اللوامع الإلهيّة في المباحث الكلاميّة

جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلّي

اللوامع الإلهيّة في المباحث الكلاميّة

المؤلف:

جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلّي


المحقق: السيد محمد علي القاضي الطباطبائي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ٢
ISBN: 964-424-883-X
الصفحات: ٦٨٧

لا تصلح إلّا بي أو بك ، فأرجف المنافقون به فخرج إليه عليه‌السلام وقال : إنّ المنافقين أرجفوا بي وقالوا : إنّك خلفتني استثقالا وتحرّزا منّي فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : كذبوا إنّما خلفتك لما تركت من ورائي فارجع فاخلفني ، أفلا (١) ترضى يا عليّ أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبي بعدي؟

وفي هذه القصة دلالة على إمامته بعده ؛ لأنّه لم يعزله قبل موته ولا بعده فيكون خليفة عليها بعده ، وكلّ من قال : إنّه خليفة عليها بعده قال : إنّه خليفة على غيرها ، وهو المطلوب.

السادس : أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا بعث أبا بكر لتبليغ سورة براءة ، وقيل آيات منها وكلمات أخرى نزل عليه جبرائيل عليه‌السلام وقال : لا يؤدّي عنك إلّا أنت أو رجل منك ، فبعثصلى‌الله‌عليه‌وآله عليّا عليه‌السلام وعزله وأخذ السورة منه ، فلمّا رجع أبو بكر قال : ما لي هل نزل فيّ شيء؟ قال : «أجل لم يكن ليبلّغها (٢) إلّا أنا أو رجل منّي» وإذا كان تبليغ سورة وأربع كلمات إلى قوم مخصوصين لا يجوز إلّا من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أو رجل منه ، فتبليغ الشرع وولاية الأمة كافة في الدين والدنيا لا يجوز أيضا إلّا منه صلى‌الله‌عليه‌وآله أو رجل منه بطريق الأولى ، وهو علي عليه‌السلام ، وهو المطلوب.

وفي هذه دلالة على عدم صلاحية أبي بكر للولاية صريحا ؛ لأنّه إذا لم يكن صالحا لتبليغ آيات وكلمات فبالأولى أن لا يكون رئيسا على السادات في كافة أمور الديانات.

السابع : قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أنت أخي ووصيّي وخليفتي من بعدي» و «قاضي ديني» والاستدلال به من وجهين :

الأوّل : أنت وصيي ، وهذا لا ينكره أحد فإمّا أن يريد بذلك التصرّف في كلّ ما كان للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يتصرّف فيه أو بعضه. والثاني : باطل ؛ لإطلاق اللفظ وعدم تقييده وعدم قرينة دالة على التقييد ، فلو أريد لكان تلبيسا وهو غير جائز منه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فتعيّن

__________________

(١) ألا ـ خ : (آ).

(٢) ليأخذها ـ خ : (آ).

٣٤١

الأوّل وهو المطلوب ؛ لأنّا لا نريد بالإمامة إلّا ذلك.

والثاني : قوله : قاضي ديني ، على رواية كسر الدال (١) وهو صريح في خلافته.

__________________

(١) استدل العلّامة قدس‌سره في شرح التجريد كشف المراد بقوله : «قاضي ديني» وكذا المحقّق الطوسي قدس‌سره في التجريد على إمامة أمير المؤمنين عليه‌السلام وصرّحا أنّه بكسر الدال.

وقال القوشجي في شرح التجريد : وأجيب بأنّه خبر واحد في مقابلة الإجماع ، ولو صحّ لما خفي على الصحابة والتابعين والمهرة المتقنين من المحدثين سيما عليّ وأولاده الطاهرين ، ولو سلّم فغايته إثبات خلافته لا نفي خلافة الآخرين ، انتهى.

والظاهر منه أنّه إذ عن أن قوله : «قاضي ديني» بكسر الدال. قلت : إن سلّمنا أنه خبر واحد لفظا ولكنه متواتر معنى ؛ لأنّ تواتر الأخبار من طرق الفريقين يفيد ما يستفاد من هذا الخبر ، وقد تواتر عند المسلمين قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أقضاكم عليّ».

وقال العلّامة ابن أبي جمهور الأحسائي قدس‌سره في كتاب معين المعين : قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : قاضي ديني. ـ بكسر الدال ـ مأخوذ من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أقضاكم عليّ عليه‌السلام وهذا يدلّ على أنّه أفضل الصحابة والقضاء يفتقر إلى جميع العلوم. وقال قدس‌سره : هذا الخبر نقله القاضي أبو محمد الحسن بن مسعود العبري عن أنس ابن مالك ، ثمّ نقل عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله تخصيص جماعة من الصحابة كلّ واحد بفضيلة وقال «أقضاكم عليّ» فقد صدع في هذا الحديث بمنطوقه وخصّص بمفهومه أنّ أنواع العلوم وأقسامه قد جمعها لعليّ عليه‌السلام دون غيره ، فإنّ كلّ واحدة من الفضائل التي خصّص بها جماعة من الصحابة لا يتوقّف حصولها على غيرها من الفضائل ، بخلاف علم القضاء وقد جعله لعلي عليه‌السلام بصيغة أفضل ، وهي تقتضي وجود أصل الوصف والزيادة فيه على غيره ، والمتّصف بها يجب أن يكون كامل العقل صحيح التميّز جيّد الفطنة ، بعيد عن السهو والغفلة ، متوصّل بفطنته إلى الحكم إذا أشكل عليه ، ذا عدالة تحجره عن أن يحوم حول المحارم ، ومروّة تحمله ومجانبة الدنيا ، صادق اللهجة ظاهر الأمانة إلى آخر ما ذكره رحمه‌الله بهذا النمط ونقلناه باختصار في الجملة وتركنا نقله برمّته خوف الإطالة ـ وأمّا الإجماع الذي ادّعاه القوشجي فغير ثابت ، ليت شعري كيف انعقد الاجماع مع مخالفة أفاضل الصحابة وعلمائهم وعدم دخول المعصوم فيهم؟ ومع عدم دخوله لا دليل على حجّيته. ومضمون الخبر ما خفي على الصحابة والتابعين ولا سيما على أولاده الطاهرين عليهم‌السلام فإنّهم علموا يقينا أنّ عليا أمير المؤمنين عليه‌السلام حاكم الدين بعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وإنّما أخفاه المنافقون من الصحابة لنفاقهم وطمع بعضهم في الرئاسة.

وأمّا قوله : «ولو سلّم فغايته» ... فنقول : نعم إثبات خلافته لا ينفي خلافة الآخرين ، لكن من أولاده المعصومين عليهم‌السلام فإنّه يثبت به أنّه خليفة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وحاكم الدين الإسلامي بلا فصل ، وليس بعده حاكم للدين إلّا أولاده الطاهرين عليهم‌السلام ويدلّ على ذلك أيضا القرائن الدالّة عليه في نفس الخبر.

