اللوامع الإلهيّة في المباحث الكلاميّة

جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلّي

اللوامع الإلهيّة في المباحث الكلاميّة

المؤلف:

جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلّي


المحقق: السيد محمد علي القاضي الطباطبائي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ٢
ISBN: 964-424-883-X
الصفحات: ٦٨٧

الثامن : أنّه لم يكن عارفا بالأحكام حتّى أنّه قطع يسار سارق وأحرق الفجاءة السلمي بالنار ، وقال عليه‌السلام : «لا يعذّب بالنار إلّا ربّ النار» وسئل عن الكلالة فقال : «أقول فيها برأيي فإن كان صوابا فمن الله وإن كان خطأ فمنّي ومن الشيطان» وسألته امرأة عن ميراث الجدّة فقال : «لا أجد لك في كتاب الله ولا سنة نبيه شيئا» فأخبره المغيرة ابن شعبة ومحمد بن مسلمة (١) أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أعطاها السدس وكان يضطرب في أحكامه ويستفتي الصحابة.

التاسع : أنّ خالد بن وليد قتل مالك بن نويرة وضاجع امرأته في ليلته ، فلم يحدّه على الزنا ولا قتله قصاصا ، فأنكر عليه عمر ذلك وقال : اقتله فإنّه قتل مؤمنا ، فلم يلتفت إليه وقال : لا أغمد سيفا سلّه الله على الكفّار. ولا ريب أنّ مالكا كان مؤمنا ولم يمنع الزكاة إلّا ليتبيّن له أنّ الحقّ بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من يستحقّه ، فلم يكن مرتدّا يستحقّ القتل ، وروي أنّ عمر لمّا تولّى جمع بين عشيرة مالك ، واسترجع ما وجد عند (٢) المسلمين من أولادهم وأموالهم ونسائهم ، حتّى ردّ بعض نسائهم من نواحي دمشق وهنّ حوامل فردّهن على أزواجهنّ.

العاشر : أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فعل معه أشياء تدلّ على عدم صلاحيته للإمامة ، فإنّه ولى عليه أسامة ، والوالي أفضل من المولى عليه ، ولم يولّه عملا ليعلم بذلك صلاحيته للولاية بل ولّاه مرّتين ليعلم بهما عدم صلاحيته : أحدهما : خيبر فرجع منهزما يجبّن أصحابه ويحنونه ، وثانيهما : سورة براءة فنزل الوحي بردّه وعزله وأخذ السورة منه.

الثاني : الطعن على عمر بن الخطاب بأمور :

الأوّل : أنّه لمّا مات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : والله ما مات محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ولن يموت حتّى يقطع

__________________

ـ إلّا بعد اليأس منها ، أما والله لو كنت أطعت زيد بن الخطاب وأصحابه لما تملمص من حلاوتها بشيء أبدا ، ولكن قدّمت وأخّرت وصعدت وصوّبت وأنقضت وأبرمت ، ولم أجد إلّا غضا له على ما تشبّث فيه منها ، هذا وتمام الحديث يدلّ على أن عمر كان كارها لخلافته ولم يرض بها إلّا ظاهرا هامش ـ خ : (آ).

(١) مسلم ـ خ : (د).

(٢) مع ـ خ : (د).

٣٦١

أيدي رجال وأرجلهم ، فتلا عليه أبو بكر : (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) (١) فقال : أيقنت كأنّي لم أسمع هذه الآية ، فإن كان منكرا لموته أصلا فهو ممّا لم (٢) يشكّ في جهالته وتوجّه الطعن عليه ، وإن كان منكرا لموته في ذلك الوقت كما دلّ عليه قوله : حتّى يقطع ... إلى آخره ، فلا تكون الآية دليلا عليه ، فإنّها تدلّ على موته مطلقا وكان ينبغي أن يقول لأبي بكر : إنّي ما منعت موته مطلقا وإنّما منعته الآن ، لكن لم يقل ذلك وهو دليل على جهالته أيضا.

الثاني : أنّه أمر برجم امرأة حامل فقال له معاذ : إن يكن لك عليها سبيل فلا سبيل لك على ما في بطنها فرجع عن حكمه ، فإن كان ذلك مع جهله بعدم رجم الحامل فلا يصلح للخلافة ، وإن كان مع جهله بحملها فكان ينبغي له أن يسأل ، فإنّ الحمل أحد موانع الرجم وكان ينبغي لمعاذ أن يقول : هي حامل ولا يقول : إن يكن عليها سبيل.

الثالث : أنّه أمر برجم مجنونة فنبّهه عليّ عليه‌السلام وقال له : رفع القلم عن ثلاثة ، فقال: لو لا علي لهلك عمر ، وتوجيهه كما تقدّم.

الرابع : أنّه قال يوما في خطبته : «من غالى في مهر امرأته جعلته في بيت المال» فقالت امرأة : لم تمنعنا ما فرضه الله لنا بقوله : (وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً) (٣) فقال : كلّ أفقه من عمر حتّى المخدّرات.

الخامس : أنّه فضّل عائشة وحفصة في العطاء من بيت المال ، وكان يعطيهما كلّ سنة عشرة آلاف درهم ويعطي الباقيات خمسة آلاف من غير دليل ، ولم يفعل ذلك أبو بكر ولا عثمان ، ولذلك طعنت عائشة على عثمان وقالت : اقتلوا نعثلا.

السادس : أنّه اقترض من بيت المال ثمانين ألف درهم وليس له ذلك إلّا بإذن جميع المسلمين ؛ لأنّ لكل واحد منهم حقّا (٤).

__________________

(١) الزمر ٣٩ : ٣٠.

(٢) لا ـ خ : (آ).

(٣) النساء ٤ : ٢٠.

(٤) كان عمر عالما بأنّ لعموم المسلمين حقّا في بيت المال ، ولكن لمّ لم يستأذن في ذلك كما استاذن في أخذ ـ

٣٦٢

السابع : أنّه منع أهل البيت عليهم‌السلام من خمسهم مع دلالة القرآن على وجوبه لهم.

الثامن : أنّه لم يكن عارفا بالأحكام حتّى أنّه قضى في الجدّ بمائة (١) قضية متنافية ، وقيل : تسعين.

التاسع : أنّه فضّل في العطاء والقسمة والواجب التسوية (٢).

__________________

ـ العسل الموجود فيه ورقى المنبر واستأذن منهم في أخذه وأكله لمرضه؟ وإنّما لم يستأذن من المسلمين في أخذ ثمانين ألف درهم فإنّه لم يكن للعسل أهمية في نظر المسلمين ، وكانوا يأذنونه في أكله ، وأما ثمانين ألف درهم كان أمرا مهما فإن كان عمر أظهر أخذها من بيت المال لم يكونوا يأذنون له بأخذها ، فلم يستأذن منهم فأخذها من غير إذن منهم فأنكروا عليه ذلك ، فقال أخذته على جهة القرض ومات وعليه لبيت مال المسلمين ثمانون ألف درهم.

