اللوامع الإلهيّة في المباحث الكلاميّة

جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلّي

اللوامع الإلهيّة في المباحث الكلاميّة

المؤلف:

جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلّي


المحقق: السيد محمد علي القاضي الطباطبائي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ٢
ISBN: 964-424-883-X
الصفحات: ٦٨٧

والرابع : قولنا : كيف الإمام ، ويبحث فيه عمّا ينبغي أن يكون عليه من الصفات.

والخامس : قولنا : من الإمام وهو الذي يبحث فيه عن تعينه (١) في كلّ زمان.

الفصل الثاني : في حكاية الخلاف في هذه المطالب ، ليوقف عليه من قبل تحقيق الحقّ وتزهيق الباطل ، فنقول :

أمّا المطلب الأوّل : فليس فيه خلاف ليحكى.

وأمّا الثاني : فقال النجدات (٢) بعدم وجوبها مطلقا ، وقال الأصم وبعض الخوارج بوجوبها في حال الاختلاف أو استيلاء الظلمة وعدم التناصف ، وهشام الفوطى عكس ، وقال أكثر الناس بوجوبها مطلقا ، ثمّ اختلفوا فقال أكثر الجمهور بوجوبها سمعا ، وهم الأشاعرة وأصحاب الحديث والجبائيان ، وقال جماعة من المعتزلة والشيعة بوجوبها عقلا ثمّ اختلفوا (٣) فقال أبو الحسين والبلخي والبغداديون : إنّها تجب على الخلق ، وقالت الإمامية والإسماعيلية بعدمه (٤) ثمّ اختلفوا فقالت الإسماعيلية : تجب من الله ، وقال الإمامية : على الله من حيث الحكمة.

وأمّا الثالث : فاعلم أنّ أصحاب الوجوب السمعي لم يعلّلوه بعلّة ظاهرة غير ما قال أصحاب الوجوب العقلي ، والموجبون على الخلق علّلوه بدفع الضرر عن أنفسهم ، والموجبون على الله اختلفوا فقال الإمامية : علّتها كونها لطفا مقرّبا إلى الطاعة ، وقالت الإسماعيلية : علّة نصب الإمام لإفادة المعارف الحقّة ، فإنّ النظر بدونه غير مفيد علما ولا نجاة ، ولهذا من جملة ألقابهم : التعليميون.

وأمّا الرابع : فاختلفوا في مقامين :

الأوّل : في صفاته فقالت الحشوية : يجوز عقدها لمن استقلّ بالرئاسة ولو كان عبدا

__________________

(١) تعيينه ـ خ : (آ).

(٢) من الخوارج أصحاب نجدة بن عامر الحنفي ـ راجع كتب الملل والنحل.

(٣) من قوله : وهم الأشاعرة ـ إلى قوله ـ ثمّ اختلفوا ـ ساقط من ـ خ : (د).

(٤) وأكثر الشيعة أنّها يجب على الله ثمّ اختلفوا ... ـ خ : (د).

٣٢١

أو فاسقا متغلّبا أو بويع له ثمّ تاب (١) وقالت الخوارج وبعض المعتزلة : هي جائزة في كلّ صنف بشرط الفضل والقيام بها وإن لم يكن قرشيّا ، وقال المحقّقون من الجمهور : يجب أن يكون مكلّفا ذكرا حرّا عدلا قرشيّا لا غير. وهل يجب أن يكون ذا رأي في تدبير الحرب وأن يكون شجاعا ومجتهدا في أصول الدين وفروعه؟ فقال جماعة : لا يجب بل يكفي أن يثبت من (٢) دون هذه الصفات.

وقالت الزيدية : يجب أن يكون فاطميا عالما زاهدا شجاعا داعيا إلى نفسه ، وبعضهم لم يشترط كونه فاطميا بل يكفي كونه ولو علويا. واشترط الجارودية خاصّة كونه أفضل أهل زمانه ولم يشترطه غيرهم ، بل جوز السليمانية والصالحية (٣) إمامة

__________________

(١) مقتضى هذا الكلام أنّه ولو كانت توبته من الكفر ـ فينبغي أن يقال : إنّ ما ذكره الحشوية من صفات الإمام إنّما هي صفات الملوك الجبابرة الغاشمة الذين لا اهتمام لهم إلّا برئاسة الدنيا فقط ، وأمّا الإمام الذي له رئاسة الدين والدنيا خلافة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فهي ليست من صفاته ، فإنّ الملوك هم الذين يستقلون بالرئاسة مع أنواع الفسق والفجور والتغلّب والتسلّط ولو بالقهر والغلبة وارتكاب القتل بغير حقّ وأنواع الجنايات الفجيعة التي يرتكبونها ولو بقتل أعزّ أولادهم ، فإنّ «الملك عندهم عقيم» فانظر إلى التواريخ ، واقرأ ما ضبطه التاريخ من جناياتهم على الدين والدنيا وارتكابهم أنواع الفجائع والموبقات ، وقد سوّدوا بأعمالهم الشنيعة وجه تاريخ البشرية بجهة النيل إلى الرئاسة الظالمة.

(٢) بل يكفي من ثبت فيه هذه الصفات ـ خ : ـ (آ).

(٣) إنّا آثرنا على أنفسنا أن لا نشرح في تعاليقنا على الكتاب أحوال الفرق التي أشار المصنّف (ره) إليها في هذا المقام وغيره ؛ خوفا من إطالة الكلام في التعليقات مع عدم كثير فائدة في ذلك ، فإنّ أحوال الفرق مذكورة في الكتب المتداولة في بيان الفرق والملل والنحل ، وتلك الكتب سهلة التناول لمن يريد الرجوع إليها ، ولكن غير خفيّ على الخبير أنّ الكتب المؤلّفة في بيان عقائد الفرق لا ينبغي الركون إليها والاعتماد عليها في كلّ ما اشتمل عليه من نسبة الآراء والعقائد المنسوبة إلى الفرق فيها ، فإنّها مؤلّفه على نزعة التعصّب البغيض من دون استناد إلى مصدر وثيق كما هو ظاهر لمن راجع تلك الكتب ، ككتاب الفرق بين الفرق للبغدادي والملل والنحل للشهرستاني المتعصّب العنيد كما صرّح به الإمام الرازي في المناظرات وكما ذكرنا في تعاليقنا على كتاب أنيس الموحّدين بالفارسية ـ انظر ص ٩٨ ـ ٩٩ وفي تعاليقنا على الأنوار النعمانية ، ج ١ ، ص ٢٩ تبريز وراجع المجلد الأوّل من الموسوعة الكبيرة أعيان الشيعة. وقال المحقّق الأكبر الخواجة نصير الدين الطوسي (ره) في نقد المحصّل حيث نقل الإمام الرازي في المحصّل آراء مختلقة بل مختلفة منسوبة إلى فرق الشيعة ما هذا لفظه الشريف : أقول : هذه اختلافات رويت عن الشيعة القائلين بإمامة علي عليه‌السلام ، وأكثرها ممّا لم يوجد له أثر غير المكتوب في كتب غير معتمد عليها. انظر إلى كلام هذا ـ

٣٢٢

المفضول مع وجود الأفضل ، وجوّزوا أيضا انعقاد الإمامة بالبيعة ولو من اثنين من خيار الأمة.

وقالت الإسماعيلية : يشترط عصمته (١) على معنى أنّ فعله لا يوصف بالخطإ.

وقال أصحابنا الإمامية : يجب أن يكون الإمام معصوما في نفس الأمر وأفضل أهل زمانه في سائر الكمالات ، وكذا سائر الصفات المذكورة في النبوة.

الثاني : في طريق تعيينه ، واتّفقوا على أنّه إذا حصل نصّ من الله ورسوله أو إمام سابق كان كافيا في تعيينه ، واختلفوا في حصوله بغير ذلك ، فقالت الراوندية : يحصل بالإرث ، وقال محققو الجمهور : إذا بايعت الأمة مستعدّا للإمامة واستولى هو بشوكته على خطط الإسلام تعيّنت إمامته.