وقد روى الشيخ الطوسي (ره) في أماليه ، بإسناده عن موسى بن جعفر عليهما‌السلام عن آبائه ، عن ـ

٣٤٢

المسلك الرابع : أنّه عليه‌السلام ادّعى الإمامة بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وظهر المعجز على يده ، وكلّ من كان كذلك كان إماما ، فعلي عليه‌السلام إمام وهو المطلوب. أمّا أولى (١) الصغرى وهو دعواه الإمامة ؛ فلأنّ دعواه لها ومنازعته فيها وإخراجه قهرا من بيت فاطمة عليها‌السلام للبيعة ظاهر مشهور (٢) لا ينكره إلّا مكابر. وأمّا ثانيها ؛ فلما يأتي. وأمّا الكبرى فلما مرّ في النبوة.

المسلك الخامس : أنّه كان أفضل الخلق بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكلّ من كان أفضل كان متعيّنا للإمامة ، ينتج أنّ عليّا عليه‌السلام كان متعيّنا للإمامة وهو المطلوب ، أمّا الصغرى فلما يأتي ، وأمّا الكبرى فلما مرّ من قبح تقديم المفضول على الفاضل (٣).

__________________

ـ جابر بن عبد الله الأنصاري قال : صلّى بنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوما صلاة الفجر ، ثمّ انفتل وأقبل علينا يحدّثنا ثمّ قال : أيها الناس من فقد الشمس فليتمسّك بالقمر ، ومن فقد القمر فليتمسك بالفرقدين قال : فقمت أنا وأبو أيوب الأنصاري ومعنا أنس بن مالك فقلنا : يا رسول الله من الشمس؟ قال : أنا فإذا هو صلى‌الله‌عليه‌وآله ضرب لنا مثلا فقال : إنّ الله تعالى خلقنا وجعلنا بمنزلة نجوم السماء كلّما غاب نجم طلع نجم ، فأنا الشمس فإذا ذهب لي فتمسّكوا بالقمر. قلنا : فمن القمر؟ قال : أخي ووصيّي ووزيري و «قاضي ديني» وأبو ولدي وخليفتي في أهلي علي بن أبي طالب. قلنا : فمن الفرقدان؟ قال : الحسن والحسين ، ثمّ مكث مليّا وقال : فاطمة هي الزهرة ، وأهل بيتي هم مع القرآن والقرآن معهم ، لا يفترقان حتّى يردا عليّ الخوض. انظر الأمالي للشيخ (ره) ج ٢ ، ص ١٣٠ ـ ١٣١ طبعة النجف وغاية المرام ، ص ٦١٤. ويستفاد من هذا الخبر كغيره من الأخبار أنّ قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «قاضي ديني» صادر عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مضافا إلى أنّه يستفاد من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أقضاكم عليّ أيضا ، كما ذكره ابن أبي جمهور الأحسائي (ره) وسمعت كلامه ، وانظر في المجلد الرابع من إحقاق الحقّ إلى تعليقات سماحة سيدنا الأستاذ المرجع الأكبر النجفي المرعشي دام ظلّه العالي ص ٧٤ وص ٣٨٥ طبعة طهران. وانظر إلى شرح المقاصد لسعد الدين التفتازاني المتوفّى ٧٩٢ ـ ج ٢ ، ص ٢٩١ طبعة إسلامبول. قال : وقوله عليه الصلاة والسّلام لعلي رضي الله عنه : أنت أخي ووصيي وخليفتي من بعدي وقاضي ديني بالكسر. ثمّ ذكر ما سمعت عن القوشجي وذكرنا جوابه.

(١) أوّل ـ خ : (د).

(٢) انظر إلى كتاب سليم بن قيس الهلالي (ره) وسائر التواريخ.

(٣) ومن قال : إنّ الله قدّم المفضول على الفاضل لحكمة. فقد غلط في قوله هذا ؛ فإنّ الحكمة لا تقتضي القبيح ولا تسوغ نسبة القبيح إلى الله تعالى.

٣٤٣

المسلك السادس : كلّما لم يكن العباس وأبو بكر صالحين للإمامة وجب أن يكون علي عليه‌السلام إماما ، لكن المقدّم حقّ والتالي مثله ، أمّا حقّية المقدّم ؛ فلقوله تعالى : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (١) وهما كانا ظالمين بتقدّم كفرهما فلا يصلحان.

وأمّا بيان الشرطية : فلعدم ادّعاء الإمامة لغير هذه الثلاثة ، وقد بان عدم صلاحيتهما ، فلو لم تتعيّن إمامته عليه‌السلام لزم إمّا عدم القول بالإمامة وهو باطل بما تقدم ، أو إثبات إمامة رابع ، وهو باطل بالاجماع.

إن قلت : الشرطية ممنوعة فإنّ الأنصار قالوا : منّا أمير ومنكم أمير ، وأقاموا سعد بن عبادة.

قلنا : حصل الإجماع على بطلان قولهم وسقوطه.

البحث الرابع : في إمامة الأحد عشر عليهم‌السلام ، ويدلّ عليه وجوه :

الأوّل : كلّ من قال بوجوب العصمة والأفضلية والنصّ قال بإمامتهم ، وكلّ من لم يقل لم يقل ، فلو قلنا بإمامة غيرهم لكان إمّا قولا بإمامة غير معصوم ولا أفضل ولا منصوصا عليه ، وهو باطل بما تقدّم أو قولا بوجوب الثلاثة ووجودها في غيرهم (٢) وهو باطل بالإجماع ، فتعيّن القول بإمامتهم ، وهو المطلوب.

الثاني : قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (٣).

وجه الاستدلال : أنّه أمر أمرا مطلقا بالطاعة لأولي الأمر ، ولا يجوز ذلك إلّا للمعصوم وإلّا لزم الأمر بالقبيح ، وهو محال عليه تعالى ، ولا معصوم غيرهم بالإجماع فيكونون هم المرادون ، وهو المطلوب.

ويؤيّده ما رواه جابر الأنصاري قال : قلت : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عرفنا الله ورسوله فمن

__________________

(١) البقرة ٢ : ١٢٤.

(٢) من قوله : ولا أفضل ـ إلى قوله : ـ في غيرهم ـ ساقط من ـ خ : (آ).

(٣) النساء ٤ : ٥٩.

٣٤٤

أولو الأمر ، قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : هم خلفائي ، يا جابر أوّلهم أخي علي وبعده ابنه الحسن ثمّ ابنه الحسين ثمّ تسعة من ولد الحسين عليه‌السلام.

الثالث : نقل الإمامية تواتر النصّ عليهم بأسمائهم من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو مشهور في كتب الأحاديث وناهيك بكتاب الكفاية (١).

الرابع : نقل الإمامية أيضا متواترا (٢) نصّ كلّ واحد منهم على من بعده ، ولما ثبت عصمة الأوّل وإمامته وجب قبول قوله فيمن بعده.

الخامس : ما ورد من طريق الخصم كخبر مسروق قال : بينما (٣) نحن عند عبد الله بن مسعود إذ يقول له شابّ : هل عهد إليكم نبيّكم كم يكون من بعده خليفة ، قال : إنّك لحدث السنّ وإنّ هذا شيء ما سألني عنه أحد! نعم عهد إلينا صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه يكون بعده اثني عشر خليفة عدد نقباء بني إسرائيل (٤).

وروى البخاري (٥) عن جابر بن سمرة قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : بعدي اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش ، وكلّ من قال بذلك قال : إنّهم المعنيّون.

