اللوامع الإلهيّة في المباحث الكلاميّة

جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلّي

اللوامع الإلهيّة في المباحث الكلاميّة

المؤلف:

جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلّي


المحقق: السيد محمد علي القاضي الطباطبائي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ٢
ISBN: 964-424-883-X
الصفحات: ٦٨٧

وخالف البراهمة في ذلك وقالوا بعدم حسنها ؛ لأنّ النبي إن أتى بموافق (١) العقل ففي العقل غنية عنه (٢) وإن أتى بمخالفه فباطل لقبح اتّباعه حينئذ.

والجواب بالمنع عن (٣) الاستغناء على تقدير الموافقة ؛ إذ ليس كلّ ما يوافقه العقل يستقلّ بدركه ، لجواز أن يكون عالما به إجمالا ولا يعلمه تفصيلا والشرع يفصّله ، فلا يحصل الاستغناء كالمريض العالم إجمالا أنّ كلّ نافع له يجب تناوله وكلّ ضارّ له يجب تركه والطبيب يفصّله له ، فلا يكون مستغنيا عنه ، وفيما ذكرنا من الفوائد كفاية.

الثالث : في وجوب بعثته ، ويدخل فيه بيان غايتها ، ولنا فيه طريقان.

الأوّل : طريقة المتكلّمين ، وهو أنّها مشتملة على اللطف في التكليف العقلي وشرط في التكليف السمعي ، وكلّ ما كان كذلك فهو واجب.

أمّا بيان أولى الصغرى فلأنّ العبادات متلقّاة من النبي ، ولا شكّ أنّ المواظبة عليها باعثة على معرفة المعبود الواجبة عقلا فيكون لطفا فيها ، ولأنّ الثواب والعقاب لطفان كما يجيء ولا يعلم تفاصيلهما إلّا من جهته أيضا. وأمّا بيان ثانيهما فظاهر.

وأمّا الكبرى فلما تقدّم من وجوب اللطف وكذا التكليف ، فشرطه لو لم يكن واجبا لجاز الإخلال به فيجوز الإخلال بالمشروط الواجب ، وهو على الحكيم محال.

الثاني : طريقة الحكماء وتقريرها : إن كان إصلاح (٤) النوع الثاني مطلوبا له تعالى فالبعثة واجبة ، لكن المقدّم حقّ فكذا التالي. أمّا حقّية المقدّم فظاهرة من الحكمة الإلهية كما تقدّم. وأمّا الشرطية فتتبيّن بمقدّمات :

الأولى : أنّ الإنسان مدني بالطبع ، أي (٥) لا يمكن أن يعيش وحده ، بل لا بدّ له من

__________________

(١) بما يوافق ـ خ ل ـ خ : (د).

(٢) إن أتى بموافق العقل فغنى عنه ـ خ : (آ).

(٣) من ـ خ : (آ).

(٤) صلاح ـ خ : (د).

(٥) أي ـ خ : (د).

٢٤١

معاشرة لافتقاره في معاشه إلى المأكل والملبس والمسكن ، ويتعذّر عليه تحصيلها بنفسه وإلّا لازدحم على الواحد كثير ، وهو باطل ؛ لأنّها أمور تفتقر إلى معالجات تقع في أزمنة متعدّدة ، ولو أمكن ذلك لكان عسرا ، فلا بدّ حينئذ من جماعة يفرغ كل واحد منهم لصاحبه عن مهمّه مستعصا (١) منه مثله.

الثانية : أنّ ذلك الاجتماع مظنّة النزاع ؛ لأنّ التغلّب (٢) موجود في الطباع ، إذ القوى الإنسانية ليست فاضلة في الغاية خصوصا العامّة ، فكلّ يرى العمل بشهوته دون الآخر ، ويرى حفظ ماله وبطلان حقّ غيره ، ويغضب على الغير في مزاحمته فتدعوه شهوته وغضبه إلى المنازعة ، فيقع الهرج والمرج المؤدّيان إلى هلاك النوع وفساده ، فلا بدّ من معاملة وعدل تجمعها قوانين كلّية متّفق عليها بينهم بحيث يرجعون إليها عند النزاع ، وتلك هي الشريعة ، فوجب في العناية الإلهية وجودها.

الثالثة : أنّ تلك الشريعة لا يجوز تفويضها إلى أشخاص النوع وإلّا لوقع النزاع في كيفية وضعها فلا يحصل المطلوب ، فوجب أن تكون مفوّضة إلى القدير الخبير ، ولما كان ممّا يتعذر مشافهته وجب وجود واسطة بينه وبينهم في تبليغها ، وذلك هو النبي.

ثمّ إنّ لكلّ من النبي والشريعة شرطا. أمّا النبي فيجب اختصاصه بآيات ودلالات يمتاز بها عن بني نوعه تدلّ على أنّه مبعوث من عند ربّهم (٣) ليكون لهم طريق إلى تصديقه ، وهي إمّا قولية هي بالخواصّ أنسب أو فعلية هي بالعوامّ أشبه وهي لهم أنفع.

وأمّا الشريعة فيجب أن تشتمل على نوعين :

الأوّل : أن يكون فيها وعد ووعيد أخرويّان ؛ لأنّ كل شخص عند استعلاء (٤) قوّته الشهوية عليه غلب لما يحتاج إليه بحسب ما يخصّه ، تستحقر اختلال العدل النافع في أمور معاشه بحسب نوعه ، فيبعثه ذلك على الإقدام على مخالفة تلك القوانين ، أمّا إذا

__________________

(١) من لفظ : حينئذ ـ إلى ـ مستعصا ـ ساقط من ـ خ : (آ).

(٢) التغليب ـ خ : (آ).

(٣) ربّه ـ خ : (آ).

(٤) استبداء ـ خ : (د).

٢٤٢

كان هناك ثواب وعقاب فيحملهم الرجاء والخوف على المحافظة على متابعتها.

الثاني : أن تكون مشتملة على عبادات مذكّرة بالمعبود ؛ لاستيلاء السهو والنسيان على أفراد نوع الإنسان ، ويجب تكرارها في أوقات متداولة ليتحفّظ التذكير بالتكرير.

