الوصائل إلى الرسائل - ج ٤

آية الله السيد محمد الشيرازي

الوصائل إلى الرسائل - ج ٤

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة عاشوراء للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7263-03-1
ISBN الدورة:
964-7263-04-X

الصفحات: ٤٠٠

وحاصله : دعوى الاجماع القطعيّ على أنّ المرجع في الشريعة ـ على تقدير انسداد باب العلم في معظم الأحكام ، وعدم ثبوت حجّية أخبار الآحاد رأسا أو باستثناء قليل هو في جنب الباقي كالمعدوم. ـ ليس هو الاحتياط في الدين والالتزام بفعل كلّ ما يحتمل الوجوب ولو موهوما ، وترك كلّ ما يحتمل الحرمة كذلك.

وصدق هذه الدعوى مما يجده المنصف من نفسه بعد ملاحظة قلّة المعلومات ،

______________________________________________________

واضحة عندهم ، لأنّه يستلزم الخروج عن الدين.

(وحاصله :) أي : حاصل هذا المعنى : (دعوى الاجماع القطعيّ على أن المرجع في الشريعة على تقدير انسداد باب العلم في معظم الأحكام ، وعدم ثبوت حجّية أخبار الآحاد رأسا) بأن لا يكون خبر الواحد حجّة أصلا (أو باستثناء قليل هو في جنب الباقي كالمعدوم) أي : إنّ بعض الأخبار حجّة ، لكنّ هذا البعض ليس بقدر يعتدّ به.

فالمرجع حينئذ (ليس هو الاحتياط في الدّين والالتزام بفعل كلّ ما يحتمل الوجوب ولو موهوما) هذا في الوجوب (و) لا (ترك كلّ ما يحتمل الحرمة كذلك) أي : ولو موهوما ، وهذا في التحريم.

والحاصل : إنّ الاجماع في المقام تقديري وليس بإجماع تحقيقي ، والاجماع التقديري حجّة كالاجماع التحقيقي ، لأنّه اذا فرض تحقّق موضوعه يكون الاجماع عليه.

(وصدق في هذه الدعوى) أي : الاجماع القطعي التقديري (ممّا يجده المنصف من نفسه بعد ملاحظة قلّة المعلومات) في قبال كثرة المشكوكات

٣٦١

مضافا الى ما يستفاد من أكثر كلمات العلماء المتقدّمة في بطلان الرّجوع الى البراءة وعدم التكليف في المجهولات ، فانّها واضحة الدلالة في أنّ بطلان الاحتياط كالبراءة مفروغ عنه ، فراجع.

الثاني : لزوم العسر الشديد والحرج الأكيد في التزامه ،

______________________________________________________

من أول الفقه الى آخر الفقه.

وبذلك ظهر : إنّه لا مجال للاشكال على هذا الاجماع : بعدم وجود عنوان لهذه المسألة في كتب القدماء ، ولا اعتداد بدعوى الاجماع في المسائل المستحدثة ، فانّ قول المعصوم عليه‌السلام يستكشف من هذا الاجماع الحدسي ، كما يستكشف من الاجماع الحسّي ، وهذا الاجماع الحدسي التقديري (مضافا الى ما يستفاد من أكثر كلمات العلماء المتقدّمة في بطلان الرّجوع الى البراءة وعدم التكليف في المجهولات) و «عدم التكليف عطف على «البراءة».

(فانّها) أي : كلمات العلماء (واضحة الدلالة في أنّ بطلان الاحتياط كالبراءة مفروغ عنه ، فراجع) كلماتهم ، فانّه لو لم يكن وجوب الاحتياط أمرا مفروغا عن بطلانه عندهم ، لم ينحصر المناط بعد طرح أخبار الآحاد في الرّجوع الى البراءة حتى يلزم منه الرجوع من الدّين ، بل كان بالامكان أن يقال بالاحتياط ، كما ويستفاد من عدم تعرضهم لوجوب الاحتياط بعد طرح الأخبار ـ وتعرضهم لذكر إنّ الرجوع الى البراءة مستلزم للمحذور ـ إنّ وجوبه كان امرا مفروغا عن بطلانه والّا لتعرضوا له ، ولم يلزم محذور الرّجوع الى البراءة.

(الثاني : لزوم العسر الشديد والحرج الأكيد) وقد تقدّم الفرق بين العسر والحرج إذا اجتمعا معا ، بخلاف ما إذا ذكر أحدهما فانّه يشمل الآخر (في التزامه)

٣٦٢

لكثرة ما يحتمل موهوما وجوبه ، خصوصا في أبواب الطّهارة والصّلاة ، فمراعاته مما يوجب الحرج ، والمثال لا يحتاج اليه ، فلو بنى العالم الخبير بموارد الاحتياط ـ فيما لم ينعقد عليه إجماع قطعيّ أو خبر متواتر ـ على الالتزام بالاحتياط في جميع اموره يوما وليلة ، لوجد صدق ما ادّعيناه ، هذا كلّه بالنسبة الى نفس العمل بالاحتياط.

وامّا تعليم المجتهد موارد الاحتياط لمقلّده ، وتعلّم المقلّد موارد الاحتياط الشخصيّة وعلاج تعارض الاحتياطات وترجيح الاحتياط الناشئ عن الاحتمال القويّ على الاحتياط

______________________________________________________

أي : في التزام الاحتياط (لكثرة ما يحتمل موهوما وجوبه ، خصوصا في أبواب الطّهارة والصّلاة) بل وغيرهما أيضا ، كالحج ونحوه.

