اللوامع الإلهيّة في المباحث الكلاميّة

جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلّي

اللوامع الإلهيّة في المباحث الكلاميّة

المؤلف:

جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلّي


المحقق: السيد محمد علي القاضي الطباطبائي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ٢
ISBN: 964-424-883-X
الصفحات: ٦٨٧

المنشأ والمولد ، ولكن لم يصرّح بكونه غروي المسكن ، وقد ذكر كتاب الفصول للمحقّق الطوسي (ره) وقال : «إنّما نقله إلى العربية قريبا من عصر المصنّف ـ يعني المحقق الطوسي (ره) ـ شيخنا المحقّق المتقن المنصف ركن الملّة والدين محمد بن علي الفارسي الجرجاني الأصل والمحتد والأسترآبادي المنشأ والمولد».

ثمّ ذكر أنّه استفاد ذلك من شرح الفاضل المقداد (ره) على الفصول ، أعني الأنوار الجلالية في شرح الفصول النصيرية (١).

ووصفه ب «الفارسي» ولعلّ نظره إلى أنّه «عجمي» وإلّا لم يصفه بذلك غيره فيما أعلم ، وهو ليس من أهل فارس جنوب إيران.

ولا شكّ أنّ ما ذكره سيد الأعيان أنّ ركن الدين المحقّق الجرجاني (ره) كان ساكنا في الغري هو الحقّ والصواب بلا ارتياب ، وقد فرغ من غالب تصانيفه في الأرض المقدّسة «النجف الأشرف» وقد فرغ ركن الدين من شرح مبادي الوصول للعلّامة (ره) سنة ٦٩٧ وعرّب عدّة من تصانيف المحقّق الطوسي قدس‌سره كأساس الاقتباس وأوصاف الأشراف.

ومن مؤلّفات ركن الدين الجرجاني رحمه‌الله : الأبحاث في تقويم الأحداث في الرد على الزيدية واثبات إمامة الأئمّة الاثني عشر عليهم‌السلام.

قال شيخنا في الذريعة : «الأبحاث في تقويم الأحداث» في ردّ الزيدية واثبات إمامة الأئمّة الاثني عشر عليهم‌السلام وإثبات الغيبة وردّ شبهاتها ، للمولى ركن الدين محمد بن علي الجرجاني الغروي المعرّب للفصول النصيرية ، أوله : الحمد لله مستحقّ الحمد والحمد من آلائه ، ومستوجب الشكر والشكر موجب لمزيد نعمائه إلى آخره. مرتّب على مقدّمة وعشرة فصول وخاتمة ، ألّفه بالغري ، وفرغ منه بالحضرة العلوية في يوم الجمعة الثالث من جمادى الثانية سنة ٧٢٨ رأيته عند الحاج الشيخ محمد سلطان المتكلّمين (٢) بطهران ، وذكر فيه أنّه كتب أوّلا الكتاب الموسوم بالدعامة في إثبات الإمامة (٣).

__________________

(١) روضات الجنات ، ص ٦٠٩ ، الطبعة الأولى.

(٢) المراد من المتكلمين في وصفه هو «الواعظين» المتكلّمين على المنابر.

(٣) الذريعة ، ج ١ ، ص ٦٣ ، طبعة النجف.

٢١

قلت : وقد وفّق الله تعالى السيّد الأمين العاملي قدس‌سره الوقوف على فهرس تصانيف العلّامة ركن الدين الجرجاني رحمه‌الله تعالى في مجموعة من خطّه في مكتبة الشيخ الحجّة الكبير الشهيد الشيخ فضل الله النوري قدس‌سره (١) بطهران.

فإليك أيّها القارئ الكريم ما ذكره في أعيان الشيعة فيما يلي بعين ألفاظه رحمه‌الله تعالى : «ووجدنا في مجموعة من خطّه في مكتبة الشيخ فضل الله النوري في طهران كان يملكها السيّد كاظم العاملي سنة ١٢٩٤ فهرست تصانيفه كما يلي :

فهرست تصانيف الفقير إلى الله تعالى محمد بن علي الجرجاني غفر الله ذنوبه وستر عيوبه بمحمّد وآله :

١ : روضة المحقّقين في تفسير الكتاب المبين خمسة مجلّدات.

٢ : الإشارات في علم البلاغة والمعاني والبيان والبديع.

٣ : المباحث العربية في شرح الكافية الحاجبية.

٤ : سرائر العربية في شرح الوافية الحاجبيّة.

٥ : غاية البادئ في شرح المبادي في أصول الفقه.

٦ : الدرة البهية في شرح الرسالة الشمسية في الميزان.

٧ : التجويد في شرح التجريد في علم الميزان.

٨ : وسيلة النفس إلى حظيرة القدس في حقيقة الإنسان.

__________________

(١) شهيد الانقلاب الدستوري بطهران في ١٣ رجب سنة ١٣٢٧. وقد كان هذا المجتهد المفكّر الكبير من المصوبين للمشروطية في إيران ، ثمّ عرف بعلمه المتدفّق وفكره الصائب نتائجها السيئة بعدم العمل بها حقيقة وظهرت تلك النتائج بمرور السنين على نقيض من قوانين الإسلام المقدّسة ، وتحققت صحّة ما فهمه هذا الرجل العظيم وقد جابه في عصره الإلحاد والمنكر زمنا طويلا فمضى شهيدا ـ بيد الظلم والعدوان وبتصويب جمع من الخونة قتله ـ في سبيل الدعوة إلى الله تعالى والحماية عن الإسلام ، وقضية صلبه من الجنايات التي ضبطها التاريخ في ألواحه الخالدة ، ولا تنسى على مرّ القرون والأعوام ، ولا بدّ للباحث عن الحقائق من الرجوع إلى صفحات جريدة «الاطلاعات» المنتشرة في سنة ١٣٥٥ وما نقله فيها من رسائل هذا الشيخ الشهيد ومكاتيبه التي كتبها في المواضيع المختلفة وما ذكره فيها من الحقائق الراهنة. وهو مدفون بقم في مقبرة خاصة به في الصحن الأتابكي. قدس الله روحه ونوّر ضريحه.

٢٢

٩ : إشراق اللاهوت في شرح الياقوت في علم الكلام.

١٠ : الدعامة في الإمامة.

١١ : الشافية عن أمراض القلوب القاسية.

١٢ : تحفة الأشراف في درر الأصداف في العلوم الثلاثة.

١٣ : البديع في النحو وشرحه المسمّى بالرفيع.

١٤ : الرافع في شرح النافع في الفقه.

١٥ : گلستان عربي بالفارسية في التهجد.

١٦ : غنية الطالب في شرح المطالب في العلوم الثلاثة.

١٧ : رسالة الرحمة في اختلاف الأمّة.

١٨ : الدرّ الثمين في السرّ الدفين في اختلاف الأمّة (١).

١٩ : رسالة الأبحاث في تقويم الأحداث.

٢٠ : الرسالة الشمسية في الأركان الصيدية.

٢١ : التبر المسبوك في أوصاف الملوك.

٢٢ : عمدة الأملاك في هيئة الأفلاك.