السادس : أنّه جاء في التوراة : أنّ الله قال لإبراهيم عليه‌السلام : قد أجبت دعاك في

__________________

(١) كتاب كفاية الأثر في النصّ على الأئمة الاثنا عشر للشيخ الثقة الجليل علي بن محمد بن علي الخزّاز الرازي (ره) الذي يروي عن الشيخ الصدوق (ره) وابن عيّاش (ره) ، وكتابه مطبوع سنة ١٣٠٢ بطهران ، وقد روى فيه بطرق كثيرة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنّ الأئمّة اثنا عشر رواه أكثر من (٢٨) صحابيا ذكرت أسماؤهم في كتاب أنيس الموحّدين للنراقي (ره) ، ص ١٩٣ وينبغي الرجوع إلى كتاب غاية المرام للبحراني (ره) ، وهو أنفس تأليف في هذا الباب فيه الأخبار المتواترة بطرق الفريقين عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بأسماء الأئمة وأنّهم اثنا عشر ، ونعم ما قال بعض الأعلام : وكأنّ الله سخّر الناس برواية «الأئمة اثنا عشر» وينبغي الرجوع أيضا إلى كتاب الاستنصار في النصّ على الأئمة الأطهار للكراجكي (ره) وكتاب مقتضب الأثر في النصّ على الأئمة الاثني عشر لابن عيّاش (ره) وهما مطبوعان في النجف سنة ١٣٤٦ معا بقطع صغير.

(٢) تواترا ـ خ : (د).

(٣) بينا ـ خ : (د).

(٤) غاية المرام ص ١٩٣.

(٥) ورواه مسلم أيضا انظر غاية المرام ، ص ١٩١ ـ ١٩٣.

٣٤٥

إسماعيل وباركت عليه وعظّمته جدّا جدّا وسيلة اثني عشر عظيما (١).

السابع : أنّ كلّ واحد منهم ادّعى الإمامة وظهر المعجز على يده وكان أفضل أهل زمانه ، فيكون إماما ، أمّا الصغرى فأوّلها معلوم بتواتر الشيعة ، وثانيها بتواترهم أيضا ، ومن وقف على كتاب الخرائج (٢) ظهر له ذلك ، وثالثها لا ينكره (٣) إلّا مكابر ومعاند. وأمّا الكبرى فتقريرها كما تقدّم.

فائدة : الأئمّة أفضل من الملائكة ؛ لزيادة المشقّة في طاعتهم لمعارضة الشهوة والغضب ، ولأنّهم من آل إبراهيم ، وآل إبراهيم أفضل للآية (٤) ولا يلزم العموم لوجود المخصّص.

البحث الخامس : في الغيبة ، وفيه ثلاث مسائل.

الأولى : أنّه لمّا دلّ الدليل على إمامة سيّدنا المنتظر عليه الصلاة والسّلام ، وأنّ كلّ زمان لا بدّ فيه من إمام معصوم وجب وجوده وبقاؤه من حين موت أبيه الحسن عليه‌السلام إلى آخر زمان التكليف ، وإلّا لزم إمّا القول بوجوب إمامة معصوم غيره ، وهو باطل بالإجماع أو خلوّ زمان عن إمام ، وهو باطل بما تقدّم ، وبدلالة الأخبار المتواترة على وجوده (٥) وبقائه وغيبته وظهوره بعد ذلك ، فيكون القول بوجوده حقّا ، وهو المطلوب (٦) ، وقد تقدّم وجه لطفيته حال غيبته فلا وجه لإعادته.

__________________

(١) انظر التوراة المترجمة بالعربية المطبوعة سنة ١٨١ م السفر الأول وهو سفر الخليقة الفصل (١٧) وانظر في التوراة المترجمة بالفارسية من أصلها العبري ترجمها «وليم گلسن» بإعانة فاضل خان الهمذاني المطبوعة في «ادن برغ» سنة ١٨٤٥ م سنة ١٢٦١ صفحة : (٢٦) الفصل : (١٧) آية : (٢٠).

(٢) كتاب الخرائج والجرائح للشيخ الإمام الفقيه الثقة قطب الدين الراوندي قدس‌سره المتوفّى ٥٧٣ وهو من الكتب النفيسة المعتبرة مطبوع منتشر.

(٣) ينكرها ـ خ : (آ).

(٤) مراده قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ) آل عمران ٣ : ٣٣.

(٥) بوجوده ـ خ : (آ).

(٦) سئل عن الشيخ البهائي قدس‌سره : هل خروج المهدي المنتظر بقول مطلق من الضروريات وإنكاره يوجب ـ

٣٤٦

الثانية : سبب غيبته ، لا يجوز أن يكون قبيحا ؛ لما ثبت من عصمته عليه‌السلام فتكون حسنا ، ولا يجب علينا معرفة وجه حسن كلّ فعل تفصيلا وإلّا لوجب معرفة وجه حسن خلق الحيّات والعقارب تفصيلا ، وهو باطل بالإجماع ، وحينئذ جاز أن يكون غيبته لمصلحة خفيّة استأثر الله تعالى بعلمها ، غير أنّا نذكر ما يمكن أن يكون سببا ، وهو الخوف كما استتر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله تارة في الغار وتارة في الشعب ؛ خوفا من المشركين.

وقد دل (١) بعض الأخبار على أنّ غيبته عليه‌السلام لذلك (٢) وتكون الغيبة حاصلة ما دام السبب باقيا ، ويكون الإثم في تعطيل الحدود والأحكام على من منه الخوف.

لا يقال : الخوف ليس مختصّا بزمانه عليه‌السلام بل كان في زمن آبائه عليهم‌السلام أيضا ، ثمّ إنّهم ظهروا وبيّنوا الشرائع (٣) لشيعتهم ولزموا التقية مع الظلمة ولم يستتروا ، فهلّا كان حاله كذلك؟

سلّمنا ، لكن الخوف ليس من شيعته فهلّا ظهر لهم خاصّة وأفتاهم وبيّن لهم ما اختلفوا فيه من الأحكام.

لأنّا نقول : أمّا الأوّل فقد أجاب السيد المرتضى (ره) عنه بما مضمونه : أنّه عليه‌السلام غير متعبّد بالتقية ، بل فرضه الجهاد ومنابذة الأعداء وإقامة الدين ، كما دلّت عليه الأخبار المتواترة من الإمامية وغيرهم ، بخلاف آبائه عليهم‌السلام فإنّ أكثرهم لم يكن مأمورا بالخروج والقيام والحرب بل كان متعبّدا بالتقية ، كما ورد عنهم عليهم‌السلام : «ما منّا إلّا من وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه إلّا قائمنا فإنّه يخرج ولا بيعة لأحد في عنقه» فظهر الفرق بينه وبين آبائه كما أنّ عيسى عليه‌السلام لم يحارب ولم يكن (٤) فرضه الجهاد.

__________________

ـ الارتداد؟ فأجاب بأنّه من الضروريات وإنكاره كفر ـ انظر كتاب علم الإمام المطبوع مع ترجمة علم الإمام للمظفّر (ره) ، ص ٨ طبعة تبريز فقد نقلنا هناك السؤال وجواب الشيخ (ره) له بعين ألفاظه.

