الوصائل إلى الرسائل - ج ٤

آية الله السيد محمد الشيرازي

الوصائل إلى الرسائل - ج ٤

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة عاشوراء للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7263-03-1
ISBN الدورة:
964-7263-04-X

الصفحات: ٤٠٠

الائمة عليهم‌السلام ، ويحصل العلم بقول الامام عليه‌السلام عن اتفاقهم ـ وجوب العمل برواية الثقة وأنّه لا يحل ترك العمل بها ، فكيف تبع السيّد في مسألة خبر الواحد ، الّا أن يدّعي أنّ المراد بالثقة ، من يفيد قوله القطع ـ وفيه ما لا يخفى ـ

______________________________________________________

الائمة عليهم‌السلام ، ويحصل العلم بقول الامام عليه‌السلام عن اتفاقهم) على (وجوب العمل برواية الثقة وأنّه لا يحل ترك العمل بها) أي : برواية الثقة ، لعلمنا بأنهم لا يتفقون على حكم لم يسمعوه عن الامام عليه‌السلام ، أو لم يحصل لهم العلم بالحدس ، وما اشبه ، عن قوله عليه‌السلام.

وعليه : (فكيف تبع السيّد في مسألة خبر الواحد) وقال : انّه ليس بحجّة؟ فمن ناحية قال : انّه لا يجوز العمل بخبر الواحد ، ومن ناحية قال : انّ خبر الثقة حجّة ، وهذا تدافع في الكلام.

(إلّا أن يدّعي : أنّ المراد بالثقة ، من يفيد قوله القطع) فيكون مراد ابن إدريس من الخبر الموثوق ، الذي لا يحل ردّه عند الاماميّة هو الخبر المقطوع به ، وأخبار المضايقة مقطوعة الصدور ، وما ذكره : من انّه لا يجوز العمل بخبر الواحد ، أراد به : الخبر غير المقطوع به.

(و) لكن (فيه ما لا يخفى) لوضوح : انّ إطلاق الثقة على من يفيد قوله القطع خلاف الظاهر.

هذا بالاضافة إلى انّه لو أراد بخبر الثقة : الخبر المقطوع به ، لم يكن بحاجة للاستشهاد بذكر الاجماع ، لأنّ القطع كاف في وجوب العمل ، سواء كان هناك إجماع أو لم يكن ، فذكره إجماع الاماميّة على العمل بأخبار المضايقة ، دليل على انّه أراد بالثقة : الخبر الذي لم يكن مقطوعا به.

١٤١

أو يكون مراده ومراد السيد قدس‌سرهما ، من الخبر العلميّ ما يفيد الوثوق والاطمئنان ، لا ما يفيد اليقين ، على ما ذكرنا سابقا في الجمع بين كلامي السيّد والشيخ قدس‌سرهما.

ومنها : ما ذكره المحقّق في المعتبر ، في مسألة خبر الواحد ، حيث قال : «أفرط الحشويّة في العمل بخبر الواحد حتى انقادوا

______________________________________________________

(أو يكون مراده ومراد السيّد قدس‌سرهما ، من الخبر العلميّ : ما يفيد الوثوق والاطمئنان ، لا ما يفيد اليقين) فلا السيّد يقول بعدم حجّية خبر الثقة ، ولا ابن ادريس ، وانّما كان مرادهما من القطع ، والعلم ، وما أشبه : الاطمئنان ، لا أكثر من ذلك (على ما ذكرنا سابقا في الجمع بين كلامي السيّد والشيخ قدس‌سرهما) مفصلا.

(ومنها :) أي : من القرائن على صحة الاجماع ، الّذي ادعاه الشيخ وغيره على حجّية خبر الواحد (ما ذكره المحقّق في المعتبر ، في مسألة خبر الواحد حيث قال : أفرط الحشويّة) وفي الأوثق : الحشوية ـ بفتح الشين وسكونها ـ أصحاب أبي الحسن البصري ، وإنّما سموا بها لأنّ الحشو بمعنى : الطرف والهجر ، وقد أمرهم بالهجر عنه لمقالاتهم الفاسدة ، أو لأنّهم كانوا يجلسون أمامه فقال لرداءة كلماتهم : ردوهم الى حشي الحلقة ، أي : جانبها (١).

وقيل : نسبة الى حشوية كفعولة ، قرية من قرى خوزستان.

وعن كتاب كشف الغمّة : إنّ هذه الطائفة كانوا يقولون بامامة بني أمية ، ولم يجعلوا لأولاد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أية إمامة.

فهؤلاء قد افرطوا (في العمل بخبر الواحد ، حتى انقادوا) أي : انساقوا

__________________

(١) ـ أوثق الوسائل : ص ١٧٣ القرائن الدالّة على عمل الاصحاب بأخبار الآحاد.

١٤٢

لكلّ خبر ، وما فطنوا لما تحته من التناقض ، فانّ من جملة الأخبار قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ستكثر بعدي القالة» ، وقول الصادق عليه‌السلام : «إنّ لكلّ رجل منّا من يكذب عليه».

واقتصر بعضهم من هذا الافراط فقال : «كلّ سليم السّند يعمل به». وما علم أنّ الكاذب قد يصدق ،

______________________________________________________

بالاطاعة (لكلّ خبر) مهما كان طريقه ودلالته (وما فطنوا لما تحته من التناقض) فانّ تحت هذه المعنى من الافراط ، مفسدة التناقض ، حيث إنّ في الأخبار الضعاف ، كثيرا ما يوجد التناقض ، سواء بينهما في نفسها ، أو بينها وبين الأخبار الصحيحة.

