المطالب العالية من العلم الإلهي - ج ٩

محمّد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي البكري [ فخر الدين الرازي ]

المطالب العالية من العلم الإلهي - ج ٩

المؤلف:

محمّد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي البكري [ فخر الدين الرازي ]


المحقق: الدكتور أحمد حجازي السقا
الموضوع : الفلسفة والمنطق
الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٩٥

النوع السادس عشر للقوم

تمسكوا بقوله تعالى : (وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْواجٌ. هذا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ. لا مَرْحَباً بِهِمْ. إِنَّهُمْ صالُوا النَّارِ. قالُوا : بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ. أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنا. فَبِئْسَ الْقَرارُ. قالُوا : رَبَّنا مَنْ قَدَّمَ لَنا هذا ، فَزِدْهُ عَذاباً ضِعْفاً فِي النَّارِ) (١)

قالوا : على مذهب المجبرة : إنه تعالى هو الذي قدم لهم. فانظر ما يلزم على قول المجبرة في هذا الموضوع. والجواب : إن هذا أيضا وارد على المعتزلة بسبب مسألة الداعي ، ومسألة العلم. والله أعلم.

__________________

(١) ص ٥٨ ـ ٦١.

٣٤١
٣٤٢

النوع السابع عشر للقوم

إن القرآن مملوء من كونه تعالى رحيما [كريما (١)] جوادا محسنا بل الكتب الإلهية بأسرها مملوة من هذا المعنى ، والخلق مطبقون على كونه أكرم الأكرمين ، وأرحم الراحمين [من ذلك (٢)] قوله تعالى : (ما يَفْعَلُ اللهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ) (٣) فإن كان هو تعالى يخلق الإنسان ويسلط عليه في الدنيا الفقر والزمانة والمرض والعمى ، ثم يخلق فيه الكفر ، ثم يخرجه من الدنيا إلى الآخرة ، ويدخله في النار أبدا الآباد ويعذبه أشد العذاب. فكيف يليق به أن يكون كريما رحيما ، فضلا عن أن يكون أكرم الأكرمين ، وأرحم الراحمين؟ واعلم : أن هذا نوع من الاستدلال ، من أراد تطويله وتشعيبه قدر عليه.

والجواب [عنه (٤)] إنه معارض بقوله : (وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) (٥) تم الجواب عنه ما ذكرناه في سورة الفاتحة ، في قوله : (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ).

__________________

(١) من (ط ، ل).

(٢) زيادة.

(٣) سورة النساء ، آية : ١٤٧.

(٤) سقط (م).

(٥) سورة الأعراف ، آية : ١٧٩ وفي مجمع البيان : («وَلَقَدْ ذَرَأْنا) ـ أي خلقنا ـ (لِجَهَنَّمَ : كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) ـ يعني : خلقناهم على أن عاقبتهم المصير إلى جهنم بكفرهم وإنكارهم وسوء اختيارهم. ويدل على هذا المعنى قوله سبحانه : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) فأخبر : أنه خلقهم للعبادة ، فلا يجوز أن يكون خلقهم للنار ، وقوله : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللهِ) ـ (وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا) في نظائر لذلك لا تحصى. والمراد بالآية : كل من علم الله أنه لا يؤمن ويصير إلى النار».

٣٤٣
٣٤٤

النوع الثامن عشر للقوم

قالوا : إله العالم شهد بأن هذه الأفعال صدرت عن العباد والأنبياء اعترفوا به ، والمؤمنون أقروا به ، وإبليس اللعين اعترف به. فمن أنكر ذلك فقد خالف [كل (١)] هؤلاء. أما بيان أن الله تعالى شهد به ، ففي آيات :

أ ـ (وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُ) (٢) وهذا تصريح بأن ذلك الإضلال من السامري ، ولو كان خالق الضلال هو الله تعالى لكانت إضافة الإضلال إلى السامري كذبا. ولا يقال : قراءة بعضهم : (وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُ) (٣) أي : أشدهم ضلالا هو السامري. لأنا نقول : القراءة التي تمسكنا بها حقة صحيحة بالاتفاق وهي تدل على قولنا. فقد حصل المقصود. وأما القراءة التي ذكرتم فإنها لا تنافي ما ذكرناه لأن كون السامري ضالا ، لا ينافي كونه مضلا.