وهنا تذنيبان :

الأوّل : الدليل المذكور يعطي وجوب البعثة في كلّ زمان ونصب حافظ للشريعة ، وهو ظاهر. وقال بعض المعتزلة : يجب في حال ظهور المصلحة لا مطلقا.

الثاني : هل يجب في كلّ نبيّ أن تكون له شريعة؟ قال الجبائي : لا ، وتكون فائدته (١) تأكيد ما في العقل ، ولجواز بعثة نبي بشريعة من يقدمه فيجوز ابتداء ، وقال ابنه : نعم ؛ لأنّ العقل كاف في العقليات فلو لم تكن شريعة لانتفت فائدة البعثة.

والحقّ الأوّل ، لكن مع تقدّم شريعة باقية الحكم.

المطلب الثاني : في صفاته

وفيه فصول :

[الفصل] الأوّل : في العصمة ، وفيه قطبان :

[القطب] الأوّل : فيه مسائل :

الأولى : في تفسير العصمة ، قال أصحابنا ومن وافقهم من العدلية : هي لطف يفعله الله بالمكلّف بحيث يمتنع منه وقوع المعصية ، لانتفاء داعيه ووجود صارفه مع قدرته عليها ، ووقوع المعصية ممكن ؛ نظرا إلى قدرته وممتنع نظرا إلى عدم الداعي ووجود الصارف ، وإنّما قلنا : بقدرته عليها ؛ لأنّه لولاه لما استحقّ مدحا ولا ثوابا ، إذ لا اختيار له حينئذ ؛ لأنّهما يستحقّان على فعل الممكن وتركه ، لكنّه يستحقّ المدح والثواب لعصمته إجماعا فيكون قادرا.

__________________

(١) فائدتها ـ خ : (آ).

٢٤٣

وقالت الأشاعرة : هي القدرة على الطاعة وعدم القدرة على المعصية. وقال بعض الحكماء : إنّ المعصوم خلقه الله جبلّة صافية وطينة نقية (١) ومزاجا قابلا ، وخصّه بعقل قوي وفكر سوي ، وجعل له ألطافا زائدة ، فهو قوي بما خصّه على فعل الواجبات واجتناب المقبّحات والالتفات إلى ملكوت السموات والإعراض عن عالم الجهات ، فتصير النفس الأمّارة مأسورة مقهورة في حيّز النفس العاقلة.

وقيل : هو المختصّ بنفس هي أشرف النفوس الإنسانية ، ولها عناية خاصة وفيض خاص ، يتمكّن (٢) به من أسر القوة الوهمية والخيالية الموجبتين للشهوة والغضب ، المتعلق كلّ ذلك بالقوة الحيوانية.

ولبعضهم كلام حسن جامع هنا قالوا : العصمة ملكة نفسانية يمنع المتّصف بها من الفجور مع قدرته عليه ، وتتوقّف هذه الملكة على العلم (٣) بمثالب المعاصي ومناقب الطاعات ؛ لأنّ العفّة متى حصلت في جوهر النفس ، وانضاف إليها العلم التامّ بما في المعصية من الشقاوة والطاعة من السعادة ، صار ذلك العلم موجبا لرسوخها (٤) في النفس ، فتصير ملكة.

ثمّ إنّ تلك الملكة إنّما تحصل له بخاصيّة نفسية أو بدنية تقتضيها ، وإلّا لكان اختصاصه بتلك الملكة دون بني نوعه ترجيحا من غير مرجّح ، ويتأكّد ذلك العلم بتواتر الوحي وإن يعلم المؤاخذة على ترك الأولى.

الثانية : في أقوال الناس في متعلّق العصمة وزمانها :

أجمعوا على امتناع الكفر عليهم إلّا الفضيلية (٥) من الخوارج فإنّهم جوّزوا صدور الذنب عنهم ، وكلّ ذنب عندهم كفر ، فلزمهم جواز الكفر عليهم ، وجوّز قوم عليهم

__________________

(١) تقية ـ خ : (د).

(٢) متمكن ـ خ : (آ).

(٣) علم ـ خ ل ـ خ : (د).

(٤) لرسخها ـ خ : (آ).

(٥) انظر الحور العين ، ص ١٧٧ ، ٢٧٣ ـ ٢٧٤ ؛ مقالات الإسلاميين ، ج ١ ، ص ١٨٣.

٢٤٤

الكفر تقية وخوفا ، ومنعه ظاهر ؛ فإنّ أولى الأوقات بالتقية زمان ابتداء الدعوة لكثرة المنكرين له (١) حينئذ ، لكن ذلك يؤدّي إلى خفاء الدين بالكلية.

وجوّز الحشوية وأصحاب الحديث عليهم الإقدام على الكبيرة والصغيرة ولو عمدا قبل النبوّة وفي (٢) بعدها ، وأمّا المعتزلة فمنعوا من الكبائر وما يستخفّ من الصغائر قبل النبوة وفي حالها ، وما لا يستخفّ جوّزوه في الحالين ، ثمّ منهم من أجاز الصغيرة عمدا ، ومنهم من منع وجوّر إقدامهم على المعصية على سبيل التأويل ، كتأويل آدم عليه‌السلام الإشارة النوعية بالشخصية (٣) وكان المراد الأولى ، فنزّهه هذا عن معصية وأضاف إليه اثنتين ، ومنهم من جوّز الذنوب كلّها سهوا أو (٤) غفلة.

وأمّا الأشاعرة فمنعوا الكبائر مطلقا عمدا وسهوا ، وجوّزوا الصغائر سهوا لا عمدا حال النبوة ، وأمّا قبلها فجوّزوا جميع المعاصي عمدا وسهوا إلّا الكفر.

وقال أصحابنا الإمامية رضوان الله عليهم : إنّهم معصومون من جميع المعاصي كبائر وصغائر عمدا وسهوا وخطا وتأويلا ، قبل النبوة وبعدها من أوّل العمر إلى آخره ، وهو الحقّ الصراح.

الثالثة : في الدليل على مذهبنا ، وهو من وجوه.