(فمراعاته) أي : الاحتياط (مما يوجب الحرج ، والمثال لا يحتاج إليه) أي : لا حاجة الى ذكر مثال لبيان إنّ الاحتياط يوجب العسر والحرج (فلو بنى العالم الخبير بموارد الاحتياط فيما لم ينعقد عليه إجماع قطعيّ ، أو خبر متواتر) أو ظنّ معتبر (على الالتزام بالاحتياط في جميع اموره) «على» متعلق بقوله «بنى العالم الخبير» ، بأن يحتاط (يوما وليلة ، لوجد صدق ما ادّعيناه) من العسر والحرج.

(هذا كلّه) الذي ذكرناه : من العسر والحرج إنّما هو (بالنسبة الى نفس العمل بالاحتياط) بأنّ أراد المكلّف أن يحتاط في اموره بالإتيان بالمشكوكات والموهومات.

(وأمّا تعليم المجتهد موارد الاحتياط لمقلّده ، وتعلّم المقلّد موارد الاحتياط الشخصيّة) ، ولو من الذين يعرفون مسائل المجتهدين (وعلاج تعارض الاحتياطات ، وترجيح الاحتياط الناشئ عن الاحتمال القوي على الاحتياط

٣٦٣

الناشئ عن الاحتمال الضعيف ، فهو امر مستغرق لأوقات المجتهد والمقلّد ، فيقع الناس من جهة تعليم هذه الموارد وتعلّمها في حرج يخلّ بنظام معاشهم ومعادهم.

توضيح ذلك : إنّ الاحتياط في مسألة التطهير بالماء المستعمل في رفع الحدث الأكبر ترك التطهير ،

______________________________________________________

الناشئ عن الاحتمال الضعيف) فان الترجيح قد يكون بترجيح الاحتمال القويّ على الاحتمال الضعيف ، وقد يكون بأهمية المحتمل وعدمه ، فاذا قامت الشهرة على الجهر بالبسملة في الصلاة الاخفاتية ـ مثلا ـ كان احتمال الجهر أقوى من الاخفات ، واذا كان الاحتياط من جهة أهمية المحتمل ، كما اذا دار الأمر بين كون هند ليست زوجة زيد ، بل خليّة ، وبين كونها زوجته ، فان كونها ليست زوجته أقرب الى الاحتياط لأنّها مسألة فرج.

(فهو) خبر لقوله «وأما تعليم المجتهد» الخ (أمر مستغرق لأوقات المجتهد والمقلّد ، فيقع النّاس من جهة تعليم هذه الموارد وتعلّمها في حرج يخلّ بنظام معاشهم ومعادهم).

أمّا اختلال المعاش : فلأنهم يتركون أمر المعاش ، لاستغراق وقتهم في التعليم والتعلم.

وأمّا اختلال المعاد ، فلأنهم يشتغلون بالتعلم عن إقامة الصلاة والحجّ ، وعن سائر المستحبات : كالزّيارات والأدعية والصلوات المندوبة ونحوها.

(توضيح ذلك) بمثال : (إنّ الاحتياط في مسألة التطهير بالماء المستعمل في رفع الحدث الأكبر : ترك التطهير) لأنّ جماعة من الفقهاء قالوا : بانّ الماء المستعمل في رفع الحدث الأكبر ، كالجنابة والحيض ، وما أشبه ، لا يصح التطهير به ،

٣٦٤

لكن قد يعارضه في الموارد الشخصيّة احتياطات أخر ، بعضها أقوى منه ، وبعضها أضعف ، وبعضها مساو ، فانّه قد يوجد ماء آخر للطهارة ، وقد لا يوجد معه الّا التراب ، وقد لا يوجد من مطلق الطهور غيره.

فانّ الاحتياط في الأوّل هو الطهارة من ماء آخر لو لم يزاحمه الاحتياط من جهة اخرى ، كما إذا كان قد أصابه ما لم ينعقد الاجماع على طهارته ؛ وفي الثاني هو

______________________________________________________

وإن كان ـ لعدم وجود النجاسة على البدن ـ طاهرا في نفسه.

(لكن قد يعارضه) أي : الاحتياط في الترك (في الموارد الشخصية احتياطات أخر ، بعضها أقوى منه ، وبعضها أضعف ، وبعضها مساو) فالأقسام ثلاثة :

(فانّه قد يوجد ماء آخر للطهارة) يتمكن الانسان من التطهير بذلك الماء الآخر وترك الماء المستعمل.

(وقد لا يوجد معه الّا التراب) بالنسبة الى من يريد الغسل أو الوضوء.

(وقد لا يوجد من مطلق الطهور غيره) فلا ماء ولا تراب الّا هذا الماء المستعمل.

(فانّ الاحتياط في الأوّل) وهو ما إذا وجد ماء آخر غير مستعمل (هو الطهارة من ماء آخر لو لم يزاحمه) أي : لم يزاحم الاحتياط باستعمال الماء الآخر (الاحتياط من جهة اخرى) والجهة الاخرى قد مثّل له بقوله : (كما اذا كان قد أصابه ما لم ينعقد الاجماع على طهارته) كعرق الجنب من الحرام ، فانّه يلزم عليه أن يزيل عرق الجنب من الحرام بذلك الماء الطاهر الآخر ، وهو مزاحم للاحتياط باستعمال هذا الماء غير المستعمل ، في غسله أو وضوئه.