(١) ذكر ـ خ : (آ).

(٢) كذلك ـ خ : (آ).

(٣) وأفتوا شيعتهم ـ خ : (آ).

(٤) ولا كان ـ خ : (آ).

٣٤٧

ومحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله حارب وكان فرضه الجهاد (١) ، والأحكام تتغيّر بحسب تغيّر المصالح.

وأمّا الثاني فقد أجاب شيخنا المفيد (ره) بأنّ شيعته غير معصومين ، فجاز أن تدعوهم دواعي الشيطان إلى إغرائه ؛ طمعا في الدنيا كما دعت أمم الأنبياء إلى الارتداد عن شرائعهم ، وكما عاند قوم موسى عليه‌السلام أخاه هارون وارتدّوا.

وفي هذا نظر.

وأجاب غيره بأنّا نجوّز ذلك ولا نحيله ، لكن ليس (٢) كلّ جائز يجب وقوعه ، بل إذا وجد سبب وجوده ، وهو غير حاصل هنا ، لأنّهم ينتفعون بلطفيته حال غيبته فلا مرجّح لظهوره (٣) ، وهذا أقوى عندي.

الثالثة : في طول بقائه عليه‌السلام (٤) ، ولا شكّ في إمكانه ؛ لكون الفاعل قادرا مختارا كما تقدّم ، وقد وقع تعمير أقوام مثل عمره عليه‌السلام وأزيد وأنقص ، فإنّ الخضر عليه‌السلام موجود اتّفاقا وكان قبل موسى عليه‌السلام على عهد «افريدون» وكذلك السامري والدجّال من الأشقياء ، وقد نصّ القرآن على أنّ نوحا عليه‌السلام لبث في قومه ألف سنة إلّا خمسين عاما وجاء في الأخبار أنّه عاش ألفي سنة وزائدا ، وكذلك لقمان عاش سبعة آلاف سنة وهو صاحب النسور (٥) وأخبار المعمّرين شائعة بذلك ، من وقف عليها عرف صحة ما قلنا (٦).

__________________

(١) ومحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى قوله : فرضه الجهاد ـ خ : (د).

(٢) على كلّ ـ خ : (د).

(٣) قال السيد علم الهدى (ره) في رسالته الموجزة في الغيبة ما هذا لفظه : نحن نجوّز أن يصل إليه كثير من أوليائه والقائلين بإمامته فينتفعون به ... الخ انظر نفائس المخطوطات المجموعة الرابعة ص ١٢ طبعة بغداد.

(٤) وقد تحقّق في هذه العصور الأخيرة أنّ الإنسان يمكن أن يعيش آلاف السنين ، راجع مجلّدات مجلة المقتطف وكتاب المهدي لسيدنا الأستاذ العلامة السيد صدر الدين الصدر الموسوي نزيل «قم» والمتوفّى بها سنة ١٣٧٣ قدّس الله روحه.

(٥) هنا تعليق يأتي في آخر الكتاب.

(٦) انظر إلى كتاب «المعمّرون» لأبي حاتم السجستاني المتوفّى ٢٥٠ ـ مطبوع. وانظر إلى كتاب كنز الفوائد للعلامة الكراجكي (ره) له كتاب البرهان على صحة عمر الإمام صاحب الزمان عليه‌السلام أدرجه في كنز الفوائد ، فراجع.

٣٤٨

لا يقال : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أعمار أمّتي ما بين الستّين إلى السبعين (١)» وقال أصحاب الأحكام النجومية : إنّ العمر لا يزيد على مائة وعشرين.

لأنّا نقول : أمّا الأوّل فإنّه بناء على الأغلب ؛ لأنّ خلافه معلوم ضرورة ، وأيضا خرق العادة جائز للإعجاز فلم لا يجوز أن يكون طول عمره معجزة له عليه‌السلام؟

وأمّا الثاني فباطل ؛ لما بيّنا من بطلان استناد الحوادث إلى الكواكب بل إلى الفاعل المختار ، وقولهم بناؤه على نفيه ، ثمّ على تقدير القول بالإيجاب يجوز أن يحدث شكل غريب فلكي يوجب طول عمره عليه‌السلام والحكماء لا ينكرون ذلك ، هذا مع أنّ أصحاب النجوم لا يمنعون ذلك أيضا وإنّما قالوا : أكثر ما يعطي كوكب واحد من العمر من حيث هو مائة وعشرون سنة ، وجاز أيضا أن يضمّ إليه عندهم أسباب أخر فتتضاعف العطية ، قالوا : مثل أن يتّفق طالع كثرة الهيلاجات فيه والكتخدايات كلّها في أوتاد الطالع ، ناظرة إلى بيوتها ، ونظر السعود إليها من الأوتاد بالتثليث أو التسديس وتكون النحوس ساقطة ، وحينئذ يحكمون لصاحب الطالع بطول العمر كما لسيّدنا صلوات الله عليه وعجّل الله فرجه وأرانا أيّامه بحقّ الحقّ وأهله.

المقصد الثالث : في الردّ على المخالفين لنا والطعن عليهم

وهو على أقسام :

[القسم] الأوّل : الردّ على الجمهور الملقّبين بأهل السنّة وهو في مواضع :

الأوّل : طريق تعيين الإمام قالوا : البيعة أو الاستيلاء طريق إلى ذلك ، مستدلّين بحصول المقصود من الإمامة (٢) وهو دفع الضرر بنصب الرئيس أو استيلائه.

والجواب بالمنع من حصول المقصود بل قد يكون موقعا في الضرر ، بأنّ يبايع كلّ

__________________

(١) نقله السيد الأعظم السيد الرضي قدس‌سره في كتابه المجازات النبوية انظر ص ٢٤٨ طبعة مصر سنة ١٣٥٦.

(٢) الإمام ـ خ : (آ).

٣٤٩

فرقة شخصا أو يستولي كلّ شخص على خطّة ويقع بينهم التحارب و (١) التجاذب.

ثمّ الذي يدلّ على بطلان قولهم وجوه :

الأوّل : أنّهم لا تصرّف لهم في أمر غيرهم ، فكيف يولّونه عليهم؟ والنقض بالشاهد ، لكونه غير متصرّف في المدّعى عليه مع أنّ الحاكم بقوله يصير متصرّفا باطل ؛ فإنّا لا نسلّم أنّ تصرّف الحاكم مستند (٢) إلى الشاهد بل إلى حكم الله عند شهادة الشاهد بإقرار المدّعى عليه.

الثاني : أنّ الإمام نائب عن الله ورسوله فلا يحصل إلّا بقولهما.

الثالث : قوله تعالى : (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) (٣) نفى سبحانه عن عباده الاختيار نفيا عاما ، فظاهره يقتضي أن لا اختيار لهم أصلا ، خرج منه ما خرج بالدليل فبقي الباقي على عمومه.

ويدلّ على بطلان الغلبة والاستيلاء قوله عليه‌السلام : «الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثمّ تصير (٤) ملكا عضوضا (٥)» سمّى الرئاسة بعد ثلاثين في زمان القهر والغلبة ملكا ، ولم يسمّ خلافة وهذا إلزام.