الأوّل : لو لا العصمة لزم نقض غرض الحكيم ، لكن اللازم باطل فكذا الملزوم. وأمّا الملازمة فلأنّ (٥) بتقدير وقوع المعصية منه جاز أمر الناس بما فيه مفسدتهم ونهيهم عمّا فيه مصلحتهم ، وذلك مستلزم (٦) لإغوائهم وإضلالهم ، وهو ضدّ مراد الحكيم ؛

__________________

(١) لها ـ خ ل ـ خ : (د).

(٢) في ـ خ : (د).

(٣) يعني كما يقال : إنّ آدم الأوّل نهي عن الشجرة بالنهي عن الشخص ، وكان المراد النوع فإنّ الإشارة قد تكون إلى النوع كقوله عليه‌السلام : هذا وضوء لا يقبل الله تعالى الصلاة إلّا به. وقال بعض المعتزلة : تجوز الصغيرة على سبيل القصد ، لكنّها تقع محبطة لكثرة ثواب الأنبياء.

(٤) و ـ خ : (آ).

(٥) فلأنّه ـ خ : (آ).

(٦) يستلزم ـ خ : (د).

٢٤٥

إذ غرضه هداية الخلق إلى مصالحهم وجذبهم بالبشارة والإنذار كما قال سبحانه : (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ) (١) ، وأمّا بطلان اللازم فظاهر ؛ لأنّ مناقضة الغرض سفه وعبث ، وهما محالان عليه تعالى.

الثاني : لو لم يكن معصوما لزم وجوب (٢) فعل المعصية وترك الطاعة ، واللازم كالملزوم في البطلان.

بيان الملازمة : أنّه بتقدير جواز المعصية عليه جاز أن يوجب الحرام ويحرّم الحلال ، ويجب علينا اتباعه لقوله تعالى : (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) (٣) وأمّا بطلان اللازم فلأنّ الأمر بالقبيح قبيح على الحكيم.

الثالث : لو لم يكن معصوما لم يكن مقبول الشهادة ، لكن اللازم باطل إجماعا فكذا الملزوم.

بيان الملازمة : أنّ بتقدير عدم عصمته يجوز وقوع المعصية منه فيكون فاسقا ، فلا تقبل شهادته لقوله تعالى : (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) (٤).

الرابع : لو كان جائز الخطأ فليفرض (٥) واقعا فإمّا أن يجب الإنكار عليه فيسقط محلّه من القلوب أو لا يجب فيسقط وجوب النهي عن المنكر ، والقسمان باطلان ، وهما لازمان من جواز الخطأ فيكون باطلا.

الخامس : لو لم يكن معصوما من أوّل العمر إلى آخره لجاز أن لا يؤدّي بعض ما أمر به ، بل جاز إخفاء الرسالة ابتداء ، لكن اللازم باطل إجماعا فكذا الملزوم ، والملازمة ظاهرة.

القطب الثاني : في تأويل آيات ، احتجّ الخصم بظاهرها على وقوع المعصية من

__________________

(١) النساء ٤ : ١٦٥.

(٢) وجود ـ خ : (آ).

(٣) الحشر ٥٩ : ٧.

(٤) الحجرات ٤٩ : ٦.

(٥) فلنفرضه ـ خ : (آ).

٢٤٦

الأنبياء ، وهي في قصص متعدّدة يجاب عنها إمّا إجمالا فتحمل المعصية والمخالفة على ترك الأولى ، كما قيل : «حسنات الأبرار سيّئات المقرّبين» جمعا بين أدلّة العقل على عصمتهم وبين أدلّة النقل المحتملة ، وأيضا جمعا بين ما جاء من تعظيمهم في كلامه تعالى والثناء عليهم ووصفهم بالاصطفاء والاجتباء والخلّة والإخلاص والخلافة ، وغير ذلك من المحامد.

وإمّا تفصيلا فنقول :

الأولى : قصّة آدم عليه‌السلام ، وفيها شبهتان :

الأولى : وفيها وجوه :

الأوّل : قوله : (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى) (١) وهو صريح في المعصية.

الثاني : قوله : (فَغَوى) والغواية ذنب.

الثالث : قوله : (فَتابَ عَلَيْهِ) (٢) والتوبة ندم على ذنب.

الرابع : ارتكاب المنهيّ عنه ؛ لقوله : (أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ) (٣) وارتكاب المنهيّ عنه ذنب.

الخامس : سمّاه ظالما بقوله : (فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ) (٤) (رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا)(٥).

السادس : اعترافه أنّه لو لا المغفرة لكان من الخاسرين ؛ لقوله تعالى : (وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) (٦).

السابع : (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ) (٧) حملهما على الزلّة.

والجواب عن الأوّل : أنّ المعصية مخالفة الأمر ، وهو شامل للواجب والندب فلم لا يكون المراد مخالفة الثاني.

__________________

(١) طه ٢٠ : ١٢١.

(٢) البقرة ٢ : ٣٧.

(٣) الأعلى ٨٧ : ٢٢.

(٤) البقرة ٢ : ٣٥ ؛ الأعراف ٧ : ١٩.

(٥) الأعراف ٧ : ٢٣.

(٦) الأعراف ٧ : ٢٣.

(٧) البقرة ٢ : ٣٦.

٢٤٧

وعن الثاني : أنّ الغواية هي الخيبة بترك ثواب المندوب.

وعن الثالث : أنّ التوبة قد يكون عن ذنب لإسقاط عقابه ، وتلك توبة العوام ، وأمّا الخواصّ فيتوبون عن غير ذلك إمّا انقطاعا إليه تعالى ووجه استحقاق الثواب واللطف ، أو عن ترك الأولى ، أو عن خطور المعصية بالبال أو عن الاشتغال لغير الله.

وعن الرابع : أنّ النهي للتنزيه.

وعن الخامس : أنّ الظلم نقص الثواب ، أي تكونا من ناقصي الثواب بترك الأولى ف (ظَلَمْنا أَنْفُسَنا) أي نقصناها بدليل ولم تظلم منه شيئا.

وعن السادس : أنّ المغفرة الستر ، أي إن لم تستر علينا وترحمنا وتتفضّل علينا بما يتمّ به ما نقصناه من ثوابنا.

وعن السابع : أنّ الوسوسة تكون في ترك المندوب وفعل المكروه.

الثانية : قوله : (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) (١) إلى قوله : (جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما فَتَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) دلت على وقوع الشرك من آدم وزوجته ، إذ لم يتقدّم من يمكن صرف الكناية إليه غيرهما.

