الوصائل إلى الرسائل - ج ٤

آية الله السيد محمد الشيرازي

الوصائل إلى الرسائل - ج ٤

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة عاشوراء للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7263-03-1
ISBN الدورة:
964-7263-04-X

الصفحات: ٤٠٠

مع أنّ العلم بوجود الأخبار المكذوبة إنّما ينافي دعوى القطع بصدور الكلّ الّتي تنسب إلى بعض الأخباريين أو دعوى الظّنّ بصدور جميعها ، ولا ينافي ذلك ما نحن بصدده ، من دعوى العلم الاجمالي بصدور أكثرها أو كثير منها ، بل هذه دعوى بديهيّة.

والمقصود ممّا ذكرنا :

______________________________________________________

في كتب أصحابنا ، وحينئذ : يدور الأمر بين الواجب والحرام ، لانّ الأخذ بالخبر المدسوس حرام ، والأخذ بالخبر الوارد واجب.

والجواب أوّلا : ما ذكرنا : من إن الأصول قد نقحت وانتخبت بالتّدوين والمقابلة وعلم الرّجال والأخبار الموضوعة ـ على فرض وجودها ـ في كتب الأصحاب اليوم فهي نادرة ندرة كبيرة ، حتّى إن الشّبهة من قبيل الشّبهة غير المحصورة ، فلا يكون الأمر من الدوران بين الواجب والحرام ، وانّما يجب الأخذ بكلّ الأخبار إلّا ما علم استثناؤه.

ثانيا (مع إنّ العلم) الاجمالي (بوجود الأخبار المكذوبة إنّما ينافي دعوى القطع بصدور الكلّ) وهذا ما لا ندّعيه نحن ، وإنّما هذه دعوى هي (الّتي تنسب إلى بعض الأخباريين) فقط.

(أو) ينافي (دعوى الظّنّ بصدور جميعها ، و) لكن (لا ينافي ذلك) أي : وجود الأخبار المدسوسة والمكذوبة (ما نحن بصدده من دعوى : العلم الاجمالي بصدور أكثرها ، أو كثير منها) إلّا ما شذّ.

(بل هذه) الدعوى بصدور أكثر الأخبار عنهم عليهم‌السلام (دعوى بديهيّة) لا تحتاج إلى برهان ، لأنّ كلّ من له مزاولة بالأخبار يعرف ذلك بالوجدان.

(والمقصود ممّا ذكرنا :) من شدّة اهتمام الرّواة في نقل الحديث واحتياطهم

٢٠١

دفع ما ربّما يكابره المتعسّف الخالي عن التّتبّع من منع هذا العلم الاجمالي ؛ إنّما هو متعلّق بالأخبار المخالفة للأصل المجرّدة عن القرينة ،

______________________________________________________

في الأخذ من مشايخهم الثّقاة ، هو (دفع ما ربّما يكابره المتعسّف الخالي عن التّتبّع) والمكابرة : إدّعاء شيء بلا دليل ، والتّعسّف : هو قول الباطل (من منع هذا العلم الاجمالي) بصدور الأكثر أو الجلّ.

وحيث أثبت المصنّف العلم الاجمالي بوجود كثير من الأخبار الصّادرة عنهم عليهم‌السلام في ضمن الأخبار المنقولة في الكتب الأربعة وغيرها ، شرع في بيان أمر آخر مرتبط بالدّليل العقلي المثبت لحجيّة خبر الواحد بقوله :

ثم إنّ هذا العلم الاجمالي (إنّما هو متعلق بالأخبار المخالفة للأصل المجرّدة عن القرينة) فإنّ هناك ثلاثة أقسام من الأخبار :

الأوّل : ما يوافق الأصل ، مثل : خبر يدل على جواز شرب التّتن ، حيث إنّ الأصل هو البراءة عن الحرمة أيضا ، فالأصل يدّل على ذلك من غير حاجة إلى الخبر الموافق للأصل.

الثّاني : الأخبار المخالفة للأصل ، لكنها محفوفة بالقرائن الموجبة للعلم ، مثل : الخبر الدّال على وجوب صلاة الجمعة في عصر الغيبة ، حيث إنّ الأصل عدم الوجوب ، لكنّ الخبر المحفوف بالقرينة ورد على خلاف الأصل ، وهذا القسم أيضا لا تحتاج فيه إلى الخبر لوجود القرينة ـ فرضا ـ.

الثّالث : الأخبار الّتي لا توافق الأصل ، ولا فيها قرينة ، مثل : الخبر الدّال على وجوب الدّعاء عند رؤية الهلال ، حيث لا قرينة قطعيّة فيها ، ولا يوافق الأصل.

والكلام في الدّليل العقلي ـ وهو العلم الاجمالي ـ الموجب للعمل بالخبر الواحد هو في القسم الثّالث فقط ، إذ القسمان الأوّلان لا حاجة إلى العلم الاجمالي

٢٠٢

وإلّا فالعلم بوجود مطلق الصّادر لا ينفع.

فإذا ثبت العلم الاجمالي بوجود الأخبار الصّادرة ، فيجب بحكم العقل العمل بكلّ خبر مظنون الصّدور ، لأنّ تحصيل الواقع الّذي يجب العمل به إذا لم يكن على وجه العلم تعين المصير إلى الظّنّ في تعيينه ، توصلا إلى العمل بالأخبار الصّادرة.

______________________________________________________

في وجوب العمل بها ، بهما عرفت من أنّ القسم الأوّل يلزم العمل به للأصل ولو لم يكن خبر ، والقسم الثّاني يلزم العمل به للقرينة ولو لم يكن خبر.

