الوصائل إلى الرسائل - ج ٤

آية الله السيد محمد الشيرازي

الوصائل إلى الرسائل - ج ٤

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة عاشوراء للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7263-03-1
ISBN الدورة:
964-7263-04-X

الصفحات: ٤٠٠

مع قطع النظر عن ملاحظتها منضمّة إلى غيرها من المجهولات ، أو الأخذ بفتوى العالم بتلك المسألة وتقليده فيها.

الرّابعة : انّه إذا بطل الرّجوع في الامتثال إلى الطرق الشرعيّة المذكورة ، لعدم الوجوب في بعضها وعدم الجواز في الآخر ،

______________________________________________________

مع قطع النظر عن ملاحظتها) أي : ملاحظة تلك المسألة (منضمّة الى غيرها) أي : الى غير تلك المسألة (من المجهولات) بأنّ يلاحظ في كل مسألة مسألة ، هل لها حالة سابقة فيستصحب ، أو لا؟ وإذا لم يكن له حالة سابقة ، فهل هو شك في التكليف فيجري البراءة ، أو شك في المكلّف به مع إمكان الاحتياط فيحتاط ، أو شك في المكلّف به بدون إمكان الاحتياط فيتخير؟.

وإنما لا يأخذ المكلّف في كل مسألة مسألة بالأصل المتّبع شرعا في تلك المسألة ، لأنّه مع هذه الملاحظة يحصل العلم بالمخالفة الكثيرة ـ كما سيأتي إنشاء الله تفصيل الكلام في ذلك ـ.

(أو الأخذ بفتوى العالم بتلك المسألة وتقليده فيها) بأن يكون المجتهد الانسدادي مقلّدا لمجتهد انفتاحي ـ مثلا ـ وذلك لفرض : إنّه مجتهد ، فلا يجوز له التقليد ، بل هو يرى خطأ الانفتاحي ، لأنّه قام لديه الدّليل على الانسداد ، فكيف يقلد من يعرف خطأه؟.

(الرابعة) من المقدمات (: إنّه إذا بطل الرّجوع في الامتثال الى الطرق الشرعيّة المذكورة) وهي : الاحتياط والعمل بالأصول ، والتقليد (لعدم الوجوب في بعضها) وهو العمل بالاحتياط ، بل ربّما لا يتمكن من العمل بالاحتياط في الجميع ، إذ قد يكون الاحتياط متعذرا وقد يكون الاحتياط متعسرا مرفوعا (وعدم الجواز في الآخر) وهو العمل بالأصول في مسألة مسألة ، أو التقليد لمجتهد

٣٠١

والمفروض عدم سقوط الامتثال بمقتضى المقدّمة الثانية ، تعيّن بحكم العقل المستقل الرجوع الى الامتثال الظنّيّ والموافقة الظنيّة للواقع ولا يجوز العدول عنه إلى الموافقة الوهميّة ، بأن يؤخذ بالطرف المرجوح ، ولا إلى الامتثال الاحتماليّ والموافقة الشكيّة.

______________________________________________________

انفتاحي ـ مثلا ـ.

(والمفروض : عدم سقوط الامتثال بمقتضى المقدمة الثانية) لأنّه يلزم الخروج عن الدّين (تعيّن بحكم العقل المستقلّ) أي : إنّه من المستقلات العقليّة وليس من قبيل ما يضمّ مقدمة عقليّة الى مقدمة شرعيّة حتى يكون القياسي عقليا شرعيا ، (الرجوع الى الامتثال الظّنّي والموافقة الظنّية للواقع).

«والموافقة الظنيّة» عطف بيان لقوله «الامتثال الظنّي» فان الانسان إذا امتثل ظنّا ، فقد ظنّ بموافقة ما أتى به للواقع.

(ولا يجوز العدول عنه) أي : عن الامتثال الظّني (الى الموافقة الوهميّة ، بأن يؤخذ بالطرف المرجوح) في المسائل الفرعية وفي الطرق ، والفرق بينهما : إنّ الطرق : تقوم على الموضوعات ، والمسائل الفرعيّة : يراد بها الأحكام.

(ولا إلى الامتثال الاحتمالي والموافقة الشّكيّة) فيما اذا لم يكن هناك ظنّ ووهم في طرفيّ المسألة ، بلّ كان هناك شك في طرفيّ المسألة ، فيكون مخيّرا بين أن يأتي بهذا الطرف من الشك ، أو ذاك الطرف ، كما إذا شك في انّ يوم الجمعة صلاة الجمعة واجبة أو محرّمة ، أو شك في الموضوعات إنّ هذه المرأة واجبة الوطي أو واجبة الترك ، حيث إنّه نذر أن يطأها أو يتركها ، ثم اشتبه إنّ نذره كان في أي الطرفين.

٣٠٢

بأن يعتمد على أحد طرفي المسألة من دون تحصيل الظّن فيها أو يعتمد على ما يحتمل كونه طريقا شرعيّا للامتثال ، من دون إفادته للظنّ أصلا.

فيحصل من جميع هذه المقدّمات وجوب الامتثال الظنّي والرّجوع إلى الظنّ.

______________________________________________________

وذلك (بأن يعتمد على أحد طرفي المسألة من دون تحصيل الظّن فيها) فانّه إذا شك في انّ صلاة الجمعة واجبة أو محرّمة ، يجب عليه الفحص والبحث حتى يظنّ بأحد الطرفين ، ويوهم بالطرف الآخر ، فيعمل بالظّن لا أن يعمل بالوهم ، ولا أن يعمل بأحد طرفي الشّك بدون الفحص والبحث والوصول الى الظنّ والوهم في المسألة.

