.

قلت : (في رواية بني فضّال شهادة على هذا الجمع) من حمل الأخبار المانعة على باب التقليد ، والمجوزة على باب الرّواية ، حيث قال عليه‌السلام : «خذوا ما رووا وذروا ما رأوا» (١) ، ممّا يدل على أنّ رأيهم ليس بحجّة ، امّا رواياتهم التي رووها في حال الوثاقة فهي حجّة.

هذا (مع انّ التعليل للنّهي في ذيل الرّواية : بأنهم ممّن خانوا الله ورسوله يدلّ على انتفاء النهي عند انتفاء الخيانة) فانّ الامام عليه‌السلام في هذه الرّواية ، بعد ما نهى عن الرّجوع الى المخالف ، علّله : بانه خائن ، وظاهر هذه العلّة : إنه إذا لم يكن خائنا جاز الأخذ منه ، لأنّ التعليل يعمّم ويخصص ـ كما بحث سابقا ـ.

__________________

(١) ـ الغيبة للطوسي : ص ٣٩٠ ، بحار الانوار : ج ٢ ص ٢٥٢ ب ٢٩ ح ٧٢ وفيه (بما رووا).

٤٩

المكشوف عنه بالوثاقة ، فانّ الغير الاماميّ الثقة ، مثل ابن فضّال وابن بكير ، ليسوا خائنين في نقل الرّواية. وسيأتي توضيحه عند ذكر الاجماع إنشاء الله تعالى.

وامّا الاجماع

فتقريره من وجوه :

أحدها :

الاجماع على حجّية خبر الواحد في مقابل السيّد وأتباعه ، وطريق تحصيله أحد وجهين ،

______________________________________________________

ومن المعلوم : انتفاء الخيانة (المكشوف عنه بالوثاقة ، فانّ غير الامامي الثقة ، مثل ابن فضّال ، وابن بكير ، ليسوا خائنين في نقل الرّواية) فاذا قال : لا تؤمن مالك عند زيد لأنّه خائن دلّ على جواز الائتمان عند عمرو الذي ليس بخائن (وسيأتي توضيحه عند ذكر الاجماع إنشاء الله تعالى).

هذا ، ولكن العمدة في جواز الأخذ باخبار الثقاة من غير الشيعة : السيرة القطعية المستمرة الى زمانهم عليهم‌السلام وإلّا فلربّما يقال : انّ الخيانة تسبب سقوط حجّية خبره كما تسبّب سقوط فتواه وقضائه وشهادته.

(وأمّا الاجماع) وهو الدليل الرابع على حجّية خبر الواحد (فتقريره من وجوه : أحدها : الاجماع على حجّية خبر الواحد في مقابل السيّد وأتباعه) الذين قالوا بعدم حجّية الاجماع ، فالخارج من الاجماع هو السيّد وأتباعه ، ولأنهم معلومو النسب لا يضرّ مخالفتهم للاجماع ، (وطريق تحصيله) أي : تحصيل الاجماع المذكور (أحد وجهين) : الأوّل : استقراء الفتاوى ، فانّا إذا استقرينا فتاوى العلماء واحدا واحدا ، حصل لنا العلم باجماعهم على حجّية خبر الواحد.

٥٠

على سبيل منع الخلوّ.

أحدهما : تتبّع أقوال العلماء من زماننا إلى زمان الشيخين ، فيحصل من ذلك القطع بالاتفاق الكاشف عن رضى الامام عليه‌السلام ، بالحكم أو عن وجود نصّ معتبر في المسألة. ولا يعتنى بخلاف السيّد وأتباعه ، إمّا لكونهم معلومي النسب ، كما ذكر الشيخ في العدّة ،

______________________________________________________

الثاني : استقراء الاجماعات المنقولة ، فانّا إذا استقرينا الاجماعات كذلك حصل لنا العلم ـ أيضا ـ باجماعهم على حجيّة خبر الواحد.

وذلك (على سبيل منع الخلوّ) لا على سبيل القضيّة الحقيقية الذي يمنع كلّ طرف الطرف الآخر ، مثل العدد إما زوج أو فرد ، ولا على سبيل منع الجمع ، لأنّه يمكن تحصيل الاجماع بكلا الوجهين المذكورين ، وإنّما على سبيل منع الخلوّ ، يعني : إنّ أحد الاستقراءين : من استقراء الفتاوى ، أو استقراء الاجماعات يدل على ذلك ، ولا مانع من جمعهما.