(وفي الثاني :) وهو صورة وجوب التراب مع هذا الماء المستعمل (هو

٣٦٥

الجمع بين الطهارة المائية والترابية إن لم يزاحمه ضيق الوقت ؛ وفي الثالث الطهارة من ذلك المستعمل والصلاة إن لم يزاحمه امر آخر واجب أو محتمل الوجوب.

فكيف يسوغ للمجتهد أن يلقي إلى مقلّده إنّ الاحتياط في ترك الطهارة بالماء المستعمل مع كون الاحتياط في كثير من الموارد استعماله فقط أو الجمع بينه وبين غيره.

______________________________________________________

الجمع بين الطهارة المائية والترابية إنّ لم يزاحمه ضيق الوقت) وإلّا فيدور الأمر بين استعمال احدهما ، وبين استعمال كليهما ، فاذا استعمل أحدهما أدرك الوقت ، أمّا إذا استعمل كليهما فاته الوقت كلا ، أو بعض الوقت.

(وفي الثالث :) وهو ما لا يوجد ماء آخر ولا تراب ، الاحتياط ب (الطهارة من ذلك المستعمل ، والصلاة) بتلك الطهارة (إن لم يزاحمه أمر آخر واجب أو محتمل الوجوب) كما إذا كان هناك نفس محترمة أو محتملة الاحترام ، مشرفة على التلف من شدة العطش ، ولم يكن ماء غير هذا المستعمل ، فدار أمر الماء المستعمل بين إعطائه لذي النفس المحترمة أو المحتملة الاحترام ، وبين استعماله في الصّلاة ، فانّ استعماله في الصلاة احتياطا ، يعارض ذلك الواجب أو المحتمل الوجوب.

إذن : (فكيف يسوغ للمجتهد أن يلقي الى مقلّده : إنّ الاحتياط في ترك الطهارة بالماء المستعمل) إلقاء مطلقا بدون هذه التقييدات الكثيرة (مع كون الاحتياط في كثير من الموارد استعماله) أي : استعماله هذا الماء (فقط ، أو الجمع بينه وبين غيره؟) كالتراب ـ مثلا ـ.

كما إنّ اللازم أن يبيّن المجتهد للمقلّد : إنّه اذا لم يعلم إنّ الماء استعمل

٣٦٦

وبالجملة ، فتعليم موارد الاحتياط الشخصيّة وتعلّمها ، فضلا عن العمل بها ، أمر يكاد يلحق بالمتعذّر ، يظهر ذلك بالتأمل في الوقائع الاتفاقيّة.

فان قلت : لا يجب على المقلّد متابعة هذا الشخص الذي أدّى نظره إلى انسداد باب العلم في معظم المسائل ووجوب الاحتياط ، بل يقلّد غيره.

______________________________________________________

في الحدث الاكبر أم لا ، مع استصحاب الحدث الأكبر أو عدم استصحابه ، أو استعمل هذا الماء ، احد نفرين محتمل الحدث الأكبر ، أو كان هذا الماء هو ماء آخر استعمل في الحدث الأكبر ، والى غير ذلك من الصور التي يختلف الاحتياط فيها.

(وبالجملة : فتعليم موارد الاحتياط الشخصيّة) من المجتهد لمقلده (وتعلّمها ـ فضلا عن العمل بها ـ أمر يكاد يحلق بالمتعذّر) وإنّ لم يكن متعذّرا ، كان فيه عسر شديد وحرج أكيد (يظهر ذلك بالتأمل في الوقائع الاتفاقيّة) التي تتفق لافراد المكلفين ، ومثل حال الطهارة حال خصوصيات الصلاة ، وخصوصيات الصيام ، وغير ذلك.

(فان قلت :) لا حرج للمقلّد ولا للمجتهد ، لانّ الحرج إنّما يكون اذا كان الواجب على المقلّدين متابعة مثل هذا الشخص الانسدادي ، والحال أنّ هناك مجتهدين آخرين ليس نظرهم الانسداد ، فالمجتهد الانفتاحي والمقلّد للمجتهد الانفتاحي في مندوحة عن هذه الاحتياطات المتعسّرة أو المتعذّرة ، إذ (لا يجب على المقلّد متابعة هذا الشخص) المجتهد (الذي ادّى نظره الى انسداد باب العلم في معظم المسائل ، و) تبعا لنظره الانسدادي رأى (وجوب الاحتياط) في كل المسائل (بل يقلّد) هذا المقلد (غيره) أي : غير المجتهد الانسدادي.

٣٦٧

قلت : مع أنّ لنا أن نفرض انحصار المجتهد في هذا الشخص : إنّ كلامنا في حكم الله سبحانه بحسب اعتقاد هذا المجتهد الذي اعتقد انسداد باب العلم ، وعدم الدّليل على ظنّ خاصّ يكتفي به في تحصيل غالب الأحكام ، وإنّ من يدعي وجود الدّليل على ذلك فانّما نشأ اعتقاده ممّا لا ينبغي الرّكون اليه ، ويكون الرّكون إليه جزما في غير محله.

فالكلام في أنّ حكم الله تعالى على تقدير انسداد باب العلم ، وعدم نصب الطريق الخاصّ لا يمكن أن يكون هو الاحتياط

______________________________________________________

(قلت : مع إنّ لنا أن نفرض انحصار المجتهد في هذا الشخص) الانسدادي حيث لا مناص من تعليمه المقلّدين ، ولا مناص للمقلّدين من تعلمهم منه ، فما ذا يقول القائل بالانسداد في هذه الصورة؟.

