محمّد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي البكري [ فخر الدين الرازي ]
المحقق: الدكتور أحمد حجازي السقا
الموضوع : الفلسفة والمنطق
الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت
الطبعة: ١
الصفحات: ١٨٩
المقالة الأولى
في
الكلام في الزمان
بسم الله الرحمن الرحيم
[قال مولانا ، أفضل [أهل (١)] العالم [في زمانه (٢)] خاتم المحققين ، مكمل علوم الأولين والآخرين ، الإمام الداعي إلى الله ، أبو عبد الله ، محمد بن عمر بن الحسين ، الرازي. رضى الله عنه (٣) :].
الكتاب الخامس من إلهيات كتاب «المطالب العالية» في : «البحث عن الزمان والمكان. وفيه مقالتان :
__________________
(١) زيادة.
(٢) زيادة.
(٣) سقط من (س).
الفصل الأول
في
تقرير دلائل القائلين بنفي الزمان
للناس في الزمان قولان : الأول : قول من أنكر وجوده. والثاني : قول من أثبت وجوده (١).
أما المنكرون لوجوده. فقالوا : الموجودات على قسمين : منها ما يكون بقاؤها بسبب أفرادها وتتالي آحادها ، وبغير كونها متعاقبة متتالية ، أن كل واحد منها وجد بعد العدم ، ثم عدم بعد الوجود ، وهذا المفهوم لا يقتضي إثبات موجود زائد على تلك الموجودات ، والعدمات.
ومنها ما يكون بقاؤها بمعنى كونها مستمرة دائمة بأعيانها. وهذا المفهوم [أيضا (٢)] لا يقتضي إثبات موجود زائد. (ويدل على ما ذكرناه وجوه من الدلائل :).
الحجة الأولى : هذا الشيء المسمى بالزمان والمدة ، لو كان موجودا ، لكان إما أن يكون مستمر الوجود ، أو منقضي الوجود ، والأول محال ، وإلا
__________________
(١) نص (س) الكتاب الخامس من إلهيات كتاب المطالب العالية في البحث عن الزمان والمكان. وفيه مقالتان. المقالة الأولى في الزمان وفيها فصول ، هي أحد عشر فصلا. الفصل الأول في تقرير دلائل القائلين بنفي الزمان ... الخ وفي (ت) : الفصل الأول في شرح دلائل القائلين بنفي الزمان.
(٢) من (س).
[لوجب أن يكون (١)] هذا اليوم بعينه ، هو يوم الطوفان [فيلزم على هذا التقدير] (٢) أن يكون الحادث في هذا اليوم ، حادثا في يوم الطوفان ، بل قبله ، بل أزلا. هذا خلف. [محال] (٣) وأيضا : فبتقدير كونه دائم الوجود بعينه ، فلا بد وأن يصدق عليه أنه كان موجودا قبل ، وسيبقى موجودا بعد. فلو كان هذا المفهوم يقتضي إثبات مدة وزمان لذلك الشيء ، فحينئذ يلزم افتقار المدة والزمان إلى مدة أخرى ، وزمان آخر. ويلزم التسلسل وهو محال. والثاني (٤) أيضا باطل ، لأنه يقتضي أن تكون الأجزاء المفترضة فيه متعاقبة متوالية ، وحينئذ يصح في كل واحد من تلك الأجزاء أن يقال : إنه حدث الآن ، لا قبل ولا بعد. فلو كان الحكم على الشيء بأنه حدث الآن ، أو كان حادثا قبل ذلك ، أو سيحدث بعد ذلك ، يقتضي شيئا آخر يكون ظرفا له ، ويكون لأجل وقوع هذا الشيء في ذلك الظرف ، يصدق عليه بأنه حصل الآن ، أو في الماضي ، أو سيحصل في المستقبل ، فحينئذ يلزم أن يكون للزمان زمان آخر إلى غير النهاية ، وذلك محال.