٢٣ : معيار الفضل في مباحث العقل.

٢٤ : الإشراق في علم الأخلاق من الحكمة العملية.

٢٥ : تعريب أساس الاقتباس في الميزان.

٢٦ : الأخلاق النصيرية في تعريب الأخلاق الناصرية.

٢٧ : تعريب أوصاف الأشراف.

٢٨ : تعريب الفصول في الأصول لخواجه نصير الدين.

٢٩ : تعريب رسالة القضاء والقدر للمذكور.

٣٠ : الشافي في الفقه.

__________________

(١) كذا في أعيان الشيعة.

٢٣

ثمّ قال السيّد الأمين العاملي (ره) : «ووجدنا بعض هذه المؤلّفات قد ذهب أوّله وقال في آخره : فرغ مصنّفها الملتجئ إلى الحرم الغروي صلوات الله على مشرّفه محمد بن علي الجرجاني عن مغادرة فكره فيها بعد وضعها وزيادتها ونقصها وترتيبها وتهذيبها سلخ محرم سنة ٧٢٠ من الهجرة حامدا ومصلّيا ومستغفرا (اه) وفي آخرها أيضا : وفرغ كاتبها من كتابته يوم الأحد ثالث ذي القعدة سنة ٧٦٢ وهو العبد الفقير الحقير المحتاج إلى رحمة ربّه القدير ، الغريق في بحور الآثام المتمسّك بولاية آبائه أهل اليمين عليهم‌السلام أضعف عباد الله حرما وأقواهم جرما حيدر بن علي بن حيدر العلوي الحسيني الآملي غفر الله ذنوبه بالمشهد المذكور ، أعني الغروي سلام الله على مشرّفه في المدرسة المرتضوية رضوان الله عليه وعلى جميع المؤمنين والمؤمنات (١) ، انتهى.

والقارئ العزيز بعد ما نقلناه من فهرس تصانيف هذا الحبر الجليل والمتكلّم العلّامة ، خبير جدّا بأنّ جمعا كثيرا من علمائنا الإمامية ، مع كون أكثرهم صاحب التصانيف الكثيرة ، قد بقيت تراجمهم وتواريخ حالاتهم في زوايا الإهمال والنسيان ، لعدم اهتمام السلف على ضبط تراجمهم في الكتب والمسفورات ، ولذلك نسجت على حالاتهم عناكب النسيان ، وقد قيّض الله تعالى في عصرنا أمثال سيد الأعيان في كتابه الكبير أعيان الشيعة وشيخنا البحّاث الأكبر الطهراني (ره) في طبقات أعلام الشيعة لتحمّل أعباء هذه المهمّة وضبط تراجم كثير من علمائنا رضوان الله عليهم في كتابيهما ، ومع ذلك فقد بقي جمع كثير منهم لم يعلم حالاتهم وتراجمهم وتواريخ وفياتهم كما لم نقف إلى اليوم على تاريخ وفاة الشيخ ركن الدين الجرجاني (ره) بعد فضل التتبّع والتحقيق.

وإنّي أتعجب من بعض سلفنا الصالح حيث صرف همّه على ضبط تراجم علماء المخالفين وأهمل تواريخ علمائنا الماضين ، مع أنّ للعامّة في الاهتمام بهذا الأمر وضبط تواريخ علمائهم

__________________

(١) أعيان الشيعة ، ج ٤٦ ، ص ٣٠ ، طبعة بيروت.

٢٤

في كتب التراجم تقدّما باهرا علينا ، ومع ذلك اهتمّ البعض على نقل تواريخ علماء العامّة وضبط حالاتهم ، وقد كنت ذكرت ذلك إلى شيخنا العلّامة المدرّس التبريزي رحمه‌الله تعالى حين كان مشغولا بتأليف ريحانة الأدب فصدق قدس‌سره قولي وصوّب ، والله الهادي وهو الموفّق.

وقال سيد الأعيان : «الشيخ ركن الدين محمد بن علي بن محمد الجرجاني محتدا الأسترآبادي منشأ ومولدا ، الحلّي الغروي مسكنا كان عالما فاضلا متكلّما جليلا من تلاميذ العلّامة الحلّي. عن صاحب رياض العلماء أنّه قال : رأيت مجموعة من مؤلّفات المذكور الفاضل المشهور الذي كان من تلاميذ العلّامة الحلّي ، وشرح مبادي الأصول لأستاذه في حياة أستاذه العلّامة ، وفرغ من الشرح سنة ٦٩٧ وتلك المجموعة كلّها كانت بخطّ المؤلّف الجرجاني المذكور وفيها قصيدة للحسن بن راشد ، انتهى.

وقد جعل الشرح باسم السيّد أبي طالب عبد المطّلب بن علي بن المختار العلوي الحسيني ابن أخت العلّامة ، وتوجد نسخة الأصل في إيران وعندنا منه نسخة ، قال في خطبته : كما أنّ من حقّ الشيوخ إيصال المعاني المحقّقة بالدلائل المقرّرة الموشّحة بالألفاظ المحبرة إلى تلاميذهم بأدنى العبارة والكناية المحرّرة ، كذلك من حقّ التلاميذ أن يقرّروا ما استخرج شيوخهم من اللآلئ في بحار الليالي من أصداف أذهانهم ويوضّحوا ما أخرجوه من الجواهر عن معادن عقولهم وألحانهم.

ورأيت شيخنا المعظم وإمامنا الأعظم ... إلى أن قال بعد وصفه بجليل الصفات : «أبا منصور حسن بن يوسف بن المطهّر الحلّي أدام الله ظلّه على كافّة المسلمين لإفادة الوافدين عليه والقاطنين لديه بمحمّد وآله أجمعين قد وضع مقدّمته في أصول الفقه محكما أصولها مقلّا فضولها ، قد اجتنت معانيها الأبكار في أخباء ألفاظها ، وتسترّت عن كثير من خاطبيها وطلّابها ، عزمت على أن أشرحها شرحا كافلا بإبراز محاسنها من مكانها وإظهار دررها وجواهرها من أصدافها ومغابنها ...» (١)

__________________

(١) أعيان الشيعة ، ج ٤٦ ، ص ٢٩ ـ ٣٠ ، طبعة بيروت.

٢٥

مولده ومحتده

الظاهر أنّ مولده في العراق بالحلّة أرض «بابل» بلد العلم والأدب أو بالسيور ، ولكن ليس في كلمات المترجمين له تاريخ ولادته. وأصله من «سيور» قرية من قرى الحلّة ، وصرّح أستاذنا العلّامة المدرس التبريزى (ره) في ريحانة الأدب أنّه سيوري الأصل ، وسيور على وزن نزول ، قرية من قرى الحلّة (١). والأستاذ لم يعبأ في نسبة «السيوري» إلى ما قيل : لعلّه نسبة إلى السيور جمع سير : ما يقدّ من الجلد أو غير ذلك. فإنّه لم يشر إلى ذلك أصلا ، فإنّه مجرّد احتمال لا يعبأ به ، فيظهر منه أنّه تحقق عنده أنّ الصحيح في نسبة «السيوري» كما يعبّر عنه كثيرا في الكتب الفقهية «بالفاضل السيوري» أنّها نسبة إلى السيور قرية من قرى الحلّة.