(١) بثمانين ـ خ : (آ) وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج : إنّه كان يتلوّن في الأحكام حتّى روي أنّه قضى في الجدّ بسبعين قضية ، وروي مائة قضية ـ ج ٤ ص ١٦٥ طبعة مصر قديم. أخرج البيهقي في سننه الكبرى ج ٦ ، ص ٢٤٥ عن عبيدة قال : إنّي لأحفظ عن عمر في الجدّ مائة قضية كلها ينقض بعضها بعضا ، وعن ابن أبي الحديد في شرح النهج ج ١ ـ ٦١ طبعة مصر قديم : كان عمر يفتي كثيرا بالحكم ثمّ ينقضه ويفتي بضدّه وخلافه. قضى في الجدّ مع الأخوة قضايا كثيرة مختلفة ثمّ خاف من الحكم في هذه المسألة فقال : من أراد أن يقتحم جراثيم جهنّم فليقل في الجدّ برأيه ... ومثله عن المتقي في كنز العمال ج ٦ ، ص ١٥ كتاب الفرائض ، وفي المبسوط للسرخسي ج ٢٩ ، ص ١٨٠ : والصحيح أنّ مذهب عمر رضي الله عنه لم يستقرّ على شيء في الجدّ ، وقال الشيخ الأعظم الطوسي (ره) في تلخيص الشافي : وممّا طعنوا عليه : أنّه كان يتلوّن في الأحكام حتّى روي : أنه قضى في الجدّ سبعين قضية وروي مائة قضية : ج ٤ ، ص ٢٥ طبعة النجف.

فالقارئ الكريم بعد المعرفة بما نقلناه تعرف ما وقع في عبارة التجريد وشروحه من التصحيف ، قال في التجريد : وقضى في الحدّ بمائة قضيب ، وقال العلامة (ره) : فقضى في الحدّ بمائة قضيب وروي تسعين قضيبا. انظر إلى كشف المراد ، ص ٢١٢ طبعة اصفهان ـ وشرح التجريد للقوشجي ، ص ٤٠٨ طبعة تبريز وص ... خط «كلب علي» طبعة سنة ١٢٨٥ ، ويحتمل أن يكون ما في التجريد إشارة إلى حدّ شرب الخمر ، ولكن الظاهر هو ما ذكرناه فإنّ في حدّ الشرب حكم عمر بثمانين تارة وبأربعين أخرى لا بمائة.

(٢) وقد أوجز المصنف (ره) الكلام في المقام ، وقد ترتّبت لعمل عمر هذا نتائج سيئة مهمة في العالم الإسلامي ، وقد سوّى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بين المسلمين في العطاء فلم يفضل أحدا منهم على أحد ، وجرى على مبدأ التسوية في العطاء أبو بكر مدّة خلافته ، أمّا عمر فقد جرى حين فرض العطاء في سنة عشرين للهجرة على مبدأ التفضيل «ففضّل السابقين على غيرهم ، وفضّل المهاجرين من قريش على غيرهم من المهاجرين ، وفضّل المهاجرين كافة على الأنصار كافة ، وفضّل العرب على العجم ، وفضّل الصريح على المولى» ابن

٣٦٣

العاشر : أنّه قال على رءوس الملأ : «متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما» وكيف يجوز له النهي والعقاب على ما كان في عهده عليه‌السلام؟

الحادي عشر : أنّه خرق كتاب فاطمة عليها‌السلام ، وذلك أنّه لما طالت المنازعة بينها وبين أبي بكر ردّ عليها فدكا ، وكتب لها كتابا فخرجت والكتاب في يدها (١) فلقيها عمر

__________________

ـ أبي الحديد : شرح النهج ، ج ٨ ، ص ١١١ وفضّل مضر على ربيعة ففرض لمضر في ثلاثمائة ولربيعة في مائتين ـ تاريخ اليعقوبي ، ج ٢ ، ص ١٠٦ «وفضّل الأوس على الخزرج» فتوح البلدان ص ٤٣٧. وقد ولّد هذا المبدأ فيما بعد أسوأ الآثار في الحياة الإسلامية ، حيث إنّه وضع أساس تكوّن الطبقات في المجتمع الإسلامي ، وجعل المزيّة الدينية من سبل التفرق المادي وزوّد الارستقراطية القرشية التي مكّنت لنفسها من جديد بتمكن أبي بكر من الحكم بمبرّر جديد للاستعلاء والتحكّم بمقدّرات المسلمين ، فجميع اعتبارات التفضيل تجعل القرشيين أفضل في العطاء من غير القرشيين ، وهذا يعني أنّ قريشا هي أفضل الناس ؛ لأنّها قريش وكفى بهذا مبرّرا للتحكّم والاستعلاء.

وقد كوّن هذا المبدأ سببا جديدا من أسباب الصراع القبلي بين ربيعة ومضر وبين الأوس والخزرج ، بما تضمّن من تفضيل سائر مضر على سائر ربيعة وتفضيل الأوس على الخزرج ، ونظنّ أنّ هذا المبدأ قد أرسى أوّل أساس من أسّس الصراع العنصري بين المسلمين العرب وغيرهم من المسلمين ، بما جرى عليه عمر من تفضيل العرب على العجم والصريح على المولى ، وكان عمر قد أدرك في آخر أيامه الأخطار السياسية والاجتماعية التي يؤدّي إليها مبدؤه هذا ، كما يدلّ على ذلك بعض كلماته المأثورة عنه ، وقد أعلن عزمه على الرجوع إلى المبدأ النبوي في العطاء فقال : «إنّي كنت تألّفت الناس بما صنعت في تفضيل بعض على بعض ، وإن عشت هذه السنة ساويت بين الناس فلم أفضّل أحمر على أسود ولا عربيا على عجمي ، وصنعت كما صنع رسول الله وأبو بكر». الطبري في أحداث سنة ٢٣ ، ولكن عمر قتل قبل أن يرجع عن هذا المبدأ ، فجاء عهد عثمان وسار عليه فظهرت آثاره الضارة في الحياة الإسلامية ، وكان من أهمّ العوامل التي مهّدت للفتنة بين المسلمين.

وقد كشف الفاضل المعاصر بالبحث والتنقيب والتحليل الصحيح عن النتائج والآثار الضارّة التي ترتّبت علي تفضيل عمر في العطاء في كتابه ثورة الحسين المطبوع ببيروت الطبعة الثالثة سنة ١٣٩٣ ، فراجع حتى ينكشف لديك ما ترتّب على عمل عمر هذا من المفاسد والمخازي التي لا يسدّها شيء ، بل بقيت آثار هذا المبدأ إلى اليوم على خلاف من قوانين الإسلام المقدّسة وعلى نقيض من التساوي الحقيقي الذي جاءت به الشريعة المطهّرة وعمل به صاحب الرسالة الكريمة في أيام حياته المباركة.

(١) معها ـ خ : (آ).

٣٦٤

وسألها عن شأنها فقصّت (١) قصّتها فأخذ منها الكتاب وخرقه ، فدعت عليه ودخل على أبي بكر فعاتبه ، واتّفقا على منعها (٢).

الثاني عشر : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا قال عند موته : آتوني بدواة وكتف أكتب كتابا لا تضلّون بعدي وقال : إنّ الرجل ليهجر ، كفانا الكتاب ، فاختلف أهل المجلس حتّى قال بعضهم : القول ما قال رسول الله ، وبعضهم : القول ما قال عمر ، وكثر النزاع واللغطة (٣) حتّى غضب صلى‌الله‌عليه‌وآله وقال : قوموا عنّي.

والطعن من وجهين : أحدهما : قوله : إنّ الرجل ليهجر ، ومعنى اللفظ : إنّه ليهذي ، حاشاه من ذلك ، وفي بعض الروايات ليهذي (٤). وثانيهما : ردّه ومخالفته له ، وهو يدلّ على أنّه أعرف منه بالمصلحة وكذبه في ذلك.

__________________

(١) عليه القصة ـ خ : (آ).

(٢) انظر إلى كتاب سليم بن قيس الهلالي رحمه‌الله تعالى وانظر إلى تلخيص الشافي للشيخ الطوسي (ره) ج ٣ ، ص ١٢٥ طبعة النجف والاحتجاج للطبرسي (ره) وغير ذلك من المصادر المعتبرة.