هذا أولا ، وثانيا : (إنّ كلامنا في حكم الله سبحانه بحسب اعتقاد هذا المجتهد ، الذي اعتقد انسداد باب العلم ، و) اعتقد (عدم الدليل على ظنّ خاص) كالخبر الواحد (يكتفي به) أي : بذلك الظن الخاص (في تحصيل غالب الأحكام) فانّ هذا المجتهد كيف يرى انّ الله تعالى شرّع له الاحتياط ، بما يقع هو ومقلّدوه في اشد العسر والحرج ، وأحيانا في التعذّر؟.

هذا (وإنّ من يدّعي وجود الدّليل على ذلك :) أي : على لزوم الاحتياط حال الانسداد (فإنّما نشأ اعتقاده ممّا لا ينبغي الرّكون إليه) اذ لا ينبغي الرّكون الى وجوب الاحتياط الذي يلقي المجتهد والمقلّد في اشد أنحاء العسر والحرج ، بل (ويكون الرّكون اليه جزما في غير محله) فانّ مثل هذا الاعتقاد خطأ قطعا.

والحاصل : (فالكلام في أنّ حكم الله تعالى على تقدير انسداد باب العلم ، وعدم نصب الطريق الخاص ، لا يمكن أن يكون هو الاحتياط) التام في كلّ أبواب

٣٦٨

بالنسبة الى العباد ، للزوم الحرج البالغ حدّ اختلال النظام.

ولا يخفى : أنّه لا وجه لدفع هذا الكلام بأنّ العوامّ يقلّدون مجتهدا غير هذا ، قائلا بعدم انسداد باب العلم أو بنصب الطرق الظنّيّة الوافية بأغلب الأحكام ، فلا يلزم عليهم حرج وضيق.

ثمّ إنّ هذا كلّه ، مع كون المسألة في نفسها ممّا يمكن فيه الاحتياط ولو بتكرار العمل في العبادات.

______________________________________________________

الفقه (بالنسبة الى العباد) كافة (للزوم الحرج البالغ حدّ اختلال النظام) ومن الواضح : إنّ اختلال النظام ممّا لا يريده الله سبحانه وتعالى ، فلا يجعل حكما ينتهي اليه ، فانّ اختلال النظام من أشد أقسام العسر والحرج والضرر على الناس كافة ، ولذا فهي مرفوعة نصّا وإجماعا.

(ولا يخفى : إنّه لا وجه لدفع هذا الكلام) الذي ذكرناه ، من لزوم الاحتياط (: بأن العوام يقلّدون مجتهدا غير هذا ، قائلا) ذلك المجتهد (بعدم انسداد باب العلم ، أو) قائلا (بنصب الطرق الظنيّة الوافية بأغلب الأحكام ، فلا يلزم عليهم حرج وضيق) وإنّما قلنا : لا يخفى لما ذكرناه من الجوابين السابقين بقولنا : «قلت :

مع أنّ لنا» الخ ، وقولنا : «انّ كلامنا في حكم الله سبحانه حسب اعتقاد هذا المجتهد» الخ.

(ثمّ إنّ هذا كلّه) ممّا ذكرناه : من لزوم العسر والحرج في الاحتياط ، إنّما هو (مع كون المسألة في نفسها ممّا يمكن فيه الاحتياط ولو بتكرار العمل في العبادات) أو في المعاملات ، كما اذا فرض إنّ أحد المجتهدين يقول : بتقديم الايجاب على القبول ، والآخر يقول : بتقديم القبول على الايجاب في عقد الزوجين ، بانّ يقدّم الزوج نفسه للزوجة ، أو تقدّم الزّوجة نفسها للزّوج ، أو ما اشبه ذلك.

٣٦٩

أمّا مع عدم إمكان الاحتياط ـ كما لو دار المال بين صغيرين يحتاج كلّ واحد منهما الى صرفه عليه في الحال ، وكما في المرافعات ـ فلا مناص عن العمل بالظنّ.

وقد يورد على إبطال الاحتياط بلزوم الحرج بوجوه لا بأس بالاشارة إلى بعضها :

منها : النقض بما لو أدّى اجتهاد المجتهد ، وعمله بالظنّ الى فتوى يوجب الحرج ،

______________________________________________________

(أمّا مع عدم إمكان الاحتياط ، كما لو دار المال) الواحد (بين صغيرين يحتاج كلّ واحد منها الى صرفه عليه في الحال) كما اذا كان هناك درهم لا نعلم إنّه لهذا الصغير ، أو لذاك الصغير ، وهناك قيّمان لهما ، والصغير يحتاج الى درهم من الطعام ، حيث إنّه يموت إن لم يأكل مقدار درهم من الطعام ، فانّه لا يمكن تصور الاحتياط هاهنا.

(وكما في المرافعات) بان كانت هناك زوجة لهذا أو لذاك ، أو زوج لهذه أو لتلك ، وهما اختان ، أو ما اشبه ذلك (فلا مناص عن العمل بالظنّ) إذا لم يكن هنالك قطع ، أو ما يقوم مقام القطع ، من العلمي كالخبر الواحد المعتبر.