(فانّ من جملة الأخبار قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ستكثر بعدي القالة») (١) والقالة : جمع قائل ، والمراد به هنا : الكذاب ، مثل باعة جمع بائع.

(وقول الصادق عليه‌السلام : «لكلّ رجل منّا ، من يكذب عليه») (٢).

فانّ هذين الخبرين يدلان على كثرة الأخبار المكذوبة على النبي وآله عليهم‌السلام ، فكيف يمكن مع ذلك أن يعمل الانسان بكل خبر ورد عنهم صلوات الله عليهم أجمعين؟.

(واقتصر بعضهم من هذا الافراط) أي : بعض علماء الحشوية ، على اقل من ذلك الافراط المشين (فقال : كلّ سليم السّند يعمل به) أي : كلّما كان الخبر سليم السند عمل به ، لا إنه يعمل بكل خبر حتى المتهم بالكذب وما أشبه.

نعم (وما علم) بسبب القرائن (انّ الكاذب قد يصدق) يعمل به أيضا ،

__________________

(١) ـ الكافي (اصول) : ج ١ ص ٦٢ ح ١ ، من لا يحضره الفقيه : ج ٤ ص ٢٦٤ ب ٢ ح ٥٧٦٢ ، الصراط المستقيم : ج ٣ ص ١٥٦ وص ٢٥٨ (بالمعنى).

(٢) ـ المعتبر : ص ٦.

١٤٣

ولم يتنبّه على أنّ ذلك طعن في علماء الشيعة وقدح في المذهب ، إذ ما من مصنّف إلّا وهو يعمل بالخبر المجروح كما يعمل بخبر العدل.

وأفرط آخرون في طريق ردّ الخبر ، حتّى أحالوا استعماله عقلا.

واقتصر آخرون ، فلم يروا العقل مانعا ، لكنّ الشرع لم يأذن في العمل به.

______________________________________________________

فلا ينبغي الاقتصار على خبر السليم.

والحاصل : انّه يلزم علينا أن نعمل بكل خبر كان على صحة مضمونة قرينة ، سواء كان سنده حجّة ، أو لم يكن سنده حجّة ، فلا نأخذ بكل خبر مهما كان سنده ، ولا نترك الخبر الذي سنده غير نقي إذا كان على مضمونه قرينة معتبرة.

هذا ، والظاهر من قول المحقّق : «واقتصر بعضهم من هذا الافراط» الخ ، انّه أراد به : بعض محدثي الشيعة ، لا الحشوية من العامّة ، بقرينة قوله بعد ذلك :

(ولم يتنبّه) هذا القائل المقتصر (على أنّ ذلك) الاقتصار (طعن في علماء الشيعة ، وقدح في المذهب ، إذ ما من مصنّف إلّا وهو يعمل بالخبر المجروح) رواية إذا كانت هناك قرائن على صحته ، ولذا يجبرون الخبر المجروح بالشهرة العملية ، فيعملون به (كما يعمل بخبر العدل).

وكما إنّ هناك إفراطا في العمل بالخبر هناك تفريط فيه أيضا ، وقد أشار إليه بقوله : (وأفرط آخرون في طريق ردّ الخبر ، حتى أحالوا استعماله عقلا) لأنّه يلزم الجمع بين المصلحة والمفسدة ، وتفويت المصلحة وجلب المفسدة والتناقض ، وغير ذلك ـ ممّا تقدّم في كلام ابن قبة ـ.

(واقتصر آخرون) من هذا الافراط (فلم يروا العقل مانعا ، لكنّ الشرع لم يأذن في العمل به) كما تقدّم عن السيّد وأتباعه ، حيث منعوا عن العمل بالخبر من جهة

١٤٤

وكلّ هذه الأقوال منحرفة عن السّنن. والتوسط أقرب ، فما قبله الأصحاب أو دلّت القرائن على صحّته عمل به ، وما أعرض عنه الأصحاب أو شذّ يجب إطراحه» انتهى.

وهو ـ كما ترى ـ ينادي بأنّ علماء الشيعة ، قد يعملون بخبر المجروح ، كما يعملون بخبر العدل. وليس المراد عملهم بخبر المجروح والعدل إذا أفاد العلم بصدقه ، لأنّ كلامه في الخبر الغير العلميّ ، وهو الذي أحال قوم استعماله عقلا ومنعه آخرون شرعا.

______________________________________________________

الشرع لا من جهة العقل.

(و) لكن (كلّ هذه الأقوال) المتقدّمة ، إفراطا وتفريطا (منحرفة عن السنن) الصحيحة (والتوسط أقرب).

ثم فسّر التوسط بقوله : (فما قبله الأصحاب) وان كان السّند ضعيفا (أو دلّت القرائن على صحّته) ممّا أوجب الوثوق والاطمئنان (عمل به ، وما أعرض عنه الأصحاب) بأن أسقطوه (أو شذّ) العامل به ، بأن عمل به بعض دون المشهور (يجب إطراحه ، انتهى) كلام المحقّق رحمه‌الله (وهو كما ترى ينادي : بأنّ علماء الشيعة ، قد يعملون بخبر المجروح ، كما يعملون بخبر العدل).

لا يقال : لعل مراد المحقّق : عملهم بالخبر فيما أورث العلم.