(٣) بالغين المعجمة والطاء المهملة بالتحريك والتسكين الصوت والجلبة وأصوات مبهمة لا تفهم.

(٤) وفي لفظ آخر : قد غلب عليه الوجع ، وفي لفظ الشهرستاني : قد غلبه الوجع ـ الملل والنحل ، ج ١ ، ص ١٤. ولما كان قوله : ليهجر في أعلى مراتب القبح والاستهجان والدلالة على الكفر وعدم الإيمان بالله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقد بدّل بعض أتباع عمر العبارة بقوله : قد غلب عليه الوجع ، ولكنّ المسكين لم يعلم أنّ النتيجة في العبارتين واحدة ، وهي نسبة الهذيان ـ وهو النطق بما لا يفهم ـ إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وذهاب العقل إليه بواسطة الوجع العارض له صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلا فائدة في تغيير العبارة ، وفي لفظ آخر : فقال عمر : ما له أهجر؟ صرّح بذلك ابن تيمية في منهاجه ، ج ٣ ، ص ٢١٢. وفي حديث البخاري في باب جوائز الوفد من كتاب الجهاد : فقالوا : هجر رسول الله ، ومن حديثه في باب إخراج اليهود من جزيرة العرب من قولهم : ماله أهجر؟ استفهموه ، ونحوه حديث مسلم في صحيحه ج ٥ ، ص ٧٥ وأحمد بن حنبل في المسند ، ج ١ ، ص ٢٢٢ ومن حديث مسلم أيضا في كتاب الوصية ج ٥ ، ص ٧٦ وأحمد في المسند ج ١ ، ص ٣٥٥ قالوا : إنّ رسول الله يهجر ، وفي قول البخاري : باب قول المريض : قوموا عنّي من إساءة الأدب ما لا يخفى ، فكان ينبغي له أن يقول : باب قول رسول الله : قوموا عنّي نعم تبع البخاري لإمامه عمر في إساءة الأدب. قال الشهرستاني : «أوّل شبهة وقعت في الخليفة شبهة إبليس» ج ١ ، ص ٦ وأول اختلاف وقع في الإسلام مخالفة عمر في مرض النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ائتوني بدواة وقرطاس ... قال عمر : قد غلبه الوجع حسبنا كتاب الله ... قال ابن عباس : الرزية ... كلّ الرزية ... انظر ص ١٤.

٣٦٥

الثالث عشر : أنّه لمّا حضرته الوفاة وأشير عليه بالوصية ، فقال : ادعوا لي عليّا وعثمان وطلحة والزبير وسعدا وعبد الرحمن بن عوف (١) ، فإنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مات وهو راض عن هؤلاء الستّة أريد أن أجعلها شورى بينهم ، فلمّا حضروا قال لطلحة : أما إنّي أعرفك منذ أصيبت إصبعك يوم أحد وائبا (٢) بالذي حدث لك ، ولقد مات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ساخطا عليك بالكلمة التي قلتها يوم نزلت آية الحجاب (٣) ، وقال لعلي عليه‌السلام : لله أنت لو لا دعابة فيك ، أما والله لئن ولّيتهم لتحملنّهم على الحقّ الواضح والمحجّة البيضاء ، وقال لسعد : إنّما أنت صاحب نصب (٤) مقنب وأسهم (٥) وأين زهرة والخلافة (٦) وقال لعبد الرحمن : لا يصلح هذا الأمر لمن فيه ضعف كضعفك وما زهرة وهذا الأمر؟! ووصف الزبير بالبخل وأنّه يوما إنسان ويوما شيطان.

ثمّ أقبل على عثمان وقال قائلا : كأنّي (٧) بك قد قلّدتك قريش هذا الأمر لحبّها إيّاك (٨) فحملت بني أمية وبني معيط على رقاب الناس ، فسارت إليك ذؤبان العرب فذبحوك ، والله إن فعلوا لتفعلنّ ولئن فعلت ليفعلنّ بك (٩) ثمّ قال لأبي طلحة الأنصاري : إذا دفنت كن مع خمسين رجلا من الأنصار ، واحمل هؤلاء الستة على

__________________

(١) وسعد بن أبي وقّاص ـ خ : (د) والظاهر أنّه زائد.

(٢) وائبا : غاضبا.

(٣) الكلمة المذكورة أنّ طلحة لمّا نزلت آية الحجاب قال : إن قبض النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لننكحنّ أزواجه من بعده ، فما جعل الله محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله بأحقّ ببنات عمّنا ـ فأنزل الله تعالى فيه : «وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا» قال الجاحظ : لو قال لعمر قائل : أنت قلت : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مات وهو راض عن الستة ، فكيف تقول الآن لطلحة : إنّه مات عليه‌السلام ساخطا عليك للكلمة التي قلتها ـ لكان قد رماه بمشاقصه ، ولكن من الذي كان يجسر على عمر أن يقول له ما دون هذا فكيف هذا؟!.

(٤) نصب ـ خ : (د).

(٥) صاحب مقنب من هذه المقانب تقاتل به وصاحب قنص وقوس وأسهم وما زهرة والخلافة ... شرح النهج لابن أبي الحديد. المقنب : جماعة الخيل.

(٦) وما زهرة ـ شرح النهج قبيلة سعد بن أبي وقّاص.

(٧) هيها إليك ـ شرح النهج.

(٨) لك ـ خ ل ـ خ : (د).

(٩) بك ـ خ : (د).

٣٦٦

التشاور والاتفاق على واحد منهم ، فإن خالف (١) واحد منهم فاضرب عنقه ، وإن خالف اثنان فاضرب أعناقهما ، وإن خالف ثلاثة فاضرب أعناق الثلاثة الذين ليس فيهم عبد الرحمن ، وإن مضى ثلاثة أيّام ولم يتّفقوا على واحد فاضرب أعناق الجميع ، ودع المسلمين وشأنهم.

والردّ عليه هنا في أماكن :

الأوّل : جعل الشورى طريقا إلى الإمامة ، وهو أمر ابتدعه من غير كتاب ولا سنة.

الثاني : أنّه وصف عليا عليه‌السلام بما يقتضي تعيينه للإمامة وكان (٢) يجب أن ينصّ عليه ، وجعل الدعابة مانعا ليس شيء ، لأنّه سمّى حسن الخلق دعابة ، لما كان هو (٣) عليه من شراسة الخلق وشكاسته. والحقّ أنّ حسن الخلق من مقوّمات الإمامة ، وقد وصف الله سبحانه وتعالى نبيّه في قوله : (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (٤).

وإن أراد المزاح بالباطل فهو منفيّ عنه عليه‌السلام ؛ لما روي عنه عليه‌السلام أنّه قال : «ما مزح امرئ مزحة إلّا مجّ من عقله مجّة» على أنّ المزاح بالحقّ من سنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كما ورد (٥) أنّه يمزح ولا يقول إلّا حقّا.

الثالث : أنّه قال : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مات وهو راض عنهم ، ثمّ قال لطلحة : إنّه مات وهو ساخط عليك ، وهو تناقض (٦).

__________________

(١) فإن خالفك ـ خ : (آ) فكذا في الموضعين الآتيين.

(٢) ينبغي ـ خ ل ـ خ : (د).

(٣) أي عمر من سوء الخلق.

(٤) القلم ٦٨ : ٤.

(٥) روي ـ خ : (آ).

