الوصائل إلى الرسائل - ج ٤

آية الله السيد محمد الشيرازي

الوصائل إلى الرسائل - ج ٤

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة عاشوراء للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7263-03-1
ISBN الدورة:
964-7263-04-X

الصفحات: ٤٠٠

أترى إنّ المقلدين يتوقّفون في العمل بما يخبرهم الثّقة عن المجتهد ، أو الزوجة تتوقّف فيما يحكيها زوجها عن المجتهد في مسائل حيضها وما يتعلق بها إلى أن يعلموا من المجتهد تجويز العمل بالخبر الغير العلميّ؟ وهذا مما لا شكّ فيه.

______________________________________________________

أو في كربلاء المقدسة ، أو في قم المشرفة ، أو في خراسان المعظمة ، أو ما أشبه ذلك.

وهذه السّيرة حجّة لاتصالها بزمان المعصوم عليه‌السلام ، وقد قرّر في موضعه : إنّ السّيرة المتّصلة بزمان المعصومين «صلوات الله عليهم أجمعين» حجّة في مختلف الأبواب.

(أترى : إنّ المقلّدين يتوقفون في العمل بما يخبرهم الثقة) من الّذين ينقلون مسائل الفقهاء إليهم ، أم انّه اذا أخبرهم الثّقاة (عن المجتهد) عملوا بما أخبروا به؟.

(أو) ترى : إنّ (الزوجة تتوقّف فيما يحكيها زوجها عن المجتهد في مسائل حيضها وما يتعلق بها) من سائر الأحكام الشّرعيّة الّتي تحتاج إليها من المسائل في الصّوم ، والصّلاة ، والحجّ ، وغير ذلك؟.

فهل تتوقّف الزوجة عن العمل بأخبار زوجها ، أو هؤلاء المقلدون يتوقفون عن العمل بأخبار الثّقاة (إلى أن يعملوا من المجتهد : تجويز العمل بالخبر غير العلميّ؟) أم إنّهم يعملون بأخبارهم حسب السّيرة المستمرة بينهم؟.

لا شك إنّهم لا يتوقفون في العمل بالمسائل الّتي نقلها الثّقاة حتى يتعلموا ذلك من المجتهد بنفسه ، أو يحصل لهم العلم بها من القرائن أو يعلموا إجماع العلماء ، أو فتوى المفتي بها ، إنّما يعملون بخبر الثقة فحسب (وهذا ممّا لا شكّ فيه)

١٦١

ودعوى حصول القطع لهم في جميع الموارد بعيدة عن الانصاف.

نعم ، المتيقن من ذلك صورة حصول الاطمئنان بحيث لا يعتنى باحتمال الخلاف.

وقد حكى اعتراض السيّد قدس‌سره ، على نفسه : ب «أنّه لا خلاف بين الأمّة في أنّ من وكل وكيلا أو استناب صديقا في ابتياع أمة أو عقد على امرأة في بلدته أو في بلاد نائية ـ فحمل إليه الجارية وزف إليه المرأة ، وأخبره أنّه أزاح العلة في ثمن الجارية ، ومهر المرأة وأنّه اشترى هذه وعقد على تلك ـ

______________________________________________________

عند الجميع. (ودعوى حصول القطع لهم في جميع الموارد) المذكورة ، وإنّ السّيرة قد جرت بذلك عند حصول القطع لهم من أقوال الثّقاة لا مطلقا (بعيدة عن الانصاف) فإنّ المدعي نفسه ، يعلم خلاف هذه الدعوى.

(نعم ، المتيقن من ذلك) أي : من استقرار السّيرة هو (صورة حصول الاطمئنان بحيث لا يعتنى باحتمال الخلاف) لما يقوله الثقة مخافة أنّ الثقة قد اشتبه فيما نقله عن المجتهد ـ مثلا ـ (وقد حكى اعتراض السيّد قدس‌سره ، على نفسه : بانّه لا خلاف بين الأمّة) ولا اشكال بين جميع علماء المسلمين (في أنّ من وكّل وكيلا ، أو استناب صديقا) لا بعنوان الوكالة ، بل بعنوان الالتماس ـ مثلا ـ (في ابتياع أمة ، أو عقد على امرأة في بلدته ، أو في بلاد نائية) وبعيدة عن بلده.

(فحمل) الوكيل أو النائب (إليه) أي : إلى الموكل (الجارية) الّتي اشتراها الوكيل أو النائب (وزفّ) أي : سيقت (اليه المرأة) الّتي أراد الزّواج منها (وأخبره) على (أنّه أزاح العلة) وأزال المانع (في ثمن الجارية ، ومهر المرأة) بان دفع الثّمن إلى مولى الأمّة ، والمهر إلى المرأة المعقودة (وأنّه اشترى هذه) الجارية من مولاها (وعقد على تلك) المرأة الّتي أراد من الموكّل عقدها له.

١٦٢

إنّ له وطئها ، والانتفاع بها في كل ما يسوغ للمالك والزوج.

وهذه سبيله مع زوجته وأمته اذا أخبرته بطهرها وحيضها ، ويرد الكتاب على المرأة بطلاق زوجها أو بموته فتتزوّج ، وعلى الرّجل بموت امرأته ، فيتزوّج أختها.

وكذا لا خلاف بين الأمّة في أنّ للعالم أنّ يفتي ، وللعامي إنّ يأخذ منه ، مع

______________________________________________________

فانّه لا يشك إنسان في (إنّ له) أي : للموكّل (وطيها ، والانتفاع بها في كلّ ما يسوغ للمالك) من جهة الأمّة (والزّوج) من جهة الزّوجة.