وقال أصحابنا الإمامية والكيسانية : لا بدّ من النصّ. والزيدية والجارودية اكتفوا بالنصّ الخفي أو القيام والدعوة ، وأصحابنا أوجبوا النصّ الجلي.

وأمّا الخامس : فقال الراوندية : إنّ الإمام بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هو العباس بن عبد المطلب بالإرث ، وهؤلاء انقرضوا.

قال الجمهور : هو أبو بكر بالإجماع ، ثمّ عمر بنصّ أبي بكر عليه ، ثمّ عثمان بنصّ عمر على جماعة أجمعوا على خلافته ، ثمّ علي عليه‌السلام بإجماع المعتبرين من الصحابة ، وهؤلاء هم الخلفاء الراشدون ، ثمّ وقعت منازعة بين الحسن عليه‌السلام وبين معاوية ، وصالحه الحسنعليه‌السلام واستقرّت الخلافة عليه ثمّ على من بعده من بني أمية وبني مروان حتّى انتقلت إلى بني عبّاس ، وأجمع أكثر أهل الحلّ والعقد عليهم وانساقت الخلافة فيهم إلى عهدنا هذا الذي جرى فيه ما جرى.

وقالت الزيدية : إنّه عليّ عليه‌السلام بالنصّ الخفي وذكر فضائله ، ثمّ من بعده الحسنانعليهما‌السلام ، ولم يوجبوا فيهما القيام والدعوة ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : هما إمامان قاما أو قعدا ،

__________________

ـ الفيلسوف الحكيم الأكبر قدّس الله روحه في ـ ص ١٧٨ طبعة مصر سنة ١٣٢٣.

(١) وقالت الإسماعيلية : يشترط عصمته ـ خ : (آ) ساقط من ـ خ : (د).

٣٢٣

ويجوز خلوّ الزمان عن إمام عند بعضهم ، وكذا جوّزوا قيام إمامين في بقعتين متباعدتين ولم يقولوا بإمامة زين العابدين عليه‌السلام ؛ لأنّه لم يشهر سيفه في الدعوة إلى الله ، وقالوا بإمامة ابنه زيد ، لقيامه وشهره سيفه وبه لقّبوا ، لمفارقتهم سائر الشيعة بإمامته ، ولقّبوا باقي الشيعة بالرافضة لرفضهم زيدا ، وقالوا بعد زيد بمن اجتمعت فيه الشرائط من العترة إلى زماننا هذا ، وسيأتي البحث معهم.

وقالت الكيسانية بإمامة محمّد بن الحنفية بعد أخيه الحسين عليه‌السلام ، وقالوا : إنّه المنتظر، أي المهدي الذي يملأ الأرض عدلا ، وهو الآن مستتر في جبل رضوى (١) بقرب المدينة ، وبعضهم قدّمه على عليّ بن الحسين عليه‌السلام وبعضهم ساق الإمامة إلى ابنه هاشم ثمّ إلى غيره ، ولهم فرق والآن هم منقرضون.

وقالت الإسماعيلية : الإمام في عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هو عليّ عليه‌السلام ، وبعده ابنه الحسن عليه‌السلام إماما مستودعا ، وبعده الحسين عليه‌السلام إماما مستقرا ، ولذلك لم تذهب الإمامة من ذرّية الحسين عليه‌السلام ثمّ ابنه عليّ بن الحسين زين العابدين عليه‌السلام ثمّ ابنه محمد الباقر عليه‌السلام ثمّ ابنه جعفر الصادق عليه‌السلام ، ثمّ انتقلت إلى اسماعيل وهو السابع ، ولقّبوا بالاسماعيلية لقولهم بإمامته ، وبالسبعية لأنّهم وقفوا على الأئمّة السبعة ، والباطنية لقولهم : كلّ ظاهر له باطن ، والملاحدة لعدولهم عن ظاهر الشريعة إلى باطنها ، وقالوا : إنّ الأئمة في عهد محمد بن إسماعيل صاروا مستورين ، ثمّ ظهر المهدي في بلاد المغرب وادّعى أنّه من أولاد إسماعيل واتّصل أولاده ابنا بعد ابن إلى المنتصر ، واختلفوا بعده فقال بعضهم بإمامة نزار ابنه ، وبعضهم بإمامة المستعلي بالله ، وبعد نزار استتر أئمة النزاريين واتّصلت بإمامة المستعلويين إلى أن انقطعت في العاضد ، وكان الحسن بن محمد بن علي الصباح المستعلي على قلعة الموت من دعاة النزاريين ، ثمّ ادّعوا بعده أنّ الحسن الملقّب بعلي ذكره السّلام [لكن (٢) من حيث الرئاسة الدنيوية لا الدينية ولطفيّته بالاعتبار

__________________

(١) هنا تعليق يأتي في آخر الكتاب.

(٢) من قوله : لكن من حيث ... ـ إلى قوله ـ : لكن نقول ـ من ـ خ : (د) والظاهر أنّه لا ربط لهذه الجملات المذكورة ما بين القوسين على المطلب في هذا المقام ويأتي من ـ خ : (آ) وجود هذه الجملات عند بيان قاعدة ـ

٣٢٤

الثاني ، سلّمنا لكن لم لا يستغني عن الدينية بالعلماء ، وعن الدنيوية بالملوك؟ سلّمنا لكن نقول] كان إماما ظاهرا من أولاد نزار واتّصل أولاده إلى أن انقرضوا.

وقال أصحابنا الإمامية : إنّه عليّ عليه‌السلام بلا فصل للنصّ الجليّ والخفيّ ، واجتماع الشرائط التي هي العصمة ، والأفضلية فيه وفي من بعده وهم ولده الحسن ثمّ الحسين ثمّ علي بن الحسين زين العابدين ثمّ ابنه محمد الباقر ثمّ ابنه جعفر الصادق ثمّ ابنه موسى الكاظم ثمّ ابنه علي الرضا ثمّ ابنه محمد الجواد ثمّ ابنه علي الهادي ثمّ ابنه الحسن العسكري ثمّ ابنه محمد المهدي القائم المنتظر (عج) صلوات الله عليهم ، وهو حيّ باق موجود يظهر ويملأ الدنيا عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا ، عجّل الله فرجه ، وهو الثاني عشر ، وإنّه يجب الإقرار بكلّ واحد منهم في كلّ زمان ، ومن جحد واحدا منهم لم يكن مؤمنا بالله تعالى ؛ لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا علي أنت والأئمّة من بعدك ، من أنكر واحدا منكم فقد أنكرني» (١) ولقّبوا بالاثني عشرية لذلك ، وبالإمامية لقولهم بوجوب الإمامة مطلقا في كلّ زمان ، وتنسب إليهم اختلافات شاذّة لا حقيقة لها في تعيين أئمّتهم وانقرض القائلون بها إن كانت (٢) قد وقعت ، وذلك كاف في فسادها.

المقصد الثاني : في الاستدلال على حقّية مذهب الإمامية

وفيه أبحاث :

[البحث] الأوّل : نصب الإمام واجب عقلا على الله تعالى ؛ لأنّه لطف وكلّ لطف

__________________

ـ اللطف في الاستدلال على حقّية مذهب الإمامية في بيان الاعتراض على صغرى القاعدة ، انظر إلى المقصد الثاني كما يأتي.

(١) الصراط المستقيم ، ج ٢ ، ص ١٢٤ وص ١٢٧ طبعة طهران.