(وقد يورد على إبطال الاحتياط ب) سبب (لزوم الحرج) أي : ما ذكرناه : من أنّ الاحتياط يوجب الحرج ، وما يستلزم الحرج مرفوع نصا واجماعا فالاحتياط باطل عند الانسداد ، فانّه يورد على هذا (بوجوه لا بأس بالاشارة الى بعضها) على النحو التالي :

(منها : النقض بما لو أدّى اجتهاد المجتهد ، و) أدّى (عمله بالظنّ) أي : لزم من عمله بالظنّ (الى فتوى يوجب الحرج) فما ذا يعمل هو في هذه المسألة

٣٧٠

كوجوب الترتيب بين الحاضرة والفائتة لمن عليه فوائت كثيرة ، أو وجوب الغسل على مريض أجنب متعمدا وإن أصابه من المرض ما أصابه ، كما هو قول بعض أصحابنا.

وكذا لو فرضنا أداء ظنّ المجتهد الى وجوب امور كثيرة يحصل العسر بمراعاتها.

وبالجملة : فلزوم الحرج من العمل بالقواعد ، لا يوجب الاعراض عنها.

______________________________________________________

الحرجية؟ وما ذا يعمل مقلّده بالنسبة الى هذه المسألة؟ فما يقال في هذا النقض ، يقال في الأصل ، وهو : كون الاحتياط حرجا عند الانسداد.

مثلا (كوجوب الترتيب بين الحاضرة والفائتة لمن عليه فوائت كثيرة) فانّ بعض الفقهاء قالوا : بانّ الحاضرة تؤخّر عن الفائتة ، فإذا كان على الشخص فوائت كثيرة تستغرق كل الوقت من أوله الى آخره ، قالوا : يلزم عليه أن يصلّي طول اللّيل الى الصباح ، وأن يصلي من أول الظهر الى المغرب.

(أو وجوب الغسل على مريض أجنب متعمّدا وإن أصابه من المرض ما أصابه ، كما هو قول بعض أصحابنا) تبعا لبعض الرّوايات الظاهرة في ذلك ، ومن الواضح : انّ الغسل لمثل هذا المريض حرج شديد وعسر أكيد.

(وكما لو فرضنا : أداء ظنّ المجتهد الى وجوب امور كثيرة يحصل العسر بمراعاتها) كما اذا نذر أن يذبح بيده شاة عند مرقد أحد المعصومين عليهم‌السلام ، ثم نسى إنّه نذر للمعصوم الذي في المدينة ، أو النجف ، او كربلاء ، أو الكاظمية ، أو خراسان ، أو سامراء ، فانّه مع ما فيه من الحرج قد أوجب المجتهد عليه أن يذبح الذبائح في كلّ تلك الاماكن مع سفره اليها بنفسه.

(وبالجملة : فلزوم الحرج من العمل بالقواعد ، لا يوجب الاعراض عنها) أي :

٣٧١

وفيما نحن فيه إذا اقتضت القاعدة رعاية الاحتياط لم يرفع اليد عنها ، للزوم العسر.

والجواب : أنّ ما ذكره في غاية الفساد ، لانّ مرجعه إن كان الى منع نهوض أدلّة نفي الحرج للحكومة على مقتضيات القواعد والعمومات وتخصيصها بغير صورة لزوم الحرج ، فينبغي أن ينقل الكلام في منع ثبوت قاعدة الحرج.

ولا يخفى أنّ منعه في غاية السقوط ، لدلالة الأخبار المتواترة معنى عليه ،

______________________________________________________

عن تلك القواعد ، فما يقال في هذه الموارد للنقض ، يقال في مورد الانسداد اذا قلنا بوجوب الاحتياط بين المظنونات والمشكوكات والموهومات.

(وفيما نحن فيه) من الانسداد (اذا اقتضت القاعدة : رعاية الاحتياط ، لم يرفع اليد عنها) أي : عن الاحتياط (للزوم العسر) منتهى الأمر نقول : إنّه يأتي بالاحتياط الى حد العسر ، لا أن يترك الاحتياط رأسا.

(والجواب) عن هذا النقض (: انّ ما ذكره في غاية الفساد ، لأن مرجعه) أي : مرجع ما ذكره (إن كان الى منع نهوض أدلة نفي الحرج للحكومة على مقتضيات القواعد والعمومات و) منع (تخصيصها) أي : تخصيص القواعد والعمومات (بغير صورة لزوم الحرج ، فينبغي أن ينقل الكلام في منع ثبوت قاعدة الحرج) لأنّ معنى ذلك : إنّ قاعدة الحرج ليست حاكمة على القواعد والعمومات.

هذا (ولا يخفى : إنّ معه) أي : منع ثبوت قاعدة الحرج (في غاية السقوط) ولا يقول به احد ، وذلك (لدلالة الأخبار المتواترة معنى) وإن لم تكن متواترة لفظا (عليه) أي : إنّ قاعدة الحرج حاكمة على القواعد والعمومات الأولية.

٣٧٢

مضافا الى دلالة ظاهر الكتاب.

والحاصل : أنّ قاعدة نفي الحرج ممّا ثبتت بالأدلّة الثلاثة بل الأربعة في مثل المقام ، لاستقلال العقل بقبح التكليف بما يوجب اختلال نظام أمر المكلّف ، نعم ، هي في غير ما يوجب الاختلال قاعدة ظنّية تقبل الخروج عنها بالأدلّة الخاصّة المحكمة وإن لم تكن

______________________________________________________

(مضافا الى دلالة ظاهر الكتاب) على الحكومة حيث قال سبحانه : (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) (١).

وقال سبحانه : (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (٢).