لأنّه يقال : (وليس المراد) للمحقّق (عملهم بخبر المجروح والعدل إذا أفاد العلم بصدقه ، لأنّ كلامه) أي : المحقّق (في الخبر غير العلميّ ، و) القرينة على إرادة المحقّق : الخبر غير العلمي ، قوله : (هو الذي أحال قوم استعماله عقلا ، ومنعه آخرون شرعا) وأفرط فيه الحشوية ولو أفاد الخبر العلم ، لم يكن فيه كل هذا الكلام.

١٤٥

ومنها : ما ذكره الشهيد في الذكرى ، والمفيد الثاني ولد شيخنا الطوسي ، من أنّ الأصحاب قد عملوا بشرائع الشيخ أبي الحسن علي بن بابويه عند اعواز النصوص ، تنزيلا لفتواه منزلة رواياته ، ولو لا عمل الاصحاب برواياته الغير العلمية لم يكن وجه في العمل بتلك الفتاوى عند عدم رواياته.

ومنها : ما ذكره المجلسيّ في البحار ، في تأويل بعض الاخبار ، الّتي تقدّم ذكرها في دليل السيّد وأتباعه ، ممّا دلّ على المنع من العمل

______________________________________________________

(ومنها) أي : ومن القرائن الدالة على صحة اجماع الشيخ على حجيّة خبر الواحد (ما ذكره الشهيد في الذكرى ، والمفيد الثاني ـ ولد شيخنا الطّوسي ـ) وكان يلقّب بالمفيد الثاني لكثرة افاداته (: من أنّ الأصحاب قد عملوا بشرائع) أي : بفتاوى (الشيخ أبي الحسن علي بن بابويه عند اعواز) أي فقد (النصوص ، تنزيلا لفتاواه منزلة رواياته) لأنّه رحمه‌الله كان يفتي بعين الرّواية ، وذلك بحذف الأسانيد ، وحذف بعض الزوائد ممّا يراه لا يرتبط بأصل المسألة. (ولو لا عمل الأصحاب برواياته) أي : بروايات ابن بابويه التي ذكرها بالاسانيد في مثل الفقيه وغيره (غير العلمية) أي : التي لا توجب العلم (لم يكن وجه في العمل بتلك الفتاوى عند عدم رواياته) لأنّ الخبر الواحد لو كان حجّة ، كان حجّة في الفتاوى وفي الرّوايات ، ولو لم يكن حجّة ، لم يكن حجّة في الفتاوى والرّوايات معا ، ولكن لمّا عملوا بالفتاوى دلّ ذلك على حجّيّة الخبر الواحد في الرّوايات أيضا.

(ومنها) أي : من القرائن الدّالّة على صحّة الاجماع ، الذي ادعاه الشيخ على حجّيّة خبر الواحد (ما ذكره) العلّامة (المجلسي في البحار ، في تأويل بعض الاخبار ، الّتي تقدّم ذكرها في دليل السيّد وأتباعه ، ممّا دلّ على المنع من العمل

١٤٦

بالخبر الغير المعلوم الصّدور ، من : «أنّ عمل أصحاب الأئمة عليهم‌السلام ، بالخبر الغير العلميّ متواتر بالمعنى».

ولا يخفى : انّ شهادة مثل المحدّث الغوّاص في بحار أنوار أخبار الأئمة الأطهار عليهم‌السلام بعمل أصحاب الأئمة عليهم‌السلام ، بالخبر الغير العلميّ ، ودعواه حصول القطع له بذلك من جهة التواتر ، لا يقصر عن دعوى الشيخ والعلّامة الاجماع على العمل بأخبار الآحاد.

وسيأتي أنّ المحدّث الحرّ العامليّ في الفصول

______________________________________________________

بالخبر غير المعلوم الصّدور) حيث إنّ العلّامة المجلسي رحمه‌الله ، أوّل بعض الاخبار المانعة عن العمل بالخبر ـ كما تقدّم بعض التأويلات من المصنّف ـ وذكر لمثل هذه الاخبار تأويلات متعدّدة.

(من «انّ عمل أصحاب الأئمّة عليهم‌السلام بالخبر غير العلميّ متواتر بالمعنى») وقوله : «من» بيان لمّا ذكره العلّامة المجلسي ، فانّه رحمه‌الله قال : «من راجع التواريخ ، يعلم بالتواتر المعنوي : إنّ الاصحاب كانوا عاملين بأخبار الآحاد».

وقد تقدّم معنى التواتر المعنوي.

(ولا يخفى : إنّ شهادة مثل هذا المحدّث) الجليل (الغوّاص في بحار أنوار أخبار الأئمّة الأطهار عليه‌السلام ، بعمل أصحاب الأئمّة عليهم‌السلام ، بالخبر غير العلميّ) و «بعمل» متعلق ب «شهادة» (ودعواه) أي : دعوى المحدّث المذكور (حصول القطع له بذلك) أي : بعمل أصحاب الأئمّة بالاخبار وذلك (من جهة التواتر) المعنوي.

فانّ هذه الشهادة (لا يقصر عن دعوى الشيخ والعلّامة : الاجماع) من الإماميّة (على العمل بأخبار الآحاد ، وسيأتي انّ المحدّث الحرّ العامليّ في الفصول

١٤٧

المهمة ، ادّعى أيضا تواتر الاخبار بذلك.

ومنها : ما ذكره شيخنا البهائيّ في مشرق الشمسين من : «أنّ الصحيح عند القدماء ما كان محفوفا بما يوجب ركون النفس اليه».