(٢) وقد نحت ارباب كتب الملل والنحل فرقا كثيرة ونسبوها إلى الشيعة كذبا واختلاقا لا حقيقة لها ، وقد كتبنا علّة هذا العمل في تعاليقنا على كتاب أنيس الموحّدين للعلامة النراقي (ره) ، وكتبنا مقالا ضافيا في هذا الموضوع نشرناه في بعض أجزاء مجلة العرفان الصادرة عن صيدا ـ لبنان ، فراجع ، وانظر إلى المجلد الأول من الموسوعة الكبيرة أعيان الشيعة للسيد الأجلّ الأمين العاملي قدس‌سره.

٣٢٥

واجب عليه تعالى ، أمّا الصغرى فمعلوم بالضرورة التجربية أنّ الناس مع وجود الرئيس المطاع الآمر بالطاعة الباعث عليها الناهي عن المعصية الزاجر عنها ، يكونون إلى الصلاح أقرب ومن الفساد أبعد ومع عدمه يكون العكس فيكون لطفا ، وأمّا الكبرى فقد تقدّم بيانها.

اعترض على الصغرى بأنّ وجه الوجوب غير كاف ما لم تنتف المفاسد ، فلم (١) قلت بانتفائها؟ سلّمنا ، لكن اللطف قد يتعيّن كالمعرفة وقد لا كالوعظ (٢). فلم قلت : إنّه من القسم الأوّل (٣)؟ سلّمنا أنّه منه ، لكن (٤) من حيث الرئاسة الدنيوية لا الدينية ولطفيته بالاعتبار الثاني ، لكن لم لا تستغني عن الدينية بالعلماء وعن الدنيوية بالملوك؟ سلّمنا ، لكن ما تقول : في من هو في أطراف المعمورة بحيث لا يصل إليه خبره ، فإنّه كيف ينتفع باللطف ، سلّمنا لكن يكون ذلك كذلك مع ظهوره وانبساط يده لا مطلقا ولو في غيبته ، ومرادكم الثاني.

والجواب عن الأوّل بأنّ المفاسد لو كانت لعلمناها ؛ لأنّا مكلّفون باجتنابها. إن قلت: بل هي واقعة معلومة كالفتن الواقعة عند نصب بعض الرؤساء ، سلّمنا ، لكن إنّما يتمّ هذا الجواب على مذهب أبي الحسين لا على مذهبكم ؛ لأنّكم أوجبتموها على الله.

قلت الجواب عن الأوّل : إنّه إن اتّفق فهو أقلّ نادر لا يخرج المصلحي الأكثري عن كونه مصلحيا (٥) ، كما لا يخرج خلق النار المشتمل على مصلحة العالم عن ذلك بإحراق ثوب العجوز ؛ لأنّ ترك الخير الكثير لأجل الشرّ القليل شر كثير ، هذا مع أنّه لازم

__________________

(١) فلم لا قلت ـ خ : (د).

(٢) إذ يكون غيره مقامه مع كون الوعظ لطفا ، فلا تكون متعينة للوجوب كالواحدة من خصال الكفّارة.

(٣) أي من فعل الله تعالى.

(٤) من قوله : لكن من حيث ... ـ إلى قوله : ـ سلّمنا لكن ... ـ من ـ خ : (آ) وهذه الجملات ساقطة من ـ خ :

(د) ومذكورة فيما تقدّم كما أشرنا إليه ، انظر ص ٣٤٦ ـ ٣٤٧ وظاهر أنّها مرتبطة بالمطلب في هذا المقام لا ثمة.

(٥) مصلحا ـ خ : (آ).

٣٢٦

لرئيس معين لا مطلق الرئيس الذي دلّت الضرورة على حصول اللطفية بنصبه.

وعن الثاني : بأنّه وإن لم يكن نصبه منّا ، لكن اعتقاد وجوبه منّا ، فيأتي الجواب أيضا.

وعن الثاني : أنّ التجربة دلّت على التعيين ، كما أشرنا إليه من الملازمة بين نصبه وعدمه وبين الصلاح والفساد ، ولأنّ التجاء العقلاء في سائر الأمصار والأعصار عند الهرج والمرج إلى نصب الرؤساء ، دليل على أنّه لا يدلّ لها وإلّا لالتجئوا إليه وقتا ما.

وعن الثالث : بالمنع من أنّ لطفيته بالاعتبار الثاني بل بهما معا ولا بدل له ؛ لأنّه أقوى في المقصود.

وعن الرابع : بأنّ الدين والملك توأمان لا ينفع أحدهما بدون الآخر ، فاقتضت الحكمة وجودهما في شخص واحد ، وإلّا لزم نقض غرض الحكيم عند انفكاك العالم المجتهد عن السلطان وحضور الواقعة المحتاجة إلى الفتوى والحكم معا في الحال (١).

__________________

(١) وقد أشار الشيخ المصنّف (ره) في هذه الكلمات الموجزة إلى مسألة مهمّة ، وهي عدم فصل الدين الإسلامى المقدّس عن السياسة والحكومة ، وهي من المسائل التي لها أهميتها في الإسلام على ما وضع عليها حجرها الأساسي صاحب الرسالة المقدّسة صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد هجرته إلى المدينة المنورة ، وقد اهتم الغاصبون للخلافة الإسلامية بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله غاية الاهتمام بفصل الدين عن السياسة حبّا وطمعا بالرئاسة مع أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لما ورد إلى المدينة وأسّس الدولة الإسلامية كان الدين والملك توأمان ، وأمّا بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقد اهتمّ المنافقون في فصل الدين عن السياسة بسلب الخلافة الإسلامية عن أهلها ، وقد تقمّصها من هو غير أهل لها ، ومع ذلك لم يكن فصل الدين عن الحكومة إلّا في الرئاسة ، وأمّا في العمل بالقوانين الإسلامية لم يكن فصل بينهما.

ثمّ صارت الخلافة ملكا عضوضا وسلطنة كسروية وقيصرية بيد الشجرة الملعونة بني أمية الملوك الجبابرة الغاشمة باسم الدين والخلافة الدينية ، وانكفأ الإسلام في زمانهم كما يكفأ الإناء بمائه ، ولا تزال هذه السنّة السيئة مستمرة في زمن بني العباس وبعدهم إلى يومنا هذا ، ولكن مع ذلك كلّه كانت السيادة في الحكومة للإسلام حتّى في زمن الأتراك العثمانيين وكما كان كذلك في إيران إلى زمن القاجاريين ، ولكن فصل الدين عن السياسة وهو على خلاف أساس الإسلام ، صار في هذه العصور المتأخّرة بيد الحكومات المسيطرة على البلاد الإسلامية ، بإيعاز من الاستعمار الغربي عمليا بعدم العمل بأحكام الإسلام والقرآن ولا سيما في القوانين الجنائية ، ويهتمّ الاستعمار بوساطة أذنابه في فصل الدين عن السياسة ليتخلّص عن الإسلام ، ويستطيع بالخلاص منه أن يستمر باستغلاله للمسلمين واستثماره بلادهم ، فإنّ من نياتهم الممقوتة الكافرة ـ

٣٢٧

__________________

ـ تحكيم الحكم الكافر في البلاد الإسلامية ، وكلّ ذلك بأيدي أذنابهم الأثيمة وأجرائهم المسيطرة على البلاد الاسلامية بالتظاهر بالدين ، ولكن من نياتهم الفاسدة وأعمالهم الكاسدة محو الدين ومحقه وقلع أساس الدين ونسفه.