(أو يعتمد على ما يحتمل كونه طريقا شرعيّا للامتثال ، من دون إفادته للظّن أصلا) كالاعتماد على القرعة ـ مثلا ـ بدون أن تفيده القرعة : الظنّ.

(فيحصل من جميع هذه المقدمات) الأربع (: وجوب الامتثال الظّني والرّجوع الى الظنّ) وذلك لأنّه إذا تمّت المقدمات الثلاث الأول ، التي هي صغرى القياس ، جاء دور الكبرى ، وهي : دوران الأمر بين الظّن ، والشك والوهم ، من هذا القياس المركب من الصغرى والكبرى ، يثبت العلم بالنتيجة وهي : وجوب الامتثال الظنّي ، لأنّ العقل مستقل بأنّه كلّما دار الأمر بين الظّن وبين الشك والوهم ، يجب تقديم الظّن عليهما.

هذا هو موجز الكلام في المقدّمات الأربع ، ثم نفصّل الكلام لنرى : هل إن كلّ مقدمة مقدمة ثابتة أم لا؟.

٣٠٣

وأمّا المقدّمة الأولى :

فهي بالنسبة إلى انسداد باب العلم في الأغلب غير محتاجة إلى الاثبات ، ضرورة قلّة ما يوجب العلم التفصيليّ بالمسألة على وجه لا يحتاج العمل فيها إلى إعمال أمارة غير علمية.

وأمّا بالنسبة إلى انسداد باب الظنّ الخاصّ ، فهي مبنيّة على أن لا يثبت من الأدلّة المتقدّمة لحجّية الخبر الواحد

______________________________________________________

(وأمّا المقدّمة الاولى) القائلة بانسداد باب العلم والعلمي بالنسبة الى الأحكام (فهي) غير تامّة ، إذ باب العلم منسدّ ، أما باب العلمي كالخبر الواحد فغير منسد.

وعليه : فهذه المقدمة (بالنسبة الى انسداد باب العلم في الأغلب) من الأحكام (غير محتاجة الى الاثبات ، ضرورة قلّة ما يوجب العلم التفصيلي بالمسألة) بأن يعلم الانسان إنّ الحكم كذا ـ ممّا يستنبطه من الأدلة الأربعة ـ تفصيلا (على وجه لا يحتاج العمل فيها الى إعمال أمارة غير علمية).

والأمارات غير العلمية : كالخبر الواحد والاجماع المنقول ، والشهرة المحققة ، والملاك ، والسيرة ، وما أشبه ذلك ، فإن هذه على الأغلب لا توجب العلم ، وانّما توجب الطريق العقلائي الى الواقع.

(وأما بالنسبة الى انسداد باب الظّن الخاص) كالظن الحاصل من الخبر الواحد الجامع للشرائط : (فهي) أي : هذه المقدمة (مبنيّة على أن لا يثبت من الأدلة المتقدمة لحجّية الخبر الواحد).

فانّا قدّمنا الأدلة الأربعة على حجّية خبر الواحد ، وقد أضاف بعضهم دليلا خامسا وهو السيرة ، على إشكال في كونه دليلا خامسا ، ونفس الخبر ، حيث إنّه تقرير المعصوم عليه‌السلام ، فانّه بناء على أن كل هذه الأدلة لحجّية الخبر لا تثبت

٣٠٤

حجّية مقدار منه يفي ـ بضميمة الأدلّة العلميّة وباقي الظنون الخاصّة ـ باثبات معظم الأحكام الشرعيّة بحيث لا يبقى مانع من الرجوع في المسائل الخالية عن الخبر وأخواته من الظنون الخاصّة إلى ما يقتضيه الأصل في تلك الواقعة من البراءة أو الاستصحاب أو الاحتياط أو التخيير.

______________________________________________________

(حجّية مقدار منه) أي : من الخبر و «الحجّية». فاعل قوله : «ان لا يثبت» أي : بأن لا يثبت حجّية مقدار من الخبر (يفي) هذا المقدار (بضميمة الأدلّة العلميّة) كالضروريات ، والبديهيات ، وما أشبه (وباقي الظنون الخاصّة) كالظنون الحاصلة من الشهرة ، والاجماع المنقول ، وما أشبه فانّها منظمّة لا تفي ـ فرضا ـ (باثبات معظم الأحكام الشّرعية) و «باثبات» : متعلق ب : «يفي».

فهناك ثلاثة أمور تتظافر بعضها مع بعض فتفي بمعظم الأحكام ، وهي عبارة عن : الضروريات والبديهيات ، والخبر الواحد الذي هو حجّة ، وباقي الظنون الخاصة.

واذا كفّت هذه الامور الثلاثة بمعظم الأحكام (بحيث لا يبقى مانع من الرّجوع في المسائل الخالية عن الخبر وأخواته) أي : أخوات الخبر (من الظنون الخاصة) و «من» : بيان ل «أخواته» التي هي عبارة عن : الاجماع المنقول ، والشهرة ، والسيرة ـ فرضا ـ (الى ما يقتضيه الأصل في تلك الواقعة).