__________________

(١) سقط (م).

(٢) سورة طه ، آية : ٨٥ وفي تفسير مجمع البيان : (وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُ) أي دعاهم إلى الضلال فقبلوا منه ، وضلوا عند دعائه. فأضاف الضلال إلى السامري والفتنة إلى نفسه. ليدل سبحانه على أن الفتنة غير الضلال. وقيل : إن معنى (فَتَنَّا قَوْمَكَ) عاملناهم معاملة المختبر المبتلي ليظهر لغيرنا المخلص منهم من المنافق ، فيوالي المخلص ويعادي المنافق».

(٣) في تفسير الكشاف : «قرئ» (وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُ) أي هو أشد ضلالا ، لأنه ضال مضل ، وهو منسوب إلى قبيلة من بني إسرائيل يقال لها السامرة. وقيل : السامرة قوم من اليهود يخالفونهم في بعض دينهم».

٣٤٥

ب ـ (قُلْتُمْ : أَنَّى هذا؟ قُلْ : هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ) (١) ج ـ (فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ) (٢) فلو كان حصول الذنب بخلق الله ، لكان مؤاخذا لا بذنب نفسه ، بل بالذنب الذي فعله فيه غيره. د ـ (وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ) (٣) وهذا تصريح بأن ذلك ليس من الله بل منهم. ه ـ (أَنَّما يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ) (٤) وكيف يصيبهم بذنوبهم ، ولا ذنب لهم في تلك الأفعال ، التي هي الكفر والمعصية كما لا ذنب لهم في وجود السماء والأرض؟ و ـ (وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَما هَدى) (٥) وهذا تصريح بأن الضلال من فرعون ولو كان من عند الله ما كان من فرعون. ز ـ (وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً) (٦) ح ـ (كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ) (٧) وهذا تصريح بأن ذلك الفعل من عند أنفسهم. ط ـ قال تعالى حكاية عن أهل النار (يُنادُونَهُمْ : أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ؟ قالُوا : بَلى وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُ) (٨) وهذا نص صريح في أنه لا صنع لله في الكفر. ى ـ (إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا) (٩) وكلمة إنما للحصر. يا ـ (الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ ، وَأَمْلى لَهُمْ) (١٠) يب ـ (ما يَفْعَلُ اللهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ) (١١)؟ وهذا يفسد قول من يقول : إنه خلق الكفر في الدنيا ثم يعذبه عليه في الآخرة ، وإنه تعالى ما خلقه إلا لهذا العذاب.

وأمثال هذه الآيات كثيرة فنكتفي بهذا القدر

وأما بيان أن الأنبياء عليهم‌السلام اعترفوا بذلك. ففيه آيات : أ ـ قال

__________________

(١) سورة آل عمران ، آية : ١٦٥.

(٢) سورة العنكبوت ، آية : ٤٠.

(٣) سورة الزخرف ، آية : ٧٦.

(٤) سورة المائدة ، آية : ٥٠.

(٥) سورة طه ، آية : ٧٩.

(٦) سورة النساء ، آية : ٦٠.

(٧) سورة البقرة ، آية : ١٠٩.

(٨) سورة الحديد ، آية : ١٤.

(٩) سورة المجادلة ، آية : ١٠.

(١٠) سورة محمد ، آية : ٢٥.

(١١) سورة النساء ، آية : ١٤٧.