(وهذه) الطريقة الّتي ذكرناها في الاعتماد على قول الطرف (سبيله) أي :

طريق الموكّل الزوج ، والسيّد للأمة (مع زوجته وأمته اذا أخبرته بطهرها وحيضها) وحملها ، وما أشبه ذلك.

فإنّ أخبار الوكيل فيما وكل فيه ، وأخبار المرأة بطهرها وحيضها ، وما أشبه ذلك ، حجّة بالاجماع ، بل الأمر عام بالنّسبة إلى غيرهما أيضا ، لقاعدة : «من ملك شيئا ملك الإقرار به» (١).

(و) كذا (يرد الكتاب) أي : تصل الرّسالة المكتوبة الموجّهة إلى الطّرف (على المرأة بطلاق زوجها) لها (أو بموته) فتكون بذلك خليّة عن الزّوج (فتتزوّج) بعد عدّتها استنادا إلى الكتاب اذا كان الكاتب ثقة.

(و) كذا يرد الكتاب (على الرجل بموت امرأته ، فيتزوّج أختها) أو الخامسة ، أو ما أشبه ذلك.

(وكذا لا خلاف بين الأمة في ان للعالم أنّ يفتي ، وللعامي أنّ يأخذ منه ، مع

__________________

(١) ـ راجع القواعد الفقهيّة للبجنوردي : ج ١ ص ٤ قاعدة من ملك.

١٦٣

عدم علم أن ما أفتى به من شريعة الإسلام وأنّه مذهبه».

فأجاب بما حاصله : «انّه إنّ كان الغرض من هذا الرّد على من أحال التعبّد بخبر الواحد فمتوجه ، فلا محيص ، وإنّ كان الغرض الاحتجاج به على وجوب العمل بأخبار الآحاد في التحليل والتّحريم ، فهذه مقامات

______________________________________________________

عدم علم إنّ ما أفتى به من شريعة الإسلام وأنّه مذهبه) لأنّ الإنسان لا يعلم بذلك علما قطعيا ، وإنّما هو بحسب الاطمئنان العرفي المستند إلى خبر الثّقة فإنّه يأخذ به مع ان الواسطة رسالة كانت ، أو إنسانا أخبره شفاها ، يحتمل في حقّه الاشتباه والخطأ ، والغفلة والنسيان ، ونحو ذلك.

(فأجاب) السيّد : أنّه إنّ كان غرض المستشكل : انّه لا استحالة ـ عقلا ـ في التعبد بالخبر الواحد في قبال قول ابن قبة القائل بالاستحالة عقلا ، فقول المستشكل تام ، لأنّه لا استحالة في حجّيّة الخبر عقلا.

وإنّ كان غرضه : انّه واقع شرعا ، بدليل حجّيّة قول المرأة ، وقول الشهود ، وما أشبه ذلك ؛ فجوابه : إنّ ما ثبت شرعا هو الحجّيّة في الموضوعات ، كما في الامثلة المتقدّمة ، لا الأحكام ومن الممكن إنّ يكون خبر الواحد حجّة في الموضوعات ، لا في الأحكام.

وهذا هو المراد من قول المصنّف (بما حاصله : انّه إنّ كان الغرض من هذا) الكلام هو : (الرد على من أحال التعبد بخبر الواحد) كابن قبة (فمتوجه) وصحيح (فلا محيص) من الالتزام بامكان التعبّد بخبر الواحد.

(وإن كان الغرض الاحتجاج به على وجوب العمل بأخبار الآحاد في التحليل والتحريم) وسائر الأحكام التكليفية والوضعية (فهذه مقامات) وموضوعات

١٦٤

ثبت فيها التعبّد بأخبار الآحاد من طرق علمية من إجماع وغيره على أنحاء مختلفة ، في بعضها لا يقبل إلّا أخبار أربعة ، وفي بعضها لا يقبل الّا عدلان ، وفي بعضها يكفي قول العدل الواحد ، وفي بعضها يكفي خبر الفاسق والذمي ، كما في الوكيل ، والأمة والزّوجة ، في الحيض والطهر.

وكيف يقاس على ذلك رواية الأخبار في الأحكام؟».

______________________________________________________

(ثبت فيها التعبّد بأخبار الآحاد من طرق علمية : من إجماع ، وغيره) فإنّ الإجماع وغيره من الأدلة العلمية قامت على حجّيّة أخبار الآحاد في الموضوعات.

وهي (على أنحاء مختلفة ، في بعضها) أي : في بعض تلك الموضوعات (لا يقبل الّا أخبار أربعة) كالزنا واللواط.

(وفي بعضها لا يقبل الّا عدلان) كما في أكثر الموضوعات ، مثل : السرقة ، وشرب الخمر ، والشّهادة على الفروج والاموال ، وغير ذلك ، فإذا شهد اثنان ، على إنّ هذه زوجة فلان ، وهي من باب الفروج قبل ، وكذلك اذا شهد اثنان على إنّ هذا ملك فلان ، وهو من باب الاموال ، قبل أيضا ، إلى غير ذلك.

(وفي بعضها يكفي قول العدل الواحد) منضما إلى اليمين ـ كما في الاموال ـ.

(وفي بعضها يكفي خبر الفاسق والذمي ، كما في الوكيل ، والأمّة والزوجة ، في الحيض والطّهر) والحمل ونحو ذلك.

(وكيف يقاس على ذلك) أي : الأخبار في الموضوعات ، الّتي تثبت بسبب خبر العادل ونحوه (رواية الأخبار في الأحكام؟) (١) أي : أخبار الرّواة الّذين يخبرون عن أحكام الله سبحانه وتعالى في الأمور التكليفية ، أو الوضعية ، مثل

__________________

(١) ـ جواب المسائل التبانيات ، مع اختلاف ، رسائل الشريف المرتضى : ج ١ ص ٣٧.