وذكر فيما يوجب الوثوق أمورا لا تفيد الّا الظّنّ ، ومعلوم انّ الصحيح هو المعمول به ، وليس هذا مثل الصحيح عند المتأخّرين

______________________________________________________

المهمة ، ادّعى أيضا) كدعوى المجلسي (تواتر الاخبار بذلك) أي : بعمل أصحاب الأئمة عليهم‌السلام بالخبر الواحد.

(ومنها) أي : من تلك القرائن أيضا (ما ذكره شيخنا البهائي في مشرق الشمسين من : إنّ) الخبر (الصحيح عند القدماء ما كان محفوفا بما) أي : بالقرائن الّتي (يوجب ركون النفس اليه) (١) أي : إلى ذلك الخبر ، بمعنى : انّه يجعل الانسان يثق بأنّ الخبر وارد عنهم عليهم‌السلام.

(وذكر فيما يوجب الوثوق) أي : ذكر في القرائن الموجبة لركون النفس واطمئنانها (امورا لا تفيد الّا الظّنّ) لا العلم ، مثل : استقامة المذهب ، والعدالة ، والتورع في النقل ، وما أشبه ذلك ، ممّا يدلّ على كفاية حجّيّة الخبر بأمثال هذه الامور ، وكلها لا تورث العلم.

(ومعلوم : إنّ الصحيح) في اصطلاح قدماء الشيعة (هو) عبارة عن الخبر (المعمول به) عندهم (وليس هذا) أي : الصحيح في اصطلاح القدماء (مثل الصحيح عند المتأخّرين) الذين ضيقوا دائرة الصحة ، وقالوا : انّه خبر العدل

__________________

(١) ـ مشرق الشمسين : ص ٢٦٩.

١٤٨

في انه قد لا يعلم به ، لاعراض الاصحاب عنه أو لخلل آخر. فالمراد أنّ المقبول عندهم ما تركن اليه النفس وتثق به.

هذا ما حضرني من كلمات الاصحاب ، الظاهرة في دعوى الاتفاق على العمل بخبر الواحد الغير العلميّ في الجملة ، المؤيدة لمّا ادعاه الشيخ ، والعلّامة.

______________________________________________________

الضابط الامامي (في أنه قد لا يعمل به ، لاعراض الاصحاب عنه ، أو لخلل آخر) فيه ، كالابتلاء بمعارض ، أو نحو ذلك ، فالقدماء يعملون بكل خبر يركن النفس اليه ، ولا يشترطون شروط المتأخّرين ، لا من حيث السّند ، ولا من حيث عدم الاعراض ، وما أشبه ذلك.

وعليه : (فالمراد) أي : مراد الشيخ البهائي (: إنّ المقبول) وهو الخبر المعمول به (عندهم) أي : عند القدماء (ما تركن اليه النفس وتثق به) (١) من دون ملاحظة أمر آخر ، فكلامه مؤيّد لمّا ادعاه الشيخ : من الاجماع على العمل بخبر الواحد. (هذا ما حضرني من كلمات الاصحاب ، الظاهرة في دعوى الاتفاق على العمل بخبر الواحد غير العلميّ في الجملة) على اختلافهم في مناط الحجّية بالنسبة الى الخبر الواحد ، فانّهم وان اختلفوا في مناطه ، لكنهم اتفقوا جميعا على العمل به ، سواء قلنا : بأنه يشترط أنّ يكون عدلا ، أو ثقة ، أو قلنا : بأنه يسقط بالإعراض أو لا يسقط.

وعليه : فانّ المهم هو الجامع بين هذه الكلمات (المؤيدة) أي : هذه الكلمات (لما ادعاه الشيخ ، والعلّامة) الحليّ ، والسيّد ابن طاوس ، والعلّامة المجلسي ،

__________________

(١) ـ مشرق الشمسين : ص ٢٦٩.

١٤٩

واذا ضممت إلى ذلك كله ، ذهاب معظم الأصحاب ، بل كلّهم ، عدا السّيد وأتباعه ، من زمان الصدوق إلى زماننا هذا ، إلى حجّيّة الخبر الغير العلميّ ، حتى أنّ الصدوق تابع في التصحيح والردّ ، لشيخه ابن الوليد ، وإنّ ما صحّحه فهو صحيح ، وان ما رده فهو مردود ، كما صرح به في صلاة الغدير وفي الخبر الذي رواه في العيون عن كتاب الرّحمة ،

______________________________________________________

وغيرهم ، ممن تقدّم نقل الاجماع أو التواتر عنهم.

(واذا ضممت إلى ذلك كله ، ذهاب معظم الاصحاب ، بل كلّهم ، عدا السيّد وأتباعه) أي بأن نضم إلى الاجماعات ومؤيداتها ، الّتي نقلناها عن العلماء المتقدمين ، ما رأيناه من ذهاب الفقهاء (من زمان الصّدوق إلى زماننا هذا ، إلى حجّيّة الخبر غير العلميّ) وسيأتي جواب «اذا» عند قول المصنّف : «يعلم علما يقينا صدق ما ادعاه الشيخ» الخ.