الحجة الثانية : إنا نعلم بالضرورة أن الأجزاء المفترضة في الزمان لا تحصل معا ، بل حصولها لا يعقل إلا على سبيل التعاقب والتقضي. فنقول : إما أن يكون لشيء من تلك الأجزاء حضور وحصول ، أو لا يكون ، فإن كان الأول كان واحد من تلك الأجزاء حال حضوره غير منقسم [وإلا لحصل له نصفان ، ويكون النصف الأول سابقا على النصف الثاني (٥)] وحينئذ لا يكون الحاضر حاضرا. هذا خلف.
وإذا ثبت أن كل واحد من تلك الأشياء غير قابل للقسمة ـ ولا شك أن الزمان إنما يمتد بسبب تعاقب تلك الأشياء الحاضرة ـ لزم كون الزمان مركبا من
__________________
(١) لكان (ت).
(٢) من (س).
(٣) من (س).
(٤) والقسم الثاني (س).
(٥) من (س ، ط).
الآنات المتتالية التي يكون كل واحد منها [غير قابل للقسمة (١)] ولو كان الأمر كذلك لزم كون الجسم مركبا من الأجزاء التي لا تتجزأ ، لأن القدر الذي يتحرك عليه المتحرك من المسافة في الآن الواحد ، الذي لا يقبل القسمة ـ إن كان منقسما ـ كانت الحركة إلى نصفه واقعة في نصف ذلك الآن ، [والحركة الواقعة في النصف الثاني من ذلك الآن ، فحينئذ ينتصف ذلك الآن] (٢) وكنا قد فرضنا أنه لا ينتصف. هذا خلف. فثبت أن القول بكون الزمان مركبا من أشياء حاضرة ، كل واحد منها لا ينقسم ، يفضي إلى إثبات الجوهر الفرد ، وهو باطل. فكان القول بوجود الزمان باطلا. وأما القسم الثاني وهو أن يقال : إنه ليس لشيء من الأجزاء المفترضة في الزمان حضور ولا حصول البتة ، فهذا تصريح بنفي الزمان بالكلية ، لأن الماضي هو الذي كان حاضرا ثم انقضى ، والمستقبل هو الذي يتوقع حضوره وهو بعد لم يحضر. فكونه ماضيا ومستقبلا يتوقف على كونه حاضرا. فإذا كان كونه حاضرا ممتنعا ، كان وجوده في الماضي والمستقبل محالا. وإذا كان لا يتقرر له وجود ، لا في الحال ، ولا في الماضي ، ولا في المستقبل ، امتنع القول بوجوده.
الحجة الثالثة : إن هذا الزمان. إما أن يكون حادثا ، أو قديما. فإن كان حادثا كان عدمه قبل وجوده ، وهذه القبلية لا تكون بالزمان ، لأن هذا الكلام إنما وقع في العدم الذي هو متقدم على وجود كل (٣) الزمان ، وعند حصول هذا العدم لا يكون للزمان وجود فقد حصل معنى القبلية والتقدم من غير حصول الزمان ، فعلمنا أن حصول القبلية والتقدم ، لا يتوقف على وجود الزمان. وأما إن قلنا : الزمان قديم. فنقول : هذا باطل. وبتقدير تسليمه ، فالمقصود حاصل. أما أنه باطل فلأن وجود الزمان لا يتقرر إلا عند توالي القبليات [والبعديات] (٤) وهذا التوالي والتعاقب هو التغير [والتغير (٥)] ماهيته ،
__________________
(١) لا يقبل القسمة (ت).
(٢) من (ط ، س).
(٣) من (س).
(٤) سقط (ط).
(٥) من (ط ، س).
تقتضي أن تكون مسبوقة بالغير ، والأزلي [ماهيته (١)] تنافي المسبوقية بالغير ، والجمع بينهما محال ، فكان الجمع بين حقيقة الزمان ، وبين حقيقة الأزلية (٢) محالا (٣).