(أحدهما : تتبّع أقوال العلماء من زماننا الى زمان الشيخين) : المفيد والطوسيّ رحمهم‌الله (فيحصل من ذلك) التتبع التام في فتاواهم المندرجة في كتبهم :

(القطع بالاتفاق ، الكاشف عن رضى الامام عليه‌السلام بالحكم) المذكور وهو العمل بالخبر الواحد. (أو) يكشف هذا التتبع (عن وجود نصّ معتبر في المسألة) وذلك النصّ المعتبر هو مستند هؤلاء العلماء الذين قالوا بحجّية خبر الواحد.

(ولا يعتنى بخلاف) أي بمخالفة (السيّد واتباعه) الذين قالوا بعدم حجّية الخبر الواحد وذلك (إما لكونهم معلومي النسب) فانّ مخالفة إنسان معلوم النسب من العلماء ، لا يضر في تحقق الاجماع المبني على الدخول (كما ذكر الشيخ) ذلك (في العدّة) ومضى الكلام فيه سابقا.

٥١

وإمّا للاطّلاع على أنّ ذلك لشبهة حصلت لهم ، كما ذكره العلّامة في النهاية ، ويمكن أن يستفاد من العدّة أيضا ، وإمّا لعدم اعتبار اتّفاق الكلّ في الاجماع على طريق المتأخّرين المبنيّ على الحدس.

______________________________________________________

(وإمّا للاطّلاع على انّ ذلك) أي : مخالفة السيّد وأتباعه ، للذين قالوا بحجّية خبر الواحد انّما هي (لشبهة حصلت لهم) فانّ الامامية في بحثهم مع العامة ، إذا أرادوا ردّ بعض الأخبار المكذوبة على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يتمكنوا من التصريح بكذبها ـ كأخبار بني امية ومن أشبههم ـ التجئوا الى القول : بأنّ خبر الواحد ليس بحجّة ، حتى يكون في ذلك جمعا بين تكذيب تلك الاخبار ، وعدم التصريح بأنّ أخبار العامة ليست بحجّة ، فتصور السيّد وأتباعه من ذلك انه مذهب لهؤلاء الفقهاء مع انه ليس كذلك.

ومن الواضح : انّ المخالف إذا علم ضعف مدركه في الخلاف لم يضر خلافه ذلك بالاجماع (كما ذكره العلّامة في النهاية) فانّ العلّامة علل عدم ضرر خلاف السيّد وأتباعه بهذه العلّة ، وهي : كونه لشبهة حصلت لهم.

(ويمكن ان يستفاد) هذا التوجيه ، الذي ذكرناه عن نهاية العلّامة (من العدّة) لشيخ الطائفة (أيضا) وعليه فشيخ الطائفة قد علل عدم ضرر خلاف السيّد للاجماع ، بوجهين لا بوجه واحد.

(وإمّا لعدم اعتبار اتّفاق الكلّ في الاجماع على طريق المتأخّرين المبنيّ على الحدس) فانّه قد سبق انّ الاجماع المعتبر عند المتأخرين ، هو : الحدس بقول الامام عليه‌السلام من أقوال الفقهاء إذا كان الحدس ضروريا ، كالحدس في باب الأهلّة ـ على ما ذكروا في المنطق ـ ومن المعلوم : انّ الحدس يحصل من اتفاق من عدا السيد وأتباعه.

٥٢

والثاني : تتبّع الاجماعات المنقولة في ذلك :

فمنها : ما حكي عن الشيخ قدس‌سره ، في العدّة في هذا المقام حيث قال :

«وامّا ما اخترته من المذهب ، فهو أنّ الخبر الواحد إذا كان واردا من طريق أصحابنا القائلين بالإمامة ـ وكان ذلك مرويّا عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو عن أحد الأئمة عليهم‌السلام ، وكان ممّن لا يطعن في روايته ويكون سديدا في نقله ، ولم يكن هناك قرينة تدلّ على صحّة ما تضمّنه الخبر ،

______________________________________________________

(والثاني : تتبّع الاجماعات المنقولة في ذلك) أي : في حجّية الخبر ـ كما ذكرناه ـ فانّا إذا تتبعنا الاجماعات المنقولة ، حصل لنا العلم بحجّية الخبر.