٣٤٦

تعالى حكاية عن آدم عليه‌السلام : (رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا. وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) (١) فأضاف الظلم والذنب إلى نفسه ، والغفران والرحمة إلى الله تعالى. ولو كان الكل من الله تعالى ، لكان هذا التفصيل والتمييز عبثا. ب ـ قال نوح عليه‌السلام (إِنِّي أَعُوذُ بِكَ : أَنْ أَسْئَلَكَ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ) (٢) ج ـ قال يعقوب عليه‌السلام لأولاده : (بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً) (٣) د ـ قال يوسف عليه‌السلام : (مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي) (٤) ه ـ قال موسى عليه‌السلام : (هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ. إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ) (٥) سماه : عدوا مضلا ، لأنه أوقعه في ذلك العمل ولو كان فاعل ذلك الفعل هو الله تعالى فالعدو والمضل هو الله تعالى. و ـ وقال موسى عليه‌السلام : (رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي) (٦) ز ـ وقال يونس عليه‌السلام : (سُبْحانَكَ. إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) (٧) فهؤلاء الأنبياء والرسل عليهم‌السلام اعترفوا بأن الذنب منهم ، وأنهم هم الآمرون بهذه الدلالات. فمن حملها على الله فقد ظاهر بتكذيب الأنبياء. وأما بيان أن المؤمنين اعترفوا بذلك. فهو قوله تعالى حكاية عن المؤمنين : (رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا) (٨) فأضافوا الخطأ إلى أنفسهم. وأما بيان أن الكفار اعترفوا بذلك فهو قوله تعالى حكاية عنهم (رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا. فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا. رَبَّنا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ ، وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً) (٩) والاستدلال بهذه الآية من وجهين : الأول : إن الكفار أضافوا الإضلال إلى سادتهم وكبرائهم ، ولم يقولوا : إلهنا أنت أضللتنا. والثاني : إنهم قالوا : (رَبَّنا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ

__________________

(١) سورة الأعراف ، آية : ٢٣.

(٢) سورة هود ، آية : ٤٧.

(٣) سورة يوسف ، آية : ١٨.

(٤) سورة يوسف ، آية : ١٠٠.

(٥) سورة القصص ، آية : ١٥.

(٦) سورة القصص ، آية : ١٦.

(٧) سورة الأنبياء ، آية : ٨٧.

(٨) سورة البقرة ، آية : ٢٨٦.

(٩) سورة الأحزاب ، آية : ٦٧ ـ ٦٨.

٣٤٧

الْعَذابِ ، وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً) وإنما ذكروا ذلك جزاء لهم على إضلالهم. فلو كان الإضلال من الله. فانظر ما يلزم. وأيضا : حكى الله عن الكفار أنهم قالوا : (وَما أَضَلَّنا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ) (١) وأما بيان أن إبليس اعترف بذلك. فهو قوله تعالى حكاية عنه (لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً) (٢) وهذا نص صريح في أن متابعة الشيطان إنما حصل [بسبب الشيطان (٣)] لا لأن الله تعالى أضلهم. قال الشيطان : (وَلَأُضِلَّنَّهُمْ) وهذا اعتراف منه بأن الإضلال ليس من الله. ثم قال : (وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ) (٤) وهذا صريح في ذلك. ثم قال : (وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللهِ) (٥) وهذا تهديد ووعيد على من فعل ذلك. ولو كان ذلك من خلق الله ، فكيف يليق إلحاق الوعيد والتهديد به؟ فثبت بمجموع ما ذكرنا : أن الإله والأنبياء والمؤمنين والكافرين وإبليس اللعين ، اعترفوا بأن هذه الذنوب ليست من الله. فمن قال إنها من الله فقد خالف الصديق والزنديق والرحمن والشيطان.

__________________

(١) سورة الشعراء ، آية : ٩٩.

(٢) سورة الشعراء ، آية : ٩٩.

(٣) من (ط ، ل).

(٤) سورة النساء ، آية : ١١٩.

(٥) سورة النساء ، آية : ١١٩.