ولقد أجاد الشيخ العلّامة المامقاني قدس‌سره في تنقيح المقال حيث استبعد احتمال كون نسبته إلى السيور التي هي جمع السير على ما قيل ، وقال : «إنّه بعيد فيه وإن صحّ في غيره» (٢).

قلت : مجرد الاستبعاد لا يكون دليلا ، ولكنّ سببه هو القرائن الدالّة على أنّ الصحيح في نسبته هو النسبة إلى القرية المذكورة فتكون دليلا على الاستبعاد.

وكان موطنه «النجف الأشرف» فمن وصفه «بالنجفي» كالأستاذ الدجيلي في أعلام العرب في العلوم والفنون وصاحب رياض العلماء فهو في محلّه ، ولا شكّ في صحّته.

نقل صاحب روضات الجنات عن رياض العلماء أنّه قال : «للمقداد ولد يسمّى بعبد الله بن الشيخ شرف الدين : أبي عبد الله المقداد بن عبد الله بن محمد بن الحسين بن محمّد السيوري الحلّي الأسدي المشهدي النجفي ، قال : وهو الذي ألّف له المقداد كتاب الأربعين حديثا ...» (٣)

قلت : صرّح في ماضي النجف أنّ ولده الشيخ عبد الله (ره) يروي عن والده الفاضل

__________________

(١) ريحانة الأدب ، ج ٤ ، ص ٢٨٣ ، الطبعة الثانية ـ تبريز.

(٢) تنقيح المقال ، ج ٣ ، ص ٢٤٥ ، طبعة النجف.

(٣) روضات الجنّات ، ج ٧ ، ص ١٧١ ، طبعة قم.

٢٦

المقداد (ره) كما يأتي نقل ذلك.

والمراد من المشهد الذي نسبه إليه هو النجف الأشرف «مشهد أمير المؤمنين عليه‌السلام» والتعبير عن النجف بالمشهد مشهور في العراق بين الناس ومتداول في ألسنتهم حتّى اليوم ، وأرباب السيارات ينادون في كربلاء المقدّسة المسافرين إلى النجف : «مشهد مشهد مشهد» ....

قال شيخنا البحّاثة الطهراني (ره) في تعليقه على المقدّمة التي جاد بها يراعه في أوّل المجلّد الثاني من الصراط المستقيم للعلّامة البياضي (ره) ما هذا لفظه الشريف في النسبة إلى «السيوري» : «ولعلّه نسبة إلى «سيور» قرية من لواحق الحلّة لم تذكر في معجم البلدان ، وأورده الشيخ يوسف كركوش في كتابه تاريخ الحلة الطبعة الثانية. هذا وقد ذكره البهبهاني في تعليقاته على الرجال الكبير طبعة ١٣٠٦ ، ص ٢٣٨ بعنوان المقداد بن عبد الله السوراوي ، وسورا مذكور في المعجم فراجع الصراط المستقيم ، ج ٢ ، ص ١٣ طبعة طهران.

أقول : الظاهر أنّ السورا بالقصر بعينها هي السيور ، ولذلك ذكره الوحيد البهبهاني قدس‌سره بعنوان «السوراوي» كما يظهر ممّا ذكره ياقوت في معجم البلدان : أنّ السورا موضع من أرض بابل وقريبة من الحلّة المزيدية ، ولا بأس بنقل ما ذكره ياقوت لمزيد الفائدة.

قال ياقوت : السوراء : بضمّ أوّله وسكون ثانيه ثمّ راء وألف ممدودة : موضع يقال : هو إلى جنب بغداد ، وقيل : هو بغداد نفسها ، ويروى بالقصر ، قيل : سمّيت بسوراء بنت أردوان بن باطي الذي قتله كسرى أردشير ، وهي بنتها ، وقال الأديبي : سوراء موضع بالجزيرة ، وذكر ابن الجواليقي أنّه ممّا تلحن العامّة بالفتح فقالت : سوراء.

سورا : مثل الذي قبله إلّا أنّ ألفه مقصورة على وزن بشرى : موضع بالعراق من أرض بابل ، وهي مدينة السريانيين ، وقد نسبوا إليها الخمر ، وهي قريبة من الوقف والحلّة المزيدية ، وقال أبو جفنة القرشي : ثمّ نقل أشعارا وقال : «وينسب إلى سورا هذه ابراهيم بن نصر السوراني من أهل سورا» (١).

__________________

(١) معجم البلدان ، ج ٣ ، ص ٢٧٨ ، طبعة بيروت.

٢٧

وقال في مراصد الاطّلاع بعد نقل خلاصة ما ذكره ياقوت في المعجم : «قلت : هي مدينة تحت الحلّة ، لها نهر ينسب إليها ، وكورة قريبة من الفرات» (١).

وقريب ممّا ذكره ياقوت في المعجم ، ذكر السامي في قاموس الأعلام باللغة التركية وقال : «سوراARUS عراقده حله قربنده أرض بابلدن معدود بر قصبه أولوب سريانيلرك مركزى بولنديغى ... جغرافيون عرب آثارنده مسطوردر. سوراني لقبيله مشهور بعض علماء اسلامك دخى مسقط رأسى بولنمشدر» (٢) ... إلى آخره.

وليعلم أنّه يظهر من ياقوت في المعجم ومن السامي في القاموس كما نقلنا عباراتهما أنّ النسبة إلى سورا : «السوراني» وفي كلام الوحيد البهبهاني (ره) «السوراوي» فلا تغفل. والظاهر أنّ الأوّل على خلاف القياس.

لقبه

نصّ جمع من أرباب كتب التراجم والرجال أنّ لقب شيخنا الفاضل المقداد رحمه‌الله تعالى «شرف الدين» كما نصّ على ذلك صاحب رياض العلماء ، وهو صريح شيخنا الأستاذ (ره) في الريحانة والأستاذ الدجيلي في أعلام العرب ، ونقلنا كلام صاحب الرياض ، بل هو المشهور في أكثر الكتب.

ويقال : إنّ لقبه «جمال الدين» كما نقله صاحب الروضات عن بعض الإجازات ونصّ عليه الفقيه البحراني (ره) في لؤلؤة البحرين والفقيه المحقق التستري (ره) في المقابس ، ونقل عن بعض نسخ أمل الآمل وجزم به بعض المعاصرين في مقدّمة كنز العرفان وكتبه في ظهر ذلك الكتاب في الطبع ، ونحن أيضا اقتفينا أثره في ظهر هذا الكتاب اللوامع ولكن الأرجح في نظري أنّ لقبه «شرف الدين» كما أنّ هذا هو المصرّح به من كاتب نسخة «آ» من كتابنا هذا اللوامع الإلهية وتاريخ كتابة النسخة سنة ٨٥٢ أي بعد وفاة الفاضل المصنّف (ره) ب ٢٦ سنة ، وسيأتي نقل عباراته.