(فمنها) أي : من تلك الاجماعات المنقولة : (ما حكي عن الشيخ قدس‌سره في العدّة في هذا المقام) أي : في باب البحث عن حجية الخبر (حيث قال : وأمّا ما اخترته من المذهب فهو : أنّ الخبر الواحد إذا كان واردا من طريق أصحابنا القائلين بالامامة وكان ذلك) الخبر (مرويا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو عن أحد الأئمة عليهم‌السلام) لما تعرف : من إنّ أقوال المعصومين حجّة فقط بالنسبة الى أمتنا ، وإن كان بالنسبة الى الامم السابقة أقوال الأنبياء والأوصياء السابقون أيضا حجّة إذا لم ينسخ ، (وكان) الرّاوي (ممّن لا يطعن في روايته) بأن لم يكن متهما بالكذب ، أو بالجهالة في حاله ، بل عرفناه بالعدالة ، أو بالوثاقة على الاختلاف.

(ويكون سديدا في نقله) بأن يكون ضابطا لا كثير السهو والنسيان ، والغلط والاضطراب ، كما يتفق ذلك أحيانا في بعض الرّواة.

(ولم يكن هناك قرينة تدلّ على صحّة ما تضمّنه الخبر) بأن لم يكن الخبر محفوفا بالقرائن الدالة على صحة مضمونه من الكتاب ، أو السنّة ، أو الاجماع ، أو العقل.

٥٣

لانّه إذا كان هناك قرينة تدل على صحة ذلك ، كان الاعتبار بالقرينة ، وكان ذلك موجوبا للعلم ، كما تقدّمت القرائن ـ جاز العمل به.

والذي يدلّ على ذلك إجماع الفرقة المحقّة ، فانّي وجدتها مجمعة على العمل بهذه الاخبار التي رووها في تصانيفهم ، ودوّنوها في أصولهم ، لا يتناكرون ذلك ولا يتدافعون ، حتى انّ واحدا منهم إذا أفتى بشيء لا يعرفونه

______________________________________________________

وإنّما شرطنا هذا الشرط (لأنّه إذا كان هناك قرينة تدلّ على صحّة ذلك) الخبر (كان الاعتبار) والعمل (بالقرينة) لا بنفس الخبر ، وكلامنا نحن الآن في حجيّة الخبر بنفسه ، وإلّا فالقرينة الدالة على الحجّية توجب الاعتماد حتى على خبر الفاسق ونحوه (وكان ذلك) الاحتفاف بالقرينة هو بنفسه (موجبا للعلم ، كما تقدّمت القرائن) في كتاب العدة.

وعلى أي حال : فاذا اجتمع الخبر على هذه الشرائط (جاز العمل به ، والذي يدلّ على ذلك) أي : على جواز العمل بمثل هذا الخبر الجامع للشرائط (إجماع الفرقة المحقّة ، فانّي وجدتها) أي : الفرقة (مجمعة على العمل بهذه الأخبار التي رووها في تصانيفهم ، ودوّنوها في أصولهم) الأربعمائة ، أو المراد بالأصول : كل الاصول وهي أكثر من ذلك ، فانهم (لا يتناكرون ذلك) أي : لا ينكر أحد من الأمة جواز العمل بمثل هذا الخبر (ولا يتدافعون) أي : انّ أحدهم لا يدفع مثل هذا الخبر.

والتناكر والتدافع ، من باب التفاعل ، كأنه ينكر هذا وينكر ذاك عليه ، أو يدفع هذا ويدفع ذاك الى جانبه.

(حتى إنّ واحدا منهم) أي : من فقهاء الأمة (إذا أفتى بشيء لا يعرفونه) أي :

٥٤

سألوه من أين قلت هذا؟.

فاذا أحالهم على كتاب معروف أو أصل مشهور ، وكان راويه ثقة لا ينكر حديثه ، سكتوا وسلّموا الأمر وقبلوا قوله.

هذه عادتهم وسجيّتهم من عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومن بعده من الأئمة عليهم‌السلام ، إلى زمان جعفر بن محمّد عليهم‌السلام ، الذي انتشر منه العلم وكثرت الرّواية من جهته.