٣٤٨

النوع التاسع عشر لهم

الآيات الدالة على أحوال أهل القيامة من العقاب والحسنات والثواب والعقاب.

فلو لم يفعل (١) العبد شيئا من هذه الأفعال ، بل كان فاعلها هو الله تعالى ، كانت محاسبته ومعاتبته عبثا.

__________________

(١) يعقل (م).

٣٤٩
٣٥٠

النوع العشرون للقوم

لو أن الله تعالى خلق الكفر في الكافر ، وخلقه للنار. ما كان لله نعمة أصلا.

وهذا باطل فذاك باطل. بيان الملازمة :

إن النعم (١) إما دينية أو دنيوية. ولا شك أن النعم الدينية أفضل وأكمل من النعم الدنيوية. فلو قدرنا أن خالق الكفر هو الله تعالى ، لم يكن له تعالى في خلق الكافر شيء من النعم الدينية. وأما النعم الدنيوية فهي أيضا على هذا التقدير ، يجب أن تكون معدومة. لأن منافع الإنسان في الدنيا ومضاره فيها ، إذا تقابلا كانت منافعه بالنسبة إلى مضاره كالقطرة في البحر ، ثم إذا قوبل عمر الإنسان بالأبد الذي لا نهاية له ، كان عمره بالنسبة إلى ذلك الأبد كالعدم. وإذا كان كذلك ، فلو خلق الله الكفر في الكافر وعذبه عليه أبد الآباد ، كانت المنافع الحاصلة في الدنيا بالنسبة إلى هذه المضار كالقطرة بالنسبة إلى البحار التي لا نهاية لها. ومعلوم : أن مثل هذا لا يعد نعمة ولا منفعة. ألا ترى أن تقديم الخبيص (٢) المسموم إلى الإنسان ، لا يعد نعمة. لأن اللذة الحاصلة منه قليلة

__________________

(١) النعيم (م).

(٢) الخبيص.

طبق خليجي مشهور ، يعد في كثير من الدول العربية تحت اسماء أخرى. في العراق يدعى حلاوة الطحين. اقتصادي سهل التحضير ، يفضل تقديمه حارا مع القهوة الخليجية في حفلات الشاي والزيارات والرحلات.

٣٥١

بالنسبة إلى المضار الحاصلة. فكذا هاهنا. فثبت : أنه لو كان [حصول (١)] الكفر بخلق الله تعالى ، لم يكن لله تعالى في حق الكافر شيء من النعم البتة. وإنما قلنا : إن لله نعمة في حق الكافر ، بل نعما ، لا حدّ لها ولا حصر ، لما ذكره الله تعالى في كتابه على الترتيب المعقول. وذلك لأن أصل جميع النعم هو الحياة. فإنه لو لا الحياة لما حصل الانتفاع. فكانت الحياة أصلا لجميع النعم. فلهذا السبب ابتدأ الله تعالى بذكره فقال : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ. وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ) (٢)؟ ثم لما ذكر الحياة أردفه بذكر ما ينتفع به. فقال : (هُوَ الَّذِي

__________________

ـ المقادير

٤ أكواب طحين (لجميع الاستعمالات) كوب وثلث سكر زائد نصف كوب سكر كوبان إلى كوبين ونصف ماء كوب دهن سائح أو زيت نباتي ملعقة أكل مسحوق هيل نصف كوب ماء ورد. زعفران مذاب في ماء ورد.

للتنويع : ثلثا كوب مشمش ولوز أو حسب الرغبة.

الطريقة :

١ ـ يسيح كوب سكر في قدر متوسط حتى يكتسب السكر لونا بنيا محمرا ثم يصب عليه الماء بحذر.

٢ ـ يذاب باقي السكر في الماء ويترك على نار هادئة حتى يغلي.

٣ ـ يشفشف (يحمص) الطحين في قدر على نار هادئة مع مراعاة التقليب المستمر حتى يشقر لونه يم ينخل ويقاس.

