الوصائل إلى الرسائل - ج ٤

آية الله السيد محمد الشيرازي

الوصائل إلى الرسائل - ج ٤

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة عاشوراء للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7263-03-1
ISBN الدورة:
964-7263-04-X

الصفحات: ٤٠٠

عند عدم العلم الشّامل لصورة الظّنّ. فيحصل الظّنّ بترخيص الشّارع لنا في ترك مراعاة الظنّ بالضّرر ، وهذا القدر يكفي في عدم الظّنّ بالضّرر.

وتوهم : «أنّ تلك الأخبار الظّنّيّة لا تعارض العقل المستقلّ بدفع الضّرر المظنون» ،

______________________________________________________

نهي» (١) بالنّسبة إلى البراءة ، وذلك (عند عدم العلم) بالحكم (الشّامل لصورة الظّنّ).

فإنّه إذا لم يكن علم بالحكم فسواء كان غير العلم بالحكم ، أو شكّا بالحكم أو وهما بالحكم ، يكون المرجع الاستصحاب والبراءة ، لشمول أخبارهما لصورة عدم العلم : من الظّنّ بالحكم ، أو الشّكّ بالحكم ، أو الوهم بالحكم (فيحصل الظّنّ بترخيص الشّارع لنا في ترك مراعاة الظّنّ بالضّرر) فإنّ أخبار الاستصحاب والبراءة توجب الظّنّ المعتبر الّذي هو حجّة : بأنّ الشّارع رخّص لنا في ترك الواجب وفعل الحرام.

(وهذا القدر) من ترخيص الشّارع (يكفي في عدم الظّنّ بالضّرر) أي : الظّنّ بالبراءة إذ الظّنّ بالبراءة ، والظّنّ بالاستصحاب حجّة ، فلا يقاومه الظّنّ بالضّرر في ترك الواجب المظنون ، أو فعل الحرام المظنون.

(وتوهم إنّ تلك الأخبار) الدّالّة على البراءة والاستصحاب (الظنّيّة) لأنّ الفرض إنّا لا نقطع بذلك قطعا وجدانيّا ، والأخبار الظّنّيّة (لا تعارض العقل المستقل بدفع الضّرر المظنون) فإذا وقع التّعارض بين الأخبار وبين العقل ، قدّم

__________________

(١) ـ وسائل الشيعة : ج ٦ ص ٢٨٩ ب ١٩ ح ٧٩٩٧ وج ٢٧ ص ١٧٤ ب ١٢ ح ٣٣٥٣٠ ، من لا يحضره الفقيه : ج ١ ص ٣١٧ ، غوالي اللئالي : ج ٣ ص ١٦٦ ح ٦٠ وص ٤٦٢ ح ١.

٢٨١

مدفوع بأنّ الفرض أنّ الشّارع لا يحكم بجواز الاقتحام في مظانّ الضّرر ، إلّا عن مصلحة يتدارك بها الضّرر المظنون على تقدير ثبوته ، فحكم الشّارع ليس مخالفا للعقل ، فلا وجه لاطراح الأخبار الظّنّيّة الدّالّة على هذا الحكم الغير المنافي لحكم العقل.

ثمّ إنّ مفاد هذا الدّليل

______________________________________________________

العقل على الأخبار (مدفوع : بأنّ الفرض : أنّ الشّارع لا يحكم بجواز الاقتحام في مظانّ الضّرر ، إلّا عن مصلحة يتدارك بها الضّرر المظنون ـ على تقدير ثبوته) أي : ثبوت الضّرر المظنون فتكون الأخبار حاكمة على العقل ، إذ العقل يدلّ على إنّ الضرر المظنون لا يجوز اقتحامه والأخبار تقول : إنّه لا ضرر في المقام ، فيرفع موضوع حكم العقل بوجوب الاجتناب.

وعليه : (فحكم الشّارع) بجواز الاقتحام (ليس مخالفا للعقل ، فلا وجه لاطراح الأخبار الظّنّيّة الدّالّة على هذا الحكم) أي : الاستصحاب والبراءة ، فإنّ كلا منهما وإن كان منافيا لدفع الضّرر المظنون ، لكن (غير المنافي لحكم العقل) بل الشّارع قد أضاف بذلك علما جديدا إلى معلومات العقل ، وهو أنّه لا ضرر غير متدارك في المقام ، بحيث إنّه لو لم يكن حكم الشّارع هذا ، لكان العقل يرى إنّه ضرر غير متدارك.

وبذلك ظهر : إنّه لا مجال لأن يقال : إنّ الحكم العقلي قطعيّ والتّدارك ظنّيّ ، ولا يرفع اليد عن القطعي بالظّنّ.

لانّه يقال : إنّ التّدارك قطعي أيضا ، لأنّ الظّنّ ينتهي إلى القطع.

(ثمّ إنّ مفاد هذا الدّليل) الأوّل الّذي ذكروه للانسداد : ـ من انّ في مخالفة المجتهد لما ظنّه من لحكم الوجوبي أو التحريمي مظنّة للضّرر ، ودفع الضّرر

٢٨٢

هو وجوب العمل بالظّنّ إذا طابق الاحتياط لا من حيث هو.