وأما بيان أن بتقدير تسليمه. فالمقصود حاصل. فتقريره : أن القديم هو المستمر أزلا وأبدا ، وكما أن الحدث يوهم إثبات زمانين متعاقبين ، حصل في أولهما عدم الشيء ، وفي ثانيهما وجوده ، فكذلك القديم يوهم وجود زمان مستمر من الأزل إلى الأبد ، حصل فيه ذلك القديم ، ولو حكمنا على الزمان بالقدم ، لأوهم ذلك الحكم وقوع ذلك الزمان في زمان آخر ، فإن كان هذا الوهم كاذبا ، فليكن مثل هذا الوهم كاذبا أيضا في جانب الحدوث ، فإنه لا فرق في العقل بين البابين ، وحينئذ يرجع حاصل الكلام إلى أن كون الشيء مستمرا ، وكونه متغيرا ـ وإن كان يوهم وجود زمان يكون ظرفا ووعاء لذلك الاستمرار تارة ، ولذلك التغير أخرى ـ إلا أن ذلك الوهم فاسد ، وذلك الخيال باطل ، وذلك يوجب القطع بنفي الزمان. وهو المطلوب.
الحجة الرابعة : إنا كما نعلم بالضرورة : أن الحادث الأمسي متقدم على الحادث اليومي ، فكذلك نعلم بالضرورة أن الأمس متقدم على اليوم ، تقدما. ولا يمكن أن يوجد المتقدم مع المتأخر ، فإن كان هذا النوع من التقدم يحوج إلى وجود ظرفي ووعاء ، لأجله يحصل هذا التقدم ، وهذا التأخر ، فليكن لهذا الظرف ظرف آخر ، ولهذا الوعاء ، وعاء آخر ، إلى غير النهاية. وإن كان لا يحوج البتة ، فليكن الأمر كذلك في سائر الحوادث.
لا يقال : هب أنه يلزمنا إثبات أزمنة لا نهاية لها ، يحيط بعضها بالبعض. فلم قلتم : إن ذلك محال؟ لأنا نقول : فعلى هذا التقدير لا يكون اليوم الحاضر يوما واحدا ، بل أياما غير متناهية يحيط بعضها بالبعض ويكون
__________________
(١) سقط (ط).
(٢) الأزل (س).
(٣) محالا ممتنعا (ت).
مجموعها حاضرا في هذا اليوم ، ولا يكون الأمس أمسا واحدا ، بل أياما غير متناهية يحيط بعضها بالبعض ، مع أن مجموعها كان حاضرا بالأمس.
إذا عرفت هذا فنقول : مجموع تلك الأيام الغير المتناهية الأمسية ، متقدم على جميع الأيام الغير التناهية [اليومية (١)] وذلك التقدم يجب أن يكون بزمان آخر (٢) يكون ظرفا
لها ، ووعاء لها ، إلا أن القول بذلك محال ، وذلك لأن ذلك الزمان الذي هو ظرف لمجموع الأيام الأمسية لكونه ظرفا لها ، يجب أن يكون خارجا عنها ، لوجوب كون الظرف مغايرا للمظروف. [ولكونه (٣)] أحد الأيام الأمسية يجب أن يكون داخلا في مجموع الأيام الأمسية وحينئذ يلزم كون ذلك الظرف خارجا عن ذلك المجموع ، لكونه ظرفا له ، وكونه داخلا فيه ، لكونه أحد تلك الأزمنة ، فيكون ذلك الواحد داخلا في مجموع تلك الأزمنة ، وخارجا عنها ، وكون الشيء الواحد بالنسبة إلى الشيء الواحد خارجا عنه ، وداخلا فيه محال. فكان هذا القول محالا.