(وإلّا) أي : إنّ لم يكن الكلام في الأخبار المخالفة للأصل المجرّدة عن القرينة (فالعلم بوجود مطلق) الخبر (الصّادر) ولو في الصنفين الأوّلين (لا ينفع) لما ذكرناه ، وحينئذ : (فإذا ثبت العلم الاجمالي بوجود الأخبار الصّادرة) من القسم الثّالث (فيجب بحكم العقل : العمل بكلّ خبر مظنون الصّدور) لا مشكوك الصّدور ، أو موهم الصّدور.

وذلك (لأنّ تحصيل الواقع) من الأخبار الصّادرة عنهم عليهم‌السلام حسب علمنا بصدور أخبار كثيرة إجمالا (الّذي يجب العمل به ، إذا لم يكن على وجه العلم) التفصيلي ـ لأنّ الفرض إنّا لا نعلم تفصيلا كلّ خبر خبر صادر عنهم عليهم‌السلام ، وإنّما نعلم بذلك إجمالا ـ (تعين المصير إلى الظّنّ في تعيينه) أي : في تعيين الواقع (توصلا إلى العمل بالأخبار الصّادرة).

فإنّ الأخبار الصّادرة حيث لا يعلمها الانسان علما تفصيليّا قام الظّنّ بالواقع مقامه ، كما هو بناء العقلاء من انّه كلّما تعذر العلم على شيء أقاموا الظّنّ مقامه ، فإنّ من يريد السّفر ـ مثلا ـ إلى ناحية وهو مضطر إلى هذا السّفر ، ولا يعلم علما تفصيليا إنّ الطّريق من الجنوب أو الشّمال ، أو الشّرق ، أو الغرب ، فإنّ العقلاء

٢٠٣

بل ربّما يدعى وجوب العمل بكلّ واحد منها مع عدم المعارض والعمل بمظنون الصدور ، أو بمظنون المطابقة للواقع من المتعارضين.

والجواب عنه : أولا : إنّ وجوب العمل بالأخبار الصّادرة إنّما هو لاجل وجوب امتثال أحكام الله الواقعيّة ، المدلول عليها بتلك الأخبار ، فالعمل بالخبر الصّادر

______________________________________________________

يلزمونه بالعمل بظنّه.

(بل ربّما يدّعى وجوب العمل بكلّ واحد منها) أي : من الأخبار ولو بدون وجود الظّنّ بمطابقة كلّ منها للواقع للعلم الاجمالي ، فإنّ اللّازم بدليل الاشتغال العمل بكلّ الأطراف المحتملة ، سواء كان مظنونا أو مشكوكا أو موهوما (مع عدم المعارض) لذلك الخبر الّذي هو مظنون أو مشكوك أو موهوم.

(و) مع وجود المعارض يجب (العمل بمظنون الصّدور ، أو بمظنون المطابقة للواقع من المتعارضين).

مثلا : إذا كان هناك خبران متعارضان ، أحدهما يدلّ على وجوب الجمعة ، والآخر يدلّ على حرمة الجمعة ، ولا نعلم أيّهما الصّادر عن الإمام عليه‌السلام؟ عملنا بمنطوق الصدوق بحسب المرجحات الّتي أوجبت لنا الظّنّ ، ولو فرض انّ كليهما متساويان فلا ظنّ بمطابقة أحدهما للواقع ، أخذنا بالمرجح من مخالفة العامّة ـ مثلا ـ أو موافقة محتملات القرآن الحكيم ، أو نحو ذلك.

(والجواب عنه) أي : عن هذا التقرير للدّليل العقلي ، الدّال على وجوب العمل بالخبر الواحد تمسّكا بالعلم الاجمالي بما يلي :

(أوّلا : إنّ وجوب العمل بالأخبار الصّادرة ، إنّما هو لأجل وجوب امتثال أحكام الله الواقعيّة ، المدلول عليها بتلك الأخبار ، فالعمل بالخبر الصّادر

٢٠٤

عن الإمام عليه‌السلام ، إنّما يجب من حيث كشفه عن حكم الله الواقعي ، وحينئذ نقول : انّ العلم الاجمالي ليس مختصّا بهذه الأخبار ، بل نعلم إجمالا بصدور أحكام كثيرة عن الأئمّة عليهم‌السلام ، لوجود تكاليف كثيرة ، وحينئذ ، فاللّازم ، أوّلا : الاحتياط ومع تعذّره أو تعسّره

______________________________________________________

عن الإمام عليه‌السلام ، إنّما يجب من حيث كشفه عن حكم الله الواقعي) أي : انّه إنّما يجب العمل بالأخبار الصّادرة لا لانها أخبار ، بل لانّها أحكام الله الواقعيّة ، ونحن مأمورون بامتثال أحكام الله الواقعيّة.

(وحينئذ) أي : إذا كان الواجب في الحقيقة : امتثال الأحكام الصّادرة عنهم المطابقة للواقع ، بما انّها أحكام الله الواقعيّة لا بما انّها أخبار (نقول : انّ العلم الاجمالي ليس مختصا بهذه الأخبار) حتّى يكون الدّليل العقلي على وجوب العمل بهذه الأخبار فقط ، وذلك لأنّ أحكام الله الّتي نعلم إجمالا بصدورها عنهم عليهم‌السلام ويجب امتثالها ، ليس مختصة بمضامين الأخبار الّتي بأيدينا ، (بل نعلم إجمالا بصدور أحكام كثيرة عن الأئمّة عليهم‌السلام) بعضها موجود في هذه الكتب المعتبرة وبعضها لم يصل إلينا (لوجود تكاليف كثيرة) في الواقع ومتن الأمر.