وحينئذ : فإذا كان الظّنّ مخالفا للاحتياط الواجب ، كما في صورة الشّكّ في المكلّف به ، فلا وجه للعمل بالظّنّ حينئذ.

ودعوى الاجماع المركّب ، وعدم القول بالفصل ، واضحة الفساد ،

______________________________________________________

المظنون لازم ـ (هو وجوب العمل بالظّنّ إذا طابق) الظّنّ (الاحتياط) من حيث العمل (لا من حيث هو) ظنّ وإن لم يطابق.

وإنّما كان مفاد الدّليل : العمل بالظّنّ إذا طابق الاحتياط ، هو لأنّ في مخالفة الواجب والحرام مظنّة العقاب ، أمّا مخالفة الظّنّ الدّال على النّدب أو الكراهة أو الاباحة ، فليست المخالفة فيها مظنّة للعقاب.

ومن المعلوم : إنّ الظّنّ بالوجوب ، أو الظنّ بالتّحريم ، يطابق الاحتياط ، فإنّ الاحتياط هو : أنّ يأتي الانسان بمظنون الوجوب ويترك مظنون الحرمة.

(وحينئذ) أي : حين كان وجوب العمل بالظّنّ فيما إذا طابق الاحتياط (فإذا كان الظّنّ مخالفا للاحتياط الواجب) لا الاحتياط المندوب ، إذ الاحتياط في أطراف العلم الاجمالي واجب ، بينما الاحتياط في أماكن أخر ، غير واجب (كما في صورة الشّكّ في المكلّف به) بأن علم التّكليف لكن تردّد بين أن يكون التّكليف متعلّقا بهذا الشّيء ، أو بذاك الشّيء (فلا وجه للعمل بالظّنّ حينئذ) لأنّ البراءة والاستصحاب وما أشبه لا يتمكن من أن يقاوم العلم الاجمالي.

(ودعوى الاجماع المركّب ، وعدم القول بالفصل) أي : إنّ كلّ من يقدّم الظّنّ في غير مخالف الاحتياط ، يقدّم الظّنّ مطلقا حتّى في مخالف الاحتياط ، فالبراءة والاستصحاب محكمان ، سواء كان في طرفهما الاحتياط أم لا ، فهي دعوى (واضحة الفساد).

٢٨٣

ضرورة انّ العمل في الصّورة الأولى لم يكن بالظّنّ من حيث هو ، بل من حيث كونه احتياطا.

وهذه الحيثيّة نافية للعمل بالظّنّ في الصّورة الثّانية.

فحاصل ذلك العمل بالاحتياط كلّيّة وعدم العمل بالظّنّ رأسا.

______________________________________________________

وذلك لأنّه لا إجماع مركّب في المقام ، ولا عدم القول بالفصل (ضرورة إنّ العمل في الصّورة الأولى) وهي صورة مطابقة الظّنّ للاحتياط (لم يكن) ذلك العمل (بالظّنّ من حيث هو) ظنّ (بل من حيث كونه احتياطا) فيكون الاعتماد هنا على الاحتياط لا على الظّنّ بما هو ظنّ.

(وهذه الحيثيّة) أي : حيثيّة كون الظّنّ مطابقا للاحتياط (نافية للعلم بالظّنّ في الصّورة الثّانية) وهي فيما إذا كان الاحتياط مخالفا للظّنّ.

(فحاصل ذلك) الّذي ذكرنا : من العمل بالظّنّ الاستصحابي ونحوه ، هو عبارة عن (: العمل بالاحتياط كلّيّة) أي : في كلا المقامين ، (وعدم العمل بالظّنّ رأسا) لانه حتّى في مورد العمل بالظّنّ ، لم يكن العمل بالظّنّ بما هو ظنّ ، بل هو عمل الاحتياط على ما عرفت.

لكن لا يخفى : إنّه يرد على ما ذكره المصنّف ما أورد عليه المحقّق الآشتياني بقوله : «لا يخفى عليك : إنّ المدّعى : هو حجّيّة الظّنّ ، بحيث يكون مثبتا لمدلوله وطريقا إليه شرعا ـ مطلقا ـ سواء قام على الحكم الالزامي أو غيره ، وسواء وافق الاحتياط ، كما إذا كان مفاده إثبات جزئيّة ما شكّ في جزئيّته ، أو شرطيّته ، أو خالفه ، كما إذا كان مفاده تعيين الواجب المردد بين المتباينين في الشّكّ في المكلّف به».

ومن المعلوم : عدم وفاء الوجه المذكور ـ على تقدير تماميّته ـ بإثبات هذا

٢٨٤

ويمكن أنّ يراد أيضا بأنّها قاعدة عمليّة لا تنهض دليلا ، حتّى ينتفع به في مقابل العمومات الدّالّة على الحكم غير الضّرري ، وقد يشكل بأنّ المعارضة

______________________________________________________

المدّعى ، فإنّ مرجعه إلى الاحتياط في مورد قيام الظّنّ على الحكم الالزامي ، فلا يشمل فيما لو قام على غيره من الأحكام الثّلاثة ، كما إنّه لا يشمل فيما لو قام على تعيين المكلّف به ، فيما يقتضي الاحتياط في المسألة الفرعيّة : الجمع بين المحتملين.