٤ ـ يضاف نصف كوب دهن ويقلب المزيج جيدا.

٥ ـ يضاف نصف مزيج السكر والماء تدريجيا إلى الطحين مع التقليب.

٦ ـ يضاف المتبقى من الدهن ويقلب ثم يضاف باقي السكر والماء تدريجيا ويذاق المزيج لتعديل طعمه.

٧ ـ تخفف النار ثم يضاف المشمش والهيل والزعفران والمذاب في ما الورد ويقلب الخبيص ثم يغطى القدر ويترك على نار هادئة أو يوضع في فرن هادئ لمدة ١٥ دقيقة على الأقل.

٨ ـ يسكب الخبيص ويزين باللوز المقلى.

ملاحظة : يمكن استبدال الطحين في الوصفة السابقة بالسميد

(١) من (ط. ل)

(٢) سورة البقرة ، آية : ٢٨.

٣٥٢

خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) (١) ثم ذكر بعده : أنه تعالى قصد إلى السموات وساها تسوية مطابقة لمصالح العباد فقال : (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ) (٢) وأيضا : قال : (يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ) (٣) وهذا تصريح بأن الله تعالى قد أنعم على الكفار. وقال في قصة إبليس : (وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ) (٤) ولو لم تكن عليهم النعم من الله ، ما كان لهذا القول [فائدة (٥)] وقال حاكيا عن موسى : (أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِيكُمْ إِلهاً. وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) (٦)؟ وقال في سورة النحل : (وَالْأَنْعامَ خَلَقَها. لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ وَمِنْها تَأْكُلُونَ) (٧) ولا شك أن هذا مذكور في معرض تعديد النعم. ثم قال : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً. لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ ، وَمِنْهُ شَجَرٌ) (٨) إلى قوله : (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها) (٩) وهذه الآيات دالة على أن نعم الله واصلة إلى جميع الخلق. فثبت : أنه تعالى لو خلق الكفر في الكافر ، لما كان له عليه نعمة. وثبت بهذه الآيات : أن نعم الله واصلة إلى الكافر والمؤمن. وهذا يدل على أنه ليس خالقا للكفر في حق الكافر.

واعلم : أن من وقف على هذه الوجوه العشرين التي لخصناها للقوم ، أمكنه الاستدلال بكل آية من آيات القرآن.

واعلم : أن المعتمد في الجواب أن نقول : الآيات الدالة على مذهبنا أيضا كثيرة جدا. ولما تعارضت تلك الآيات [بهذه الآيات (١٠)] وجب الرجوع فيها

__________________

(١) سورة البقرة ، آية : ٢٩.

(٢) سورة البقرة ، آية : ٢٩.

(٣) سورة البقرة : آية : ٤٠ و ٤٧.

(٤) سورة الأعراف ، آية : ٣.

(٥) من (ط. ل).

(٦) سورة الأعراف ، آية : ١٤٠.

(٧) النحل / ٥.

(٨) النحل / ١٠.

(٩) النحل / ١٨.

(١٠) من (ط. ل).

٣٥٣

إلى الدلائل العقلية (١) التي عولنا عليها فإنها باهرة [قوية (٢)] لا شك فيها ولا شبهة.

والله ولي التوفيق

__________________

(١) الدلائل العقلية محل نزاع أيضا. والأصح هو الاعتماد على الدلائل القرآنية.

(٢) من (ل).

٣٥٤

الباب السابع

في

تمسكات المعتزلة بالأخبار

٣٥٥
٣٥٦

اعلم : أن كل ما ورد من الأخبار ، من الأمر والنهي ، والمدح والذم ، والثواب والعقاب ، والترغيب والترهيب ، فالقوم يحتجون به. وتقريره على الوجه المذكور في الدلائل القرآنية.