(وحينئذ ، ف) ليس الواجب هو العمل بهذه الأخبار فقط ، بل (اللّازم أوّلا : الاحتياط) التّامّ ، بأن نعمل بكلّ شيء نحتمله حكما واقعيّا ، سواء كان في خبر ، أو بشهرة ، أو إجماع منقول ، أو استحسان ، أو ما أشبه ذلك ، وسواء كان الخبر مظنونا ، أو موهوما ، أو مشكوكا ، فدليلكم العقلي لم يدلّ على الأخذ بالأخبار الواردة ، بل يقتضي الأوسع من ذلك.

ثانيا : (ومع تعذره) أي : تعذر الاحتياط التّامّ.

(أو تعسره) لأنّ الاحتياط إذا كان متعذرا ، فالعمل به غير معقول ، وإذا كان

٢٠٥

أو قيام الدّليل على عدم وجوبه يرجع إلى ما أفاد الظّنّ بصدور الحكم الشّرعي التّكليفي عن الحجّة عليه‌السلام ، سواء كان المفيد للظّنّ خبرا أو شهرة أو غيرهما ، فهذا الدّليل لا يفيد حجّيّة خصوص الخبر ، وإنّما يفيد حجّيّة كلّ ما ظنّ منه بصدور الحكم عن الحجّة وانّ لم يكن خبرا.

______________________________________________________

متعسّرا ، فالعمل به مرفوع ، لقوله سبحانه (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ ، وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ...) (١).

ونحو ذلك من الأدلة الرّافعة لحكم التعسّر.

(أو قيام الدّليل) من إجماع أو غيره (على عدم وجوبه) أي : وجوب الاحتياط (يرجع إلى ما) أي : كلّ أمارة (أفاد الظّنّ بصدور الحكم الشّرعي التّكليفي) الاقتضائي ، والاقتضائي حكمان : الوجوب والحرمة ، وإلّا فإنّ الإباحة ، والاستحباب ، والكراهة ، أحكام لا اقتضائيّة ، ليس الانسان ملزما باتيانها أو تركها.

وعليه : فإذا ظنّ الانسان بصدور حكم شرعي (عن الحجّة عليه‌السلام) لزم عليه العمل بذلك المظنون (سواء كان المفيد للظّنّ خبرا ، أو شهرة ، أو غيرهما) كالإجماع ، والاستحسان ، ونحوهما ، بل يتعدّى إلى القياس ، والمصالح المرسلة ، ونحوهما ـ كما سيأتي الكلام عنها في بحث الانسداد إنشاء الله تعالى.

وعلى أي حال : (فهذا الدّليل) أي : العلم الاجمالي بصدور أحكام كثيرة عنهم الّذي جعله المستدلّ دليلا عقليّا لوجوب العمل بهذه الأخبار ، دليل أعمّ من المدّعى ، لانّه (لا يفيد حجّيّة خصوص الخبر ، وإنّما يفيد حجّيّة كلّ ما ظنّ منه بصدور الحكم عن الحجّة وإن لم يكن خبرا).

__________________

(١) ـ سورة البقرة : الآية ١٨٥.

٢٠٦

فإن قلت : المعلوم صدور كثير من هذه الأخبار الّتي بأيدينا ، وأما صدور الأحكام المخالفة للأصول غير مضمون هذه الأخبار ، فهو غير معلوم لنا ولا مظنون.

قلت : العلم الاجمالي وان كان حاصلا

______________________________________________________

بل قد عرفت : إنّه إذا لم يكن تعذّر ، أو تعسّر ، أو دليل على عدم الاحتياط ، وجب الاحتياط بالنّسبة إلى غير المظنون ، من الموهوم ، والمشكوك ، فمن أين استدللتم بهذا الدّليل لحجيّة خصوص الخبر؟ ولخصوص المظنون من الخبر؟.

فهذان تخصيصان لا يدلّ عليه هذا الدّليل العقلي.

وحيث قال المصنّف : إنّ هذا الدّليل العقلي ، يدلّ على لزوم رعاية العلم الاجمالي في الأخبار ، وفي سائر الأمارات ، لا في خصوص الأخبار فقط ، أشكل عليه المستشكل بقوله :

(فإن قلت : المعلوم) بالإجمال ، ليس إلّا (صدور كثير من هذه الأخبار الّتي بأيدينا ، وأما صدور الأحكام المخالفة للأصول غير مضمون هذه الأخبار) من الأمارات الّتي يجب العمل بها فعلا أو تركا ، (فهو غير معلوم لنا ولا مظنون) فانّه ليس لنا علم إجمالي كبير يشمل الأخبار وغير الأخبار ، بل علم إجمالي صغير يشمل الأخبار فقط.

إذن : فليس لنا علم إجمالي بأحكام واقعيّة صادرة عنهم عليهم‌السلام في الأخبار وفي غير الأخبار ، حتّى يجب علينا العمل بهذه الأخبار ، وبغير هذه الأخبار : من الشّهرة ، الإجماع المنقول ، والاستحسان ، وما أشبه ذلك ، فالدّليل العقلي دالّ على وجوب العمل بالأخبار فقط.