وإثبات المدّعى وتماميّته من الجهتين : بالإجماع المركّب وعدم القول بالفصل كما ترى ، إذ من قال بحجّيّة الظّنّ لا يفرّق بين ما أريد قيامه ومفاده ، لا من يعمل به من باب الاحتياط ، فانّه لا معنى لعدم تفصيله ، بل لا بدّ له من القول بالتّفصيل ، فإنّ الحيثيّة الموجبة للعمل به نافية له فيما خالف الاحتياط.

(ويمكن إنّ يراد أيضا) بقاعدة دفع الضّرر المظنون ، الّذي استدلّ به جماعة لأجل حجّيّة الظّنّ مطلقا (: بأنّها قاعدة عمليّة) شرّعت في مقام العمل ، لا أنّها قاعدة أوّليّة فهي مثل الاستصحاب ، والبراءة ، وما أشبه ، ممّا هي محكومة بالأدلّة اللفظيّة كما قالوا : إنّ الاصول الأربعة ينتهي إليها الفقيه في مقام العمل ، ف (لا تنهض) هذه القاعدة (دليلا ، حتّى ينتفع به في مقابل العمومات الدّالّة على الحكم غير الضّرري) أي : الأحكام الثّلاثة : من النّدب والكراهة والاباحة.

فالأدلة الدّالّة على هذه الأحكام الثّلاثة ، لا تدع مجالا لقاعدة دفع الضّرر المظنون ، وإن ظننا في مورد هذه الأحكام الثّلاثة ظنّا بالضّرر ، فإذا كان هناك دليل على استحباب الدّعاء عند رؤية الهلال ، وظننّا الوجوب ممّا معناه : الظّنّ بالعقاب في ترك الدّعاء ، قدّم الدّليل على هذه القاعدة.

(وقد يشكل) ما ذكره بقوله : ويمكن أن يراد أيضا الخ (بأنّ المعارضة

٢٨٥

حينئذ يقع بين هذه القاعدة وبين الاصول اللفظية ، فإن نهضت للحكومة على هذه القاعدة جرى ذلك أيضا في البراءة والاستصحاب النّافيين للتّكليف ، المرخّصين للفعل والتّرك ، المؤمنين من الضّرر ، فتأمّل.

الثّاني :

أنّه لو لم يؤخذ بالظّنّ لزم ترجيح المرجوح على الرّاجح ،

______________________________________________________

حينئذ) أي : حين كانت القاعدة في مورد الدّليل غير الضّرري (يقع بين هذه القاعدة وبين الأصول اللفظيّة) وهي الأخبار الّتي تدلّ على الأحكام الثّلاثة المذكورة (فإن نهضت) الاصول اللفظيّة (للحكومة على هذه القاعدة جرى ذلك) أي : جرت الحكومة على القاعدة (أيضا في البراءة والاستصحاب النّافيين للتّكليف ، المرخّصين للفعل والتّرك ، المؤمنين من الضّرر) فكما إنّ الأدلّة اللفظيّة حاكمة على هذه القاعدة ، كذلك الأدلّة العمليّة الّتي تدلّ على البراءة والاستصحاب حاكمة عليها.

(فتأمّل) ولعلّ وجه الفرق بين الاصول اللفظيّة والاصول العمليّة : هو إنّ كون الاصول اللفظيّة حاكمة على قاعدة دفع الضّرر المظنون ، لا يلازم كون الاصول العمليّة أيضا حاكمة عليها ، إذ الاصول اللفظيّة تبيّن الحكم الواقعي ، بينما الاصول العمليّة تبيّن وجه العمل في مقام عدم وجود دليل.

ومن الواضح : إنّ القاعدة العقليّة بدفع الضّرر المظنون دليل ، فلا مجال للأصول العمليّة مع القاعدة ، فتقدّم القاعدة عليها ، بينما لا مجال للقاعدة مع الاصول اللفظيّة ، فتقدّم الاصول اللفظيّة عليها.

(الثّاني) من الأدلّة الأربعة الّتي ذكروها لحجّيّة الظّنّ مطلقا هو : (إنّه لو لم يؤخذ بالظّنّ ، لزم ترجيح المرجوح على الرّاجح) لأنّه كلّما كان هناك ظنّ ، كان

٢٨٦

وهو قبيح.

وربّما يجاب عنه : بمنع قبح ترجيح المرجوح على الرّاجح ، إذ المرجوح قد يوافق الاحتياط ، فالأخذ به حسن عقلا.

وفيه : أنّ المرجوح المطابق للاحتياط ، ليس العمل به ترجيحا للمرجوح ، بل هو جمع في العمل بين الراجح والمرجوح. مثلا ، إذا ظنّ عدم وجوب شيء وكان وجوبه مرجوحا ، فحينئذ الاتيان به من باب الاحتياط ليس طرحا للرّاجح في العمل ، لأنّ الاتيان لا ينافي عدم الوجوب.

______________________________________________________

في مقابله وهم ، والانسان مخيّر بين أن يأخذ بالوهم أو يأخذ بالظّنّ ، فإذا أخذ بالوهم لزم ترجيح المرجوح على الرّاجح (وهو قبيح) عقلا ، فلا يجوز ترك الظّنّ إلى الوهم.