١٦٥

أقول : المعترض ، حيث ادّعى الإجماع على العمل في الموارد المذكورة ، فقد لقّن الخصم طريق الزامه والرّد عليه بأن هذه الموارد للاجماع ولو ادّعى استقرار سيرة المسلمين على العمل في الموارد المذكورة وإن لم يطلعوا على كون ذلك اجماعيا عند العلماء ، كان أبعد عن الرّدّ ،

______________________________________________________

وجوب صلاة الجمعة ، وكون الشيء الفلاني جزءا ، أو شرطا ، أو مانعا ، أو قاطعا ، أو نحو ذلك.

قال المصنّف : (أقول : المعترض) المستشكل على السيّد (حيث ادّعى الإجماع على العمل في الموارد المذكورة) بخبر الواحد ، والموارد المذكورة هي موضوعات (فقد لقن الخصم) وهو السيّد (طريق الزامه والرّدّ عليه) حيث إنّ السيّد ردّه (: بان هذه الموارد) إنّما جاز العمل فيها بأخبار الآحاد (للاجماع) على ذلك. (و) لكن (لو ادّعى) المعترض المستشكل على السيّد (: استقرار سيرة المسلمين على العمل في الموارد المذكورة ، وإن لم يطلعوا على كون ذلك اجماعيا عند العلماء ، كان) اعتراض المعترض (أبعد عن الرّدّ) ولم يتمكن السيّد من ردّه ، لأنّ حجّيّة خبر الواحد ثابتة بالاجماع وبالسيرة أيضا.

لكن المستشكل لما تمسّك باجماع العلماء فقط ، أجاب عنه السيّد : بأن إجماع العلماء على حجّيّة خبر الواحد في الموضوعات ، لا يدلّ على حجّيته في الأحكام.

أما لو كان المستشكل المعترض على السيّد تمسّك بالسّيرة ، لم يتمكن السيّد في الرّدّ عليه وتمّ حجّته على السيّد ، لأنّ المسلمين عملوا بالخبر في هذه الموارد بمناط وثاقة الراوي ، وهذا المناط موجود في الأحكام أيضا ، لا بملاحظة إجماع العلماء في الموضوعات حتى لا يمكن التعدي عن الموضوعات إلى الأحكام.

١٦٦

فتأمل.

الرابع :

استقرار طريقة العقلاء طرا على الرجوع إلى خبر الثّقة في الأمور المهمة عندهم ، ومنها الأوامر الجارية من الموالي إلى العبيد.

فنقول : إن الشارع إنّ اكتفى بذلك منهم في الأحكام الشّرعيّة ، فهو ، والّا وجب عليه

______________________________________________________

(فتأمل) ولعلّه إشارة إلى إنّ السّيرة غير ثابتة ، ولهذا اختلف العلماء فيها ، وكيف تكون السّيرة ثابتة ، والسيّد وأتباعه ينكرون حجّيّة خبر الواحد في الأحكام؟ وهناك احتمال آخر في قصد المصنّف من قوله : «فتأمل» لا يهم ذكره.

(الرابع) من وجوه الإجماع ، على حجّيّة خبر الواحد ، هو (استقرار طريقة العقلاء طرا) أي : كلا ، سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين ، علماء أو جهّال ، (على الرجوع إلى خبر الثّقة في الأمور المهمّة عندهم) ، كالرّجوع إلى الطّبيب ونحوه.

(ومنها) أي : من تلك الأمور الّتي استقر طريقة العقلاء على الرّجوع فيها إلى خبر الثّقة (: الاوامر الجارية من الموالي إلى العبيد) فإنّ الثّقة اذا أخبر واحدا من عبيد المولى بأن المولى أمره بكذا ، قبل العبد منه ذلك ، ولو لم يقبله العبد ، استحق العقوبة عند العقلاء.

(فنقول : إنّ الشّارع إن اكتفى بذلك) المتعارف عند العقلاء (منهم) بأن أمضى سيرتهم وقرّرها ، جاز للمسلمين الرجوع إلى الثّقة في تحصيل أوامره (في الأحكام الشّرعيّة ، فهو) المطلوب ، لأنّه ثبت إنّ الشّارع أيضا صحح العمل بالخبر الواحد. (والّا) أي : إن لم يكتف الشّارع بذلك (وجب عليه) أي : على الشّارع

١٦٧

ردعهم وتنبيههم على بطلان سلوك هذا الطريق في الأحكام الشّرعيّة ، كما ردع في مواضع خاصة ، وحيث لم يردع علم منه رضاه بذلك ، لأنّ اللازم في باب الاطاعة والمعصية الأخذ بما يعد طاعة في العرف ، وترك ما يعد معصية كذلك.

فإن قلت :

______________________________________________________

(ردعهم وتنبيههم على بطلان سلوك هذا الطريق في الأحكام الشّرعيّة) لأنّه لو لم ينبه على بطلانه ، وسلك عبيده طريقة العقلاء هذه في الطّاعة وعدمها من الرّجوع إلى الثّقة لم يكن له حجّة على العبيد في ذلك.

إذن : فاللازم على الشّارع أن يردع عن العمل بخبر الثّقة (كما ردع) عن الرّجوع الى الثّقة (في مواضع خاصّة) كالزّنا واللواط والمساحقة ، وما أشبه ذلك ، فإنّه لا يكتفي فيها بخبر الثّقة ، بل يريد شهودا أربعة ، وكذلك في جملة من الأحكام يريد فيها شاهدين اثنين ، وغير ذلك.

هذا ، (وحيث لم يردع) الشارع عنه (علم منه رضاه بذلك).

لا يقال : كيف يكون عدم الرّدع دليلا على الرضا؟.