والجواب : أنّ الإجماع منعقد على امتناع الشرك على الأنبياء فلا يكون مرادا ، هذا مع أنّ الضمير في (جَعَلا) راجع إلى جنس الذكور والإناث من نسلهما ، ويؤيّده قوله : (عَمَّا يُشْرِكُونَ) جمعه نظرا إلى الأفراد ، ونحو قوله تعالى : (هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ) (٢) وعود الضمير إلى غير مذكور لفظا جائز كثير شائع ، قال الله تعالى : (حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ) (٣) والضمير للشمس على قول ، ومثله (إِنَّا أَنْزَلْناهُ) والضمير للقرآن(٤).

__________________

(١) النساء ٤ : ١ ؛ الأعراف ٧ : ١٨٩ ـ ١٩٠ ؛ الزمر ٣٩ : ٦.

(٢) الحج ٢٢ : ١٩.

(٣) ص ٣٨ : ٣٢.

(٤) الظاهر أنّ الضمير راجع إلى كلّ القرآن ، وما قيل : إنّ عود الضمير إلى بعض القرآن جائز ، فهو خلاف الظاهر لا يصار إليه ، فالآية تدلّ على نزول القرآن بتمامه في ليلة القدر لا بعضه ، فكلّ القرآن نازل في ليلة ـ

٢٤٨

أو نقول : دلّ قوله : (آتاهُما صالِحاً) (١) على ذكر ولد ؛ لأنّ صالحا صفة لا بدّ لها من موصوف ، والولد للجنس.

أو نقول : لا نسلّم أنّ النفس الواحدة هي آدم بل غيره من ولده ، وجعل زوجها من جنسها ؛ بدليل قوله تعالى : (خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها) (٢) (فَلَمَّا تَغَشَّاها حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً) (٣) وهو ماء لفحل (فَلَمَّا أَثْقَلَتْ) لصيرورة ذلك الماء لحما ودما وعظما دعا الرجل وزوجته ربّهما (٤) (لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ) وكانت عادتهم الكراهة للبنات (فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما) لأنّهم (٥) كانوا يسمّون عبد العزّى وعبد شمس وعبد يغوث ، ثمّ رجعت الكناية إلى جميعهم بقوله : (يُشْرِكُونَ) فليس حينئذ الضمير عائدا إلى آدم وحوّاء.

الثانية : قصّة نوح عليه‌السلام وفيها وجهان.

الأوّل : أنّها تتضمّن كذبه عليه‌السلام ؛ لأنّه قال : (إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي) أجيب بقوله تعالى : (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ) وهو تناقض صريح.

الثاني : أنّ سؤاله كان خطأ.

أمّا أوّلا ، فلقوله : (فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ قالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ) (٦).

وأمّا ثانيا ؛ فلقوله : (إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ) بالرفع على قراءة الأكثر ، وهي الأولى ، والضمير يجب عوده إلى مذكور حقيقة وليس هو الابن ؛ لأنّه لا يوصف بالعمل فيكون

__________________

ـ القدر دفعة وفي مدّة ثلاث وعشرين سنة تدريجا في قالب العربيّة. وتحقيق المطلب وتوضيحه في محلّه. وأشرنا إليه فيما تقدّم انظر صفحة ١٨٧ ـ ١٨٨ من الكتاب.

(١) الأعراف ٧ : ١٩٠.

(٢) الروم ٣٠ : ٢١.

(٣) الاعراف ٧ : ١٨٩.

(٤) ربّنا ـ خ : ـ (آ).

(٥) أي ـ خ : ـ (آ).

(٦) هود ١١ : ٤٦ و ٤٧.

٢٤٩

هو السؤال ، إذ لا ثالث يحتمل عود الضمير إليه.

والجواب عن الأوّل : أنّ المراد ليس من أهلك الذين وعدتك بنجاتهم ؛ بدليل ف (احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ) فاستثنى سبحانه من أهله من أراد هلاكه (١) فأخبره أنّه منهم فلا يكون مناقضا ، إذ اتّحاد المحمول شرط (٢).

أو أنّه ليس على دينك ، لا نفي أهلية النسب التي هي مرادة لنوح ، والذي على دين الشخص وطريقته يقال : إنّه من أهله ، كقوله عليه‌السلام : سلمان منّا أهل البيت.

وعن الثاني : أنّ الأوّل ليس فيه دلالة على محذور ؛ لأنّه جاز أن يكون عليه‌السلام نهي عن سؤال ما ليس له به علم وإن لم يقع منه ، وأن يكون قد تعوّذ من ذلك وإن لم يقع ، كما أنّ نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله نهي عن الشرك لقوله : (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) (٣) مع امتناع الشرك منه عليه‌السلام ، أو أنّه دعا له بشرط الإيمان والمصلحة فلمّا تبيّن له ضدّ ذلك لم يكن خارجا عما تضمّنه السؤال ، وقوله : (إِنِّي أَعِظُكَ) الوعظ الدعاء إلى الحسن والزجر عن القبيح ترغيبا وترهيبا ، وأن يكون تقدير الكلام : لئلّا يكون منهم ، ولا شكّ أنّ وعظه تعالى صارف عن الجهل وزاجر عنه ، وقوله : (وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي) تخشّع واستكانة له تعالى.

وأمّا الثاني : فلم لا يجوز عود الضمير إلى الولد جمعا بين القراءتين ؛ فإنّ الكسائي قرأ (عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ) بصيغة الفعل الماضي ، وهو راجع إلى الابن ، ويكون تقدير قراءة الرفع : إنّه ذو عمل غير صالح فحذف المضاف ، وأقيم المضاف إليه مقامه ، وهو كثير شائع فصيح.

الثالثة : قصة إبراهيم عليه‌السلام ، وفيها وجوه :

__________________

(١) إهلاكه ـ خ : (آ).

(٢) يعني شرط في تناقض الوحدات الثمانية بل التسعة وفي ـ خ : (آ) الموضوع.