(وربّما يجاب عنه : بمنع قبح ترجيح المرجوح على الرّاجح) وإنّما الممنوع عقلا : هو ترجّح المرجوح على الرّاجح ، كما إنّه يمنع عقلا : ترجح أحد المتساويين على الآخر (إذ المرجوح قد يوافق الاحتياط ، فالأخذ به حسن عقلا) فإذا قام الظّنّ ـ مثلا ـ على : أنّ الدّعاء عند رؤية الهلال مستحبّ ، والوهم : على وجوبه ، فإذا قرأه المكلّف باعتبار الوهم بالوجوب فهل أتى بالقبيح؟.

(وفيه) أي : في هذا الجواب. (: أنّ المرجوح المطابق للاحتياط ، ليس العمل به) أي : بذلك المرجوح (ترجيحا للمرجوح) على الرّاجح (بل هو) أي : العمل بالمرجوح المطابق للاختيار (جمع في العمل بين الرّاجح والمرجوح) فهو راجح من جهة الاحتياط ، ومرجوح من جهة الظّنّ المخالف له.

(مثلا : إذا ظنّ عدم وجوب شيء) كما ذكرنا في الدّعاء عند رؤية الهلال (وكان وجوبه مرجوحا) لانّه وهم في قبال الظّنّ (فحينئذ : الاتيان به من باب الاحتياط ، ليس طرحا للرّاجح في العمل ، لأنّ الاتيان لا ينافي عدم الوجوب) لأنّ

٢٨٧

وإن أريد الاتيان بقصد الوجوب المنافي لعدم الوجوب ، ففيه : إنّ الاتيان على هذا الوجه مخالف للاحتياط ، فإنّ الاحتياط هو الاتيان لاحتمال الوجوب ، لا بقصده.

وقد يجاب أيضا : بأنّ ذلك فرع وجوب التّرجيح ، بمعنى أنّ الأمر إذا دار بين ترجيح المرجوح الرّاجح ، كان الأوّل قبيحا.

وأمّا إذا لم يثبت وجوب التّرجيح ، فلا يرجح المرجوح ولا الرّاجح.

______________________________________________________

معنى عدم الوجوب : جواز الاتيان ، لا إنّ معناه : عدم جواز الاتيان ، حتّى ينافي الوهم بالوجوب.

(وإن أريد) أي : أراد المستدلّ بهذا الدّليل (: الاتيان بقصد الوجوب المنافي لعدم الوجوب) الّذي هو مظنون (ففيه : إنّ الاتيان على هذا الوجه) أي : بقصد الوجوب (مخالف للاحتياط ، فإنّ الاحتياط هو : الاتيان لاحتمال الوجوب ، لا بقصده) أي : لا بقصد الوجوب.

(وقد يجاب أيضا) أي : عن إشكاله : إنّه لو لم نأخذ بالظّنّ لزم الأخذ بالوهم والأخذ بالوهم في مقابل الأخذ بالظّنّ ترجيح للمرجوح على الرّاجح ، وترجيح المرجوح على الرّاجح قبيح (: بأنّ ذلك فرع وجوب التّرجيح) أي : إنّه فيما إذا دار الأمر بين الظّنّ والوهم ، قلنا : بلزوم تقديم الظّنّ على الوهم (بمعنى : إنّ الأمر إذا دار بين ترجيح المرجوح وترجيح الرّاجح ، كان الأوّل قبيحا) عند العقلاء.

(وأمّا إذا لم يثبت وجوب التّرجيح ، فلا يرجّح المرجوح ولا الرّاجح) وإنّما يعمل بمقتضى الأصول ـ فيما إذا لم يكن هناك علم ـ سواء طابق الرّاجح أو المرجوح ، وما نحن فيه من هذا القبيل ، لأنّا إذا علمنا بالأحكام علمنا بعلمنا ، وإذا لم نعلم بالأحكام أخذنا بمقتضى الاصول الأربعة : من البراءة ، والاحتياط ،

٢٨٨

وفيه : إنّ التّوقّف عن ترجيح الراجح أيضا قبيح ، كترجيح المرجوح ، فتأمّل جدا.

______________________________________________________

والتّخيير ، والاستصحاب ، فلا يلزم ترجيح المرجوح على الرّاجح ، وحتّى إذا طابق الاستصحاب ـ مثلا ـ الوهم ، لم يكن من ترجيح المرجوح على الرّاجح ـ الّذي هو الظّنّ ، بل هو من تحكيم الاستصحاب الّذي هو دليل في المقام.

هذا حسب ما فهمناه من قول المجيب ، الّذي ذكره المصنّف بقوله : «وقد يجاب أيضا» الخ. لكنّ المصنّف فهم من قد يجاب أمرا آخر ـ وهو : إنّ المجيب يريد أنّ يقول : قد يرجّح الانسان المرجوح على الراجح ، وقد يرجّح الرّاجح على المرجوح ، وقد يتوقّف في إنّه هل يجب ترجيح الرّاجح أو لا يجب؟ فأشكل عليه بقوله : (وفيه : إنّ التّوقف عن ترجيح الرّاجح أيضا قبيح ، كترجيح المرجوح) فكما إنّ الانسان يقبح عليه أنّ يرجح المرجوح على الرّاجح ، كذلك يقبح عليه أن يتوقّف ، فلا يدري : هل يلزم ترجيح الرّاجح ، أو لا يلزم ترجيح الرّاجح ، بأن يرى التّساوي في إنّه أيّهما رجح ، فلا بأس عليه؟.