فانّه يقال : (لأنّ اللّازم) بحكم العقل والعقلاء (في باب الاطاعة والمعصية : الأخذ بما يعد طاعة في العرف ، وترك ما يعد معصية كذلك) فوظيفة المكلّف بمقتضى هذا الحكم العقلي المستقل : أنّ يأخذ بخبر الثّقة في اطاعة الأحكام الشّرعيّة في الأوامر والنّواهي ، لأنّه طاعة عرفا ، فاذا رضي الشّارع بذلك فهو ، والّا وجب عليه : أن يردعه لئلا يلزم منه الاغراء بالجهل ، وحيث نرى في المقام ان الشارع لم يردع عنه كما ردع عن القياس ، تبين انّه يرى حجّيّة خبر الثّقة.

(فإنّ قلت :) إنّ الشّارع قد ردع المسلمين عن الأخذ بالخبر الواحد في

١٦٨

يكفي في ردعهم الآيات المتكاثرة والأخبار المتظافرة بل المتواترة على حرمة العمل بما عدا العلم.

قلت : قد عرفت انحصار دليل حرمة العمل بما عدا العلم في أمرين ، وإنّ الآيات والأخبار راجعة إلى أحدهما.

الاول : إنّ العمل بالظنّ والتعبّد به ، من دون توقيف من الشّارع ،

______________________________________________________

الأحكام الشّرعيّة ، و (يكفي في ردعهم : الآيات المتكاثرة ، والأخبار المتظافرة ، بل المتواترة على حرمة العمل بما عدا العلم) مثل قول سبحانه : (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) (١) ، وقوله تعالى : (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَ) (٢).

وغير ذلك من الآيات والرّوايات الّتي تقدّم ذكر جملة منها.

(قلت :) هذه الآيات والأخبار لا تردعهم عن الاخذ بخبر الثّقة ، وانّك (قد عرفت) في بحث أصالة حرمة العمل بالظّنّ (: انحصار دليل حرمة العمل بما عدا العلم) فيما اذا لم يكن إذن من الشّارع أو كان الشّارع قال شيئا ، وغير العلم يريد ابطال ذلك الشيء ، مثل : أنّ يعلم بخبر الفاسق في قبال الدليل الشرعي الّذي قام على حكم من الأحكام ، سواء كان ذلك الدليل الشرعي أصلا لفظيا ، أو أصلا عمليا.

هذا ، والاخذ بخبر الثّقة ليس من قبيل هذين الامرين ، فلم يردع عنه الشّارع ، فإنّ ردع الشّارع إنّما يكون (في أمرين ، وإنّ الآيات والأخبار) النّاهية عن العمل بغير العلم (راجعة إلى أحدهما) أي : أحد الأمرين الآتيين :

(الاول : إنّ العمل بالظنّ والتعبّد به ، من دون توقيف) وترخيص (من الشّارع ،

__________________

(١) ـ سورة الاسراء : الآية ٣٦.

(٢) ـ سورة الانعام : الآية ١١٦.

١٦٩

تشريع محرم بالأدلّة الاربعة.

والثاني : إنّ فيه طرحا لادلّة الاصول العمليّة واللفظية الّتي اعتبرها الشّارع عند عدم العلم بخلافها. وشيء من هذين الوجهين لا يوجب ردعهم عن العمل ، لكون حرمة العمل بالظنّ من أجلهما مركوزا في ذهن العقلاء ، لأنّ حرمة التّشريع ثابت عندهم ، والأصول العمليّة

______________________________________________________

تشريع محرّم بالأدلّة الأربعة ، و) قد سبق الكلام في ذلك والاستدلال عليه.

(الثاني : إنّ فيه) أي : إنّ في العمل بما عدا العلم (طرحا لادلة الاصول العمليّة واللفظية :) بأن كان الاصل العملي أو اللفظي دالا على شيء ، وخبر الفاسق دالا على خلافه ، بما يسبب الأخذ به طرح ذلك الأصل العملي أو اللفظي.

كما اذا اقتضى الأصل العملي ، كأصل الاحتياط ـ مثلا ـ : حرمة التتن ، وخبر الفاسق يريد تحليله ، أو اقتضى أصل لفظي ـ مثلا ـ : حرمة التتن ، وخبر الفاسق يريد ابطال ذلك التّحريم ، فاذا دلّت الاصول العمليّة أو الأصول اللفظيّة ـ (الّتي اعتبرها الشّارع عند عدم العلم بخلافها) ـ على شيء ، أراد خبر الفاسق إبطال ذلك الاصل ، كان هذا من العمل بما عدا العلم المحرّم شرعا وعقلا.

(وشيء من هذين الوجهين) التشريع ، والطرح (لا يوجب ردعهم) أي : ردع العقلاء (عن العمل) بخبر الثّقة ، فلا التّشريع ، ولا طرح الأصول اللفظيّة أو العمليّة ، موجب لردع العقلاء عن العمل بخبر الثّقة ، لانّهم يرون ان العمل بخبر الثّقة ليس تشريعا ، ولا مخالفا للاصول اللفظيّة والعمليّة.

وذلك (لكون حرمة العمل بالظنّ من أجلهما) أي : من أجل أنّ يكون تشريعا ، أو طرحا للاصول العمليّة واللفظيّة (مركوزا في ذهن العقلاء) كافّة من جميع الأديان والمبادئ (لأنّ حرمة التّشريع ثابت عندهم ، والاصول العمليّة

١٧٠

واللفظيّة معتبرة عندهم ، مع عدم الدليل على الخلاف.

ومع ذلك نجد بناءهم على العمل بالخبر الموجب للاطمينان.