__________________

(١) المراصد ، ج ٢ ، ص ٧٥٤ طبعة مصر.

(٢) قاموس الأعلام ، المجلد ٤ ، ص ٢٦٧٧.

٢٨

أساتذته ومشايخه

هو من أكابر تلامذة الفقيه المتضلّع الأفقه الشيخ شمس الدين أبي عبد الله محمّد بن الشيخ جمال الدين مكّي بن الشيخ شمس الدين محمد بن حامد بن أحمد النبطي العاملي الجزيني المشهور ب «الشهيد الأول» النائل لدرجة الشهادة والفائز بالسعادة في التاسع عشر من شهر جمادى الأولى سنة ٧٨٦ قدس الله روحه قتل بالسيف ثمّ صلب ثمّ رجم ثمّ أحرق ببلدة دمشق بعد أن حبس سنة كاملة بفتوى بعض علماء العامة.

وقد كتب الفاضل المصنّف قدس‌سره تاريخ شهادته وكيفيتها وفتوى علماء المخالفين لهذه الجناية التاريخية والفاجعة الكبيرة بخطّه الشريف ، ونقله عن خطّه جمع من علمائنا رضوان الله عليهم في كتبهم كما نقله المعاصر في مقدمة كنز العرفان (١).

والفاضل المصنف (ره) يروي عن أستاذه الشهيد قدس‌سره ، وحضر عنده رحمه‌الله واستفاد منه حتى صار من أرشد تلاميذه في الأرض المقدّسة النجف الأشرف ، ولم أقف على من ذكر أنّ الفاضل المصنّف (ره) سافر إلى الشام وحضر عند أستاذه الشهيد (ره) في بلدة دمشق أو غيرها ، بل صرّح بعضهم أنّه حضر عنده للارتشاف من نمير علمه المتدفّق عند باب مدينة علم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فيظهر من ذلك أنّ الشيخ الشهيد قدس‌سره أقام مدّة غير قصيرة في النجف وازدلفت طلاب العلوم نحوه وعكفوا عليه واستفادوا منه.

وله الرواية عن أستاذه كما صرّح به في إجازاته لتلامذته.

قال الفاضل المعاصر رحمه‌الله تعالى في مقدّمة كنز العرفان : كان مؤلّفنا ـ أعلى الله مقامه ـ من مشاهير تلامذته ـ يعني الشهيد ره ـ والراوين عنه ، له اختصاص وحظوة عند الأستاذ ، وولع بالبحث والتنقيب عنده ، ومن ذلك عمد إلى كتاب شيخه القواعد الفقهية فنضده ورتّبه على أحسن ترتيب وسمّاه نضد القواعد كما سيجيء ، كما أنّه سأله أو كاتبه في مسائل عديدة خلافية فأجاب عنها فسمّيت تلك المسائل مع أجوبتها بكتاب المسائل المقدادية.

__________________

(١) انظر مقدمة كنز العرفان ، ص ٦ ـ ٧ ، طبعة طهران.

٢٩

قال صاحب الروضات : «وهو الذي ينقل عنه في كتبنا الاستدلالية الفتاوى والخلافيات وكان نسبة تلك المسائل إلى تلميذه الشيخ المقداد السيوري قدس‌سره النوري» (١) انتهى.

والجدير بالذكر : أنّ الفاضل المصنّف (ره) أدرك الشيخ فخر المحقّقين ابن آية الله العلّامة على الإطلاق قدّس الله روحه ، وهو أستاذ شيخه الشهيد (ره) ويبعد أن لا يستفيد منه ، اللهمّ إلّا أن لا يكون في زمن فخر المحقّقين قدس‌سره قابلا للاستفادة منه والارتشاف من نمير علمه وحكمته ، فإنّ فخر المحقّقين (ره) توفّي سنة ٧٧١ وبين وفاته ووفاة الفاضل المصنّف (ره) خمسة وخمسون سنة ، ولكن الفاضل المصنّف (ره) شرح رسالة واجب الاعتقاد في أيام حياة فخر المحقّقين (ره) كما صرّح به في شرحه لها وسيجيء نقل عين كلماته عند التكلّم حول تأليفاته ، فمن كان في الاستعداد والقابلية بدرجة يشرح الرسالة المذكورة في أيام حياة فخر المحقّقين (ره) يكون له الاستعداد في الحضور عنده والاستفادة من محاضراته العلمية ، ولذلك ذكر الأستاذ الدجيلي في كتابه أعلام العرب أنّ فخر المحقّقين (ره) استاذ الفاضل المقداد (ره) فراجع (٢) وصرح في ماضي النجف أنّ من أساتذته فخر المحقّقين والسيّد ضياء الدين عبد الله الأعرجي (٣).

تلامذته والراوون عنه

كان الفاضل المصنّف (ره) متوطّنا في الجامعة العلمية «النجف الأشرف» وكان وجها من وجوه أصحابنا الإمامية وفقيها شهيرا من فقهائنا الاثنى عشرية ، وكان طلاب العلوم يزدلفون حوله ويستفيدون من علمه وفقهه ومن نظرياته وتحقيقاته ، كما هو شأن كلّ أستاذ متبحّر مرجع في الفقه والاجتهاد وحائز لمرتبة الاستدلال والاستنباط في تلك الجامعة ، وهذه هى السيرة المستمرّ فيها منذ القرون والسنين إلى اليوم.

وقد تخرّج عليه جمع من الفقهاء ، وروى عنه كثير من الكبراء ، وسمع منه جمع غفير من

__________________

(١) روضات الجنّات ، ص ٥٩٣.

(٢) أعلام العرب ، ج ٣ ، ص ٦٢.

(٣) ماضي النجف ، ج ١ ، ص ٨٥ ، طبعة صيدا.

٣٠

شيوخ الاجازة ومشايخ الرواية. فإليك سرد أسماء جمع منهم فيما يلي :

الأول : قال الفاضل المعاصر (ره) في مقدّمة كنز العرفان عند عدّه لتلامذة الفاضل المصنّف (ره) والراوين عنه ـ ما هذا لفظه ـ :

منهم : شيخ مشايخ الإمامية في عصره أبو الحسن علي بن هلال الجزائري مولدا العراقي أصلا ومحتدا ، ففي إجازة المحقّق الكركي للقاضي صفي الدين عيسى ، قال بعد ما أثنى على شيخه أبي الحسن علي بن هلال الجزائري ثناء بليغا : وهذا الشيخ الجليل يروي عن جماعة من الأساطين من أجلّاء تلامذة الشهيد الأوّل وفخر المحقّقين منهم الشيخ مقداد بن عبد الله السيوري عن الشهيد (١) ، انتهى.