فانّا إذا تمكنّا من معظم الأحكام فلا بأس بالرّجوع في الأحكام القليلة الباقية ـ التي لا يفي الاجماع والشهرة والخبر بها ـ الى الاصول العملية (من : البراءة ، أو الاستصحاب ، أو الاحتياط ، أو التخيير) فاذا كان شكا في التكليف أجرينا البراءة ، وإذا كان له حالة سابقة أجرينا الاستصحاب ، واذا كان شكا في المكلّف به مع التمكن من الاحتياط ، أجرينا الاحتياط ، وإذا كان شكا في المكلّف به مع عدم التمكن من الاحتياط ـ لدوران الأمر بين المحذورين ـ أجرينا التخيير.

٣٠٥

فتسليم هذه المقدّمة ومنعها لا يظهر إلّا بعد التأمّل ، وبذل الجهد في النظر فيما تقدّم من أدلّة حجيّة الخبر وإنّه هل يثبت بها حجّية مقدار واف من الخبر أم لا؟ وهذه هي عمدة مقدّمات دليل الانسداد ، بل الظاهر المصرّح به في كلمات بعض أنّ ثبوت هذه المقدّمة يكفي في حجّية الظنّ المطلق ، ولذا لم يذكر صاحب المعالم وصاحب الوافية ، في إثبات حجّية الظّنّ الخبري غير انسداد باب العلم.

وأمّا الاحتمالات الآتية في ضمن المقدّمات الآتية ،

______________________________________________________

وعليه : (فتسليم هذه المقدّمة) الاولى (ومنعها) بأن نعرف : إنّ هذه المقدّمة تامة أو ليست تامة (لا يظهر إلّا بعد التأمل ، وبذل الجهد في النظر فيما تقدّم من أدلة حجّية الخبر) الواحد (وإنّه هل يثبت بها) أي : بهذه المقدّمة (حجّية مقدار واف من الخبر) بضميمة باقي الظّنون الخاصة والأدلة العلميّة (أم لا؟).

فاذا ثبت حجّية مقدار واف من الخبر بضميمة باقي الظنون بمعظم الأحكام ، لم يكن مجال لدليل الانسداد ، وإلّا كان المجال لدليل الانسداد واسعا.

(وهذه) المقدّمة الاولى (هي عمدة مقدّمات دليل الانسداد) إثباتا أو نفيا.

(بل الظاهر المصرّح به في كلمات بعض : إنّ ثبوت هذه المقدّمة) الاولى (يكفي في حجّية الظّنّ المطلق) ولهذا يسمى هذا الدليل بدليل الانسداد ، لأنّ المعيار في الحكم : هو انسداد باب العلم والعلميّ ، وعدم انسداد بابهما بالقدر الكافي بمعظم الأحكام (ولذا لم يذكر صاحب المعالم ، وصاحب الوافية ، في إثبات حجّية الظّن الخبري غير انسداد باب العلم) أي : لأجل أنّ باب العلم منسدّ يكون الظنّ المستفاد من الخبر حجّة.

(وأمّا الاحتمالات الآتية في ضمن) سائر (المقدّمات الآتية) أي المقدّمات

٣٠٦

من الرّجوع بعد انسداد باب العلم والظّنّ الخاص إلى شيء آخر غير الظنّ ، فانّما هي امور احتملها بعض المدقّقين من متأخّري المتأخرين ، أوّلهم ، فيما أعلم ، المحقّق جمال الدّين الخوانساريّ ، حيث أورد على دليل الانسداد باحتمال الرّجوع إلى البراءة واحتمال الرّجوع إلى الاحتياط.

وزاد عليها بعض من تأخّر احتمالات أخر.

وأمّا المقدّمة الثانية :

وهي عدم جواز إهمال الوقائع المشتبهة على كثرتها

______________________________________________________

الثلاث (من الرّجوع بعد انسداد باب العلم والظّنّ الخاص) المستفاد من الخبر ونحوه (إلى شيء آخر غير الظن) كالأصل في كل مسألة مسألة ، والتقليد ، والقرعة ، وما أشبه (فانّما هي امور احتملها بعض المدقّقين من متأخّري المتأخرين) ويعبّر بالمتأخرين ابتداء من المحقّق ، أو ابن ادريس ، وأما من تأخر عن هؤلاء ، كالمقدّس الاردبيلي ، ومن اشبه ، فيعبّر عنهم بمتأخري المتأخرين! والذي (أولهم فيما أعلم المحقّق جمال الدّين الخوانساريّ ، حيث أورد على دليل الانسداد) بأن هذا الدليل غير تام (: ب) سبب (احتمال الرجوع الى البراءة ، واحتمال الرجوع الى الاحتياط) فلا تتم مقدّمات الانسداد حتى يكون الظنّ حجّة ، لأنّ الشارع جعل الطريق للمتحيّر بإجراء البراءة أو باجراء الاحتياط.

(وزاد عليها) أي على تلك الاحتمالات (بعض من تأخر : احتمالات أخر) كاحتمال الرجوع الى التقليد ، أو احتمال الرّجوع الى القرعة.

(وأمّا المقدّمة الثانية : وهي عدم جواز إهمال الوقائع المشتبهة على كثرتها) فانّ من أول الفقه الى آخر الفقه ـ غير القطيعات ـ وقائع كثيرة تعدّ بالآلاف ،

٣٠٧

وترك التعرّض لامتثالها بنحو من الانحاء فيدلّ عليه وجوه :

الأوّل : الاجماع القطعيّ على أن المرجع على تقدير انسداد باب العلم وعدم ثبوت الدّليل على حجّية أخبار الآحاد بالخصوص ليس هي البراءة وإجراء أصالة العدم في كلّ حكم. بل لا بدّ من التعرّض لامتثال الاحكام المجهولة بوجه ما.