(قلت : العلم الاجمالي) بصدور الأحكام عنهم عليهم‌السلام (وإن كان حاصلا

٢٠٧

في خصوص هذه الرّوايات الّتي بأيدينا ، إلّا أنّ العلم الاجمالي حاصل أيضا في مجموع ما بأيدينا من الأخبار ، ومن الأمارات الأخر المجرّدة عن الخبر الّتي بأيدينا المفيدة للظّنّ بصدور الحكم عن الإمام عليه‌السلام ، وليست هذه الأمارات خارجة عن أطراف العلم الاجمالي الحاصل في المجموع بحيث يكون العلم الاجمالي في المجموع مستندا إلى بعضها وهي الأخبار ،

______________________________________________________

في خصوص هذه الرّوايات الّتي بأيدينا ، إلّا) إنّ هذا علم إجمالي صغير ، وفوقه علم إجمالي كبير ، وكما إنّه يجب العمل بالعلم الاجمالي الصغير ، كذلك يجب العمل بالعلم الاجمالي الكبير.

وذلك (إنّ العلم الاجمالي حاصل أيضا في مجموع ما بأيدينا من الأخبار ، ومن الأمارات الأخر المجرّدة عن الخبر) أما الأمارة المقترنة بالخبر ، فليس الكلام فيها ، وإنّما الكلام في العلم الاجمالي الكبير الشامل للخبر ، وللأمارات الأخر الّتي ليس على طبقها الخبر ، مثل : الشّهرة ، والإجماع المنقول ، وغيرهما من سائر الأمارات (الّتي بأيدينا المفيدة للظّنّ بصدور الحكم عن الإمام عليه‌السلام).

وإذا كان المعيار في العمل بالخبر هو : العلم الاجمالي ، كان هذا هو المعيار أيضا في العمل بسائر الأمارات الموجبة للظّنّ.

(و) ذلك لأنّه (ليست هذه الأمارات خارجة عن أطراف العلم الاجمالي) الكبير ، (الحاصل في المجموع) من الخبر ومن الأمارة (بحيث يكون) حصول (العلم الاجمالي في المجموع مستندا إلى بعضها) أي : بعض أفراد هذا المجموع (وهي الأخبار) فقط ، فإنّه قد يكون العلم الاجمالي الكبير منحلا إلى علم إجمالي صغير ، وقد لا يكون منحلا.

مثلا : من علم بانّ بعض هذه الأواني العشرة سمّ ، كان علمه الاجمالي الكبير

٢٠٨

ولذا لو فرضنا عزل طائفة من هذه الأخبار وضممنا إلى الباقي مجموع الأمارات الأخر كان العلم الاجمالي بحاله.

فهنا علم إجمالي حاصل في الأخبار

______________________________________________________

موجبا لاجتناب جميعها ، أما إذا كان علمه الكبير منحلا إلى علم إجمالي آخر : بانّ السمّ في الأواني البيض فقط دون الحمر ، فقد انحلّ علمه الكبير إلى علم صغير ، ووجب عليه الاجتناب عن البيض فقط ، دون الحمر ، لانحلال علمه بالنّسبة إلى الحمر ، فيجوز له شربها وإنّما المحرم شرب البيض فقط ، أما إذا كان علمه الاجمالي الكبير في أعمّ من البيض والحمر لم ينحل علمه الاجمالي الكبير بالنّسبة إلى الحمر أيضا.

(ولذا) أي : للاستشهاد على كون العلم الاجمالي في المجموع ، لا في الأخبار فقط ، هو إنّه (لو فرضنا عزل طائفة من هذه الأخبار) بأن علمنا علما تفصيليّا : بانّ الأحكام الواقعيّة الّتي في هذه الأخبار ، هي فقط في الكافي والتّهذيب ، ـ مثلا ـ فلا يزول العلم الاجمالي الكبير ، لانّا نعلم بأنّ هناك في سائر الأمارات أحكاما واقعيّة أيضا.

(و) لذا لو (ضممنا إلى الباقي) من كتب الأخبار ، كالفقيه والإستبصار (مجموع الأمارات الأخر) من الشّهرة والإجماع المنقول ، ونحوهما (كان العلم الاجمالي) بوجود أحكام لله سبحانه وتعالى في المجموع باقيا (بحاله) لانّا نعلم : إنّ هناك أحكاما أخر موجودة في مجموع هذه الأخبار وهذه الأمارات الباقية.

وعليه : (فهنا) فيما نحن فيه من الأخبار والأمارات (علم اجمالي) صغير ، (حاصل في الأخبار) فقط ، حيث نعلم إنّ في الأخبار طائفة من أحكام

٢٠٩

وعلم إجمالي حاصل بملاحظة مجموع الأخبار وسائر الأمارات المجرّدة عن الخبر ، فالواجب مراعاة العلم الإجماليّ الثّاني وعدم الإقصار على مراعاة الأوّل.

نظير ذلك : ما إذا علمنا إجمالا بوجود شياة محرّمة في قطيع غنم بحيث يكون

______________________________________________________

الله سبحانه وتعالى لا نعرفها بخصوصها.

(وعلم اجمالي) كبير (حاصل بملاحظة مجموع الأخبار وسائر الأمارات المجرّدة عن الخبر).

وبذلك يلزم علينا مراعات المجموع من حيث المجموع ، بأن نعمل بكلّ الأخبار ، وبكلّ الأمارات الّتي لا توافق الأخبار ، تحصيلا للاحكام الواقعيّة الموجودة في هذا المجموع بما هو المجموع ، لعلمنا إجمالا بأنّ بعض تلك الأحكام الواقعيّة في الأخبار ، بعض تلك الأحكام الواقعيّة في سائر الأمارات ، ولا ينحلّ العلم الاجمالي الكبير بالعلم الاجمالي الصغير.

إذن : (فالواجب مراعاة العلم الاجمالي الثّاني) الكبير في مجموع الأخبار والأمارات (وعدم الاقتصار على مراعاة) العلم الاجمالي (الأوّل) الصغير المنحصر في الأخبار فقط.