الحجة الخامسة : لا شك أن الباري سبحانه يجب أن يكون متقدما على الحوادث اليومية ، ولا شك أن ذاته (٤) ممتنعة الانفكاك عن هذا التقدم. فهذا التقدم إما أن يتوقف حصوله على حصول الزمان أو لا يتوقف ، فإن كان الأول ، فحينئذ تكون ذات واجب الوجود لذاته ، ممتنعة الخلو عن هذا التقدم ، وهذا التقدم متوقف الحصول على حصول الزمان ، والموقوف على الموقوف على الشيء موقوف على الشيء ، فيلزم افتقار ذات واجب الوجود لذاته إلى الزمان ، والمفتقر في وجوده إلى الغير ممكن لذاته ، فواجب الوجود لذاته ، ممكن الوجود لذاته [هذا خلف (٥)] وأيضا : فإذا كان واجب الوجود لذاته مفتقرا في وجوده إلى وجود الزمان ، فمن المعلوم بالبديهة : أن ما يحتاج واجب
__________________
(١) من (ط ، س).
(٢) بأزمان الاخر (س ، ط).
(٣) من (ط) ، (س).
(٤) ذاته وحقيقته (ت).
(٥) من (ط ، س).
الوجود لذاته إليه ، [كان (١)] أولى بأن يكون واجبا لذاته ، فيلزم أن يكون الزمان واجب الوجود لذاته ، مع أنه مركب من أجزاء [متشافعة (٢)] متتالية متعاقبة حادثة ، وكل ذلك محال. فثبت بما ذكرنا : أن تقدم وجود الباري تعالى على هذه الحوادث اليومية لا يتوقف على وجود الزمان ، لكن تقدم وجود الباري تعالى على هذا الحادث اليومي ، مساوي لتقدم كل متقدم زماني على [كل] (٣) متأخر زماني ، وليس في العقل بين البابين تفاوت أصلا (٤) فوجب أن لا يعتبر في حصول هذه التقدمات وجود مدة ولا زمان. وهو المطلوب.
الحجة السادسة : لا شك أن الباري تعالى دائم الوجود. وكما أن الحدوث لا يعقل إلا مع توهم : المدة والزمان. فكذلك الدوام لا يعقل إلا مع توهم [المدة (٥)] والزمان الدائم. لأن المعقول من الدائم هو الذي لا أول [لمدة] (٦) وجوده ، فإن كانت هذه القضية الوهمية صادقة ، فحينئذ يفتقر دوام وجود الله تعالى إلى وجود هذا الزمان ، والموقوف (٧) على الغير ، ممكن لذاته. فالواجب لذاته ممكن لذاته. هذا خلف. فإن كانت هذه القضية الوهمية كاذبة ، وكان الحق هو أن دوام الشيء لا يتوقف على وجود مدة وزمان ، فليكن الأمر كذلك في جانب الحدوث والتغير ، وحينئذ يحصل لنا أن كون الشيء قبل غيره ، أو بعد غيره ، أو مع غيره ، لا يتوقف على وجود شيء آخر ، يكون ظرفا ووعاء لذلك المتقدم ، ولذلك المتأخر. وذلك هو المراد من نفي الزمان.
الحجة السابعة : هذه المدة ممكنة لذاتها. بدليل : أنها مركبة من الأجزاء المتعاقبة ، وكل واحد من تلك الأجزاء المتعاقبة المتتالية حادث ، وكل حادث
__________________
(١) من (ت).
(٢) سقط (ت).
(٣) من (ت).
(٤) البتة (ط ، س).
(٥) سقط (س).
(٦) لامتداد وجوده (ط ، س).
(٧) والموقوف في وجوده على وجود غيره ممكن بالذات فواجب الوجود لذاته ممكن الوجود لذاته. هذا خلف (م).