(فتأمّل جدا) قال المصنّف في الحاشية وجه التأمّل : إنّ مراد المستدلّ من الرّاجح والمرجوح ما هو الأقرب إلى الغرض والأبعد عنه في النّظر ، ولا شكّ في وجوب التّرجيح بمعنى : العمل بالأقرب وقبح تركه مطلقا ، فلا فرض لعدم وجوب التّرجيح يرد به هذا الدّليل ، فلا فائدة في الردّ.

انتهى كلام المصنّف رحمه‌الله في حاشية الكتاب في وجه التأمّل ، وهو أعلم بمراده ، ولو لم يبيّن وجه التأمّل في الحاشية ، كان الأولى أنّ نقول : إنّ تأمّله فيما استفاده من كلام المجيب ، وإنّه أمر بالتّأمّل لاحتمال أن يكون كلام المجيب هو ما ذكرناه في الشّرح ، لا ما ذكره المصنّف ، ممّا يظهر من إيراده عليه.

٢٨٩

فالأولى : الجواب ، أولا ، بالنّقص بكثير من الظنون المحرّمة العمل بالإجماع أو الضّرورة.

وثانيا بالحلّ : وتوضيحه : تسليم القبح إذا كان التّكليف وغرض الشّارع متعلّقا بالواقع ولم يمكن الاحتياط ، فإنّ العقل قاطع بأنّ الغرض إذا تعلّق بالذّهاب إلى بغداد وتردّد الأمر بين طريقين ، أحدهما مظنون الايصال ، والآخر موهومه ، فترجيح الموهم قبيح ،

______________________________________________________

وحيث قد عرفت الاشكال فيما أجابوا به عن ثاني الأدلّة الأربعة القائل : «إنّه لو لم يؤخذ بالظّنّ ، لزم ترجيح المرجوح على الرّاجح وهو قبيح» أجاب المصنّف عنه بقوله : (فالأولى الجواب ، أولا : بالنّقض بكثير من الظنون المحرّمة العمل ، بالإجماع أو الضّرورة) كالظّنّ القياسي ، والظّنّ الحاصل من خبر الفاسق أو الكافر ، والظّنّ الحاصل من الأسباب غير العاديّة : كالجفر والرّمل ، وما أشبه ، والظّنّ الحاصل من مناسبات خارجية : كالاستحسان ، والمصالح المرسلة ، وطيران الغراب ، وجريان الميزاب ، فلو لزم الأخذ بالظّنّ في مقابل الوهم ، لزم الأخذ بهذه الظنون أيضا ، والحال إنّه لا يؤخذ بهذه الظّنون ، فلا دليل على الأخذ بالظّنّ في مقابل الوهم في الأحكام الشّرعيّة.

(وثانيا : بالحلّ ، وتوضيحه : تسليم القبح إذا كان التّكليف وغرض الشّارع متعلّقا بالواقع) بما هو واقع (ولم يمكن الاحتياط) فإنّه في هذه الصّورة يكون ترجيح غير الظّنّ على الظّنّ قبيحا (فإنّ العقل قاطع : بأنّ الغرض إذا تعلّق بالذّهاب إلى بغداد وتردّد الأمر بين طريقين : أحدهما : مظنون الايصال ، والآخر :

موهومه ، فترجيح الموهوم) على المظنون (قبيح) كما أنّ التّوقّف عن التّرجيح مع وجوب الذّهاب قبيح أيضا.

٢٩٠

لانّه نقض للغرض.

وأمّا إذا لم يتعلّق التّكليف بالواقع أو تعلق به مع إمكان الاحتياط ، فلا يجب الأخذ بالرّاجح ، بل اللّازم في الأوّل هو الأخذ بمقتضى البراءة ، وفي الثّاني الأخذ بمقتضى الاحتياط ، فإثبات القبح موقوف على إبطال الرّجوع إلى البراءة في موارد الظّنّ وعدم وجوب

______________________________________________________

وانّما كان الأمران قبيحين : (لانّه نقض للغرض) الّذي هو الذّهاب إلى بغداد.

(وأمّا إذا لم يتعلّق التّكليف بالواقع) بل تعلق بالواقع المعلوم ، أو المظنون بالظّنّ الخاصّ (أو تعلق به) أي : بالواقع (مع إمكان الاحتياط) كما إذا تعلّق التّكليف بالصّلاة في الثّوب الطّاهر ، وأمكن الاحتياط بالصّلاة في الثوبين المحتمل كون أحدهما طاهرا (فلا يجب الأخذ بالرّاجح) منهما.

(بل اللّازم في الأوّل :) وهو ما إذا لم يتعلّق التّكليف بالواقع بما هو واقع ، بل بالواقع المعلوم ، أو المظنون بالظّنّ المعتبر ـ مثلا ـ فإذا لم يعلم بالواقع ، كان المرجع البراءة ، لأنّ الشّارع قال : «رفع ما لا يعلمون» (١).

وعليه : فالتكليف (هو الأخذ بمقتضى البراءة) لأدلتها.

(وفي الثّاني :) وهو ما إذا تعلّق التّكليف بالواقع مع إمكان الاحتياط ، لزم (الأخذ بمقتضى الاحتياط) حسب العلم الاجمالي.