(حتى إنّ الصدوق تابع في التصحيح) للخبر (والرد ، لشيخه ابن الوليد ، وان ما صحّحه) استاذه ابن الوليد (فهو صحيح ، وإنّ ما ردّه فهو مردود ، كما صرّح به في صلاة الغدير) حيث قال فيما حكي عنه ، في آخر صوم التطوّع من الفقيه :

وأما خبر صلاة غدير خم ، والثواب المذكور لمن صامه ، فإنّ شيخنا محمّد بن الحسن رضي الله عنه ، كان لا يصححه ، ويقول : انّه من طريق محمد بن موسى الهمداني وكان غير ثقة ، وكل ما لم يصحّحه ذلك الشيخ ولم يحكم بصحته من الاخبار ، فهو عندنا متروك غير صحيح.

فان هذا الكلام من الصّدوق والشّيخين يدلّ على اعتمادهم على خبر الثّقة.

وعلى هذا : فلا يشترط العلم في الاخذ بالخبر.

(و) كذا (في الخبر الذي رواه) الصّدوق (في العيون عن كتاب الرحمة)

١٥٠

ثمّ ضممت إلى ذلك ، ظهور عبارة أهل الرّجال في تراجم كثير من الرّواة في كون العمل بالخبر الغير العلميّ مسلّما عندهم ، مثل قولهم : فلان لا يعتمد على ما ينفرد به ، وفلان مسكون في روايته ،

______________________________________________________

الدال على كفاية الاطمئنان في الاخذ بالخبر الواحد.

ولعلّ هذا الخبر هو ما نقله الآشتياني في حاشيته على الرّسائل : من رواية ابن بابويه في كتاب التوحيد عن الرضا عليه‌السلام ، انّه قال :

إنّ الله تعالى كان أوحى الى إبراهيم عليه‌السلام : إنّي متخذ من عبادي خليلا ، إن سألني إحياء الموتى أجبته فوقع في نفس إبراهيم إنّه ذلك الخليل ، فقال : ربّ أرني كيف تحيي الموتى؟.

قال : أو لم تؤمن؟.

قال : بلى ، ولكن ليطمئن قلبي ، على الخلّة (١) ، الحديث.

(ثمّ ضممت إلى ذلك ، ظهور عبارة أهل الرجال في تراجم كثير من الرّواة) أي : ظهور كلماتهم (في كون العمل بالخبر غير العلميّ) كان (مسلّما عندهم ، مثل قولهم :) أي : قول الرجاليين :

(فلان لا يعتمد) عليه ، بصيغة المجهول أي : لا يكون الاعتماد على رواياته (على ما ينفرد به) أي : في نقل الخبر ، بأن يكون ناقل الخبر هو وحده ، أما اذا نقل الخبر غيره أيضا ، فانّه يمكن الاعتماد عليه.

(وفلان مسكون في روايته) أي : توقف الأصحاب وسكنوا في روايته ، فلا يردّونه ولا يقبلونه.

__________________

(١) ـ حاشية الآشتياني على الرسائل ولعله ما نقله عن عيون أخبار الرضا : ج ٢ ص ٢١ ـ ٢٢.

١٥١

وفلان صحيح الحديث ، والطعن في بعض بأنّه يعتمد الضعفاء والمراسيل ، إلى غير ذلك ، وضممت إلى ذلك ، ما يظهر من بعض أسئلة الرّوايات السّابقة ، من انّ العمل بالخبر الغير العلميّ كان مفروغا عنه عند الرّواة ـ تعلم علما يقينا صدق ما ادعاه الشيخ من اجماع الطائفة.

______________________________________________________

(وفلان صحيح الحديث) فيعمل بخبره ، وهكذا.

(و) مثل (الطعن في بعض) الرّواة (بانه يعتمد الضّعفاء والمراسيل) أي : انّه ينقل الاخبار عن الضعفاء ، وينقل الرّوايات المرسلة ، ممّا يسبب ضعف روايات مثل هذا الشخص. و (إلى غير ذلك) من عبارات الرجاليين.

(وضممت إلى ذلك ، ما يظهر من بعض أسئلة الرّوايات السّابقة : من إنّ العمل بالخبر غير العلميّ كان مفروغا عنه عند الرّواة) مثل ما قاله عبد العزيز للامام عليه‌السلام : «ربّما أحتاج ولست ألقاك في كلّ وقت ، أفيونس بن عبد الرّحمن ثقة آخذ عنه معالم ديني؟» (١) الحديث.

والى ما أشبه ذلك ممّا تقدّم جملة منها.

والحاصل : انّه اذا ضممت هذه الضمائم إلى ما نقلناه سابقا : من الاجماعات والمؤيّدات (تعلم علما يقينا صدق ما ادعاه الشيخ من اجماع الطائفة) على حجّيّة خبر الواحد.

والفرق بين العلم واليقين اذا اجتمعا : إنّ العلم يمكن أنّ يطابق الواقع أو لا يطابقه ، فيطلق على الجهل المركب أيضا ، بخلاف اليقين ، وربّما يقال : في

__________________

(١) ـ بحار الانوار : ج ٢ ص ٢٥١ ب ٢٩ ح ٦٧ مع تفاوت ، وسائل الشيعة : ج ٢٧ ص ١٤٧ ب ١١ ح ٣٣٤٤٨ ، رجال الكشي : ص ٤٩٠.

١٥٢

وحكى السّيد المحدّث الجزائري عمّن يثق به انّه قد زار السّيد صاحب المدارك المشهد الغروي فزاره العلماء وزارهم ، الّا المولى عبد الله التستري ، فقيل للسيّد في ذلك ، فاعتذر بانّه لا يرى العمل باخبار الآحاد ، فهو مبدع ، ونقل في ذلك رواية مضمونها : إنّ من زار مبدعا فقد خرب الدّين.