(٦) القول المتناقض لا يصدر عن عاقل ، ولعلّه هجر وغلب عليه وجع ضربة أبو لؤلؤ عند التكلّم بهذا الكلام المتناقض ، تكلّم هو في حقّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بهذا الكلام الشائن المقذع كما عرفت ، ولكن ما لسبب أنّ عمر لم يقل ذلك في حقّ أبي بكر؟ لما مرض وآيس من حياته دعا عثمان وأملى عليه كتاب العهد لعمر ، فقال : اكتب هذا ما عهد أبو بكر بن أبي قحافة في آخر عهده بالدنيا خارجا عنها ... إنّي استخلفت ... ولما انتهى أبو بكر إلى هذا الموضع ضعف ورهقته غشيته فكتب عثمان : وقد استخلف عمر بن الخطّاب فأمسك حتّى أفاق أبو بكر قال أكتبت شيئا؟ قال : نعم كتبت عمر بن الخطاب قال : رحمك الله أما لو كتبت نفسك لكنت ـ

٣٦٧

الرابع : أنّه أمر بقتل الجماعة ، وهم أعيان الصحابة من غير موجب.

الخامس : أنّه قصد بحيلة الشورى العدول بالأمر عن عليّ عليه‌السلام من حيث لا يشعر به ، روى الطبرسي أنّهم لما خرجوا من عند عمر لقي عليّ عليه‌السلام العبّاس ، فقال قد عدل بالأمر عنّي يا عمّ قال : وما يدريك؟ قال : قرن بي عثمان وقال : كونوا مع الأكثر فإن رضي رجلان رجلا ورجلان رجلا فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن ، وسعد لا يخالف ابن عمّه وعبد الرحمن صهر عثمان فيولّيها أحدهما الآخر ، فلو كان الآخران معي لم يغنيا عنّي شيئا ، وفيه مطاعن أخر هذه أشهرها.

الثالث : الطعن على عثمان بأمور :

الأول : أنّه بويع على كتاب الله وسنة نبيّه ، وأن يسير بسيرة الشيخين ولم يفعل.

الثاني : أنّه ولى أمور المسلمين من لا معرفة له بالأمور وهو فاسق ، كاستعمال الوليد بن عقبة (١) على الكوفة حتّى شرب الخمر وسكر ، ودخل عليه من نزع خاتمه من إصبعه وهو لا يحسّ وصلّى بهم وهو سكران ، وقال : تريدون أن أزيدكم؟ قالوا : لا ، قد صلّينا صلاتنا ، وكاستعمال سعيد بن العاص على البصرة حتّى ظهر منه ما لأجله أخرج.

واستعمل عبد الله بن أبي سرح على مصر فلما تظلّموا منه صرفه عنهم وولى محمد بن أبي بكر ، ثمّ كاتب عبد الله : أن استمر على ولايتك ، وقيل : إنّه كاتبه بقتل محمد بن أبي بكر وأصحابه ممّن يرد منهم عليه ، فظفر بالكتاب وجرى عليه لذلك ما جرى.

الثالث : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان قد طرد الحكم بن العاص عن المدينة لأمور

__________________

ـ لها أهلا ، فاكتب قد استخلفت عمر بن الخطاب ... انظر تاريخ الخميس للديار بكري ، ج ٢ ، ص ٢٤١ طبعة مصر سنة ١٢٨٣ والمصادر الأخرى.

والقارئ الفطن يدري سبب عدم تكلّم عمر في حقّ أبي بكر بالكلام الذي تكلّم به في حقّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله.

(١) هو وليد الفاسق المشهور بنصّ القرآن الكريم في قوله تعالى : (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) الآية.

٣٦٨

صدرت منه ، ثمّ لم يرده أبو بكر ولا عمر ، فلمّا ولي ردّه وقرّبه وأعطاه مائة ألف درهم واستوزر ابنه مروان وسلّطه على رقاب الناس.

الرابع : أنّه أعطى أقاربه من بيت مال المسلمين ما لا يجوز ، فأعطى مروان خمس إفريقية وعبد الله بن خالد بن أسيد أربعمائة ألف درهم ، وأقطع الحارث بن الحكم موضع سوق بالمدينة يعرف بمهزور (١) ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قد تصدّق به على المسلمين ، وأقطع مروان فدكا ملك فاطمة عليها‌السلام ، وأعطى عبد الله بن أبي سرح جميع ما أفاء الله من مال إفريقية بالمغرب ، وأعطى أبا سفيان بن حرب مائتي ألف درهم من بيت المال ، في اليوم الذي أمر لمروان فيه بمائة ألف وقد كان زوجه ابنته أمّ أبان (٢) وزوج ابنته عائشة الحارث بن الحكم وأعطاه مائة ألف درهم من بيت المال.

الخامس : أنّه آذى كبار الصحابة ، فضرب عبد الله بن مسعود حتّى كسر بعض أضلاعه ومات وأحرق مصحفه ، وضرب عمّارا حتّى أصابه فتق ، وضرب أبا ذر ونفاه إلى الربذة.

السادس : أنّ عبيد الله بن عمر (٣) توهّم أنّ الهرمزان قتل أباه ، وكان قد أسلم فقتله ولم يقتص منه عثمان ، فلمّا ولي علي عليه‌السلام هرب منه إلى معاوية (٤) ولمّا ثبت على الوليد شرب الخمر أراد سقوط الحدّ عنه فحدّه علي عليه‌السلام ، وقال : لا يسقط حدّ الله وأنا حاضر.

السابع : أنّه حمى لنفسه ومنع المسلمين وهو مناف للشريعة ؛ لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله جعل الناس في الماء والكلاء شرعا سواء.

__________________

(١) بفتح أوّله وسكون ثانيه ثمّ زاء مضمومة وواو ساكنة وراء. كان قد تصدّق به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فاقطعه عثمان الحارث بن الحكم أخا مروان وفي ـ خ : (د) مهرور بالراء المهملة وهو تصحيف.

(٢) أمان ـ خ : (د) وهو تصحيف ، والصحيح ما أثبتناه من خ : (آ) وراجع كتاب نسب قريش للزبيري ص ١٠٤ ـ ١٠٥ والمعارف لابن قتيبة ص ١٩٨ طبعة دار الكتب.

(٣) في نسخة : (د) و (آ) عبد الله ، والصحيح عبيد الله.

(٤) وقتل عبيد الله في صفين.

٣٦٩

الثامن : أنّه لبس خاتما من الذهب وجعل على بابه حجابا ، وهو خلاف سيرة من تقدّمه (١).

التاسع : أنّه حمل الناس على قراءة زيد ، وأحرق المصاحف وأسقط ما شكّ أنّه قرآن(٢).

العاشر : الأمر الجامع لحاله أنّ أهل البصرة والكوفة ومصر اجتمعوا عليه وحصروه وقتلوه بعد أن أوردوا عليه أحداثه ، وكان بالمدينة كبار الصحابة من المهاجرين والأنصار ولم ينصروه بل خذلوه ، ولو أرادوا المدافعة عنه لفعلوا ، وذلك دليل على اعتقادهم خطأه ، وأنّهم راضون بما جرى عليه حتّى أنّ عليّا عليه‌السلام قال : الله قتله وأنا معه ، أي مع الله ، ولم يدفن إلّا بعد ثلاثة أيّام (٣).

فهذه نبذة ممّا ورد (٤) من مطاعنه ، وإذا كان حال هؤلاء الثلاثة كذلك فكيف يجوز لمسلم (٥) اعتقاد خلافتهم ، وأنّهم نوّاب الله في أرضه (٦).