الثاني : أدلّة الإمامة ، احتجّوا على إمامة أبي بكر بوجوه :

الأوّل : قوله تعالى : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) الآية (٦).

وجه الاستدلال : أنّ الموعودين إمّا علي عليه‌السلام ومن قام بعده بالأمر وهو الحسن والحسين عليهما‌السلام ، أو أبو بكر ومن قام بعده وهو عمر وعثمان ؛ لأنّ الخطاب في الآية ليس إلّا مع الصحابة بدليل قوله : (مِنْكُمْ) فيكون المراد طائفة منهم فيحمل الجمع على أقلّه

__________________

(١) أو ـ خ : (د).

(٢) يستند ـ خ : (آ).

(٣) القصص ٢٨ : ٦٨.

(٤) ثم يكون ـ خ ل ـ خ : (د).

(٥) ثم تصير ملكا ثم تصير عضوضا ـ خ : (آ).

(٦) «وليمكننّ لهم دينهم الّذي ارتضى لهم وليبدّلنّهم من بعد خوفهم أمنا» خ : (آ) النور ٢٤ : ٥٥.

٣٥٠

وهو ثلاثة ، والأوّل باطل إجماعا ؛ لأنّه تعالى وعدهم بالتمكين ، وعلي عليه‌السلام ومن بعده لم يكونوا كذلك ، لكونهم في الخوف والتقية فتعيّن الثاني وهو المطلوب.

والجواب بالمنع من اختصاص الصحابة بالخطاب (١) ، إذ اللفظ عام والعبرة بعمومه ، سلّمنا لكن لا نسلّم اختصاصه بالخلفاء ، أمّا ظاهرا فلأنّ الإيمان وعمل الصالحات ليس مختصّا بهم ، بل جميع الصحابة كانوا كذلك خصوصا عند الخصم ، فإنّهم عندهم عدول كلّهم ، وأمّا حقيقة فلأنّ التمكين لم يكن مختصّا بالخلفاء بل سائر الصحابة كانوا آمنين ومكّن لهم دينهم بأن أظهره على الدين كلّه.

سلّمنا لكن لا نسلّم الإجماع على بطلان الأوّل ، وما ذكرتم من عدم تمكينهم (٢) لا يقدح في استخلافهم ، إذ التمكين المذكور هو في الدين ؛ لدلالة الآية عليه صريحا ، وذلك كان ثابتا لعليّ عليه‌السلام وابنيه اتّفاقا.

هذا كلّه إذا كان المراد بالاستخلاف جعلهم خلفاء ، أي رؤساء رئاسة عامة في الدين والدنيا ، لكنه ممنوع ؛ لجواز أن يكون المراد مدلوله اللغوي فيكون المراد : ليورثهم أرض الكفّار من العرب والعجم ويجعلهم سكّانها ، كما استخلف الذين من قبلهم ، يعني بني اسرائيل إذ أهلك الجبابرة بمصر وأورثهم (٣) أرضهم وأموالهم.

الثاني : قوله تعالى : (سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ) (٤) فالداعي المحظور مخالفته لا يجوز أن يكون محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لقوله : لن تتبعونا ، ولا عليا عليه‌السلام ؛ لأنّه ما حارب كافرا في أيّام خلافته ، والحرب هنا مع الكفار ؛ لقوله : (تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ) أي إلى أن يسلموا ، ولا من ملك بعده وفاقا ، فتعيّن من كان قبله وهو المطلوب.

الجواب بالمنع من أنّه أبو بكر ومن بعده ؛ لجواز أن يكون محمّدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ،

__________________

(١) من اختصاص الخطاب بالصحابة ـ خ : (آ).

(٢) تمكنهم ـ خ : (آ).

(٣) بتوريثهم ـ خ : (آ).

(٤) الفتح ٤٨ : ١٦.

٣٥١

لأنّه لا خلاف بين المفسّرين أنّ الآية نزلت في متخلّفي الحديبية وكان بعدها غزوات كثيرة ، قال الضحّاك : إنّها ثقيف ، وعن ابن جبير : إنّها هوازن وثقيف.

وأجاب بعض الفضلاء بأنّ قوله : (لَنْ تَتَّبِعُونا) يدلّ على أنّ المتخلّفين (١) لا يتبعون محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله في فتح خيبر ، فإنّهم قالوا لأصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : ذرونا نتبعكم فقال تعالى في حقّهم : (يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللهِ) (٢) أي مواعيد الله لأهل الظفر بغنيمة خيبر خاصة ، أرادوا تغيّر ذلك بأن يشاركوهم فيها (٣) قل يا محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله للمخلّفين : لن تتبعونا في فتح خيبر كذلك (٤) قال الله من قبل ، أي قال الله بالحديبية من قبل فتح خيبر ومن قبل مرجعنا إليكم : إنّ غنيمة خيبر لمن شهد الحديبية لا يشاركهم فيها غيرهم ، هكذا قال ابن عباس ومجاهد وغيرهما ، وليس المراد أنّهم لا يتبعون محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله مدّة حياته في حرب من الحروب ، فإنّه دعاهم بعد ذلك إلى قتال قوم أولي بأس شديد كأهل الطائف وتبوك وغيرهما.

الثالث : فعله عليه‌السلام ، لأنّه استخلفه في الصلاة أيّام مرضه وما عزله ، فبقي كونه خليفة في الصلاة بعد وفاته ، فإذا ثبت كونه خليفة في الصلاة بعد وفاته ثبت في غيرها ؛ لعدم القائل بالفرق.

والجواب بالمنع من ذلك مع أنّه خبر واحد لا يوجب علما خصوصا في موضع التهمة ؛ لأنّ راويها (٥) عائشة بإجماع أهل البيت عليهم‌السلام.

سلّمنا لكن روي أنّ بلالا لمّا أتاه يؤذنه الصلاة قال : قد أبلغت يا بلال فمن شاء فليصلّ ، ثمّ عاد ثانية وثالثة ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : لقد أبلغت يا بلال ، ولو أراد الاستخلاف لما قال ذلك ، فخرج بلال ورأس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في حجر علي عليه‌السلام ،

__________________

(١) المخلّفين ـ خ : (د).

(٢) الفتح ٤٨ : ١٥.

(٣) من قوله : ـ لأهل الظفر ـ إلى قوله : ـ فيها ـ من ـ خ : (د).

(٤) كذلكم ـ خ : (آ).

(٥) لأنه رواية عائشة ـ خ : (آ).

٣٥٢

والفضل بن العباس بين يديه يروّحه ، وأسامة بن زيد يحجب عنه زحمة الناس ، ونساؤه في ناحية البيت يبكين ، فلمّا سمعت عائشة قوله عليه‌السلام : من شاء فليصلّ ، بعثت بلالا وقالت: مر أبا بكر فليصلّ بالناس ويؤيّده قوله عليه‌السلام في تلك الحال : إنّكنّ كصويحبات يوسف ، وأنّه لمّا سمع صوت أبي بكر خرج متّكئا على علي عليه‌السلام والفضل فأزاله عن المحراب وصلّى بالناس.

سلّمنا أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أمره بذلك ، لكنّه لمّا عقد أبو بكر التحريم خرج صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلمّا أحسّ أبو بكر بخروجه عليه‌السلام تأخّر ، وصلّى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بالناس قاعدا ، فلم يكن أبو بكر بمجرّد التحريم وعقده خليفة في الصلاة خصوصا وقد عزله (١).