ممكن ، فإذن كل واحد من أجزاء الزمان ممكن [الوجود (١)] لذاته ، ومجموعه مفتقر إلى كل واحد من أجزائه ، والمفتقر (٢) في وجوده إلى ما يكون ممكن الوجود لذاته ، كان أولى أن يكون ممكن الوجود لذاته. فثبت : أن المدة والزمان ـ بتقدير أن يكون موجودا ـ كان ممكن الوجود لذاته ، وكل ما [كان (٣)] ممكن [الوجود لذاته (٤)] ، فإنه لا يلزم من فرض عدمه بعد وجوده محال.
إذا ثبت هذا فنقول : لو كانت هذه البعدية لا يعقل تقررها ، إلا بسبب الزمان ، فحينئذ يلزم كون الزمان موجودا ، حال ما فرض معدوما ، لأن عدمه بعد وجوده لما لم يتقرر إلا بالزمان ، فلو فرضنا أنه عدم بعد وجوده ، فحينئذ يلزم من فرض كون هذا العدم حاصلا ، بعد ذلك الوجود ، أن يكون الزمان موجودا ، حال ما فرضناه معدوما ، فثبت : أنه لو كان الزمان موجودا ، لكان يلزم من مجرد فرض عدمه ، فرض وجوده ، وهذا محال. فثبت : أن فرض عدم الزمان يوجب المحال لذاته ، وكل ما كان كذلك كان واجبا لذاته ، فالزمان بتقدير كونه موجودا ، يلزم بحسب الاعتبار الأول أن يكون ممكنا ، وبحسب الاعتبار الثاني أن يكون واجبا لذاته. ولما كان ذلك محالا ، ثبت : أن حصول هذه القبليات ، والبعديات لا يتوقف على وجود [المدة (٥)] والزمان. وهو المطلوب.
الحجة الثامنة : إن الحكماء قالوا : المحدث له عدم سابق ، وله وجود لاحق ، وله آن وجوده حصل بعد عدمه. ثم قالوا : إن كونه بعد العدم ، يمتنع أن يكون مستفادا من سبب منفصل ، لأن كون هذا الوجود مسبوقا بذلك العدم ، أمر واجب الثبوت لذاته ، [ولعينه (٦)] ، فإنه من المحال فرض هذا
__________________
(١) سقط (ط) ، (س).
(٢) والمفتقر إلى الممكن أولى بالإمكان (ط) ، (س).
(٣) سقط (ط) ، (س).
(٤) سقط (ط) ، (س).
(٥) سقط (ط) ، (س).
(٦) سقط (ط) ، (س).
الوجود ، إلا مسبوقا بالعدم ، ولما كانت هذه المسبوقية أمرا واجب الثبوت [لهذا المحدث لذاته (١)] ولعينه ، امتنع أن يكون مستفادا من سبب منفصل. وأقول (٢) : هذا اعتراف من هؤلاء الأفاضل بأن كون هذا الوجود موصوفا بأنه بعد العدم ، [أمر (٣)] لا يمكن أن يكون معللا بغيره ، وإذا كان الأمر كذلك ، فكيف قالوا [هاهنا (٤)] : إن هذه القبلية وهذه البعدية لا يتقرر واحد منها ، إلا لأجل شيء مغاير يسمى بالمدة والزمان؟ وتمام تقريره : أن الشيء المحكوم عليه بأنه [قبل غيره يمتنع تقرر وجوده إلا مع هذه القبلية. والشيء المحكوم عليه بأنه] (٥) بعد غيره ، يمنع تقرره إلا مع هذه البعدية.
فثبت : أن حصول هذه القبليات ، وهذه البعديات ، أمور ثابتة لهذه الأشياء لذواته ولأعيانها. ثم ثبت في خواص الواجب لذاته (٦) ، وخواص الممكن : أن الواجب لذاته ، يمتنع أن يكون واجبا لغيره ، وهذا ينتج أن حصول هذه القبليات والبعديات ، يمتنع أن تكون موقوفة على موجود آخر مغاير [والله أعلم (٧)].