قلت : هذا ذهول عجيب وغفلة من المعاصر رحمه‌الله تعالى ، فإنّ الشيخ الأجلّ علي بن هلال الجزائري (ره) الذي كتب الإجازة للمحقّق الثاني الشيخ علي الكركي قدس‌سره سنة ٩٠٩ لم يرو بلا واسطة عن الفاضل المقداد السيوري المتوفّى سنة ٨٢٦ ، بل الجزائري يروي عن الفاضل السيوري المصنّف رحمه‌الله بواسطة الشيخ العلّامة صاحب المقامات العالية في العلم والعمل وصاحب الدرجات السامية والخصال النفسانية ـ التي لا توجد إلّا في الأقلّ ـ الفقيه جمال الدين أبي العباس أحمد بن شمس الدين محمد بن فهد الأسدي الحلّي المتولّد في سنة ٧٥٧ والمتوفّى سنة ٨٤١ المدفون في البستان المتّصل بالمكان المعروف «بخيمگاه» في كربلاء المقدسة ، المتبرّك بمزاره صاحب التصانيف الرائقة كالمهذّب البارع في الفقه وعدّة الداعي والتحصين وغيرها.

وقد أمر سيدنا وأستاذنا الأعظم فقيه العصر إمام الطائفة والمرجع الأعلى للشيعة السيّد الطباطبائي الحكيم قدّس الله روحه في أيام حياته ومرجعيته العامة ببناء مدرسة في صحن مزاره لطلاب العلوم الدينية كما أشرنا إلى ذلك في الرسالة التي كتبناها في تاريخ آثار سيدنا المعظّم الأستاذ قدس‌سره بالفارسية ، ووسمناها آثار تاريخى آية الله حكيم وهي مطبوعة منتشرة ، فراجع.

__________________

(١) مقدّمة كنز العرفان ، ج ١ ، ص ٨ ، طبعة طهران.

٣١

فعليّ بن هلال الجزائري يروي عن الفاضل المقداد السيوري بواسطة الشيخ ابن فهد الحلّي وليس له الرواية عنه بلا واسطة كما تخيّله المعاصر (ره).

ففي تحقيق ما ادعيناه نقول :

قال في المستدرك : «ويروي ـ يعني المحقّق الكركي ـ أيضا عن الطود الأعظم ... علي بن هلال الجزائري شيخ مشايخ الإمامية في عصره. قال تلميذه المحقّق الكركي في إجازته للقاضي صفي الدين ... ثمّ نقل ثناء المحقّق في حقّه ، وما ذكره الشيخ ابن أبي جمهور الأحسائي في أوّل غوالي اللآلي ... وما ذكره المحدّث الجزائري في المقامات ـ إلى أن قال : ـ عن صاحب المقامات العالية ... جمال الدين أبي العباس أحمد بن شمس الدين محمد بن فهد الأسدي الحلّي ...

ثمّ أشار إلى ما ذكره في ترجمة السيّد علي خان الحويزاوي ذكر رسالة له فيها كرامة باهرة له ... ثمّ نقل ما ذكره النقّاد الخبير الشيخ عبد النبي الكاظمي (ره) في ترجمته في تكملة الرجال ـ إلى أن قال : قال المحقق الكركي في الإجازة السابقة بعد ذكر شيخه علي بن هلال : وأجلّ أشياخه الذين قرأ عليهم وأخذ عنهم وأفقههم وأزهدهم وأعبدهم وأتقاهم ، الشيخ الأجلّ الزاهد العابد الورع العلّامة الأوحد جمال الدين أبو العباس ...» (١).

وهذا الشيخ الجليل يروي عن جماعة من الأساطين من أجلّاء تلامذة الشهيد الأوّل وفخر المحقّقين.

الاول : الشيخ مقداد السيوري ، وقد مر ذكره (٢).

الثاني : الشيخ زين الدين أبو الحسن علي بن ... الخازن الحائري ، ثمّ ذكر المحدّث النوري قدس‌سره أسماء مشايخه الأخرى ، فلاحظ.

__________________

(١) انظر المستدرك ، ج ٣ ، ص ٤٣٤ ـ ٤٣٥ وينبغي الرجوع إلى «المشيخة» أو الإسناد المصفّى إلى آل المصطفى لشيخنا الأستاذ الطهراني (ره) صاحب الذريعة ص ٥٦ ـ ٥٧ طبعة النجف سنة ١٣٥٦.

(٢) الظاهر أنّه يشير إلى ما ذكره في المستدرك ، ج ٣ ، ص ٤٣١ بقوله : «الشيخ الفاضل الفقيه المتكلم المحقق الوجيه جمال الدين أبي عبد الله المقداد بن عبد الله بن محمد بن الحسين بن محمد السيوري الاسدي الحلي الغروي صاحب التنقيح وكنز العرفان وغيرهما.

٣٢

فظهر أنّ المعاصر رحمه‌الله زعم أنّ ما ذكره المحقّق الكركي في الإجازة التي كتبها للقاضي صفي الدين في حقّ الشيخ ابن فهد الحلّي (ره) إنّما هو في حقّ الشيخ علي بن هلال الجزائري (ره) وهو خطأ واضح وقع فيه من عدم التعمّق في عبارة المستدرك.

قوله : «وهذا الشيخ الجليل يروي» ... إلى آخره ، يعني ابن فهد الحلّي (ره) فالأول من العلماء والأكابر الذين أخذوا عن الفاضل المصنّف (ره) ورووا عنه ، هو الشيخ العلّامة صاحب المقامات العالية الفقيه الورع ابن فهد الحلّي المشهور الذي أو عزنا إلى تاريخ ولادته ووفاته ، صاحب المهذّب البارع ، وفي مكتبتنا نسخة مخطوطة منه.

الثاني : الشيخ شمس الدين محمد بن الشجاع القطّان الأنصاري الحلّي العالم الكامل صاحب كتاب معالم الدين في فقه آل ياسين المعروف بابن القطّان. ذكره سيّدنا العلّامة الطباطبائي بحر العلوم قدس‌سره في فوائده الرجالية ، وذكر روايته عن الفاضل المقداد المصنف (ره) عن الشهيد (ره) وذكر كتابه وقال : «ويظهر من تتبّع الكتاب فضيلة المصنّف رحمه‌الله ، وهو على طريقة الفاضلين في أصول المسائل ، لكنه قد يغرب في التفاريع والذي أرى صحّة النقل عنه (١)».

الثالث : رضي الدين عبد الملك بن شمس الدين اسحاق بن عبد الملك بن محمد بن محمد بن فتحان الحافظ (٢) القمي محتدا القاساني مولدا (٣).

الرابع : الشيخ العالم الفاضل زين الدين علي بن الحسن بن علالة ، وكان من تلامذته أيضا ، أجازه في ثاني جمادى الآخرة سنة ٨٢٢.

قال صاحب الرياض : «رأيت كتاب الأربعين حديثا للمقداد رحمه‌الله في أردبيل في مجموعة بخطّ تلميذ المصنّف ، وعليه اجازته له ، صورتها :

«أنهى قراءة هذه الأحاديث الشيخ الصالح العالم الفاضل زين الدين علي بن حسن بن

__________________

(١) الفوائد الرجالية ، ج ٣ ، ص ٢٨٠ ط النجف سنة ١٣٨٦ بتحقيق السيدين العلمين : سيدنا العلّامة الأكبر السيد محمد صادق الطباطبائي بحر العلوم وسيدنا العلّامة السيد حسين الطباطبائي بحر العلوم دام بقاؤهما.