وعليه : فدليلكم العقلي هنا ، لا يدلّ على حجّيّة الأخبار ووجوب العمل بها فقط ، وإنّما يدلّ على حجّيّة كلّ أمارة في الجملة ، خبرا كان أو غير خبر ، وعلى وجوب العمل بها جميعا.

و (نظير ذلك) الّذي مرّ من العلمين الإجماليّين : الكبير والصّغير (ما إذا علمنا إجمالا) أي : علما إجماليا كبيرا (بوجود شياة محرّمة في قطيع غنم بحيث يكون

٢١٠

نسبته إلى كلّ بعض منها كنسبته إلى البعض الآخر وعلمنا أيضا بوجود شياة محرّمة في خصوص طائفة من تلك الغنم ، بحيث لو لم يكن من الغنم إلّا هذه علم إجمالا بوجود الحرام فيها أيضا.

والكاشف عن ثبوت العلم الاجمالي في المجموع ما أشرنا إليه سابقا.

______________________________________________________

نسبته) أي : نسبة ذلك العلم الاجمالي الكبير (إلى كلّ بعض منها) أي : من تلك الشّياه (كنسبته إلى البعض الآخر) بأن يكون علمنا الاجمالي بالتّحريم في البيض والسّود منها معا ، لا في البيض فقط.

هذا (وعلمنا أيضا) علما إجماليا صغيرا. (بوجود شياه محرّمة في خصوص طائفة خاصّة من تلك الغنم) مثل البيض فقط ، كما إذا رأى صاحب الشّياه ، إنّ الرّاعي اجتمع مرّة بشاة بيضاء ، ومرّة بما لم يعرف انّها بيضاء كانت أو سوداء ، فله علمان إجماليان :

الأوّل : علم إجمالي كبير في جميع الغنم.

الثّاني : علم إجمالي صغير في البيض فقط (بحيث لو لم يكن من الغنم إلّا هذه) الخاصّة وهي البيض فقط ، لكان قد (علم إجمالا بوجود الحرام فيها) أي :

في هذه الطائفة الخاصّة (أيضا) ، فهنا يجب عليه الاجتناب عن الجميع بيضا أو غير بيض.

وما نحن فيه أيضا كذلك ، لأنّ لنا فيه ـ كما مرّ توضيحه ـ علمين إجماليين : كبير وصغير.

(والكاشف عن ثبوت العلم الاجمالي) الكبير هنا (في المجموع) من البيض والسّود هو : وإن انحلّ العلم الاجمالي الصغير (ما أشرنا إليه سابقا :

٢١١

من أنّه لو عزلنا من هذه الطّائفة الخاصّة الّتي علم بوجود الحرام فيها قطعة توجب انتفاء العلم الاجمالي فيها وضممنا إليها مكانها باقي الغنم حصل العلم الاجمالي بوجود الحرام فيها أيضا.

وحينئذ : فلا بدّ من أن يجري حكم العلم الاجمالي في تمام الغنم ، إما بالاحتياط أو العمل بالمظنّة

______________________________________________________

من انّه لو عزلنا من هذه الطائفة الخاصّة) وهي البيض (الّتي علم بوجود الحرام فيها قطعة) بأن عزلنا من البيض الّتي هي خمسمائة ـ مثلا ـ أربعمائة ، بحيث (توجب) تلك القطعة (انتفاء) أي : انحلال (العلم الاجمالي) الصّغير (فيها) أي : في هذه الطّائفة الخاصّة.

فإذا عزلنا من البيض أربعمائة ، لم نتيقّن بأنّ في المائة الباقية موطوءة ـ وإن احتملنا ذلك ـ (و) إذا (ضممنا إليها مكانها) أي : ضممنا إلى الأغنام البيض الباقية ـ الّتي هي مائة فرضا ـ مكان المعزولة الّتي هي الأربعمائة في المثال (باقي الغنم) من القطيع وهي سود مثلا (حصل العلم الاجمالي بوجود الحرام فيها) أي : في المجموع من حيث المجموع (أيضا) لأنّ المفروض إنّ علمنا الاجمالي كان في البيض والسّود معا ، فإذا عزلنا من البيض أربعمائة ، وضممنا إلى المائة الباقية بقايا القطيع وهي السّود ـ مثلا ـ حصل لنا العلم إجمالا بوجود المحرّم في مجموع هذه السّتمائة أيضا ـ في فرض كون كلّ القطيع ألفا ـ وعليه ، فلم ينحلّ العلم الاجمالي الكبير بانحلال العلم الاجمالي الصّغير في خصوص البيض.

(وحينئذ : فلا بد من أنّ يجري حكم العلم الاجمالي في تمام الغنم ، إما بالاحتياط) التّامّ إذا لم يكن هناك في الاجتناب عن الجميع تعذّر ، أو تعسّر ، أو إجماع على عدم وجوب الاحتياط (أو العمل بالمظنّة) في الاجتناب عن بعض

٢١٢

لو بطل وجوب الاحتياط.

وما نحن فيه من هذا القبيل.

ودعوى أنّ سائر الأمارات المجرّدة لا مدخل لها في العلم الاجمالي وأن هنا علما إجماليا واحدا بثبوت الواقع بين الأخبار ، خلاف الإنصاف.

______________________________________________________

الغنم (لو بطل وجوب الاحتياط) التّامّ.

(وما نحن فيه) من العلم الاجمالي بكون الأحكام الواقعيّة في الأخبار وفي الأمارات (من هذا القبيل) أي : من قبيل العلم الاجمالي الكبير والعلم الاجمالي الصغير.