والسرّ في ذلك ، عدم جريان الوجهين المذكورين ، بعد استقرار سيرة العقلاء على العمل بالخبر ، لانتفاء تحقق التّشريع ، مع بناءهم على سلوكه في مقام الاطاعة والمعصية ، فإنّ الملتزم بفعل ما أخبر

______________________________________________________

واللفظيّة معتبرة عندهم ، مع عدم الدّليل) المعتبر (على الخلاف) أي : على خلاف الأصول العمليّة واللفظيّة.

والحاصل : إنّ العقلاء عالمون بأن العمل بالظنّ من دون دليل على حجّيته ، حرام من جهة التّشريع تارة ، ومن جهة طرح الأصل العملي أو اللفظي تارة أخرى (ومع ذلك) أي : مع علمهم بالحرمة في الجهتين المذكورتين (نجد بنائهم) واستقرار سيرتهم ، من زمان الأئمّة عليهم‌السلام إلى زماننا هذا (على العمل بالخبر الموجب للاطمئنان) والوثوق.

(والسرّ في ذلك) أي : سرّ عملهم بخبر الثّقة ، مع أنّ بنائهم على حرمة العمل بالظن لأنّه يستلزم التّشريع ، أو طرح الاصول اللفظيّة والعمليّة الواردة من الشّارع هو : (عدم جريان الوجهين المذكورين ، بعد استقرار سيرة العقلاء على العمل بالخبر) أي : بخبر الثّقة.

أما عدم كونه تشريعا ، فذلك (لانتفاء تحقق التشريع ، مع بناءهم) أي : مع بناء العقلاء (على سلوكه) أي : على سلوك خبر الثّقة والعمل به (في مقام الاطاعة والمعصية).

فانّهم إذا عملوا على خبر الثّقة في الاوامر ، وعلى خبر الثّقة في النّواهي ، بأن فعلوا الأول وتركوا الثاني ، لم يكن هذا عندهم تشريعا (فإنّ الملتزم بفعل ما أخبر

١٧١

الثّقة بوجوبه ، وترك ما أخبر بحرمته ، لا يعد مشرعا ، بل لا يشكّون في كونه مطيعا ، ولذا يعولون به في أوامرهم العرفيّة من الموالي إلى العبيد ، مع أن قبح التّشريع عند العقلاء ، لا يختص بالاحكام الشّرعيّة.

وأما الاصول المقابلة للخبر ، فلا دليل على جريانها في مقابل خبر الثّقة ، لأنّ الأصول الّتي مدركها حكم العقل ،

______________________________________________________

الثّقة بوجوبه ، وترك ما أخبر بحرمته ، لا يعدّ مشرعا) عند العقلاء (بل لا يشكّون في كونه مطيعا) إذا اتّبع خبر الثّقة ، فكيف يكون مشرّعا؟.

(ولذا يعوّلون به) أي : بخبر الثّقة (في أوامرهم العرفيّة من الموالي إلى العبيد ، مع) وضوح (إنّ قبح التّشريع عند العقلاء ، لا يختص بالاحكام الشّرعيّة) بل يعمّ العرفيّة أيضا ، فإنّ العقلاء يعلمون : إنّ كلّ عبد لا يجوز له أنّ يشرّع في قبال مولاه ، سواء كان من أصحاب الأديان أو لم يكن ، ومع ذلك يعتمدون على خبر الثّقة لبنائهم على حجّيّته.

وبذلك ظهر : إنّ الآيات والأخبار النّاهية ، ليست رادعة من جهة التشريع ، لأنّه لا تشريع.

(وأمّا الاصول المقابلة للخبر) بأن كان الخبر دالا ـ مثلا ـ على الجواز ، والأصل يدلّ على الحرمة ، سواء كان أصلا لفظيا أو عمليا ، فعملنا بالخبر (فلا دليل على جريانها) أي : جريان الاصول اللفظيّة والعمليّة (في مقابل خبر الثّقة) اذ لا دليل على حجّيّة الاصول عند تعارضها مع خبر الثّقة ، بل اللازم عند العقلاء أن يعمل الانسان بخبر الثّقة ، ويطرح الأصل لفظيا كان أو عمليا.

وذلك (لأنّ الأصول الّتي مدركها حكم العقل) كالبراءة : حيث قبح العقاب بلا بيان.

١٧٢

لا الأخبار لقصورها عن إفادة اعتبارها ، كالبراءة والاحتياط والتخيير ، لا اشكال في عدم جريانها في مقابل خبر الثّقة ، بعد الاعتراف ببناء العقلاء على العمل به

______________________________________________________

والاحتياط : حيث العلم الاجمالي.

والتخيير : حيث لا يمكن الجمع بين طرفي العلم الاجمالي.

(لا الأخبار) أي : لا الاصول الّتي مدركها الأخبار مثل :

«رفع ما لا يعلمون» (١) و «احتط لدينك» (٢).

و «إذن فتخيّر» (٣) وما أشبه ذلك. وانّما قلنا : لا الأخبار : (لقصورها) أي : لقصور الأخبار المذكورة (عن إفادة اعتبارها) أي : اعتبار الأصول.

لكن لا يخفى : إنّ هذا الكلام محل تأمّل ، اذ الأخبار لا قصور فيها ـ كما سيأتي في مباحثها إن شاء الله تعالى ـ (كالبراءة ، والاحتياط ، والتخيير) ، فإنّ هذه الأصول الثلاثة معتبرة عند المصنّف عقلا فقط ، لا شرعا ، لعدم تماميّة أدلّة اعتبارها شرعا عنده ، لكنّا ذكرنا : انّها معتبرة شرعا أيضا.