______________________________________________________

الفرق بينهما أمر آخر.

(وحكى السّيد المحدّث الجزائري عمّن يثق به : انّه قد زار السّيد صاحب المدارك المشهد الغروي) أي : مرقد الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام.

ويقال للنّجف الاشرف ، الغري باعتبار العمودين ، على ما في كتاب لطف التدبير للخطيب الاسكافي ، قال : كنت مع بعض الملوك ، فقال لرجل من جلسائه : يا أبا المثنى ، أي شيء الغري في كلام العرب؟.

قلت : الغريّ : الحسن ، تقول العرب : هذا رجل غريّ ، أي : حسن.

وانّما سمّي الغريين ، لما ذكره في الهامش : انّه كان المنذر الثالث أحد ملوك الحيرة أقام بناءين حسنين ، وجعل في كلّ سنة يومين ، يوم نعيم ، ويوم بؤس ، وكان أول من يطلع عليه في يوم النعيم يعطيه مائة من الابل ، وأول من يطلع عليه في يوم البؤس ، يأمر بقتله ويطلي بدمه الغريّين ، والغريّان بناءان بناهما هذا الملك وجعل عليهما حرسا ، إلى آخر القصة.

(فزاره) أي : السّيد صاحب المدارك (العلماء وزارهم ، الّا المولى عبد الله التستري) فانّ السّيد لم يرد عليه الزيارة (فقيل للسيّد في ذلك؟) أي سئل عن سبب عدم رده على التستري زيارته؟ (فاعتذر) السيّد (بأنّه) أي : التستري (لا يرى العمل بأخبار الآحاد ، فهو مبدع ، ونقل في ذلك رواية مضمونها : إنّ من زار مبدعا فقد خرب الدّين) وهدمه.

١٥٣

وهذه حكاية عجيبة لا بد من توجيهها كما لا يخفى على من اطّلع على طريقة المولى المشار اليه ، ومسلكه في الفقه ، فراجع.

والانصاف : أنه لم يحصل في المسألة يدعي فيها الاجماع من الاجماعات المنقولة والشهرة القطعية والأمارات الكثيرة الدّالّة على العمل ما حصل في هذه المسألة ، فالشاك في تحقق الاجماع في هذه المسألة ، لا أراه يحصل له الاجماع في مسألة من المسائل الفقهية ،

______________________________________________________

(وهذه) أي : هذه النسبة من السيّد إلى التستري : بأنه لا يعمل بالاخبار (حكاية عجيبة) لوضوح : إنّ التستري كان يعمل في الفقه ، بأخبار الآحاد ف (لا بد من توجيهها) بأن يقال : انّه لم يعمل بكل الاخبار ، الّتي يعمل بها المشهور من الفقهاء ، وانّما كان يعمل ببعضها ـ مثلا ـ أو كان اجتهاده سابقا هو : عدم العمل كالسيد المرتضى ، ثم رجع إلى العمل ، أو غير ذلك.

(كما لا يخفى على من اطّلع على طريقة المولى) التستري (المشار اليه ومسلكه) في العمل بالاخبار (في الفقه ، فراجع) حال الشيخ التستري حتى تعرف صحّة ما ذكرناه : من أنه كان يعمل بأخبار الآحاد.

(والانصاف : انّه لم يحصل في المسألة) من المسائل الّتي (يدعي فيها الاجماع) ولم يتفق (من الاجماعات المنقولة ، والشهرة القطعية ، والأمارات) المؤيدة (الكثيرة ، الدّالّة على العمل) بمثل (ما حصل في هذه المسألة) أي : في مسألة حجّيّة الخبر الواحد.

وعليه : (فالشاك في تحقق الاجماع في هذه المسألة ، لا أراه يحصل له الاجماع في مسألة من المسائل الفقهية) لأنّ كلّ مسألة ادعي فيها الاجماع ، كان الاجماع في تلك المسألة أضعف من الاجماع في هذه المسألة الّتي نحن بصددها.

١٥٤

اللهم الّا في ضروريات المذهب.

لكن الانصاف : أنّ المتيقن من هذا كله ، الخبر المفيد للاطمينان ، لا مطلق الظّنّ ، ولعله مراد السّيد من العلم ، كما أشرنا اليه آنفا ، بل ظاهر كلام بعض احتمال أنّ يكون أن يكون مراد السّيد ، من خبر الواحد ، غير مراد الشيخ قدس‌سرهما.

قال الفاضل القزويني في لسان الخواص ، على ما حكي عنه «إنّ هذه الكلمة ، أعني خبر الواحد ، على ما يستفاد من تتبع كلماتهم ، يستعمل في ثلاثة معان : أحدها الشاذ النادر

______________________________________________________

(اللهم الّا في ضروريات المذهب) مثل : وجوب الصلاة والزكاة ، وحرمة الزنا وشرب الخمر ، وما أشبه.

(ولكن الانصاف : إنّ المتيقن من هذا كله ، الخبر المفيد للاطمينان ، لا مطلق الظن) فان الظّنّ وحده لا يكفي (ولعله) أي : الاطمئنان هو (مراد السّيد) المرتضى وأتباعه (من العلم ـ كما أشرنا اليه آنفا ـ) أي : سابقا.