وحيث لم ينحلّ العلم الاجمالي الكبير إلى العلم الاجمالي الصّغير ، وجب الاحتياط في الكلّ ؛ لأنّ العلم الاجمالي بوجود الأحكام في الأخبار والأمارات ، يوجب العمل بالكلّ من باب الاحتياط ، فإذا لم نتمكّن من الاحتياط التّامّ ، لزم العمل بالظّنّ ، فنأخذ بالمظنون ونترك المشكوك والموهوم من غير فرق بين أنّ يكون المظنون في الأخبار ، أو أنّ يكون في الأمارات.

(ودعوى : إنّ سائر الأمارات المجرّدة) عن الخبر ، كالإجماعات المنقولة على كثرتها ، والشّهرة على كثرتها ، من أوّل الفقه إلى آخر الفقه (لا مدخل لها في العلم الاجمالي) بوجود الاحكام (وإنّ هنا علما إجماليا واحدا) صغيرا فقط (بثبوت الواقع بين الأخبار). ولا علم إجمالي بثبوت الواقع في الأمارات أصلا (خلاف الانصاف).

فمن أين انحصر العلم بثبوت الواقع في الأخبار الموجودة بأيدينا ، مع إنّا نعلم بفقد كثير من الأخبار ، ممّا نحتمل احتمالا عقلائيا ـ يوجب العلم الاجمالي ـ بانّ جملة من تلك الأحكام مدلول تلك الاجماعات والشّهرة الموجودة؟.

٢١٣

وثانيا : إنّ اللّازم من ذلك العلم الاجمالي هو العمل بالظّنّ في مضمون تلك الأخبار ، لما عرفت من أنّ العمل بالخبر الصّادر إنّما هو باعتبار كون مضمونه حكم الله الّذي يجب العمل به.

وحينئذ :

______________________________________________________

(و) الجواب عن استدلال هذا المستدلّ بالدّليل العقلي المذكور (ثانيا :) إنّ قوله : يجب بحكم العقل ، العمل بكلّ خبر ظنّ صدوره ، غير تامّ ، ف (إنّ اللّازم من ذلك العلم الاجمالي) في الأخبار (هو العمل بالظّنّ في مضمون تلك الأخبار) لأنّ الظّنّ بالصّدور ليس بمهمّ ، وإنّما الظّنّ بأنّ مضمون الخبر هو حكم الله الواقعي هو الّذي يوجب العمل به.

فانّ مقتضى العلم الاجمالي بصدور كثير من هذه الأخبار عنهم عليهم‌السلام يوجب العمل بكلّ خبر ظنّ كون مضمونه حكم الله ، لا بكلّ خبر ظنّ صدوره مع احتمال أن يكون مضمونه من جهة التّقيّة ، أو نحوها ، فانّنا مكلّفون بالعمل بأحكام الله الواقعيّة ، لا بالأحكام الوقتيّة الاضطرارية إذا مضت أوقاتها (لما عرفت : من أنّ العمل بالخبر الصّادر إنّما هو باعتبار كون مضمونه حكم الله الّذي يجب العمل به).

فقد تقدّم في الجواب الأوّل : إنّ العمل بالأخبار ليس من جهة أنّها صدرت عنهم عليهم‌السلام ، بل من جهة أنّها أحكام الله الواقعيّة ، وانّما الأخبار الصّادرة عنهم عليهم‌السلام طريق إلى تلك الأحكام الواقعيّة ، ونحن مأمورون باتّباع أحكام الله ، لا بما صدر عنهم عليهم‌السلام ، ولو للتّقيّة.

وعليه : فإذا علمنا إنّ الحكم تقيّة ، لا يجب العمل به في غير حال التّقيّة ، كذلك إذا احتملنا كونه تقيّة ، فإنّه لا يجب العمل به أيضا.

(وحينئذ) أي : حين كان مناط وجوب العمل بالخبر ، امتثال حكم الله سبحانه

٢١٤

فكلّما ظنّ بمضمون خبر منها ولو من جهة الشّهرة يؤخذ به ، وكل خبر لم يحصل الظّنّ بكون مضمونه حكم الله لا يؤخذ به ولو كان مظنون الصّدور.

فالعبرة بظنّ مطابقة الخبر للواقع ، لا بظنّ الصّدور.

وثالثا : إنّ مقتضى هذا الدّليل وجوب العمل بالخبر المقتضي للتّكليف ، لأنّه الّذي يجب العمل به.

وأما الأخبار الصّادرة النّافية للتّكليف ، فلا يجب العمل بها.

______________________________________________________

وتعالى الواقعي ، لا الخبر بما هو خبر (فكلّما ظنّ بمضمون خبر منها) أي : من تلك الأخبار إنّه حكم الله الواقعي (ولو من جهة) وجود (الشّهرة) بين الفقهاء ، أو الإجماع المنقول ، أو ما أشبه ذلك (يؤخذ به) في العمل.

(وكلّ خبر لم يحصل الظّنّ بكون مضمونه حكم الله) وإن كان ثابت الصّدور ، وإنّما يظنّ بأنّ مضمونه ليس حكم الله لموافقته للتّقيّة أو ما أشبه (لا يؤخذ به ولو كان مظنون الصّدور) لأنّ الصّدور ليس بمهم.

(فالعبرة بظنّ مطابقة الخبر للواقع) وإنّه حكم الله سبحانه وتعالى (لا بظنّ الصّدور) كما ذكره المتمسّك بالدّليل العقلي على حجّيّة الخبر ، فإنّ بين دليله هذا ، وبين حجّيّة خبر الواحد عموم من وجه.