الرابع : في أحوال محاربي أمير المؤمنين عليه‌السلام ، ولا خلاف بين الإمامية في كفرهم ؛ لقوله عليه‌السلام : «حربك يا عليّ حربي وسلمك سلمي» والمراد حربك مثل حربي ، ولا شكّ أنّ محارب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كافر وكذا محارب عليّ عليه‌السلام ، وهم الناكثون والقاسطون

__________________

(١) بل هو سيرة الملوك الجبابرة الغشمة الذين سوّدوا وجه تاريخ البشرية بجناياتهم الفجيعة وأعمالهم الشنيعة وبإيذائهم الأنبياء والأولياء والأئمّة والعلماء الحقّة ، واقتدى بعثمان في سيرته أسرته بني أمية ولا سيما معاوية وسخله يزيد القرود والخمور أعداء الاسلام والقرآن ، وهم الشجرة الملعونة في الفرقان ، لعن الله تعالى أتباعهم وأشياعهم من الأوّلين والآخرين.

(٢) هنا تعليق يأتي في آخر الكتاب.

(٣) هنا تعليق يأتي في آخر الكتاب.

(٤) أورد ـ خ : (آ).

(٥) المسلم ـ خ : (د).

(٦) وكيف يجوز لمسلم حيّ متيقّظ أن يعتقد أنّهم أولي الأمر الذين أمرنا الله تعالى بفرض طاعتهم وقرن طاعتهم بطاعته وأوجب علينا الاعتقاد بإمامتهم ، أهم أئمة يهدوننا إلى الله تعالى كما وصف الله تعالى الأئمة في القرآن الكريم بهذه الصفة الكريمة؟ وقد قسم القرآن الأئمة قسمين ، فقسم منهم يدعون الناس إلى الله تعالى ويهدونهم إلى أمر الله ، وقسم آخر يدعونهم إلى النار وإلى دار البوار ، فهؤلاء الثلاثة من أي القسمين حينئذ؟

٣٧٠

والمارقون الذين أخبره النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بأنّه سيقاتلهم ، وهم أصحاب الجمل ومعاوية وأصحابه والخوارج.

لا يقال : لو كانوا كفّارا لأتبع مدبرهم وأجهز على جريحهم وسبي ذراريهم واستباح أموالهم.

لأنّا نقول : أحكام الكفّار مختلفة فإنّ الذمّي كافر كالحربي ، وليس حكمه حكمه ، وعند الزيدية وأكثر المعتزلة أنّ أصحاب الجمل فسقة ، وقال الأصمّ : هم أحسن حالا في تلك الحرب من عليّ ، وعمرو بن عبيد لم يقطع بفسقهم ولا بفسق عليّ عليه‌السلام ، بل هم بمنزلة المتلاعنين ، فلو شهد علي عليه‌السلام أو أحد الناكثين مع عدل آخر قبلت شهادتهما ، ولو شهد علي عليه‌السلام وطلحة لم يقبل شهادتهما ؛ للقطع بأنّ أحدهما على الخطإ ، وأمّا معاوية فأجمع أهل البيت عليه‌السلام على كفره وكذا أكثر المعتزلة لكن لا لحربه ، بل لقوله بالجبر ، وكان يقول : المال مال الله ونحن خزّانه ، نمنع من منعه ونعطي من أعطاه (١) ، والمجبرة عندهم كفرة ، ونقل عن الأصمّ : أنّه صوّبه في شيء وأخطأه في آخر. وكذلك عليه‌السلام (٢).

وقالت الحشوية : إنّه ليس بفاسق بل هو خال المؤمنين (٣) ، وهم يتوالونه (٤) ويترحّمون عليه ، وقطع الباقون بفسقه ؛ لوجوه :

الأوّل : محاربته للإمام الذي انعقدت بيعته.

الثاني : استلحاقه زيادا ، وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «الولد للفراش وللعاهر الحجر».

الثالث : قتله لعمّار مع قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «تقتلك الفئة الباغية وآخر زادك اللبن» وتأويل معاوية هذا الحديث بقوله : إنّما قتله (٥) من جاء به وقوله : «نعم نحن الفئة

__________________

(١) قال ذلك يوما وعنده زيد بن أرقم صاحب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله متوكّئا على عكّازة قد رغد بها من كتفه إلى كتفه ، وقال : كذبت يا معاوية تمنع من أعطاه الله وتعطى من منعه الله. هامش خ : (آ).

(٢) وكذلك عليه‌السلام ـ خ : (د).

(٣) هنا تعليق يأتي في آخر الكتاب.

(٤) يتالونه ـ خ : (آ).

(٥) بأنه ما قتله إلّا ـ خ : (د).

٣٧١

الباغية لأنّا نبغي دم عثمان» يدلّ على صحّة الخبر وتصديقه إيّاه ، لكن تأويله باطل وإلّا لكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قتل حمزة ، والبغي حقيقته الحرب بالباطل.

الرابع : وضعه السبّ على عليّ عليه‌السلام ، وكتبه بذلك إلى الآفاق حتّى قال له ابن عباس : أسألك أن تمسك عن سبّ هذا الرجل قال : لا والله لا أمسك حتّى ينشأ عليه الصغير ويهرم عليه الكبير ، ولم يزل الحال كذلك إلى زمن عمر بن عبد العزيز.

الخامس : قتله لحجر بن عدي وأصحابه لمّا امتنعوا من السبّ.

السادس : أخذ البيعة لابنه يزيد وهو فاسق حتّى صدر عنه في ذرّية الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ما صدر (١).

وأمّا الخوارج فلا شكّ أيضا في كفرهم ؛ لنصبهم عداوة علي عليه‌السلام وثبوته بصفتهم (٢) معلوم من الدين ضرورة ، ولتواتر الحديث بفسقهم (٣) وأنّهم يخرجون على خير فرقة من الناس ، تحتقر صلاتكم في جنب صلاتهم وصومكم في جنب صومهم ، يقرءون القرآن لا يتجاوز تراقيهم ، آيتهم رجل أسود أو قال أذعج (مخدج اليد (٤)) إحدى ثدييه كأنّها ثدي المرأة (٥) يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، وهو نصّ على كفرهم ؛ لأنّ معنى يمرقون : يخرجون ، والخارج من الدين لا يكون داخلا فيه.

ودعوى : توبة أصحاب الجمل ، باطلة بإجماع أهل البيت عليهم‌السلام ، وتفصيل ذلك في المطوّلات (٦).

__________________

(١) وهو بعد هذه الجناية الكبيرة والفاجعة العظيمة فقد كفر ، ولا شكّ عندنا في كفره ووجوب لعنه وجواز لعن من منع من لعنه ، بل كان يزيد من أوّل الأمر كافرا فاسقا لا يعتقد بشيء ممّا جاء به القرآن الكريم والشريعة المقدّسة ، كما هو صريح ما صدر عنه من الكلمات والأشعار المنقولة في الكتب المعتبرة ، وهو من الذين مخلّدون في نار جهنّم كما نصّ على ذلك في الأحاديث الواردة عن العترة الطاهرة سلام الله عليهم.

(٢) بصفتهم ـ خ : (د).

(٣) بصفتهم ـ خ : (د).

(٤) مجذوع اليدين ـ خ : (آ).

(٥) امرأة ـ خ : (آ).

(٦) كالشافي للسيد (ره) وتلخيصه للشيخ (ره).

٣٧٢

[القسم] الثاني : الردّ على الزيدية ، والمشهور منهم ثلاث فرق : السليمانية أصحاب سليمان بن جرير ، والصالحية أصحاب صالح بن حي ، والفرقتان متساويتان في اعتقاد إمامة الشيخين باختيار الأمّة على وجه الاجتهاد ، ونقل عن سليمان : أنّ الأمّة أخطأت في اختيارهما مع وجود عليّ عليه‌السلام ، لكن لا يبلغ ذلك درجة الفسق ، لأنّه خطأ اجتهادي ، ثمّ اختلفوا في عثمان فالسليمانيّة طعنوا فيه كطعن الإمامية وكفّروا أيضا محاربي عليّ عليه‌السلام ، والصالحية توقّفوا في عثمان نظرا إلى أنّه من العشرة المبشّرة بالجنة وإلى أحداث أحدثها ، وقال هؤلاء : علي عليه‌السلام أفضل الأمّة وأولاهم بالإمامة إلّا أنّه سلّم الأمر إليهم ورضي بهم ، ونحن راضون بما رضي به ، ولو لم يرض (١) لهلك أبو بكر ، ولهاتين الفرقتين مطاعن الجمهور كافية في الردّ عليهم.