سلّمنا أنّه صلّى الصلاة تامة لكن هذا الاستخلاف لا يقتضي الدوام ؛ إذ الفعل لا دلالة له على التكرار إن ثبتت خلافته بالفعل ، وإن ثبتت بالقول فكذلك ، كيف وقد جرت العادة بالنيابة مدة الغيبة والانعزال عند مجيء المستخلف.

سلّمنا لكن لا يقتضي ذلك خلافته بعده ، أمّا أوّلا ؛ فلقوله عليه‌السلام كما رويتم : «صلّوا خلف كلّ برّ وفاجر» (٢) وأمّا ثانيا ؛ فلأنّه لو اقتضى لكان إمّا بمجرد التقديم ، وهو باطل ، وإلّا لكان كلّ من قدّمه في الصلاة إماما وهو باطل ، فإنّه قدّم جماعة عندهم وليسوا أئمّة بعده.

__________________

(١) من قوله : ـ فلم يكن ـ إلى قوله : ـ وقد عزله ـ من ـ خ : (د).

(٢) قال العلّامة محمد سعيد العرفي ـ ذلك الرجل العاقل الغيور ـ في كتابه النفيس سرّ انحلال الأمّة العربية ووهن المسلمين : «صلّوا خلف كلّ بر وفاجر حديث رواه البيهقي بطرق كلّها واهية ومنقطعة ، ولم يثبت منها سند صحيح ، ولكن ساعد على ترويجه الدولة الأموية المعلوم حالها كما قاله الشوكاني في نيل الأوطار فقد التفّ حولهم أناس لا غرض لهم إلّا الطمع النفسي أو أنّ غايتهم نشر الفساد في الأرض ، فعوّدوا المسلمين على أن لا يأنفوا من الصلاة التي هي أعظم القرب إلى الله خلف فاسق لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر ، ثمّ دامت مشاهدتهم لهذه الطبقة المضرّة الفاسدة حتّى عادوا لا يبالون بمخالطة الفسقة ومساعدتهم ، وأمّا معاملتهم فيرضونها بطريق الأولى ـ إلى أن قال ـ : والعجب أنّ بعض علماء الكلام دافع عن الصلاة خلف الفاجر ، وبالغ في ذلك إلى أن جعل صحّتها من المسائل الاعتقادية ، وهذه عبارة العقائد النسفية بالحرف : «ويجوز الصلاة خلف كلّ بر وفاجر» ... انظر ص ٣٩ ـ ٤٢ الطبعة الثانية دمشق.

٣٥٣

وأيضا فإنّ الإمامة ولاية مشتملة على الصلاة وغيرها ، وإثبات جزء الشيء لا يستلزم إثباته بل العكس ، أو لقيد كونه في مرضه فيلزم أن يكون أسامة إماما ؛ لأنّه أمّره على المهاجرين والأنصار وأكّد أمره ، ووجه الدلالة ظاهر ؛ فإنّ الولاية تشتمل على الصلاة وغيرها.

لا يقال : سلّمنا ورود ما ذكرتم ، لكنّا نستدلّ بغير ذلك ، وهو أنّه روي أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله صلّى وراء أبي بكر.

لأنّا نقول : ذلك باطل ؛ لأنّ (١) أكثر الجمهور ينكره خصوصا ، وقد اختلفت الأمّة أنّه لمّا أخّره هل قرأ من حيث قطع أبو بكر أو استأنف القراءة.

وأيضا إنّهم نقلوا أنّه صلّى خلف عبد الرحمن بن عوف ولم يقل أحد أنّه خليفة بعده.

الرابع : قوله عليه‌السلام وهو روايات.

الأولى : قوله : عليه‌السلام : «اقتدوا بالذين من بعدي : أبو بكر وعمر».

الثانية : روى أنس أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أمره أن يبشّر أبا بكر بالجنّة والخلافة بعده ، وأن يبشّر عمر بالجنّة وبالخلافة بعد أبي بكر.

الثالثة : روى جبير بن مطعم أنّ امرأة أتت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فكلّمته في شيء فأمرها أن ترجع إليه فقالت : إن لم أجدك ـ يعني (٢) بعد الموت ـ فقال : إن لم تجديني فأتي أبا بكر.

الرابعة : روى سفينة مولى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عنه : أنّ الخلافة بعدي ثلاثون سنة ، ثمّ يصير ملكا عضوضا ، وكان خلافة الشيخين ثلاثة عشر سنة ، وخلافة عثمان اثني عشر سنة ، وخلافة عليّ خمس سنين.

الخامسة : روي أنّ أبا بكر قال : يا رسول الله رأيت كأنّ عليّ برد حبرة (٣) وكان فيه

__________________

(١) فإنّ ـ خ : (د).

(٢) تعنى ـ خ : (آ).

(٣) بردة ـ خ : (آ).

٣٥٤

رحمتين ، فقال عليه‌السلام : تلي الخلافة بعدي سنتين إن صدقت رؤياك.

والجواب عن الأولى : من وجوه :

الأوّل : أنّه خبر واحد لا يوجب علما.

الثاني : راويه عبد الملك بن عمر اللخمي وكان فاسقا جريئا على الله ، وهو الذي قتل عبد الله بن يقطر رسول الحسين عليه‌السلام إلى مسلم بن عقيل.

الثالث : أنّ الاقتداء بهما مستحيل ؛ لاختلافهما في كثير من الأحكام.

الرابع : أنّه محرّف ؛ لأنّه عليه‌السلام إنّما قال : أبا بكر وعمر ليكونا مناديين ، كأنّه أمر الناس بالاقتداء بالكتاب والعترة ، ووجّه الخطاب إليهما لعلمه بتغليبهما (١) على الرئاسة نحو (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ) (٢) وإنّما قلنا ذلك جمعا بين هذا الخبر وبين قوله عليه‌السلام : «إنّي تارك فيكم الثقلين : الأكبر كتاب الله وعترتي» لأنّهما يخالفان العترة في كثير من الأحكام ولا يمكن الاقتداء بهما وبالعترة معا.

الخامس : أنّه لو كان صحيحا لاحتجّ به أبو بكر يوم السقيفة واحتجّ به على طلحة حين قال له : ولّيت علينا فظّا غليظا ، ولما خالفهما غيرهما في كثير من الأحكام.

السادس : أنّ الأمر بالاقتداء بهما لو كان موجبا لخلافتهما لكان أصحابه كلّهم أئمّة ، واللازم باطل إجماعا فكذا الملزوم.

وبيان الملازمة قوله عليه‌السلام : «أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم».

وعن الثانية بأنّ أنسا منهم وانحرافه عن علي عليه‌السلام معلوم وردّه يوم الطائر عن الدخول على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وعن الثالثة أنّه إذا لم تجديني فأتي أبا بكر لقضاء حاجتك ، ولفظة «بعد الموت» دسّها الراوي لينال بها مطلوبه.

وعن الرابعة أنّ الإخبار بالخلافة لا يستلزم أن تكون خلافتهم حقّة ؛ لأنّ الإخبار

__________________

(١) بتغلّبهما ـ خ : (د).