وهذا الحكم وإن لم يصرّح به أحد من قدمائنا ، بل المتأخرين في هذا

______________________________________________________

فلا يجوز إهمالها (وترك التعرّض لامتثالها بنحو من الانحاء) بالتقليد ، أو القرعة ، أو الاحتياط ، أو الرجوع في كلّ مورد الى الأصل في ذلك المورد ، حتى يكون الانسان بلا تكليف ، كالأطفال والبهائم ، أو يكون مكلّفا ، لكن حكمه الرجوع الى أصالة العدم (ف) يكون مفاد المقدّمة الثانية مسلّم ، و (يدلّ عليه وجوه) ثلاثة :

(الأول : الاجماع القطعيّ) بل هذا الأمر من البديهيات (على أنّ المرجع على تقدير انسداد باب العلم ، وعدم ثبوت الدّليل على حجّية أخبار الآحاد بالخصوص) في مقابل حجّية أخبار الآحاد من باب الظّن المطلق (ليس هي البراءة ، واجراء اصالة العدم في كل حكم) ولعل الفرق بينهما : ان البراءة في قبال أصالة العدم التي هي عبارة عن استصحاب عدم التكليف.

(بل لا بدّ من التّعرض لامتثال الاحكام المجهولة بوجه ما) كالعمل بالظنّ ، أو القرعة ، أو التقليد ، أو الاحتياط ، أو ما اشبه ذلك.

(وهذا الحكم) أي : الاجماع القطعي على إنّه لا بدّ من التعرّض لامتثال الأحكام المجهولة (وإنّ لم يصرّح به أحد من قدمائنا ، بل المتأخرين في هذا

٣٠٨

المقام ، إلّا أنّه معلوم للمتتبّع في طريقة الاصحاب ، بل علماء الاسلام طرّا ، فربّ مسألة غير معنونة يعلم اتّفاقهم فيها من ملاحظة كلماتهم في نظائرها.

أترى أنّ علماءنا العاملين بالأخبار التي بأيدينا ، لو لم يقم عندهم دليل خاصّ على اعتبارها كانوا يطرحونها

______________________________________________________

المقام) أي : مقام الانسداد (إلّا أنّه معلوم للمتتبّع في طريقة الأصحاب ، بل علماء الاسلام طرّا) فهو إجماع تقديري لا إجماع لفظي ، إذ ربّ مسألة يعلم الانسان اتفاق العلماء فيها وإن لم يصرّح حتى واحد منهم بها.

مثلا : إنّا نعلم إجماع العلماء التقديري على إنّه لا يجوز للمرأة أن تلبس الملابس الضيّقة ، التي يظهر منها كل تقاطيع جسمها أما الرّجال الأجانب ، مع إنّه لم يصرّح بذلك أحد فيما نعلم.

وفي اصول الدّين نعلم : إجماع العلماء التقديري على إنّه لا يجوز لأحد أن يعتقد انّ عليا عليه‌السلام أفضل من رسول الاسلام صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما هو أفضل من سائر الأنبياء ، والى غير ذلك.

(فربّ مسألة غير معنونة) في كلماتهم (يعلم اتفاقهم فيها من ملاحظة كلماتهم في نظائرها) أو يعلم اتفاقهم فيها من الكلّيات التي ذكروها ، ويؤيد ذلك إنّهم يرون ترك المسائل التي لم يقم عليها دليل ، من أظهر المنكرات ، واليه اشار المصنّف بقوله : (أترى انّ علمائنا العاملين بالأخبار التي بأيدينا ، لو لم يقم عندهم دليل خاصّ على اعتبارها) أي : اعتبار هذه الأخبار بأن لم يكن هناك من الكتاب ولا السنّة ولا الاجماع ولا العقل ما يدلّ على اعتبار الأخبار (كانوا يطرحونها) أي يطرحون هذه الأخبار؟.

٣٠٩

ويستريحون في مواردها الى أصالة العدم ، حاشا ثم حاشا.

مع انهم كثيرا ما يذكرون انّ الظنّ يقوم مقام العلم في الشرعيّات عند تعذّر العلم.

وقد حكي عن السيّد في بعض كلماته الاعتراف بالعمل بالظنّ عند تعذّر العلم ، بل قد ادّعى في المختلف في باب قضاء الفوائت الاجماع على ذلك.

______________________________________________________

(ويستريحون في مواردها الى اصالة العدم؟ حاشا ثم حاشا) أن يكونوا كذلك ، فانّ ذلك يوجب الخروج عن الدّين.

(مع إنّهم كثيرا ما يذكرون : إنّ الظنّ يقوم مقام العلم في الشرعيّات عند تعذّر العلم) فان هذا الكلام يدلّ على أنهم لا يستريحون الى أصالة العدم ، بل يعملون بالظنّ عند فقد العلم.

(وقد حكي عن السيّد) المرتضى رحمه‌الله (في بعض كلماته : الاعتراف بالعمل بالظن عند تعذّر العلم) مما يدلّ على ان حتى مثل السيّد الذي يقول بانفتاح باب العلم ، يقول بالعمل بالظنّ عند تعذر العلم ، وقد تقدّم : إنّه أراد بالعلم : الوثوق ، لا العلم القطعي الوجداني المانع من النقيض.