ولا بدّ للمسلم المثقّف المتيقّظ الحي أن يعلم أنّ الدين الإسلامي عبارة عن عقيدة إلهية ينبثق عنها نظام كامل للحياة ، فردية واجتماعية ، بين الانسان وربّه وبين الإنسان وجميع ما في الكون والحياة ، وقد عمل الاستعمار الغربي على إشاعة تعريف خاطئ للدين بقوله : إنّ الدين علاقة فردية بين الإنسان وخالقه ، وهذا التعريف جاءنا من الغرب ، ويهتمّ أذناب الاستعمار بإشاعته في أذهان أفراد الأمة لعلّه يتخلّص بعد رسوخه في أفكارهم وأذهانهم من الإسلام ليتمّ له فصل الدين الإسلامي عن الحكم ، ولا تتقيد الحكومات بقوانين الإسلام والقرآن ؛ لأنّ الاسلام يحارب الاستعمار ، ويحرّم الخضوع للكافر ويوجب على المسلمين أن يعيشوا في ظلّ حكم إسلامي ، ويلزمهم الخضوع إليه والمحافظة عليه.

ومن ادّعى فصل الدين عن السياسة فقد خبط في قوله هذا خبط العشواء وتورّط في المهلكة الشوهاء ، وهذا كلام من هو من عمّال الاستعمار الغاشم ومن هو في أفكاره ووجوده متعفن متفرعن ، وإلّا فكيف يجوز للمسلم العارف بدينه أن يتفوّه بهذا الكلام الباطل المقذع ، ولا بدّله أن يعلم أنّ عمل الغربيين على نشر هذه التعاليم الخاطئة بين الأمة الإسلامية ليخدّرونا بها ويبعدونا عن مكافحة استعمارهم وعن الدعوة إلى إقامة حكم إسلامي بإنفاذ قوانينه وأحكامه الشرعية وتقييد الحكومة بالعمل بها ، وتكون أعمالها في حدود الشريعة الإسلامية ، فإنّ معنى فصل الدين عن السياسة الذي يجتهد العدو في إشاعته بين أفراد المسلمين : أن لا تكون الحكومات مقيّدة في قوانينها بقواعد الدين وقوانينه المقدّسة ، ويجتنب المسلمون مكافحة عمل الحكومات بالقوانين الكافرة بإيعاز من أسيادهم الخونة الظلمة. ألا ترى أنّ «مس بل» وهي أكبر جاسوسة إنجليزية عدوّة الإسلام وعدوة المسلمين تقول بصراحة : «إنّ رجال الدين كانوا من أكبر دعاة الثورة في العراق خلال الحرب العالمية الأولى وبعدها ، وهذا ممّا دعا رجال الحكم إلى إنشاء المدارس الحديثة لكي يضعفوا بها الدين في نفوس الجيل الجديد ويقتلعوا بذلك جذور الثورة من أساسها» نقله السيد العلامة المعاصر الكاظمي القزويني ، نزيل البصرة ، دام بقاؤه في كتابه الإسلام وشبهات الاستعمار ، ص ٤٣ طبعة النجف ، عن ترجمة علي الوردي أحد نتائج تلك المدارس في كتابه وعاظ السلاطين ، ص ٣٩٨ ـ ثمّ قال السيد المعاصر بعد نقله : وإنّما عبّرت برجال الدين بدل تعبيرها بعلماء المسلمين ؛ لتوهّم أنّ الرجال قسمان : رجال الدين ، ورجال السياسة ، وأنّه ليس من حقّ الأول أن يتبنّى السياسة ويخوض فيها ، كما ليس من حقّ الأخير أن يتبنّى الدين ويخوض فيه ، فالاستعمار بهذا المنطق الأهوج البالي يريد فصل الإسلام عن السياسة وإبعاد السياسة عن الدين ، ولكن خاب سعيه وطاش سهمه وضلّت مطيته فقد انبرى له علماء المسلمين والمخلصون من أبنائهم فحطّموه وقدعوه فقمعوه وأرجعوا طغيانه إلى نحره وترّهاته إلى نصابها (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ) النحل ـ ١٢٨

٣٢٨

وعن الخامس : بأنّ عدم وصول خبره إليه مستبعد ؛ لوقوع الأسفار للتجارة غالبا ، على أنّا نقول : إنّه ينتقض بالنبوّة ، فجواب المعتزلي عنها جوابنا هنا ، وعلى تسليم الفرض نقول : يجب أن يكون له رئيس ويظهر من الجواب الآتي زيادة هنا.

وعن السادس : بأنّا إذ نختار أنّه لطف مطلقا ، أمّا مع ظهوره فظاهر تمام لطفيته ، وأمّا حال الغيبة فنفس وجوده لطف في حفظ الشريعة وضبطها من الزيادة والنقصان ، وكذا في حقّ أوليائه المعتقدين له في قربهم من الواجبات وبعدهم عن المقبّحات ؛ إذ لا يؤمنون في كلّ وقت من تمكينه وظهوره عليهم ، وحينئذ يكون تمكينه وتصرفه شرطا في تمام لطفيته بل لطف آخر.

وفي الحقيقة اللطفية تمامها بأمور ثلاثة : الأوّل : منه تعالى وهو التمكين والتعيين ، وقد حصل. الثاني : منه عليه‌السلام وهو تحمّل الإمامة وقيامه بأعبائها ، وقد حصل أيضا.

__________________

ـ قلت : كما أنّ الاستعمار عبّر عن العلماء المسلمين العرب برجال الدين ، وقد عبر عن أفراد العلماء المسلمين العجم ب «الروحاني» ويقصد به أنّه ليس لعلماء المسلمين التدخّل في أمور الحكومة والسياسة ، وليس لهم إلزامها بالعمل بالقوانين الإسلامية وصارت هذه الكلمة في التعبير عنهم شائعة بين الإيرانيين وأكثرهم لا يشعرون وجه ذلك ، وجمع من الغافلين يكتبون هذه الكلمة في مقالاتهم ، وفي بياناتهم ، كبعض الخطباء على المنابر.

وليعلم المسلم أنّ هذا الزعم الباطل ـ أعني فصل الدين عن الحكومة ـ قد راج بين المسلمين بيد المنتسبين إلى الإسلام ممّن لم يعرفوه حقّ معرفته ولم يقدروه حقّ قدره ، فتلقّفوا أفكار المستعمرين وأباطيلهم ولم يشعروا أنّه من أضاليلهم وأغاليطهم ، فإنّ السياسة بمعناها اللغوي الصحيح هو من حقّ الإسلام وحده ومن شئون دولتهم الكريمة ، والسياسة بمعنى الأمر والنهي من صميم رسالتهم الكبرى ، وبمعنى الحكم من صميم واقع الإسلام ، وبمعنى التدبير والتأدّب وإدارة أمور المسلمين ، تحكي ناحية مهمّة من نواحي تعاليم الإسلام الرشيدة وتشريعاته الفذّة.

وإن شئت أيّها القارئ الكريم تفصيل هذه الأهداف الشريفة فعليك بالرجوع إلى كتاب الفاضل المعاصر الذي أو عزنا إليه انظر ص ٣٧ ـ ٤٤ وانظر أيضا في هذه المسألة المهمّة إلى ما كتبه العلامة الجليل الشيخ مصطفى صبري شيخ الإسلام في الدولة العثمانية سابقا ـ نزيل القاهرة ـ في كتابه موقف العقل والعلم والعالم من ربّ العالمين ، ج ١ ، ص ١٦٢ ـ ١٦٥ وج ٤ ص ٢٨١ ـ ٢٩٥ وقد حقّق المسألة وأدى حقّها على مذاقه السنّي وصرّح في ذيل صفحة (٢٨٦ ج ٤) أنّ مسألة عدم جواز فصل الدين عن السياسة ترجع إلى مسألة وجوب نصب الإمام المعدودة من المسائل الكلامية ـ فراجع كلماته وطالع تلك المطالب العالية.

٣٢٩

الثالث : منّا وهو الانقياد له والطاعة ، وهذا لم يحصل ، فعدم اللطف التامّ منّا.

[البحث] الثاني (١) : في صفاته ، وهي أنواع : [النوع] الأوّل : العصمة وقد تقدّم تفسيرها ودليل وجوبها من وجوه :

الأوّل : لو لم يكن معصوما لزم التسلسل ، واللازم باطل فكذا الملزوم.