وقال سبحانه : (ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ) (٣).

(والحاصل : إنّ قاعدة نفي الحرج ممّا ثبتت بالأدلة الثلاثة) الكتاب ، والسّنة ، والاجماع ، (بل الأربعة) بإضافة العقل الى الثلاث المذكورة (في مثل المقام) الذي يوجب اختلال النظام.

وإنّما كان هناك قاعدة عقلية ايضا (لاستقلال العقل بقبح التكليف بما يوجب اختلال نظام أمر المكلّف) فانّ ذلك من البديهيات عند العقل والعقلاء.

(نعم ، هي) أي : قاعدة نفي العسر (في غير ما يوجب الاختلال) بان كان يوجب العسر والحرج فقط (قاعدة ظنّية) لأنّ دلالة الرّوايات والآيات ظنّية ـ وإن كان القرآن قطعي السّند ، والرّوايات متواترة لفظا فرضا أو معنى ـ وهذه القاعدة الحرجية الظّنية (تقبل الخروج عنها بالأدلّة الخاصة المحكمة وان لم تكن) تلك

__________________

(١) ـ سورة البقرة : الآية ١٨٥.

(٢) ـ سورة الحج : الآية ٧٨.

(٣) ـ سورة المائدة : الآية ٦.

٣٧٣

قطعيّة.

وأمّا القواعد والعمومات المثبتة للتكليف فلا إشكال بل لا خلاف في حكومة أدلة نفي الحرج عليها ، لا لأنّ كون النسبة بينهما عموما من وجه ، فيرجع الى أصالة البراءة ـ كما قيل ـ

______________________________________________________

الأدلة الخاصة (قطعيّة) فان الشارع قد أمر بما فيه الحرج كما أمر بالجهاد الحرجي ، وما اشبه.

والحاصل : إنّ عمومات الحرج واردة على الأدلة الأوّلية الّا اذا وضع الحكم في مورد الحرج ، مثل : الخمس ، والجهاد ، وما أشبه ذلك.

هذا ، ولا يخفى : ان المصنّف ذكر أوّلا : ان الدّليل مخصّص لقاعدة الحرج ، بمعنى : إنّ اللازم على الانسان أن يأتي بالشيء الحرجي كما مثلنا له بالجهاد ، والخمس ، ونحوهما ، وذلك حيث قال «نعم» الخ.

ثم ذكر ثانيا : إنّ دليل الحرج حاكم على الأدلة الأوليّة فيقدّم دليل الحرج على تلك الادلة الأوليّة ، وذلك بقوله : (وأمّا القواعد والعمومات المثبتة للتكليف) مثل عمومات الصلاة ، والطهارة ، والصيام ، ونحوها ، (فلا اشكال) حسب الدّليل (بل لا خلاف) لأحد من الفقهاء (في حكومة أدلّة نفي الحرج عليها) أي : على تلك القواعد والعمومات.

ثم إنّ الحكومة (لا لأنّ كون النّسبة بينهما) أي : بين أدلة الحرج ، والقواعد والعمومات (عموم من وجه ، فيرجع الى أصالة البراءة ـ كما قيل ـ).

فان قوله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ) (١) يشمل الحرجي وغير الحرجي.

__________________

(١) ـ سورة البقرة : الآية ١٨٣.

٣٧٤

أو الى المرجّحات الخارجيّة المعاضدة لقاعدة نفي الحرج ، كما زعم ؛ بل لأنّ ادلّة نفي العسر بمدلولها اللفظي حاكمة على العمومات المثبتة للتكليف ، فهي بالذات مقدّمة عليها.

وهذا هو السّر في عدم ملاحظة الفقهاء المرجّح الخارجي ،

______________________________________________________

وقوله تعالى : (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (١) يشمل الصيام وغير الصيام.

فمورد الاجتماع : وهو الصيام الحرجي ، يتساقط فيه الدّليلان ويكون المرجع :

البراءة من الصيام.

(أو) يرجع في مادة الاجتماع : كالصيام الحرجي (الى المرجّحات الخارجيّة المعاضدة لقاعدة نفي الحرج ـ كما زعم ـ) مثل قوله تعالى : (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) (٢) وغيره من المعاضدات لدليل الحرج ، فان كلا من ال «قيل» وال «زعم» باطل (بل) : إنّما نقدّم دليل الحرج على العمومات والقواعد الأوليّة (لأنّ أدلّة نفي العسر بمدلولها اللّفظي) حسب متفاهم العرف (حاكمة على العمومات المثبتة للتكليف) فاذا ألقي الكلامان الى العرف ، رأى العرف : إنّ دليل الحرج مقدّم على دليل أصل التكليف.

إذن : (فهي) أي : أدلة نفي العسر (بالذات) لا بمعونة دليل خارجي ـ كما قاله الزاعم ـ (مقدّمة عليها) أي : على الأدلة الأوليّة من القواعد والعمومات.

(وهذا) الذي ذكرناه : من إنّ العرف يرى دليل الحرج مقدّما على الأدلّة الأوليّة بمجرد سماعهما (هو السّر في عدم ملاحظة الفقهاء المرجّح الخارجي) لدليل

__________________

(١) ـ سورة الحج : الآية ٧٨.

(٢) ـ سورة البقرة : الآية ١٨٥.

٣٧٥

بل يقدّمونها من غير مرجّح خارجي.