(بل قد ادّعى في المختلف في باب قضاء الفوائت : الاجماع على ذلك) أي العمل بالظّن عند تعذر العلم بعدد الفوائت.

وفي حاشية الآشتياني : «بل ادعى غير واحد في هذا الباب أي : باب الفوائت : الاجماع على تضيق الواجبات الموسّعة بظن الضيق» ، بل ادعى بعض المحققين : الاجماع على حجّية الظنّ بالنسبة الى الامور المستقبليّة نظرا الى انسداد باب العلم بها غالبا.

٣١٠

الثاني : إنّ الرجوع في جميع تلك الوقائع الى نفي الحكم مستلزم للمخالفة القطعيّة ، المعبّر عنها في لسان جمع من مشايخنا بالخروج عن الدّين ، بمعنى انّ المقتصر على التديّن بالمعلومات التارك للاحكام المجهولة جاعلا لها كالمعدومة يكاد يعدّ خارجا من الدّين ، لقلّة المعلومات التي أخذها وكثرة المجهولات التي أعرض عنها.

______________________________________________________

(الثاني) من الامور التي تدلّ على عدم جواز إهمال الوقائع المشتبهة على كثرتها وترك التعرّض لامتثالها (إنّ الرجوع في جميع تلك الوقائع) المشتبه حكمها (الى نفي الحكم) وعدم العمل على شيء (مستلزم للمخالفة القطعيّة ، المعبر عنها في لسان جمع من مشايخنا : بالخروج عن الدّين).

ومن المعلوم : إنّ الخروج عن الدّين قامت الضرورة على خلافه ، فهذا مانع مستقل عقلي غير الاجماع المتقدّم.

(بمعنى : إنّ المقتصر على التّديّن بالمعلومات) وما في حكمها ، كالظّنون المعتبرة ، من الخبر الواحد ، ونحوه (التارك للاحكام المجهولة) التي لم يتعلق بتلك الأحكام علم ولا علمي (جاعلا لها) أي لتلك الاحكام المجهولة (كالمعدومة) وأنها كأن لم تكن في الشريعة أحكام إطلاقا لا واجبات ولا محرمات ، فان هذا (يكاد يعدّ خارجا من الدّين).

وإنّما قال يكاد ، لأن الخارج عن الدّين حقيقة هو الذي لا يعمل بشيء من الأحكام اطلاقا ، اما هذا فيكاد يعدّ خارجا ، وذلك (لقلّة المعلومات التي اخذها) وعمل بها (وكثرة المجهولات التي أعرض عنها) ولم يعمل بها ، فاذا كانت الأحكام مثلا ألف ، فانّ المجهول أكثر من تسعمائة بالنسبة الى الألف.

٣١١

وهذا أمر يقطع ببطلانه كلّ أحد بعد الالتفات الى كثرة المجهولات ، كما يقطع ببطلان الرجوع إلى نفي الحكم وعدم الالتزام بحكم أصلا لو فرض ـ والعياذ بالله ـ انسداد باب العلم والظنّ الخاصّ في جميع الأحكام وانطماس هذا المقدار القليل من الأحكام المعلومة.

فيكشف بطلان الرجوع الى البراءة عن وجوب التعرّض لامتثال تلك المجهولات ولو على غير

______________________________________________________

(وهذا) أي : ترك الاحكام المجهولة (أمر يقطع ببطلانه كل أحد بعد الالتفات الى كثرة المجهولات) بل هو من ضروريات الدّين.

(كما يقطع ببطلان الرجوع الى نفي الحكم وعدم الالتزام بحكم أصلا) سواء استند في نفي الحكم الى البراءة ، أو استند الى اصالة العدم (لو فرض والعياذ بالله :

انسداد باب العلم ، والظنّ الخاصّ ، في جميع الأحكام) «ولو :» وصلية أي : بأن ينسدّ باب العلم والظّن الخاص ـ كالخبر ـ فيجري أصالة العدم والبراءة في الأحكام المجهولة.

بل (و) لو فرض والعياذ بالله (انطماس هذا المقدار القليل من الأحكام المعلومة) بأن فرضنا إنّ الأحكام المعلومة انطمست ، فصارت الأحكام كلّها مجهولة ، فكما إنّه لو أجرى اصالة البراءة ، وأصالة العدم ، كان هذا خارجا عن الدّين قطعا ، كذلك خرج من الدّين من يعمل بالأحكام المعلومة القليلة فقط وأجرى في سائر الأحكام أصل العدم والبراءة.

وعليه : (فيكشف بطلان الرّجوع الى البراءة) لما عرفت : من إنّه مستلزم للخروج من الدّين (عن وجوب التعرّض لامتثال تلك المجهولات ، ولو على غير

٣١٢

وجه العلم والظنّ الخاصّ ، لا أن يكون تعذّر العلم أو الظنّ الخاصّ منشأ للحكم بارتفاع التكليف بالمجهولات ، كما توهمه بعض من تصدّى للايراد على كلّ واحدة واحدة ، من مقدّمات الانسداد.

نعم ، هذا إنّما يستقيم في حكم واحد أو أحكام قليلة لم يوجد عليه دليل علميّ أو ظنّي معتبر ، كما هو دأب المجتهدين بعد تحصيل الأدلة والأمارات في أغلب الأحكام.