(٢) الطلاق ٦٥ : ١.

٣٥٥

لم يقع إلّا عن مطلق الخلافة بعد الموت أعمّ من كونها حقّا أو باطلا ، والعام لا دلالة له على الخاص ، أو يكون المراد استمرار الخلافة لشخص واحد ثلاثين سنة وهو علي عليه‌السلام.

ويؤيّده أنّ خليفة الرجل في الحقيقة من استخلفه لا من تغلّب ، ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يستخلف إلّا عليا عليه‌السلام ، فإن استدلّوا على استخلافه لغيره بهذا الخبر كان مصادرة. هذا كلّه مع تسليم الخبر وأنّه صحيح ، ولكن نحن من وراء المنع (١).

وعن الخامسة بما أجبنا به أوّلا عن الرابعة.

الخامس : قالوا : إنّ الأمّة أجمعت على إمامة أحد الأشخاص الثلاثة ، وهم عليّعليه‌السلام والعباس وأبو بكر ، وبطل القول بإمامة الأوّلين فتعيّن الثالث ، أمّا الإجماع فمشهور مذكور في السير والتواريخ ، وأمّا بطلان القول بإمامتهما ؛ فلأنّه لو كان الحقّ لأحدهما لنازع أبا بكر وناظره ولم يرض بخلافته ، كما نازع أبو بكر الأنصار حين قالوا : منّا أمير ومنكم أمير ، لأنّ الرضا بالظلم ظلم ، لكن كل واحد منهما لم ينازع ولا ناظر بل رضيا بإمامته وبايعاه ، فتعيّن أنّ الحقّ معه ولا يمكن أن يقال : ترك علي عليه‌السلام المنازعة كان خوفا وعجزا وتقية ؛ لأنّه كان في غاية الشجاعة وأكثر صناديد قريش كانوا معه كالحسن والحسين والعباس وغيرهم ، وأبو بكر كان شيخا ضعيفا لا مال له ولا أعوان ، فدلّ على أن ترك منازعتهم كان اعترافا بتقدّمه وكثرة فضائله.

والجواب أمّا شكاية علي عليه‌السلام بسبب أخذ حقّه منه فلا يمكن لعاقل وقف على السير والأخبار دفعها (٢) ، وأنّ الأحاديث بذلك وإن لم تبلغ كل واحد منها حدّ التواتر ، لكنّها تشترك في المعنى الواحد المنقول تواترا ، وأمّا المنازعة والمحاربة فلا شكّ بأنّها لم تقع منه حال عقد البيعة ؛ لأنّه حينئذ كان مشغولا بأمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مغموما لفقده فلا يحسن منه

__________________

(١) فإنّ الخبر غير صحيح وخبر واحد لا دليل على حجيّته في المقام.

(٢) دفع ذلك ـ خ : (آ) خ ل ـ خ : (د).

٣٥٦

ترك النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بلا كفن ودفن (١) لطلب (٢) الخلافة كما فعلوا ، ولا بعد عقد البيعة خوفا وحذرا من ثوران الفتنة حين عدم استقرار الدين وقرب العهد بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مع كثرة الأعداء والمنافقين.

وقولكم : إنّ أكثر صناديد قريش كانوا معه حتّى أنّه اجتمع عنده قريبا من سبعمائة من أكابر الصحابة لا يرد علينا. أمّا أوّلا ؛ فلأنّهم لم يبلغوا كثرة تقاوم من بايع أبا بكر من المنافقين وضعفاء الإسلام والأحلام. وأمّا ثانيا ؛ فلأنّ ذلك أدحض لحجّة الخصم ، لأنّه إذا كان معه أكثر الصحابة وأعظمهم كان على الحقّ في دعواه وفي تأخّره عن بيعة أبي بكر ، حتّى أخرج مشبوقا بحمائل سيفه وإلّا لكان أكابر الصحابة ومجتهدوهم على الخطإ والعوام على الصواب ، وذلك باطل.

الثالث : في الطعن على أئمّتهم وهي أقسام :

الأوّل : أبو بكر ، وقد طعن عليه بأمور :

الأوّل : أنّه خالف كتاب الله تعالى في منع إرث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بخبر رواه ، وهو قوله: «نحن معاشر الأنبياء لا نورّث ما تركناه فهو صدقة» فهذا صريح في تكذيب الكتاب العزيز في قوله تعالى : (وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ) (٣) وفي قصة زكريّا : (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي) (٤) وذلك دليل على كذب روايته لقوله : عليه‌السلام : «إذا جاءكم عنّي حديث فاعرضوه على كتاب الله ، فإن وافق فخذوه وإن خالف فاضربوا به عرض الحائط».

وحمل الآية على وراثة العلم والنبوّة باطل. أمّا أوّلا ؛ فلأنّه حقيقة في إرث المال لغة وشرعا ، فإطلاقه على غيره يكون مجازا لا يصار إليه إلّا بالقرينة وليس ، وأمّا ثانيا ؛ فلأنّه لو أراد وراثة العلم لكان قوله : (وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا) (٥) لغوا ، إذ مع وراثة العلم

__________________

(١) وقبر ـ خ ل ـ خ : (آ) ـ خ : (د).

(٢) يطلب ـ خ : (آ).

(٣) النمل ٢٧ : ١٦.

(٤) مريم ١٩ : ٥ ، ٦.

(٥) مريم ١٩ : ٦.

٣٥٧

والنبوة يكون رضيّا ولم يحتجّ إلى سؤاله ، إذ لا يقال : اللهمّ ابعث لنا نبيّا (١) واجعله عاقلا.

الثاني : أنّ فاطمة عليها‌السلام كان قد نحلها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله «أبوها» فدكا لمّا نزل قوله : (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ) (٢) كما رواه أبو سعيد الخدري وجماعة ، فلمّا توفّي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أخذها ، فطلبتها وادّعت النحلة فلم يصدّقها ، وقد شهد لها عليّ عليه‌السلام وأمّ أيمن ، فلمّا آيست من ذلك ادّعت الإرث فروى لها الخبر الأوّل (٣) فقد ارتكب هنا مناكير :

الأوّل : تكذيبه لفاطمة عليها‌السلام مع دلالة القرآن على عصمتها (٤).

الثاني : إيذاؤه إيّاها بردّ دعواها حتّى ماتت ساخطة عليه وعلى صاحبه ، وأوصت أن لا يصلّي عليها أبو بكر ولا عمر ودفنت ليلا ، مع قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله (٥) : «فاطمة بضعة منّي يؤذيني ما يؤذيها ، من آذى فاطمة فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله» وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) (٦).

الثالث : ردّ شهادة عليّ عليه‌السلام مع دلالة القرآن على عصمته.

الرابع : أنّه صدّق أزواج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في ادّعاء الحجرة لهنّ ، فأمّا من جهة الإرث فقد ناقض قوله : «نحن معاشر الأنبياء لا نورّث» أو من جهة التمليك فقد قبل قولهن من غير بيّنة وفاطمة عليها‌السلام كانت أولى بذلك (٧).

__________________

(١) ملكا ـ خ : (آ) والأرجح ما أثبتناه من ـ خ : (د) فإنّ على نسخة (آ) الدعاء صحيح فإنّ أكثر (...) من السفهاء.