وأمّا الفرقة الثالثة وهم الجارودية أصحاب أبي الجارود ، فوافقوا الإمامية في تخطئة الثلاثة والطعن عليهم والتبرّي منهم ، وأثبتوا إمامة عليّ عليه‌السلام بالنصّ الخفيّ خاصّة وإمامة الحسنين عليهما‌السلام بالنص الجليّ ، وساقوا الإمامة في أولادهما لمن اجتمعت فيه الأوصاف السابقة ، فموضع النزاع معهم في مواضع :

الأوّل : أنّهم لا يشترطون العصمة ، وهذا قد بيّنا بطلانه.

الثاني : أنّهم لا يشترطون النصّ الجليّ في إمام أصلا ، ولكن اتفق ذلك للحسنينعليهما‌السلام ولم يوجد في حقّ علي عليه‌السلام ، وهذا أيضا أبطلناه ، وقد بيّنا وجود النصّ الجلي على عليّ عليه‌السلام من طرقنا وطرق الجمهور ، ووروده أيضا من طريق الزيدية فإنّ صاحب المحيط ذكر روايات متعدّدة وقال : إنّها تدلّ على إمامته من غير فكر (٢) ولا روية ، وهو الجليّ بعينه.

الثالث : اكتفاؤهم في تعيين الإمام بالقيام والدعوة (٣) في غير الحسنين عليهما‌السلام

__________________

(١) ولو لا ذلك ـ خ : (آ).

(٢) نكير ـ خ : (د).

(٣) الدعوى ـ خ : (آ).

٣٧٣

وأمّا هما (١) لم يشترطوا فيهما ذلك ؛ لقوله عليه‌السلام : «قاما أو قعدا» وهذا أيضا يعلم بطلانه ممّا تقدّم لكن نزيد على ذلك ونقول : يدلّ على بطلانه وجوه :

الأوّل : أنّه غير القائم المدّعى (٢) إمّا أن يجوز له القيام والدعوة أو لا ، فإن كان الأوّل فلا يكون القيام والدعوة دليلا على الإمامة ؛ لأنّهما (٣) حينئذ أعمّ ، والعام لا دلالة له على الخاصّ ، وإن كان الثاني كان صحّة القيام والدعوة موقوفة على الإمامة ، فلو توقّفت الإمامة على القيام والدعوة لزم الدور المحال.

الثاني : لو كان القيام شرطا لما صحّت إمامة الحسنين عليهما‌السلام ، واللازم باطل اتفاقا فكذا الملزوم ، وبيان الملازمة ظاهرة (٤) من قوله عليه‌السلام : «إمامان قاما أو قعدا» فلو كان القيام شرطا لما صحّ نفيه عنهما كالعلم والعدالة.

الثالث : أنّه لو كان القيام كافيا لزم نقض الغرض من نصب الإمام ، واللازم كالملزوم في البطلان.

بيان الملازمة : أنّ نصب الإمام جعل لإطفاء النائرة ، ولا يحصل ذلك من مذهبهم ؛ لجواز تعدّد من اتّصف بالقيام والدعوة في زمان واحد ومكان واحد ، فيبايع هذا قوم وهذا قوم فيقع الخلاف بينهم بالتحارب والتجاذب.

الرابع : لو قام اثنان كلّ منهما موصوف بصفات الإمامة فإمّا أن يتّبعا معا وهو محال أو يتّبع أحدهما دون الآخر وهو ترجيح من غير مرجّح.

الخامس : أنّ الأمّة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله اختلفوا في طريق الإمامة ، فمنهم من قال بالنصّ ، ومنهم من قال بالاختيار ، ولم يدّع أحد القيام ، فلو كان حقّا لزم خروج الأمّة عن الحقّ وهو باطل.

السادس : أنّ الإمام إمّا أن يكون من قبل الله تعالى ، أو من قبل الأمّة ، أو من قبل

__________________

(١) وأنّهم ـ خ : (د).

(٢) الداعى ـ خ : (آ) خ ل ـ خ : (د).

(٣) لأنّها ـ خ : (آ).

(٤) ظاهر ـ خ : (آ).

٣٧٤

نفسه ، والأخيران باطلان فتعيّن الأوّل ، فيبطل (١) القيام وهو المطلوب. أمّا بطلان الثاني ؛ فلما تقدّم (٢) ، إذ هو قول الجمهور بعينه ، وأمّا الثالث (٣) فبعين ما أبطلنا به الاختيار ، فلم يبق إلّا الأوّل ، فلا بدّ من الدلالة على أنّه من قبله تعالى ، وهو النصّ إمّا من الله أو من رسوله أو من إمام سابق عليه ، فيبطل القيام وهو المطلوب.

لا يقال : لم لا يجوز أن يكون جعله على تلك الصفات نصّا على إمامته؟

لأنّا نقول : هذا باطل.

أمّا أوّلا فلأنّك إن أردت أنّ جميع الصفات من الله تعالى ، وهو دليل على إمامته لزمك الجبر في الأوّل وهو باطل ، وفي الثاني (٤) إقامة الدليل على دلالة تلك الصفات على الإمامة ، فإنّا من وراء المنع ، وإن أردت أنّ بعضها من الله وأنّه يدلّ على الإمامة لزمك أن يكون البعض الآخر ساقطا عن درجة الاعتبار وإقامة الدليل على دلالة الأوّل على الإمامة ، وإن اردت أنّ جميعها من غير الله تعالى وأنّها دليل على الإمامة لزمك إقامة الدليل على كلتا المقدّمتين وإن تقدر على (٥) أنّه كيف يكون ما هو من غير الله نصّا من الله!.

وأمّا ثانيا فلأنّه إذا كانت تلك الصفات دالّة على النصّ أو هي النصّ كان كما قلنا ، ويكون من قبيل (٦) النصّ العقلي (٧) وأنت لا تقول به ، وإذا بطلت هذه القواعد التي يبنى عليها صحّة مذهبهم بطلت إمامة زيد ومن قام بالأمر بعده إلى يومنا هذا ؛ لأنّ ذلك مبنيّ على هدم قاعدة النصّ والعصمة ، وقد بيّنا تشييد أركانها وهم لم يدّعوهما في زيد ولا من قام بعده.

__________________

(١) فبطل ـ خ : (آ).

(٢) فقد تقدّم ـ خ : (آ).

(٣) وكذا الثالث بعين ـ خ : (آ).

(٤) أي كونها دلالة على الإمامة.

(٥) وإن يقدر مع ـ خ : (د).

(٦) قبيل ـ خ : (د).

(٧) الفعلي ـ خ : (آ).