______________________________________________________

وجه العلم والظنّ الخاص) وذلك بأن يعمل الانسان بالظنّ المطلق ، الذي لم ينه عنه الشارع قطعا كما نهى عن الظنّ القياسي ، فانّه سيأتي أنّ الظنّ القياسي ليس بحجّة لا في حال الانفتاح ولا في حال الانسداد.

(لا أن يكون تعذر العلم أو الظنّ الخاص) الذي يعبّر عنه بالعلمي (منشأ للحكم بارتفاع التكليف بالمجهولات) اطلاقا (كما توهّمه بعض من تصدى للايراد على كلّ واحدة واحدة من مقدمات الانسداد) فانّه لا وجه لصحة هذا التصدي مع صحة هذه المقدّمة التي تقول بأنّه لا وجه لإهمال الأحكام المشتبهة على كثرتها.

(نعم ، هذا) أي : الرّجوع الى أصل البراءة ، أو أصالة العدم (إنّما يستقيم في حكم واحد ، أو أحكام قليلة لم يوجد عليه دليل علمي ، أو ظني معتبر) كالخبر الواحد ، فانّ المنصرف من أدلة البراءة وأصالة العدم هو : الرجوع اليها : في الأحكام القليلة جدا بعد وجود الأدلة على أكثر الأحكام (كما هو) أي الرجوع الى البراءة وأصل العدم في الأحكام القليلة (دأب المجتهدين بعد تحصيل الأدلة والأمارات في أغلب الأحكام).

فالفقيه نراه من أوّل الفقه الى آخر الفقه لا يرجع الى البراءة أو أصل العدم ،

٣١٣

أما إذا صار معظم الفقه أو كلّه مجهولا ، فلا يجوز أن يسلك فيه هذا المنهج.

والحاصل : أنّ طرح أكثر الأحكام الفرعية بنفسه محذور مفروغ من بطلانه ، كطرح جميع الأحكام ، لو فرضت مجهولة.

وقد وقع ذلك تصريحا أو تلويحا في كلام جماعة من القدماء والمتأخّرين ، منهم الصّدوق في الفقيه ، في باب الخلل الواقع في الصلاة ، في ذيل أخبار سهو النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

______________________________________________________

إلّا في أحكام قليلة معدودة لا يوجد عليها دليل علما أو علميا.

(أمّا إذا صار معظم الفقه أو كله) فرضا (مجهولا ، فلا يجوز أن يسلك فيه) أي : في المعظم أو الكل (هذا المنهج) بالرجوع الى البراءة ، أو الرجوع الى أصالة العدم.

(والحاصل أنّ طرح أكثر الأحكام الفرعية بنفسه محذور مفروغ من بطلانه) عند المتشرعة كافة ، فهو (كطرح جميع الاحكام ، لو فرضت) كون جميع الاحكام (مجهولة) فانّ من ضروريات المتشرعة : إنّ الاسلام له أحكام من الطهارة الى الدّيات بكثرة كبيرة.

(وقد وقع ذلك) أي : إنّ ما يوجب إبطال الدّين باطل قطعا (تصريحا أو تلويحا في كلام جماعة من القدماء والمتأخرين) ممّا يدلّ على إنّه من المسلّمات (منهم : الصّدوق في الفقيه ، في باب الخلل الواقع في الصلاة ، في ذيل أخبار سهو النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) فانّه بعد أن أورد خبر الحسن بن محبوب ، المتضمّن لسهو النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الصلاة قال :

قال مصنّف هذا الكتاب رحمه‌الله : إنّ الغلاة والمفوضة لعنهم الله ، ينكرون سهو

٣١٤

«فلو جاز ردّ هذه الأخبار الواقعة في هذا الباب لجاز ردّ جميع الأخبار ، وفيه إبطال للدّين والشريعة».

______________________________________________________

النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم أخذ في بيان احتجاجهم ، وردّ عليهم ، الى أن قال : وكان شيخنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه‌الله يقول : أول درجة في الغلو : نفي السهو عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (فلو جاز ردّ هذه الأخبار الواقعة في هذا الباب لجاز ردّ جميع الأخبار ، وفيه) أي : في ردّها (إبطال للدّين والشريعة) (١) وأنا أحتسب الأجر في تصنيف منفرد ، في إثبات سهو النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والردّ على منكريه «إن شاء الله تعالى» ، انتهى كلام الصدوق الذي نقل بعضه المصنّف.

ولا يخفى : إن أخبار سهو النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صدرت عن الائمة عليهم‌السلام تقية ، لأن العامّة كانوا يقولون بذلك بكل إصرار ، كما فصّل الكلام جماعة من العلماء في هذا المبحث.

وعن الشيخ البهائي رحمه‌الله : إنّ نسبة السّهو الى الصدوق أولى من نسبة السهو الى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

كما وقد ظهر من هذا : إنّ نسبة الصدوق رحمه‌الله الشهادة الثالثة في الأذان الى المفوضة ، أيضا مثل كلامه في سهو النبي محل تأمّل ، فانّ مذهبه في الغلاة والمفوضة مخدوش فيه.

هذا ، وقد وردت روايات ـ أشرنا اليها في الفقه في بحث الأذان من الصلاة ـ في الشهادة الثالثة ، ولذا فانا نرى إنّها كسائر أجزاء الأذان (٢).