(٢) كذا في مقدمة كنز العرفان ، ص ٩ «الواعظ» ، روضات الجنات ، ج ٧ ، ص ١٧٤ طبعة قم.

(٣) مقدمة كنز العرفان ، ص ٩ ، روضات الجنات ، ج ٧ ، ص ١٧٤.

٣٣

علالة ، وأجزت له روايتها عنّي عن مشايخي قدّس الله أسرارهم ، وكتب المقداد بن عبد الله السيوري في الخامس والعشرين من جمادى الأولى سنة ٨٢٢ (١).

الخامس : الفاضل الفقيه والشاعر الأديب الشيخ حسن بن راشد الحلّي وكان من تلامذته أيضا. له أرجوزة في تاريخ الملوك والخلفاء ، وأرجوزة في تاريخ القاهرة ، وأرجوزة نظم فيها ألفية الشهيد قدس‌سره المسمّاة بالجمانة البهية في شرح الألفية ، فرغ من نظمها سنة ٨٢٥ وعدد الأبيات ٦٥٣ وقد قرظ منظومته الجمانة هذه شيخه المقداد تقريظا لطيفا ، وهو الذي أرّخ (٢) وفاة شيخه المقداد لسنة ٨٢٦. له أيضا قصائد تعرف بالحليّات وغير ذلك (٣).

قلت : ولنا طرق عديدة وأسانيد كثيرة في الرواية عن الفاضل المصنّف العلّامة قدّس الله روحه ، عن أساتيذنا ومشايخنا الأكابر المتّصلة طرقهم وأسانيدهم إلى هؤلاء العلماء الأفاضل من تلامذة الفاضل المقداد رحمه‌الله ، ومنهم إليه ، وسوف نشير إلى تلك الطرق الشريفة إن شاء الله تعالى.

وللفاضل المصنّف (ره) معاصر من العلماء الأعاظم ، وهو العلّامة الجليل الشيخ فخر الدين أحمد بن عبد الله بن سعيد بن المتوّج البحراني ، الشهير بابن المتوّج صاحب المؤلفات الكثيرة ، وهو الذي يعبر الفاضل المقداد (ره) عنه في كتابه كنز العرفان بالمعاصر انظر إلى ما كتبه الفاضل المعاصر (ره) في مقدمة كنز العرفان في هذا الباب لا يهمنا هنا نقله.

جمل الثناء وحلل الإطراء عليه

إنّ المترجمين للفاضل المصنّف (ره) وإن لم يفصّلوا في شرح حاله وترجمة أحواله على نحو يليق بمقامه ، كما هو دأب أكثر القدماء والسالفين في أغلب تراجم رجال العلم وأصحاب الفضيلة من الاقتصار على اسم المترجم وبعض ألقابه ، ولكنهم لم يقصروا من الإطراء عليه والتصريح بجميل فضله وعلمه المتدفّق وسطوع فضله الغزير وكونه من العلماء المحقّقين.

__________________

(١) الذريعة ، ج ١ ، ص ٤٢٩ طبعة النجف.

(٢) يأتي نقل ما وجد بخطّه في حقّ شيخه المقداد (ره) في تعليق سيدنا الطباطبائي آل بحر العلوم دام ظلّه على الروضات.

(٣) الأعلام للزركلي ، ج ٢ ، ص ٢٠٤ ، الذريعة ، ج ١ ، ص ٤٢٩ ـ ٤٦٥.

٣٤

وحفظا لحقّ المترجمين له نذكر من كلماتهم ومن جميل وصفهم وثنائهم على الشيخ المصنّف (ره) على ما وصل إلينا من كلماتهم وما نالته يدي من مقالاتهم الشريفة. فنقول : قال الشيخ الحرّ (ره) في أمل الآمل : الشيخ جمال الدين المقداد بن عبد الله بن محمد بن الحسين بن محمد السيوري الحلّي الأسدي كان عالما فاضلا متكلّما محقّقا مدقّقا له كتب ... يروي عن الشهيد محمد بن مكّي العاملي ، وكان فراغه من شرح نهج المسترشدين سنة ٧٩٢» (١).

وقال السيّد المحقق صاحب روضات الجنات ـ بعد نقل ما سمعت عن أمل الآمل ـ : أقول : هو الذي يعبر عنه في فقهيات متأخري أصحابنا ب «الفاضل السيوري» وينقل عن كتابه في آيات الاحكام كثيرا ، وكنيته أبو عبد الله ، وفي بعض المواضع صفته أيضا بالغروي نزلا وكأنّه كان من جملة متوطّني ذلك المشهد المقدّس حيّا وميّتا ...» إلى آخره.

قلت : توطّنه في أرض الغري مما لا شكّ فيه.

ثمّ نقل عن صاحب الرياض : أنّ للمقداد (ره) ولد يسمّى بعبد الله بن الشيخ شرف الدين أبي عبد الله المقداد ... إلى آخره.

ثمّ قال : «وذكر أيضا في ذيل ترجمة علي بن هلال الجزائري أنّه يروي بالسند العالي عن الشيخ مقداد السيوري عن الشهيد» (٢).

مراده من رواية علي بن هلال الجزائري شيخ الشيعة في زمانه بالسند العالي ، هو الشيخ العلّامة ابن فهد الحلّي قدس‌سره صاحب المهذّب البارع الذي مرّ تحقيقه.

قال المحقّق التستري (ره) في أوّل كتابه المقابس : «ومنها : السيوري لتلميذه ـ يعني الشهيد ـ الشيخ الفاضل الفقيه المتكلّم الوجيه المحقّق المدقّق النبيه جمال الدين وشرف المعتمدين أبي عبد الله المقداد ... الغروي ، أفاض الله على تربته سجال لطفه الروي ، وله كتب منها التنقيح وكنز العرفان ونضد القواعد الشهيدية وغيرها».

ذكره المحدّث القمي (ره) في الكنى والألقاب ، ولم يزد في وصفه على ما ذكره في أمل الآمل شيئا ، ثمّ ذكر بعض تأليفاته وروايته عن الشهيد (ره) ورواية محمد بن شجاع القطّان

__________________

(١) أمل الآمل ، ج ٢ ، ص ٣٢٥ طبعة النجف سنة ١٣٨٥.

(٢) روضات الجنّات ، ج ٧ ، ص ١٧١ طبعة قم.

٣٥

وغيره من تلاميذه عنه (١). ونظيره فعله في كتابه الفوائد الرضوية (٢).

ونقل فيه ما ذكره صاحب الروضات من احتمال كون مدفنه في البقعة الواقعة في برية بغداد ، ولكن الاحتمال المذكور ممّا لا وجه له.

قال العلامة المامقاني قدس‌سره في تنقيح المقال : «كان عالما جليلا وفاضلا نبيلا محقّقا مدقّقا متكلّما وفقيها يروي عن الشهيد (ره) ويروي عنه محمد بن شجاع القطّان وله مصنّفات جيّدة ... وقد بسط الكلام في ترجمته في روضات الجنّات من شاء فليراجعه» (٣).