(٣) الزمر ـ آية : ـ ٦٥ ـ بناء على أنّ الخطاب لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولكنّ الحقّ أنّ أكثر خطابات القرآن الكريم لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من باب التعظيم والإجلال ، والمراد في الحقيقة هو الأمة والإفهام لهم ، وعلى ما ادّعيناه من الآيات القرآنية شواهد.

٢٥٠

الأوّل : قوله : (هذا رَبِّي) ثلاث مرّات ، وهو كلام غير مطابق فيكون خطأ مع أنّ فيه اعتراف بألوهية الكواكب ، وهو كفر بالإجماع.

الجواب : أنّه ذكر على سبيل الفرض ليبطله ، كما يقول المجادل لخصمه : الجسم قديم ثمّ يقول : لو كان قديما لم يكن متغيّرا ، أو أنّه استفهام على سبيل الإنكار ، وأسقط حرف الاستفهام ، وهو كثير شائع ، أو القول مضمر فيه تقديره يقولون : هذا ربّي.

الثاني : أنّه قال : (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا) (١) وهو كذب ؛ لأنّه هو الذي كسّرهم لا الصنم الكبير.

والجواب : أنّه عنى نفسه أو أنّه استهزاء بهم ، أو إنّما نسبه إليه مجازا ؛ لأنّه السبب الحامل له على ذلك لشدّة غيظه (٢) من تعظيمهم له ، أو أنّه مشروط بنطقهم ؛ لقوله : (إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ) ونطقهم محال ، فالمعلّق عليه محال أيضا ، وقصده بذلك تعنيفهم على عبادة من لا يسمع ولا يقدر.

الثالث : قوله : (فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ) (٣) والنظر في النجوم حرام ، وقوله : إنّي سقيم كذب.

والجواب : أنّ النظر فيها ليس بحرام مطلقا بل اعتقادا لتأثيرها ، وأمّا الاستدلال بها على الصانع فلا ، بل ذلك من أعظم الطاعات ، أو أنّه كان به علّة تأتيه في أوقات مخصوصة يعرفها بالنجوم ، فلمّا دعوه إلى الخروج نظر إلى النجوم ليعرف وقت قربها وعدمه ، وعليه يخرج جواب الثاني ، وعبّر عن الإشراف على الشيء بحصوله ، على أنّا نقول : لم لا يجوز أنّه كان سقيما في الحال ، أو نقول : إنّه كان سقيم القلب حزنا وهمّا ؛ لمّا رأى إصرارهم على عبادة الأصنام عند نظره في النجوم وإظهاره لهم أنّها مخلوقة مدبّرة.

__________________

(١) الأنبياء ٢١ : ٦٣.

(٢) غضبه ـ خ ل ـ خ : (د).

(٣) الصافات ٣٧ : ٨٩.

٢٥١

الرابع : قوله : (فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ) (١) عقيب قول النمرود (٢) : أنا أحيي وأميت ، وذلك يدلّ على انقطاعه عن الحجّة.

والجواب : أنّه انتقال من مثال إلى مثال ؛ لاشتراكهما في الدليل وهو صدور غير المقدور منّا ، وأنّه منزل (٣) في المنع كما تقول في الجدل : سلمنا أنّه كذا فرضا وتقديرا.

الخامس : قوله : (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى) ـ إلى قوله ـ (وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) (٤) وهو يدلّ على شكّه في الإحياء.

والجواب : أنّه دليل على صدق جبرائيل عليه‌السلام وأنّه ملك لا شيطان ، أو كما قال جعفر بن محمّد عليهما‌السلام : إنّ الله أوحى إليّ اتّخذ خليلا وعلامته أنّي أحيي الموتى (٥) بدعائه وسؤاله ، فلمّا ظهر من إبراهيم عليه‌السلام صنوف الطاعات ، وقع في قلبه أنّه ذلك الخليل وطلب الإجابة للطمأنينة على ذلك ، أو أنّه لتعاضد الأدلّة فإنّه عرف ذلك عقلا وأراد وقوعه حسّا.

السادس : أنّه استغفر لأبيه الكافر ، والاستغفار للكافر حرام ؛ لقوله : (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ) (٦).

والجواب : لا يلزم من تحريمه عندنا تحريمه في شرعه أو أنّه (٧) رجا إيمانه فلمّا آيس منه تبرّأ منه (٨).

__________________

(١) البقرة ٢ : ٢٥٨.

(٢) جبار من جبابرة الدنيا ادعى الألوهية انظر إلى «لغت نامه» و (فرهنك آنندراج).

(٣) ينزل ـ خ : (آ).

(٤) البقرة ٢ : ٢٦٠.

(٥) الموتى ـ خ : (د).

(٦) التوبة ٩ : ١١٣.

(٧) لا أو أنّه ـ خ : (د) والظاهر أنّ لفظ «لا» زائد ، والصحيح ما أثبتناه من ـ خ : (آ).

(٨) من التدبّر في هذه الآية وغيرها من الآيات القرآنية قالت الإمامية رضوان الله عليهم : إنّ «آزر» كان عمّ إبراهيم عليه‌السلام لا أبيه لصلبه قال الله تعالى : («ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ) التوبة ٩ : ١١٣. (وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ) التوبة ٩ : ١١٤.

٢٥٢

السابع : قوله : (وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ) (١) وطلب الحاصل محال.

والجواب : أنّه تضرّع وانقطاع.

الثامن : قوله : (أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي) (٢) والجواب : أنّه محمول على ترك الأولى.

__________________

ظاهر الآيتين أنّه لم يكن للنبي والذين آمنوا حقّ يملكون به ، بعد ما ظهر وتبين بتبيين الله لهم أنّ المشركين أعداء لله ومخلّدون في النار ، أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي القربى منهم. وأمّا استغفار إبراهيم لأبيه المشرك ، فإنّه ظنّ أنّه ليس بعدوّ معاند لله وإن كان مشركا ، فاستعطفه بوعد وعده إيّاه فاستغفر له ، فلما تبيّن له أنّه عدو لله معاند على شركه وضلاله تبرّأ منه ولم يستغفر له بعد ذلك ، فلا يعقل استغفار إبراهيم عليه‌السلام لأبيه المشرك بعد ذلك أصلا.