ثم بعد هذا يتمسكون بوجوه أخرى :

الحجة الأولى : لو كان الكفر والفسق حاصلا بتخليق الله تعالى وقضائه ، لوجب الرضا به. لكن الرضا به لا يجوز ، فوجب أن لا يكون بتخليق الله ولا بقضائه. بيان الملازمة:

إن كل ما كان بقضاء الله ، فإنه يجب الرضا به فذلك مجمع عليه بين الأمة. ثم نقول: الدليل عليه أيضا : القرآن والخبر والأثر.

أما القرآن : فقوله تعالى : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) (١)

وأما الأخبار فكثيرة : أحدها : ما روى سعد بن مالك قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من سعادة ابن آدم استخارة الله ، ومن سعادة ابن آدم رضاه بما قضى الله ، ومن شقاوة ابن آدم تركه استخارة الله ، ومن شقاوة ابن آدم سخطه

__________________

(١) سورة الأحزاب ، آية : ٣٦.

٣٥٧

بما قضى الله. وثانيها : ما روى عبد الله بن عمر : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يقول : «اللهم إني أسألك الصحة والعفة والأمانة وحسن الخلق والرضاء بالقدر» وثالثها : ما روى عبد الله بن شداد قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «اللهم رضني بقضائك ، وبارك لي في قدرك ، حتى لا أحب تأخير ما عجلت ولا تعجيل ما أخرت» ورابعها : إن من مشاهير الأخبار الربانية : أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم : حكى عن رب العزة أنه يقول : «ومن لم يرض بقضائي ، فليطلب رب سواي».

وأما الآثار فكثيرة : أحدها : قال أبو الدرداء : «المروءة أربع خلال : الصبر للحكم ، والرضاء بالقدر ، والإخلاص في التوكل ، والاستسلام للموت» وعنه أيضا أنه قال : «إن الله إذا قضى قضاء ، أحب أن يرضى بقضائه» وثانيها : عن عمران بن حصين أنه قال : ثلاث يدرك بهن العبد رغائب الدنيا والآخرة : «الصبر عند البلاء ، والرضا بالقدر ، والدعاء في الرخاء» وثالثها : روى محمد بن كعب : أن موسى عليه‌السلام قال : «أي ربي أي خلقك أعظم ذنبا؟» قال : «الذي يتهمني» قال : «أي ربي ، وهل يتهمك أحد؟» قال : «نعم الذي يستخيرني ولا يرضى بقضائي» ورابعها : قيل فيما أوحي الله تعالى إلى داود عليه‌السلام : «يا داود إنك لن تلقاني بعمل هو أرضى لي عنك ، ولا أحط لوزرك من الرضا بقضائي».

فثبت بهذه الوجوه : أنه لو كان الكفر بقضاء الله لكان الرضا به واجبا.

وأما بيان أنه لا يجوز الرضا بالكفر والعصيان : فهذا أيضا مجمع عليه بين الأمة. ثم الدليل عليه : القرآن والخبر.

أما القرآن : فهو أن الظالم يجب لعنه. لقوله تعالى : (أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) (١) وذلك ينافي وجوب الرضا بظلمه. وأيضا : فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب بأقصى الوجوه. وذلك يمنع من وجوب حصول الرضا بالكفر والفسق.

__________________

(١) سورة الأعراف ، آية : ٤٤.

٣٥٨

وأما الخبر : فما روى أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «الرضا بالكفر : كفر» فثبت : أنه لو كان الكفر بقضاء الله ، لكان الرضا به واجبا ، وثبت : أن الرضا به غير واجب ، فوجب أن لا يكون الكفر واقعا بقضاء الله ولا بخلقه. وهو المطلوب.

الحجة الثانية : قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن الله كره لكم ثلاث : قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال» ولما كانت هذه الأشياء الثلاثة مكروهة لله تعالى ، وجب أن لا تكون مرادة له. لأن الشيء الواحد بالاعتبار الواحد لا يكون مكروها ومرادا معا. وإذا لم يكن مرادا لله تعالى ، وجب أن لا يكون مخلوقا له ، لأن الخلق لا يحصل إلا بالإرادة. ويقرب منه الاستدلال بقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أبغض المباحات إلى الله الطلاق» دل النص على أن الطلاق مبغوض لله ، والمبغوض لا يكون مرادا وما لا يكون مرادا لله لا يكون مخلوقا له.