بيان الملازمة : أنّ علّة حاجة المكلّفين إلى نصبه ليس إلّا عدم عصمتهم ، فلو كان غير معصوم لاحتاج إلى إمام معصوم آخر ويتسلسل وينتهي إلى إمام معصوم ، وهو المطلوب.

لا يقال : نمنع احتياجه إلى إمام آخر عند عدم عصمته ، بل ذلك مع عدم مانع آخر من إقدامه أمّا مع وجوده كخوف العزل مثلا فلا ، سلّمنا ، لكن لم لا يكون هو لطفا لكل واحد من الأمة ومجموع الأمة لطفا له ، ولا يلزم الدور لاختلاف جهة التوقف ، سلّمنا ، لكن ينتقض ما ذكرتم بالنائب (٢) البعيد ، فإنّه مشارك للإمام في نفوذ حكمه على غيره وعدم نفوذ حكم غيره عليه ؛ لعدم علم الإمام بالغيب (٣) ، مع أنّه ليس بواجب العصمة.

لانّا نجيب عن الأوّل : أنّ من عرف العوائد عرف أنّ الرعية لا تتمكّن من عزل واحد من الأمراء الظلمة ، فكيف يتمكّنون من عزل حاكم الحكام ، سلّمنا أنّ الخوف مانع لكن

__________________

(١) أي البحث الثاني من المقصد الثاني.

(٢) بالغائب البعيد ـ خ : (آ) أي نائب الإمام ـ هامش ـ خ : (آ).

(٣) وفي عقيدتنا عدم علم الإمام بالغيب إنّما هو بالذات ، فإنّ علم الغيب بالذات منحصر على الله تعالى ، وأمّا مع تعليم الله تعالى الغيب للإمام بواسطة رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله فهو يعلم الغيب ، وهو تعلّم من ذي علم ، وورد الاستثناء في القرآن الكريم : (إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ) والإمام كالنبي في جميع الأوصاف إلّا النبوّة ، بخلاف نائبه فإنّه ليس كالنبي أو الإمام ، فظهر الفرق بين الإمام ونائبه ، فلا بدّ في الإمام من العصمة دون نائبه.

وليعلم أنّ علمه الغيبي الباطني لا يكون متعلّقا للتكليف ، وإنّما تعلّقه بعلمه الظاهري ، الذي يحصل له من الأسباب والعادات الظاهرية كسائر البشر ، نعم إن أراد الإمام في مورد العمل بعلمه الواقعي الباطني نظرا إلى بعض المصالح فلا مانع منه ، ولكنه كما قلناه ليس بمتعلّق التكليف وتفصيل الكلام في محلّه.

٣٣٠

في المعاصي الظاهرة لا مطلقا ، والإمام لطف في المعاصي الظاهرة من حيث عصمة وسياسته وفي الباطنة من حيث عصمته (١) فقط ، فإنّ اعتقاد كلّ واحد عصمة الإمام مطلقا يكون لطفا له في الأمور الباطنة ومرغّبا في إضمار الخير ، إذ لو جوّز إضمار الإمام الشرّ لكان أقرب إلى مثله.

وعن الثاني : بأنّه واحد من الأمة ، فلو جاز كون المجموع لطفا له لجاز في غيره كذلك ، وحينئذ لا حاجة إلى الإمام.

وأيضا مجموع الأمة غيره ليس بمعصوم اتّفاقا ، أمّا عندنا فظاهر ، وأمّا عند الخصم ؛ فلخروج الإمام عن ذلك المجموع ، فيكون المجموع الباقي جائز الخطإ فلا يكون لطفا.

وعن الثالث : بأنّ الفرق حاصل بينهما ، فإنّ النائب غير محكوم عليه في الحال ويتوقّع المؤاخذة في الاستقبال ، والإمام غير محكوم عليه مطلقا.

الثاني : أنّه كلّما وجب أن يكون للشرع حافظ وجب عصمة الإمام ، لكن الملزوم ثابت إجماعا فكذا اللازم.

بيان الملازمة : أنّ الحافظ ليس هو الكتاب ولا السنّة لكونهما غير وافيين بكلّ الأحكام (٢). وأيضا هما حمّالان (٣) للوجوه المختلفة ، وذلك يؤدّي إلى الاختلاف ، ولا الإجماع ؛ لعدم حصوله في الكلّ ، فلأنّه إن لم يشتمل على المعصوم فليس بحافظ ، لجواز الخطإ على كلّ واحد فيجوز على المجموع ، وإن اشتمل فهو الحافظ في الحقيقة وغيره هدر ، ولأنّ (٤) الإجماع حجّة نقلي وإلّا لكان كلّ إجماع حجّة ، فيتوقّف النقل على حافظ فيدور ، ولا القياس ؛ لابتناء شرعنا على تفريق المتماثل وجمع المختلف ،

__________________

(١) قوله : من حيث عصمته وسياسته وفي الباطنة من حيث عصمته خ : (آ).

(٢) يقصد به كلّ تفاصيل الأحكام وجزئياتها المختلفة المتعدّدة ومجموعها ؛ لأنّ لله تعالى في كلّ واقعة حكما ، مضافا إلى الفروعات المتجدّدة والمسائل المستحدثة التي تتجدّد على مرّ القرون والأعوام ووقع الحوادث الواقعة على مضي الشهور والأيام ، فلا بدّ من مبيّن لها ومقرّر لتفاصيلها ، فيتعيّن أن يكون في كلّ عصر إمام معصوم ؛ لأنّ غيره لا يصلح لهذا المقام.

(٣) حالان ـ خ : (آ).

(٤) ولأن كون ... خ : (آ).

٣٣١

ولا البراءة الأصلية وإلّا لارتفعت الأحكام ، فيتعيّن الإمام فيكون معصوما وإلّا لما أمن التغيير والتبديل.

الثالث : لو لم يكن معصوما لجاز عليه الخطأ فلنفرض وقوعه ، وأمّا أن ينكر عليه فيسقط محلّه من القلوب فيضادّ الأمر بطاعته ، وفات الغرض من نصبه ولزم انحطاط درجته عن أقلّ العوام ؛ لكون عقله وعلمه أكمل من غيره ، فلو وقعت المعصية منه لزم أن يكون أقلّ منهم ، واللوازم محالة فكذا الملزوم.

إن قلت : ذلك كلّه لازم من الوقوع والجائز لا يكون واقعا.

قلت : اللطف الباطني لا يتمّ مع الجواز كما تقدّم.

الرابع : غير المعصوم ظالم ، ولا شيء من الظالم بصالح للإمامة ، فغير المعصوم ليس بصالح للإمامة ، وهو المطلوب.

بيان الصغرى : أنّ الظلم وضع الشيء في غير موضعه (١) وغير المعصوم كذلك.

وأمّا الكبرى فلقوله تعالى : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (٢) والمراد عهد الإمامة (٣)

__________________

(١) هنا تعليق يأتي في إضافاتنا من التعليقات على آخر الكتاب إن شاء الله تعالى.

(٢) البقرة ٢ : ١٢٤.