(وثالثا : إنّ) هذا الدّليل العقلي لا يثبت المطلوب : هو حجّيّة خبر الواحد مطلقا لأنّ (مقتضى هذا الدّليل : وجوب العمل بالخبر المقتضي للتّكليف) فقط (لأنّه الّذي يجب العمل به) حسب استدلالكم (وأما الأخبار الصّادرة النّافية للتّكليف ، فلا يجب العمل بها) عندكم بينما من يقول بحجّيّة الخبر الواحد يريد : أن يكون خبر الواحد حجّة ، سواء كان نافيا للتّكليف مثل : عدم حرمة شرب

٢١٥

نعم ، يجب الإذعان بمضمونها وإن لم تعرف بعينها.

______________________________________________________

التّتن ، أو مثبتا للتّكليف ، مثل : وجوب الدعاء عند رؤية الهلال.

حتى إذا دلّ دليل على حرمة كلّ شيء مشكوك ، يخصّص ذلك بدليل عدم حرمة شرب التّتن ، وإذا دلّ دليل على عدم وجوب كلّ مشكوك ، يخصّص بما دلّ على وجوب الدّعاء عند رؤية الهلال ، والحال إنّ هذا الدّليل العقلي إنّما يثبت حجّيّة ما يثبت التّكليف لا ما ينفي التّكليف.

وإنّما لا يثبت حجّيّة ما ينفي التّكليف ، لأنّ هذا الدّليل العقلي يقول : بأنا نعلم إجمالا بوجود تكاليف لنا ، ولذا يلزم علينا الاحتياط بكلّ مظنون الصّدور ، والحال إنّ ما ينفي التّكليف ليس من أطراف العلم الاجمالي ، فإنّه لا معنى لوجوب العمل بعدم التّكليف احتياطا.

(نعم ، يجب الإذعان بمضمونها) أي : بمضمون الأخبار النّافية للتّكليف والالتزام بها قلبا.

لا يقال : إنّ كلّ مظنون الصّدور النّافي للتّكليف أيضا يجب العمل به احتياطا ، بمعنى : وجوب تصديقه وطرح الأصل المخالف له ، فيثبت حجّيّة كلّ مظنون الصّدور احتياطا ، أما عملا ، وامّا تصديقا.

لأنّه يقال : إنّ مقتضى كلّ خبر ظنّ صدوره بطرح الأصل المخالف له ، بل مقتضاه : التّصديق العملي.

أمّا التّصديق بالقلب لها (وإن لم تعرف بعينها) فذلك شأن كلّ شيء ورد عنهم عليهم‌السلام ، فإنّ الانسان يجب عليه تصديق الواقع بما هو واقع ، وهذا حاصل من دون حاجة إلى الاحتياط بتصديق كلّ مظنون الصّدور.

فتحصّل : إنّ هذا الدّليل العقلي لا يدل على حجّيّة الخبر النّافي ، بحيث

٢١٦

وكذلك لا يثبت به حجّيّة الأخبار على وجه ينهض لصرف ظواهر الكتاب والسنّة القطعيّة.

والحاصل : إنّ معنى حجّيّة الخبر كونه دليلا متبعا في مخالفة الأصول العمليّة والأصول اللفظيّة مطلقا.

______________________________________________________

يخصّص الأصل العملي الدّال على الاشتغال ، كما لا يدل هذا الدّليل العقلي على حجّيّة الخبر النّافي للتّكليف ، بحيث يخصّص الظواهر اللفظيّة الدالة على التّكليف.

والى هذا أشار المصنّف بقوله : (وكذلك لا يثبت به) أي : بهذا الدّليل العقلي (حجّيّة الأخبار على وجه ينهض) هذا الدّليل العقلي (لصرف ظواهر الكتاب والسّنّة القطعيّة).

مثلا : الخبر الدّال على عدم وجوب الاستعاذة في الصّلاة ، لا يتمكن أن يطرح ظاهر قوله تعالى :

(فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ) (١).

فلا يستطيع هذا الخبر أن يطرح أصالة العموم ، لأنّ الأصول اللفظيّة من الأدلّة الظّنيّة ، فلا يقدّم عليها الأصل ، أي : وجوب العمل بالخبر احتياطا الّذي يستفاد من الدّليل العقلي المذكور.

(والحاصل : إنّ معنى حجّيّة الخبر كونه دليلا متبعا) يجب على الانسان اتباعه (في) مقام (مخالفة الأصول العمليّة ، والأصول اللفظيّة مطلقا) سواء كان ذلك الخبر للتّكليف أو نافيا له.

__________________

(١) ـ سورة النّحل : الآية ٩٨.

٢١٧

وهذا المعنى لا يثبت بالدّليل المذكور ، كما لا يثبت بأكثر ما سيأتي من الوجوه العقليّة بل كلّها ، فانتظر.

الثّاني : ما ذكره في الوافية ، مستدلا على حجّيّة الخبر الموجود في الكتب المعتمدة للشّيعة ، كالكتب الأربعة ، مع عمل جمع به ، من غير ردّ ظاهر ،

______________________________________________________

(وهذا المعنى) المطلوب من حجّيّة الخبر (لا يثبت بالدّليل) العقلي (المذكور) الّذي استدل به المستدلّ وهو عبارة عن وجوب الاحتياط لأجل العلم الاجمالي. (كما لا يثبت) الحجّيّة المطلوبة للخبر (بأكثر ما سيأتي من الوجوه العقليّة ، بل كلّها ، فانتظر) فإنّ الأدلّة العقليّة الآتية لا تثبت حجّيّة الخبر مطلقا ، بل بين هذه الأدلّة وبين حجّيّة الخبر مطلقا عموم من وجه.