(بل ظاهر كلام بعض : احتمال أنّ يكون مراد السيّد ، من خبر الواحد ، غير مراد الشيخ قدس‌سرهما) فان الخبر الواحد له عدة اصطلاحات ، فمراد النافي : اصطلاح ، ومراد المثبت : اصطلاح آخر ، والمتفق عليه بين الجميع : اصطلاح ثالث ، وهذا وجه آخر للجمع بين كلامي السيّد والشيخ قدس‌سرهما.

واستشهد المصنّف لذلك بما (قال الفاضل القزويني في) كتاب (لسان الخواص ـ على ما حكي عنه ـ : إنّ هذه الكلمة ، أعني : خبر الواحد على ما يستفاد من تتبع كلماتهم) أي : كلمات العلماء (تستعمل في ثلاثة معان) على النحو التالي : (أحدهما : الشاذ النادر) الذي شذ وجوده في كتب الحديث وندر ، فقد

١٥٥

الذي لم يعمل به أحد ، أو ندر من يعمل به ، ويقابله ما عمل به كثيرون.

الثاني : ما يقابل المأخوذ من الثقات المحفوظ في الاصول المعمولة عند جميع خواص الطائفة ، فيشمل الاول ومقابله.

الثالث : ما يقابل المتواتر القطعي الصّدور ، وهذا يشمل الاولين

______________________________________________________

تقدّم : ان الشاذ والنادر اذا اجتمعا ، كان لهما معنيان ، واذا افترقا كان لكل واحد يطلق على الآخر.

وهنا يراد بالشاذ ما ذكره بقوله : (الذي لم يعمل به أحد ، أو ندر من يعمل به) وهو المراد بالنادر في هذه العبارة (ويقابله) أي : يقابل خبر الواحد بهذا المعنى (ما) أي : الخبر الذي (عمل به كثيرون) فليس ذلك الخبر شاذا ، ولا نادرا.

(الثاني : ما يقابل المأخوذ من الثقات) أي : يطلق خبر الواحد على خبر غير الثّقة ، ومقابل هذا المعنى هو خبر الثّقة ، وخبر الثّقة هو (المحفوظ في الاصول) الّتي ذكرنا : انها أربعمائة أو أكثر (المعمولة عند جميع خواص الطائفة) من العلماء الذين لا يعملون الّا بخبر الثّقة.

(فيشمل) خبر الواحد بهذا المعنى : المعنى (الاول) وهو الشاذ النادر (و) يشمل أيضا (مقابله) أي : مقابل الاول وهو المشهور ، لوضوح : إنّ خبر غير الثّقة ، قد يكون شاذا ، وقد يكون مشهورا منجبرا ضعفه بالشهرة المحققة ، أو بالقرائن الداخلية أو الخارجية.

(الثالث : ما يقابل المتواتر) أي : يطلق خبر الواحد على غير المتواتر ، فيكون مقابل خبر الواحد ، الخبر المتواتر (القطعي الصّدور) لتواتره.

(وهذا) أي : خبر الواحد بالمعنى الثالث (يشمل الاولين) : الشاذ النادر ،

١٥٦

وما يقابلهما».

ثم ذكر ما حاصله : «إنّ ما نقل اجماع الشيعة على انكاره هو الاول ، وما انفرد السّيد قدس‌سره ، برده هو الثاني.

وأما الثالث : فلم يتحقق من أحد نفيه على الاطلاق» انتهى.

وهو كلام حسن ،

______________________________________________________

وغير الثقة ، (و) يشمل أيضا (ما يقابلهما) أي ، ما يقابل الاولين من : المشهور ، والثقة لوضوح : إنّ غير المتواتر أعم من أنّ يكون شاذا ، أو مشهورا ، ثقة أو غير ثقة.

(ثمّ ذكر) الفاضل القزويني (ما حاصله : إنّ ما نقل اجماع الشيعة على انكاره) أي : نقل في كلمات العلماء : إنّ الشيعة لا يعلمون بمثل هذا الخبر (هو) المعنى (الاول) أي : الشاذ النادر.

(وما انفرد السّيد قدس‌سره ، برده) وقال : إنّ الشيعة لا يعلمون بخبر الواحد (هو) المعنى غير الثّقة ، (الثاني) أي : خبر غير الثّقة.

(وأما الثالث :) أي : الخبر غير المتواتر (فلم يتحقق من أحد نفيه على الاطلاق) (١) بأن يقولوا : انّه لم يعمل به ، لكنهم اختلفوا في أنّ المناط ، هل هو : الظّنّ ، أو الاطمئنان ، أو كون الراوي ثقة ، أو عدلا إماميا ضابطا ، أو غير ذلك؟.

(انتهى) كلام الفاضل القزويني (وهو كلام حسن) لانه جمع بين اجماع السّيد واجماع الشيخ.

__________________

(١) ـ لسان الخواص : مخطوط.

١٥٧

وأحسن منه ما قدمناه ، من أنّ مراد السّيد من العلم ما يشمل الظن الاطمئناني ، كما يشهد به التفسير المحكي عنه للعلم : بأنه ما اقتضى سكون النفس.

الثاني : من وجوه تقرير الاجماع

أن يدعي الاجماع ، حتى من السّيد وأتباعه ، على وجوب العمل بالخبر الغير العلميّ ، في زماننا هذا وشبهه ، ممّا انسد فيه باب القرائن المفيدة للعلم بصدق الخبر ، فان الظاهر أنّ السّيد انّما منع من ذلك لعدم الحاجة إلى خبر

______________________________________________________

(وأحسن منه ، ما قدمناه ، من إنّ مراد السّيد من العلم : ما يشمل الظّنّ الاطمئناني ، كما يشهد به) أي : بأن مراده ذلك (التفسير المحكي عنه) أي : عن السّيد (للعلم) فقد فسر العلم (: بانه ما اقتضى سكون النفس) وانّما كان تفسيرنا أحسن ، لأنه كان أقرب إلى كلاميّ السّيد والشيخ ـ على ما عرفت سابقا ـ.