الحجة التاسعة [في هذا الباب] (٨) : لو كان للزمان والمدة ماهية وحقيقة ، لوجب أن تكون ماهيته هو الكم. وذلك لأنه قابل للمساواة ، واللامساواة [والتجزي (٩)] ويمكن فرض جزء فيه ، ويقدره (١٠) وهذا هو خاصية الكم ، ولو كان كما ، لكان إما أن يكون كما متصلا ، أو كما منفصلا ، والقسمان باطلان ، فبطل [القول (١١)] بوجوده. وإنما قلنا: إنه لا يمكن أن يكون كما متصلا ، وذلك لأن الكم المتصل هو الذي ينقسم إلى جزءين مشتركين في حد واحد [بعينه (١٢)] لكن الزمان منقسم إلى الماضي ، وإلى المستقبل، وهما
__________________
(١) سقط (ط).
(٧) من (ط ، س).
(٢) فأقول (ط) ، (س) قال مولانا رضى الله عنه (ت).
(٨) سقط (ط ، س).
(٣) سقط (س).
(٩) سقط (ط) ، (س).
(٤) سقط (ط) ، (س).
(١٠) جزء فيه يعده ويقدره (ت).
(٥) من (س ، ط).
(١١) من (ط ، س).
(٦) الوجود (ت).
(١٢) من (ط ، س).
يشتركان في حد واحد بعينه ، وهو الآن الحاضر ، فإن الآن الحاضر نهاية للماضي ، وبداية للمستقبل ، لكن الماضي والمستقبل كل واحد منهما معدوم ، والآن الحاضر موجود ، فيلزم أن يكون أحد المعدومين وهو الماضي ، متصلا بالمعدوم الثاني ، وهو المستقبل بطرف موجود مشترك بينهما ، وهو الآن الحاضر. وذلك مما [لا يقبله (١)] العقل لأن كون أحد المعدومين متصلا بالمعدوم الآخر غير معقول ، وكون المعدوم موصوفا بطرف موجود غير معقول أيضا. وإنما قلنا : إنه لا يمكن أن يكون كما منفصلا ، لأن الكم المنفصل مركب من الوحدات ، والوحدة لا تكون قابلة للقسمة ، فوجب أن يكون الزمان مركبا من الآفات المتتالية [التي (٢)] يكون كل واحد منها غير قابل للقسمة ، لكن ذلك محال ، لأن القول به يوجب القول بكون الجسم مركبا من الأجزاء التي لا تتجزأ. وقد ثبت أن القول به محال.
الحجة العاشرة في هذا الباب : إن الزمان لو كان موجودا ، لكان إما أن يكون من لواحق الحركة ، وإما أن لا يكون كذلك. والقسمان باطلان فكان القول بوجوده باطلا.
إنما قلنا : إنه يمتنع أن يكون من لواحق الحركة لوجهين :
الأول : كان الله تعالى في الأزل موجودا ، وكان عدم هذا الشيء الذي حدث في هذا اليوم حاصلا في الأزل. فقولنا : كان ، إشارة إلى الزمان. فههنا قد حصل الزمان مع أنه لا حركة ولا تغير ، لأن وجود الله تعالى منزه عن الحركة [والتغير (٣)] ، وعدم هذا الحادث اليومي كان مبرأ [أيضا (٤)] عن التغير في الأزل.
والثاني : وهو أن الحركة مفتقرة في تقررها وتحققها إلى الزمان ، لأن الحركة عبارة عن حدوث أمر بعد أن كان بخلافه ، وهذه البعدية إشارة إلى
__________________
(١) يقبله (ط).
(٢) سقط (ط).
(٣) سقط (ط) ، (س).
(٤) من (ط ، س).