قلت : صاحب الروضات وإن بسط الكلام ـ بعد نقل ما ذكره في أمل الآمل في حقّه ـ ولكن لا في ترجمة أحواله ، بل بسط الكلام في نقل بعض الفوائد من تأليفاته ، فراجع.

قال السيّد الأجلّ الجابلقي قدس‌سره في الروضة البهية في الطرق الشفيعية : «الشيخ العالم مقداد ... كان عالما فاضلا متكلّما محقّقا من الفقهاء الذين يعتمد على فتاويهم ، وله كتب منها ... والرجل من أعيان العلماء نقي الكلام حسن البيان كما يظهر بالتأمل في كلماته ، وهو يروي عن الشيخ الشهيد رضوان الله عليهم جميعا (٤)» انتهى.

قال عمر رضا كحالة في كتابه معجم المؤلفين (٥) :

المقداد السيوري (... ـ ٨٢٦ ه‍) (... ـ ١٤٢٣ م)

المقداد بن عبد الله بن محمد بن الحسين بن محمد السيوري الحلّي الأسدي فقيه أصولي متكلّم مفسّر أخذ عن الشهيد الأول محمّد بن مكّي ، وتوفّي بالنجف في ٢٦ جمادى الآخرة من آثاره ... ـ وعد عدة من تأليفاته التي يأتي ذكرها عند بيان تصانيفه ثم ذكر مصادر الترجمة وقال ـ :

__________________

(١) الكنى والألقاب ، ج ٣ ، ص ٧ طبعة صيدا.

(٢) الفوائد الرضوية ، ج ٢ ، ص ٦٦٧ ، طبعة طهران.

(٣) تنقيح المقال ، ج ٣ ، ص ٢٤٥ طبعة النجف.

(٤) العالم العامل الجليل الفقيه الحاج سيد شفيع الجابلقي المتوفى ١٢٨٠ من تلامذة النراقي صاحب المستند والسيد المجاهد الطباطبائي والسيد حجّة الاسلام وشريف العلماء المازندراني قدس الله أسرارهم ، وكتابه الروضة البهية يشبه اللؤلؤة للبحراني (ره) مطبوع على الحجر قديما ، وفي مكتبتنا نسخة منه.

(٥) معجم المؤلفين ، ج ١٢ ، ص ٣١٨ طبعة دمشق.

٣٦

(خ) البحراني : الثبت ٤٧ / ٢ ، ٤٨ / ١ ، فهرس مخطوطات الظاهرية ، آغا بزرك : أعلام الشيعة عن حسين علي محفوظ.

(ط) الخوانساري : روضات الجنات ٤ : ١٢٧ ـ ١٢٩ ، البغدادي : إيضاح المكنون ١ : ٢٢٩ ، ٣٣١ ، ٢ : ٣٨٦ ، ٤١٣ ، ٦٥٥ ، ٦٩٤ ، الزركلي : الأعلام ٨ : ٢٠٧ ، ٢٠٨ ، آغا بزرك : مصفّى المقال ٤٦٢ ، تذكرة المتبحّرين ٨ ، المامقاني : تنقيح المقال ٣ : ٢٤٥ ، البغدادي : هدية العارفين ٢ : ٤٧٠.

. ٩٠٢ : II, S : dnamlekcorB

قال الأستاذ الدجيلي في كتابه أعلام العرب : الفاضل السيوري ... ٨٢٦ ـ شرف الدين أبو عبد الله المقداد ... الحلّي الأسدي النجفي العالم المتكلّم المعروف بالفاضل السيوري ، من تلامذة الشهيد الأوّل ومن أساتذة الشيخ حسن بن راشد الحلّي صاحب المؤلفات المعروف ، والشيخ زين الدين علي بن الحسن بن علالة الذي أجازه السيوري في الثاني من جمادى الآخرة سنة ٨٢٢.

كان الفاضل السيوري من أعلام المتكلّمين والمحقّقين ، وله مشاركة قوية في جملة من علوم : التفسير والكلام والفقه والحديث وغيرها ، وتوفّي في ٢٦ جمادى الآخرة سنة ٨٢٦ ه‍ ، ومن مؤلفاته : ...» (١).

قال أستاذنا العلّامة المدرّس التبريزي (ره) في كتابه ريحانة الأدب ما هذا لفظه بالفارسية : «فاضل مقداد ـ مقداد بن عبد الله ـ يا عبيد الله ـ بن محمد بن حسين بن محمد حلّي ـ سيوريّ الأصل ، أسدي القبيلة ، أبو عبد الله الكنية ، شرف الدين اللقب ، غروي الموطن والمدفن ، عالمى است فقيه متكلّم محقّق مدقّق معقولى منقولى از أكابر علماى اماميه ، كه در كتب فقهيّه أواخر متأخرين محض بجهت انتساب او به قريه سيور ـ بر وزن نزول ـ نامى از قراء حله به فاضل سيورى شهرت داشته واز اجلّاى تلامذه شهيد اوّل ومجازين وى بوده ومحمد بن شجاع قطّان حلّى نيز از وى روايت مى كند تأليفات منيفه دارد : ...» (٢) ثمّ

__________________

(١) أعلام العرب في العلوم والفنون ، ج ٣ ، ص ٦٣ طبعة النجف.

(٢) ريحانة الأدب ، ج ٤ ، ص ٢٨٢ ـ ٢٨٣ ، الطبعة الثانية ـ تبريز.

٣٧

شرع لتعداد تصانيفه المنيفة.

وأما قوله في ذكر اسم أبيه بالترديد : (يا عبيد الله) فممّا لا وجه له ولم أدر من أين أخذه وذكره بالترديد ، فإنّه ليس له مصدر وثيق يعتمد عليه ، فكان على الأستاذ رحمه‌الله تعالى أن لا يذكره.

فما يوجد في بعض الرسائل المطبوعة بطهران على الحروف «عبيد الله» فهو من أغلاط النسخة أو المطبعة ، فإنّ الرسالة المذكورة مشحونة بالأغلاط المطبعية بحيث لا يمكن الركون والاعتماد عليها ، والله العاصم.

قال خير الدين الزركلي في كتابه الأعلام :

«المقداد الحلّي (.. ـ ٨٢٦ ه‍) (.. ـ ١٤٢٣ م)

مقداد بن عبد الله بن محمد بن الحسين بن محمد السيوري الحلّي الأسدي : فقيه إماميّ. من تلاميذ الشهيد الأول محمد بن مكّي. وفاته بالنجف. له كتب منها : ...»(١).

واعلم أيّها القارئ الكريم أنّ من فضل الله تعالى علينا ومن توفيقاته الشاملة إلينا أن وقفنا في هامش كتاب روضات الجنّات للمحقّق العلامة الخونساري الأصفهاني قدس‌سره من طبعته الجديدة على الحروف في المجلد السابع طبعة قم سنة ١٣٩٢ على تعليقة لسيدنا العلّامة المحقّق الكبير السيّد محمد صادق الطباطبائي بحر العلوم النجفي أدام الله ظلاله ، كتبها عند ترجمة الفاضل المقداد قدس‌سره حقيق نقلها هنا برمّتها ، فإنّ فيها بعض النكات والأوصاف في حقّ الفاضل المصنّف رحمه‌الله ـ نقلا عن خطّ تلميذه وأقرب الناس إليه ـ ما لم يوجد في غيرها ، ومنّا جزيل الشكر لناقل تلك التعليقة في هذا المحلّ من الروضات ، وجزاه الله خير الجزاء.