______________________________________________________

لا يعلمون وجه فتياه (سألوه) أي : سألوا ذلك العالم المفتي (من أين قلت هذا) الحكم؟.

(فاذا أحالهم على كتاب معروف) من الكتب الجامعة (أو أصل مشهور) من الاصول الأربعمائة وغيرها.

وربّما يفرق بين الكتاب والأصل ، بانّه لو كان فتاوى الرّاوي موجودا في الكتاب بالاضافة الى الرّوايات ، سمي كتابا وإلّا سمي أصلا.

(وكان راويه) أي : راوي ذلك الخبر (ثقة لا ينكر حديثه ، سكتوا وسلّموا الأمر وقبلوا قوله) بلا إشكال ولا مناقشة ، ممّا يدل على انّ الخبر الواحد حجّة عندهم حتى إذا استدل أحد المفتين بخبر واحد سكت طرفه ، لأنّه رأى إنّ فتواه المستندة الى الرّواية على طبق الدليل.

وكانت (هذه عادتهم) أي : عادة الفرقة المحقة (وسجيّتهم) ولعل الفرق بين العادة والسجيّة : إنّ العادة ما جرت عليه ظواهرهم ، والسجية ما جرت عليه بواطن أمرهم وقناعاتهم النفسيّة.

وذلك (من عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن بعده من الأئمة عليهم‌السلام ، إلى زمان جعفر بن محمّد عليهم‌السلام ، الذي انتشر منه العلم ، وكثرت الرّواية من جهته) أي : من ناحية

٥٥

فلو لا أنّ العمل بهذه الأخبار كان جائزا ، لما أجمعوا على ذلك ، لأنّ إجماعهم فيه معصوم لا يجوز عليه الغلط والسهو.

والذي يكشف عن ذلك : أنّه لمّا كان العمل بالقياس محظورا عندهم في الشريعة لم يعملوا به أصلا وإذا شذّ منهم واحد عمل به في بعض المسائل واستعمله

______________________________________________________

الامام الصادق عليه‌السلام ، فانّ الامام كان في عهد تنازع الخلفاء الأمويين والعباسيين ولهذا تمكن من نشر العلم ، حيث كان الخلفاء قد اشتغل بعضهم ببعض ، فلم يبق لهم مجال التعرض للامام الصادق عليه‌السلام.

وعليه : (فلو لا انّ العمل بهذه الأخبار) الواردة عن المعصومين عليهم‌السلام الجامعة للشرائط المذكورة (كان جائزا ، لما أجمعوا على ذلك) أي : على حجّيتها (لأنّ إجماعهم فيه معصوم) فانّ الفرقة المحقة من زمان النبي الى زمان الامام المهدي صلوات الله عليهم أجمعين كان فيهم المعصوم ، فاذا أجمعوا فالمعصوم داخل فيهم ، والاجماع الدخولي حجّة قطعا ، لأنه (لا يجوز عليه) أي : على المعصوم (الغلط والسّهو) والنسيان والاشتباه ، وما أشبه ذلك.

(والذي يكشف عن ذلك) أي : عن اجماع الفرقة على العمل بالخبر الجامع للشرائط (انّه لما كان العمل بالقياس محظورا) ومحرما (عندهم) أي : عند الفرقة (في الشريعة لم يعلموا به أصلا) ولم يأخذوه مستندا في الأحكام إطلاقا.

(وإذا شذّ) أي : ندر بمعنى : الندرة الخارجة عن الموازين ، وقد تقدّم الفرق بين الشذوذ والندرة (منهم) أي : من الفرقة المحقة (واحد) كابن الجنيد ـ مثلا ـ حيث إنّه كان يعمل بالقياس ، لاسكات خصمه والتغلب عليه.

فاذا رأوه قد (عمل به) أي : بالقياس (في بعض المسائل واستعمله) أي

٥٦

على وجه المحاجة لخصمه وان لم يكن اعتقاده ، ردّوا قوله ، وأنكروا عليه ، وتبرءوا من قوله ، حتى انّهم يتركون تصانيف من وصفناه ورواياته لما كان عاملا بالقياس. فلو كان العمل بالخبر الواحد جرى بذلك المجرى لوجب فيه أيضا مثل ذلك ، وقد علمنا خلافه.