الزمان. فثبت : أن الحركة مفتقرة في تحققها إلى وجود الزمان ، ولو كان [وجود (١)] الزمان مفتقرا إلى تقرر الحركة ، لزم افتقار كل واحد منهما إلى الآخر ، وهو دور ، والدور محال. وإنما قلنا : إنه يمتنع أن لا يكون الزمان من لواحق الحركة ، لأن الزمان والمدة ، لا يعقل ثبوته إلا حيث حصلت قبليات متوالية ، وبعديات متوالية. وحصول القبلية بعد البعدية ، [والبعدية (٢)] بعد القبلية ليس إلا التغير والتبدل. وذلك يقتضي أن لا تتقرر ماهية الزمان إلا عند حصول التغير والحركة. فثبت : أنه لو كان الزمان موجودا ، لكان إما أن يكون من لواحق الحركة ، وإما أن لا يكون. ولما ثبت فساد القسمين ، وجب أن يكون القول بوجود الزمان [باطلا (٣)]
الحجة الحادية عشر : لو كان الزمان موجودا ، لكان إما أن يكون مقدارا للحركة وإما أن لا يكون. والقسمان باطلان ، فالقول بوجوده باطل. إنما قلنا : إنه يمتنع أن يكون مقدارا للحركة لوجوه كثيرة سيأتي تفصيلها. لكن الذي نذكره الآن : أن الزمان لو كان موجودا ، لكان عبارة عن مقدار امتداد الحركة. وامتداد الحركة لا وجود له في الأعيان ، لأن الحاصل في الأعيان هو حصول الجوهر المعين ، في الحيز المعين ، فأما تعاقب حصولات الجوهر المعين في الأحياز المتعاقبة ، فذاك لا حصول له في الأعيان.
فثبت : أن امتداد وجود الحركة ، لا حصول له [في الأعيان (٤)] ، وإذا كان هذا الامتداد لا حصول له في الأعيان ، كان مقدار هذا الامتداد ، يمنع أن يكون موجودا في الأعيان ، لأن مقدار هذا الامتداد ، صفة لهذا الامتداد.
فإذا كان هذا الامتداد معدوما في الأعيان ، امتنع أن يكون مقدار هذا الامتداد موجودا في الأعيان ، لأن صفة المعدوم يمتنع أن تكون موجودة. وإنما قلنا : إنه يمتنع كون الزمان شيئا آخر غير مقدار الحركة ، لأنا نتكلم في هذا
__________________
(١) سقط (ط ، س).
(٢) من (ط ، س).
(٣) سقط (م).
(٤) من (س ، ط).
المقام مع «أرسطاطاليس» وأصحابه ، وهم قد أطبقوا على أنه يمتنع أن يكون الزمان شيئا آخر ، غير مقدار الحركة.
الحجة الثانية عشر : إن بديهة العقل شاهدة بأن عدم كل محدث سابق على وجوده ، ومن نازع فيه فقد نازع في أجلى العلوم البديهية ، وإذا ثبت هذا فنقول : السبق صفة للعدم (١) وصفة المعدوم لا تكون موجودة بل تكون معدومة ، فهذا السبق والتقدم والتأخر ، أمور لا وجود (٢) لها في الأعيان [البتة (٣)] والعدم المحض لا يستدعي محلا موجودا ، فهذا السبق والتقدم والتأخر لا يحتاج شيء منها إلى موصوف [موجود (٤)] والزمان لا حقيقة له إلا الأمر الذي يعرض له هذا السبق وهذا التقدم ، وهذا التأخر. وذلك ينتج : أن الزمان والمدة لا يجب أن يكون أمرا موجودا.
فهذا مجموع هذه الدلائل الاثني عشر ، التي استنبطناها للقائلين بأنه لا معنى لوجود الزمان ، إلّا كون بعض الموجودات دائمة الوجود بأعيانها ، وكون بعضها [أمورا محدثة (٥)] متوالية متعاقبة. وهي بأسرها حسنة قوية معلومة. وبالله التوفيق] (٦).
__________________
(١) المعدوم (ت ، ط) العدم (س).
(٢) نهاية (ط).
(٣) من (س).
(٤) من (ط ، س).
(٥) من (ط ، س).
(٦) سقط (ط ، س).