نعم ، جعل بعض متأخّري المتأخرين عمل الفقهاء بها في الموارد من المرجّحات لتلك القاعدة ، زعما منه إنّ عملهم لمرجّح توقيفي اطّلعوا عليه واختفى عنا ، ولم يشعر أنّ وجه التقديم كونها حاكمة على العمومات.

______________________________________________________

الحرج حتى يحكمونه على الأدلة الأوليّة ، (بل يقدّمونها) أي : أدلّة نفي الحرج على الأدلة الأوليّة (من غير مرجّح خارجي) إطلاقا.

وذلك لأنّ عمومات العسر ، كعمومات الحرج ، والضرر ، وما أشبه ، مفسّرة بمدلولها اللفظي لسائر العمومات الأولية المثبتة للتكاليف وكاشفة عن المراد بتلك العمومات المثبتة للتكاليف ، ومبيّنة لموارد تلك العمومات الاوّليّة ، حتى يكون معنى العمومات الاوّليّة : إنّها واجبة ما لم يلزم من الالتزام بالتكليف عسر ومشقة وحرج على المكلّف.

هذا ، وقد ذكرنا : إن الكاشف هو فهم العرف ، بالاضافة الى أنّه يدل على هذه الحكومة ـ أيضا ـ بعض الرّوايات ، مثل رواية عبد الأعلى وغيره.

(نعم ، جعل بعض متأخّري المتأخّرين عمل الفقهاء بها) أي : بأدلة نفي العسر (في الموارد) والأحكام الأوليّة (من المرجّحات لتلك القاعدة) أي : قاعدة نفي العسر ، فعمل الفقهاء اذا انضمّ الى نفي العسر سبّب تقديم نفي العسر على العمومات الأوليّة ، (زعما منه : إنّ عملهم) بقاعدة نفي العسر إنّما هو (لمرجّح توقيفي) أي تعبّدي ورد عنهم عليهم‌السلام ، قد (اطّلعوا) هم (عليه ، واختفى عنّا ، و) الحال إنّ بعض متأخري المتأخّرين ، (لم يشعر إنّ وجه التقديم كونها) أي : كون أدلة نفي العسر (حاكمة على العمومات) الأوليّة.

٣٧٦

وممّا يوضح ما ذكرنا ـ ويدعو الى التأمّل في وجه التقديم المذكور في محلّه ، ويوجب الاعراض عمّا زعمه غير واحد من وقوع التعارض بينها وبين سائر العمومات ، فيجب الرجوع الى الاصول او المرجحات ـ ما رواه عبد الأعلى ، مولى آل سام ، في : من عثر فانقطع ظفره ، فجعل عليه مرارة ، فكيف يصنع بالوضوء؟ فقال عليه‌السلام : «يعرف هذا واشباهه من كتاب

______________________________________________________

(وممّا يوضّح ما ذكرنا) من الحكومة (ويدعو الى التأمّل في وجه التقديم المذكور في محلّه) أي : في محل فيه العسر والحرج ، فانّه يقدم دليل العسر على الأدلّة الاوليّة ، فتسقط تلك العمومات والقواعد الأولّية بسبب حكومة دليل العسر عليها.

(و) على الحكومة (يوجب الاعراض عمّا زعمه غير واحد : من وقوع التعارض بينها) أي : بين أدلة نفي العسر (وبين سائر العمومات ، فيجب) على زعم هؤلاء : إنّه اذا تعارضا بالعموم من وجه (الرّجوع الى الاصول) العمليّة مثل البراءة التي ذكرناها (أو المرجحات) الخارجية : كعمل الفقهاء ، وما أشبه ذلك.

ثمّ إنّه يوضح ما ذكرناه (ما رواه عبد الأعلى ، مولى آل سام في من عثر) برجله وسقط على الأرض (فانقطع ظفره) اي ظفر رجله (فجعل عليه مرارة) والمرارة من أدوية الجراحات ، فسأل الإمام عليه‌السلام قائلا : (فكيف يصنع بالوضوء؟) وكيف يمسح؟ فهل يمسح على المرارة ، أو يمسح على ظاهر الرجل ، وفي ذلك حرج وعسر عليه؟.

(فقال عليه‌السلام : يعرف هذا وأشباهه) ممّا كان هناك حرج وحكم أوّلي (من كتاب

٣٧٧

الله : (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) امسح عليه».

فانّ في إحالة الامام عليه‌السلام لحكم هذه الواقعة الى عموم نفي الحرج ـ وبيان أنّه ينبغي أنّ يعلم منه أنّ الحكم في هذه الواقعة المسح فوق المرارة ، مع معارضة العموم المذكور بالعمومات الموجبة للمسح على البشرة ـ دلالة واضحة على حكومة عمومات نفي الحرج بأنفسها

______________________________________________________

الله) حيث قال سبحانه : ((ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (١)) فانّ الحرج لما كان في رفع المرارة ، والمسح على الجرح ، رفع الحرج ذلك ، ولذا قال له عليه‌السلام : (امسح عليه) (٢) أي : على الدواء الموضوع على الظفر.

(فانّ في إحالة الإمام عليه‌السلام لحكم هذه الواقعة) وكيفية المسح على الرجل (الى عموم نفي الحرج) المذكور في الآية المباركة (وبيان : انّه ينبغي أن يعلم منه) أي :

من نفي الحرج (انّ الحكم في هذه الواقعة : المسح فوق المرارة) لا إزاحة المرارة والمسح على الجرح.