وعليه : (ف) قبح ترجيح المرجوح على الرّاجح ليس مطلقا ، وانّما (إثبات القبح موقوف على إبطال الرّجوع إلى البراءة في موارد الظّنّ ، وعدم وجوب

__________________

(١) ـ التوحيد : ص ٣٥٣ ح ٢٤ ، تحف العقول : ص ٥٠ ، الاختصاص : ص ٣١ ، وسائل الشيعة : ج ١٥ ص ٣٦٩ ب ٥٦ ح ٢٠٧٦٩.

٢٩١

الاحتياط فيها.

ومعلوم انّ العقل قاض حينئذ بقبح ترجيح المرجوح ، بل ترك ترجيح الرّاجح ، فلا بدّ من إرجاع هذا الدّليل إلى دليل الانسداد الآتي المركّب من بقاء التّكليف وعدم جواز الرّجوع إلى البراءة وعدم لزوم الاحتياط ، وغير ذلك من المقدّمات الّتي لا يتردّد الأمر بين الأخذ بالرّاجح والأخذ بالمرجوح إلّا بعد إبطالها.

______________________________________________________

الاحتياط فيها) أي : في موارد الظّنّ ، فقبح ترجيح الوهم على الظّنّ أو التّساوي بينهما ليس مطلقا ، بل في موارد عدم البراءة ، وعدم الاحتياط ، فاطلاق الدّليل على لزوم الأخذ بالظّنّ غير تامّ.

(ومعلوم : إنّ العقل قاض حينئذ) أي : حين عدم لزوم الرّجوع إلى البراءة ، وعدم لزوم الرّجوع إلى الاحتياط (بقبح ترجيح المرجوح) على الرّاجح (بل) قبح (ترك ترجيح الرّاجح) بأنّ يرى الأمرين متساويين فيختار الرّاجح أو المرجوح.

وعليه : (فلا بدّ من إرجاع هذا الدّليل إلى دليل الانسداد الآتي) تفصيله ، فانّه ليس دليلا مستقلا.

ومن المعلوم : إنّ دليل الانسداد هو الدّليل (المركّب من : بقاء التّكليف ، وعدم جواز الرّجوع إلى البراءة ، وعدم لزوم الاحتياط ، وغير ذلك من المقدّمات) الآتية ، والّتي منها : قبح ترجيح المرجوح على الرّاجح ، أو قبح التّساوي بين الرّاجح والمرجوح ، فاللّازم أنّ تتحقّق المقدّمات بالانسداد (الّتي لا يتردّد الأمر بين : الأخذ بالرّاجح ، والأخذ بالمرجوح ، إلّا بعد إبطالها) وإثبات تلك المقدّمات.

٢٩٢

الثّالث :

ما حكاه الأستاذ عن أستاذه عن السّيّد الطّباطبائي قدس‌سرهما ، من أنّه لا ريب في وجود واجبات ومحرّمات كثيرة بين المشتبهات ، ومقتضى ذلك وجوب الاحتياط بالإتيان بكلّ ما يحتمل الوجوب ولو موهوما ، وترك ما يحتمل الحرمة كذلك.

______________________________________________________

وحينئذ : فليس هذا الدّليل الثّاني لحجّيّة مطلق الظّنّ ، دليلا في قبال الانسداد.

وإن شئت قلت : إن تمّت مقدّمات الانسداد في هذا الدّليل الثّاني ـ لانّ هذا الدّليل الثّاني ذكر بعض مقدّمات الانسداد لا كلّها ـ فإذا انضم إلى هذا البعض سائر المقدّمات ، فليس هذا الدّليل الثّاني دليلا جديدا في قبال دليل الانسداد ، وإن لم تتمّ مقدّمات الانسداد ، فهذا الدّليل باطل في نفسه.

(الثّالث) من أدلّة حجّيّة الظّنّ مطلقا ، (ما حكاه الاستاذ) وهو شريف العلماء قدس‌سره (عن أستاذه : السّيّد الطّباطبائي) بحر العلوم (قدس‌سرهما من : انّه لا ريب في وجوب واجبات ومحرّمات كثيرة بين المشتبهات) فإنّ جملة من الأحكام نعلمها واجبات أو محرّمات ، وجملة من الأحكام لا نعلمها ، فهي مشتبهات كالدّعاء عند رؤية الهلال ـ مثلا ـ وجوبا ، وشرب التّتن ـ مثلا ـ تحريما.

(ومقتضى ذلك) العلم الاجمالي بوجود واجبات ومحرّمات كثيرة بين المشتبهات (وجوب الاحتياط بالإتيان بكلّ ما يحتمل الوجوب ولو موهوما ، وترك ما يحتمل الحرمة كذلك) أي : ولو موهوما ، وذلك لأنّ العلم الاجمالي يقتضي الاتيان بجميع الأطراف ، سواء كانت الأطراف متساوية ، أو الأطراف بين راجح ومرجوح ، فإذا علم الانسان بوجود إناء محرّم بين عشرة أواني ، فاللّازم أنّ يجتنب عن الكلّ ، سواء الكلّ في شكّه متساويا ، أو كان الحرام في الأحمر ـ مثلا ـ

٢٩٣

ولكن مقتضى قاعدة نفي العسر والحرج عدم وجوب ذلك كلّه ، لانّه عسر أكيد وحرج شديد.