__________________

(١) ـ من لا يحضره الفقيه : ج ١ ص ٣٦٠ ح ١٠٣١ (بالمعنى).

(٢) ـ للمزيد راجع موسوعة الفقه ، كتاب الصلاة : ج ١٧ ـ ٢٨ للشارح.

٣١٥

ومنهم السيّد قدس‌سره حيث أورد على نفسه في المنع عن العمل بخبر الواحد وقال : «فان قلت : إذا سددتم طريق العمل بأخبار الآحاد ، فعلى أي شيء تعوّلون في الفقه كلّه؟ فأجاب بما حاصله : دعوى انفتاح باب العلم في الأحكام».

ولا يخفى : انّه لو جاز طرح الأحكام المجهولة ، ولم يكن شيئا منكرا ، لم يكن وجه للايراد المذكور ، اذ الفقه حينئذ ليس إلا عبارة عن الاحكام التي قام عليها الدليل والمرجح وكان فيه معوّل ، ولم يكن وقع ايضا للجواب

______________________________________________________

(ومنهم : السيد) المرتضى (قدس‌سره ، حيث أورد على نفسه في المنع عن العمل بخبر الواحد) لأنّ السيّد المرتضى لا يعمل بالخبر الواحد (وقال : فان قلت : إذا سددتم طريق العمل بأخبار الآحاد) حيث لم تروها حجّة (فعلى أيّ شيء تعولون) وتعتمدون (في الفقه كلّه) من أوله الى آخره؟.

(فاجاب بما حاصله : دعوى : انفتاح باب العلم في الأحكام) (١) وعليه : فلا حاجة الى الخبر الواحد.

(ولا يخفى : إنّه لو جاز طرح الأحكام المجهولة ، ولم يكن) الطرح (شيئا منكرا) بديهي العدم (لم يكن وجه للايراد المذكور) من السيّد على نفسه (اذ) للسيّد أن يجيب عن هذا الايراد : بأنّ (الفقه حينئذ) أي : حين الجهل بكثير من الاحكام (ليس الّا عبارة عن الأحكام التي قام عليها الدّليل والمرجح ، وكان فيه معوّل) وهو ما قام عليه الدّليل المذكور. (و) كذا (لم يكن وقع أيضا للجواب)

__________________

(١) ـ رسائل الشريف المرتضى : ج ٣ ص ٣١٢ إبطال العمل بأخبار الآحاد.

٣١٦

بدعوى الانفتاح ، الراجعة الى دعوى عدم الحاجة الى أخبار الآحاد.

بل المناسب حينئذ الجواب : بأنّ عدم المعوّل في اكثر المسائل ، لا يوجب فتح باب العمل بخبر الواحد.

______________________________________________________

عن السيد (بدعوى : الانفتاح ، الرّاجعة) هذه الدعوى (الى دعوى : عدم الحاجة الى أخبار الآحاد).

فانّ السيّد ادعى : عدم الاحتياج الى أخبار الآحاد ، للعلم بكل المسائل ، فانّه لو لم يلزم الخروج عن الدّين بسبب اهمال الأحكام المجهولة ، كان للسيد أن يقول : إنّ الذي ثبت بالعلم نعمل به ، أما ما لم يثبت بالعلم فلا نعمل به.

(بل المناسب حينئذ) أي : حين لم يلزم الخروج عن الدّين بترك الأحكام المجهولة ، ان يكون (الجواب : بانّ عدم المعوّل) أي : عدم وجود المعتمد (في أكثر المسائل ، لا يوجب فتح باب العمل بخبر الواحد).

قال في الأوثق : حاصله : استشهاد كل من السؤال والجواب على مراد المصنّف.

أمّا الأول : فان العمل بأصالة البراءة في مواردها مركوز في العقول ، فلو لم يكن الرّجوع إليها في الأحكام المجهولة في المقام أمرا منكرا ، لم يكن وقع للسؤال اصلا لتعيّن الرجوع إليها فيها حينئذ ، وكون الفقه عبارة عمّا قام عليه دليل قاطع.

وأمّا الثاني : فانّه على تقدير جواز العمل بأصالة البراءة في الأحكام المجهولة ، فالأنسب في الجواب : أنّ يمنع الملازمة بين سدّ طريق العمل بأخبار الآحاد ، وبين جواز العمل بها لفرض وجود الواسطة ، وهي : جواز العمل بأصالة البراءة في موارد فقد الأخبار القطعية ، فالعدول عنه الى دعوى الانفتاح ، ظاهر في كون بطلان جواز العمل بها مفروغا عنها فيما بينهم.

٣١٧

والحاصل : أنّ ظاهر السؤال والجواب المذكورين التسالم والتصالح على أنّه لو فرض الحاجة الى أخبار الآحاد ، لعدم المعول في أكثر الفقه ، لزم العمل عليها وإن لم يقم عليه دليل بالخصوص ، فانّ نفس الحاجة اليها هي اعظم دليل ؛ بناء على عدم جواز طرح الأحكام.

ومن هنا ذكر السيّد الصدر في شرح الوافية أنّ السيّد قد اصطلح بهذا الكلام مع المتأخرين.