٣٧٥

على أنّا لا نخطّئ زيدا رضي الله عنه في قيامه وجهاده ، وإيضاح ذلك بما رواه شيخنا الصدوق محمد بن بابويه رحمه‌الله من (١) حديث أخذنا منه موضع الحاجة عن الرضا عليه‌السلام قال : أخبرني أبي موسى بن جعفر عليهما‌السلام أنّه سمع أباه يقول : رحم الله عمّي زيدا فإنّه دعا إلى الرضا من آل محمد ، ولو ظفر بما دعا إليه لوفى ، قال : ولقد استشارني في خروجه ، فقلت له : يا عمّ إن رضيت أن تكون المقتول المصلوب بالكناسة فشأنك ، فلمّا ولي قال جعفر بن محمد عليهما‌السلام : ويل لمن سمع داعيته (٢) فلم يجبه ، فقال المأمون (٣) : يا أبا الحسن عليه‌السلام أليس قد جاء فيمن ادّعى الإمامة بغير حقّها ما جاء؟ فقال الرضا عليه‌السلام : إنّ زيد بن علي لم يدّع ما ليس له بحقّ ، إنّه اتقى لله من ذلك ، إنّه قال : أدعوكم إلى الرضا من آل محمد وإنّما جاء ما جاء فيمن يدّعي أنّ الله نصّ عليه ثمّ يدعو إلى غير دين الله ويضل الناس عن سبيله بغير علم ، فكان زيد والله ممّن خوطب بهذه الآية : (وَجاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ)(٤).

أقول : ولا يمكن حمل قوله : «إلى الرضا» أي إلى نفسه ، كما يقول الإمام نفسه أدعوكم إلى الإمام العادل ؛ لأنّه خلاف الظاهر ، فإنّ الظاهر أنّ مراده : أدعوكم إلى كلّ مرضيّ من آل محمد ؛ لأنّ الرضا بمعنى المرضيّ وهو عام ، والأصل إجراء العام على عمومه ، فحمله على إرادة نفسه تخصيص من غير دليل ، ولهم شبهات واهية على دعواهم مبنيّة على هدم قاعدة العصمة ، والنصّ لا يخفى على المحصّل ، والجواب عنها وأكثرها روايات من طرقهم (٥) مع تسليم صحّتها ليست دالّة على المطلوب.

فائدة : من تشنيعهم علينا قول سليمان بن جرير شيخهم (٦) : إنّ أئمّة الرافضة

__________________

(١) في ـ خ : (د). وألّف جمع من علمائنا الإمامية (رض) كتبا مستقلّة في أحوال زيد الشهيد رضوان الله عليه كسيدنا المعاصر الجليل السيد عبد الرزاق المقرّم قدس‌سره ـ وكتابه مطبوع منتشر.

(٢) دعايته ـ خ : (آ).

(٣) المأمون ـ خ : (د).

(٤) الحج ٢٢ : ٧٨.

(٥) طريقهم ـ خ : (د).

(٦) هنا تعليق يأتي في آخر الكتاب فيه تحقيق البداء والتقية.

٣٧٦

قد وضعوا مقالتين لشيعتهم لا يظهر أحد قط عليهم معهما.

إحداهما : القول بالبداء فإذا أظهروا مقالا : إنّه سيكون لهم قوة وشوكة وظهور ثمّ لا يكون الأمر على ما أخبروا به قالوا : بدا لله في ذلك.

ثانيهما : القول بالتقية فإنّهم كلّ ما أرادوا تكلّموا به ، فإذا قيل لهم : ذلك ليس بحقّ فظهر لهم البطلان قالوا : إنّما قلناه تقية وفعلناه تقية.

والجواب : لا شكّ أنّ هذا قول معاند عدوّكما قال جعفر بن محمد عليه‌السلام : إنّ النواصب أعداؤنا والزيدية أعداؤنا وأعداء شيعتنا.

وجواب الأولى بالمنع من القول بالبداء ؛ إذ لم يصحّ ذلك عن أئمّتنا ، وعلى تقدير صحّته فهو خبر واحد يمكن حمله على النسخ الذي لا يمكن دفعه إلّا من يهودي ، وذلك أنّ البداء رفع الحكم الثابت بالشرع قبل وقت العمل به ، والنسخ رفعه بعد وقت العمل به ، مع أنّه منقول عن زيد رضي الله عنه (١) ، فالشناعة مقلوبة عليه.

وجواب الثانية : أنّ التقية لا يمكن لمسلم رفعها إلّا مكابر ، ودليلنا عليه من وجوه :

الأوّل : أنّها دافعة للضرر ، ودفع الضرر واجب مطلقا ، أمّا الأولى فظاهرة ؛ لأنّا لا نجوّزها إلّا عند الخوف ، وأمّا الثانية فكما تقدّم في باب العدل.

الثاني : قوله تعالى : (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) ـ إلى قوله ـ (إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً) (٢) وقرئ تقية ، وهو نصّ في الباب.

__________________

(١) عليه‌السلام ـ خ : (آ).

(٢) آل عمران ٣ : ٢٨ ذكر بعض الجهّال من النواصب في مكتوبه إلينا : أنّ في الآية إشارة إلى التقية ، وفسّر التقية أنّها عبارة عن الإدارة السلمية مع الكفار ، ولم يفهم المسكين أنّ ما ذكره ليس إلّا مجرد تغيير العبارة ، والآية صريحة في التقية ، ولا ينفع له تفسيرها بتغيير العبارة وقال : إنّ التقية تكون مع الكفار كما هو المستفاد من الآية لا مع المسلمين ، لم يفهم المسكين أيضا أنّ ما فعله الذين يسمّون أنفسهم بالمسلمين في حقّ الشيعة من القتل والفتك والتشريد والإيذاء وإلى غير ذلك من أنواع الأذى لم يفعل مثلها في حقّهم الكفار ، فالسبب الذي صرّحت الآية بجواز التقية فيه ، فذلك السبب صادر عن المسلمين في حقّ شيعة أهل البيت عليهم‌السلام ، بل أشد ممّا صدر عن الكفار كما هو غير خفي على من له إلمام بالتاريخ.

٣٧٧

الثالث : قصة عمّار بن ياسر مع الكفار لمّا أمر بسبّ النبيّ فسبّه ولم يسبّه أبواه ، فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن عادوا فعد فنزل (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ) (١).

الرابع : قوله تعالى : (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) (٢) إلى غير ذلك والتقية نجوّزها حين خوف التهلكة.

وإن قلت : فما الفرق بينها وبين النفاق.

قلت : هي إظهار الباطل وكتمان الحقّ خوفا من الظالم ، والنفاق إظهار الحق وكتمان الباطل خوفا من العادل. هذا مع أنّ هؤلاء الجهلة لو فطنوا وأنصفوا لما قالوا ذلك ، فإنّهم كانوا في زمن بني العباس ينقلون علم مذهبهم من «اليقاطين» إلى الجرار تحت الأرض ، حتّى سمّي مذهبهم مذهب الجرّة (٣) ثمّ إنّهم يقعدون الآن ويختبئون في حصن من الحصون ولا يخرجون ، فإن كان مع القدرة على الجهاد فهو فسق ، وإن كان مع العجز وخوف الهلاك فهو كقولنا (٤) لكنّهم صمّ بكم عمي فهم لا يعقلون شعر :

ولو أنصفت في حكمها أمّ مالك

إذا لرأت تلك المساوي محاسنا

[القسم] الثالث : في الردّ على باقي فرق الشيعة ، أمّا ما عدا الإسماعيلية والغلاة

__________________

وقال ذلك الناصب الجاهل في آية : (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ) إنّها في حقّ فرد واحد كان له خطر هلاكة النفس ، ولم يفهم أنّ العبرة بعموم الحكم لا بخصوص المورد ، فإنّ المورد لا يخصّص ، ذكرت هذه الأباطيل لذكر الجواب عليها وإلّا كلماته غير قابلة للاعتناء ، فإنّها من كلمات الجهال والسفهاء بل لا شك أنّ لكاتب تلك الأباطيل مرض روحي وجسمي لا يعبأ بأقواله وأفعاله ، وزاد الله تعالى في مرضه بحقّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله.

(١) النحل ١٦ : ١٠٦.

(٢) البقرة ٢ : ١٩٥.