فمقتضى الجمع بين قاعدتي الاحتياط ، وانتفاء الحرج ، العمل بالاحتياط في المظنونات دون المشكوكات والموهومات ، لانّ الجمع على غير هذا الوجه بإخراج بعض المظنونات

______________________________________________________

من تلك الأواني أرجح من كونه في الأبيض ـ مثلا ـ :

(ولكن مقتضى قاعدة نفي العسر والحرج) حيث إنّ الانسان إذا أراد أن يأتي بكلّ المشتبهات في أطراف الواجب ، ويترك كلّ المشتبهات في أطراف الحرام ، لزم منه العسر والحرج ، فيكون مقتضى هذه القاعدة (: عدم وجوب ذلك كلّه ، لانّه عسر أكيد وحرج شديد) ودليل العسر والحرج وارد على الأدلّة الأوليّة كما إنّها واردة على الأدلّة الثّانويّة أيضا ، مثل لزوم الاتيان بأطراف العلم الاجمالي.

وعليه : (فمقتضى الجمع بين قاعدتي : الاحتياط ، وانتفاء الحرج) لورود قاعدة انتفاء الحرج على قاعدة الاحتياط ، هو (: العمل بالاحتياط في المظنونات ، دون المشكوكات والموهومات).

أمّا إذا كان الحرج بمقدار الثّلث فقط ، فيعمل بالمظنونات والمشكوكات دون الموهومات ، لانّ المشكوكات أولى بالعمل من الموهومات. لا يقال : إذا كان في البعض عسر وحرج ، عملنا بالبعض الّذي لا عسر فيه في كلّ من المظنونات والمشكوكات والموهومات ، وتركنا البعض الآخر الّذي فيه عسر في كلّ من الثّلاثة.

لانّه يقال : ليس من الصّحيح أن نترك المظنون ونأخذ بالمشكوك والموهوم.

وذلك (لأنّ الجمع على غير هذا الوجه) الّذي ذكرناه : من الأخذ بالمظنونات ، دون المشكوكات والموهومات أي : بأن كان الجمع (بإخراج بعض المظنونات ،

٢٩٤

وإدخال بعض المشكوكات والموهومات باطل إجماعا.

وفيه انّه راجع إلى دليل الانسداد الآتي ، إذ ما من مقدّمة من مقدّمات ذلك الدّليل إلّا ويحتاج إليها في إتمام هذا الدّليل ، فراجع وتأمّل ، حتّى يظهر لك حقيقة الحال.

مع انّ العمل بالاحتياط في المشكوكات أيضا كالمظنونات ، لا يلزم منه حرج قطعا ، لقلّة موارد الشّكّ المتساوي الطّرفين ، كما لا يخفى ،

______________________________________________________

وإدخال بعض المشكوكات والموهومات) فانّه (باطل إجماعا).

فانّ العقلاء كافّة متّفقون على أنّ المظنون ، أولى من المشكوك والموهوم ، فإذا اضطر الانسان إلى شرب ثلاث أوان من تسع أوان وكان بينها سمّ ، فظنّ بعدم السّمّ في الأواني البيض ، ووهم بالسّمّ في الأواني الحمر ، وشكّ بالسّمّ في الأواني الصفر ، فانّ العقلاء كافة يلزمونه بشرب الأواني البيض ، لا أن يشرب ثلاثا : واحدا من البيض ، وواحدا من الحمر ، وواحدا من الصّفر.

(وفيه) أي في هذا الدّليل الثّالث (إنّه راجع إلى دليل الانسداد الآتي إذ ما من مقدّمة من مقدّمات ذلك الدّليل) الانسدادي (إلّا ويحتاج إليها) أي : إلى تلك المقدّمة (في إتمام هذا الدّليل) الثّالث.

(فراجع ، وتأمّل ، حتّى يظهر لك حقيقة الحال) وتعلم بأنّ هذا الدّليل هو دليل الانسداد وليس دليلا جديدا.

(مع إنّ) هذا الدّليل الثّالث يرد عليه إشكال آخر وهو : إنّ (العمل بالاحتياط في المشكوكات أيضا كالمظنونات ، لا يلزم منه حرج قطعا) فاللّازم حسب هذا الدّليل أن يعمل بالمشكوكات والمظنونات ، لا ان يعمل بالمظنونات فقط (لقلّة موارد الشّكّ المتساوي الطرفين ، كما لا يخفى) على من راجع الفقه ، فإنّ الغالب

٢٩٥

فيقتصر في ترك الاحتياط على الموهمات فقط.

ودعوى : «إنّ كلّ من قال بعدم الاحتياط في الموهومات ، قال بعدمه أيضا في المشكوكات» ، في غاية الضّعف والسّقوط.

______________________________________________________

هو الظّنّ ، وفي قباله الوهم (فيقتصر في ترك الاحتياط على الموهومات فقط) لا كما ذكره الدّليل الثّالث : من إنّه يقتصر على المظنونات فقط.