وعلى أي حال : فإنّه (لا اشكال في عدم جريانها) أي : الاصول الذكورة (في مقابل خبر الثّقة ، بعد الاعتراف ببناء العقلاء على العمل به) أي : بخبر الثّقة

__________________

(١) ـ التوحيد : ص ٣٥٣ ح ٢٤ ، تحف العقول : ص ٥٠ ، وسائل الشيعة : ج ١٥ ص ٣٦٩ ب ٥٦ ح ٢٠٧٦٩ الخصال : ص ٤١٧.

(٢) ـ وسائل الشيعة : ج ٢٧ ص ١٦٧ ب ١٢ ح ٣٣٥٠٩ ، الامالي للمفيد : ص ٢٨٣ ، الامالي للطوسي : ص ١١٠ ح ١٦٨.

(٣) ـ غوالي اللئالي : ج ٤ ص ١٣٣ ح ٢٢٩ ، بحار الانوار : ج ٢ ص ٢٤٥ ب ٢٩ ح ٥٧ ، جامع أحاديث الشيعة : ج ١ ص ٢٥٥.

١٧٣

في أحكامهم العرفيّة ، لأنّ نسبة العقل في حكمه بالعمل بالاصول المذكورة الى الأحكام الشّرعيّة والعرفيّة سواء.

وأما الاستصحاب ، فإن أخذ من العقل ، فلا إشكال في أنّه لا يفيد الظّنّ في المقام ،

______________________________________________________

(في أحكامهم العرفيّة) وإذا استقرّت سيرة العقلاء على العمل بخبر الثّقة في قبال الاصول العقليّة في أمورهم العرفيّة ، كان الأمر كذلك بالنّسبة إلى الاصول العقليّة وخبر الثّقة الوارد عن الشّرع في الأمور الشّرعيّة.

وعليه : فتطرح الأصول الثلاثة العقليّة في قبال خبر الثّقة ، سواء كان خبر الثّقة في الأمور العرفيّة ، أو في الأمور الشّرعيّة.

وانّما نقارن الشّرع بالعرف في هذه الجهة (لأنّ نسبة العقل في حكمه بالعمل بالاصول المذكورة إلى الأحكام الشّرعيّة والعرفية سواء) فإنّ حكم العقل بوجوب الاخذ بخبر الثّقة ، وطرح الاصول الثلاثة عند تعارضها مع خبر الثّقة ليس مختصا بالامور العرفيّة ، وإنّما جار في الأحكام الشّرعيّة أيضا إذا العقل لا يفرّق في حكمه بحجيّة الاصول بين العرفيّات والشرعيّات ، فإذا لم يكن فرق في الاصول بينهما ، لم يكن فرق في سقوط الأصول بسبب خبر الثّقة.

إذن : فكما تسقط البراءة ـ مثلا ـ بسبب خبر الثّقة في الموالى العرفيّة ، كذلك تسقط البراءة العقليّة بسبب خبر الثّقة في الأمور الشّرعيّة.

(وأمّا الاستصحاب) وهو الأصل الرّابع من الأصول العملية (فإن أخذ من العقل) بأن قلنا : أنّ الاستصحاب حجّة ، عند العقلاء ، لانّهم يرون : «ابقاء ما كان على ما كان» (فلا إشكال في انّه لا يفيد الظّنّ في المقام) أي مقام تعارض الاستصحاب مع خبر الثّقة ، فإنّ في مثله لا يحكم العقل بحجيّة الاستصحاب ،

١٧٤

وإن أخذ من الأخبار فغاية الأمر حصول الوثوق بصدورها دون اليقين.

وأما الأصول اللفظيّة كالإطلاق ، والعموم ،

______________________________________________________

وإنّما يحكم بحجّيّته عند انتفاء خبر الثّقة.

(وإن) قلنا : بأنّه من الأصول الشّرعيّة ، بمعنى : إنّ الشّرع دلّ على الاستصحاب بمقتضى قوله عليه‌السلام : «لا تنقض اليقين بالشّكّ» (١) وغيره من الرّوايات المذكورة في باب الاستصحاب ، فيكون قد (أخذ) الاستصحاب (من الأخبار) الآتية إن شاء الله تعالى في بابه (فغاية الأمر : حصول الوثوق بصدورها دون اليقين).

وذلك لأنّ مصدر حجّيّة الاستصحاب خبر الثّقة ، فإذا عارض الاستصحاب خبر الثّقة ، كان من تعارض الخبرين الخبر الدّال على الاستصحاب ، والخبر الدّال على الحكم المخالف للاستصحاب ولا دليل على تقديم الاستصحاب على خبر الثّقة الذي هو مقابل للاستصحاب.

بل يمكن إنّ يقال : إنّ خبر الثّقة خاصّ ، ودليل الاستصحاب عامّ ، فيخصّص بخبر الثّقة.

مثلا : «لا تنقض اليقين بالشّكّ» يقول : كلّ شيء له حالة سابقة استصحب تلك الحالة ، وخبر الثّقة القائل : «ابن على الأربع» يقول : لا تستصحب في الشّكّ في الرّكعات ، وهو أخصّ من دليل الاستصحاب فيقدّم على الاستصحاب

(وأمّا الأصول اللفظية كالإطلاق ، والعموم) حيث قرّروا في بحثهما : انّه

__________________

(١) ـ الكافي (فروع) : ج ٣ ص ٣٥١ ح ٣ ، تهذيب الاحكام : ج ٢ ص ١٨٦ ب ٢٣ ح ٤١ ، الاستبصار : ج ١ ص ٣٧٣ ب ٢١٦ ح ٣ ، وسائل الشيعة : ج ٨ ص ٢١٧ ب ١٠ ح ١٠٤٦٢.

١٧٥

فليس بناء أهل اللسان على اعتبارها حتّى في مقام وجود الخبر الموثوق في مقابلها ، فتأمّل.