(٢) الإسراء ١٧ : ٢٦ ؛ الروم ٣٠ : ٣٨.

(٣) وهو قوله : نحن معاشر الأنبياء إلخ.

(٤) في آية التطهير وغيرها.

(٥) مع أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ـ خ : (آ).

(٦) الأحزاب ٣٣ : ٥٧. وأمّا قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : فاطمة بضعة الخ ... فراجع كتب الحديث المعتبرة للفريقين.

(٧) وقد استدلّ بعضهم بآية : (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ) من نسبة البيوت إليهنّ على أنّ البيوت كانت ملكا لأزواج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لإضافة البيوت إليهنّ ، وبعض مفسّريهم مال إلى الاستدلال بها على أنّ عائشة كانت مالكة لحجرتها وقال : إنّ إضافة البيوت إليهنّ يشير إلى التمليك ، وبعض جهّالهم ظنّ أنّ البيت لعائشة بإضافته إليها في المحاورات.

٣٥٨

الثالث : أنّ عليّا عليه‌السلام وجماعة لمّا امتنعوا من البيعة والتجئوا إلى بيت فاطمة عليها‌السلام منكرين ببيعته ، بعث إليها عمر حتّى ضربها على بطنها وأسقطت سقطا اسمه محسن ، وأضرم النار ليحرق عليهم البيت وفيه فاطمة عليها‌السلام وجماعة من بني هاشم ، فأخرجوا عليّاعليه‌السلام قهرا بحمائل سيفه يقاد.

لا يقال : هذا الخبر يختصّ الشيعة بروايته ، فيجوز أن يكون موضوعا للتشنيع به عليه.

لأنّا نقول : ورد أيضا من طريق الخصم ، رواه البلاذري وابن عبد البرّ وغيرهما (١) ويؤيّده قوله عند موته : ليتني تركت بيت فاطمة لم أكشفه.

الرابع : أنّه روى يوم السقيفة الأئمة من قريش ، ثمّ إنّه عند موته قال : ليتني سألت

__________________

ـ ويردّه أنه من باب قوله تعالى : (إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) أضاف البيوت إليهن لاختصاصهن بسكناها ؛ لأنّ الإضافة تكفي فيها أدنى ملابسة ، والمراد من البيوت هو بيوت الأزواج وأضيفت إلى الزوجات بملابسة السكنى ، فإنّها لو كان ملكا لهن لما جاز إخراجهنّ عند الفاحشة ، وقد أباح الله تعالى إخراجهن عند إتيانهن بالفاحشة بقوله تعالى : (إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ).

فكذا الحال في إضافة البيت إلى عائشة في المحاورات. وأضف إلى ما ذكرنا أنّ قوله تعالى : (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ) معارض بقوله تعالى : (لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ) في الاستعمال الحقيقي أو المجازي ، وهي صريحة في نسبة البيوت إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وظاهرة في ملكه لها ؛ إذ شأن الرجال ملك مساكنهم كما هو الغالب ، بخلاف النساء ولا سيما ذوات الأزواج ، ومجرد إضافة البيوت إليهنّ لا تستلزم الانتقال إليهن كما هو واضح ، فظهر أنّ النسبة في قوله تعالى : (وَقَرْنَ ...) وقوله تعالى : (مِنْ بُيُوتِهِنَّ ...) مجازية وأمّا في قوله تعالى : (بُيُوتَ النَّبِيِّ) حقيقة ، مضافا إلى ما يستفاد من الأحاديث المروية في كتب أهل السنة : أنّ البيوت كانت ملكا للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله. فقد روى الطبري في تاريخه : أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : إذا غسّلتموني كفنتموني فضعوني على سريري في بيتي هذا على شفير قبري». انظر ، ج ٢ ، ص ٤٣٥ طبعة مصر سنة ١٣٥٧ ، ونظير هذا الخبر كثير في كتبهم وصحاحهم ، فراجع.

(١) انظر تاريخ الطبري ، ج ٣ ، ص ٢٠٢ طبعة دائرة المعارف ؛ الإمامة والسياسة لابن قتيبة ج ١ ، ص ١٢ ؛ شرح النهج لابن أبي الحديد ج ١ ، ص ١٣٤ ؛ أعلام النساء ج ٣ ، ص ١٢٠٥ ؛ الإمام علي عبد الفتاح ج ١ ، ص ٢٢٥ ، العقد الفريد ج ٤ ، ص ٢٥٩ طبعة مصر سنة ١٣٦٣ ؛ تلخيص الشافي للشيخ (ره) نقلا عن البلاذري ج ٣ ، ص ٧٦ طبعة النجف وص ١٥٦.

٣٥٩

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هل للأنصار في هذا الأمر حقّ؟ وبين القولين تناقض ، وكذا قوله : ليتني في ظلّة بني ساعدة ضربت على يد أحد الرجلين فكان هو الأمير وكنت الوزير وهذا يدلّ على شكّه في كونه محقّا في خلافته وتقدّمه وتندّمه على دخوله فيها.

الخامس : أنّه خالف الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله في أمور.

الأوّل : أنّه تخلّف عن جيش أسامة مع أمره عليه (١) بقوله : «نفذوا جيش أسامة» يكرّر ذلك ، وكان أبو بكر وصاحباه من جملة الجيش كما ذكره أصحاب السير وذكره البلاذري ، والأمر للوجوب ـ كما تقرّر في أصول الفقه ـ وانضمّت إليه قرائن تدلّ على الفور فيكون المخالف عاصيا ، هذا مع أنّهم علموا أنّ القصد في إنفاذهم توطئة الأمر لعليعليه‌السلام.

الثاني : أنّه استخلف عمر بعد موته ، وعندهم أنّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله مات ولم يستخلف ، فقد خالفه.

الثالث : أنّه ولى عمر والحال أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يولّه إلّا في خيبر ورجع منهزما ، وولّاه مرّة أخرى في جباية الصدقة فشكاه العبّاس ، فعزله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

السادس : أنّه قال «أقيلوني فلست بخيركم وعليّ فيكم» فإن كانت الخلافة له بحقّ فاستقالته معصية ، وإن لم تكن بحق فذلك أعظم لما سمع أنّه قال : «إن أسقمت فأعينوني وإن اعوججت فقوّموني إنّ لي شيطانا يعتريني».

السابع : أنّ عمر صاحبه يشهد أنّ بيعته «كانت فلتة وقي الله المسلمين شرّها فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه» والفلتة في اللغة : الزلّة والبغتة. والمراد (٢) هو الأوّل لقوله : «وقي الله المسلمين شرّها» ولذلك قال عمر : «والهفاه على ضئيل (٣) بني تيم بن مرّة لقد تقدّمني ظالما وخرج إليّ منها آثما (٤)».

__________________

(١) مع علمه بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ـ خ : (آ).

(٢) ومراده ـ خ : (آ).

(٣) ضهيل ـ خ : (د).

(٤) فقال له المغيرة : هذا تقدّمك ظالما قد عرفناه فكيف خرج إليك منها آثما؟ قال : ذلك إنّه لم يخرج إليّ منها ـ

٣٦٠