هذا (مع معارضة العموم المذكور) في قوله تعالى : (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (٣) (بالعمومات الموجبة للمسح على البشرة) في قوله سبحانه : (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) (٤) الظاهر في انّ المسح يجب أن يكون على ظاهر الرجل. ففي هذه (دلالة) «ودلالة» خبر قوله : «فان في احالة الإمام» (واضحة على حكومة عمومات نفي الحرج بأنفسها) أي : هي بنفسها

__________________

(١) ـ سورة الحج : الآية ٧٨.

(٢) ـ الكافي (فروع) : ج ٣ ص ٣٣ ح ٤ ، تهذيب الاحكام : ج ١ ص ٣٦٣ ب ١٦ ح ٢٧ ، بحار الأنوار : ج ٢ ص ٢٧٧ ب ٣٣ ح ٣٢.

(٣) ـ سورة الحج : الآية ٧٨.

(٤) ـ سورة المائدة : الآية ٦.

٣٧٨

على العمومات المثبتة للتكاليف ، من غير حاجة الى ملاحظة تعارض وترجيح في البين ، فافهم.

وإنّ كان مرجع ما ذكره الى أنّ التزام العسر اذا دلّ عليه الدليل لا بأس به ، كما في ما ذكر من المثال والفرض.

______________________________________________________

حاكمة (على العمومات المثبتة للتكاليف ، من غير حاجة الى ملاحظة تعارض وترجيح في البيّن) حتى يكون عموم نفي الحرج لأجل المرجّح قد تقدّم على عموم المسح على الرجل.

(فافهم) كي لا يقال : إنّ المسح على المرارة لا يفهم من الآية ، لأنّ نفي الحرج يمكن ان يكون بعدم المسح على الرّجل رأسا ، ويمكن أن يكون بالمسح على مكان من الرّجل خال من المرارة ، ويمكن أن يكون بالمسح على المرارة ، فمن أين يفهم إنّ المسح على المرارة؟ ؛ لأنّه يقال : إنّ المسح على الرّجل كان واجبا في هذا المكان العاري عن المرارة ، فاذا تعذّر كونه عاريا لمكان الجرح كان المسح على المرارة أقرب بفهم العرف من عدم المسح إطلاقا ، ومن المسح على مكان آخر.

ثم يمكن أن يكون في «فافهم» ، إشارة الى شيء آخر لا نطيل المقام البحث عنه.

هذا هو الشّق الأوّل من الجواب ، وأمّا الشقّ الثاني فقد أشار اليه بقوله : (وإنّ كان مرجع ما ذكره) وهو عطف على قوله ـ قبل صفحة تقريبا ـ : «لأنّ مرجعه إن كان الى منع نهوض أدلة نفي الحرج للحكومة» الخ ، وإن كان مرجعه (الى إنّ التزام العسر اذا دلّ عليه الدّليل لا بأس به ، كما فيما ذكر من المثال والفرض) وهو : فرض تأدية ظنّ المجتهد الى وجوب امور كثيرة يحصل العسر بمراعاتها ، كما مثلنا له بمثال النذر ونحوه.

والحاصل : إنّ الناقض هذا ، هل يريد عدم حكومة أدلة العسر؟ أو يريد إنّه قد يتقدّم دليل الحكم على دليل العسر؟.

٣٧٩

ففيه : ما عرفت ، من انّه لا يخصّص تلك العمومات ، إلّا ما يكون أخص منها معاضدا بما يوجب قوّتها على تلك العمومات الكثيرة الواردة في الكتاب والسنّة ، والمفروض أنّه ليس في المقام الّا قاعدة الاحتياط التي قد رفع اليد عنها لأجل العسر في موارد كثيرة :

______________________________________________________

فانّ أراد الأوّل : فقد تقدّم جوابه.

وإن أراد الثاني : (ففيه ما عرفت : من أنّه لا يخصّص تلك العمومات) أي : عمومات نفي العسر والحرج (الّا ما يكون أخص منها) كأدلة الخمس ، والجهاد ، وما أشبه (معاضدا) أي : ذلك الأخص (بما يوجب قوتها على تلك العمومات الكثيرة) النافية للعسر والحرج وما أشبه (الواردة في الكتاب والسّنة).

إذن : فاللازم اذا أردنا أن نخصّص عمومات أدلة العسر أن يكون هناك شيئان :

الأوّل : أن يكون ما يخصصها أخصّ منها.

الثاني : أن يكون ذلك الأخصّ معتضدا بما يوجب قوته ، ليتمكن من تخصيص عمومات نفي العسر والحرج التي هي كثيرة جدا ، وواردة في الكتاب والسنّة بكلّ قوة.

(والمفروض انّه ليس في المقام) أي : في مقام الانسداد ما يخصّص عمومات نفي العسر والحرج (إلّا) ما يستلزمه العلم الاجمالي من العمل حسب (قاعدة الاحتياط) الّتي تقتضي الجمع بين الأطراف المحتملة مظنونا أو مشكوكا أو موهوما ، لكنّ هذه القاعدة هي (الّتي قد رفع اليد عنها لأجل العسر في موارد كثيرة) في الفقه ، فقاعدة الاحتياط يرفع اليد عنها ، لأنّ دليل نفي العسر أقوى من قاعدة الاحتياط ، وفي الفقه نجد موارد كثيرة ، رفع اليد عن قاعدة الاحتياط لمكان العسر ، فليست قاعدة الاحتياط مخصّصة للعسر ، بل العسر يرفع قاعدة الاحتياط

٣٨٠