الخامس :

ما ذكره العلّامة في النّهاية من إجماع الصّحابة على العمل بخبر الواحد من غير نكير ،

______________________________________________________

لو شكّ في الإطلاق ، كان الأصل الإطلاق ، ولو شكّ في العموم ، كان الأصل العموم (فليس بناء أهل اللسان على اعتبارها) أي : على اعتبار هذه الأصول (حتّى في مقام وجود الخبر الموثوق في مقابلها).

فإنّ سيرة العقلاء وأهل اللسان على الأخذ بالظّواهر ، ومن الظّواهر : خبر الثّقة ، فإذا كان خبر الثّقة في مقام ، لم يأخذ العقلاء بأصل الإطلاق ، وأصل العموم في ذلك المقام ، وإنّما يأخذ العقلاء بأصل الإطلاق وأصل العموم ، فيما إذا لم يكن هناك خبر ثقة مخصّص أو مقيّد للأصلين ، فالأصول اللفظيّة لا يمكنها إسقاط الخبر الموثوق به.

(فتأمّل) ولعلّه إشارة الى ما ذكرناه : من تقديم دليل الخبر على دليل الاستصحاب ، لا كما ذكره المصنّف ممّا ظاهره التعارض بينهما ، ولعلّه إشارة الى غير ذلك ممّا ذكره الأوثق وغيره من المحشّين.

(الخامس) من وجوه تقرير الإجماع على حجّيّة خبر الواحد (: ما ذكره العلّامة في النّهاية : من إجماع الصّحابة) الّذين صحبوا المعصومين عليهم‌السلام ، من الرّسول الى الإمام المهدي (على العمل بخبر الواحد من غير نكير) فإنّه لم ينكر على هؤلاء العلماء الذين أخذوا بأخبار الآحاد ، لا أحد من المعصومين عليهم‌السلام ولا أحد من العلماء.

١٧٦

وقد ذكر في النّهاية ، مواضع كثيرة عمل فيها الصّحابة بخبر الواحد.

وهذا الوجه لا يخلو من تأمّل ، لأنّه إن أريد من الصّحابة العاملين بالخبر من كان في ذلك الزمان لا يصدر إلّا عن رأي الحجّة عليه‌السلام فلم يثبت عمل أحد منهم بخبر الواحد ، فضلا عن ثبوت تقرير الإمام عليه‌السلام له ، وان أريد به الهمج

______________________________________________________

هذا (وقد ذكر في النّهاية ، مواضع كثيرة عمل فيها الصّحابة بخبر الواحد). قال الآشتياني في حاشيته : «يستفاد الإشارة الى هذا الوجه من كلام الشيخ في العدّة والسيّد ، وغيرهما قدس‌سرهم ، وقد ذكروا في باب الإجماع : إجماع الصّحابة ، وإجماع أهل المدينة ، عنوانا مستقلا.

وكان من دأب الخلفاء والصّحابة التّابعين إذا أشكل الأمر عليهم في آية أو مسألة ، السؤال ممّن سمع النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيهما شيئا ، فإذا نقل وروى منه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حكم ، ما استشكلوا آية أو رواية ، وأخذوا بقوله من دون تأمّل ، فيكشف ذلك ، إمّا عن تقرير المعصوم ، أو متابعة ما وصل إليهم منه من وجوب العمل بخبر الواحد في الأحكام الشّرعيّة».

(وهذا الوجه لا يخلو من تأمّل ، لأنّه إن اريد من الصّحابة العاملين بالخبر) الواحد (: من كان في ذلك الزمان لا يصدر) أي : لا ينطلق في أعماله وأقواله وأفعاله (إلّا عن رأي الحجّة عليه‌السلام) أمثال سلمان ، وأبي ذر ، والمقداد ، من صحابة الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (فلم يثبت عمل أحد منهم بخبر الواحد ، فضلا عن ثبوت تقرير الإمام عليه‌السلام له) لأنّ مثل أبي ذر ، وسلمان ، والمقداد ، كانوا يأخذون رأي الحجّة عليه‌السلام بلا واسطة ، ولم يحتاجوا في عملهم الى خبر الواحد.

(وإن أريد به) أي : بالصحابة الّذين كانوا يعملون بالخبر الواحد (الهمج

١٧٧

الرّعاع الّذين يصغون الى كلّ ناعق ، فمن المقطوع عدم كشف عملهم عن رضا الإمام عليه‌السلام لعدم ارتداعهم بردعه في ذلك اليوم.

ولعل هذا مراد السّيد رحمه‌الله حيث أجاب عن هذا الوجه بأنّه انّما عمل بخبر الواحد ، المتآمرون الّذين يتجشم التصريح بخلافهم ، وإمساك النكير عليهم لا يدلّ على الرضا بعملهم.

إلّا أن يقال : انّه لو كان عملهم منكرا لم يترك الإمام عليه‌السلام ، بل ولا أتباعه من الصّحابة النكير على العاملين ، اظهار للحقّ ، وان لم يظنوا

______________________________________________________

الرّعاع) من عامّة النّاس (الّذين يصغون) ويستمعون (الى كلّ ناعق) وصائح ، فيتّبعونه من دون علم بصحّة كلامه (فمن المقطوع عدم كشف عملهم) بالخبر الواحد (عن رضا الإمام عليه‌السلام لعدم ارتداعهم) وكفّهم عن عملهم (بردعه) عليه‌السلام (في ذلك اليوم) الذي كان الإمام عليه‌السلام مغلوبا على أمره ، وكانت السّلطة بيد غيره ممّن يضاده.