(٣) كما أنّ هذا المراد هو المستفاد من السنة أيضا. ولنا أن نستدل بهذه الآية على أنّ كون الإمامة معينة في عليّعليه‌السلام ؛ لأنّ العصمة لا تثبت لأحد غيره فنقول : ذرية إبراهيم عليه‌السلام انتهت إلى محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وعليّ عليه‌السلام ، بدليل ما رواه كبير علماء أهل السنة الفقيه الحافظ ابن المغازلي الشافعي الواسطي البغدادي المتوفى ٤٨٣ في كتاب المناقب بإسناده إلى عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنا دعوة أبي إبراهيم قلنا : يا رسول الله وكيف صرت دعوة أبيك إبراهيم؟ قال : أوحى الله عزوجل إلى إبراهيم : إنّي جاعلك للناس إماما. فاستخفّ إبراهيم الفرح قال : يا ربّ ومن ذريتي أئمة مثلي فأوحى الله إليه أن يا إبراهيم إنّى لا أعطيك عهدا لا أفي لك به ، قال : يا ربّ ما العهد الذي لا تفي لي به؟ قال : لا أعطيك لظالم من ذريتك. قال إبراهيم عندها :

(وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ) قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : فانتهت الدعوة إليّ وإلى عليّ لم يسجد أحد منّا لصنم قطّ ، فاتّخذني الله نبيا واتّخذ عليا وصيا ـ انظر المناقب ، ص ٢٧٦ ـ ٢٧٧ طبعة طهران سنة ١٣٩٤. أمر بطبعه سيدنا الأستاذ الأعظم المرجع الأكبر السيد النجفي المرعشي أدام الله ظلّه الوارف ، وانتشر هذا السفر الجليل بعد قرون ببركات وجوده المقدس. وكم له من ـ

٣٣٢

لقوله تعالى : (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً)

لا يقال : المراد عهد النبوّة فلا يلزم المطلوب ، سلّمنا لكن لا يناله حال ظلمه لا مطلقا ومرادكم هو الثاني.

لأنّا نجيب عن الأوّل : أنّ الإمامة تطلق على معنيين : عامّ بحيث تشتمل النبوة كما تقدّم ، وخاصّ وهو هذا الباب ، فإن كان المسلوب عهد الأولى وكان سلبا للعام وهو ملزوم لسلب الخاص فيحصل المطلوب ، وإن كان عهد (١) الثانية فالمطلوب حاصل.

وعن الثاني : قد تقرّر في المنطق أنّ صدق عنوان الموضوع لا يشترط أن يكون دائما بل إمّا حال الحكم أو قبله أو بعده فيحصل المطلوب.

النوع الثاني : أن يكون أفضل أهل زمانه في سائر الكمالات وإلّا لكان إمّا مساويا أو مفضولا ، والأوّل ترجيح بلا مرجّح وهو باطل ، والثاني قبيح عقلا ونقلا كما تقدّم فيدخل في هذا وجوب كونه أعلم وأعفّ وأشجع ؛ لرجوع الكمالات النفسانية إلى العلم والعفّة والشجاعة ، التي مجموعها هو العدالة المطلقة ، وكذا يجب تنزيهه عن كلّ ما ينفر عنه من الصفات المذكورة في النبوّة فإنّ الدليل بعينه قائم هنا.

[النوع] الثالث : أن يكون منصوصا عليه ، لوجهين :

الأوّل : كلّ ما وجب كونه معصوما وأفضل وجب كونه منصوصا عليه ، لكن المقدّم حقّ فالتالي مثله ، أمّا حقية المقدّم فقد تقدّمت ، وأمّا بيان الشرطية فلأنّ العصمة أمر خفي لا يطّلع عليها غير علّام الغيوب ، وكذا الأفضلية ؛ لأنّ كثرة الثواب لها مدخل في

__________________

ـ أمثال هذه الخدمات الجليلة التي قلّما يتفق مثلها لأحد من معاصريه. قال المحشّي في ذيل الصفحة المذكورة : أخرجه من طريق مؤلفنا ابن المغازلي في تفسير اللوامع ١ / ٦٢٩ طبعة لاهور ، ورواه الحميدي من حديث ابن مسعود على ما في المناقب المرتضوي ٤١ طبعة بمبئي.

أقول : وأخرجه الشيخ ابن أبي جمهور الأحسائي (ره) في كتابه معين المعين ـ المخطوط الموجود في مكتبتنا ـ عن كتاب المناقب لابن المغازلى.

(١) الإمامة الثانية ـ خ : (د).

٣٣٣

الأفضلية ولا يعلم كثرته إلّا الله ، فيجب نصبه عليه ، وإلّا لكان تكليفنا باتّباعه مع عدم النصّ تكليفا بالمحال.

الثاني : علم من سيرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كونه أشفق على الأمّة من الوالد على الولد ، ويؤيّده قوله تعالى : (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) (١) ولما كان شفقته عليهم في أشياء لا نسبة لها إلى الإمامة كوظائف الاستنجاء وغيرها ، وكان إذا سافر عن المدينة يوما أو يومين يستخلف فيها من يقوم مقامه ، فيلزم من هذه سيرته أن ينصّ لهم على ما هو أعمّ نفعا وأعظم فائدة وأشدّ احتياجا إليه ، وهو نصب إمام (٢) ، وهو المطلوب.

لا يقال : لم لا يجوز أن يكون ترك ذلك اتّكالا على اختيارهم ، وإنّهم لا يختارون إلّا الصالح لها خصوصا على قولكم : إنّ الإمامة واجبة عقلا ، فلكم طريق إلى وجوبها وتعيينها؟.

لأنّا نقول : أمّا مع اشتراط العصمة فظاهر أنّه لا علم لهم بالصالح لها ، وأمّا مع عدم الاشتراط فلأنّ العقل وإن دلّ على وجوب الإمام في الجملة لا يدلّ على إمامة شخص معيّن ، فلا بدّ أن يكون مستفادا من الشرع بوحي إلهي ، وهو المطلوب.

واعلم أنّ النصّ هنا قد يكون قوليا وقد يكون فعليا كخلق المعجز على يده ، فإنّه قد يحتاج إليه في بعض الأوقات ، فيجب أن تكون له آيات ودلالات خارقة للعادة ، وهو المطلوب.

[البحث] الثالث (٣) : في إثبات إمامة علي عليه‌السلام بلا فصل ، ولنا في ذلك مسالك:

[المسلك] الأوّل : من حيث الاستدلال ، وهو من وجوه :

الأوّل : كلّما وجب كون الإمام معصوما وجب أن يكون هو عليّ عليه‌السلام ، لكن المقدم

__________________

(١) التوبة ٩ : ١٢٨. وقال تعالى : (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ) فاطر ـ آية : ٨.

(٢) هنا تعليق يأتي في آخر الكتاب.

(٣) أي البحث الثالث من المقصد الثاني.

٣٣٤

حقّ كما سبق فالتالي مثله.

بيان الشرطية : أنّ القائل قائلان : قائل باشتراط العصمة قال : الإمام (١) علي عليه‌السلام ، وقائل بعدم اشتراطها قال : الإمام (٢) أبو بكر أو العبّاس فلو قلنا بإمامة غيره لكان إمّا قولا بإمامة غير مشترط (٣) العصمة ، وهو باطل بما تقدّم أو قولا باشتراط العصمة في غيره(٤) ، وهو باطل بالاجماع.

الثاني : كلّما وجب كونه أفضل فالإمام علي عليه‌السلام ، والمقدّم حقّ فالتالي مثله ، والتقرير كما سبق.

الثالث : كلّما وجب كونه منصوصا عليه فالإمام هو علي عليه‌السلام ، لكن المقدّم حقّ كما تقدّم فالتالي مثله ، وبيان الشرطية كما تقدّم أيضا (٥).

المسلك الثاني : من حيث النصّ الجليّ ، أي غير المفتقر إلى ضمّ مقدّمة أو مقدّمات ، وهو أحاديث كثيرة كقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله له : «أنت الخليفة بعدي» (٦) وغير ذلك ، وقد بلغت التواتر لفظا (٧) ومعنى ، ولو لا خوف الإطالة لذكرتها مع أسانيدها لكن نذكر نبذا (٨) منها.

الأوّل : ما صحّ لنا رواية عن شيخنا أبي جعفر بن بابويه رحمه‌الله ، بإسناده عن ابن عباس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ الله اطّلع إلى الأرض اطّلاعة فاختارني منها فجعلني نبيّا ، ثمّ اطّلع ثانية فاختار منها عليّا فجعله إماما ، ثمّ أمرني أن اتّخذه أخا ووصيا ووزيرا.