وقال الله تعالى عن قوله عليه‌السلام: (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ) إبراهيم ١٤ : ٤١. الظاهر من الآية أنّ إبراهيم عليه‌السلام طلب المغفرة لنفسه ولوالديه وللمؤمنين يوم القيامة ، وهو يستغفر لوالديه وهو على الكبر وفي آخر عهده ، وقد تبرّأ من أبيه في أوائل عهده بعد ما استغفر له عن موعدة وعدها إيّاه. قال تعالى : (قالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي) مريم ١٩ : ٤٧. وقال : (وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ) الشعراء ٢٦ : ٨٦. وقال تعالى : (وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا ...) فإبراهيم عليه‌السلام لما تبرّأ من أبيه المشرك وهو عدو لله ، محال أن يستغفر له بعد ذلك ولا سيما في أواخر عهده ويقول : (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَ) ... فأبيه الذي كان مشركا لم يكن أبيه لصلبه وأبيه الذي استغفر له بقوله : (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَ) هو أبيه لصلبه.

فما اعتقده الشيعة الإمامية في حقّ «آزر» أنّه كان عمّ إبراهيم عليه‌السلام لا أبيه هو القول الحقّ ، الذي ينبغي المصير إليه ، فإنّه الموافق بما يستفاد من التدبّر في الآيات القرآنية ، وإطلاق الأب على العمّ من الاستعمال الشائع ، كما استعمل ذلك القرآن الكريم في قوله تعالى : (أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قالَ لِبَنِيهِ ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِلهاً واحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) البقرة ٢ : ١٣٣ وقد أطلق الأب على إسماعيل عليه‌السلام مع أنّه كان عمّ يعقوب بن إسحاق. فلا شكّ أنّه كان أبيه مؤمنا وإن لم يظهر لنا اسمه من القرآن الكريم من أنّه «تارخ» أو غيره ولا ضير في ذلك بعد ما حقّقنا أنّه كان من المؤمنين لا المشركين ، فما أطال به صاحب المنار من إثبات أنّ «آزر» هو الأب الصلبي لإبراهيم عليه‌السلام متمسّكا بظاهر آية : (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ) ... الأنعام ٦ : ٧٤. وأطال الكلام في اثبات المرام ، فهو تطويل بلا طائل وغفلة عن التدبّر في سائر الآيات القرآنية المقدّسة كما عرفت ، والله الموفق.

(١) البقرة ٢ : ١٢٨.

(٢) الشعراء ٢٦ : ٨٢.

٢٥٣

التاسع : (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ) (١) ولم يجب دعاؤه في حقّهم.

والجواب : أنّه محمول على البعض ، وهم المعصومون مع أنّا لا نسلّم عدم إجابة الدعاء ، وأنّه جنّبهم بالألطاف المقرّبة فيكون عاما.

الرابعة : قصة يعقوب عليه‌السلام ، وفيها ثلاثة وجوه :

الأوّل : إنّه رجّح (٢) يوسف عليه‌السلام بالمحبّة على سائر أولاده حتّى حصلت تلك المفسدة بسبب ذلك.

والجواب : أنّ الميل القلبي غير مقدور أو أنّه لم يعلم بحصول تلك المفسدة من ذلك الترجيح.

الثاني : وصف أولاده بالضلال القديم كما حكى الله تعالى وقرّره.

والجواب : الضلال هنا الذهاب عن الصواب ، أي إنّك لفي ذهابك عن الصواب في إفراطك في محبّة يوسف وطمعك في لقائه ، ولا يلزم خطؤه بذلك ؛ لأنّه غير مقدور له فليس بذنب قادح في عصمته.

الثالث : إسرافه في البكاء حتّى ابيضّت عيناه ، وشأن الأنبياء الصبر بل الرضا.

والجواب : أنّ التجلّد على المصيبة مندوب ليس بواجب ، أو أنّه كان يظهر من حزنه قليلا والمخفي أعظم ، أو أنّ جزعه غير مقدور له ، إذ الإنسان مجبول على محبة الولد خصوصا النجيب ، ومن لوازم المحبّة الحزن على الفراق ، ولا يكلّف الله نفسا إلّا وسعها.

الخامسة : قصّة يوسف عليه‌السلام ، وفيها وجوه :

الأوّل : صبره على العبودية ولم يشرح للقوم حاله.

والجواب : جاز أن يكون ترك الإظهار في تلك الشريعة أولى ، ويكون الصبر على الرقّية امتحانا له كامتحان إبراهيم عليه‌السلام بالنار وإسماعيل بالذبح أو أنّه شرح لهم حاله فلم يقبلوا منه أو خوفا من إخوته.

__________________

(١) إبراهيم ١٤ : ٣٥.

(٢) ترجّح ـ خ : (د).

٢٥٤

الثاني : قوله تعالى : (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها) (١) قالت الحشوية : إنّه جلس بين فخذيها مجلس الفجور فرأى يعقوب عاضّا على إصبعه محذّرا له ، فزال عنها. وأيضا الهمّ : العزم على الفعل وإرادة المعصية ، والعزم عليها معصية.

والجواب : لعن الله الحشوية الذين ينسبون إلى أنبياء الله ما لا يجوز ، وحاشا نبي الله ـ الذي قال الله في حقّه : (إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ) (٢) وقال نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله : «الكريم بن الكريم بن الكريم بن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم» ـ من فعل الخيانة والمعصية القبيحة الشنيعة التي يستنكف من فعلها على ذلك الوجه أراذل الناس.

هذا مع أنّ كلّ من له تعلّق بالواقعة برّأه من المعصية :

الأوّل : الحاكم بالمعصية وهو الله قال : (وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ) إلى قوله تعالى : (قالَ مَعاذَ اللهِ) (٣) وفي آية أخرى (لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ) (٤).

الثاني : إبليس قال : (لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) (٥) ويوسف كان مخلصا بشهادة الله ، فالحشوي إن كان على دين الله وجب قبوله من الله ، وإن كان على دين إبليس وجب قبوله منه ، لكنّه خالف صديقه ولم يوافق عدوّه (ممّن برّأ يوسفعليه‌السلام (٦)).

الثالث : زوج المرأة بقوله : (إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ) (٧).

الرابع : الشهود (وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ) (٨) وقول النسوة :

__________________

(١) يوسف ١٢ : ٢٤.

(٢) يوسف ١٢ : ٢٤.