(ولعلّ هذا) الوجه الّذي ذكرناه في ردّ عمل الصّحابة بخبر الواحد (مراد السيّد رحمه‌الله حيث أجاب عن هذا الوجه) من وجوه الإجماع (: بأنّه انّما عمل بخبر الواحد ، المتآمرون الّذين) أزاحوا أهل البيت عليهم‌السلام عن مناصبهم فكان الإمام عليه‌السلام (يتجشّم) أي : يمتنع عن (التصريح بخلافهم) ويحترز عن معارضتهم.

(و) على هذا : فإنّ (امساك النكير) من المعصومين عليهم‌السلام (عليهم) أي : على أولئك الصّحابة (لا يدلّ على الرّضا) منهم عليهم‌السلام (بعملهم) بالخبر الواحد.

(إلّا أن يقال) في ردّ هذا الإشكال (: انّه لو كان عملهم) أي : عمل الصّحابة (منكرا ، لم يترك الإمام عليه‌السلام ، بل ولا أتباعه من الصّحابة) الّذين استقاموا على الطّريقة (النكير على العاملين) بالخبر الواحد وذلك (اظهارا للحقّ ، وإن لم يظنوا

١٧٨

الارتداع ، إذ ليست هذه المسألة بأعظم من مسألة الخلافة ، الّتي أنكرها عليهم من أنكر ، لإظهار الحقّ ، ودفعا لتوهّم دلالة السّكوت على الرّضا.

السادس :

دعوى الإجماع من الإمامية ، حتّى السيّد وأتباعه ، على وجوب الرجوع الى هذه الأخبار الموجودة في أيدينا ، المودعة في أصول الشّيعة وكتبهم.

______________________________________________________

الارتداع) منهم (إذ ليست) التقيّة في (هذه المسألة) وهي مسألة إنكارهم العمل بخبر الواحد ـ على فرض عدم شرعيّته ـ (بأعظم من) التقيّة في (مسألة الخلافة ، التي أنكرها) أي : الخلافة (عليهم) أي : على الّذين تصدّوا للخلافة وغصبوها (من أنكر) من المعصومين وأتباعهم المخلصين ، وذلك (لإظهار الحقّ ، ودفعا لتوهّم دلالة السكوت على الرّضا) فانّهم لاجل أن يستدلّ أحد بسكوتهم على رضاهم ، كانوا ينكرون على الغاصبين فلمّا رأينا انّهم لم ينكروا فيما نحن فيه ، دلّ عدم إنكارهم هنا على رضاهم بالعمل بالخبر الواحد.

ولا يخفى ما في تأمّل المصنّف قدس‌سره على الوجه الخامس فإنّه قد تقدّم منه رحمه‌الله : إنّ المجلسي قد ادّعى : تواتر الأخبار بعمل الشّيعة في جميع الاعصار بخبر الواحد.

وكذا تقدّمت دعوى النّجاشي والشّهيد اتفاقهم على العمل بمراسيل ابن أبي عمير ، الى غير ذلك من الشّواهد ، فالتّمسك باجماع صحابة الرّسول والائمة عليهم‌السلام بالعمل بخبر الواحد تمسّك لا بأس به في الدلالة على حجّيّة خبر الواحد.

(السادس :) من وجه تقرير الإجماع على حجّيّة خبر الواحد (دعوى الإجماع من الامامية) كافة (حتّى السّيد وأتباعه ، على وجوب الرجوع الى هذه الأخبار الموجودة في أيدينا ، المودعة في أصول الشّيعة وكتبهم) فإنّ كثيرا

١٧٩

ولعلّ هذا هو الّذي فهمه بعض من عبارة الشّيخ المتقدّمة عن العدّة ، فحكم بعدم مخالفة الشّيخ السّيد قدس‌سرهما.

وفيه : أولا : أنّه إنّ أريد ثبوت الاتفاق على العمل بكلّ واحد من أخبار هذه الكتب ، فهو ممّا علم خلافه بالعيان ،

______________________________________________________

من الأخبار لم تكن في الأصول الاربعمائة ، وإنّما وجدت في الكتب الّتي ألفت لا بعنوان الأصل ، كالخلاف ، والمختلف ، والمعتبر ، وغيرها ، فإنّ العمل بهذه الأخبار ممّا اتفق عليها الكلّ ، وهذا هو الإجماع بعينه.

غاية الأمر : إنّ السّيد وأتباعه يعملون بها بادعائهم : احتفافها بالقرائن القطعيّة ، وغيرهم يعملون بها لحجيّة خبر الواحد عندهم ، وبالنتيجة : فالكلّ متفقون على هذه الأخبار.

(ولعلّ هذا) أي : الإجماع على العمل بهذه الأخبار المودعة في الأصول والكتب (هو الذي فهمه بعض ، من عبارة الشّيخ المتقدّمة عن العدّة) فقد تقدّمت عبارته بما لفظها :

«فانّي وجدت الفرقة مجمعة على العمل بهذه الأخبار الّتي رووها في تصانيفهم ، ودونوها في أصولهم» فإنّه يفهم من هذه العبارة إنّ الشّيخ يدعي : الإجماع على خصوص هذه الأخبار المدوّنة في الكتب المشهورة (فحكم) من أجل ذلك (بعدم مخالفة الشّيخ للسّيد قدس‌سرهما) لانّهما معا يعملان بهذه الأخبار ، سواء بادعاء انّها محفوفة بالقرائن القطعيّة ، أو بادّعاء : انّها من الأخبار الّتي طرقها حجّة لوثاقة رواتها.

(وفيه أولا : انّه إنّ أريد : ثبوت الاتفاق على العمل بكلّ واحد من أخبار هذه الكتب ، فهو ممّا علم خلافه بالعيان) إذ من الواضح : إنّ العلماء لا يعملون بكلّ

١٨٠