__________________

(١) فالإمام ـ خ : (آ).

(٢) فالإمام ـ خ : (آ).

(٣) مشروط ـ خ : (آ).

(٤) باشتراط عصمة غيره ـ خ : (آ).

(٥) اتفاقا ـ خ : (آ).

(٦) يستفاد ذلك من الروايات الكثيرة المتواترة. انظر إلى كتاب غاية المرام للسيد البحراني (ره) وغيره من كتب الحديث.

(٧) إنكار التواتر اللفظى كما في بعض كتب دراية الحديث تبعا لبعض العامة لا وجه له كما حقّق في محلّه.

(٨) نبذة ـ خ : (آ).

٣٣٥

الثاني : بالإسناد عن عبد الرحمن بن سمرة (١) قال : قلت : يا رسول الله أرشدني إلى النجاة فقال : يا ابن سمرة إذا اختلفت الأهواء وتفرّقت الآراء فعليك بعليّ بن أبي طالبعليه‌السلام فإنّه إمام أمّتي وخليفتي عليهم.

الثالث : بالإسناد عن سلمان الفارسي رضي الله عنه ، قال : دخلت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وإذا الحسين عليه‌السلام على فخذيه ، وهو يقبّل عينيه ويلثم فاه وهو يقول : أنت سيّد وابن سيّد ، أنت إمام ابن إمام أبو الأئمة ، وأنت حجّة ابن حجّة أبو حجج تسعة من صلبك تاسعهم قائمهم» إلى غير ذلك من الأحاديث التي لا تعدّ ولا تحصى كثرة.

لا يقال : نمنع ما ذكرتم وإلّا لنقله غيركم كما نقلتموه لتوفّر الدواعي على نقل مثله.

سلّمنا ، لكن نمنع كونه متواترا وإلّا لأفادنا علما كما أفادكم ؛ لأنّا نجيب عن الأوّل : بأنّه منقوض بفصول الإقامة هل هي مثنّى أو فرادى ، وجهر التسمية وسرّها ، وكمعجزات الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والفرق بين الإقامة والتسمية بكونها من الفروع ومخالفتهما (٢) لا توجب بدعة ولا تكفيرا وبين الإمامة التي هي من الأصول يبدع ويكفر مخالفها ، فلم تتوفّر الداعية على الأوّل فلم ينقل بخلاف الثاني ، وبكون مشاهدي المعجزات قليلين باطل.

أمّا الأوّلان فلأنّهما يقضيان شرعا مكرّرا في كلّ يوم وليلة خمس مرات ، فالداعية متوفّرة ، هذا مع أنّ الداعية إلى عدم نقل النصّ حاصلة له ، كالحسد له عليه‌السلام والمعاندة وغلبة شياطينهم وغير ذلك.

وأمّا المعجزات وقلّة مشاهديها فنقول : في النصّ كذلك ، ولا يخرجه قلّة السامع

__________________

(١) سمرة ـ بفتح السين المهملة وضمّ الميم وفتح الراء المهملة والهاء ـ سمّي به جماعة من الصحابة وغيرهم وفي ـ خ : (آ) ثمرة بالثاء المثلّثة وهو غلط ، وسمرة شجر معروف. وعبد الرحمن من الصحابة عدّه الشيخ (ره) في رجاله من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وسكن البصرة ، وهو فاتح سجستان وغيرها وتوفّي في البصرة سنة ٥٠ ، وقيل سنة ٥١ وإليه تنسب سكّة سمرة بالبصرة ، وكان متواضعا فإذا كان اليوم المطير لبس برنسا وأخذ المسحاة فكنس الطريق. انظر إلى أسد الغابة لابن الأثير.

(٢) ومخالفتها ـ خ : (آ).

٣٣٦

عن التواتر ؛ لجواز بلوغهم حدّ التواتر ، إذ لا يشترط فيه نقل جمهور الناس ولا عدد مخصوص.

وعن الثاني : أنّ شرط التواتر حاصل الآن وهو الكثرة ، وينقلون عمّن قبلهم كذلك وهكذا ، وعدم إفادتكم (١) لمكان الشبهة كاليهود في عدم إفادتهم نقل المعجزات علما أو لوقوع الخلاف في المتواتر هل هو نظري أو ضروري.

المسلك الثالث : من حيث النصّ الخفي ، وهو ما يفتقر إلى ضمّ مقدّمة أو مقدّمات ، وهو أنواع.

الأوّل : قوله تعالى : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) (٢) و «إنّما» للحصر نقلا عن أهل اللغة ، ولأنّ «إنّ» للإثبات و «ما» للنفي ، فإذا ركّبتا وجب بقاء ذلك وإلّا لزم النقل وهو خلاف الأصل ، فإمّا أن يردا على واحد وهو محال ، أو لنفي المذكور وإثبات غيره ، وهو باطل إجماعا ، فتعيّن العكس ، والوليّ هنا الأولى بالتصرّف لغة (٣) وهو شائع ، وعرفا نحو : وليّ العهد ، وشرعا كقوله عليه‌السلام : «أيّما امرأة نكحت بغير إذن وليّها فنكاحها باطل» فيكون حقيقة ، فإن ورد في غيره يكون مجازا وإلّا لزم الاشتراك ، وهو خلاف الأصل ، ولأنّ غير ذلك من معانيه غير صادق (وَالَّذِينَ آمَنُوا) هنا بعض المؤمنين لعود الضمير إلى الكل ؛ لأنّ قبله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ) والضمير لهم فلو كان المراد هنا الكلّ لكان كلّ واحد وليّا لنفسه (٤) ، ولوصفهم بإيتاء الزكاة حال الركوع ، إذ الجملة حالية فيكون مدلول

__________________

(١) افادتهم ـ خ : (آ).

(٢) المائدة ـ : ـ ٥٥ قال العلّامة قدس‌سره في منهاج الكرامة بعد نقل قوله تعالى : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ) وقد أثبت له الولاية في الأمّة كما أثبتها الله تعالى لنفسه ولرسوله ، انتهى. فكما أنّ لله تعالى الولاية التكوينية والتشريعية فكذا للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ولأمير المؤمنين عليه‌السلام غاية الأمر أنّ ولايتهما في طول ولاية الله تعالى وموهوبي من الله ، وولاية الله بالذات يستفاد ذلك من الآية الشريفة ، فإنّه لم يفرّق بين ولاية الله وولاية رسوله وأمير المؤمنين عليه‌السلام وتفصيل المطلب في محلّه.

(٣) لغة وعرفا نحو : ولي العهد ـ خ : (آ).

(٤) خاطب الله تعالى في الآية جميع المؤمنين ودخل في الخطاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وغيره ، ثمّ قال : (وَرَسُولُهُ) فأخرج ـ

٣٣٧

الآية : لا أولى بالتصرّف فيكم إلّا الله ورسوله والذي أتى الزكاة حال ركوعه من المؤمنين ، وذلك الشخص هو علي عليه‌السلام لاتّفاق أكثر المفسّرين عليه ، ولأنّ كلّ من قال : المراد البعض قال : هو علي عليه‌السلام ، ولأنّه داخل في العموم قطعا فيكون هو الإمام ، إذ ليس مرادنا بالإمام إلّا الأولى بالتصرّف وهو المطلوب.

لا يقال : يلزم المجاز في حمل الجمع على الواحد ، والمضارع وهو «يقيمون ويؤتون» على الماضي.

لأنّا نقول : أمّا الأوّل فلازم لكم أيضا ، فإنّ حملها على العموم باطل ، لما قلنا فيكون البعض ، فيكون إطلاق الكلّ على البعض ، لكن مجازيا تسمية المعظم بالجمع وهو كثير. وأمّا الثاني فممنوع ، لجواز أن يراد به الحال فإنّه حقيقة فيه عند الكوفي ومشترك عند البصري.