(٣) قال البياضي : على أنّ الزيدية في دولة العباسيين نقلوا مذهبهم من اليقاطين إلى الجرار تحت الأرض حتّى سمّي مذهبهم مذهب الجرة ـ الصراط المستقيم ، ج ٢ ، ص ٢٧١.

(٤) فهو قولنا ـ خ : (آ) أي التقية في حين خوف التهلكة ـ هنا تعليق يأتي في آخر الكتاب.

٣٧٨

في بطلان مذاهبهم (١) انقراضهم ، وأمّا الغلاة فلقولهم بالحلول والاتّحاد والتجسيم خرجوا عن الملّة ، وبطلت مقالتهم ببطلان ذلك وقد تقدّم (٢).

وأمّا الإسماعيلية (٣) فنقول : نقل الأستاذ المحقق الطوسي رضوان الله عليه (٤) في حكاية مذهبهم : أنّهم يقولون : كلّ ظاهر فله باطن يكون ذلك الباطن مصدرا ، وذلك الظاهر مظهرا له ، ولا يكون ظاهر لا باطن له إلّا ما هو كالسراب ، ولا باطن لا ظاهر له إلّا خيال لا أصل له.

ومذهبهم أنّ الله تعالى أبدع بتوسّط معنى يعبّر عنه بكلمة «كن» أو غيرها عالمين : عالم الباطن وهو عالم الأمر ، وعالم الغيب ويشتمل على العقول والنفوس والأرواح والحقائق كلّها ، وأقرب ما فيها إلى الله تعالى هو العقل الأوّل ثمّ ما بعده على الترتيب ، وعالم الظاهر ، وهو عالم الخلق وعالم الشهادة ، ويشتمل على الأجرام العلوية والسفلية والأجسام الفلكية والعنصرية ، وأعظمها العرش ثمّ الكرسي ثمّ سائر الأجسام على الترتيب. والعالمان ينزلان من الكمال إلى النقصان ، ويعودان من النقصان إلى الكمال حتّى ينتهيا (٥) إلى الأمر ، وهو المعنى المعبّر عنه بكلمة «كن» وتنتظم بذلك سلسلة الوجود الذي مبدؤه من الله تعالى ومعاده إليه.

ثمّ يقولون : إنّ الإمام هو مظهر الأمر وحجّته ، مظهر العقل الذي يقال له العقل

__________________

(١) مقالتهم ـ خ : (د).

(٢) انظر صفحة : ـ ١٧٣ ـ ١٧٥.

(٣) الإسماعيلية : أتباع اسماعيل بن الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام ، وتوفّي في حياة أبيه بلا خلاف كما يشهد به التواريخ والأحاديث ، وذلك في سنة ١٤٥ أو سنة ١٣٣ على قول ضعيف ، ووفاة الإمام الصادق عليه‌السلام في سنة ١٤٨ بإجماع المؤرّخين من الفريقين وصلّى عليه أباه عليه‌السلام ودفنه ونزل معه في قبره ، وكشف عن وجهه بعد ما فرغ عن غسله ، وأراه الناس ليحصل لهم اليقين بموته فكيف تثبت إمامته مع ثبوت إمامة أبيه؟ وكانت ولادة إسماعيل سنة ١٠١ ويرى بعضهم أنّه توفي ١٣٨ ، وهو أيضا قول ضعيف ، وأمّا القول : إنّ إسماعيل توفّى سنة ١٥٩ فممّا لا أصل له ويعدّ من الأغلاط ، فإنّ وفاته في حياة أبيه عليه‌السلام من اليقينيات.

(٤) قاله المحقّق الطوسي قدس‌سره في كتابه : قواعد العقائد وقد شرحه تلميذه آية الله العلّامة قدّس الله روحه وسمّاه : كشف الفوائد في شرح قواعد العقائد وهو مطبوع على الحجر.

(٥) ينتهي ـ خ : قواعد العقائد.

٣٧٩

الأوّل وعقل الكلّ ، والنبي مظهر النفس التي يقال لها : نفس الكل ، والإمام هو الحاكم على عالم الباطن ، ولا يصير غيره عالما بالله إلّا بتعليمه إيّاه ، والنبي هو الحاكم في عالم الظاهر ولا تتمّ الشريعة التي يحتاج الناس إليها إلّا به ، ولشريعته تنزيل وتأويل ظاهره التنزيل وباطنه التأويل ، والزمان لا يخلو إمّا عن نبي وإمّا عن شريعة ، وأيضا لا يخلو عن إمام ودعوته (١) وهي ربّما تكون خفية مع ظهوره إلّا أنّها تكون ظاهرة (٢) مع خفائه البتة ؛ لئلّا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل. وكما يعرف النبي بالمعجز القولي أو الفعلي كذا يعرف الإمام بدعوته إلى الله وبدعواه (٣) أنّ المعرفة بالله تعالى لا تحصل إلّا به ، والأئمّة ذرّية بعضها من بعض ، فلا يكون إمام إلّا وهو ابن إمام ، ويجوز أن يكون للإمام أبناء ليسوا بأئمّة ، ولا يخلو زمان من إمام إمّا ظاهر وإمّا مستور ، كما لا يخلو زمان من نور نهار وظلمة ليل لم يزل العالم هكذا ولا يزال ، وطريقهم التأليف بين أقوال الحكماء وأقوال أهل الشرائع فيما يمكن أن يؤلّف بينهما ، وأمّا تعيين الأئمّة فقد حكينا عنهم فيما تقدّم. وهؤلاء كما ترى لا حجّة لهم فيما يدّعونه في هذه المقامات

__________________

(١) أو عن دعوته ـ بعض نسخ قواعد العقائد.

(٢) اي الدعوة لا بدّ أن تكون ظاهرة مع خفائه. وحاصل الكلام جواز خفاء دعوته مع ظهوره وعدم جواز خفاء دعوته مع خفائه عليه‌السلام بنفسه ؛ لأنّ إتمام الحجّة على الله واجب ولا يتمّ مع خفائه وخفاء دعوته أو العكس فالحجّة قائمة. هذا وأمّا تصور خفائه وظهور الدعوة فبأن يقال : إنّه عليه‌السلام يجعل أفئدة من الناس تهوي إليه بحيث يدعونه سرّا وعلانية ، أو إنّه يجعل ألسنة الناس معترفة به ، أو إنّه يظهر دعوته بنصب النوّاب عامّا أو خاصّا ، أو إنّه يأتي بإلقاء الخلاف المجمعين على الحكم المخالف للواقع كذا في بعض الحواشي.

قلت : إنّ الإسماعيلية الباطنية خلطوا الحقّ بالباطل ، وفي عقائدهم اختلط الحابل بالنابل ، كما سيشير إليه المصنّف قدس‌سره بقوله : وطريقهم التأليف بين أقوال الحكماء وأقوال أهل الشرائع فيما يمكن أن يؤلّف بينهما. وكما يظهر ذلك من كتاب رسائل إخوان الصفا ، وهو من تأليفهم.

والجدير بالذكر أنّ نسبة أكثر فرق الإسماعيلية كالقرامطة والخرمية والبابكية وغيرها إلى الشيعة كما فعله ابن الجوزي في كتابه تلبيس إبليس ، ص ١٠٣ ـ ١٠٥ من الأكاذيب والمختلقات ، فإنّهم يباينونهم في الأساسيات ، ولا شكّ أنّ عقائد القرامطة من الكفريات المأخوذة من المجوس ، وقد ألصق أكثر تلك الفرق إلى الشيعة أرباب كتب الملل والنحل كسائر الفرق المنحوتة التى ألصقوها بهم كذبا واختلافا.

(٣) ويدعون ـ خ : (آ).

٣٨٠