ثم إنّ المصنّف لمّا فرغ من التقريب الاول للاجماع ، الذي ادعاه على حجّيّة خبر الواحد مطلقا ، وهو : اجماع العلماء بعد السّيد وأتباعه ، شرع في التقريب الثاني للاجماع فقال : (الثاني من وجوه تقرير الاجماع : ان يدعى الاجماع ، حتى من السّيد وأتباعه ، على وجوب العمل بالخبر غير العلميّ في زماننا هذا وشبهه ، ممّا انسد فيه باب القرائن المفيدة للعلم بصدق الخبر) للفرق بين زمان السّيد وزماننا ، فان زمان السّيد كان قريب العهد بالائمة عليهم‌السلام ، ولذا كانت القرائن للأخبار متوفرة ، بينما زماننا بعيد عنهم ، فلم تتوفر تلك القرائن عندنا.

(فان الظاهر : إنّ السّيد) ومن تبعه من العلماء ، الذين لا يعملون بالخبر الواحد غير العلميّ (انّما منع من ذلك) العمل بالخبر الواحد (لعدم الحاجة إلى خبر

١٥٨

الواحد المجرد ، كما يظهر من كلامه المتضمن للاعتراض على نفسه ، بقوله :

«فان قلت : اذا سددتم طريق العمل بأخبار الآحاد ، فعلى أي شيء تعوّلون في الفقه كله؟».

فأجاب بما حاصله : إنّ معظم الفقه يعلم بالضرورة والاجماع والاخبار العلمية. وما يبقى من المسائل الخلافية يرجع فيها إلى التخيير».

______________________________________________________

الواحد المجرد) عن القرائن في زمان الانفتاح.

(كما يظهر) ذلك الذي ذكرناه : من انّ سبب منعهم عن العمل بخبر الواحد هو انفتاح باب العلم المستند إلى الاخبار والقرائن الحافة بها (من كلامه المتضمن للاعتراض على نفسه بقوله : فان قلت : اذا سددتم طريق العمل بأخبار الآحاد ، فعلى أي شيء تعوّلون في الفقه كلّه؟) لانه ليس لنا من الادلة ما يكفي لكل الأحكام لو لا الخبر الواحد.

(فأجاب بما حاصله : أنّ معظم الفقه يعلم : بالضرورة ، والاجماع ، والاخبار العلمية) فلا ينسد علينا الطريق إلى الاحكام ، حتى نحتاج إلى الاخبار غير العلمية.

(وما يبقى من المسائل الخلافية) القليلة ، الّتي لا يدلّ عليها : الضرورة ، والاجماع ، والاخبار العلمية (يرجع فيها إلى التخيير) (١) فنتخير بين أن نعمل ، أو ان نترك ، وذلك لأصالة البراءة.

__________________

(١) ـ رسائل الشريف المرتضى : ج ٣ ص ٣١٢.

١٥٩

وقد اعترف السيّد قدس‌سره ، في بعض كلامه على ما في المعالم ، بل وكذا الحلي في بعض كلامه ، على ما هو ببالي : بأن العمل بالظن متعيّن فيما لا سبيل فيه الى العلم.

الثالث : من وجوه تقرير الاجماع

استقرار سيرة المسلمين طرا على استفادة الاحكام الشرعية من أخبار الثقاة ، المتوسطة بينهم وبين الامام عليه‌السلام أو المجتهد.

______________________________________________________

(وقد اعترف السّيد قدس‌سره في بعض كلامه ـ على ما في المعالم ـ بل وكذا) اعترف ابن ادريس (الحلي في بعض كلامه ـ على ما هو ببالي : ـ بأن العمل بالظن متعيّن فيما لا سبيل فيه إلى العلم) فهذه الكبرى الكلية منطبقة على صغرى زماننا ، حيث لا سبيل في زماننا إلى العلم ، فيكون المعتبر هو الظّنّ ، والظن يحصل بخبر الواحد غير المحفوف بالقرائن القطعية.

(الثالث من وجوه تقرير الإجماع : استقرار سيرة المسلمين) من زمن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى يومنا هذا (طرّا) أي : جميعا من الأصحاب وغيرهم ، ومن الفقهاء غيرهم (على استفادة الأحكام الشّرعية من أخبار الثقاة ، المتوسطة بينهم) أي : بين المسلمين (وبين) الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و (الإمام عليه‌السلام).

فإنّ سيرة المسلمين في زمان الحضور ، وكذلك في زمان الغيبة ، قد جرت على استفادة أحكامهم من أخبار الثّقاة المتوسطين بين المسلمين وبين المعصومين عليهم‌السلام.

(أو المجتهد) ، فإنّه لا يزال المقلدون يستفيدون أحكامهم من الثّقاة ، الّذين يتوسطون بينهم وبين المجتهدين ، لوضوح : إنّ المقلّدين ليسوا جميعا عند المجتهدين ، وإنّما أكثرهم في البلاد المتباعدة ، والمجتهد في النجف الاشرف ،

١٦٠