قال دام ظلّه العالي ما هذا لفظه الشريف (٢) : «وجدت في خزانة كتب آية الله المجاهد شيخنا الشيخ محمد الجواد البلاغي النجفي المتوفّى سنة ١٣٥٢ نسخة من قواعد الشهيد الأوّل من موقوفات الشيخ محمد علي البلاغي رحمه‌الله ـ كما كتب عليها بخطّ الشيخ إبراهيم بن

__________________

(١) الأعلام ، ج ٨ ، ص ٢٠٦ ، الطبعة الثالثة.

(٢) الروضات ، ج ٧ ، ص ١٧٤ ـ ١٧٥.

٣٨

حسين بن عباس بن حسن بن عباس بن محمد علي البلاغي ـ وهي منقولة عن نسخة كانت منقولة عن خطّ ولد المصنّف الشيخ ضياء الدّين علي بن محمد بن مكّي الشهيد الأول ، والكاتب هو الشيخ محمد علي بن سلوة النجفي ، في النجف الأشرف يوم السبت السابع والعشرين من جمادى الأولى سنة ٩٨٦ نقلها عن نسخة كتابتها في الثامن عشر من المحرّم سنة ٨٣٨ وكتب على الهامش أنّها قوبلت مع كتاب شيخنا الشيخ زين الدين بن إدريس فروخ بحسب الجهد والطاقة.

وأيضا كتب على الهامش ما نصّه : «وفاة العالم العامل الشيخ يحيى بن قاسم الكاظمي يوم الجمعة ٢٦ المحرّم سنة ١١٣٧ ه‍ ـ.

وفي آخرها بخطّ غير كاتب النسخة لكنّه عتيق ـ نقلا عن خطّ الشيخ حسن بن راشد الحلّي ـ ما لفظه : (توفّي شيخنا الإمام العلّامة الأعظم أبو عبد الله المقداد بن عبد الله (١) السيوري نضّر الله وجهه بالمشهد المقدّس الغروي على مشرّفه أفضل الصلوات وأكمل التحيات ، ضاحي نهار الأحد السادس والعشرين من شهر جمادى الآخرة سنة : ٨٢٦ ودفن بمقابر المشهد المذكور وكان بيّض الله غرسه رجلا جميلا من الرجال ، جهوري الصوت ذرب اللسان ، مفوّها في المقال ، متفنّنا في علوم كثيرة ، فقيها متكلّما أصوليا نحويا منطقيا ، صنّف وأجاد ، صنّف في الفقه كنز العرفان في فقه القرآن ، كتاب قصره على الآيات المتضمّنة للأحكام الشرعية فأحسن تصنيفه ، وكتاب اللوامع الإلهية في علم الكلام ، وشرح مختصر شيخنا نجم الدين أبي القاسم ابن سعيد المسمّى بالنافع شرحا أكثر فيه الإفادة ، وأظهر الإحكام والإجادة ، وبلغ الحسنى وزيادة ، ولا يشبه بغيره من الشروح البتة ، يعرف ذلك من وقف عليها وعليه ، وشرح الفصول النصيرية في الكلام ، وشرح تجريد البلاغة للشيخ ميثم البحراني بسؤال العبد الكاتب ـ يعني نفسه ـ وقابلت معه بعضه.

ورتّب قواعد الشهيد شمس الدين محمد بن مكي ترتيبا اختاره ، وبحثت معه شيئا منها

__________________

(١) يرى القارئ العزيز أنّ المنقول عن خطّ تلميذ الفاضل المصنّف (ره) ، وهو الشيخ حسن بن راشد الحلّي (ره) في اسم والد الفاضل هو «عبد الله» لا «عبيد الله» كما ذكره شيخنا الأستاذ (ره) في الريحانة بالترديد في ذكره ، فما نقل عن خطّ تلميذه أعدل شاهد على أنّ «عبيد الله» من غلط النسخة كما ذكرناه فيما مرّ.

٣٩

فقطع المباحثة لأمر لم يطلعني عليه ، ومنع من إتمام كتابتها ، وقال : إنّي ما كتبتها إلّا لنفسي، وإنّي لا أكتبها أحدا ، وكان كما قال ـ رحمه‌الله ـ فإنّه لم يكتب بعد تلك المباحثة ... وله شرح نهج المسترشدين في علم الكلام شرحا حسنا ، وله غيره «وهنا كلمة مطموسة لم تقرأ» ولعلّها ذكر بقية مؤلفات المقداد ، كتبه الفقير إلى «وهنا أيضا كتابة مطموسة لم نهتد إلى قراءتها» والظاهر أنّها ذكر اسم الكاتب الشيخ حسن بن راشد الحلّي والله اعلم. انتهى ما وجدناه في خزانة المرحوم شيخنا البلاغي قدّس الله سرّه ، والحمد لله رب العالمين.

محمد صادق بحر العلوم

انتهى ما في هامش روضات الجنات عند ترجمة الفاضل المقداد (ره) من التعليقة التي كتبها سيدنا العلّامة الطباطبائي بحر العلوم ، نسأل الله تعالى العافية له عن الأسقام والآلام ، فإنّه من مفاخرنا آل طباطبا ومن ذخائرنا العلمية في جامعة النجف الأشرف حفظها الله تعالى عن شرّ الأشرار من أعداء الاسلام بحقّ النبي وآله صلوات الله عليهم أجمعين.

ثقافته العالية

غير خفيّ على من له إلمام بالفقه وأصوله والكلام وفروعه أنّ الفاضل المصنّف الحبر العلّامة في الدرجة الأولى والقمّة العليا من الثقافات الإسلامية والمعارف الدينية المنتشرة في زمانه ، وفي الطليعة من علمائنا وفقهائنا الذين حازوا المراتب العالية في العلم والفضل في أصول الدين وفروعه.

تشهد بما ادّعيناه تصانيفه الرائقة وتأليفاته الممتعة التي حازت موقعا مقبولا في أذهان العلماء ، حتّى عكف طلاب العلوم الدينية والمدرّسون على أصغر كتاب له في الظاهر وأكبر في المعنى ، وهو النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادي عشر بالبحث والتدريس منذ عصر الفاضل المصنف (ره) إلى عصرنا هذا ، ولذلك له طبعات كثيرة على مرّ السنين يعسر حصرها وعدّها ، ومن أحسن طبعاته الحجرية طبعة سنة ١٢٩٢ بتبريز بخطّ الشيخ العالم الشيخ عبد الرحيم التبريزي الخطّاط المشهور رحمه‌الله ، والعلماء أقبلوا على هذا الكتاب الشريف والشرح المنيف إقبالا عظيما قلّما يتّفق مثله في حقّ كتاب آخر ، ولسيدي الوالد الماجد المعظم

٤٠