(٣) يوسف ١٢ : ٢٣.

(٤) يوسف ١٢ : ٢٤.

(٥) الحجر ١٥ : ٤٠.

(٦) ممّن برّأ يوسف عليه‌السلام ـ حاشية ـ خ : (د).

(٧) يوسف ١٢ : ٢٨. فنسب الكيد إلى المرأة دونه ـ زوّج الشيء بالشيء قرنه به.

(٨) يوسف ١٢ : ٢٦ ـ ٢٧.

٢٥٥

(ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ) (١).

الخامس : زليخا نفسها قالت : (وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ) (٢) وفي الأخرى : (الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ) (٣).

السادس : يوسف عليه‌السلام حكى براءته بقوله : (قالَ هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي) (٤) (لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ) (٥) ولو قصد المعصية لخانه.

هذا مع أنّ الآية تحتمل وجوها :

الأوّل : أنّ قوله : (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها) أي قصدت مخالطته وقصد دفعها عن نفسه ، ولا بدّ من التقدير ؛ لأنّ الجواهر لا تقصد ذاتها بل تقصد صفة من صفاتها (لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ) جواب لو لا محذوف ، لدلالة الكلام عليه ، أي لو لا برهان ربّه لم يهمّ بدفعها ، والبرهان هو الدليل على تحريم الهمّ بها للزنا ، فإنّ كل دليل شرعي هو برهان بالنسبة إلى الشارع.

وقيل بعدم تقدير الجواب بل الجواب ظاهر ، وهو أنّ المراد همّ بدفعها عن نفسه لو لا ، وفائدة لو لا أن راى برهان ربّه مع أنّ دفعها عن النفس واجب (٦) والبرهان لا يصرف عنه : أنّه جائز لما همّ بدفعها أراه الله برهانا على أنّه إن أقدم على ما همّ به أهلكه أهلها وقتلوه ، أو أنّها تدّعي عليه المراودة وتنسبه إلى أنّه دعاها إلى نفسه وضربها لأجل امتناعها منه ، فأخبر الله تعالى أنّه صرف بالبرهان عنه السوء ، وهو القتل والمكروه والفحشاء وهو ظن القبيح واعتقاده فيه.

الثاني : أن يكون الضمير واحدا ويكون في الكلام تقديم وتأخير ، أى لو لا أن رأى

__________________

(١) يوسف ١٢ : ٥١.

(٢) يوسف ١٢ : ٣٢.

(٣) يوسف ١٢ : ٥١.

(٤) يوسف ١٢ : ٢٦.

(٥) يوسف ١٢ : ٥٢.

(٦) جائز ـ خ : (آ).

٢٥٦

برهان ربّه لهمّ بها ، مجرى قولهم : قد كنت هلكت لو لا أن تداركتك (١) ، ويبطل (٢) قول الزجاج باستضعاف تقديم الجواب وكونه بغير لام.

قوله تعالى : (إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْ لا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها) (٣) ، وفائدة هذا الكلام ـ مع أنّه لم يحصل هناك همّ ـ الإخبار عن (٤) أنّ ترك الهمّ لم يكن لعدم الرغبة في النساء ، بل تركه مع الرغبة انقيادا لأمر الله.

الثالث : قوله : (وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ) (٥)

والجواب : أنّها داعية ومائلة (٦) بالميل الشهواني ، لا العزم والميل الإرادي (إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي) ما موصولة أي إلّا نفسا رحمها ربّي بالعصمة كنفسه عليه‌السلام وأمثاله ، ويكون ذلك انقطاعا إليه تعالى. وقيل : إنّ هذا كلام زليخا فلا يكون فيه حجّة.

الرابع : أنّ حبسه في السجن مكان معصية ، فلم قال (رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَ) ومحبّة المعصية معصية.

والجواب : إنّما اختار السجن تخلّصا من الفاحشة لمّا وقع التعارض بينهما.

الخامس : جعل السقاية في رحل أخيه مع أنّه لا ضرورة إلى هذه الحيلة وإدخال الغمّ عليهم بأنّهم سارقون ، وحمل المنادي على الكذب بأنّهم سارقون.

والجواب : أمّا الجعل فوسيلة إلى مصلحة ، والوسائل إلى المصالح جائزة شرعا ، مع أنّه كان بوحي من الله ، ونقل أيضا بأنّه استأذن أخاه في ذلك وأعلمه ، وأمّا إدخال الغمّ عليهم بالتسريق فيحتمل أن لا يكون بأمره ، بل إنّما أمره (٧) بالجعل لا غير ، وإنّما نسبهم إلى السرقة أصحابه أو أراد أنّهم سرقوه من أبيه وباعوه ، إذ ليس

__________________

(١) تدارك ـ خ : (د). تداركتك ـ خ ل ـ خ : (د).

(٢) ولا يبطل ـ خ : (د) والظاهر أنّه غلط.

(٣) القصص ٢٨ : ١٠.

(٤) على أن ـ خ : (آ).

(٥) يوسف ١٢ : ٥٣.

(٦) وقابلة ـ خ : (آ).

(٧) أمر ـ خ : (آ).

٢٥٧

في لفظه إشعار بالصواع ، كذا قيل.

والأجود أنّه يكون جزاء الظلم (١) ، وجزاء الظلم ليس بظلم أو أنّه استفهام والهمزة مقدّرة نحو (هذا رَبِّي).

السادس : أنّه يتمكّن من إعلام أبيه بحاله ولم يعلمه حتّى آل الأمر إلى غمّه وحزنه.

والجواب : أنّه جاز كون ذلك بأمر الله تعالى ؛ تشديدا للبلاء على يعقوب عليه‌السلام ، كما قيل : يبدأ البلاء بالأنبياء ثمّ الأمثل فالأمثل.

السابع : قوله تعالى : (وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً) (٢) وكيف يجوز له أن يرضى بسجودهم له وفيه إذلال للأب ، مع أنّ السجود لا يكون إلّا لله.

والجواب : السجود كان لله لأجله شكرا على الاجتماع ، وليس ذلك تأويلا لرؤياه ، بل تأويلها بلوغه إلى أرفع المنازل ، وقد حصل له ذلك.