(ودعوى : إنّ كلّ من قال بعدم الاحتياط في الموهومات ، قال بعدمه أيضا في المشكوكات) فهناك إجماع مركّب على إنّ المشكوكات لا يعمل بها ، فهذه الدّعوى (في غاية الضّعف والسّقوط) لانّ القائلين بالانسداد قليلون جدا ، ولا يتحقّق الاجماع المركّب بسبب قلّة القائلين.

وصلى الله على محمّد وآله الطيبين الطاهرين ، والحمد لله ربّ العالمين.

سبحان ربّك ربّ العزّة عمّا يصفون

وسلام على المرسلين والحمد لله ربّ العالمين

* * *

٢٩٦

الوصائل

الى

الرسائل

تتمّة بحث الظن

«دليل الانسداد»

٢٩٧
٢٩٨

الدّليل الرابع :

هو الدّليل المعروف بدليل الانسداد ، وهو مركّب من مقدّمات :

الاولى : انسداد باب العلم والظنّ الخاصّ في معظم المسائل الفقهيّة.

الثانية : أنّه لا يجوز لنا إهمال الأحكام المشتبهة وترك التعرّض لامتثالها ، بنحو من أنحاء امتثال الجاهل العاجز عن العلم التفصيليّ ، بأن نقتصر في الاطاعة على التكاليف القليلة المعلومة تفصيلا ، أو بالظنّ الخاص القائم مقام العلم بنصّ الشارع ،

______________________________________________________

(الدّليل الرابع : هو الدّليل المعروف بدليل الانسداد) وقد أشار إليه شيخ الطائفة في العدّة ، وذكره صاحب المعالم دليلا رابعا للمقام (وهو مركب من مقدّمات) اختلفوا في عددها ، ونحن نتبّع المصنّف في العدد وكيفية الترتيب.

(الأولى : انسداد باب العلم والظنّ الخاصّ) الذي يسمى بالعلميّ (في معظم المسائل الفقهيّة) فانّنا لا نعلم بالأحكام في تلك المسائل ، كما لم يرد فيها أخبار صحيحة صريحة غير صادرة للتقية بمعنى : صحة السّند ، ووجود الظهور ، وصحة المضمون.

(الثانية : أنّه لا يجوز لنا إهمال الأحكام المشتبهة ، وترك التعرّض لامتثالها) امتثالا (بنحو من أنحاء امتثال الجاهل العاجز عن العلم التفصيليّ) فانّ الجاهل بالأحكام ، العاجز عن امتثالها تفصيلا ، لا يجوز له ترك تلك الأحكام الّتي لا يعلمها ، وترك التعرّض لامتثالها ، وذلك (بأن نقتصر في الاطاعة على التكاليف القليلة المعلومة تفصيلا ، أو) المظنونة (بالظّن الخاصّ القائم مقام العلم بنصّ الشارع).

كما إذا نصّ الشارع على إنّ خبر الواحد ـ مثلا ـ قائم مقام العلم ، فنقتصر في

٢٩٩

ونجعل أنفسنا في تلك الموارد ممّن لا حكم عليه فيها كالأطفال والبهائم ، أو ممّن حكمه فيها الرّجوع إلى أصالة العدم.

الثالثة : أنّه إذا وجب التعرّض لامتثالها فليس امتثالها بالطرق الشرعيّة المقرّرة للجاهل ، من الأخذ بالاحتياط الموجب للعلم الاجماليّ بالامتثال أو الأخذ في كلّ مسألة بالأصل المتّبع شرعا في نفس تلك المسألة

______________________________________________________

أعمالنا على المعلومات والمظنونات على هذا النحو من الظنّ (ونجعل أنفسنا في تلك الموارد) أي : في الموارد المشتبه حكمها (ممّن لا حكم عليه فيها) فيجوز للانسان أن يعمل بمشتبه التحريم وأنّ يترك مشتبه الوجوب (كالأطفال والبهائم) الذين لا تكليف لهم.

(أو) بجعل أنفسنا في الموارد المشتبهة (ممّن حكمه فيها الرجوع الى أصالة العدم) أي : إنّه محكوم بحكم من الشرع ، وليس كالأطفال والبهائم ممّن رفع عنهم قلم التكليف ، وإنّما يكون حكمه أصالة العدم ، فإذا شك في وجوب شيء أجرى أصالة عدم الوجوب ، وإذا شك في حرمة شيء أجرى أصالة عدم الحرمة.

(الثالثة) من المقدمات (: إنّه إذا وجب التعرّض لامتثالها) أي : لامتثال تلك الأحكام الكثيرة المشتبهة عندنا (فليس امتثالها بالطرق الشرعيّة المقررة للجاهل) بالمكلّف به مع علمه بالتكليف (: من الأخذ بالاحتياط الموجب للعلم الاجمالي بالامتثال) ، فانّ من يحتاط ـ عند اشتباه القبلة ـ بإتيان أربع صلوات إلى أربع جهات ، فاتيانه بالصلوات الأربع يوجب أن يعلم إجمالا بأنّه امتثل الصلاة الى القبلة ، وكذا من اشتبه في انّ هذا الاناء خمر ، أو ذاك الاناء ، فيتركهما معا ، فانّه يوجب العلم الاجماليّ بأنّه ترك الحرام الموجود في البيّن.

(أو الأخذ في كل مسألة بالأصل المتّبع شرعا في نفس تلك المسألة ،

٣٠٠