الثاني : حديث الغدير (١) وهو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ألست أولى بكم منكم بأنفسكم؟ قالوا : بلى يا رسول الله قال : فمن كنت مولاه فعليّ مولاه ، اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله وأدر الحقّ معه كيفما دار. وهو متواتر نقله الجميع فبعض جعله دليل الأفضلية ، وبعض دليل الإمامة وهو الحقّ ، إذ المراد بالمولى هنا :

__________________

ـ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من جملتهم لكونهم منساقين إلى ولايته ثمّ قال : (وَالَّذِينَ آمَنُوا) فوجب أن يكون الذي خوطب بالآية غير الذي جعلت له الولاية وإلّا أدّى إلى أن يكون المضاف هو المضاف إليه بعينه ، وإلى أن يكون كل واحد من المؤمنين وليّ نفسه ، وذلك محال كما ذكره المصنّف (ره).

(١) انظر إلى الموسوعة الكبيرة الغدير ذلك الأثر الخالد النفيس ، وهو من جلائل الكتب المؤلّفة في عصرنا ومن نفائس الآثار المنتشرة في دهرنا ، فيه بيان طرق حديث الغدير ونقل ما فهمه أهل اللسان العربي المبين من لفظ «المولى» من الشعراء والأدباء والعلماء الأكابر منذ عصر النبوّة إلى اليوم ، وفيه إثبات تواتر الحديث الشريف من عصر الرسالة إلى يومنا هذا ، وقد جاد به يراع العلامة الأكبر المتضلّع الأعظم حجّة الحقّ المجاهد في سبيل الله تعالى بقلمه ولسانه وبعلمه وعمله الشيخ عبد الحسين الأميني التبريزي المتولّد بها سنة ١٣٢٠ والمتوفّى سنة ١٣٩٠ بطهران ، والمدفون في النجف الأشرف القاطن بها طيلة حياته الشريفة الثمينة ، وقد انتشر إلى اليوم من هذا الأثر الخالد (١١) مجلّدا ، وكتبت تقريظا ضافيا حول هذا السفر الجليل مطبوع في أوّل المجلد الحادي عشر ، فراجع.

٣٣٨

الأولى بالتصرّف للاستعمال نحو مولى العبد أولى به. ولقوله تعالى : (النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ)(١) أولى بكم ، ولأنّ غيره من معانيها إمّا محال الإرادة كالمعتق والمعتق ، وإمّا ظاهر لا فائدة في إعلامه كابن العمّ والجار والسيد أو الدلالة تدفعه كالناصر ؛ ولأنّ مقدّمة الخبر وهو قوله : «ألست أولى بكم» نصّ فيه (٢) فيكون عليّ عليه‌السلام أولى بنا وهو المطلوب ، ولذلك هنّأه الصحابة بذلك المقام حتّى قال عمر : بخ بخ لك يا عليّ أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة ، وبذلك يبطل حمله على واقعة زيد (٣) وأيضا فإنّ زيدا قتل في مؤتة (٤) سنة ثمان من الهجرة ؛ ولأنّ عليّا عليه‌السلام احتجّ به على الصحابة (٥) ولم يردّوا عليه دلالته على مطلوبه.

الثالث : حديث المنزلة ، وهو قوله عليه‌السلام : «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبي بعدي» وهو أيضا متواتر متفق على نقله (٦) وذكره البخاري ومسلم ، والمراد بالمنزلة جميع المنازل وإلّا لما حسن الاستثناء ، فيكون لعليّ عليه‌السلام جميع منازل هارون إلّا النبوّة ومن جملتها أنّه خليفة له بعد وفاته ، لأنّ هارون لو عاش لكان كذلك لمكان عصمته المقتضية لوجوب تقديمه ، ولأنّه خليفة له حال حياته ؛ لقوله : (اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي) (٧) فعزله حطّ لمرتبته ؛ ولأنّه كان شريكا في الرسالة فيكون شريكا في فرض الطاعة فيكون لعلي عليه‌السلام مثله، وهو المطلوب.

__________________

(١) الحديد ٥٧ : ١٥.

(٢) في حقّه ـ خ : (د) قال فخر الدين الرازي في كتابه الأربعين : قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من كنت مولاه فعليّ مولاه. ولفظ المولى في حقّ محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله لا شكّ أنّه يفيد أنّه كان مخدوما للكلّ وصاحب الأمر فيهم ، وإذا كان الأمر كذلك وجب أن يقال في علي عليه‌السلام : إنّه أيضا مخدوم لكلّ الأمة ونافذ الحكم فيهم ، وهذا يوجب كونه أفضل الخلق. والذي يدلّ على أنّه يفيد المعنى الذي ذكرناه : ما نقل أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لما ذكر هذا الكلام قال عمر لعلي : بخ بخ يا علي أصبحت مولى كلّ مؤمن ومؤمنة إلى يوم القيامة ـ ص ٤٧٣ طبعة حيدرآباد.

(٣) هنا تعليق يأتي في آخر الكتاب.

(٤) بموتة ـ خ : (آ).

(٥) هنا تعليق يأتي في آخر الكتاب.

(٦) انظر إلى عبقات الأنوار للسيد العلامة المجاهد الأكبر السيد مير حامد حسين اللكنهوئي قدّس الله روحه.

(٧) الأعراف ٧ : ١٤٢.

٣٣٩

الرابع : قوله تعالى : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ) (١).

وتقريره : أن نقول : علي عليه‌السلام أقرب إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من أبي بكر نسبا ، وكلّ من كان كذلك كان إماما بعده ، أمّا الصغرى فظاهرة وأمّا الكبرى فللآية المذكورة ، ووجه دلالتها : أنّ أولوية ذوي الأرحام إمّا أن تكون في كلّ ما للميّت أن يتصرّف فيه أو في بعضه ، فإن كان الأوّل لزم انتقال ولاء (٢) النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى ذوي رحمه ؛ لقضية العموم ، وإن كان الثاني فذلك البعض إمّا أن يكون هو الولاية أو غيرها ، والثاني باطل ؛ لعدم دلالة اللفظ عليه وعدم القرينة أيضا ، فيكون هو الولاية ؛ لدلالة القرينة وهي قوله تعالى : (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) (٣)

ومعلوم أنّ أولويّة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إنّما هي في الولاية (٤) ، وإذا احتمل اللفظ معنيين أحدهما عليه قرينة دون الآخر تعيّن ذو القرينة إلّا مع دليل أقوى وليس.

لا يقال : إن صحّ دليلكم فالعبّاس أولى بالمقام ؛ لأنّه عمّ وعليّ عليه‌السلام ابن عمّ ، والعمّ أقرب من ابنه.

لأنّا نقول : إنّه وإن كان عمّا لكنّه من جهة الأب فقط ، وعليّ عليه‌السلام ابن عمّه من جهة أبيه وأمّه ، سلّمنا أنّه أقرب لكنّه خرج بالدليل وهو عدم أفضليته وعصمته كما خرج الكافر والقاتل من الإرث ، ولأجل ذلك لم يدعها العبّاس وقال لعلي عليه‌السلام : امدد يدك أبايعك.

الخامس : أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فعل معه أفعالا دالة على تعيينه لخلافته ، كتقديمه في السرايا والحروب (٥) والتنويه بفضائله ومؤاخاته وتزويجه ابنته وتصويب فتاويه وأحكامه وغير ذلك ، ولو لم يكن إلّا توليته على المدينة لما خرج إلى تبوك ، فقال له : إنّ المدينة

__________________

(١) الأحزاب ٣٣ : ٦.

(٢) ولاية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ خ : (آ).

(٣) الأحزاب ٣٣ : ٦.

(٤) هي الولاية ـ خ : (آ).

(٥) والحروب والثغور والتقوية ـ خ : (آ).

٣٤٠