الحجة الثالثة : ما روى أبو هريرة أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي. ثم ليقل : «اللهم افتح لي أبواب رحمتك» وإذا خرج فليسلم ، وليقل : «اللهم أجرني من الشيطان» ولو كان فعل الشيطان قد حصل بإيجاد الله تعالى ، لوجب أن يقول : اللهم أجرني منك. وهكذا القول في سائر الأدعية. كقوله : «أعوذ بك من شر كل شيء ، أنت آخذ بناصيته» لأن كل الشرور من الله تعالى على قول المجبرة.

الحجة الرابعة : روى سعيد بن جبير عن أبي عبد الرحمن السلمي ، عن عبد الله بن قيس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «ما أحد أصبر على أذى سمعه ، من الله ، يجعلون له ندا ، ويجعلون له ولدا ، وهو يرزقهم ويعافيهم ويعطيهم» وجه الاستدلال به : إن المراد من هذا الصبر شدة كراهية الله تعالى لهذا الكلام. وذلك يدل على أنه تعالى يكرهه ، وإذا كان كذلك ، وجب أن لا يكون الله خالقا له ، لأن من لم يكن ملجأ للفعل ولا ساهيا ، فإنه إذا كان لا يريده لم يفعله.

الحجة الخامسة : قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اعملوا فكل ميسر لما خلق له» وجه

٣٥٩

الاستدلال به : أنه تعالى بين أن الخلق مخلوقون للعبادة كما قال تعالى : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (١) فلا جرم قال : اعملوا بالطاعة. فإن جميع الخلق قد يسر الله لهم الاشتغال بالعبادة التي لأجلها [خلقوا (٢)] وإنما يكون هذا التيسير حاصلا إذا قلنا : العبيد قادرون (٣) على الفعل ، وأنه تعالى لا يخلق فيهم الكفر جبرا ، ولا يمنعهم عن الإيمان ، ولا يضلهم عن سواء السبيل. فثبت : أن قوله عليه‌السلام : «اعملوا فكل ميسر لما خلق له» : نص صريح في هذه المسألة.

الحجة السادسة : الدعاء المشهور المأثور عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو دعاء الاستفتاح وهو قوله : «اللهم أنت الملك ، لا إله إلا أنت أنت ربي وأنا عبدك [ظلمت نفسي (٤)] واعترفت بذنبي [فاغفر لي (٥)] فإنه لا يغفر الذنوب [إلا أنت (٦)] واهدني لأحسن الأخلاق ، فإنه لا يهدي لأحسنها إلا أنت ، واصرف عني سيئها ، فإنه لا يصرف سيئها إلا أنت. لبيك وسعديك ، والخير كله في يديك. والشر ليس إليك ، إنا بك وإليك ، تباركت وتعاليت ، استغفرك وأتوب إليك» وجه الاستدلال به : إن قوله : «والشر ليس إليك» صريح في المسألة.

ولا يقال : إن قوله : «الخير في يديك» : يقتضي كون الإيمان من الله تعالى ، لأنه أعظم الخيرات. لأنا نقول : لما وقع التعارض وجب التوفيق ، فيحمل قول «الخير في يديك» على أن الإيمان حصل بإقدار الله تعالى ، ونصب الدلائل عليه. ويحمل قوله : «الشر ليس إليك» على أنه ليس بخلقه وتكوينه. وبهذا الطريق يزول التعارض.

__________________

(١) سورة الذاريات ، آية : ٥٦.

(٢) من (م ، ل).

(٣) العبد قادر (م).

(٤) من (م ، ل).

(٥) زيادة.

(٦) من (ط ، ل).

٣٦٠