______________________________________________________

وهذا هو ما ذكره المصنّف بقوله : (والحاصل : انّ ظاهر السؤال والجواب المذكورين) في كلام السيّد (التسالم والتصالح على انّه لو فرض الحاجة الى أخبار الآحاد ، لعدم المعوّل) والدليل (في أكثر الفقه ، لزم العمل عليها) اي : على هذه الأخبار الآحاد التي ليست علما ولا علميا (وان لم يقم عليه) اي : على حجّية خبر الواحد (دليل بالخصوص) حتى يدخل الخبر الواحد في ضمن العلميات ، وإن لم يكن علما.

(فانّ نفس الحاجة اليها) أي : الى الأخبار (هي أعظم دليل) ، على الرجوع اليها (بناء على عدم جواز طرح الأحكام) ضرورة واجماع.

(ومن هنا) أي : لأجل ما ذكرناه من الاحتياج الى الاخبار ، والّا لزم الخروج عن الدّين و (ذكر السيّد الصدر في شرح الوافية : إنّ السيد) المرتضى قدس‌سره (قد اصطلح بهذا الكلام) الذي تقدّم عنه ، حيث ذكرنا : إنّه أورد على نفسه في المنع عن العمل بخبر الواحد الى آخره ، وتوافق فيه (مع المتأخرين) (١) الذين يرون العمل بالخبر الواحد ويعملون به.

__________________

(١) ـ شرح الوافية : مخطوط.

٣١٨

ومنهم الشيخ قدس‌سره في العدّة ، حيث إنّه بعد دعوى الاجماع على حجّية أخبار الآحاد ، قال ما حاصله :

لو ادّعى أحد أنّ دعوى عمل الامامية بهذه الأخبار كان لأجل قرائن انضمت إليها ، كان معوّلا على ما يعلم من الضرورة خلافه.

ثم قال : ومن قال إنّي متى عدمت شيئا من القرائن ، حكمت بما كان يقتضيه العقل ، يلزمه أن يترك أكثر الأخبار وأكثر الأحكام ولا يحكم فيها بشيء ورد الشرع به ، وهذا حدّ يرغب أهل العلم عنه ،

______________________________________________________

(ومنهم : الشيخ قدس‌سره في العدّة ، حيث إنّه بعد دعوى الاجماع على حجّية أخبار الآحاد) مطلقا ولو لم تكن قرائن داخلية أو خارجية توجب القطع بها (قال ما حاصله : لو ادّعى أحد : انّ دعوى عمل الامامية بهذه الأخبار كان لأجل قرائن انضمت إليها) أي : الى هذه الاخبار ممّا أوجب العلم بها ، لا إنّ خبر الواحد حجّة بما هو.

فان هذا المدّعى (كان معوّلا على ما يعلم من الضرورة خلافه) لأنا نعلم : إنّ الامامية انّما عملوا بأخبار الآحاد بما هو خبر ، لا بما إنّه مقطوع به لمكان القرائن الداخلية والخارجية.

(ثمّ قال : ومن قال : إنّي متى عدمت شيئا من القرائن ، حكمت بما كان يقتضيه العقل) من البراءة ونحوها (يلزمه أن يترك أكثر الاخبار وأكثر الاحكام) لأنّ الأحكام مترتبة على الاخبار ، فاذا لم يعمل بالاخبار ، لم يتمكن من العمل بتلك الاحكام (ولا) أن (يحكم فيها) أي : في تلك الاحكام التي هي محل الابتلاء (بشيء ورد الشرع به) أي : بذلك الشيء.

(وهذا حدّ يرغب أهل العلم عنه) أي : ينفرون عن أنّ لا يحكموا بشيء في

٣١٩

ومن صار اليه لا يحسن مكالمته ، لأنّه يكن معولا على ما يعلم ضرورة من الشرع خلافه ، انتهى.

ولعمري ، إنّه يكفي مثل هذا الكلام من الشيخ في قطع توهّم جواز الرّجوع الى البراءة عند فرض فقد العلم ، والظنّ الخاصّ في أكثر الأحكام.

ومنهم العلّامة في نهج المسترشدين ، في مسألة إثبات عصمة الامام ،

______________________________________________________

امورهم الكثيرة (ومن صار اليه) أي : الى هذا الحدّ (لا يحسن مكالمته) يعني إنّه يحب أن يترك (لأنّه يكون معوّلا) ومعتمدا (على ما يعلم ضرورة من الشرع خلافه (١) ، انتهى).

فان من ضرورة الشرع : إنّ الانسان يحتاج الى العمل بالأحكام الكثيرة ، المستندة الى الأخبار التي لا قرائن للقطع بها ، وانّما حجّية هذه الأخبار الآحاد من جهة سندها ، وجهة دلالتها ، وجهة صدورها.

(ولعمري) أي : قسما بنفسي ، فانّ العمر بمعنى : النفس ، مأخوذ من العمر ، قال سبحانه : (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ) (٢) (إنّه يكفي مثل هذا الكلام من الشيخ في قطع توهّم جواز الرّجوع الى البراءة عند فرض فقد العلم ، والظنّ الخاص) كالخبر الواحد ، والشهرة المحقّقة ، والاجماع المنقول ، ونحوها (في اكثر الاحكام) الشرعيّة ، فلا يكون أصل البراءة ، ولا أصالة العدم محكما في الاحكام.

(ومنهم : العلّامة في نهج المسترشدين في مسألة إثبات عصمة الامام ،

__________________

(١) ـ عدّة الاصول : ص ٥٦.

(٢) ـ سورة الحجر : الآية ٧٢.

٣٢٠