فان قيل : كيف تدّعون إجماع الفرقة المحقّة

______________________________________________________

القياس (على وجه المحاجّة لخصمه) بأن استدل بالقياس لتأييد فتواه ضد خصمه (وإن لم يكن اعتقاده) على حجّية القياس وإنما استدل به احتجاجا ، لا استنادا (ردّوا قوله ، وأنكروا عليه ، وتبرّءوا من قوله) واجتنبوه.

(حتى إنهم يتركون تصانيف) وكتب (من وصفناه) يعمل بالقياس حتى على وجه المحاجّة والمخاصمة ، فكيف اذا كان على وجه الاستناد والاستدلال؟ (و) تركوا (رواياته لما كان) مثل ابن الجنيد ـ مثلا ـ (عاملا بالقياس) حتى احتجاجا.

وعليه : (فلو كان العمل بالخبر الواحد جرى بذلك المجرى) أي : بأن كان العمل بالخبر الواحد عند الطائفة المحقة ممنوعا ، كما إن العمل بالقياس ممنوع عندهم (لوجب فيه أيضا مثل ذلك) الإنكار الذي أنكروه على من عمل بالخبر الواحد وللزم عليهم ترك كتبه وروايته.

(و) لكن (قد علمنا خلافه) أي : علمنا بأن الخبر الواحد ليس كالقياس في ترك العمل به عندهم ، بل قد تقدّم : انه اذا سئل أحدهم عن مصدر فتواه ، فأجاب بأنّه موجود في رواية كذا ، قبلوا منه وسكتوا عليه ، فهذا دليل على حجيّة الخبر عندهم دون القياس ، وانّ بين القياس والخبر بون شاسع.

ثم قال الشيخ في العدة : (فان قيل : كيف تدّعون إجماع الفرقة المحقّة

٥٧

على العمل بخبر الواحد ، والمعلوم من حالها انها لا ترى العمل بخبر الواحد ، كما أنّ المعلوم أنّها لا ترى العمل بالقياس ، فان جاز إدّعاء احدهما ، جاز ادعاء الآخر.

قيل له : المعلوم من حالها الذي لا ينكر أنّهم لا يرون العمل بخبر الواحد ، الذي يرويه مخالفوهم في الاعتقاد ويختصون بطريقه ، فأمّا ما كان رواته منهم

______________________________________________________

على العمل بخبر الواحد ، والمعلوم من حالها) أي : حال الفرقة المحقّة (أنّها لا ترى) ولا تجيز (العمل بخبر الواحد ، كما أنّ المعلوم : انّها لا ترى العمل بالقياس ، فان جاز ادّعاء احدهما ، جاز إدّعاء الآخر؟) أيضا.

ولعل هذا المستشكل رأى كلام السيّد المرتضى في عدم حجيّة خبر الواحد ، ورأى إن السيّد المرتضى متقدّم على شيخ الطائفة ، فقدّم قول السيّد على قول الشيخ وقاس الخبر بالقياس ، وقال : كما انّ الفرقة لا تعمل بالقياس ، كذلك لا تعمل بالخبر ، فهما سيان من جهة عدم جواز الاستناد اليهما.

(قيل له : المعلوم من حالها) أي حال الفرقة (الذي) ذلك المعلوم (لا ينكر) عند أحد (أنّهم لا يرون العمل بخبر الواحد ، الذي يرويه مخالفوهم) أي مخالفوا الفرقة المحقّة (في الاعتقاد) فانّهم لا يعلمون بخبر الذي يخالف اعتقاده عقائد الشيعة (و) لا يعملون بالخبر الذي (يختصّون) أي يختص المخالفون (بطريقه) أي : بطريق ذلك الخبر ، فانّ الخبر قد يرويه الشيعي وقد يرويه المخالف ، وقد يرويه كلاهما ، فاذا رواه الشيعي ، أو رواه كلاهما ، عملوا به ، أما اذا رواه المخالف فقط ، لا يعلمون به.

(فأما ما كان) من (رواته منهم) أي : من نفس الفرقة المحقة

٥٨

وطريقة اصحابهم ، فقد بيّنا أنّ المعلوم خلاف ذلك ، وبيّنا الفرق بين ذلك وبين القياس ، وأنّه لو كان معلوما حظر العمل بالخبر الواحد ، لجرى مجرى العلم بحظر القياس ، وقد علم خلاف ذلك.