اللهم إلّا إنّ يقال : إنّه إذا ثبت حجّيّة الخبر في الجملة ، يثبت حجّيّة الخبر مطلقا ـ للإجماع المركّب ـ لأنّه أمّا أن يكون الخبر حجّة مطلقا ، وأما إنّ لا يكون حجّة مطلقا ، أمّا أن يكون الخبر المثبت للتّكليف حجّة دون الخبر النّافي للتّكليف ، فهو ممّا أجمع العلماء على خلافه.

(الثاني :) من الأدلّة العقليّة التي ذكرت لحجّيّة خبر الواحد (ما ذكره) الفاضل التّوني (في الوافية ، مستدلا على حجّيّة) قسم خاصّ من (الخبر) الواحد وهو الخبر (الموجود في الكتب المعتمدة للشّيعة ، كالكتب الأربعة) : الكافي ، والتّهذيب ، والإستبصار ، ومن لا يحضره الفقيه ، وما أشبه هذه الكتب (مع عمل جمع به ، من غير ردّ ظاهر) لذلك الخبر ، إذ لو لم يعملوا به ، أو ردوه ردا ظاهرا ، سقط عن الحجّيّة.

فإنّ صاحب الوافية استدلّ على حجّيّة مثل هذا الخبر الجامع لما ذكره من

٢١٨

بوجوه ، قال : «الأوّل : أنّا نقطع ببقاء التّكليف إلى يوم القيامة ، سيّما بالأصول الضّروريّة ، كالصّلاة والزّكاة والصّوم والحجّ والمتاجر والأنكحة ، ونحوها ، مع أن جلّ أجزائها ، وشرائطها ، وموانعها ، إنّما يثبت بالخبر الواحد الغير القطعي ، بحيث يقطع بخروج حقائق هذه الأمور عن كونها هذه الأمور عند ترك العمل بخبر الواحد.

______________________________________________________

الشرائط (بوجوه : قال) في بيانها.

(الأوّل : انّا نقطع ببقاء التّكليف) إلى زمان ظهور الإمام المهدي عليه‌السلام ، حيث تظهر الحقائق في ذلك الوقت ، والتّكليف بالعبادات والمعاملات والقضاء ، والدّيات وغيرها ، باقية على البشر (إلى يوم القيامة) وإن كان فرق بين بقائها إلى زمان الإمام المهدي عليه‌السلام ، وبين بقائها من زمان الإمام المهدي عليه‌السلام إلى القيامة ، حيث قد عرفت : إنّ البقاء إلى زمانه إنّما يكون عملا بالظنون ، وما أشبه ، بينما بقائها من زمانه إلى يوم القيامة يكون عملا بالقطعيّات.

وعلى أي حال : فالقطع بالتّكليف مسلّم (سيما بالأصول الضّروريّة) حيث إنّها معلومة لكافّة المسلمين. (كالصّلاة والزّكاة ، والصّوم ، والحجّ ، والمتاجر ، والأنكحة ، ونحوها) من سائر الأحكام المذكورة في الكتب الفقهيّة (مع انّ جلّ أجزائها ، وشرائطها ، وموانعها) وقواطعها (إنّما يثبت بالخبر الواحد غير القطعي) فلا نقطع بهذه الخصوصيّات غالبا ، بل نظنّ بها بين الأخبار الآحاد (بحيث يقطع : بخروج حقائق هذه الأمور عن كونها هذه الأمور عند ترك العمل بخبر الواحد).

فإنّا نقطع : بأنّه لو لم يؤخذ بالأخبار الدّالة على الأجزاء ، والشّرائط ، والموانع ، وسائر الخصوصيّات لخرجت الصّلاة عن حقيقة كونها صلاة ، وخرج الصّوم عن حقيقة كونه صوما ، وخرج الحجّ والزّكاة وغيرها عن هذه الحقائق ، سواء في

٢١٩

ومن أنكر فانّما ينكره باللسان وقلبه مطمئن بالإيمان» ، انتهى.

ويرد عليه :

أوّلا : أن العلم الاجمالي حاصل بوجود الأجزاء والشّرائط ، بين جميع الأخبار ، لا خصوص الأخبار المشروطة بما ذكره ، ومجرّد وجود العلم الاجمالي في تلك الطائفة الخاصّة لا يوجب خروج غيرها من أطراف العلم الاجمالي ،

______________________________________________________

العبادات أو في المعاملات ، وهذا أمر واضح لا شك فيه (ومن أنكر فانّما ينكره باللسان وقلبه مطمئن بالإيمان ، انتهى) (١).

وبهذا يستدلّ على إنّه يلزم علينا : أن نعمل بالخبر الواحد ، لكن على تلك الشروط الّتي ذكرناها : بأنّ تكون في الكتب المعتبرة ، وأن لا تكون مردودة ، أو متروكة العمل.

(ويرد عليه) :

(أولا : إنّ العلم الاجمالي حاصل بوجود الأجزاء ، والشّرائط) والموانع والقواطع (بين جميع الأخبار) الّتي نجدها في الكتب ، سواء كانت في الكتب المعتمدة : كالكتب الأربعة ، أو غيرها : كالخصال ، والأمالي ، وعيون الأخبار ، ونحوها (لا خصوص الأخبار المشروطة بما ذكره) بأنّ تكون موجودة في الكتب المعتمدة فقط.

(ومجرد وجود العلم الاجمالي في تلك الطائفة الخاصّة) من الكتب (لا يوجب خروج غيرها) أي : سائر الكتب (من أطراف العلم الاجمالي) فإنّ

__________________

(١) ـ الوافية : مخطوط.

٢٢٠