السادسة : قصّة أيوب عليه‌السلام في قوله : (أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ) (٣) والعذاب على الذنب.

والجواب : المراد بالعذاب الوساوس التي يلقيها الشيطان في قلبه فيتوحّش منها ، وكيف يجوز حمله على صدور الذنب عنه مع أنّه مدحه في آخر الآية بقوله : (إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) (٤).

السابعة : قصّة شعيب عليه‌السلام في قوله : (إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللهُ مِنْها)(٥) وملّتهم باطلة ، فدلّ على أنّه كان على مذهب باطل وخلّصه الله منها.

والجواب : جاز أنّها كانت حقّة ونسخت بشرعه عليه‌السلام ؛ ولهذا قال : (إِلَّا أَنْ يَشاءَ

__________________

(١) لظلمهم ـ خ : (آ).

(٢) يوسف ١٢ : ١٠٠.

(٣) ص ٣٨ : ٤١.

(٤) ص ٣٨ : ٤٤.

(٥) الأعراف ٧ : ٨٩.

٢٥٨

اللهُ رَبُّنا) (١) أي إن يشاء استمرار حكمها وعدم نسخها ؛ إذ لو كانت باطلة لزم نسبة مشيئة الكفر إليه تعالى ، وهو باطل لا يجوز نسبته إلى الأنبياء إجماعا.

الثامنة : قصّة موسى عليه‌السلام ، وفيها وجوه :

الأوّل : أنّه قتل القبطي فإمّا أن يكون مستحقا فلا يكون من عمل الشيطان ، ولم يكن موسى ظالما لنفسه (٢) ولا ضالّا ، لكنّه قال هذا ، أو لا يكون مستحقّا فيكون معصية كبيرة لا يجوز صدورها منه.

والجواب : نختار أنّه كان مستحقّا (٣) ، لكنّ الأفضل تأخّره فسمّى نفسه ظالما وضالّا باعتبار ترك الأولى ، وعمل الشيطان إشارة إلى عمل القبطي أو القتل الذي هو مسبّب عن فعل المعصية التي هي بإغوائه ، وإشارة إلى تقديم ما الأولى تأخيره (٤).

الثاني : أنّه استعفى من الرسالة الواجب تبليغها وذلك معصية.

والجواب بالمنع (٥) من الاستعفاء بل طلب المعين على مهمّات الرسالة.

الثالث : أنّه أمرهم بإلقاء السحر (٦) وهو معصية لا يجوز الأمر بها.

والجواب : أنّه أمر مشروط بكونهم محقّين كما في قوله : (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ ... إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (٧)

__________________

(١) الأعراف ٧ : ٨٩.

(٢) نفسه ـ خ : (آ).

(٣) يعني للقتل ؛ لأنّه كان عليه‌السلام يجتاز فاستغاثه رجل من شيعته على رجل قد بغى عليه وظلمه وقصد إلى قتله ، فأراد عليه‌السلام أن يخلّصه من يده ويدفع عنه مكروهه ، فأدّى ذلك إلى القتل من غير قصد إليه ، وكلّ ألم يقع على سبيل المدافعة للظالم من غير أن يكون مقصودا فهو حسن غير قبيح ، إلى آخر ما ذكره السيد علم الهدى قدس‌سره في كتابه النفيس تنزيه الأنبياء ص ٦٩ تبريز سنة ١٢٩٠ بخطّ المرحوم الشيخ العالم الشيخ عبد الرحيم التبريزي الخطّاط المشهور رحمه‌الله.

(٤) تأخّره ـ خ : (آ).

(٥) المنع ـ خ : (آ).

(٦) إنّه أمر بإلقاء السحرة ـ خ : (آ).

(٧) البقرة ٢ : ٢٣.

٢٥٩

الرابع : أنّه أوجس في نفسه خيفة وهو (١) تقتضي شكّه فيما أتى به.

والجواب : أنّه خاف التلبيس (٢) فآمنه الله منه وبيّن له إيضاح حجّته.

الخامس : أخذه برأس أخيه إن كان حقّا فهارون مذنب مع أنّه رسول الله ، وإن لم يكن حقّا فموسى مذنب.

والجواب : أنّ موسى عليه‌السلام فعل ذلك حدّة وغضبا من فعل قومه لا لخطإ من هارون ، وقد كان عليه‌السلام سريع الغضب والحدّة غير مذمومة ، ولهذا قال نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله : «خيار أمّتي حدادها الذين إذا غضبوا رجعوا» فحملته حدّته على جذب رأس أخيه ليدنيه ويتحقّق منه كيفية الواقعة ، فأشفق هارون أن يظنّوا خلاف ذلك ، قال : لا تأخذ بلحيتي ، أي لئلّا يظنّ القوم أنّك تريد قتلي وضربي ولم يعلموا أنّه حدّة وغضب منك عليهم.

السادس : أنّه قال في قصة الخضر عليه‌السلام : (لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً) (٣) فإن كان كما قال فالخضر مذنب وإلّا فموسى ، وكذا في قوله : (أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً) (٤) ولم تكن زكية.

والجواب عن الأوّل : أنّه نكر (٥) ظاهرا ؛ فإنّ من نظر إلى ظاهر الواقعة ولم يعرف حقيقتها أنكرها أو أنّه نكر (٦) إن كان ظلما أو أنّه عجب ، فإنّ من رأى شيئا عجبا جدّا يقول : هذا شيء منكر.

وعن الثاني : أنّه كان على طريق الاستفهام ، وأمّا قتل الخضر للغلام عند خشية الإرهاق والخشية لا تفيد علما بل ظنّا ، فإنّ ذلك في حقّ غير الأنبياء ، وأمّا الأنبياء فظنونهم علوم أو أنّ الله أمره بقتله.

التاسعة : قصّة داود عليه‌السلام وهي في تأويل قوله تعالى : (وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ

__________________

(١) وهي ـ خ : (آ).

(٢) أي خاف التلبيس على قومه الذين لم ينعموا النظر فآمنه الله تعالى منه.

(٣) الكهف ١٨ : ٧٤.

(٤) الكهف ١٨ : ٧٤.

(٥) أنكر ـ خ : (آ).

(٦) أنكرها ـ خ : (آ).

٢٦٠