فان قيل : أليس شيوخكم لا يزالون يناظرون خصومهم في أنّ خبر الواحد لا يعمل به ، ويدفعونهم عن صحّة ذلك ، حتى انّ منهم من يقول : لا يجوز ذلك عقلا ، ومنهم من يقول : لا يجوز ذلك سمعا ، لان الشرع لم يرد به.

______________________________________________________

(و) كان (طريقة) أي طريق ذلك الخبر (أصحابهم) الاماميون (فقد بيّنا : انّ المعلوم خلاف ذلك) فانّهم مجمعون على العمل به دون القياس فانهم مجمعون على عدم العمل به.

(وبيّنا : الفرق بين ذلك) الخبر (وبين القياس ، و) بيّنا : (انه لو كان معلوما) أي : لو علم (حظر) أي : منع (العمل بالخبر الواحد ، لجرى) حظر العمل بالخبر الواحد (مجرى العلم بحظر القياس ، و) الحال (قد علم خلاف ذلك) فحرمة القياس عندهم بديهي ، بينما العمل بالخبر الجامع للشرائط عندهم اجماعي ـ كما تقدّم ـ.

(فان قيل : أليس شيوخكم) وعلماؤكم ، وكبار أساتذتكم (لا يزالون) حتى هذا اليوم (يناظرون) ويجادلون (خصومهم) من العامة (في أنّ خبر الواحد لا يعمل به ، ويدفعونهم) أي : يدفعون الخصوم (عن صحّة ذلك ، حتى انّ منهم من يقول : لا يجوز ذلك عقلا) لأنّه يلزم منه تحليل الحرام وتحريم الحلال ، وتفويت المصلحة وجلب المفسدة ، وما أشبه ذلك.

(ومنهم من يقول : لا يجوز ذلك سمعا ، لانّ الشرع لم يرد به) أي : بخصوصه شيء ، وكلّما لم يرد من الشرع بخصوصه شيء ، فالاصل عدم حجيّته.

٥٩

وما رأينا أحدا تكلّم في جواز ذلك ، ولا صنّف فيه كتابا ، ولا أملى فيه مسألة ، فكيف أنتم تدّعون خلاف ذلك؟.

قيل له : من أشرت إليهم من المنكرين للأخبار الآحاد ، إنّما تكلّموا من خالفهم في الاعتقاد ودفعوهم من وجوب العمل بما يروونه من الأخبار المتضمنة للأحكام التي يروون خلافها.

______________________________________________________

(وما رأينا أحدا تكلّم في جواز ذلك) أي جواز العمل بالخبر الواحد (ولا صنّف فيه كتابا ، ولا أملى فيه مسألة) فانّ من عادتهم كان القاء المسائل على التلاميذ ، ثم إنّ التلاميذ ـ أو هم بأنفسهم ـ كانوا يكتبون تلك المسائل المتفرّقة في كتاب يسمونه : بالأمالي.

(فكيف أنتم تدّعون خلاف ذلك؟) وتقولون : بأن الأصحاب أجمعوا على العمل بالخبر الواحد؟.

(قيل له) إنّ (من أشرت إليهم من) العلماء (المنكرين للأخبار الآحاد) أي : لحجيتها إنّما أنكروا ذلك لأجل ردّ أخبار الخصوم التي عملوا بجعليتها ـ كما تقدّم ـ لا أنهم أنكروا ذلك حقيقة ، فانّهم (إنما تكلّموا مع من خالفهم في الاعتقاد) فانّ العامة بأقسامهم المختلفة كانوا مخالفين للامامية في العقيدة ، وكان عند اولئك أخبار مجعولة أراد الامامية رفضها.

(ودفعوهم من وجوب العمل بما يروونه) أي : العامة (من الاخبار المتضمّنة للأحكام التي يروون) أي : الخاصة (خلافها) فالشيعة لم يقصدوا بالمنع ، منع حجّية الخبر الواحد مطلقا ، وإنما منع حجية أخبار العامة المعارضة بأخبار الخاصة ، أو الاخبار التي انفردوا بها ممّا لا دليل على صحتها وحجيّتها ـ لما عرفت ـ سابقا : من ان الشيعة يرون حجيّة أخبار الثقاة.

٦٠